هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري] المجلد 6

هوية الکتاب

بطاقة تعريف: الجزائري المروج، السيد محمدجعفر، 1378 - 1288، شارح

عنوان واسم المؤلف: هدی الطالب الی شرح المکاسب [انصاري]/ تالیف السيد محمدجعفر الجزائري المروج

تفاصيل المنشور: بیروت: موسسة التاریخ العربي، 1416ق. = - 1375.

ISBN : 1250ریال(ج.1) ؛ 1250ریال(ج.1)

لسان : العربية.

ملحوظة : الإدراج على أساس معلومات الفيفا.

ملحوظة : ج. 5 (1421ق. = 1379)10000 ریال :(ج. )5ISBN 964-5594-43-x

ملحوظة : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378)27500 ریال :ISBN 964-5594-28-6

ملحوظة : کتابنامه

عنوان آخر: المکاسب. شرح

موضوع : انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214ق.، المکاسب -- نقد و تفسیر

موضوع : معاملات (فقه)

موضوع : فقه جعفري -- قرن ق 13

المعرف المضاف: انصاري، مرتضی بن محمدامین، 1281 - 1214، المکاسب. شرح

ترتيب الكونجرس: BP190/1/الف 8م 70213 1375

تصنيف ديوي: 297/372

ص: 1

اشارة

الطبعة الأولى

١٤٢٨ه_ - ٢٠٠٧م

مؤسسة التاريخ العربي للطباعة والنشر والتوزيع

THE ARABIC HISTORY Publishing - Distributing

بيروت - لبنان - شارع دكاش - هاتف ٥٤٠٠٠٠ - ٥٤٤٤٤٠ - ٤٥٥٥٥٩ - فاكس 800717 - ص.ب. ١١/٧٩٥٧

Beyrouth - Liban - Rue Dakkache - Tel: 540000 - 544440-455559 - Fax: 850717 - p.o.box 7957/11

ص: 2

«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء و المرسلين محمّد و آله الطيبين الطاهرين، لا سيّما الإمام المبين و غياث المضطر المستكين عجّل الله تعالى فرجه الشريف، و اللعن المؤبّد على أعدائهم أجمعين.

ص: 3

ص: 4

[تتمة كتاب البيع]

[تتمة شرائط المتعاقدين]

[تتمة الشرط الخامس]

[تتمة بيع الفضولي]
[لو باع من له نصف الدار نصف تلك الدار]
اشارة

مسألة (1) لو باع من له نصف الدار نصف ملك (2) [تلك] الدار

______________________________

(1) بيع نصف الدار هذه المسألة معنونة في كتب القوم، و «النصف» من باب المثال، و لا خصوصية له، كعدم خصوصية الدار أيضا. فالثلث و الربع و غيرهما من الكسور أيضا كذلك.

كما أنّ البستان و الدكان و الخان، بل المنقولات- من غير الحيوان، و من الحيوان ناطقة و صامتة- كذلك. فالنزاع في مسألة بيع نصف الدار يعمّ الجميع.

بل يندرج في البحث الصلح و الهبة، و نقل المنافع، كما إذا آجر نصف الدار المشتركة بينه و بين غيره.

و على كلّ، فإن باع أحد الشريكين حصّته للأجنبي، فقال: «بعتك نصف الدار» كان له صور ثلاث، إذ تارة يحرز قصده بيع النصف المملوك له، و لا كلام في صحته.

و اخرى يحرز قصد بيع حصّة الشريك من دون إذنه، فيكون فضوليا. و حيث قلنا بصحة البيع الفضولي تأهّلا، فإن أجاز المالك صح، و إن ردّ بطل.

و ثالثة لم يحرز قصده تفصيلا لبيع حصّته، أو حصّة شريكه، أو النصف المشاع بينهما بأن يبيع نصف النصف لنفسه، و كذا لشريكه. و في هذا الفرض احتمالان، كما سيظهر بالتفصيل. و المقصود فعلا بيان وجه ارتباط هذه المسألة ببيع الفضولي و ببيع ما يملك و ما لا يملك، إذ بناء على الصورة الثانية تكون المسألة من صغريات البيع الفضولي. و بناء على الصورة الثالثة تكون من «بيع ملك غيره مع ملك نفسه» لو قلنا بظهور «بيع النصف» في بيع نصف النصف من حصة نفسه، و نصف النصف من حصة الشريك.

(2) الإضافة بيانية بناء على نسخة «ملك الدار» أي: بيع نصف الدار.

ص: 5

[حمل النصف على النصف المختص بالبائع أو المشاع بين المالكين]

فإن علم [1] أنّه أراد نصفه (1) أو نصف الغير (2) عمل (3) به (4)،

______________________________

(1) أي: نصفه المختص به.

(2) و هو مالك النصف الآخر.

(3) جواب قوله: «فإن علم» و جملة الشرط و الجزاء جواب قوله: «لو باع».

(4) أي: بالمعلوم، فإن كان نصفها المختص به كان البيع ماضيا، و إن كان نصفها المملوك لشريكه، وقف نفوذه على إجازته بناء على صحة عقد الفضولي.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه تارة يعلم مراده تفصيلا من اللفظ، و أخرى لا يعلم ذلك، فالبحث يقع في مقامين:

أحدهما: أن يعلم مراده تفصيلا، و يتبع حينئذ حكمه. فإن كان نصفها المملوك له، فالبيع صحيح فعلي، و يترتب عليه أثره، فيجب عليه الوفاء به من إقباضه.

و إن كان نصفها المملوك لشريكه كان البيع فضوليا، و يتوقف نفوذه على إجازة شريكه.

و إن كان نصفها المشاع بينه و بين شريكه لزم البيع في نصف حصته، و وقف في نصف حصة شريكه على إجازته.

ثانيهما: أن يعلم إجمالا مراده إمّا بإرادة إحدى الصور المذكورة من دون علمنا بعينها، و إمّا بإرادة مفهوم اللفظ عرفا من كون نصف الدار هو النصف المشاع بين الحصتين أو النصف المختص به أو بشريكه.

فلو فرض وضوح مفهومه فلا إشكال في البناء عليه و ترتيب أثره الشرعي و إن لم يتضح مفهومه و اشتبه، فلا بدّ من تعيين مراده بالظهورات الكاشفة عن المرادات إن لم تكن معارضه، إذ المفروض كون البائع مريدا لمعنى، لا ساهيا و لا لاغيا، فإنّ عبارة الساهي ليست موضوعة لهذا البحث.

و من هنا ظهر عدم اختصاص هذا النزاع بما إذا علم إجمالا بمراد البائع بالخصوص من كون المبيع حصّته المختصة به أو بشريكه أو النصف المشاع بين الحصتين، بل يعمّ ذلك ما إذا أراد مفهوم لفظ «نصف الدار» مثلا، لا خصوص إحدى الصور المزبورة. و بالجملة: يعمّ النزاع ما إذا علم المراد إجمالا، و ما إذا علم أنّ مراده مفهوم اللفظ، فإنّ مراده في كلتا الصورتين يحرز بالظهور الكاشف عنه لو لم يعارضه ظهور آخر.

لا يقال: إنّ البيع في صورة إجمال مفهوم اللفظ باطل، و لا مجال للبحث عن صحته، للجهل بالمبيع.

فإنه يقال: انّ المبيع معلوم و هو النصف، و المالك مجهول، و لا ضير فيه، لعدم اعتبار العلم بالمالك في صحة البيع.

ص: 6

و إلّا (1) فإن علم أنّه لم يقصد بقوله: «بعتك نصف الدار» إلّا مفهوم هذا اللفظ (2) ففيه احتمالان، حمله (3) على نصفه المملوك له،

______________________________

(1) أي: و إن لم يعلم المراد من النصف في قوله: «بعتك نصف الدار» من نصفه المختص به أو المختص بشريكه، فان علم .. إلخ.

(2) و هو «نصف الدار» فقط خاليا عن إضافته إلى نصفه المختص به أو إلى النصف المشاع بين الحصتين.

و الفرق بين هذه الصور الثلاث- بعد اشتراكها في معرفة المراد- هو: أن المعرفة في الأوليين تفصيلية، و في الثالثة إجمالية، إذ مراده فيها مفهوم اللفظ من حيث إنّه حاك عن الواقع الذي هو مراده، لا المفهوم بما هو مفهوم.

و عليه فالمراد بقول المصنف قدّس سرّه: «و إلّا» أي: و إن لم يعلم تفصيلا خصوصية النصف من كونه نصيبه أو نصيب غيره. و ليس المراد عدم العلم رأسا، بقرينة قوله: «فإن علم أنّه لم يقصد بقوله: بعتك نصف الدار إلّا مفهوم هذا اللفظ».

كما ظهر أنّ مورد الكلام هو إحراز القصد الجدّي لبيع النصف، و لكن لم يعلم المراد منه تفصيلا، فيستكشف بالظهورات. و ليس المقصود تعيين النصف حتى مع عدم إرادته الجدية، إذ لو لم يقصد البيع جدّا كان كإنشاء الهازل في الفساد، و لا معنى لحجية الظهور الكاشف عمّا ليس بمراد.

(3) عطف بيان ل «احتمالان» و هذا أحد الاحتمالين، و محصله: أنّه يحمل قوله:

«بعتك نصف الدار» على النصف المملوك له، دون النصف المختص بغيره، و دون النصف

ص: 7

و حمله (1) على النصف المشاع بينه و بين الأجنبيّ.

و منشأ الاحتمالين (2) [1] إمّا تعارض ظاهر النصف- أعني الحصّة المشاعة في

______________________________

المشاع بين الحصتين.

(1) معطوف على «حمله» و هذا ثاني الاحتمالين، و ملخّصه: حمل «نصف الدار» في قوله: «بعتك نصف الدار» على النصف المشاع بينه و بين شريكه.

(2) و هما: احتمال حمل «النصف» على النصف المملوك للبائع، و احتمال حمله على النصف المشاع بينه و بين شريكه.

و لعلّ الوجه في التعبير ب «الاحتمالين»- دون القولين- عدم الظفر بمن يقول بالاحتمال الثاني أعني به كون المبيع حصة مشاعة بينه و بين شريكه. و إنما ذكر في الكلمات وجها.

قال العلّامة قدّس سرّه: «و لو باع مالك النصف النصف انصرف إلى نصيبه. و يحتمل الإشاعة، فيقف في نصف نصيب الآخر على الإجازة» «1».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ منشأ الاحتمالين هو وجود الظهور في الإشاعة، لإطلاق النصف و عدم تقيده بقيد، و وجود ظهوره في النصف المختص لأجل التصرف و إنشاء البيع.

و ليس منشأ الاحتمالين تعارض ظاهر النصف في الإشاعة مع هذين الظاهرين، بل تعارضهما يوجب سقوطهما عن الاعتبار و الرجوع إلى أدلة صحة البيع بالنسبة إلى نصف حصة البائع و هو ربع الدار، للعلم بصحة البيع فيه، لعدم مانع عن صحته فيه. و تقديم بعض الظهورات على بعضها الآخر أجنبي عن باب التعارض و مندرج في الجمع العرفي.

و لعلّ مراد المصنف قدّس سرّه هو التعارض الصوري الموجود في جميع الجموع العرفية كالعامّ و الخاص، و المطلق و المقيد، و الأظهر و الظاهر، و غيرها. و لو قيل: بحكومة القرينة على ذيها لقدّمت على ذيها و إن كانت أضعف ظهورا من ذي القرينة، كما قرّر ذلك في بحث الحكومة.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 20.

ص: 8

مجموع النصفين (1) مع (2) ظهور انصرافه في مثل (3)

______________________________

و نقل السيد العاملي هذين الاحتمالين عن نهاية الاحكام و الإيضاح و جامع المقاصد أيضا، و نقل عن فخر الدين و المحقق و الشهيد الثانيين قدّس سرّه ترجيح الاحتمال الأوّل، بل الجزم به في بعض المواضع، بل عن صلح المسالك نسبته إلى الأصحاب، فراجع «1».

ثم لا يخفى أنّ البائع لنصف الدار تارة يكون أجنبيا عن شريكه في بيع حصته، و اخرى يكون وكيلا عنه أو وليّا عليه. و مورد الاحتمالين المذكورين في المتن هو الصورة الاولى. و أمّا الثانية فسيأتي حكمها في (ص 16).

(1) توضيحه: أنّ في قوله: «بعتك نصف الدار» ظهورات ثلاثة، تقتضي أحدها الحمل على الإشاعة، و الآخران الحمل على النصف المختص. فالظهور الأوّل هو ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين. و الظهوران الآخران ظهور المقام و الكلام في بيع الحصة المختصة بالبائع، كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(2) منشأ ظهور «النصف» في المشاع في كلتا الحصتين هو إطلاقه، و عدم تقيده، بمقيّد، إذ لم يقل: «بعتك نصف الدار، و هي حصّتي، أو: و هي حصة شريكي» فلأجل هذا الإطلاق الناظر إلى «النصف»- مع الغضّ عن كل قيد معه- يحمل على النصف المشاع في حصتي البائع و شريكه. كما أنّ سائر الكسور ظاهرة في الإشاعة أيضا.

و هذا الظهور معارض بأحد ظاهرين آخرين في النصف المختص بالبائع كما سيأتي.

(3) متعلّق بقوله: «تعارض» و هذا أوّل الظاهرين المعارضين لظهور «النصف» في الحصّة المشاعة بين الشريكين، و محصله: الظهور المقامي لكلمة «النصف» في ما يختص بالبائع، لا المختص بالشريك، و لا المشاع بينهما. و ذلك لاقتضاء مقام التصرف المعاملي كون المتصرّف سلطانا على ما يتصرّف فيه إمّا بالملك و إمّا بالولاية أو الوكالة. و حيث إنّ المفروض انتفاء الولاية و الوكالة تعيّن وقوع البيع للمتصرف، إذ لولاه كان فضوليا لو باع حصة شريكه كلّا أو بعضا، و هو خلاف ما قامت عليه السيرة من اعتبار سلطنة

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207

ص: 9

..........

______________________________

المتصرف في المال.

و عليه فالبيع- الذي هو من التصرفات التي لا بدّ أن تقع في الملك- يوجب صرف «النصف» إلى حصة البائع، فإذا قال مالك نصف الدار: «بعت نصفها» فيقال: إنّه أراد نصفها المختصّ به، دون النصف المشاع بين الحصتين، بحيث يكون المبيع نصف الحصّتين.

و هذا الظهور الناشئ عن التصرف البيعي المتوقف على ملكية المبيع للبائع يوجب ظهور النصف في النصف المختص بالبائع، دون النصف المشاع بينه و بين شريكه. و يعارض هذا الظهور ظهور النصف- بنفسه- في النصف المشاع بين الحصتين.

هذا كلّه في ظهور المقام للانصراف.

و هناك ظهور آخر في اختصاص المبيع بحصة البائع، و هو ظهور الكلام أي:

الإنشاء، و بيانه: أنّ الإنشاء يتقوّم بالقصد إلى إيجاد المنشأ في وعاء الاعتبار- بالقول أو بالفعل- كما عليه المشهور من الالتزام بالتسبيب. فقول الموجب: «بعتك نصف هذه الدار» صالح لإرادة بيع الحصة المختصة به، و بيع حصة شريكه. إلّا أنّ مقتضى عدم إضافة البيع إلى الغير وقوع البيع في حصة البائع، لعدم توقفه على أزيد من قصد حقيقة البيع، و هي مبادلة مال بمال. بخلاف وقوعه للغير، لتوقفه على مئونة زائدة، و هي إمّا قصد البيع للغير، و إمّا قصد البيع لنفسه.

و بيانه: أنّ بيع مال الغير تارة يقصد به وقوعه لذلك الغير كما في الوكيل و الولي و الفضولي المتعارف، حيث إنّ كلّا منهم يبيع المال بقصد خروجه من ملك المالك، و حلول الثمن محلّه.

و اخرى يقصد به وقوعه لنفسه كما تقدم تصوّره في ثالثة مسائل بيع الفضولي، حيث إنّ البائع إمّا يعتقد- لشبهة- كون المال لنفسه، فيقصد وقوعه لنفسه. و إمّا يبني عدوانا على تملكه للمال كالغاصب، فيبيع لنفسه.

و لا ريب في انتفاء هذه الأمور في المقام، إذ مفروض البحث هو العلم بأنّ مقصود البائع تمليك ما يفهم من لفظ «النصف» و الجهل بخصوصية المبيع.

كما لا ريب في أنّ وقوع العقد للغير منوط بإضافته إليه في مقام الإنشاء، بأن يقول:

ص: 10

المقام (1)- من مقامات التصرّف- إلى (2) نصفه المختصّ، و إن (3) لم يكن له هذا الظهور في غير المقام، و لذا (4) يحمل الإقرار على الإشاعة كما سيجي ء (5).

______________________________

«بعتك نصف الدار و هو حصة الشريك» أو بالقصد، على ما سبق تفصيله في مسألة اعتبار القصد، و في ثالثة مسائل بيع الفضولي.

و حيث إنّ البيع مطلق غير مضاف إلى الغير لفظا فهو عقد العاقد بالإضافة الأوّليّة.

و الفرق بين ظهور المقام و الكلام هو: أنّ الأوّل يحرز من الخارج أي من اقتضاء مقام المعاملة، لكون المتصرف مريدا للتصرف النافذ الموضوع للأثر، إمّا لأصالة الصحة في فعل المتصرف، و إمّا لغلبة صدور التصرفات من الملّاك، و إمّا لاعتبار سلطنة المتصرف في المال عرفا. و أنّ الثاني ناش من دلالة هيئة الجملة على كون التمليك لنفسه، لا للغير.

و عليه فلا وجه لتوهم كون المعارض لظهور النصف في المشاع ظهور واحد، و هو ظهور الفعل- أعني به التصرف- في كون المبيع النصف المختص بالبائع. هذا.

و المتحصل: أنّه بعد تعارض ظهور الكلام في بيع النصف المشاع مع ظهوره في بيع الحصة المختصة، يصير المراد مجملا، إلّا إذا أمكن رفع الإجمال بترجيح أحد الظهورين ليؤخذ به.

(1) و هو مقام التصرف المتوقف على الملك كالبيع و العتق و الوقف.

(2) متعلق بقوله: «انصرافه».

(3) وصلية، أي: و إن لم يكن للنصف هذا الظهور- أي ظهور في النصف المختص- في غير مقام التصرف المنوط بالملك كالبيع.

(4) أي: و لعدم ظهور «النصف» في النصف المختص- في غير موارد توقف التصرف على الملك- يحمل مثل «النصف» في باب الإقرار على الإشاعة. فلو قال مالك نصف الدار: «نصف الدار لزيد مثلا» يحمل على المشاع في حصته و حصّة شريكه، لما سيأتي.

(5) بقوله في (ص 40): «فلا إشكال في أن لفظ النصف المقرّبة إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع يحمل على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه» فإنّ الحمل هناك

ص: 11

أو مع (1) ظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه، لأنّ (2) بيع مال الغير لا بدّ فيه إمّا من نيّة الغير (3)، أو اعتقاد (4) كون المال لنفسه، و إمّا من بنائه على تملّكه للمال عدوانا كما في بيع الغاصب (5). و الكلّ خلاف المفروض هنا (6).

[الفرق بين النصف و بين مثل بعت غانما]

و ممّا ذكرنا (7) يظهر الفرق.

______________________________

على الإشاعة للإطلاق الذي لم تقم قرينة معيّنة على خلافه، كما قامت هنا على خلافه، و هو النصف المختص، لظهور الفعل في تمليك مال نفسه، و ظهور إنشاء البيع لنفسه.

(1) معطوف على «مع ظهور» هذا هو الظاهر الثاني المعارض لظهور «النصف» في النصف المشاع بين الحصّتين. و تقريب هذا الظاهر المعارض هو: أنّ إنشاء البيع ظاهر في كون البيع لنفسه، فيكون المبيع الحصّة المختصة به. و هذا الظاهر يعارض ظهور «النصف» في الحصة المشاعة بين الحصتين.

(2) تعليل لظهور إنشاء البيع في البيع لنفسه. و محصل التعليل: أنّ صحة بيع مال الغير- مع تعينه في الخارج- لا تتوقف على تعيين مالكه. و أمّا مع عدم تعينه كالمقام و بيع الكلي الذمّي فلا بدّ من تعيّنه، لأنّ المبيع الكلي لا يقع للغير إلّا بإضافة المبيع الذمّي إليه، إذ بدون إضافته إلى الغير يقع البيع لنفسه. ففيما نحن فيه يقع البيع لنفسه.

(3) هذا أحد الوجوه الثلاثة المشار إليها. و قد عرفت توضيحه.

(4) هذا ثاني الوجوه الثلاثة المذكورة، و هو: أن يعتقد كون المبيع ملكا له، مع خطائه في اعتقاده، فيبيع مال الغير مع هذا الاعتقاد الخطائي، فينوي المعاوضة الحقيقية بحسب هذا الاعتقاد.

(5) حيث إنّ الغاصب لا يبيع لنفسه إلّا بناء على أنّه مالك للمبيع عدوانا، قضية لتطبيق مفهوم المعاوضة، و المفروض أنّ هذا البناء أيضا مفقود فيما نحن فيه.

(6) أي: في بيع نصف الدار، إذ المفروض إرادة مفهوم لفظ «نصف الدار» مهما كان.

و قد تحصّل إلى هنا: أنّ تعيين مقصود البائع للنصف مشكل، لإجمال «النصف» من جهة تعارض ظهوره في المشاع، مع ظهور التصرف و الإنشاء في نصيبه المختص به، و لا ترجيح حسب الفرض لأحد الظهورين على الآخر.

(7) من كون بيع النصف ذا احتمالين متكافئين. و غرضه من هذا الكلام منع ما أفاده

ص: 12

بين ما نحن فيه (1) و بين قول البائع: «بعت غانما» مع كون الاسم (2) مشتركا بين عبده و عبد غيره، حيث ادّعى فخر الدّين الإجماع على انصرافه (3) إلى عبده، فقاس (4) عليه ما نحن فيه.

______________________________

فخر المحققين- و تبعه بعض- من رفع إجمال النصف و تعيينه في حصة البائع، و ذلك بقياسه على ما ذكروه في مسألة ما إذا قال السيّد «بعت غانما» و كان المسمّى بغانم عبدين، أحدهما ملك البائع، و ثانيهما ملك الغير. حيث قالوا بانصراف المبيع إلى مملوك البائع، لأصالة التصرف المقتضية لوقوع البيع في ملكه.

و كذا يقال في المقام، فيحمل «النصف» على الحصة المختصة بالبائع.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بمنع المقايسة، للفرق بين ما نحن فيه و بين مثال بيع «غانم». توضيح وجه الفرق بينهما: أنّ حمل «الغانم» على عبده دون عبد غيره إنّما هو لأجل عدم ظهوره في عبد الغير حتى يعارضه الظهوران المقتضيان لوقوع البيع على عبده.

كما كان الأمر كذلك في نصف الدار، فإنّه كان ظاهرا في الإشاعة بين الحصتين، للإطلاق و عدم التقييد، و لذا عارضه هذان الظهوران.

فعليه يكون ظهور بيع «الغانم» و تصرفه فيما يملكه و يختص به سليما عن المعارض، و هو ظهور «الغانم» في عبد الغير، فيحكم بأنّ المبيع هو عبد البائع دون غيره.

و بالجملة: فليس في بيع الغانم ظهورات ثلاثة حتى يعارض اثنان منها- و هما ظهور التصرف في اختصاص المتصرف فيه بالمتصرف، و ظهور الإنشاء في كون البيع لنفسه- ظهور «غانم» في عبد الغير.

(1) و هو بيع نصف الدار.

(2) و هو «غانم» المفروض اشتراكه بين عبد البائع و عبد غيره.

(3) أي: انصراف «غانم» إلى عبده، لا عبد غيره.

(4) يعني: فقاس فخر الدين قدّس سرّه على بيع العبد المسمّى ب «غانم» بيع نصف الدار، و قال: إنّ وزان بيع نصف الدار وزان بيع الغانم. فكما أنّ بيع هذا العبد لا ينصرف إلى عبد آخر، مع اشتراكهما في الاسم و هو «غانم»، فكذلك بيع نصف الدار، فإنّه لا ينصرف إلّا إلى بيع ما يملكه من نصف الدار، و لا ينصرف إلى المشاع بين الحصتين «1».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 421، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 207.

ص: 13

إذ (1) ليس للفظ المبيع (2) هنا ظهور في عبد الغير [1] فيبقى [فبقي] ظهور البيع في وقوعه لنفس البائع، و انصراف (3) لفظ المبيع في مقام التصرّف إلى مال المتصرف سليمين عن المعارض (4)، فيفسّر بهما (5).

______________________________

(1) تعليل لقوله: «يظهر الفرق» فغرضه بيان الفرق بين ما نحن فيه من بيع نصف الدار و بين بيع العبد المسمّى بالغانم.

توضيحه: أنّ اشتراك «الغانم» لفظيا بين عبد البائع و عبد غيره أوجب الإجمال و عدم ظهوره في عبد غير البائع، حتى يعارضه ظهور التصرف في ملكية المتصرف فيه للمتصرف، و ظهور الإنشاء في إنشاء البيع لنفسه. فيبقى هذان الظهوران سليمين عن المعارض، و هو ظهور «غانم» في عبد غير البائع، و يحكم بدوا بكون المبيع عبد نفس البائع، لا عبد غيره. و هذا بخلاف بيع نصف الدار، لما مرّ من الظهورات الثلاثة، و فيه تعارض اثنين منها لأوّلها.

(2) المراد بلفظ المبيع هنا لفظ «غانم» في قوله: «بعت غانما».

(3) معطوف على «ظهور» و المراد بلفظ المبيع في مقام التصرف لفظ «غانم».

(4) و هو ظهور «الغانم» في عبد الغير حتى يعارض ذينك الظهورين.

(5) يعني: فيفسّر بدوا لفظ المبيع و هو «غانم» بظهور «بيع غانم» في وقوعه لنفس مالكه، و بظهور التصرف في ملكية المال المتصرف فيه للمتصرف بلا معارض.

______________________________

[1] الظاهر أنّ القياس في محله، إذ ليس للفظ «النصف» أيضا ظهور في الإشاعة، بل هو مجمل كالغانم، لعدم ظهور وضعي و لا انصرافي له في الإشاعة، بل النصف و لفظ «غانم» سيّان في الإجمال، فليس للنصف ظهورات ثلاثة و للغانم ظهوران، بل للنصف أيضا ظهوران.

و لو سلّم أنّ للنصف ظهورات ثلاثة لم يقدح في القياس أيضا، لعدم فرق جوهري بينهما، ضرورة أنّه لا فرق في كون المرفوع بالظهورين الكاشفين عن ملكية المبيع للبائع

ص: 14

______________________________

- و كون البيع له- بين إجمال نصف الدار في نفسه، و بين ظهوره في الإشاعة.

فالمتحصل: أنّ قياس فخر المحققين قدّس سرّه في محله.

ثم إنّ هنا أمورا ينبغي التنبيه عليها.

الأوّل: ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله: «ثم انّه لو كان البائع وكيلا ..» إلخ و الحقّ فيه كما يظهر من البيانات السابقة و اللاحقة في توضيح المتن: أنّ مقتضى أصالة البيع و عدم قصد البيع عن الغير هو كون البيع لنفسه، و واقعا على النصف المختص به، فلاحظ.

الثاني: أنّ الفضول إذا باع نصف الدار يحمل على المشاع في الحصتين، للإطلاق، و عدم القرينة على التعيين. و الحمل على تمام إحدى الحصتين بالخصوص ترجيح بلا مرجح، فنفوذ العقد منوط بإجازة الشريكين معا.

و يحتمل كفاية إجازة أحدهما تمام حصّته مع احتمال إرادة بيع كلّي النصف المنطبق على حصة كل من الشريكين.

الثالث: إذا وقع «النصف» في كلام أحد المالكين في مقام الإقرار، و قال: «نصف هذه الدار لزيد» و لم تقم قرينة على مراده، حمل على المشاع بين الحصتين، إذ ليس الإقرار كالبيع قرينة على كون المبيع تمام حصة المقرّ، لعدم كون الإقرار كالبيع تصرفا في المقرّ به حتى تكون أصالته قرينة على إرادة حصة المقرّ فقط، فإنّ البيع و الصلح تصرف في المال لإزالة إضافة الملكية، دون الإقرار، حيث إنّه إخبار عن خروج المقرّ به من أوّل الأمر عن ملكهما، و اختصاص شركتهما في ما عدا المقرّ به.

و عن كاشف الغطاء قدّس سرّه: قرينية قوله: «أنا مقرّ بأنّ نصف الدار لزيد» على إرادة النصف المختص بالمقرّ، بخلاف ما لو قال: «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على المشاع بين الحصتين.

لكنه مشكل، لعدم ظهور لفظ الإقرار في ذلك. بل يحمل في كلتا الصورتين على الإقرار في نصف حصته، و الشهادة في نصف حصّة شريكه و نفوذها منوط باجتماع شرائط الشهادة.

الرابع: أنّ الظاهر جريان بحث بيع نصف الدار في النصف المقسوم، كجريانه في

ص: 15

[لو كان البائع وكيلا في بيع النصف]

ثم إنّه لو كان البائع (1) وكيلا في بيع النصف أو وليّا عن مالكه، فهل هو

______________________________

(1) هذا شروع في حكم الصورة الثانية التي أشرنا إليها (في ص 9) من أنّ البائع لنصف الدار قد يكون وكيلا عن مالك النصف الآخر، أو وليا عليه، في قبال ما تقدم في الصورة الأولى من كون البائع أجنبيا عن المالك.

و توضيح ما أفاده هنا: أنّه إذا باع مالك نصف الدار نصفها، و قال: «بعت نصف الدار» مع كونه وليا أو وكيلا عن مالك النصف الآخر في بيع حصته، ففي كون المبيع تمام حصّة البائع، و هي النصف المختص به، ليكون البيع صحيحا لازما في تمام النصف، أو كونه النصف المشاع بين الحصتين، ليكون البيع لازما في نصف حصة البائع، و هو ربع الدار، و لازما أيضا في الربع الآخر بدون إجازة مالك النصف الآخر؟ وجهان مذكوران في بيع مالك النصف إذا كان أجنبيا عن النصف الآخر، و هما: ظهور التصرف في كونه في ملكه، و ظهور أصالة البيع في كون البيع لنفسه.

فارتفاع ظهور النصف في الإشاعة إن كان بظهور التصرف في ملكية المال المتصرف فيه، فالاحتمال واحد، و هو نفوذ البيع في النصف المشاع، إذ المفروض استيلاؤه على بيع تمام الدار، نصفها بالملكية، و النصف الآخر بالولاية أو الوكالة. فلا يلزم لغوية بيع النصف المشاع بين الحصتين حتى نحتاج في تصحيح بيعه و نفي لغويته إلى التشبث بظهور التصرف في ملكية المتصرف فيه للبائع، لعدم توقف نفوذ بيع المشاع بين الحصتين على ملكية الكاشف عنها ظهور التصرف فيها.

و إن كان ظهور النصف في الإشاعة بظهور البيع في كونه لنفس البائع، فهذا الظهور يعارضه ظهور «النصف» في الإشاعة.

و لمّا كان كلا الظهورين بالإطلاق، و لم يترجح أحدهما على الآخر، صار كل من

______________________________

النصف المشاع. فكما حمل بيع النصف المشاع على النصف المختص بالبائع، فكذلك في المقسوم، بل فيه أظهر من حمل المشاع على المختص، لوجود قرينتين على الحمل على المختص في المقسوم، إحداهما: ظهور التصرف في الحمل على الاختصاص.

ثانيتهما: نفس الإفراز، فإنّه بمنزلة أن يقول: بعت نصفي من هذه الدار.

ص: 16

كالأجنبيّ (1)؟ وجهان (2)، مبنيّان على أنّ المعارض لظهور النصف في المشاع هو انصراف (3) لفظ المبيع إلى مال البائع في مقام التصرّف، أو ظهور (4) التمليك في الأصالة.

الأقوى هو الأوّل (5)،

______________________________

النصف المختص بالبائع و النصف المشاع بين الحصتين محتملا. فالاحتمال بناء على ارتفاع ظهور النصف في الإشاعة بين الحصتين- بأصالة البيع- ثنائيّ، كثنائية الاحتمال في صورة أجنبية البائع عن النصف الآخر.

(1) في وجود احتمالين فيه، أحدهما: احتمال حمل «النصف» على المشاع بين الحصتين، لظهور النصف في الإشاعة.

و ثانيهما: حمله على النصف المختص بالبائع، لأصالة البيع.

(2) مبتدء مؤخّر، أي: في هذا الفرض وجهان، أحدهما: وحدة حكم الصورتين، و ثانيهما: اختلاف حكمهما، فيقال بالإجمال في البائع الأجنبي، و في الوكيل و الولي بالظهور على تقدير، و بالإجمال على تقدير آخر.

(3) خبر قوله: «أنّ المعارض» يعني: انصراف إطلاق البيع مقاميّا إلى النصف المختص بالبائع.

(4) معطوف على «انصراف» و هذا هو المعارض الثاني لظهور النصف في الإشاعة، و محصله: ظهور التمليك المضاف إلى البائع في قوله: «بعتك نصف الدار» في الأصالة، و كون البيع لنفسه لا لغيره، و مقتضاه كون المبيع النصف المملوك له، دون المشاع بين الحصتين.

و مع كون المبيع خصوص حصته لا ضير في إرادة الإشاعة منه، لأنّ معنى الإشاعة إجمالا- إلى أن يجي ء تفصيلها ان شاء اللّه تعالى في بيع الصاع من الصبرة- هو أنّ مفهوم «نصف الدار» التي هي عين خارجية هو كلّ نصف فرض في هذه الدار- من النصف الشمالي و الجنوبي و الشرقي و الغربي- ينطبق على حصة البائع، لأنّ مالك الكلي مالك لمصداقه، كمالكيته للكلي الذّمي. فبيع منّ من الحنطة- من دون إضافته إلى ذمة- يقع في ذمته، و لا حاجة في إضافته إلى ذمته إلى قصد كونه في ذمته.

(5) و هو كون المعارض لظهور «النصف» في الإشاعة هو ظهور انصراف المبيع

ص: 17

لأنّ (1) ظهور التمليك في الأصالة من باب الإطلاق، و ظهور النصف في المشاع و إن كان كذلك (2) أيضا، إلّا أنّ ظهور المقيّد (3) وارد [1] على ظهور المطلق.

______________________________

- أعني به نصف الدار- إلى ما يملكه البائع، لظهور التصرف في ذلك، و المتعين الأخذ بظهور «النصف» في الإشاعة تحكيما لظهور القيد على ظهور المطلق.

(1) هذا تعليل الأخذ بظهور النصف في الإشاعة، و محصله: أنّ ظهور النصف في الإشاعة ظهور القيد و هو النصف، حيث إنّه مفعول «بعت» و المفعول من قيود الفعل.

و ظهور القيد و إن كان هو بالإطلاق كظهور التمليك في الأصالة، لكنّه مقدّم على إطلاق المطلق، و هو البيع، لأنّه من تقديم ظهور القيد- و هو النصف- على ظهور المطلق أعني به البيع و التمليك.

(2) أي: من باب الإطلاق أيضا.

(3) و هو «النصف» الذي هو قيد للبيع في قوله: «بعت نصف الدار» و وجه وروده على المطلق و هو «بعت»: أنّ النصف لكونه مفعولا به ل «بعت» يكون قيدا له، و ظهور

______________________________

[1] و ربّما يوجّه هذا الورود بما في حاشية المحقق الخراساني قدّس سرّه و غيرها من أنّ ظهور المتعلق مقدم على ظهور الفعل.

و لعلّه- كما في حاشية المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: «لأنّ استقرار الظهور منوط بتمامية الكلام، فالمتعلق كالقرينة الصارفة للظهور الذاتي للفعل، و إلّا لم يتوقف فعلية الظهور على تماميته» «1».

و لذا أورد على المصنف بمخالفته لما أفاده في باب عدم حجية الاستصحاب في المقتضي من تنظير مدلول «لا تنقض اليقين بالشك» ب «ما ضربت أحدا» لإطلاق الفعل و متعلقة، حيث إنّ الفعل شامل للمولم و غيره، كما أنّ «أحدا» يشمل الحيّ و الميّت، إلّا أنّ ظهور الضرب في المولم محكّم على ظهور «أحدا» فيختص بالأحياء.

و هذا المبنى يقتضي أن يقال به في مثل «بعت نصف الدار» من تقديم أصالة البيع في «بعت» على ظهور «النصف» في المشاع، مع أنّه حكّم في المتن ظهور «النصف» على ظهور

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 205.

ص: 18

و ما ذكره الشهيد الثاني (1)- من عدم قصد الفضولي إلى مدلول اللفظ «1»-

______________________________

القيد مقدّم على ظهور المطلق كما أشير إليه آنفا.

(1) هذا إشارة إلى دفع دخل مقدّر، و حاصله: منع ما أفاده من تقديم ظهور «النصف» في المشاع، تحكيما لظهور المقيّد على ظهور المطلق. و مبنى هذا الدخل كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه في بيع الفضولي من أنّ «الفضول قاصد للفظ دون مدلوله».

و عليه نقول في توضيح الاشكال: إنّ مجرّد ظهور القيد- و هو النصف- في المشاع، و تقدمه على ظهور الفعل المطلق- و هو البيع- لا يقتضي الحمل على الإشاعة، و كون المبيع نصف الحصتين. بل لا بدّ في الحمل المزبور من عدم مانع آخر. لكن المفروض وجوده، و هو ظهور حال المتكلم في إرادة مدلول ما يتلفّظ به، و هو بيع النصف المختص به. و ذلك قرينة مقامية مانعة عن إرادة بيع المشاع بين الحصتين، إذ لازم ظهور حال المتكلم عدم إرادة بيع نصف حصة الشريك، بناء على مبنى الشهيد الثاني قدّس سرّه، لفرض انتفاء قصد المدلول في الفضولي. فيتحقق هنا ظهوران متنافيان.

أحدهما: ظهور حال المنشئ في إرادة بيع النصف جدّا، و ثانيهما ظهور «النصف» في المشاع بينهما.

و حيث إنّ الثاني معلّق على الفضولية، و هي متوقفة على عدم قصد المدلول- كما قرّره الشهيد- و كان ظهور الحال في قصد المدلول منجّزا غير منوط بشي ء، تعيّن حمل «النصف» على الحصة المختصة بالبائع. و بهذا يوهن ما أفاده المصنف بقوله: «الأقوى هو الأوّل».

______________________________

الإنشاء لنفسه «2».

لكن يمكن أن يقال: بأنّ صريح المتن ورود ظهور المقيّد على ظهور المطلق، و ليس من باب تقديم ظهور المتعلق على الفعل لينافي كلامه في الاستصحاب.

مضافا الى: أنّ الظاهر إرادة مادة «النقض» من كلمة «الفعل» في باب الاستصحاب، و ليس المراد هيئة «لا تنقض» حتى يورد عليه بالتنافي بين كلاميه هنا و هناك.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 156

(2) حاشية المكاسب، للمحقق الخراساني، ص 87

ص: 19

و إن كان مرجعه (1) إلى ظهور وارد (2) على ظهور المقيّد، إلّا (3) أنّه مختصّ بالفضولي، لأنّ القصد الحقيقي موجود في الوكيل و الوليّ (4) [1]

______________________________

(1) أي: مرجع ما ذكره الشهيد الثاني قدّس سرّه إلى ظهور وارد .. إلخ.

(2) وجه وروده على ظهور المقيّد- و هو النصف- في المشاع هو: أنّ مقتضى ظهور حال المتكلم عدم إرادة مدلول ما يتكلّم به، و مع عدم إرادته لا يبقى مجال لظهور المقيّد- و هو النصف- في النصف المشاع، و لا لظهور المطلق- و هو البيع- في الأصالة ليكون ظهور النصف في المشاع واردا على ظهور البيع في الأصالة، و يجعل المبيع النصف المشاع بين الحصتين، بل لا بدّ من كون المبيع النصف المختص بالبائع.

هذا ما يظهر من بعض أجلة المحشين. لكن لا يبعد أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه من قوله: «و إن كان مرجعه إلى ظهور وارد ..» هو إسقاط ظهور خصوص القيد- و هو النصف- في المشاع، و إبقاء ظهور المطلق- و هو بعت- بحاله، لأنّ الظاهر الوارد- أعني به أصالة القصد في المتصرف- يعيّن المراد من النصف، و يمنعه من ظهوره في المشاع بين الحصتين.

(3) خبر قوله: «و ما ذكره» و هذا دفع الاشكال، و حاصله: أنّ اعتراض الشهيد قدّس سرّه يختص مورده بالفرض الأوّل، و هو ما إذا كان بائع النصف أجنبيا عن النصف الآخر، و لم يكن وكيلا عن مالكه في بيعه، و لا وليّا عليه فيه، دون هذا الفرض، و هو كون البائع وليّا على مالك النصف الآخر أو وكيلا عنه، لأنّ قصد المدلول موجود في البائع.

(4) ظاهر العبارة- بل صريحها- انتفاء القصد الجدّي في الفضولي و المكره على ما ورد في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه، يعني: أنّ المراد الاستعمالي ليس مرادا جدّيا لهما. هذا كله في دفع الاشكال المتوهّم من عبارة الشهيد.

______________________________

[1] كان المناسب التعرض لهذا الاشكال و دفعه في فرض كون بائع النصف أجنبيا عن مالك النصف الآخر، إذ يتّجه حينئذ البحث عن استقرار ظهور النصف في المشاع كما ذكره المصنف، و عدمه بناء على ما يظهر من الشهيد. ثم الجواب عنه بما تقدم مفصّلا في بحث المكره و الفضولي. و أما في فرض وكالة البائع أو ولايته فيتمشّى القصد الجدّي من

ص: 20

فالأقوى فيهما (1) الاشتراك في المبيع [البيع] تحكيما (2) لظاهر «النصف» إلّا (3) أن يمنع

______________________________

و لا يخفى أن ظاهر المصنف تسليم الإشكال بالنسبة إلى الصورة الأولى بناء على مقالة الشهيد قدّس سرّه، و الظاهر أنّه تنزّل منه، و إلّا فقد سبق في بيع المكره و غيره توجيه كلام الشهيد، و أنّ الفضولي قاصد للمدلول جدّا، فراجع «1».

(1) أي: في الوكيل و الولي، و هذا متفرع على قوله: «الأقوى هو الأوّل».

فالمتحصّل: أنّ الأقوى عند المصنف قدّس سرّه كون المبيع النصف المشاع بين الحصتين، و قد مرّ آنفا أنّ الأوفق بالقواعد كون المبيع في كلا الفرضين- و هما الأجنبية و الوكالة و الولاية- صحة البيع في خصوص حصة البائع، و لزومه فعلا، و اللّه العالم.

(2) تعليل لقوله: «فالأقوى فيهما»، و حاصله: أن ورود ظاهر «النصف» و هو المشاع بين الحصتين على ظاهري البيع و أصالته- المقتضيين لكون المبيع خصوص حصة البائع- تقتضي اشتراك المبيع بين الحصتين، و ورود البيع على نصف حصة كل من الشريكين.

(3) هذا عدول عمّا قوّاه- من اشتراك بائع نصف الدار و موكّله أو المولّى عليه في المبيع- بمنع ظهور «النصف» في الإشاعة بين الحصتين حتى يكون المبيع النصف المشاع منهما. بل الظاهر أنّ المراد بالنصف هو المشاع في المجموع القابل لانطبقاه على كلّ واحدة من الحصتين، فإنّ ظاهر «نصف الدار» عرفا هو النصف المشاع في مجموع الدار، لأنّ العين

______________________________

البائع، فلا موضوع للاستشهاد بكلام الشهيد.

ثم إنّ تقرير الاشكال بما في المتن لا يخلو من شي ء، لما بين التعبير بالورود و عدم القصد الحقيقي في الفضولي من التنافي ظاهرا، إذ انتفاء القصد يسقط ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين، لعدم كونه مرادا جديّا حسب الفرض، و معه لا مجال لجعل ظهور حال المتكلم واردا على ظهور «النصف» في المشاع، مع اقتضاء التقديم بالورود و شبهه حجية المورود لولا الدليل الوارد، كما مثّلوا له بتقدم خبر الثقة مثلا على «حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان» لكون الخبر بدليل اعتباره بيانا رافعا لموضوع قاعدة القبح حقيقة بعناية التعبد، و لولا هذا التقدم كان الحكم العقلي متبعا في الشبهات البدوية. فتأمل في العبارة حقّه.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 66 و 101 و 166

ص: 21

..........

______________________________

بما هي ليس لها إلّا نصفان على وجه الإشاعة. لا النصف المشاع من الحصتين، إذ المفروض عدم تعلق القصد إلّا بمفهوم النصف، و لم يتعلّق بالنصف المشاع من الحصتين، و لم يلاحظ أصلا، بل لحاظه خلاف الفرض و هو تعلق قصده بمفهوم النصف.

و بعبارة أخرى: كلمة «النصف» و إن كانت ظاهرة في المشاع، إلّا أنّه لا ظهور له في ما تقدم من النصف المشترك بين المالكين. و ذلك لأنّ «النصف» كلّي له مصاديق ثلاثة، إذ تارة يراد به المشاع في مجموع الدار، و هو قابل الانطباق على حصة البائع خاصة، و على حصة الشريك.

و اخرى يراد به المركّب من الحصتين، بمعنى كون المبيع نصف الدار و هو مؤلّف من ربعها من حصّته، و ربعها من حصة صاحبه. و هذا الاحتمال الأخير هو مبنى ما تقدم في المتن من ظهور «النصف» في المشاع بين الحصتين، و لهذا صارت المسألة من موارد بيع ما يملك و ما لا يملك.

و غرض المصنف قدّس سرّه منع ظهور «النصف» في هذا الاحتمال بالخصوص، و الوجه في المنع: كون عنوان «النصف» كلّيا، و لا وجه لصرفه إلى ملك الغير في مورد الوكالة عنه، أو الولاية عليه منضما إلى ملك البائع، أو منفردا ليقع البيع للشريك.

و عليه فيكون بيع الوكيل أو الولي نظير بيع العبد المسمّى ب «غانم» في قابلية المبيع للانطباق على كلّ من العبدين، لكن بمقتضى الأصالة يحمل على مملوك نفسه، لا مملوك الغير.

فإن قلت: إنّ لفظ «النصف» و إن كان كلّيا قابلا للانطباق على النصف المختص بالبائع، و النصف المشاع بين الشريكين، إلّا أنّه يترجح إرادة الاحتمال الثاني من جهة أنّ البائع لاحظ حقّ المالكين، فقصد بيع النصف المشاع من الحصتين، لا بيع تمام حصته، و لا تمام حصة شريكه. و من المعلوم أنّ هذه الملاحظة ترجّح ظهور «النصف» في المشاع بينهما، و تمنع من ظهوره في الحصة المختصة به.

قلت: الترجيح بملاحظة حق المالكين خلاف الفرض، لأنّ موضوع هذه المسألة هو ما لو باع النصف قاصدا لمفهوم لفظ «النصف» من دون إحراز قصده لحصته أو لحصة

ص: 22

ظهور النصف إلّا في النصف المشاع في المجموع (1).

و أمّا (2) ملاحظة حقّي المالكين إرادة الإشاعة في الكلّ (3) من حيث إنّه مجموعهما، فغير (4) معلومة، بل معلومة العدم بالفرض (5).

______________________________

صاحبه، أو المركّب من الحصّتين. و المدّعى صدق «النصف» على حصته، فيحكم بوقوع البيع لنفسه.

و أمّا الحكم بكون المبيع النصف المشاع بين الشريكين، فيتوقف على مئونة زائدة ثبوتا و إثباتا.

أما ثبوتا فلتوقفه على ملاحظة «النصف» مضافا إلى حصتين، أي قصد تمليك ربع الدار من حصته، و ربعها من حصة صاحبه، و المفروض عدم هذا اللحاظ، إذ المقصود مفهوم النصف، لا شي ء آخر.

و أمّا إثباتا فلتوقفه على أن يكون إطلاق «النصف» مقتضيا لإضافته إليهما معا، ليقع البيع لهما، و هذا الاقتضاء ممنوع، لأنّ مفاد الإطلاق عدم إضافة النصف إلى كل منهما بالخصوص، و هذا لا يستلزم إضافته إليهما معا، فعدم التقييد بما يدلّ على أحدهما لا يكون دالا على التقييد بهما.

(1) أي: في النصف المشاع في مجموع العين، لا في النصف المشاع من الحصتين.

(2) غرضه أنّ استناد القول بالاشتراك إلى ملاحظة حقّي المالكين ممنوع، لتوقف هذه الملاحظة على مئونة زائدة على الإشاعة المحضة الثابتة للعين بما هي هي. و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «إن قلت .. قلت».

(3) يعني: حتى يقع البيع في ربع الدار من البائع، و ربعها من الشريك.

(4) جواب الشرط في «و أمّا ملاحظة».

(5) إذ المفروض إرادة البائع مفهوم نصف الدار، لا خصوص فرد من أفراد كلّي النصف المشاع، فعدم لحاظ النصف المشاع بين الحصتين للبائع معلوم، و معه كيف يمكن الحكم بكون المبيع النصف المشاع في الحصتين؟

و لا يخفى أن المصنف قدّس سرّه اقتصر على بيان فقد المقتضي الثبوتي، و معه لا حاجة إلى قصور مقام الإثبات. و لكن ذكرنا في «قلت» عدم المقتضي للإشاعة بين الحصتين ثبوتا و إثباتا.

ص: 23

و من المعلوم (1) أنّ النصف المشاع بالمعنى المذكور (2) يصدق على نصفه المختصّ، فقد (3) ملّك كليّا يملك مصداقه. فهو كما (4) لو باع كلّيّا سلفا، مع كونه مأذونا في بيع ذلك من غيره أيضا، لكنّه (5) لم يقصد إلّا مدلول اللفظ من غير ملاحظة وقوعه

______________________________

(1) هذا متمّم الرد على القول باشتراك الوكيل أو الولي في البيع.

(2) و هو النصف المشاع في المجموع، لا النصف المشاع في الحصتين. و صدق كلّي النصف المشاع على النصف المختص بالبائع و قابليته للانطباق عليه كاف في كون المبيع تمام حصته، لصدق نصف الدار عليه. و قد مرّ سابقا أنّه الحقّ.

(3) هذا تفريع على صدق الكلّي- و هو النصف المشاع- على النصف المختص به، يعني: أنّ مجرد الصدق و القابليّة كاف في تمليك الكلي المنطبق على حصة البائع، فإنّ مالك الكلي مالك لمصداقه، و تعيينه فيه.

(4) غرضه الاستشهاد للمقام، بما يقال في السّلف، و محصله: أنّه لو أراد بيع عشرين منّا من الحنطة سلما بمائة دينار لنفسه، و وكّله شخص في بيع هذا المقدار بنفس العوض، ثم أنشأ البيع من دون إضافة المبيع إلى ذمة نفسه أو عهدة موكّله. كما أنّه لم يقصد أحد الأمرين، بل اقتصر على قوله للمشتري: «أسلمت إليك عشرين منّا من الحنطة بكذا» فالمبيع الكلّي قابل للانطباق على ما في عهدة نفسه و ما في عهدة موكّله. فيحكم بوقوع البيع لنفسه، لكونه مالكا لما في ذمته، و أنّ وقوعه للموكّل متوقف على مئونة زائدة و هي إضافة العقد في الإنشاء إليه أو قصده.

و قد نبّه صاحب المقابس على هذا في مسألة اعتبار القصد من لزوم تعيين من يقع له البيع أو الشراء، و أنّه ينعقد لنفسه أو لغيره من موكّل أو مولّى عليه، فراجع «1».

و كيف كان فهذا الفرع شاهد على كفاية انطباق كلّيّ «النصف» على خصوص حصة البائع في العين الخارجية المشتركة.

(5) أي: بائع الكلي سلفا لم يقصد إلّا مدلول بيع الكلي- كعشرين منّا من الحنطة- من دون إضافته إلى نفسه أو موكّله، فإنّ الظاهر الناشئ من الانصراف و غيره وقوعه لنفسه، فإنّ البيع عن الغير في غير العين الشخصية الخارجية منوط بقصد الغير.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 4، ص 104- 107.

ص: 24

عنه أو عن غيره، فإنّ (1) الظاهر وقوعه لنفسه، لأنّه [1] عقد (2) على ما يملكه [2]

______________________________

(1) تعليل لقوله: «فهو كما لو باع» أي: فإنّ وقوع البيع لنفس البائع.

(2) أي: لأنّ البائع عقد على ما قبل الانطباق على ما يملكه، فقوله قدّس سرّه: «لأنّه عقد على ما يملكه» لا يخلو من مسامحة، فإنّه لو عقد على ما يملكه بأن قال للمشتري: «بعتك عشرين منّا من الحنطة في ذمتي» لم يكن إشكال، و كان خارجا عن مورد البحث، للقطع بكون البيع لنفسه، و لا وجه لإثبات كون البيع له بالتشبث بما يوجب الظهور الذي لا يفيد إلّا الظن.

______________________________

[1] ظاهر هذا التعليل قطعية وقوع العقد على ما يملكه، و هو لا يناسب قوله: «فان الظاهر وقوعه» بل المناسب أن يقال: «فان المقطوع به وقوعه لنفسه».

[2] و يمكن توجيه الحمل على النصف المختص بالبائع بما ذكروه «1» من وجوه:

أوّلها: أنّ الأصل و الغالب إرادة المملوك عند دوران الأمر بين إرادته و إرادة غيره.

ثانيها: تبادر ذلك إلى الفهم.

ثالثها: كون التمليك ظاهرا في وقوعه في ماله.

رابعها: أنّ مقام التصرف يجعله ظاهرا في ماله. و هذه قرينة مقامية.

خامسها: أنّ خصوص التصرف البيعي يوجب هذا الظهور.

سادسها: أنّ الأصل في العقود اللزوم على ما يقتضيه قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و عقد نصف الدار من العقود، فيحكم بلزومه، فتأمّل.

سابعها: ظهور مطلق الإنشاء في كون متعلّقه مملوكا.

و قد استندوا لصحة القول بالحمل على النصف المملوك للبائع إلى هذه الوجوه السبعة، و إن كان إنكار أصل الظهور في بعضها و إنكار اعتبار بعضها لمحكوميته بغيره في محله. لكن مجموعها ربما يوجب الظن المتآخم بالعلم بإرادة النصف المختص بالبائع.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 317.

ص: 25

فصرفه (1) إلى الغير من دون صارف لا وجه له.

[لو وهبت المرأة نصف صداقها المعين]

و لعلّه (2) لما ذكرنا ذكر جماعة كالفاضلين (3) و الشهيدين

______________________________

(1) أي: فصرف البيع إلى غيره من دون صارف لا وجه له.

(2) الضمير للشأن، و المراد بالموصول في قوله: «لما ذكرنا» هو حمل نصف الدار على النصف المختص بالبائع، لا النصف المشاع في الحصتين، لما قلنا من عدم منافاة حمل النصف على المختص بالبائع لظهور النصف في الإشاعة، فتمليكه تمليك للكلّي الذي كان البائع مالكا لمصداقه، فالواجب دفعه إلى المشتري.

و الغرض من قوله: «و لعلّه لما ذكرنا» بيان نظير لحمل نصف الدار على النصف المشاع المختص، دون المشاع بين الحصتين. و ذلك النظير هو ما ذكره جماعة من «أنّه لو أصدق المرأة عينا، فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي» فإنّهم حملوا النصف الموهوب على النصف المختص بها الذي استقرّ للزوجة بمجرّد العقد، كحمل النصف المبيع من الدار على النصف المختص بالبائع. و النصف الآخر الذي هو النصف المشاع للعين بما هي ملك متزلزل لها، و استقرار ملكيته لها منوط بالدخول.

و هذا النصف المشاع استحقّه الزوج بسبب الطلاق.

و الظاهر أنّ التنظير إنّما يكون في مجرد كون الإشاعة مضافة إلى نفس العين المملوكة للزوجة، غاية الأمر ملكية نصفها بنحو الاستقرار، و نصفها الآخر بنحو التزلزل، و هذا المتزلزل المشاع بوصف الإشاعة انتقل بالطلاق قبل المواقعة إلى الزوج، و النصف الموهوب انطبق على النصف المختص بها المستقرّ بالعقد.

(3) قال المحقّق قدّس سرّه: «العاشرة: لو وهبته نصف مهرها مشاعا، ثم طلّقها قبل الدخول، فله الباقي، و لم يرجع عليها بشي ء، سواء كان المهر دينا أو عينا، صرفا للهبة إلى حقّها منه» «1».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 330، و يستفاد من كلام العلامة في إرشاد الأذهان، ج 2، ص 17، و جعله في القواعد أحد الاحتمالين. كما في ج 3، ص 86، اللمعة الدمشقية، ص 197، الروضة البهية، ج 5، ص 367، مسالك الأفهام، ج 8، ص 255.

ص: 26

و غيرهم (1): أنه لو أصدق المرأة عينا فوهبت نصفها المشاع قبل الطلاق، استحقّ الزوج بالطلاق النصف الباقي (2)، لا نصف الباقي و قيمة (3) نصف الموهوب، و إن ذكروا ذلك (4) احتمالا. و ليس (5) إلّا من جهة صدق «النصف» على الباقي، فيدخل في قوله تعالى «فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ».

______________________________

(1) كفخر المحققين و الفاضل السبزواري، و صاحب الرياض و الجواهر «1».

(2) الذي هو نصف العين، لا نصف الحصتين، إذ لو كان هو نصف النصيبين لزم أن يكون المردود إلى الزوج بالطلاق نصف الباقي، و قيمة نصف النصف الموهوب، حيث إنّه تلف بالهبة، فينتقل إلى القيمة.

(3) معطوف على «نصف» و يمكن كون «الواو» للمعية، أي: مع قيمة النصف.

(4) أي: استحقاق الزوج لنصف الباقي و قيمة ربع العين الذي هو نصف الموهوب.

لكن فتواهم على الأوّل. فذكرهم لاستحقاق الزوج لنصف الباقي و قيمة ربع العين يكون بطور الاحتمال.

(5) يعني: و ليس إفتاؤهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي من العين إلّا لأجل صدق «النصف» على الباقي، كصدقه على نصف الدار كما تقدم، فيشمله «النصف» المذكور في الآية الشريفة فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ «2».

فكما يكون قوله: «أعطوا زيدا نصف أموالي» ظاهرا في المشاع، فكذا في الآية، و حيث إنّها وهبت نصفا مشاعا من العين، و كان الباقي نصفا مشاعا أيضا، صدق عليه «أنّه نصف ما فرضتم» «3».

______________________________

(1) لاحظ: إيضاح الفوائد، ج 3، ص 233، كفاية الأحكام، ص 182، رياض المسائل، ج 2، ص 146، جواهر الكلام، ج 31، ص 104 و 105.

(2) سورة البقرة، الآية 337.

(3) الذاكر لهذا الاحتمال جماعة، منهم العلامة في القواعد، ج 3، ص 86، و السيد العميد في كنز الفوائد، ج 2، ص 509، و الشهيد الثاني في المسالك، ج 8، ص 255، و في الروضة البهية، ج 5، ص 368.

ص: 27

و إن (1) كان يمكن توجيه هذا الحكم (2) منهم بأنّه (3) لمّا كان الربع الباقي للمرأة من الموجود (4) مثلا للربع التالف من الزوج و مساويا له من جميع الجهات، بل لا تغاير بينهما إلّا بالاعتبار (5)، فلا (6) وجه لاعتبار القيمة (7)،

______________________________

(1) غرضه من هذه العبارة إخراج هذا الفرع عن كونه نظيرا لما نحن فيه من بيع نصف الدار. توضيحه: أنّه يمكن توجيه إفتائهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي لا لأجل إرادة الإشاعة في العين حتى يستحق النصف الباقي، بل للإشاعة في حصّتي المرأة و الزوج، بأن يقال في وجه كون النصف الباقي للزوج المطلق: إن ملكيته لنصف هذا النصف تستند إلى أنّ للزوج ربع العين الموجود عند المرأة، و له أيضا ربع آخر، و هو نصف النصف الموهوب الذي هو عند الموهوب له. و الربع الموجود للمرأة مثل الربع الذي أتلفته بسبب هبتها نصف العين، و مساو له من جميع الجهات. و هذا الربع يدفع إلى الزوج، و لا تصل النوبة إلى دفع قيمة الربع الموهوب إليه.

و بالجملة: فالنصف المعطى إلى الزوج المطلق يكون نصفه- و هو ربع العين- حقّه، و نصفه الآخر بدلا عن حقّه، و هو الربع التالف بالهبة.

(2) و هو حكم الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي.

(3) متعلق ب «توجيه» و بيان للتوجيه الذي اتّضح بقولنا: «توضيحه أنّه يمكن ..

إلخ».

(4) أي: من النصف الباقي عندها بعد هبة النصف، فإنّ هذا الرّبع مثل الربع التالف.

(5) و هو اعتبار كون هذا الربع للمرأة، و ذلك الربع للرجل المطلق.

(6) جواب الشرط في قوله: «لمّا كان».

(7) يعني: مع المماثلة في جميع الجهات إلّا في الأمر الاعتباري- و هو المالكية- لا وجه لاعتبار قيمة الربع التالف بسبب الهبة و إن كان ذلك من القيميات، لأنّ مثل التالف من جميع الجهات أقرب إليه من القيمة التي هي أقرب إليه في جهة واحدة و هي المالية فقط.

نظير دفع المديون نفس العين المقترضة إلى الدائن، فإنّ دفعها إليه يوجب براءة ذمة المديون، و لا تتوقف براءتها على بذل قيمتها و إن كانت قيمية.

و هذه المسألة تعرّض لها المصنف في ضمان المثلي بالمثل، فقال في جملة كلامه:

ص: 28

نظير (1) ما لو دفع المقترض نفس العين المقترضة مع كونها قيميّة.

لكن (2) الظاهر أنّهم لم يريدوا

______________________________

«نعم ذهب جماعة منهم الشهيدان إلى جواز ردّ العين المقترضة إذا كانت قيميّة» فراجع «1».

(1) هذا نظير للمقام في مجرد براءة الذمة بدفع العين المقترضة إلى المقرض، لا في إلزام المديون بدفع العين، لصيرورة العين ملكا للمقترض، و لا يستحق المقرض إلّا بدلها من المثل أو القيمة.

و هذا بخلاف المقام، فإنّهم يلزمون الزوجة بدفع ما بقي من عين الصداق إن كان الصداق عينا خارجية.

(2) هذا إضراب على قوله: «و لعلّه لما ذكرنا» توضيحه: أنّ الظاهر عدم كون حكم الفقهاء «باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق» مبنيّا على أنّ المراد بالنصف هو المشاع في العين- لا المشاع بين الحصتين- بل أرادوا أنّ استحقاقه للنصف الباقي ينشأ من كون الربع الباقي للمرأة مماثلا للربع من الزوج، الذي أتلفته الزوجة بالهبة. و ذلك بقرينة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي ب «بقاء مقدار حصته» فإنّ هذا التعليل يناسب الكلي في المعيّن، إذ لو أرادوا المشاع في العين- دون الإشاعة في الحصتين، و دون الكلّي في المعيّن- لكان الصواب أن يعلّلوا ذلك ببقاء حقّه، لا «مقدار حقه» لأنّه بناء على الإشاعة في العين بما هي يكون النصف الموجود عين حقه، لأنّه مصداقه، لا مقدار حقه. كما أنّ النصف الموهوب عين حق الزوجة.

و بعبارة اخرى: كان الغرض من نقل فتوى الفقهاء باستحقاق الزوج للنصف الباقي من الصداق هو الاستشهاد للمقام من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين، لا المشاع بين الحصّتين. و الوجه في الاستشهاد: ظهور كلمة «النصف» في الآية المباركة «فنصف ما فرضتم» في النصف المشاع من الصداق، و حيث إنّها وهبت نصفا مشاعا و هي ملكها المستقرّ لها بالعقد، كان النصف الباقي بتمامه ملكا للزوج بالطلاق.

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 3، ص 349

ص: 29

هذا الوجه (1)، و إنّما علّلوا استحقاقه للنصف الباقي ببقاء مقدار حقّه، فلا يخلو عن منافاة لهذا المقام (2) [1].

______________________________

و لكن يشكل هذا الاستشهاد بأنّ حكم الفقهاء باستحقاق النصف الباقي يمكن أن يستند إلى ما ذكر من ظهور «النصف» في المشاع في تمام العين، فيصدق على الباقي بعد الهبة «أنّه نصف ما فرضتم» و يتم الاستشهاد المزبور.

و يمكن أن يستند إلى أمر آخر، و هو كون حقّ الزوج نصفا مشاعا بين الحصتين، أو كلّيّا في المعيّن كصاع من صبرة.

و يترجّح هذا الاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل، لمناسبة تعليلهم استحقاق الزوج للنصف الباقي «بأنّه مقدار حقه» و بيانه: أنّ «النصف الباقي» لو كان متعيّنا بنفسه للزوج- من جهة أنّ الزوجة وهبت حقّها و هو النصف المشاع من تمام الصداق- لكان الباقي نفس حقّ الزوج، لا مقدار حقه. فالتعليل ببقاء المقدار يلائم أحد احتمالين آخرين:

الأوّل: أنّ الزوجة وهبت نصف حصّتها من الصداق- أي ربعه- و ربعا من حصّة الزوج، فبقي نصف الصداق مشاعا بينهما إلى حين الطلاق، فيكون الباقي مقدار حقّ الزوج، لكونه مشاعا بين الزوجين.

الثاني: أنّ الزوج يستحق النصف بنحو الكلّي في المعيّن، أي: نصف هذا الصداق المعيّن خارجا، فيكون الباقي بعد الهبة مقدار حقّ الزوج، فيتعيّن فيه قهرا.

و بناء على هذين الاحتمالين لا يبقى مجال للاستشهاد للمقام بما ذكروه في هبة الزوجة نصف المهر قبل الطلاق.

(1) و هو استحقاق الزوج للنصف الباقي على الإشاعة في العين، و كون النصف الباقي هو حقّه، لانطباق النصف المشاع عليه.

(2) أي: مقام بيع نصف الدار، غرضه أنّ حمل الفقهاء بيع نصف الدار على النصف المختص بالبائع- بناء على الإشاعة في العين، لا الإشاعة في الحصتين- ينافي حملهم نصف

______________________________

[1] لا يخفى أن الوجوه المحتملة ثبوتا في النصف الذي يستحقه الزوج بالطلاق قبل الدخول ثلاثة:

أحدها: النصف الباقي بناء على الإشاعة في العين لا في الحصتين، فإنّ النصف المشاع

ص: 30

[الإقرار بالنصف للغير في المال المشترك]

و نظيره (1) في ظهور المنافاة

______________________________

الصداق للزوج على الإشاعة بين الحصتين أو على الكليّ في المعيّن.

(1) يعني: و نظير حكمهم في هبة نصف الصداق- في ظهور المنافاة لكلامهم في

______________________________

في العين ينطبق على النصف الباقي. فهذا النصف نفس حقه كما أفتى به الفقهاء، لا نصف حقه، و نصفه الآخر- و هو ربع العين- بدل حقه الفائت بالهبة كما هو مقتضى الإشاعة بين الحصتين.

ثانيها: النصف من الباقي و التالف، و هو الذي حكاه المصنف قدّس سرّه احتمالا عن جماعة.

ثالثها: النصف بنحو الكلي في المعيّن، و هو يتعين بالمقدار الباقي، لا أنّه مقدار حقه، بل هو نفس حقه، بناء على الكلّي في المعيّن، و على الإشاعة في العين، لا الإشاعة بين الحصتين. و قد تقدم آنفا أنّ الظاهر في مقام الإثبات هو الإشاعة في العين كما هو ظاهر فتوى جماعة كالفاضلين و الشهيدين و غيرهم قدّس سرّهم مع الغض عن تعليلهم لها ببقاء مقدار حقه، إذ مع النظر إليه يحتمل كل من الإشاعة بين الحصتين و الكلي في المعين.

إذ على الأوّل لمّا كان الربع التالف بالهبة مثل الربع الباقي في جميع الجهات ذهبوا إلى تعيّن النصف الباقي، معلّلين ذلك ببقاء مقدار حقه، لا ببقاء نفس حقه.

و على الثاني يتعيّن حقّه بالمقدار الباقي قهرا، كما في سائر موارد الكلّي في المعيّن مع تلف ما عدا المقدار الذي أنشأ عليه العقد كصاع من الصبرة إذا تلفت الصيعان إلّا واحدا. و هو المناسب للتعليل ببقاء مقدار حقه.

و الفرق بينه و بين المشاع بين الحصتين هو: أنّ النصف الباقي متعيّن في حقيّته للزوج بناء على الكلّي في المعيّن. بخلاف الإشاعة بين الحصّتين، فإنّه لا يتعيّن حق الزوج في النصف الباقي بناء على هذا المبنى، إذ يجوز للزوجة دفع قيمة الربع التالف بالهبة، و لا يتعيّن عليها دفع نفس الربع الباقي، و إن كان أقرب إلى التالف من جميع الجهات.

و بالجملة: يدور حكمهم باستحقاق الزوج للنصف الباقي- مع تعليله ببقاء مقدار حقه- بين ابتنائه على الإشاعة بين الحصتين و الكلّي في المعين. و على التقديرين يتحقق التنافي بين حكمهم في بيع نصف الدار بكون المبيع حصة البائع، و بين حكمهم بكون حصة الزوج النصف الباقي، لكونه بمقدار حقه.

ص: 31

لما هنا (1) ما (2) ذكروه في باب الصلح (3) من «أنّه إذا أقرّ من بيده المال لأحد المدّعيين

______________________________

مسألة بيع نصف الدار- حكمهم في باب الصلح بأنّ المراد بصلح النصف هو النصف المشاع، و أنّ المراد بالنصف في بيع نصف الدار هو النصف المختص بالبائع كما تقدم تفصيله، فحكمهم في باب الصلح ينافي أيضا حكمهم في باب البيع.

(1) أي: في باب بيع نصف الدار. و المراد بالموصول حكمهم ببيع النصف المختص في بيع نصف الدار.

(2) هذا خبر «نظيره» و بيان له، توضيحه: أنّه إذا كان مال كدار بيد زيد مثلا، و ادّعاها شخصان كعمرو و بكر، و قد أقرّ زيد لأحد المدّعيين بسبب موجب للشركة، ككون الدار ملكا لأبيهما المتوفى، و انتقالها إلى المدعيين إرثا بالمناصفة، مع فرض انحصار الورثة بهما. فإذا صالح المقرّ له حينئذ مع المقرّ على ذلك النصف المقرّ به كان ذلك النصف مشاعا بين نصيبهما، و كان الصلح بالنسبة إلى الربع الذي هو نصيب المقرّ له لازما، و بالنسبة إلى ربع شريكه موقوفا على إجازته.

و هذا الحكم- أي الإشاعة بين الحصتين- مناف لما أفتوا به في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص حصة البائع.

(3) هذا الفرع مذكور في صلح الشرائع بقوله: «و لو ادّعى اثنان دارا في يد ثالث، بسبب موجب للشركة كالميراث، فصدّق المدّعى عليه أحدهما، و صالحه على ذلك النصف بعوض. فإن كان بإذن صاحبه صحّ الصلح في النصف أجمع، و كان العوض بينهما.

و إن كان بغير إذنه صحّ في حقّه، و هو الرّبع، و بطل في حصة أو حصته الشريك، و هو الرّبع الآخر» «1». و قريب منه عبارة القواعد.

و ظاهر المتن من قوله: «ما ذكروه» كون الحكم مشهورا أو متفقا عليه، و هو كذلك كما يظهر من السيد العاملي و صاحب الجواهر قدّس سرّهما، قال في مفتاح الكرامة: «و في الأخير- أي كفاية الأحكام- أنه المشهور. و كأنّه أشار بذلك الى ما ستسمعه من

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 122، قواعد الأحكام، ج 2، ص 176.

ص: 32

للمال بسبب (1) موجب للشركة كالإرث، فصالحه (2) المقرّ له على ذلك النصف، كان (3) النصف (4) مشاعا في نصيبهما. فإن أجاز شريكه (5) نفذ في المجموع (6)، و إلّا (7) نفذ في الربع» فإنّ (8) مقتضى ما ذكروه هنا (9)

______________________________

المسالك، و إلّا فلا خلاف في ذلك» «1».

(1) متعلق ب «المدّعيين» و يحكم بهذا الإقرار بملكية النصف ظاهرا للمقرّ له، و بملكية النصف الآخر ظاهرا أيضا لذي اليد. و أمّا ملكيته واقعا فهي مردّدة بينه و بين المدّعي الآخر.

(2) أي: فصالح المقرّ له من كان بيده المال- كالدار- على ذلك النصف المقرّ به.

(3) جواب الشرط في قوله: «إذا أقرّ».

(4) أي: كان النصف المقرّ به مشاعا في نصيب المدعيين للمال إرثا من أبيهما.

(5) أي: شريك المقرّ له الذي ثبتت ملكيته لنصف الدار مع المقرّ له، لاعترافه بالإرث الموجب للشركة.

(6) أي: في مجموع النصف الذي وقع عليه الصلح.

(7) أي: و إن لم يجز شريكه الصلح الواقع على نصف حصته- و هو الربع- نفذ الصلح في خصوص الربع الذي هو نصف نصيب المصالح دون غيره.

(8) هذا بيان وجه المنافاة التي أشار إليها بقوله: «و نظيره في ظهور المنافاة» توضيحه: أنّ حمل «النصف» في الإقرار على الإشاعة بين النصيبين- السارية إلى صلح النصف أيضا- ينافي ما ذكروه في بيع نصف الدار من كون المبيع خصوص النصف المختص بالبائع، فإنّ «للنصف» في البيع و الصلح و الإقرار معنى واحدا، و لا وجه للتفكيك بينها بإرادة النصيب المختصّ بالبائع في مسألة بيع نصف الدار، و إرادة المشاع بين الحصتين في مسألتي الإقرار و الصلح.

(9) أي: في بيع نصف الدار. و المراد بالموصول في «ما ذكروه» كون النصف مشاعا في نصيبهما.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 492، و لاحظ جواهر الكلام، ج 26، ص 238.

ص: 33

اختصاص (1) المصالح بنصف المقرّ له، لأنّه (2) إن أوقع الصلح على نصفه الذي أقرّ له به، فهو كما لو صالح نصفه قبل الإقرار مع غير المقرّ أو معه. و إن أوقعه (3) على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصّته، فلا وجه لاشتراكه (4) بينه و بين شريكه، و لذا (5) اختار سيّد (6) مشايخنا قدّس اللّه أسرارهم اختصاصه (7) بالمقرّ له.

______________________________

(1) خبر «فإن مقتضى».

(2) أي: لأنّ المصالح، و هذا تعليل لقوله: «فإنّ مقتضى» و ملخّصه: أنه يحمل «النصف» على النصف المختصّ به إذا أوقع الصلح على نصفه المقرّ به، كما لو صالح قبل الإقرار مع غير المقرّ، أو معه. و إذا أوقعه على مطلق النصف المشاع انصرف أيضا إلى حصته المختصة به، بقرينة التصرف الصلحي الذي هو كالتصرف البيعي.

(3) أي: و إن أوقع المصالح الصلح على مطلق النصف انصرف الصلح إلى حصة المصالح، كما لو أوقع الصلح على خصوص النصف المقرّ به.

(4) أي: فلا وجه لاشتراك النصف الذي وقع عليه الصلح، فإنّ هذه الشركة مبنية على الإشاعة بين النصيبين، لا الإشاعة في العين كما هي مبنى بيع نصف الدار.

(5) أي: و لأجل الانصراف و عدم وجه لاشتراك النصف بين حصّتي الشريكين المدّعيين- اختار .. إلخ.

(6) الظاهر أنّه السيد المجاهد قدّس سرّه، حيث قال- في المناقشة في ما أورده المحقق الأردبيلي على الشهيد الثاني قدّس سرّهم- ما لفظه: «بل الأقرب أن يفصّل، فيقال .. و إن وقع الصلح على النصف المشاع الذي هو كلّي، و ليس بمتشخص في الخارج بوجه من الوجوه، و يستحقه المقرّ له باعتقاد المقرّ- و هو المدعى عليه- و اعتقاد صاحبه المشارك له في السبب، فيختص المقرّ له بما وقع الصلح عليه، و لا يشاركه أحد في شي ء. و ذلك لأنّه مقتضى الأصول و القواعد الشرعية كما لا يخفى، و ليس لها هنا معارض من شي ء من الأدلة الأربعة .. إلخ» «1» فراجع.

(7) أي: اختار اختصاص النصف المصالح عليه بالمقرّ له و هو المصالح، كاختصاص النصف بالبائع في بيع نصف الدار.

______________________________

(1) المناهل، ص 358.

ص: 34

و فصّل في المسالك (1) بين ما لو وقع الصلح على نصفه أو مطلق النصف، و بين ما إذا وقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد. فاختار مذهب المشهور في

______________________________

(1) محصل تفصيل الشهيد قدّس سرّه في المسالك هو: أنّ الصلح تارة يقع على نصفه، كأن يقول المقرّ له: «صالحت على نصفي الذي هو ملكي من الدار» و أخرى يقع على النصف بنحو الإطلاق، كأن يقول: «صالحت على نصف الدار» و ثالثة يقع على النصف الذي أقرّ به ذو اليد، كأن يقول: «صالحت على النصف الذي أقرّ لي ذو اليد به».

فإن وقع الصلح على الوجه الثالث- و هو النصف الذي أقرّ به ذو اليد- فاختار فيه الشهيد مذهب المشهور، و هو حمل النصف المصالح عليه على النصف المشاع بين النصيبين، فيكون النصف المصالح عليه مشتركا بين المقرّ له و شريكه.

و إن وقع الصلح على أحد الوجهين الأوّلين اختصّ بنصفه، لا المشاع بين النصيبين، و هذا مخالف لمذهب المشهور. و أمّا وجه الاختصاص في هذين الوجهين فسيأتي قريبا.

و لا بأس بنقل جملة من كلامه قدّس سرّه، فإنه بعد الاستدلال للمشهور- من أنّ إقرار ذي اليد مقتض لشركة المدعيين، لوحدة السبب المملّك لهما- قال: «و فيه بحث، لأنّ هذا لا يتمّ إلّا على القول بتنزل البيع و الصلح على الإشاعة، كالإقرار. و هم لا يقولون به، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع و المصالح .. بخلاف الإقرار، فإنّه إخبار عن ملك الغير بشي ء، فيستوي فيه ما هو ملكه و ملك غيره. و حينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقرّ له خاصة، فيصحّ في جميع الحصة بجميع العوض، و تبقى المنازعة بين الآخر و المتشبّث.

هذا إن وقع الصلح على النصف مطلقا، أو النصف الذي هو ملك المقرّ له. أمّا لو وقع على النصف الذي أقرّ به المتشبّث توجّه قول الجماعة، لأنّ الإقرار منزّل على الإشاعة، و الصلح وقع على المقرّ به، فيكون تابعا له فيها. و على هذا ينبغي حمل كلامهم، لئلّا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها .. إلخ» «1».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 4، ص 272

ص: 35

الثالث (1)، لأنّ (2) الإقرار منزّل على الإشاعة، و حكم (3) بالاختصاص في الأوّلين (4)، لاختصاص (5) النصف وضعا في الأوّل

______________________________

(1) و هو وقوع الصلح على النصف الذي أقرّ به ذو اليد.

(2) هذا كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه، و هو تعليل لمذهب المشهور، و محصله: أنّه لمّا كان المقرّ له معترفا بكون العين ملكا له و لشريكه بنحو الإشاعة، كان إقرار المقرّ لأحد المدّعيين منزّلا على الإشاعة، لأنّ الإقرار حقيقة إخبار عن صدق دعوى أحد المدّعيين، و المفروض أنّ الدّعوى كانت على الإشاعة النصف، فالإقرار يتعلّق بما ادّعاه المقرّ له من إشاعة النصف.

فحكم المشهور هنا بالإشاعة لا ينافي حكمهم في بيع نصف الدار بالاختصاص بحصّة البائع، لأنّ حكمهم هنا بالإشاعة بين الحصّتين يكون مع القرينة، و هي كون الإقرار إخبارا عن دعوى أحد المدّعيين للنصف المشاع. فلا منافاة بين هذه المسألة و بين مسألة بيع نصف الدار، لأنّ الحمل على إشاعة العين هناك كان بلا قرينة، و الحمل على إشاعة الحصتين هنا يكون مع القرينة، هذا [1].

(3) يعني: و حكم الشهيد قدّس سرّه بالاختصاص.

(4) و هما: وقوع الصلح على نصفه، و وقوعه على النصف المطلق.

(5) تعليل لحكم الشهيد قدّس سرّه باختصاص النصف- في الفرضين الأوّلين- بالمقرّ

______________________________

[1] لم يظهر وجه قرينية دعوى أحد المدّعيين على الإشاعة بين الحصتين بعد ما مرّ من ظهور الإشاعة في الإشاعة في العين، لا في انقسام العين إلى نصفين سواء أ كان مالك العين متحدا أم متعددا.

و أمّا الإشاعة بين النصيبين، فهي خلاف الظاهر إن لم يكن خلاف الوضع، فتحتاج إرادتها إلى القرينة، فبدونها تحمل الإشاعة على ظاهرها من الإشاعة في العين دون النصيبين.

و لا قرينيّة في شي ء من دعوى المدّعيين و لا في إقرار المقرّ على إرادة الإشاعة بين الحصتين، لأنّ المدّعى و المقرّ به هو المعنى الظاهر العرفي، بل اللغوي. و لا وجه للعدول عنه إلّا بالقرينة، و هي مفقودة هنا، لعدم صلاحية ما ذكروه للقرينية.

ص: 36

و انصرافا (1) في الثاني إلى النصف المختصّ.

و اعترضه (2) في مجمع الفائدة «بأنّ (3) هذا ليس تفصيلا، بل مورد كلام المشهور هو الثالث (4)، لفرضهم (5)

______________________________

و منشأ هذا الاختصاص في الفرض الأوّل- أعني به وقوع الصلح على نصفه- هو: أن إضافة «النصف» إلى «ياء» المتكلّم قرينة على وضع «النصف» لإشاعة نصف العين، أي حصّته من العين، لا للإشاعة بين النصيبين. و منشأ الاختصاص في الفرض الثاني هو: أنّ التصرف الاعتباري في نصف العين منشأ للانصراف إلى النصف المختصّ به، لا المشاع بين النصيبين.

(1) معطوف على «وضعا» و غرضه بيان منشأ الاختصاص بالمقرّ في الفرض الثاني.

(2) الضمير المستتر راجع إلى المحقق الأردبيلي قدّس سرّه، و الضمير البارز إلى تفصيل الشهيد الثاني المستفاد من قوله: «و فصّل في المسالك».

و لا يخفى أنّ ما في مجمع الفائدة وجوه ثلاثة من الاعتراض، و ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه هو الوجه الثالث، قال المحقق الأردبيلي: «و أمّا ثالثا فلأنّه لا يحتاج هنا إلى بحث و توجيه، فإنّ كلامهم ظاهر- بل صريح- في أن المصالح عليه إنّما هو النصف المقرّ به، إذ لم يصالح المقرّ إلّا عليه، و ما ثبت بحسب ظاهر الشرع للشريك المصالح إلّا ذلك ..

إلخ» «1».

(3) متعلق ب «اعترضه» و هذا تقريب الاعتراض، و محصله: أنّ كلام المشهور ليس مجملا حتى يفصّل بين الوجوه التي ذكرها الشهيد قدّس سرّه، بل مورد كلامهم هو وقوع الصلح على المقرّ به الذي لا بدّ من الحكم بالإشاعة فيه.

(4) و هو وقوع المصالحة على ما أقرّ به ذو اليد.

(5) أي: لفرض المشهور المصالحة على النصف المقرّ به، و هو مورد البحث و النزاع.

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 6، ص 349

ص: 37

المصالحة على ذلك النصف المقرّ به» [1]. و تمام الكلام في محلّه (1).

______________________________

(1) يعني: في كتاب الصلح.

______________________________

[1] ينبغي أن يقال: إنّ الكسر المشاع كالنصف يقع تارة: في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري كالبيع و الصلح و الهبة و غيرها.

و أخرى: في كلام الأجنبي عن المالكين، كبيع الفضولي نصف العين المشتركة بين شخصين على الإشاعة.

و ثالثة: في كلام المقر، كما إذا أقرّ أحد الشريكين في عين كدار أو دكان «بأن نصف هذه العين لزيد مثلا».

فإن وقع في كلام أحد المالكين في مقام التصرف الاعتباري حمل على النصف المختص به، لا على الإشاعة بين الحصتين، لأنّ الحمل على الإشاعة في الحصتين يكون للإطلاق و عدم القرينة. و أمّا معها- كما في المقام- فيحمل النصف على حصّته، لا الإشاعة بين الحصتين، حيث إنّ إنشاء البيع و نحوه قرينة عرفا على بيع أو صلح ما يملكه و يختص به، إذ بيع مال غيره و إن كان موكّله أو من للعاقد ولاية عليه محتاج إلى مئونة زائدة.

و الأصل يجري في عدم قصد البيع عن الغير، و ليس بمثبت، لعدم إناطة صحة البيع لنفسه بقصد البيع لنفسه حتى يكون الأصل عدمه كي يلزم إثبات أحد الضدين بنفي الآخر، أو تعارض الأصلين و تساقطهما.

و الحاصل: أنّه لا يجري أصل عدم قصد البيع لنفسه حتى يلزم الإثبات و التعارض.

و عليه فما لم يقصد الغير يحمل على الحصة المختصة به، لوجود المقتضي، و هو وقوع العقد من مالك المال على عنوان صالح للانطباق على ماله، مع وجود شرائط فعلية تأثير العقد، و عدم مانع عن تأثيره. إذ المانع- و هو وقوع العقد عن الغير- محكوم بالعدم، فيشمله عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

و إن وقع «النصف» في كلام الفضولي، فلا بدّ من حمله على الإشاعة بين الحصتين، لعدم قرينة على حمله على تمام حصة أحد الشريكين. فالإطلاق الموجب للحمل على إحدى الحصتين بالخصوص مفقود هنا، و مقتضاه الحمل على الإشاعة في كلتا الحصتين.

فالحمل على خصوص إحداهما ترجيح بلا مرجح.

ص: 38

..........

______________________________

و يمكن إجازة كل منهما هذا العقد الفضولي. فإن أجازا صحّ العقد في تمام النصف للشريكين، لكلّ منهما ربع العين. و إن أجاز أحدهما صحّ في الربع، و هو نصف حصته.

و إن وقع في كلام المقرّ، فيحمل على الإشاعة بين الحصتين أيضا، للإطلاق الموجب للحمل على الإشاعة بين الحصّتين، و عدم كون الإقرار كالبيع أو الصلح قرينة على الاختصاص بتمام حصة المقرّ. و ذلك لأنّ الإقرار ليس تصرفا في المقرّ به، بل هو أمارة كاشفة عن ضيق دائرة ملك الشريكين بمقدار تعلق به الإقرار، و كون ذلك خارجا من أوّل الأمر عن ملكهما، و أنّ شركتهما تختص بما عدا النصف المشاع.

و هذا بخلاف البيع الذي هو إزالة الملك، فإنّ هذا التصرف قرينة عرفية على التصرف في ملكه دون ملك غيره، فيختص بملكه.

لكن الكلام في نفوذ الإقرار، لعدم نفوذه في حصة غيره، لكونه إقرارا على الغير.

و قد يقال كما عن كاشف الغطاء قدّس سرّه: بأنّ المقرّ لو قال: «أنا مقرّ بأن نصف هذه الدار لزيد» يحمل على نصفه المختص، بخلاف ما لو قال: «نصف هذه الدار لزيد» فإنّه يحمل على الإشاعة بين النصيبين، هذا.

و فيه إشكال، لعدم الفرق بينهما، إلّا إذا كان قوله: «أنا مقرّ» ظاهرا فيما يكون نافذا، و هو الحصة المختصة به. و ذلك مشكل جدا، لعدم ظهور الإقرار في ذلك. و إلّا إذا حمل قوله: «نصف هذه الدار لزيد» على الشهادة التي لا تقبل إلّا مع شرائطها. بل في كلتا الصورتين يحمل على الإقرار في نصف حصته، و على الشهادة في نصف حصة شريكه.

نعم قوله: «أنا مقرّ» نصّ في الإقرار. لكنه ليس نصّا في كيفية المقرّ به، و أنه النصف المختص به أو نصف النصيبين، فإنّ الألفاظ الدالة على الإقرار مختلفة وضوحا و خفاء في الدلالة على نفس الإقرار، مع عدم دلالتها على كيفية المقرّ به، كما في قوله: «يجب إكرام زيد» فإنّه صريح أو أظهر في الوجوب من قوله: «أكرم زيدا» مع عدم دلالة شي ء منهما على نوع متعلق الأمر، و أنّ المراد بالإكرام إضافة زيد أو تقبيل يده أو إعطاء الفلوس أو غيرها.

و محل الكلام هو المراد من المقرّ به، لا ما يدل على نفس الإقرار. و ليس شي ء من العبارتين المزبورتين ما يبيّن المراد من النصف المقرّ به، فيحمل في كلتا الصورتين على المشاع في الحصتين.

ص: 39

[اقتضاء القاعدة حمل النصف على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه]

و على كلّ حال (1) فلا إشكال في أنّ لفظ «النصف» المقرّ به إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع- مجرّدا عن حال أو مقال يقتضي (2) صرفه إلى نصفه- يحمل (3) على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه (4)، و لذا (5) أفتوا ظاهرا على أنّه

______________________________

(1) أي: سواء حمل النصف «في بيع نصف الدار» على المشاع في العين، أم على النصف المختص بالبائع- كما هو المنسوب إلى المشهور- فلا إشكال في أنّ لفظ النصف الواقع في كلام المالك للنصف المشاع إن كان محفوفا بقرينة حالية أو مقالية توجب صرف لفظ «النصف» إلى نصفه المختص به، كأن يقول: «صالحتك على نصفي» يحمل على النصف المختص به.

و إن كان مجرّدا عن القرينة يحمل على المشاع في نصيبه و نصيب شريكه.

(2) صفة ل «حال أو مقال» و ضمير «صرفه» راجع إلى النصف.

(3) جواب الشرط في قوله: «إذا وقع» و جملة الشرط و الجواب خبر لقوله: «ان لفظ».

(4) هذا الضمير و ضميرا «نصيبه، نصفه» راجعة إلى المالك.

(5) أي: و لأجل حمل لفظ «النصف» المقرّ به- إذا وقع في كلام المالك للنصف المشاع- على النصف المشاع في نصيبه و نصيب شريكه، أفتوا ظاهرا- في مسألة إقرار أحد الرجلين الشريكين اللّذين لكلّ منهما يد على نصف عين كدار أو دكان أو غيرهما من الأعيان بكون ثلث هذه العين لزيد مثلا- بأنّه يحمل الثلث المقرّ به على «الثلث المشاع بين النصيبين» كما سيتضح.

و لا يخفى ظهور قول الماتن: «أفتوا ظاهرا» في الإجماع على حمل الثلث المقرّ به على المشاع بين حصتي الشريكين. ففرق بين بيع «النصف» المنصرف إلى حصة البائع بقرينة التصرف، و بين الإقرار الذي هو إخبار عن ملك الغير لشي ء، و لا يعتبر فيه وقوعه في ملك المقرّ، لجواز الإخبار بما في يد الغير، فيكون شهادة عليه، فإن اجتمعت شروط الشهادة نفذ، و إلّا فلا.

و هذه المسألة تعرّضوا لها في مقام الفرق بين فرعين.

أحدهما: ما سيأتي الإشارة إليه في المتن من الإقرار بالنسب، كما لو أقرّ أحد الأخوين بأخت، و كذّبه الآخر. فقالوا باستحقاقها لخمس حصة المقرّ، و ليس لها في حصة المنكر نصيب. و هذا الخمس هو الفاضل عمّا يستحقه المقرّ من التركة لو كانت الأخت وارثة مع الأخوين.

ص: 40

..........

______________________________

ثانيهما: ما لو أقرّ أحد الشريكين- المتصرفين في المال المشاع بينهما نصفين- بأنّ شخصا آخر يستحق ثلث المال، و لكل واحد من المتصرّفين ثلثه لا نصفه. حيث إنّهم حكموا بأنّ النصف الذي يستحقه المقرّ يشترك فيه هو و المقرّ له على السواء، فنصفه له، و نصفه للمقرّ له.

و قد بيّن صاحب الجواهر الفرق بين المسألتين في مواضع.

فمنها: ما أفاده في مسألة بيع نصف الدار بقوله: «انّ الموافق للضابطة ما في باب الإقرار، بدعوى: تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك المخصوص، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك، لحديث الضرار و السيرة و غيرها. على معنى: أن المالك في هذا الحال له إفراز ملكه عن ملك شريكه، كما كان له ذلك في المال الزكوي و نحوه .. إلخ» «1».

و منها ما أفاده في كتابي الصلح و الإقرار فراجع «2».

و توضيح أصل المسألة: أنّه لو فرض اشتراك زيد و عمرو في دار، و لكلّ منهما يد على نصف مشاع منها، فأقرّ زيد بأنّ ثلث الدار لبكر، و أنّ لكل من زيد و عمرو ثلث الدار لا نصفها.

و لا يخلو الأمر حينئذ من أنّ عمروا إمّا أن يصدّق زيدا، و لا كلام في صيرورة الحصص أثلاثا. و إمّا أن يكذّبه- كما هو مفروض البحث- و لا يحكم على المنكر بشي ء، بل له النصف المشاع من الدار، لما تقرّر من تقدم قول المنكر. و أمّا المقرّ فيؤاخذ بمقتضى إقراره «لأنّ إقرار العقلاء على أنفسهم جائز و نافذ» فيصير المقرّ له شريكا مع المقرّ في النصف المختص به.

لكن الكلام في تعيين ما يستحقه المقرّ له، و أنّ حصّته ثلث ما للمقرّ، بدعوى:

اعترافه بأنّ له ثلث المجموع، و ما زاد على هذا الثلث هو سدس المجموع، و هو للمقرّ له.

فإذا كانت الدار اثني عشر سهما، كان حصة المقرّ قبل الإقرار ستة أسهم، و ينقص بالإقرار إلى أربعة أسهم هي ثلث المجموع، و يبقى سهمان فاضلان عن هذا الثلث- و هما سدس الدار- للمقرّ له.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 318.

(2) المصدر، ج 26، ص 239 و في ج 35، ص 165.

ص: 41

لو أقرّ أحد الرجلين الشريكين- الثابت يد كلّ منهما على نصف العين- بأنّ (1) ثلث العين لفلان، حمل (2) على الثلث المشاع في النصيبين، فلو (3) كذّبه [1] الشريك الآخر،

______________________________

أم أنّ حصة المقرّ له نصف حصة المقرّ، ثلاثة أسهم، و هي لا سهمان.

و هذا الاحتمال هو مبنى الاستشهاد بهذا الفرع على أنّ الكسور- كالنصف و الربع و الثلث- تنصرف عند الإطلاق إلى المشاع بين النصيبين. و ظاهرهم الإجماع عليه. و هو يبتني على أمور مسلّمة.

الأوّل: ما تقرر في كتاب الشركة من توزيع الربح و الخسران على الشريكين أو الشركاء بنسبة الحصص.

الثاني: أنّ إنكار أحد الشريكين- و هو عمرو في المثال- إتلاف لمقدار من الثلث الذي استحقه المقرّ له بإقرار المقرّ، فحرمان المقرّ له من بعض ما يستحقه مسبّب عن تكذيب أحد الشريكين للآخر.

الثالث: ظهور الكسر في المشاع بين النصيبين.

و بناء على هذه يستحق المقرّ له نصف ما للمقرّ. و سيتضح في مطاوي شرح المتن.

(1) متعلق ب «أقرّ» في قوله: «لو أقرّ أحد الرجلين».

(2) جواب «لو» يعني: أنّه يحمل «الثلث» المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين.

(3) هذا متفرع على حمل الثلث المقرّ به على الثلث المشاع في النصيبين، توضيحه:

أنّه إذا كذّب الشريك الآخر و أنكر صدق إقرار المقرّ، دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما بيده.

فإذا فرض أنّ العين المتنازع فيها اثنا عشر سهما، و كانت ستة أسهم منها تحت يد المقرّ، و مثلها تحت يد شريكه، دفع المقرّ إلى المقرّ له ثلاثة أسهم التي هي نصف الستة التي بيده، إذ مقتضى الإشاعة في الحصتين توزيع الثلث المقرّ به- و هو أربعة أسهم- على الستة التي هي نصيب المقرّ به، و الستة التي هي سهم الشريك المنكر. فثلث المقرّ به- و هو أربعة- يخرج من هاتين الستتين حتى يكون ثلث كلّ من الشركاء الثلاثة أربعة أسهم.

______________________________

[1] لم يظهر وجه لهذا التفريع، ضرورة أنّ الإقرار بالنسبة إلى نفس المقرّ لا يقتضي إلّا دفع ما زاد على النصف الذي بيده، لأنّ نفوذ إقراره على نفسه يوجب دفع ما لا يستحقه- و هو ثلث ما بيده أعني الواحد من الثلاثة- لا نصف ما بيده، و هو الواحد و النصف، فإنّه

ص: 42

دفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده، لأنّ (1) المنكر بزعم المقرّ ظالم للسّدس بتصرّفه (2) في النصف، لأنّه (3) باعتقاده إنّما يستحقّ الثلث، فالسدس (4) الفاضل في

______________________________

(1) تعليل لدفع المقرّ إلى المقرّ له نصف ما في يده، و محصّله: أنّه بعد أن دفع المقرّ إلى المقرّ له سهمين يعني: سدس الاثني عشر، و هذا السدس نصف الثلث المقرّ به، يتلف من سهم المقرّ له سهمان- و هما: سدس الاثني عشر- بسبب تكذيب الشريك و إنكاره لإقرار المقرّ، فهو باعتقاد المقر ظالم و غاصب لهذا السدس. و مقتضى ما في الشركة من «أنّ ما حصل حصل لهما و ما توى توى عليهما» هو احتساب التالف و هو السدس- أعني السهمين- على المقر و المقر له، حسب استحقاقهما أي على كل منهما سهم.

و بالجملة: فسهمان- و هو السدس- يخرج من ستة أسهم متعلقة بالمقرّ، و سهم أيضا يخرج من سهمه، لكون التالف- و هو سهمان- على المقرّ و المقر له.

(2) أي: بسبب تصرف المنكر في النصف أي نصف ثلث المقرّ له، و هو سدس الكل.

(3) أي: لأنّ المقرّ باعتقاده يستحق المقر له ثلثا من العين.

(4) يعني: فالسدس في يد المنكر- و هو سهمان من اثني عشر سهما- نسبته إلى المقرّ و المقرّ له على حد سواء.

______________________________

خارج عن حيطة الإقرار على النفس. فاللازم على المقرّ دفع ما زاد عن حقه- و هو السدس- إلى المقرّ له. كما أنّ اللازم على المنكر دفع السدس الآخر الذي عنده إليه. و ليس شي ء من هذا السدس على المقرّ أصلا.

و دعوى «أن قاعدة الشركة تقتضي ورود الضرر على كلّ من المقرّ و المقرّ له، فيوزّع السدس الذي هو عند المنكر عليهما بالمناصفة» غير مسموعة، إذ فيه أوّلا: أنّ مورد الضرر على الشريكين في النصوص هو الدّين.

و ثانيا: أنّ التعدّي من الدّين إلى العين إنّما يكون في مال أقرّ اثنان بأنّه مشترك بينهما و تلف، أو غصب بعضه، فإنّ مقتضى إقرارهما بشركة المال بينهما كون الضرر عليهما.

فإن تمّ إجماع- كما ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه- فهو، و إلّا فيشكل استحقاق النصف.

ص: 43

يد المنكر نسبته إلى المقرّ و المقرّ له على حدّ سواء (1)، فإنّه (2) قدر تالف من العين المشتركة، فيوزّع على الاستحقاق.

و دعوى (3): أنّ مقتضى الإشاعة تنزيل المقرّ به (4) على ما في يد كلّ منهما، فيكون في يد المقرّ سدس (5)، و في يد المنكر سدس، كما لو صرّح بذلك (6)، و قال:

______________________________

(1) أي: نصفه، و هو سهم واحد من اثني عشر للمقر، و مثله للمقرّ له، حتى يكون مجموع حصة كل منهما ثلثا، و هو أربعة أسهم من اثني عشر.

(2) أي: السدس الباقي عند المنكر هو القدر التالف من العين، فيوزّع على المقرّ و المقرّ له بمقدار استحقاقهما، و هو التنصيف.

(3) الغرض من هذه الدعوى جعل مسألة إقرار أحد الشريكين نظير مسألة إقرار بعض الورثة بوارث آخر، في أنّ القاعدة في الجميع تقتضي صيرورة المقرّ له مستحقا لما يفضل من حصة المقرّ. ففي المقام يلزم دفع السدس- و هو نصف الثلث فقط- إلى المقر له، و عدم لزوم دفع أزيد منه إليه.

توضيحه: أنّ مقتضى الإشاعة في النصيبين هو تنزيل المقرّ به على ما في يد كلّ من الشريكين، فإذا كان الثلث المقرّ به أربعة أسهم- كما هو المفروض- وزّع على سهمي المقرّ و المقرّ له على السويّة، فيخرج سهمان و هو نصف الثلث من ستة أسهم المقرّ للمقرّ له، و لا يخرج منها شي ء زائد عليه، و هو سهم واحد من السهمين التالفين بسبب تصرف المنكر في السدس الزائد على الثلث.

(4) و هو ثلث المجموع الذي أقرّ به أحد الشريكين.

(5) و هو نصف الثلث، و كذا في يد المنكر، فالخارج من سهم المقر سدس فقط.

(6) أي: كما لو صرّح المقرّ بالسدسين، و غرضه من هذا التشبيه إثبات أنّه ليس في ذمة المقرّ إلّا السدس، و كذا على المنكر.

تقريبه: أنّ المقرّ إذا صرّح بالسدسين، و قال: «انّ للمقرّ له في يد كل من المقرّ و المنكر سدسا» كواحد من الستة- و المفروض أنّ إقرار المقر بالنسبة إلى الغير غير مسموع، لعدم كونه إقرارا على النفس- لم يجب على المقر إلّا دفع السدس- و هو نصف الثلث- إلى المقرّ له.

ص: 44

«إنّ له في يد كلّ منهما سدسا» و إقراره بالنسبة إلى ما في يد الغير (1) غير (2) مسموع، فلا يجب إلّا أن يدفع (3) إليه ثلث ما في يده، و هو (4) السدس المقرّ به، و قد تلف السدس الآخر (5) بزعم المقرّ على المقرّ له بتكذيب المنكر.

مدفوعة (6) بأنّ

______________________________

(1) و هو الشريك المنكر، و ضمير «له» راجع إلى المقر له، و ضمير «منهما» إلى المقر و المنكر، و ضمير «إقراره» إلى المقرّ.

(2) خبر «و إقراره». و وجه عدم سماعه عدم كونه إقرارا على نفس المقرّ، كما مرّ.

(3) يعني: فلا يجب إلّا أن يدفع المقرّ إلى المقرّ له ثلث ما في يده، و هو واحد من الثلاثة التي بيده فيما إذا كانت العين ستة أسهم.

(4) أي: ثلث ما بيده هو السدس المقرّ به أعني به الواحد من ستة أسهم.

(5) و هو نصف الثلث أيضا قد تلف بزعم المقرّ على المقرّ له بسبب تكذيب المنكر، و عدم تصديق المقرّ في مقالته.

فنتيجة هذه الدعوى: عدم وجوب شي ء على المقرّ إلّا دفع نصف الثلث و هو سدس الستة أسهم إلى المقرّ له، و عدم لزوم دفع نصف ما بيده و هو الواحد و نصفه، لأنّه نصف الثلاثة التي بيده، و ربع الستة.

(6) خبر قوله: «و دعوى» و دفع لها، و ملخّص الدفع: أنّ قياس المقام على ما لو صرّح المقرّ «بأنّ للمقر له في يد كل من المقرّ و المنكر سدسا» مع الفارق، لأنّ ما في يد الغير فيما نحن فيه ليس مفروزا و متميّزا عمّا في يد المقر حتى يكون كما لو صرّح المقرّ «بأنّ سدس دار و سدس دار غيري لزيد» في قبول إقراره في داره، و عدم قبوله في دار غيره. بل ما في يد الغير- و هو المنكر- حصة مشاعة كحصتي المقر و المقرّ له باعتقاد المقرّ، فبإنكار المنكر يتلف سدس مشاع، و هو واحد من الستة، و يوزّع على المقرّ و المقرّ له بالمناصفة.

و عليه فاللازم على المقرّ أن يدفع إلى المقرّ له نصف ما في يده، و هو واحد و نصف من الستة، لا ثلث ما في يده، و هو الواحد من الثلاثة.

ص: 45

ما في يد الغير (1) ليس عين ماله [1]، فيكون (2) كما لو أقرّ شخص بنصف كلّ من داره و دار غيره، و هو (3) مقدار حصّته المشاعة، كحصّة المقرّ و حصّة المقرّ له بزعم المقرّ، إلّا أنّه (4) لمّا لم يجبر المكذّب على دفع شي ء ممّا في يده، فقد تلف سدس مشاع (5) يوزّع على المقرّ و المقرّ له، فلا معنى لحسابه (6) على المقرّ له وحده، إلّا على احتمال ضعيف (7)، و هو تعلّق الغصب بالمشاع، و صحّة تقسيم الغاصب مع الشريك،

______________________________

(1) المراد بالغير هو المنكر و المكذّب لمقالة المقرّ.

(2) أي: ليكون. و لعلّ الأولى أن يقال: «حتى يكون كما لو أقرّ .. إلخ».

(3) أي: ما في يد الغير، و لعلّ الأولى أن يقال: «بل هو مقدار» ليكون إضرابا عن قوله: «ليس عين ماله».

(4) الضمير للشأن، و الغرض من قوله: «إلّا أنّه لما لم يجبر المكذّب» إثبات كون السدس موزّعا على المقرّ و المقرّ له، بتقريب: أنّ السدس لمّا صار تالفا من العين المشاعة- إذ لا موجب لدفعه على المنكر، لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه، و لكونه ذا يد على العين، و اليد أمارة الملكية ظاهرا- فالتالف يوزّع على كلّ من المقرّ و المقرّ له، فالسدس التالف و هو الواحد من الستة ينصّف عليهما.

(5) هذا هو السدس الذي عند المنكر، و قد عرفت أنّه لا يجبر على دفع شي ء ممّا في يده، لكونه ذا اليد، و لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه.

(6) أي: لحساب السدس الذي يكون عند المنكر على المقرّ له وحده.

(7) مذكور في كتاب الغصب، و هو تعلق الغصب بالمشاع، و صحة تقسيم الغاصب مع الشريك، فإنّه بناء على هذا الاحتمال يكون التالف على المقرّ له فقط، و ليس على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده إلى المقرّ له.

و ينبغي أوّلا توضيح ما ذكروه في باب الغصب، ثم وجه ابتناء ما نحن فيه عليه.

فنقول و به نستعين: أنّه إذا كانت دار مثلا مشتركة بين شخصين على وجه الإشاعة،

______________________________

[1] بل هو محكوم ظاهرا بمقتضى اليد بكون ما في يده ملكا له، فإقرار المقرّ لا يكون نافذا في حق المنكر، فالسدس الذي عند المنكر يحسب تالفا على المقرّ له فقط، فلا وجه لاحتسابه عليه و على المقرّ معا.

ص: 46

..........

______________________________

و أخرج ظالم أحدهما من الدار و تصرّف فيها بانيا على غصب حصته منها، ثم بنى على تقسيم الدار، و قسّمها. ففي مثله يتجه مسألتان.

إحداهما: أنّه هل يعتبر في صدق الغصب و الاستيلاء على مال الغير كون المال مقسوما معيّنا؟ أم لا يعتبر ذلك، فيتحقق غصب المال المشترك المشاع بين اثنين أو أزيد.

ثانيتهما: أنّه بعد صدق الغصب بالنسبة إلى المشاع هل ينفذ تقسيم المال من قبل الغاصب، فيستقلّ هو بحصة المغصوب منه، و يستقل الشريك الآخر بحصته؟ أم أنّ أمر التقسيم بيد الحاكم لو رجع إليه الطرف لدفع الحرج عن نفسه.

و هذا- كما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه- «أمر يعمّ البلوى به، لكثرة ما يتفق من غصب المتجاهرين بالظلم و غيرهم حصّة أحد المتشاركين في القرى و العيون و العقار و الأعيان. بل قد يتفق غصب ثلث الميت من وصيّه، و أنّ الزكاة يأخذه السلطان، و إن كان أخذه لها- إن كان مسلما مقدّما للشيخين- لا يوجب الإشكال في حصة المالك» «1».

أمّا المسألة الأولى فالأكثر- كما في المسالك «2»، بل في الجواهر «لا نجد فيه خلافا محقّقا» «3»- على صدق «الغصب» عرفا على الاستيلاء على المال المشترك كالمقسوم، و يكون الغاصب ضامنا، إلّا بناء على اعتبار الاستقلال باليد في الغصب كما ربّما يظهر من المحقق قدّس سرّه حيث تردّد في حكم شيخ الطائفة بضمان النصف «4». قال في المبسوط: «غصب المشاع يصح، كما يصحّ غصب المقسوم، و ذلك أن يأخذ عبدا بين شريكين، و يمنع أحد الشريكين من استخدامه، و لا يمنع الآخر، فيكون قد غصب حصّة الذي منعه منه.

و كذلك إذا كان شريكان في دار، فدخل غاصب إليها، فأخرج أحدهما، و قعد مع شريكه، فيكون غاصبا لحصّة الشريك الذي أخرجه. فإذا ثبت هذا و حصل المال المشترك في يد الغاصب و أحد الشريكين، ثم إنّهما باعا ذلك المال، مضى البيع في نصيب

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 411.

(2) مسالك الأفهام، ج 12، ص 152.

(3) جواهر الكلام، ج 37، ص 23

(4) شرائع الإسلام، ج 3، ص 235

ص: 47

..........

______________________________

البائع، و لا يمضي بيع الغاصب، كما نقول في تفريق الصفقة» «1». و حكم قدّس سرّه في كتاب الغصب بضمان النصف كما هنا لو هجم الغاصب على دار غيره و كان صاحبها فيها «2».

و أما المسألة الثانية فلها صورتان، الاولى: أن يطلب الشريك الآخر من المغصوب منه قسمة المال. بأن يعيّنا برضاهما نصفا معيّنا للغاصب، و نصفا للشريك، فيفرز المشاع بينهما.

و الظاهر جواز طلب القسمة، فإن أجابه المغصوب منه فهو، و إلّا رفع الشريك أمره إلى الحاكم، ليجبره على الإفراز.

الثانية: أن يقتسم الغاصب و الشريك العين المغصوبة، بلا مراجعة إلى المغصوب منه و لا الحاكم، فهل يتعيّن النصف المفرز للشريك بحيث تصحّ تصرفاته فيه كما لو لم يكن مشاعا أصلا، أم أنّه يجب على الشريك الاستئذان من المغصوب منه في التصرف، كما يضمن له نصف المنافع المستوفاة؟ مقتضى القاعدة بطلان هذه المقاسمة، لتوقفها على رضا الشريكين أو الولي عليهما أو على أحدهما، و لا تكون إرادة الغاصب بنفسها معيّنة لحصة الشريك.

لكن حكي قول بنفوذ القسمة عن الشيخ الفقيه الشيخ حسن كاشف الغطاء قدّس سرّه في كتابه أنوار الفقاهة. حيث قال: «و لو أراد غاصب غصب حصّة الشريك فقط، فلا يبعد جواز مقاصة الشريك الآخر مع الغاصب، و لا رجوع للمغصوب منه على ما بيد شريكه و إن كان غائبا» «3». و حكاه عنه صاحب الجواهر في كتاب الشركة، قائلا: «لكنه كما ترى، و قد تقدّم لنا بحث في ذلك» «4» و أشار إليه في مسألة جواز شراء ما يأخذه الجائر باسم الزكاة، فراجع «5». و ذكره في مسألة بيع نصف الدار تاركا لتضعيفه، و قد تقدم كلامه في (ص 41) فراجع.

إذا اتضح ما ذكروه في كتاب الغصب و غيره، فاعلم: أنّ كلام المصنف: «إلّا على

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 355

(2) المبسوط، ج 3، ص 73

(3) أنوار الفقاهة، مخطوط، و العبارة منقولة عن غاية الآمال، ص 411 و 412

(4) جواهر الكلام، ج 26، ص 315

(5) جواهر الكلام، ج 22، ص 202

ص: 48

فيتمحّض ما يأخذه الغاصب للمغصوب منه، و ما يأخذه الشريك لنفسه. لكنّه احتمال مضعّف في محلّه (1)،

______________________________

احتمال مضعّف» إشارة إلى قول صاحب أنوار الفقاهة- في المسألة الثانية- بنفوذ هذه القسمة، و أنّه يصير نصف المال ملكا محضا للشريك. و محصله: أنه لو بني على صحة التقسيم، ففي ما نحن فيه- و هو إقرار أحد الشريكين بكون ثلث المال للغير- يكون السدس الباقي عند المالك المنكر لصحة إقرار المقرّ محسوبا على المقرّ له فقط، لأنّ ثلث المقرّ له صار بسبب التقسيم عند المالكين الآخرين الغاصبين، و أحدهما- و هو المقرّ- دفع السدس الذي كان عنده إلى المقرّ له، و بقي السدس الآخر عند المنكر الغاصب، فالسدس التالف محسوب على المقرّ له فقط، إذ المفروض صحة التقسيم، و صيرورة ثلث المقرّ له عند المقرّ و المنكر. و المقرّ دفع السدس الذي عنده، و بقي السدس الآخر عند المنكر.

(1) من كتاب الغصب. و الوجه في ضعفه ضعف ما استند إليه صاحب أنوار الفقاهة من وجهين.

أحدهما: قاعدة نفي الحرج، بتقريب: أنّ منع الشريك من التصرف في حصّته حرج عليه، مع كثرة الغاصبين للأملاك، و هذا المنع مرفوع عنه، فيسوغ التقسيم مع الغاصب، و يستقلّ الشريك بالحصة المفرزة له.

ثانيهما: السيرة المستمرة إلى عصر المعصوم عليه السّلام الكاشفة عن إمضاء عمل العرف.

أما ضعف الوجه الأول فلأنّه- لو سلّم الحرج في المنع- لا تصلح القاعدة لتشريع جواز القسمة المزبورة، لكونها نافية للحكم لا مثبتة له.

و أما ضعف الوجه الثاني فلعدم إحرازها، بل يحتمل الردع عنها بفتوى الأكثر. بل المتفق عليها كما حكي.

و بهذا ظهر أنّ قول المصنف «إلّا على احتمال مضعّف» لا يراد به ضعف تعلّق الغصب بالمشاع، كما قد يلوح من العبارة بدوا. لما عرفت من عدم ضعفه، بل المراد بالاحتمال ما تقدّم من صاحب أنوار الفقاهة في صحة تقسيم المغصوب المشاع.

و الشاهد على إرادة هذا الاحتمال قوله: «لكنه احتمال مضعّف في محلّه» فإنّ

ص: 49

و إن قال به (1) أو مال (2) إليه بعض على ما حكي (3) للحرج أو السيرة.

نعم (4) يمكن أن يقال: بأنّ التلف في هذا المقام (5) حاصل (6) بإذن الشارع للمنكر الغاصب (7) لحقّ المقرّ له باعتقاد (8) المقرّ، و الشارع إنّما أذن له (9) في أخذ

______________________________

المضعّف هو نفوذ هذه القسمة، لا ضمان الغاصب للمشاع.

(1) أي: باحتمال صحة تقسيم الغاصب مع الشريك.

(2) الترديد بين القول و الميل نشأ من تعبير صاحب الجواهر «بل ربما احتمل أو قيل ..» «1» و إلّا فظاهر عبارة أنوار الفقاهة هو الفتوى، لا مجرّد الاحتمال. بل حكى الفقيه المامقاني قدّس سرّه عن بعض مشايخه: أنه سمع من صاحب الأنوار مشافهة نفي البعد عن صحة القسمة المزبورة «2».

(3) الحاكي لكلامه صاحب الجواهر، و ردّه في بعض المقامات، و سكت عنه في مقام آخر.

(4) بعد أن ضعّف المصنف قدّس سرّه الاحتمال المذكور- المقتضي لكون السدس الذي عند المنكر محسوبا على المقرّ له وحده- تمسّك بوجه آخر لاحتساب السدس عليه.

و محصل هذا الوجه: أنّ المنكر- الذي هو غاصب باعتقاد المقر- قد أخذ المال بانيا على أنّه من المقرّ له، دون المقر، إذ المفروض أنّه يدفع بمقتضى إقراره السدس الذي عنده، و الشارع قرّره ظاهرا بمقتضى اليد على ذلك، و لازم هذا التقرير كون التلف على المقرّ له وحده.

(5) أي: في مقام إقرار أحد الشريكين بكون ثلث الدار لزيد.

(6) خبر «ان» في قوله: «بأن» و قد مرّ تقريبه آنفا بقولنا: «و محصل هذا الوجه».

(7) أي: الغاصب بزعم المقر، لا واقعا، إذ لا يتصور الإذن له من الشارع.

(8) متعلّق بالغاصب، أي: كون المنكر غاصبا إنما هو باعتقاد المقرّ، و ليس ثابتا في الواقع، لاحتمال كذب المقرّ.

(9) أي: للمنكر الغاصب، و إذن الشارع ظاهرا إنّما هو لأجل أمارية اليد.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 26، ص 315.

(2) غاية الآمال، ص 412.

ص: 50

ما يأخذه على أنّه من مال المقرّ له (1)، فالشارع إنّما حسب السدس في يد المنكر على المقرّ له (2)، فلا يحسب منه (3) على المقرّ شي ء.

و ليس (4) هذا كأخذ الغاصب جزءا معيّنا من المال عدوانا بدون إذن الشارع حتّى يحسب على كلا الشريكين.

و الحاصل (5): أنّ أخذ الجزء [لما] (6) كان بإذن الشارع، و إنّما [فإنّما] أذن له

______________________________

(1) دون المقر، لما عرفت آنفا من أنّه لأجل إقراره يدفع السدس الذي عنده إلى المقر له.

(2) الوجه في احتسابه على المقرّ له فقط هو: أنّ يد المنكر داخلية، و هي حجة على اليد الخارجية التي هي يد المقرّ له، و ليست حجة على اليد الداخلية التي هي يد المقرّ.

و عليه فلا وجه لضمان المقرّ شيئا من السّدس الذي يكون عند المنكر.

(3) أي: من السّدس الذي يكون عند المنكر، لما مرّ من أنّه يدفع السّدس الذي لديه إلى المقرّ له، و لا يدفع أزيد منه.

(4) هذا دفع توهم. أمّا التوهم فهو: أنّه إذا أخذ الغاصب جزءا معينا من مال يحسب على كلا الشريكين لا على واحد منهما، كما إذا غصب غاصب جزءا من دار مشتركة بين شخصين، فإنّه يحسب الجزء المغصوب على كليهما، لا على واحد منهما.

فليكن السدس المغصوب هنا محسوبا أيضا على المقرّ و المقرّ له معا.

و أمّا الدفع فهو: أنّ أخذ الغاصب هنا للسدس المقرّ به لمّا كان بإذن الشارع، لا يكون كالأخذ الذي ليس بإذنه. ففي الأخذ المقرون بإذن الشارع لا ضمان، بخلاف غير المأذون فيه، الذي فيه الضمان.

(5) يعني: و حاصل ما ذكرناه في مسألة الإقرار بثلث الدار و إنكار أحد الشريكين لذلك هو: أنّ أخذ المنكر للسدس كان بإذن الشارع له على أن يكون من مال المقرّ له، و أنّه لا يجب على المقر إلّا دفع ثلث ما بيده، لا نصفه.

(6) في بعض النسخ زيادة هذه الكلمة، و المناسب حينئذ «فإنّما» كما في النسخة المصححة لتكون جوابا للشرط، و الأولى ما أثبتناه.

ص: 51

على أن يكون من مال المقرّ له.

[لو أقرّ أحد الأخوين بأخ ثالث]

________________________________________

و لعلّه لذا (1) ذكر الأكثر بل نسبه (2) في الإيضاح إلى

______________________________

(1) يعني: و لأجل كون أخذ المنكر للسدس بإذن الشارع على أن يكون من مال المقرّ له- و عدم لزوم دفع المقرّ أزيد من الواحد الذي هو ثلث ما بيده، و عدم وجوب دفع الواحد و النصف الذي هو ربع ستة أسهم، و نصف ما بيده أيضا- ذكر أكثر الأصحاب: أنّ أحد الأخوين إذا أقرّ بأخ ثالث لهما و أنكره الآخر، دفع المقرّ إلى الأخ المقرّ له الواحد الذي هو ثلث ما بيده، لأنّ المقر باعتقاده لا يستحق إلّا اثنين من ستة أسهم، فالزائد على الاثنين خارج عن حيطة استحقاقه، و هو نصف حق أخيه المقرّ له، فيجب على المقرّ دفع الواحد الذي هو ثلث ما بيده، لأنّه بمقتضى إقراره لا يستحقّ إلّا ثلث ما بيده من الثلاثة التي هي نصف الستة، لأنّ العين تكون أثلاثا بين الإخوة الثلاثة، لكل واحد منهم اثنان، فثلث ما بيده- و هو الواحد- مال المقرّ له.

و لا يخفى أنّ الفرع المزبور و نظائره شاهد على أنّ الإشاعة في باب الإقرار بالنسب يكون بالنسبة إلى مجموع الحصتين أو الحصص، و لا يكون في مجموع المال ليختص بحصة المقرّ، كما كان بيع نصف الدار منصرفا إلى الحصة المختصة بالبائع. و لذا تصدّوا لبيان الفارق بين البابين بإجماع أو غيره، فراجع «1».

(2) قاله فخر المحققين في شرح الفرع السابع ممّا عنونه العلّامة في فروع الإقرار بالنسب، و هو إقرار أخ الميت بأخ له من الأمّ، و أقرّ الأخ الأمّي بأخوين آخرين، و أنّ حصة الأخوين هل تكون في خصوص حصة الأخ الأمّي، أو توزّع على حصة الأخ الآبي أيضا؟ فقال الفخر: «وجه الأوّل: أنّ الوارث إذا أقرّ بآخر دفع الزائد عمّا في يده عن حقه. هكذا نصّ الأصحاب» «2».

و الفرع المذكور يختلف عمّا أثبته المصنّف قدّس سرّه في المتن، من كون الوارث أخوين، و يكون التركة بينهما، ثم أقرّ أحدهما بأخ ثالث ليكون المال أثلاثا بينهم، و أنكره الأخ الآخر كما أوضحناه.

لكن الجهة المشتركة بين هذين الفرعين و نظيرهما موجودة، و هي إقرار بعض

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 318.

(2) لاحظ: قواعد الأحكام، ج 2، ص 429، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 468

ص: 52

الأصحاب في مسألة الإقرار بالنسب: أنّ (1) أحد الأخوين إذا أقرّ بثالث، دفع (2) إليه الزائد عمّا يستحقّه باعتقاده و هو (3) الثلث، و لا يدفع (4) إليه نصف ما في يده.

نظرا (5) إلى أنّه أقرّ بتساويهما في مال المورث، و كلّ ما حصل كان لهما،

______________________________

الورثة بوارث آخر في طبقته، كما في إقرار أحد الأخوين بأخ ثالث، أو إقرار أحد الولدين بولد ثالث، أو إقراره بوارث في طبقة سابقه، كما لو أقرّ أحد الأخوين بولد، و هكذا.

و لعل الأصل في دعوى الإجماع شيخ الطائفة، حيث قال في الخلاف: «إذا مات رجل، و له ابنان، فأقرّ أحدهما بأخ ثالث، فأنكره الآخر، لا خلاف أنه لا يثبت نسبه.

و إنّما الخلاف في أنه- أي المقرّ له- يشاركه في المال أم لا؟ فعندنا أنّه يشاركه، و يلزمه أن يردّ عليه ثلث ما في يده. و قال مالك و ابن أبي ليلى. و قال أبو حنيفة يشاركه بالنصف ممّا في يده، لأنّه يقرّ أنّه يستحق من المال مثل ما يستحقه، فيجب أن يقاسمه المال .. و قال الشافعي: لا يشاركه في شي ء ممّا في يده .. دليلنا: إجماع الفرقة. و أيضا: فإنّه يقرّ بأنّه يستحق من التركة ثلثها، و هو ثلث ما في يده، و ما زاد عليه فللّذي أقرّ له به، فوجب تسليمه إليه، لأنّ الإقرار قائم مقام البينة، و لو قامت البيّنة لم يلزمه أكثر من ثلث ما في يده» «1».

(1) متعلق بقوله: «ذكر الأكثر».

(2) أي: دفع الأخ المقرّ إلى الأخ الثالث ثلث ما بيده، و هو الواحد من الثلاثة.

(3) بيان ل «الزائد» و هذا الثلث سدس الكل الذي هو ستّة أسهم.

(4) يعني: و لا يدفع المقرّ إلى أخيه المقرّ له نصف ما بيده، و هو الواحد و النصف أي ربع الستة، و إلّا لزم أن يكون استحقاقه حال الاجتماع أزيد من حقه- و هو الثلث- حال التفريق، و هو كما ترى.

(5) الظاهر أنه بقرينة قوله: «و كل ما توى كان كذلك» تعليل للمنفيّ، و هو لزوم

______________________________

(1) الخلاف، ج 3، ص 378، المسألة 29، و نقل السيد العاملي الإجماع عن الحلّي و العلّامة و المحقق الثاني قدّس سرّهم أيضا، فراجع مفتاح الكرامة، ج 9، ص 347.

ص: 53

و كلّ ما توى كان كذلك (1). هذا.

و لكن لا يخفى ضعف هذا الاحتمال (2)، من (3) جهة أنّ الشارع ألزم بمقتضى

______________________________

دفع نصف ما في يد المقرّ إلى المقرّ له، و عدم كفاية دفع ثلث ما بيده إليه.

و محصله: أنّ إقرار المقر يقتضي تساوي المقرّ و المقرّ له في متروكات الميّت، و المفروض أنّ الورثة إخوة ثلاثة، فالمال يقسّم بينهم أثلاثا، لكلّ منهم ثلث، و هو سدسان من الستة، فأحد سدسي الأخ المقرّ له عند أخيه المقرّ، و سدسه الآخر عند المنكر. و حيث إنّه ذو اليد- و يده حجة شرعية على ملكية هذا السّدس له- فلا موجب لانتزاعه عن يده، فيعدّ هذا السدس محسوبا على المقرّ و المقرّ له، لكون الضرر بمقتضى قاعدة الشركة عليهما.

و بالجملة: فليس على المقرّ دفع السدس فقط، بل عليه دفع نصف ما بيده إلى المقرّ له، و ذلك النصف ربع الستة أسهم.

(1) أي: يكون التلف عليهما، فالسدس الذي يكون عند المنكر- و هو ملكه ظاهرا لأجل اليد- يعدّ تالفا، فيحسب عليهما، لأنّه مقتضى «كل ما توى توى عليهما» لا على المقرّ له فقط.

(2) و هو ما أفاده بقوله: «نعم يمكن أن يقال» الذي محصّله: احتساب السدس الذي بيد المنكر على المقرّ له فقط.

و ملخص وجه ضعف هذا الاحتمال: أنّ الإقرار الذي هو إخبار عن الواقع إن كان صدقا فهو بمنزلة العلم بالواقع، و من المعلوم أنّ مقتضى الواقع هو كون ما في يد المقرّ على حسب إقراره بالمناصفة بينه و بين المقرّ له، إذ المفروض عدم تقسيم المال بعد، و لا ريب في أنّ الإشاعة تقتضي ورود الربح و الخسارة على الشركاء بنسبة حصصهم.

و عليه فلا وجه لدفع سدس ما بيد المقرّ إلى المقرّ له، بل اللازم دفع النصف.

هذا حال المقرّ. و أمّا الأخ المنكر العالم فيكون المال الذي بيده مشتركا، و لا يحلّ له إلّا بمقدار حصته، و هو اثنان من الستة، و الزائد و هو السدس حقّ للمقرّ و المقرّ له.

(3) تعليلية متعلقة ب «ضعف» و بيان لضعف الاحتمال، و هو مؤلف من أمرين:

أحدهما: أنّ نفوذ الإقرار شرعا يقتضي ترتيب آثار الواقع على المقرّ به.

ص: 54

الإقرار معاملة المقرّ مع المقرّ له بما (1) يقتضيه الواقع الذي أقرّ به (2)، و من المعلوم أنّ مقتضى الواقع- لو فرض العلم بصدق المقرّ- هو كون ما في يده على حسب إقراره بالمناصفة [1]. و أمّا المنكر عالما (3) فيكون ما في يده مالا مشتركا لا يحلّ له منه إلّا ما قابل حصّته عمّا في يدهما، و الزائد (4) حقّ لهما عليه.

______________________________

ثانيهما: أنّ مقتضى هذا الواقع المقرّ به كون ما بيده مشاعا بينه و بين المقرّ، فيلزم ترتيب أثره.

(1) متعلق ب «معاملة».

(2) من كون ثلث المال للمقرّ له.

(3) و أما المنكر جاهلا بالحال فكذا يكون ما بيده مشتركا، لكنه لا يخاطب بالتكليف و إن خوطب بالوضع.

(4) أي: الزائد عن حصة المنكر- و هو السدس- حقّ للمقرّ و المقرّ له على المنكر.

فالنتيجة من تضعيف احتمال احتساب السدس الذي عند المنكر على المقرّ له وحده- و عدم وجوب دفع المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له، و كفاية دفع ثلث ما بيده إليه- هي: لزوم دفع نصف ما في يده إليه، و هو ربع الستة.

______________________________

[1] لم يظهر مراده قدّس سرّه، فإنّ مرجع إقراره إلى كون العين أثلاثا بنحو الإشاعة بين الثلاثة، و مقتضاه كون الزائد على ما يستحقه- و هو سهم واحد من الثلاثة التي بيده- للمقرّ له، لا نصف ما بيده، فإن الإقرار بالثلث ينفذ في نصف الثلث و هو السدس، و السدس الآخر في سهم الشريك المنكر.

و كونه كالتالف لعدم انتزاعه عنه- لعدم نفوذ إقرار المقرّ في حقه، و لأماريّة يده على الملكية- لا يوجب أن يكون ضمانه على المقرّ و المقرّ له، بل يرد الضرر على خصوص المقرّ له، لأنّه جزء حقه على تقدير صدق الإقرار و لو على الإشاعة، فإنّ إذن الشارع في تصرف الشريك المنكر إفراز لنصيبه، و لذا لا ينتزع السّدس الفاضل الذي عنده عنه، و أخذ السدس عن المقرّ إنّما هو لأجل إقراره النافذ عليه.

ص: 55

[تحقيق مسألة الإقرار بالنسب]

و أمّا مسألة الإقرار بالنسب (1)، فالمشهور و إن صاروا إلى ما ذكر (2)، و حكاه الكليني عن الفضل (3) بن شاذان على وجه الاعتماد، بل ظاهره جعل فتواه كروايته، إلّا أنه (4) صرّح جماعة ممّن تأخّر عنهم بمخالفته،

______________________________

(1) هذه المسألة هي التي جعلها المصنف قدّس سرّه مؤيّدة احتمالية- لضمان المقرّ للمقرّ له ثلث ما بيده- بقوله: «و لعلّه لذا ذكر الأكثر بل نسبه في الإيضاح .. إلخ».

و محصل ما أفاده في تضعيفه: أنّ المشهور و إن ذهبوا إلى أنّه إذا أقرّ أحد الأخوين بأخ ثالث دفع إلى الأخ الثالث السدس الزائد عما يستحقّه، و هو الواحد أعني ثلث ما بيده لا نصف ما بيده، و حكاه الكليني عن الفضل على وجه الاعتماد لا مجرد النقل. لكنه صرّح جماعة من المتأخرين بمخالفة هذا الحكم المشهوري للقاعدة، أي قاعدة الإقرار المقتضية لإعطاء المقرّ نصف ما بيده- و هو ربع ستة أسهم- لا ثلثه أعني الواحد الذي هو سدس الستة.

(2) من إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه.

(3) هو من أصحاب أبي جعفر الثاني، و قيل الرضا عليهما السّلام أيضا، و كان ثقة، و من الفقهاء و المحدثين.

قال ثقة الإسلام قدّس سرّه في باب الإقرار بوارث آخر- ما لفظه: «قال الفضل بن شاذان: إن مات رجل و ترك ابنتين و ابنين .. و إن ترك ابنين، فادّعى أحدهما أخا، و أنكر الآخر، فإنّه يردّ هذا المقرّ على الذي ادّعاه ثلث ما في يديه» «1».

(4) الضمير للشأن، حاصله: أنّ المشهور و إن ذهبوا إلى إعطاء المقرّ ثلث ما بيده لا نصفه، إلّا أنّ جماعة من متأخري عصر هذين المحدّثين الجليلين خالفوا المشهور، و ذهبوا إلى إعطاء المقرّ نصف ما بيده. قال السيد العاملي قدّس سرّه- بعد حكاية قرب الاختصاص بنصيب المقرّ كالبيع عن التحرير- ما لفظه: «و قوّاه في الكفاية تبعا لنهاية المرام، تبعا للمسالك في آخر الباب، حيث قال: لعلّه أجود. و قد رجّح قبل ما عليه الأصحاب. و في الرياض: انه لا يخلو عن قوة» «2».

______________________________

(1) الكافي، ج 7، ص 166 و 167

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 348

ص: 56

للقاعدة (1)، حتّى (2) قوّى في المسالك الحمل على الإشاعة، و تبعه سبطه (3)

______________________________

(1) أي: قاعدة الإقرار القاضية بلزوم إعطاء نصف ما بيده إلى المقرّ له، لا ثلث ما بيده.

(2) هذا ترقّ، يعني: أنّ الشهيد الثاني قدّس سرّه قوّى إعطاء المقرّ نصف ما بيده إلى المقرّ له، فإنّ الإشاعة تقتضي أن يكون النصف الذي يكون بيد المقرّ- و هو الثلاثة من الستة- منصّفا بينه و بين المقرّ له، فإنّ الموجود من التركة بمقتضى إقرار المقرّ مشاع بينهما، فتأمّل.

و هذا المطلب قد أفاده في شرح قول المحقق: «لو أقرّ بزوج للميّتة، و لها ولد، أعطاه ربع نصيبه، و إن لم يكن لها ولد أعطاه نصفه» فقال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «فلو كان المقرّ أحد الأبوين مع البنت، دفع إليه نصف الثمن، لأنّ نصيبه على تقدير عدم الزوج الربع اثنا عشر من ثمانية و أربعين، و على تقدير وجوده تسعة، فالتفاوت بينهما ثلاثة هي نصف الثمن. و يمكن تنزيل كلام الجماعة هنا على حمل الإقرار على الإشاعة، فيقتضي الإقرار بالزوج أن يكون له في كلّ شي ء ربعه أو نصفه .. و هذا حسن، إلّا أنه لا يطابق ما سلف من الفروض، فإنّهم لا ينزّلوها على الإشاعة، فلا بدّ من تنقيح الحكم في أحد الجانبين. و لعلّ ما ذكروه هنا أجود ممّا سلف، لأنّ الوارث يستحق في كل جزء من أجزاء التركة سهمه، فلا يختصّ بفرضه في بعض دون بعض» «1».

و المحقق الثاني نبّه على الإشكال أيضا، لكنه رجّح الالتزام بما قاله الأصحاب، فراجع «2».

(3) و هو السيّد الفقيه السيّد محمّد العاملي صاحب المدارك قدّس سرّه، حيث قال: «و قيل:

انّ النصف يقسّم بين المقرّ و الثالث بالسويّة، لاعتراف المقرّ بأنّه لا يستحق زيادة عن الثالث .. و إلى هذا القول ذهب جدّي قدّس سرّه في المسالك في آخر هذا البحث، مع أنّه رجّح المشهور أوّلا، و قوّة هذا القول ظاهرة» «3».

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 11، ص 144، شرائع الإسلام، ج 3، ص 159.

(2) جامع المقاصد، ج 9، ص 356 و 369

(3) نهاية المرام (مخطوط)، ص 430، لم يطبع كتاب الإقرار من هذا الكتاب- مع الأسف- اعتمادا على اشتمال مجمع الفائدة على باب الإقرار، كما صرّح به لجنة التحقيق، فلاحظ مقدمة نهاية المرام، ج 1، المقدمة ص 6

ص: 57

و سيّد (1) الرياض في شرحي النافع (2).

و الظاهر أنّ مستند المشهور (3) بعض الروايات الضعيفة المنجبر (4) بعمل أصحاب الحديث، كالفضل و الكليني، و غيرهما (5)، فروى الصدوق مرسلا و الشيخ مسندا (6) عن أبي البختري «1» وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل مات و ترك ورثة فأقرّ أحد الروثة بدين على أبيه: أنّه (7) يلزم ذلك (8) في حصّته بقدر (9) ما ورث،

______________________________

(1) و هو الفقيه العظيم السيّد علي الطباطبائي قدّس سرّه.

(2) هما شرحان للمختصر النافع، أحدهما لصاحب المدارك، و الآخر لصاحب الرياض «2».

(3) القائلين بإعطاء الثلث للمقرّ له دون نصف ما بيد المقرّ.

(4) صفة ل «بعض» و انجبار ضعف السند بعمل المشهور هو المشهور المنصور.

(5) كالصدوق و شيخ الطائفة و الحميري.

(6) قال في الوسائل: «محمّد بن الحسن بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه عن السندي بن محمّد عن أبي البختري وهب بن وهب».

(7) مفعول به ل «قضى» فهو مأوّل بالمصدر، و ضمير «أنّه» للشأن.

(8) أي: يلزم الدين المقرّ به في حصة المقرّ بمقدار ما ورث، فإذا أقرّ أحد الورثة بدين على المورّث- كأربعين دينارا- و كان الوارث أخوين، فحصّة المقرّ من التركة نصفها، فيلزم عليه أن يدفع نصف الدّين إلى الدائن.

فيستفاد من هذه الجملة من الرواية ورود الضرر- في مسألة الإقرار بالدّين- على خصوص المقرّ بالدين، بنسبة سهمه من التركة من النصف أو الثلث أو غيرهما.

(9) أي: بنسبة حصّته من الكسور كالثلث و غيره من التركة.

______________________________

(1) كذا في الوسائل، و بعض نسخ الكتاب، و في النسخة المصححة «عن وهب بن وهب أبي البختري».

(2) رياض المسائل، ج 2، ص 246، و كذلك لاحظ كفاية الأحكام للفاضل السبزواري، ص 232

ص: 58

و لا يكون ذلك (1) في ماله كلّه. و إن أقرّ اثنان من الورثة، و كانا عدلين أجيز ذلك (2) على الورثة، و إن لم يكونا عدلين ألزما في حصّتهما «1» بقدر ما ورثا. و كذلك (3) إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت إنّما يلزمه في حصّته» «2».

______________________________

(1) أي: لا يكون الدّين- الذي أقرّ به أحد الورثة على أبيه- في جميع مال الميت.

(2) أي: ذلك الدين كلّه على جميع الورثة، لقيام البينة على الدّين، لا على خصوص المقر.

(3) يعني: و كذلك في إلزام المقرّين بالدفع- بقدر ما ورثا- إقرار بعض الورثة بأخ إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت، فإنّه يلزمه في حصّته لا في جميع مال الميت.

و محل الشاهد قوله: «و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» فإنّ مقتضى تشبيهه بالدين هو: أنّ للمقرّ له ثلث التركة، لكون الورثة بمقتضى إقرار المقرّ إخوة ثلاثة، و لكل منهم ثلث التركة و هو اثنان من الستة، و المقرّ يدفع ثلث ما بيده من الثلاثة، و هو الواحد من الستة، فإنّ نسبة هذا الواحد- الذي هو سدس الستة- إلى الثلاثة التي بيده نسبة نصيبه إلى التركة و هو الثلث. و على الأخ الآخر دفع ثلث ما بيده من الثلاثة و هو الواحد أيضا إلى المقرّ له حتى يكمل نصيبه و هو ثلث التركة.

و بالجملة: فتشبيه الإقرار بالأخ و الأخت بالإقرار بالدّين على الميت يقتضي أن يكون ذلك في حصّة المقرّ بقدر ما ورث، فلا ينبغي الإشكال في الاستشهاد بقوله عليه السّلام:

«و كذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أخت» على مذهب المشهور من دفع المقرّ ثلث ما بيده، لا دفع نصف ما بيده، و هو الواحد و النصف الذي هو ربع الكل.

فالمناقشة في الاستدلال به في حاشية السيد قدّس سرّه بما حاصله: «سكوت الرواية عن مقدار الضرر الوارد على المقرّ في قوله عليه السّلام: إنّما يلزمه ذلك في حصته، و عدم دلالتها إلّا

______________________________

(1) كذا في وسائل الشيعة، و بعض نسخ الكتاب، و ما في كثير منها من «حقهما» لعلّه من سهو الناسخ.

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 402، الباب 26، ح 5

ص: 59

و بالإسناد (1): قال: قال علي عليه السّلام: «من أقرّ لأخيه فهو شريك في المال، و لا يثبت نسبه. فإن أقرّ اثنان (2) فكذلك، إلّا أن يكونا عدلين، فيثبت نسبه، و يضرب في الميراث معهم» «1».

و عن قرب الإسناد رواية الخبرين عن السندي بن محمد، و تمام الكلام في محلّه من كتاب الإقرار و الميراث إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

على أنّ الضرر في حصته بدون تعيين مقداره» «2» مندفعة بعدم قصور التشبيه بالدّين عن الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ، و هو كون الضرر في حصته بقدر ما ورث.

نعم دعوى قصور الدلالة على مقدار الضرر الوارد على المقرّ في الرواية الثانية في محلها، لعدم دلالة قوله عليه السّلام: «فهو شريك في المال» على مقدار الشركة في المال.

لكن الرواية الأولى صالحة لرفع إجماله، و تعيين مقدار الشركة في المال.

(1) أي: الإسناد السابق الذي كان مسندا عن أبي البختري.

(2) يعني: إنّ أقرّ اثنان بأخ، فالمقرّ له شريك في حصة المقرّين بمقدار ما ورثه كلّ واحد منهما، من دون أن يثبت نسبه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 402، الباب 26، ح 6

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 196

ص: 60

[بيع ما يملك و ما لا يملك]
اشارة

مسألة (1) لو باع ما يقبل التملّك و ما لا يقبله- كالخمر و الخنزير [1]- صفقة (2) بثمن

______________________________

(1) بيع ما يملك و ما لا يملك هذه المسألة ذكرت استطرادا، و ليست مرتبطة بمسائل العقد الفضولي إلّا بناء على شمولها لبيع ملكه مع ملك الغير.

(2) أي: في عقد واحد، لا بيع كل منهما بعقد مستقل و ثمن واحد لكليهما أعني المملوك و غيره.

______________________________

[1] هذان مثالان لما لا يكون مالا شرعا و يكون مالا عرفا. و الظاهر أنّ العنوان أعمّ من ذلك، فكلّ ما لا يقبل التملك سواء أ كان لعدم ماليته شرعا مع كونه مالا عرفا كالخمر و الخنزير، أم لعدم ماليته عرفا أيضا كالخنافس، فإنّه لا إشكال في عدم صحة البيع في كلتا الصورتين في ما لا يقبل التملك مطلقا.

و إن شئت فقل: إنّ عدم التملك تارة يكون لعدم قابليّته ذاتا للتملك، سواء أ كان مالا عرفا كالخمر و الخنزير أم لم يكن كالخنافس. و اخرى لعارض كالوقف، فإنّه يسقط العين الموقوفة عن صلاحية التملّك، مع صلاحية الموقوفة كالأرض ذاتا للتملك، إلّا أنّ عروض عنوان الوقف عليها أسقطها عن هذه الصلاحية فعلا.

و كيف كان فقد استدلّ على صحة بيع المملوك و عدم صحته في غير المملوك بإطلاق المكاتبة الشامل لبيع المملوك و غيره.

و قد أورد على الاستدلال به بوجوه:

أحدها: انصراف الإطلاق إلى بيع ماله مع مال غيره، لا مع غير المملوك، فهو دليل على مسألة بيع ماله مع مال غيره.

ص: 61

[صحة البيع فيما يقبل التملك خاصة]

واحد، صحّ (1) في المملوك «عندنا» كما في جامع المقاصد، و «إجماعا» كما عن الغنية (2).

______________________________

(1) هذا جواب «لو» و حاصله: أنّ البيع صحيح «عندنا» في ما يقبل التملك، كما في جامع المقاصد. لكن لم أظفر به- بعد الفحص في مواضع منه- كما لم أجد نسبته إليه في مفتاح الكرامة و الجواهر.

و لعلّ المصنف ظفر به في غير هذه المسألة، و هي بيع ما يملك و ما لا يملك. أو استفاد الحكم من كلام المحقق الثاني قدّس سرّه في بيع المملوك و غير المملوك، و هو: «فلا سبيل إلى القول بالبطلان في الأخير عندنا» فراجع «1».

(2) يعني: ادّعى السيد ابن زهرة الإجماع صريحا على بيع ما يجوز بيعه إذا بيع معه- في صفقة واحدة- ما لا يجوز بيعه. فقال: «و يدل على ذلك بعد إجماع الطائفة ظاهر قوله تعالى وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» «2».

______________________________

ثانيها: كون البيع غرريا، لعدم العلم بمقدار الثمن المقابل للجزء المملوك.

ثالثها: تخلف القصد، لأنّ ما قصد- و هو بيع المجموع- لم يقع، و ما وقع و هو بيع المملوك لم يقصد.

رابعها: أنّ اللفظ الواحد لا يقبل التبعيض. و فساد الجزء غير المملوك يسري إلى الجزء المملوك، فيبطل البيع في الجميع.

خامسها: أنّ الجمع بين بيع ما يقبل التملك و ما لا يقبله كالجمع بين الأختين في عقد واحد.

و الكلّ كما ترى. إذ في الأوّل ما مرّ في التوضيح.

و في الثاني: أنّ الغرر المبطل للبيع هو ما إذا كان ذاتا لا عرضا، كحكم الشارع بعدم وقوع بعض الثمن بإزاء المبيع.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 432

(2) الجوامع الفقهية، ص 523، الغنية، ص 209

ص: 62

و يدلّ عليه إطلاق مكاتبة الصفّار المتقدّمة (1).

______________________________

(1) في أدلة بطلان بيع الفضولي، و هي: روى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن بن على العسكري عليهما السّلام: في رجل باع قرية، و إنّما له فيها قطاع أرضين، فهل يصلح للمشتري ذلك، و قد أقرّ له بكلّها. فوقّع عليه السّلام: لا يجوز

______________________________

مضافا إلى ما قيل من: أنّ الغرر القادح في صحّة البيع هو الغرر في حال التسليم و التسلم، لا حال العقد كما فيما نحن فيه، لارتفاع الغرر بالتقسيط.

لكنه مشكل، إذ لازمه صحة بيع كل مجهول يؤول إلى العلم به بعد ذلك. مع القطع بفساده.

و في الثالث: أنّ قصد بيع المملوك موجود، لكنه ضمنا لا مستقلّا، و لا دليل على اعتبار استقلال القصد في العقود. فالانحلال هنا كانحلال التكاليف.

نعم تخلف وصف الانضمام يوجب الخيار في تبعض الصفقة الناشئ من تخلف الشرط الضمني.

و في الرابع: أنّ اللفظ الواحد إذا أنشأ به أمور متعددة فلا مانع من تبعيضها، إذ المدار في الانحلال على تعدد متعلق الإنشاء، كقوله: «أكرم العلماء» فإنّ الأمر ينحل بتعدد العلماء.

«فبعت المملوك و غيره» ينحلّ الى بيعين: أحدهما يتعلق بالمملوك، فيصح، و الآخر: بغير المملوك، فيبطل.

و يكفي دليلا على الانحلال في مقام الإثبات قوله عليه السّلام في المكاتبة المزبورة: «و قد وجب الشراء على ما يملك» و إن لم يحتج ذلك إلى مثل هذه المكاتبة، لكونه من الأمور الارتكازية العقلائية الدائرة بينهم.

و في الخامس: أنّ فساد عقد الأختين جمعا يستلزم بطلان عقد إحداهما أيضا، لعدم ترجيح إحداهما على الأخرى. بخلاف ما نحن فيه، فإنّ بطلان عقد المجموع لا يقتضي بطلان عقد خصوص المملوك الجامع لشرائط الصحة، الأجنبي عن الترجيح بلا مرجح.

و إن شئت فقل: انّ الجمع بين الأختين لمّا كان من تقارن السببين المتزاحمين في التأثير- مع تساويهما في اقتضائه- فلا محالة يسقطان عن التأثير. و معه يكون المانع عنه ثبوتيا، فلا مجال لاختيار أحد العقدين بالقرعة كما قيل.

ص: 63

و دعوى (1) انصرافه (2) إلى صورة كون بعض القرية المذكورة فيها مال الغير، ممنوعة (3) [1]،

______________________________

بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء على ما يملك» «1».

فإنّ إطلاق «ما ليس يملك»- الناشئ من ترك الاستفصال- يشمل ما لا يكون قابلا في نفسه للتملك كالوقف، و ما لا يكون قابلا له لكونه مملوكا للغير. و قوله عليه السّلام:

«و قد وجب الشراء على ما يملك» يدل على صحة البيع فيما يملكه البائع.

(1) هذا إشكال على إطلاق قوله عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس يملك» و حاصله: أنّ هذا الإطلاق منصرف إلى خصوص بيع مال الغير مع مال نفسه، فلا يشمل بيع ما يملكه مع ما لا يقبل التملك. و ذلك خلاف فرض المسألة، و هو بيع ما يملكه مع ما لا يصلح للتملك.

(2) أي: انصراف إطلاق المكاتبة إلى صورة .. إلخ.

(3) خبر «دعوى» و دفع لها، و محصل الدفع: أنّه لا وجه للانصراف المزبور، حيث إنّ منشأه غلبة وجود الملك على الوقف، و مثل هذا الانصراف لا يصلح لتقييد الإطلاق.

هذا.

مضافا إلى: أنّه يحتمل أن يكون «يملك» في قوله عليه السّلام: «لا يجوز بيع ما ليس

______________________________

[1] بل الظاهر أنّ السؤال عن بيع ما يملكه من القرية منضمّا إلى ملك الغير. فالمراد من قوله عليه السّلام: «ليس يملك»- بناء على قراءة «يملك» مبنيّا للفاعل كما هو الظاهر- مال الغير الّذي لا يملكه البائع، فتكون المكاتبة دليلا على صحة بيع مال نفسه مع مال الغير، لا بيع ما يقبل التملك مع ما لا يقبله الذي هو مفروض مسألتنا.

و بالجملة: فلا إطلاق في البين حتى يتجه دعوى انصرافه إلى كون بعض القرية مال الغير، بل هو ظاهر الكلام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 252، الباب 2، ح 1. و الصفار من أصحاب أبي محمّد الحسن بن علي العسكري عليهما السّلام، و تقدمت الرواية في ج 4 من هذا الشرح، ص 488.

ص: 64

بل (1) لا مانع من جريان قاعدة الصحّة- بل اللزوم- في العقود، عدا ما يقال (2) من:

أنّ التراضي و التعاقد إنّما وقع على المجموع الذي لم يمضه الشارع قطعا، فالحكم بالإمضاء (3) في البعض

______________________________

يملك» بصيغة المجهول. فإن كان كذلك كانت دلالته أظهر، و لا يبقى موضوع لدعوى الانصراف.

(1) لم يظهر وجه لهذا الإضراب. فلعلّ الأولى إبداله ب «فلا مانع» متفرعا على شمول إطلاق المكاتبة للمسألة، يعني: بعد أن صار بيع الجزء المملوك مشمولا لإطلاق المكاتبة لم يكن مانع من التمسك بالأدلة العامة أيضا على صحته و لزومه، من «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و «أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» و «تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» و غيرها.

(2) هذا أحد موانع الصحة في بيع مال نفسه مع ما لا يقبل التملك، و محصله: أنّ شرط صحة التجارة بالنسبة إلى بيع المملوك- و هو التراضي- مفقود، ضرورة أنّ التراضي وقع على المجموع من بيع المملوك و غيره، و لم يقع على خصوص بيع البعض المملوك حتى يصحّ.

و ليعلم أنّ هذا الاشكال هو الذي أشير إليه في بيع الفضولي «1» مال نفسه منضما إلى مال غيره. و قد ذكره في جامع المقاصد وجها لتقوية العلّامة بطلان البيع بالشرط الفاسد حتى إذا لم يستلزم الجهل بأحد العوضين. ثم نقض المحقق الثاني عليه باستلزامه بطلان البيع في موردين آخرين، أحدهما: بيع المملوك و غير المملوك، و الآخر: بيع موصوف عند تخلف الوصف ككتابة العبد. مع أنّهم لم يلتزموا بفساد البيع فيهما، ثم قال: «مع أن التراضي لم يتحقق إلّا على الوجه الذي ليس بواقع. و في الفرق بينهما عسر» «2».

(3) يعني: فحكم الشارع بإمضاء بيع البعض المملوك و صحته- مع عدم كونه مقصودا إلّا في ضمن المركّب من المملوك و غيره- يحتاج إلى دليل خاص غير الأدلة العامّة الدالة على حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض. و ذلك الدليل الخاص هو الإجماع أو النص.

______________________________

(1) لاحظ: هدى الطالب، ج 5، ص 602

(2) جامع المقاصد، ج 4، ص 431 و 432

ص: 65

- مع عدم كونه (1) مقصودا إلّا في ضمن المركّب- يحتاج إلى دليل آخر [1] غير ما دلّ على حكم العقود و الشروط و التجارة عن تراض، و لذا (2) حكموا بفساد العقد بفساد شرطه. و قد نبّه عليه (3) في جامع المقاصد في باب فساد الشرط، و ذكر (4) «أنّ في الفرق بين فساد الشرط و الجزء عسرا» (5).

______________________________

(1) يعني: مع عدم كون البعض المملوك مقصودا بالاستقلال، بل هو مقصود في ضمن المجموع المركّب من المملوك و غيره، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

(2) أي: و لاحتياج الحكم بإمضاء البيع في البعض المملوك إلى دليل آخر- غير الأدلة العامة الدالة على صحة العقود و الشروط- حكم الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم بفساد العقد بفساد شرطه، كما نبّه على ذلك في جامع المقاصد في باب فساد الشرط، و قال: «انّ في الفرق بين الشرط و الجزء- كالمقام، لعدم جواز بيع غير المملوك الذي هو جزء المبيع- عسرا».

(3) أي: نبّه على فساد العقد بفساد الشرط المحقق الثاني قدّس سرّه في جامع المقاصد.

(4) أي: ذكر صاحب جامع المقاصد رفع مقامه: أنّ في الفرق .. إلخ.

(5) لأنّ الشرط مع خروجه عن حقيقة العقد إن كان فساده مفسدا للعقد كان فساد الجزء كالمقام مفسدا للعقد بطريق أولى، مع أنّهم يقولون بصحة البيع في الجزء المملوك.

______________________________

[1] نعم، لكن يكفي إطلاق المكاتبة في كونه دليلا على ذلك، حيث إنّها- بعد البناء على حجيّتها و تسليم إطلاقها- واضحة الدلالة على صحة بيع البعض المملوك، و انحلال بيع المجموع إلى بيعين بيع المملوك و بيع غيره. بل مع هذا الإطلاق لا حاجة إلى التمسك بعمومات الصحة.

فالإشكال على صحة بيع المملوك «بانتفاء شرط الصحة، و هو وجود الرضا ببيع البغض بالخصوص، بل عدم المقتضي لعدم تحقق عقد و بيع بالنسبة إلى المملوك» مندفع بقوله عليه السّلام في المكاتبة المتقدمة: «و قد وجب الشراء على ما يملك» فإنّه يثبت البيع و العقد بالنسبة إلى المملوك و إن لم يقصد بيعه مستقلا.

ص: 66

و تمام الكلام في باب الشروط [1].

و يكفي هنا (1) الفرق بالنصّ و الإجماع.

[دعوى تقييد الحكم بصورة جهل المشتري و دفعها]

نعم (2) ربما يقيّد

______________________________

(1) يعني: و يكفي النصّ و الإجماع في الفرق بين الجزء الفاسد الذي لا يفسد البيع في هذه المسألة التي يكون أحد جزئي المبيع فيها ما لا يقبل التملك، و بين الشرط الفاسد الذي يفسد العقد.

أما النصّ فهو صحيح الصفار المتقدم. و أمّا الإجماع فهو ما أشار إليه المصنف قدّس سرّه بقوله في صدر المسألة: «صحّ في المملوك عندنا .. و إجماعا كما عن الغنية».

و بالجملة: فعدم مفسدية الجزء الفاسد للعقد في هذه المسألة مستند الى النص و الإجماع.

(2) استدراك على إطلاق صحة بيع المملوك، و حاصله: أنّه قيّد بعض الفقهاء صحة البيع في المملوك و بطلانه في غير المملوك بصورة جهل المشتري بعدم كون الجزء الآخر

______________________________

[1] و إجماله أوّلا: أنّ مفسدية الشرط الفاسد للعقد ممنوعة، لعدم كون الشرط قيدا لأصل البيع حتى ينتفي المنشأ بانتفائه، كتعليق الملكية و التدبير على الموت. بل التزام في ضمن الالتزام العقدي. ففساد الشرط لا يفسد الالتزام العقدي، بل يوجب الخيار. فمفسدية الشرط الفاسد للعقد غير ثابتة حتى يقاس عليه فساد الجزء.

و ثانيا: أنّه- بعد تسليم مفسدية الشرط الفاسد للعقد- لا يقاس عليه الجزء الفاسد، لكونه مع الفارق، حيث إنّ الشرط لا يقع بإزاء شي ء من الثمن و إن أوجب زيادة في مالية المشروط، ككتابة العبد، و العقد إنّما وقع على المشروط به. ففاقد الشرط لم يقع عليه العقد، فيبطل بيع العبد المشروط بالكتابة مع انتفائها.

و هذا بخلاف الجزء الفاسد، فإنّه يقع بإزائه الثمن، فإذا فسد بطل البيع بالنسبة إلى الجزء الفاسد- و هو الجزء غير المملوك- بماله من الثمن الذي يخصّه، سواء أ كان بيع الجزء المملوك صحيحا أم فاسدا، لعدم ارتباط بينهما عينا و ثمنا.

و ثالثا: أنّ الفارق بين الجزء و الشرط هو النصّ و الإجماع كما أشار إليه في المتن.

ص: 67

الحكم (1) بصورة جهل المشتري (2) [1]، لما (3) ذكره في المسالك «1» وفاقا للمحكيّ في

______________________________

من المبيع قابلا للتملك. مستدلّا على ذلك بما حاصله: أنّه مع علم المشتري بعدم كون بعض المبيع مملوكا للبائع يلزم فقدان شرط من شروط صحة البيع، و هو العلم بمقدار الثمن الواقع في مقابل الجزء المملوك من المبيع، فيصير البيع حينئذ غرريّا، و هو منهي عنه.

(1) أي: يقيّد الحكم بصحة البيع- في الجزء المملوك- بصورة جهل المشتري بعدم كون بعض المبيع غير قابل للتملك.

(2) أي: جهله بعدم مملوكية جزء من المبيع.

(3) تعليل لتقييد الحكم بصورة جهل المشتري، و قد مرّ آنفا محصل هذا التعليل بقولنا: «مستدلا على ذلك بما حاصله».

قال العلّامة قدّس سرّه: «لو كان المشتري جاهلا بأن المضموم ملك الغير أو حرّا أو مكاتبا أو أمّ ولد، ثم ظهر له، فقد قلنا: إنّ البيع يصحّ في ما هو ملكه، و يبطل في الآخر إن لم يجز المالك. و يكون للمشتري الخيار بين الفسخ و الإمضاء فيما يصحّ بيعه بقسطه من الثمن، لأنّه لم يسلم له المعقود عليه، فكان له الفسخ. و لو كان عالما صحّ البيع أيضا و لا خيار له. و قطع الشافعي بالبطلان في ما إذا كان عالما .. و ليس بعيدا عندي البطلان ..

إلخ» ما في المتن.

و وافقه في هذا التقييد جماعة كالفاضل الآبي و السيوري و الشهيدين. بل قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و قد يظهر ذلك من الباقين أو يلوح منهم ..» «2».

______________________________

[1] اعتبار الجهل بمملوكية بعض العوضين لا يختص بالمشتري، بل لا بدّ من اعتباره في كلا المتبايعين حتى يكون اعتقاد مملوكية كلا الجزءين موجبا لحصول الإنشاء بثمن معلوم، إذ مع العلم بعدم مملوكية بعض المبيع لا يعلم الثمن حين الإنشاء، فالتقييد بالمشتري غير ظاهر.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 163 و 164

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 209 و 210

ص: 68

التذكرة «1» عن الشافعي «2» من (1) جهة إفضائه إلى الجهل بثمن المبيع [1]. قال في التذكرة بعد ذلك (2) «و ليس عندي بعيدا من الصواب الحكم (3) بالبطلان فيما إذا علم المشتري حرمة الآخر (4)،

______________________________

(1) بيان ل «ما» الموصول في قوله: «لما ذكر في المسالك» و ضمير «إفضائه» راجع إلى العلم المستفاد من المقام.

(2) أي: بعد حكايته عن الشافعي الحكم بالصحة في صورة جهل المشتري.

(3) اسم «ليس»، و «بعيدا» خبره، يعني: و ليس الحكم بالبطلان عندي بعيدا عن الصواب.

(4) أي: حرمة الجزء الآخر من المبيع كالخمر إذا بيع مع الخلّ.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: انّ الجهل المطلق بالثمن يختص بما إذا لم يكن لغير المملوك مالية عرفا و لا شرعا، و مع هذا الجهل يكون إنشاء البيع العرفي متمشّيا.

و اما إذا كان عالما بعدم كونه مالا عرفا و شرعا فلا يتمشى البيع إلا صوريا.

بخلاف ما إذا كان «ما لا يملك» غير مال شرعا لا عرفا كالخمر و الخنزير، فإنّ بيعهما مع «ما يملك» بيع عرفي و إن لم يعلم المشتري ما يقابل المملوك من الثمن، بناء على أنّ الشرط هو العلم بالعوضين في المعاملة، دون العوضين الواقعيّين اللذين نفذت معاملتهما.

فإطلاق حكم المشهور بصحة بيع المملوك مع غير المملوك يقيّد بما إذا كان المشتري جاهلا بعدم كون غير المملوك مالا لا عرفا و لا شرعا، حتى يعتقد مملوكية كلا جزئي المبيع و ينشأ العقد على الثمن المعلوم.

كما يقيّد إطلاق تقييد الحكم بصحة بيع المملوك بما إذا كان المشتري جاهلا بما لا يملك عرفا و شرعا. فإذا كان عالما بعدم مملوكيته شرعا لا عرفا، فلا ضير في صحة بيع المملوك، لحصول إنشاء البيع العرفي حينئذ، و إن كان النافذ خصوص الإنشاء المتعلق بالجزء المملوك بما يخصّه من الثمن.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 565، ج 11، ص

(2) راجع المجموع، ج 9، ص 469 و 473

ص: 69

أو كونه (1) ممّا لا ينقل إليه (2) بالبيع» انتهى.

و يمكن دفعه (3) بأنّ اللازم هو العلم بثمن المجموع (4) الذي قصد (5) إلى نقله

______________________________

(1) معطوف على «حرمة» يعني: إذا علم المشتري كون الجزء الآخر من المبيع ممّا لا ينقل إليه شرعا، كما إذا كان وقفا و باعه مع ماله.

(2) أي: إلى المشتري.

(3) يعني: دفع إشكال العلامة، و هو: أنّ علم المشتري بعدم قابلية بعض المبيع للتملك يفضي إلى الجهل بمقدار الثمن الواقع في مقابل ما يقبل التملك.

و محصل هذا الدفع هو: أنّ الجهل الموجب للغرر المفسد للبيع- للإجماع و النبوي، و هو نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن الغرر أو عن بيع الغرر- هو الجهل بتمام الثمن.

و أمّا إذا كان تمام الثمن معلوما و هو ما وقع بإزاء جميع المبيع- و إن كان مقدار كل جزء منه يقع في مقابل جزء من المبيع مجهولا- لم يكن ذلك غررا، كما في جلّ البيوع بل كلها. فلا يقدح في المقام الجهل بمقدار ما يقع من الثمن بإزاء الجزء المملوك، بعد حكم الشارع ببطلان البيع في الجزء غير المملوك، فإنّ هذا الجهل الطارئ بحكم الشارع ببطلان البيع في بعض المبيع لا ينافي قصد المتعاقدين وقوع تمام الثمن بإزاء مجموع المبيع، كما في بيع ماله مع مال غيره، فإنّ البيع صحيح، مع عدم العلم بما يقابل مال نفسه من الثمن.

ثم إنّ الجواب المزبور يستفاد أيضا من كلام صاحب الجواهر في ردّ تقييد الصحة بالجهل، حيث قال: «و فيه: أنّ الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضمّ المملوك إلى مملوك غيره، الذي لا فرق فيه نصّا و فتوى بين رجاء الإجازة و عدمها، و النهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها، لا مطلقا» فراجع «1».

(4) أي: مجموع المبيع من المملوك و غير المملوك، فإنّه مقصود و معلوم للمتعاقدين.

(5) أي: قصد المشتري إلى نقل ثمن المجموع و إن علم المشتري الناقل بعدم إمضاء الشارع لبيع المجموع، إذ المفروض عدم إمضاء الجزء غير المملوك.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 320

ص: 70

عرفا، و إن علم الناقل بعدم إمضاء الشارع له، فإنّ (1) هذا العلم غير مناف لقصد النقل [البيع] حقيقة. فبيع (2) الغرر المتعلّق لنهي الشارع (3)- و حكمه عليه بالفساد- هو ما كان غررا في نفسه مع قطع النظر عمّا يحكم عليه من الشارع.

مع (4) أنّه لو تمّ ما ذكر لاقتضى صرف مجموع الثمن إلى المملوك، لا البطلان (5)، لأنّ (6) المشتري القادم على ضمان المجموع بالثمن (7)- مع علمه بعدم سلامة البعض له-

______________________________

(1) هذا إشارة إلى دفع ما ذكره من التنافي بين العلم بعدم إمضاء الشارع لبيع الجزء غير المملوك- الموجب للجهل بثمن المملوك الذي هو الغرر- و بين قصد النقل حقيقة.

و محصل الدفع: أنّ بيع الغرر المنهي عنه شرعا هو الغرر الذي حكم به العرف مع الغضّ عن حكم الشارع، و من المعلوم أنّ بيع الخلّ و الخمر بثمن واحد ليس بيعا غرريا عرفا، فيصح بيع الخلّ الذي هو المملوك.

(2) هذا متفرّع على أنّ علم المشتري بعدم إمضاء الشارع لبيع مجموع المبيع- من المملوك و غيره- لا يوجب كون البيع غرريّا.

(3) و هو نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن بيع الغرر، و ضمير «عليه» راجع إلى بيع الغرر.

(4) هذا جواب آخر عن إشكال العلامة قدّس سرّه، و هو: أنّه لو لم يقيد الحكم بصحة بيع المملوك بالجهل لأفضى إلى الجهل بالثمن.

توضيح هذا الجواب: أنّ مقتضى ما أفاده العلّامة قدّس سرّه هو صحة بيع الجزء المملوك و جعل تمام الثمن بإزائه، لا بطلان البيع رأسا، و ذلك لإقدام المشتري- العالم بعدم مملوكية بعض المبيع- على ضمان المملوك وحده بتمام الثمن، إذ المفروض علم المشتري بذلك، فقاعدة الإقدام تقتضي عدم ضمان البائع لشي ء من الثمن، و كون جميعه بإزاء الجزء المملوك.

(5) معطوف على «صرف» بالمفعولية ل «اقتضى».

(6) تعليل لصرف مجموع الثمن إلى الجزء المملوك، لا البطلان، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «و ذلك لإقدام المشتري».

(7) أي: بتمام الثمن مع علم المشتري بعدم سلامة بعض المبيع، و هو الجزء غير المملوك له.

ص: 71

قادم (1) على [1] ضمان المملوك وحده بالثمن كما صرّح به (2) الشهيد في محكيّ الحواشي المنسوبة إليه، حيث قال: «إنّ هذا الحكم (3) مقيّد بجهل المشتري بعين المبيع و حكمه (4)، و إلّا (5) لكان البذل بإزاء المملوك، ضرورة (6) أنّ القصد إلى الممتنع كلا قصد» انتهى «1» (7).

لكن ما ذكره (8) رحمه اللّه مخالف لظاهر

______________________________

(1) خبر «أن» في «لأنّ المشتري القادم».

(2) أي: بضمان المملوك وحده بالثمن.

(3) أي: الحكم بصحة البيع في المملوك، و بطلانه في غير المملوك، و تقسيط الثمن عليهما.

(4) أي: جهل المشتري بالمبيع موضوعا و حكما.

(5) أي: و إن لم يكن المشتري جاهلا- بأن كان عالما بالمبيع موضوعا و حكما- لكان الثمن كلّه بإزاء المملوك، كالشاة المنضمة إلى الخنزير مثلا، كما حكي عن حواشي الشهيد رحمه اللّه.

(6) تعليل لكون تمام الثمن بإزاء الجزء المملوك مع علم المشتري بعدم مملوكية بعض المبيع، و حاصله: أنّ قصد الشي ء الممتنع- و هو امتناع تملك بعض المبيع أعني به غير المملوك- كلا قصد.

(7) و الحاصل: أنّ الشهيد قدّس سرّه قائل باختصاص الحكم بصحة البيع في المملوك، و بطلانه في غيره- و تقسيط الثمن عليهما- بالجاهل بالمبيع موضوعا و حكما.

(8) يعني: لكن ما ذكره العلامة قدّس سرّه- من اختصاص الحكم بالجاهل- مخالف لما ذهب

______________________________

[1] بل يمكن أن يقال: إنّه قادم على ضمان الجزء المملوك من المبيع بجزء من الثمن، و دافع لجزئه الآخر بلا ضمان. لكن جهالة الجزء المدفوع على وجه الضمان تفسد البيع بالنسبة إلى الجزء المملوك أيضا.

______________________________

(1) الحاكي لكلام الشهيد هو السيّد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 209 و 210

ص: 72

المشهور (1)، حيث حكموا بالتقسيط، و إن كان (2) مناسبا لما ذكروه في بيع مال الغير من العالم (3) «من (4) عدم رجوعه بالثمن إلى البائع، لأنّه (5)

______________________________

إليه المشهور من إطلاق الحكم بصحة بيع المملوك- المنضم إلى غير المملوك- لصورتي العلم و الجهل بعدم مملوكية بعض المبيع، حيث إنّ حكمهم بتقسيط الثمن المدفوع إلى البائع- بجعل مقدار منه إزاء المملوك و مقدار منه إزاء غير المملوك- يشهد بصحة بيع الجزء المملوك، إذ مع فرض بطلانه لا معنى لجعل جزء من الثمن في مقابله، بل لا بدّ من ردّ عينه إلى مالكه.

(1) قال في الجواهر: «و على كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم و الجهل. كما أنّه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة و الكفار كالخمر و الخنزير و نحوهما، و بين ما لا يكون كذلك، و لكن له نظير يقابل بالثمن كالحرّ» «1».

و ظاهر العبارة الإجماع، لكن المصنف اقتصر على الشهرة، و لعلّه لأجل تصريح الشهيد و غيره بتقيّد الصحة في ما يملك بجهل المشتري.

(2) يعني: و إن كان ما أفاده الشهيد قدّس سرّه- من الفرق بين العلم و الجهل، بالبطلان في الأوّل، و الصحة في الثاني- مناسبا لما ذهب إليه المشهور في بيع مال الغير فضولا، على ما تقدّم تفصيله في أحكام الرد من عدم رجوع المشتري- العالم بالغصبية- بالثمن على البائع، معلّلا ذلك بأنّ المشتري سلّطه على إتلاف الثمن، و هذا يناسب بطلان بيع مال الغير، كبطلان بيع المملوك على ما أفاده العلّامة قدّس سرّه «2».

(3) أي: من المشتري العالم بكون المبيع لغير البائع، و مع ذلك يشتريه، و يدفع الثمن إلى البائع.

(4) بيان ل «ما» الموصول في قوله: «لما ذكروه».

(5) هذا تعليل لعدم رجوع المشتري على البائع، فإنّ المشتري سلّط البائع على

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 320

(2) لاحظ: هدى الطالب، ج 5، ص 516

ص: 73

سلّطه عليه مجّانا (1)» فإنّ (2) مقتضى ذلك عدم رجوع المشتري بقسط غير المملوك.

إمّا (3) لوقوع المجموع في مقابل المملوك كما عرفت من الحواشي. و إمّا (4) لبقاء ذلك القسط له (5) مجّانا، كما قد يلوح من جامع المقاصد و المسالك «1».

إلّا أنّك قد عرفت (6) أنّ الحكم هناك لا يكاد ينطبق على القواعد.

______________________________

الثمن مجّانا، و مع التسليط المجّاني ليس للمشتري الرجوع على البائع بالثمن.

(1) ظاهر العبارة التزام المشهور بعدم رجوع المشتري العالم بغصبية المبيع مطلقا، سواء أ كان الثمن تالفا أم باقيا، و لكن المراد صورة تلف الثمن بيد البائع، و أما في صورة بقاء الثمن فله استرداده. قال المصنف في أحكام الرد: «و إن كان عالما بالفضولية، فإن كان الثمن باقيا استردّه .. و أمّا لو كان تالفا فالمعروف عدم رجوع المشتري، بل المحكي عن العلامة و ولده و المحقق و الشهيد الثانيين و غيرهم الاتفاق عليه» فراجع «2».

(2) يعني: فإنّ مقتضى ما ذكره المشهور في بيع مال الغير مع علم المشتري بكونه مال الغير- من عدم رجوع المشتري على البائع، للتسليط المجاني- هو عدم رجوع المشتري على البائع بجزء من الثمن إزاء غير المملوك في فرض علمه بعدم مملوكية بعض المبيع.

(3) هذا أحد فردي التعليل و هو كون الثمن في مقابل المملوك كما عن حواشي الشهيد المتقدمة آنفا.

(4) هذا ثاني فردي التعليل.

(5) أي: للبائع مجّانا، لتسليط المشتري إيّاه على ما يقابل الجزء غير المملوك مجّانا.

(6) في مسألة حكم المشتري مع الفضولي، حيث قال في فرض تلف الثمن:

«و بالجملة: فمستند المشهور في مسألتنا لا يخلو من غموض، و لذا لم يصرّح أحد بعدم الضمان في بعتك بلا ثمن. مع اتفاقهم عليه هنا ..» «3».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 82- 83، مسالك الأفهام، ج 3، ص 164

(2) هدى الطالب، ج 5، ص 478- 483

(3) المصدر، ص 506

ص: 74

[طريق تقويم المملوك و غير المملوك]

ثمّ إنّ طريق تقسيط الثمن على المملوك و غيره يعرف ممّا تقدّم (1) في بيع ماله مع مال الغير من (2): أنّ العبرة بتقويم كلّ منهما منفردا، و نسبة قيمة المملوك (3) إلى مجموع القيمتين (4).

لكنّ الكلام هنا (5) في طريق معرفة قيمة غير المملوك [1]

______________________________

طريق تقويم المملوك و غير المملوك

(1) هذا إشارة إلى جهة أخرى من جهات البحث في هذه المسألة، و هي: أنّه- بعد الفراغ من صحة بيع المملوك منضما إلى ما لا يملك- يقع الكلام في كيفية تقسيط الثمن المسمّى على المبيع كالخل و الخمر، فأفاد المصنف قدّس سرّه: أنّ ما ذكرناه من طريقي التقسيط- في مسألة بيع الفضولي مال نفسه مع مال غيره- يجري هنا، و المختار هو أن يقوّم كلّ منهما منفردا، و تلاحظ نسبة قيمة المملوك إلى مجموع القيمتين.

و تختص هذه المسألة بإشكال، محصّله: أنّ أحد المبيعين غير متموّل كالحرّ و الخنزير و الخمر، فلا سبيل لتقويم كلّ من المالين منفردا حتى تلاحظ نسبته إلى مجموع القيمتين. و سيأتي بيان حلّ الاشكال.

(2) بيان ل «ما» الموصول في قوله: «ممّا تقدم» فإذا كانت قيمة مال البائع ستة دنانير، و قيمة مال غيره ثلاثة دنانير، فنسبة قيمة ماله إلى مجموع القيمتين- أعني التسعة- ثلثان، فإن كان الثمن ستة دنانير يؤخذ ثلثاه، و هما أربعة دنانير للبائع.

(3) المراد به مال البائع، لا المملوك في مقابل غير المملوك كما هو المراد في مسألتنا و هي بيع المملوك كالخل مع غير المملوك كالخمر، لأنّه في مقام تفسير ما تقدّم في مسألة بيع ماله مع مال غيره، إلى قوله: «مجموع القيمتين».

فلعلّ الأولى إبدال «المملوك» ب «ماله».

(4) كالتسعة- في المثال المذكور- التي هي مجموع قيمتي مال البائع و مال غيره.

(5) أي: في بيع المملوك كالخل و غير المملوك كالخمر، و كالشاة و الخنزير.

______________________________

[1] فإنّ غير المملوك على أقسام:

أحدها: ما فيه اقتضاء المالية عرفا، مع عدم مانع عرفي يمنع ماليّته، كالخمر و الخنزير و السموك التي لا فلس لها.

ثانيها: ما ليس فيه اقتضاء المالية أصلا كالخنافس و الديدان.

ص: 75

[طريق معرفة قيمة غير المملوك]

و قد ذكروا (1) «1» أنّ الحرّ يفرض عبدا بصفاته (2) و يقوّم، و الخمر و الخنزير يقوّمان بقيمتهما عند من يراهما (3) مالا، و يعرف تلك القيمة بشهادة عدلين (4) مطّلعين على

______________________________

و الإشكال إنّما هو في تقويم غير المملوك، إذ المفروض أنّه لا مالية له شرعا، فكيف يقوّم؟

(1) يعني: و قد ذكروا طريقا لمعرفة قيمة غير المملوك، و هو: أن يفرض غير المملوك مملوكا، فإذا باع عبدا و حرّا فيفرض الحرّ عبدا بماله من الصفات من الكتابة و الخياطة و غيرهما و يقوّم.

فإن كان قيمة كلّ منهما عشرة دنانير، فقيمة مجموعهما عشرون دينارا. فلو كان الثمن عشرة دنانير استردّ المشتري من البائع نصف الثمن و هو خمسة دنانير، لأنّ نسبة العشرة التي هي قيمة الحر- المفروض عبدا- إلى العشرين التي هي مجموع القيمتين هي النصف، فيستردّ المشتري من البائع نصف الثمن و هو الخمسة إزاء الجزء غير المملوك من المبيع.

و كذا الحال في تقويم الخمر و الخنزير.

(2) أي: يفرض الحرّ المتّصف بالصفات الكمالية عبدا، و يقوّم.

(3) أي: مستحلّيهما.

(4) لكون التقويم من الموضوعات التي لا بدّ من ثبوتها بالبينة، و هي شهادة عدلين خبيرين بالقيم و الأسعار حتى تجوز لهما الشهادة.

______________________________

ثالثها: ما فيه اقتضاء المالية عرفا، مع اقترانه بالمانع العرفي أيضا كالحرّ، فإنّه بنظر العرف- كالعبد- مال، لكن الحرّية مانعة عندهم عن ماليته فعلا.

و هذا هو الفارق بين هذا القسم و القسم الأوّل، حيث إنّهما يشتركان في وجود المقتضي للمالية، و يفترقان في وجود المانع عرفا عن المالية في هذا القسم، و عدمه في القسم الأول. و كلام الشهيد قدّس سرّه في كون الثمن بتمامه بإزاء الجزء المملوك متّجه في القسم الثاني الذي ليس فيه اقتضاء المالية أصلا، دون ما فيه اقتضاء المالية كالقسم الأوّل و الثالث.

______________________________

(1) الذاكر جماعة، فلاحظ: جامع المقاصد، ج 4، ص 83، مسالك الأفهام، ج 3، ص 162، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 163، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 210، جواهر الكلام، ج 22، ص 321

ص: 76

ذلك، لكونهما (1) مسبوقين بالكفر، أو مجاورين للكفّار.

و يشكل تقويم الخمر و الخنزير بقيمتهما (2) إذا باع الخنزير بعنوان أنّه شاة، و الخمر بعنوان أنّها خلّ، فبان الخلاف،

______________________________

(1) تعليل لاطّلاع العدلين على قيمة غير المملوك كالخمر مع كونه مسلما عادلا، و السبب في اطّلاعهما على قيمة الخمر مثلا هو كون إسلامهما مسبوقا بالكفر، أو كونهما مجاورين لبلاد الكفار، فإنّ سبق الكفر أو المجاورة يوجب الاطّلاع على قيم الخمر و الخنزير، و نظائرهما من المحرّمات.

(2) أي: قيمة الخمر و الخنزير. و قوله: «يشكل» إشارة إلى الخلاف في كيفية تقويمهما، بعد نفي الاشكال عن تقويمهما عند مستحلّيهما فيما إذا بيعا بعنوان الخمر و الخنزير. بخلاف ما إذا بيعا بعنوان الخلّ و الشاة، فإنّ في تقويمهما حينئذ خمرا و خنزيرا عند مستحلّيهما إشكالا، بل جزم بعض بوجوب تقويمهما قيمة المملوك و هو الخل و الشاة، كتقويم الحرّ بعد فرض كونه عبدا.

وجه الاشكال: أنّ لعنوان المبيع- و هو الخل و الشاة- دخلا في القيمة الملحوظة حال الإنشاء، فيقوّمان بعنوان المبيع، لا بعنوان واقعهما و هو الخمر و الخنزير بتقويمهما عند مستحلّيهما. لكن الصحيح تقويمهما بعنوانهما الذاتي، و هو الشاة و الخل، لتقدم الإشارة و هي قول البائع: «بعتك هذين بعنوان الخنزير و الخمر» على العنوان الذي هو من قبيل الدواعي التي لا يضرّ تخلفها بتقويم العنوان الذاتي المشار إليه، ضرورة أنّ العنوان الذكري لا يغيّر العنوان الواقعي.

فالمتحصل: أنّه لا بدّ من تقويم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما، لا تقويمهما بعنوان الخلّ و الشاة، و إن قصد هذان العنوانان حين إنشاء البيع، فإنّ العناوين الجنسية و إن كانت مناطا للمالية، و تخلفها موجبا لبطلان البيع، إلّا أنّها في باب التقويم دواع، و تخلفها لا يقدح في تقويم ما هو واقعه. فالشاة و الخنزير و إن بيعا بعنوان الشاة، لكن الخنزير يقوّم بعنوانه الذاتي عند مستحلّيه، لا بعنوان الشاة، فإنّ المدار في التقويم على واقع الشي ء، لا على العنوان الذي لا يغيّر الواقع كعنوان الشاة.

ص: 77

[كلام الفاضل النراقي في تقويم ما لا يملك]

بل جزم بعض هنا (1) بوجوب تقويمهما قيمة الخلّ و الشاة كالحرّ (2).

______________________________

(1) أي: في صورة بيعهما بعنوان الشاة و الخلّ، و الظاهر أنّ الجازم بالبطلان هو الفاضل النراقي قدّس سرّه كما نسبه اليه السيّد قدّس سرّه في الحاشية- قال في المستند: «و لا يخفى أنّ تقويم الخمر و الخنزير عند مستحلّيهما إنّما هو عند علم المتبايعين بكونه خمرا أو خنزيرا.

أمّا مع ظنّ كونهما خلّا أو شاة فيقوّم مثله لو كان شاة أو خلّا على ما هو من الأوصاف.

و يقع الاشكال فيما لم يكن اتحاد الأوصاف» «1».

(2) في فرض كونه عبدا مع ما له من الصفات.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 197، مستند الشيعة، ج 14، ص 300

ص: 78

[أولياء التصرف]
[1- ولاية الأب و الجدّ]
اشارة

مسألة (1) يجوز للأب و الجدّ أن يتصرّفا في مال الطفل بالبيع و الشراء.

______________________________

(1) أولياء التصرف 1- ولاية الأب و الجدّ هذه المسألة من فروع مسألة شروط المتعاقدين، حيث قال: «و من شروطهما أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالك أو الشارع، فعقد الفضولي لا يصحّ» «1» و تقدم هناك ما يترتب على بيع غير المالك بدون إذنه من كونه فضوليا متوقفا على الإجازة. و المراد بالمأذون من قبل المالك هو الوكيل، و المراد بالمأذون من قبل الشارع هو الولي كالأب و الجدّ و الحاكم الشرعي و منصوبه و عدول المؤمنين.

و ولاية كل واحد منهم جعلية، بمعنى انّه لو لم يعتبر الشارع جواز التصرف للأب كان كالأجنبي في كونه فضوليا. و ليست ولايته قهرية إجباريّة و إن كانت إضافة النبوّة و الأبوّة تكوينية.

و كيف كان فقد عقد المصنف قدّس سرّه مسائل ثلاث للبحث عن ولاية الأولياء و مضيّ تصرّفهم في أموال من يتولّون أمره. فاستدلّ في المسألة الأولى بوجوه ثلاثة على ثبوت ولاية الأب و الجدّ- للأب لا للامّ- على مال الصغير في الجملة، ثم تعرّض لفروع المسألة، و هي اعتبار العدالة، و رعاية المصلحة، و تقديم أحدهما عند المزاحمة، و شمول الأدلة لأب الجد و جدّ الجدّ، و هكذا. و سيأتي الكلام في كلّ منها إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) لاحظ هدى الطالب، ج 4، ص 344

ص: 79

[ما استدل به على نفوذ تصرفهما في مال الصغير]

و يدلّ عليه (1)- قبل الإجماع- الأخبار المستفيضة (2) المصرّحة في موارد

______________________________

(1) أي: على جواز تصرّف الأب و الجدّ في مال الطفل بالبيع و الشراء. و الوجه الأوّل هو الإجماع المتكرر في كلماتهم.

قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «و الذي يقتضيه النظر أنّ ولايته- أي الأب- ثابتة بالنّص و الإجماع» «1».

و قال المحقق الأردبيلي قدّس سرّه: «الظاهر أنّه لا خلاف و لا نزاع في جواز البيع و الشراء و سائر التصرفات للأطفال .. من الأب و الجدّ للأب، لا للأمّ» «2». بل في بعض الكلمات: «كون ولايتهما من ضروريات الفقه» أو «من واضحات الفقه» كما في بعضها الآخر.

و عليه فالإجماع متحقق صغرى، إنّما الكلام في حجيّته و كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام مع فرض احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المستفيضة الآتية. و لعلّ تعبير المصنف ب «قبل الإجماع» إشارة إلى شبهة كونه مدركيّا.

(2) هذا ثاني الوجوه، أعني به الأخبار المستفيضة الدالة على مضيّ تصرف الأب و الجد، و هي على مضامين مختلفة:

منها: نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه، فإنّ ظاهر التقويم هو نقل الجارية إلى نفسه بالبيع ليقع الوطء في ملك الواطئ. كصحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرّجل يكون لبعض ولده جارية، و ولده صغار، هل يصلح أن يطأها؟ فقال عليه السّلام: يقوّمها قيمة عدل، ثم يأخذها، و يكون لولده عليه ثمنها» «3».

و قريب منها غيرها.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 11، ص 276

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 157، و لاحظ «عدم الخلاف» أيضا في الرياض، ج 1، ص 592، و مفتاح الكرامة، ج 4، ص 184 و 213، و ج 5، ص 256، و الحدائق، ج 18، ص 404، و الجواهر، ج 22، ص 322، و في المناهل، ص 105 «ظهور الاتفاق على ذلك» فلاحظ.

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 543، الباب 40 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث: 1

ص: 80

كثيرة. و فحوى (1) سلطنتهما على بضع البنت في باب النكاح.

______________________________

فإنّ تقويم مال الغير من لوازم الولاية، لانتفاء غيرها من الملك و الوكالة و شبههما.

فتدلّ الصحيحة بالدلالة الالتزامية على نفوذ تملك الأب لمال ولده الصغير بإزاء قيمته.

و منها: أخبار الوصية الدالة على جواز تصرفات الوصي، مثل ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده، و بمال لهم، و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم. فقال عليه السّلام: لا بأس به، من أجل أنّ أباه قد أذن له في ذلك، و هو حيّ» «1».

بتقريب: أنّ جواز تصرف الوصي في مال الصغير- بإذن الموصى- يكون من شؤون ولاية الأب الموصى على مال ولده الصغير.

و منها: أخبار الاتجار بمال اليتيم، كرواية أبي الربيع، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون في يديه مال لأخ له يتيم، و هو وصيّه، أ يصلح له أن يعمل به؟ قال:

نعم، كما يعمل بمال غيره، و الربح بينهما. قال: قلت: فهل عليه ضمان؟ قال: لا، إذا كان ناظرا له» «2». و تقريب الاستدلال كما في الطائفة السابقة.

و منها: روايات حلّ مال الولد للوالد، و كونه له، و سيأتي بعضها في (ص 90).

فهذه النصوص- بطوائفها و مضامينها المتعددة- تدلّ على نفوذ تصرف الأب في مال ولده الصغير.

(1) معطوف على «الأخبار» و هذا ثالث الوجوه المستدل بها على ولاية الأب و الجدّ، و هي أولوية جواز التصرف في المال من تسلّطه على بضع بنته الصغيرة، كما دلّ عليه مثل ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصبية يزوّجها أبوها، ثم يموت و هي صغيرة، فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها، يجوز عليها

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 478، الباب 92 من كتاب الوصايا، الحديث: 1

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 57، الباب 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة، الحديث: 1. و تقدّم بعض الكلام في بيع الفضولي حول ما يدلّ على جواز اتّجار الولي بمال اليتيم، فراجع هدى الطالب، ج 4، ص 443

ص: 81

[المشهور عدم اعتبار العدالة في ولايتهما]

و المشهور (1) عدم اعتبار العدالة،

______________________________

التزويج، أو الأمر إليها؟ قال عليه السّلام: يجوز عليها تزويج أبيها» «1».

بتقريب: أنّ تسلط الأب على البضع مع أهميته يدل على تسلطه على ماله بالأولوية.

و بالجملة: الأخبار المشار إليها قد استدلّ بها لولاية الأب على ولده الصغير من الذكر و الأنثى. لكن نوقش في دلالتها على المدّعى بوجوه تذكر في التعليقة إن شاء اللّه تعالى.

و لا يخفى أنّ الجدّ لم يذكر في النصوص، و الدليل عليه هو الإجماع كما ادعاه العلّامة و غيره «2».

(1) عدم اعتبار العدالة في ولاية الأب و الجدّ بعد وفاء الدليل بإثبات نفوذ تصرف الأب و الجدّ- في مال الصغير- في الجملة، تعرّض قدّس سرّه لفروع المسألة، أوّلها: أن العدالة معتبرة فيهما، أم يمضي تصرفهما مطلقا و ان كانا فاسقين؟ فيه قولان.

ثمّ إن نسبة الحكم- بعدم الاشتراط- إلى المشهور إنّما هي لإطلاق كلمات كثير من الأصحاب و عدم تقييد ولايتهما بالعدالة، و صرّح المتأخرون بعدم اعتبارها. قال السيد المجاهد قدّس سرّه- بعد التعرض لكون المسألة ذات قولين- ما لفظه: «يظهر من إطلاق النافع و الشرائع و التبصرة و الإرشاد و التذكرة و الدروس و اللمعة و كنز العرفان و المسالك و الرّوضة و الكفاية: الثاني- أي عدم اعتبار العدالة- بل الأخير كالصّريح فيه، بل صرّح به في جامع المقاصد و مجمع الفائدة. و صرّح فيه و في الكفاية بأنّ أكثر العبارات خالية عن اشتراط العدالة فيهما، بل صرّح بعض هؤلاء بأنه اعتبار جلّة من محققي متأخري

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 207، الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 1.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 80، كفاية الأحكام، ص 113

ص: 82

للأصل (1)

______________________________

المتأخرين، و بأنّه الظاهر من كلام الأصحاب أيضا .. إلخ» «1».

و استدلّ المصنف قدّس سرّه على عدم اشتراط ولايتهما بالعدالة بالأصل و الإطلاق و الفحوى و سيأتي.

(1) هذا أوّل ما استدل به على عدم اعتبار العدالة في نفوذ تصرف الأب و الجدّ في مال الصغير، و هو مذكور في كلمات جمع كالمحقق الأردبيلي و الفاضل السبزواري و السيد المجاهد قدّس سرّهم «2».

و في الجواهر: «و لعلّ التحقيق عدم اشتراط العدالة، للأصل و الإطلاق» «3».

و يحتمل في ما يراد بالأصل في مثل هذه المسألة وجهان:

الأوّل: الأصل اللفظي، و هو إطلاق الأدلة الاجتهادية، إمّا ما دلّ على الأمر بالوفاء بالعقود و حلّ البيع و التجارة عن تراض، فإنّ إطلاقها ينفي دخل العدالة في ترتب الأثر، كما احتمله السيد المجاهد. و إمّا ما دلّ من النصوص على ولايتهما من دون تقييدها بالعدالة، كما صرّح بهذا الاحتمال بعض الأجلة على ما حكاه السيد المجاهد عنه.

و على كلّ من تقريري أصالة الإطلاق يكون عطف «الإطلاقات» على «الأصل» تفسيريا، و هو مقتضى حكومة الدليل الاجتهادي على الأصل العملي حتى مع وحدة المفاد.

الثاني: الأصل العملي، أعني به استصحاب عدم الاشتراط، أو البراءة عن شرطية العدالة بناء على جريانها في مثل الشرطية. و هذا الاحتمال مقتضى مغايرة المعطوف للمعطوف عليه. و عليه يكون الغرض الإشارة إلى دليلين أحدهما الأصل العملي، و الآخر الإطلاق اللفظي.

______________________________

(1) المناهل، ص 105.

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 233، كفاية الأحكام، ص 113، المناهل، ص 105

(3) جواهر الكلام، ج 26، ص 102

ص: 83

و الإطلاقات (1)، و فحوى (2) الإجماع المحكي عن التذكرة على ولاية الفاسق في التزويج.

______________________________

لكن لمّا كان الأصل اللفظي حاكما على العملي تعيّن توجيه كلام المصنف بابتنائه إمّا على المماشاة مع القوم كما تقدم في عبارة الجواهر. و إمّا على مجرّد الفرض، بالتشكيك في إطلاق الأدلة الاجتهادية، و إن كان هذا في غاية البعد بعد تمسكه بالإطلاق.

(1) الظاهر أنّ المراد إطلاق النصوص المتقدمة- و نحوها- الدالة على ولاية الأب، لعدم التفصيل فيها بين كون المتصرف عادلا أو فاسقا، خصوصا مع توفر الدواعي لبيان الاشتراط لو كانت العدالة معتبرة شرعا في نفوذ التصرّف. فلاحظ قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في صحيحة أبي الصباح الكناني: «يقوّمها قيمة عدل ثم يأخذها» حيث أناط عليه السّلام جواز تصرف الأب بتقويم الجارية قيمة عادلة فحسب.

و كذا قوله عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم الواردة في تصرف الوصي في مال اليتيم:

«من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك، و هو حيّ» حيث انّ إذن الأب تمام الموضوع لنفوذ تصرف الوصي بلا دخل قيد العدالة فيه.

(2) هذه إشارة إلى دليل آخر على عدم اشتراط ولاية الأب و الجد بالعدالة، و تقريبه: أنّ ولاية الأب الفاسق على تزويج البنت الصغيرة- مع اهتمام الشارع بالنكاح- تستلزم ولايته في العقود المالية بالأولوية.

أمّا ثبوت ولاية الفاسق على التزويج فللإجماع المدّعى في التذكرة من قوله:

«الفسق لا يسلب ولاية النكاح عند علمائنا. فللفاسق أن يزوّج ابنته الصالحة البالغة بإذنها، و الصغيرة و المجنونة مطلقا» «1».

و أمّا أولوية نفوذ تصرّفه في أموال الصغير فلاهتمام الشارع بالأعراض أشد منه في الأموال، و قد سبق تفصيله في البيع الفضولي، كما تقدّم هناك المناقشة في الفحوى، بخبر العلاء بن سيابة، فراجع «2».

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257، راجع تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 599

(2) هدى الطالب، ج 4، ص 407- 414

ص: 84

خلافا للمحكيّ عن الوسيلة و الإيضاح، فاعتبراها (1) فيهما، مستدلّا في الأخير (2) «بأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه

______________________________

(1) يعني: فاعتبر صاحبا الوسيلة و الإيضاح قدّس سرّهما العدالة في الأب و الجدّ له.

و الحاكي عنهما هو السيد العاملي قدّس سرّه، حيث قال- بعد اقتضاء كثير من العبارات عدم اعتبار العدالة- ما لفظه: «قلت: قد تردّد المصنف- أي العلّامة- في ذلك في وصايا الكتاب- أي القواعد- و في الوسيلة: اشتراطها فيه. و في الإيضاح: أنّ الأصحّ أنه لا ولاية للأب أو الجد ما دام فاسقا «1».

(2) و هو الإيضاح، و عبارته المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي- بعد نقل وجهي المسألة-: «و الأصح عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا» «2».

و محصل استدلاله هو: أنّ الولاية على الصغير عبارة عن إصلاح أموره بالدفاع عن نفسه و التصرف في أمواله، إذ لا يتمكن الصغير على شي ء من ذلك. فلا بدّ من كون المتصدي لتلك الأمور أمينا قادرا على إنفاذها بالنحو اللّائق الموافق للصواب، لاستحالة تولية الفاسق في حكمته تعالى شأنه.

و بعبارة اخرى: أنّ الصغير مسلوب العبارة و محجور عن التصرف في أمواله، و لا يستطيع دفع الضرر عن نفسه. و هذا القصور يستدعي جعل من يتصدّى لإصلاح أمره، بأن يكون أمينا و ثقة، حتى تمنعه أمانته عن تضييع أموال الصبي، و توجب قبول إخباره في تصرفاته، و من المعلوم أنّ الفاسق لا يقبل إخباره بشي ء، لأنه تعالى أمر بالتبين عن نبأ الفاسق. و عليه فلا بد من كون الولي- سواء أ كان هو الأب أم الجد أم غيرهما كالوصي- عادلا حتى يقبل إخباره بما تصرف فيه من أموال الصبي، هذا.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628. و لم نعثر على اشتراط ولاية الأب بالعدالة في الوسيلة صريحا. نعم اعتبرها في الوصي، كما اعتبر الوثاقة فيه على ما حكاه عنه في الإيضاح، ثم قال ولاية التصرف في مال اليتيم: «ثم الحاكم إذا لم يكن له جدّ و لا وصي، أو كانا غير ثقة» و المراد بالوثاقة هي الثقة في الدين كما في إمام الجماعة، فتكون مساوقة للعدالة. و لعلّ السيد العاملي استظهر اعتبار العدالة في الأب و الجدّ من موضع آخر لم نقف عليه. فراجع الوسيلة ص 749 و 771 من الجوامع الفقهية.

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628

ص: 85

و لا يصرف عن ماله (1)، و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا يقبل إقراراته (2) و إخباراته (3) عن (4) غيره مع نصّ القرآن على خلافه» (5) انتهى «1».

و لعلّه (6) أراد بنصّ القرآن آية الركون

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و هو نقل بالمعنى، و إلّا فنصّ عبارة الإيضاح المحكية في مفتاح الكرامة أيضا هي: «و لا يعرب عن حاله». و هذا أنسب بما اشتهر عندهم من كون الصبيّ مسلوب العبارة.

(2) كإقرار الولي بأنّه استوفى دين الصغير من مديونه.

(3) كإخباره بأنّ الطفل أتلف مال الغير بنحو يوجب الضمان.

(4) كذا في نسخ الكتاب، و الصحيح كما في الإيضاح: «على غيره» و هو متعلق ب «إقراراته».

(5) غرضه أن جعل الفاسق أمينا- مضافا إلى استحالته في حكمة الصانع تعالى- يكون على خلاف نصّ القرآن الكريم، و هو آية الركون إلى الظالم، حيث يقول عزّ من قائل وَ لٰا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّٰارُ «2».

هذا بناء على كون قول الإيضاح: «مع نصّ القرآن» إشارة إلى إقامة دليل نقلي على اعتبار العدالة في الأب و الجدّ، كما أنّ المنافاة لحكمه الصانع دليل عقلي على اعتبارها.

(6) أي: و لعلّ فخر المحققين قدّس سرّه أراد بنصّ القرآن الآية الشريفة الناهية عن الركون الى الظالم.

و لا يخفى أنّ الفخر استدل على اعتبار العدالة في الوصي- حتى يقبل إقراره- بآيتين:

إحداهما: كون الفاسق ظالما، و لا شي ء من الظالم يركن إليه.

و ثانيتهما: آية النبإ، بتقريب: أنّ الوصي يعتبر إقراره بالاتفاق، مع أنّه لا عبرة بإقرار الفاسق، لقوله تعالى إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا «3».

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 628

(2) سورة هود، الآية 114

(3) الحجرات، الآية 6

ص: 86

إلى الظالم (1) التي أشار إليها في جامع المقاصد (2). و في دلالة الآية (3) نظر.

و أضعف منها (4) ما ذكره في الإيضاح من الاستحالة

______________________________

و الظاهر أنّ نظره في اشتراط ولاية الأب بالعدالة إلى كلتا الآيتين، أو إلى خصوص آية النبإ، لقوله قدّس سرّه: «و أمّا الأب فهل ينعزل بفسقه؟ يحتمل ذلك، لأنّ الولاية تتضمّن الأمانة، و الفاسق ليس أهلا لها. و يحتمل عدمه، لأنّ المقتضي لثبوت الولاية الأبوّة. و لأنّ شفقة الأب تمنعه عن ضياع مال الابن عليه، بخلاف الوصي الفاسق.

و الأصحّ عندي أنّه لا ولاية له ما دام فاسقا، لأنّها ولاية على من لا يدفع عن نفسه ..»

إلى آخر ما في المتن. و عليه فمقصوده قدّس سرّه اتّحاد الوصي و الأب الفاسقين في عدم قبول إقرارهما و أخبارهما، فراجع الإيضاح.

(1) تقدّم آنفا الاستدلال بها، من أنّ ولاية الفاسق على الطفل ركون إلى الظالم، و هو منهي عنه بمقتضى الآية الشريفة، فكيف يجعل وليّا على الطفل و أمواله؟

(2) حيث قال في وجه منع ولاية الأب الفاسق: «و من حيث إنّ الفاسق لا يركن إليه، و ليس أهلا للاستئمان ..». لكن قد عرفت في ما نقلناه من عبارة الإيضاح احتمال أن يريد بنصّ القرآن آية النبإ النافية لاعتبار قول الفاسق و نبأه، فكيف يقبل إقرار الولي غير العدل- و إخباره- في حقّ ولده الصغير؟

(3) يعني: و في دلالة الآية على كون ولاية الفاسق على الطفل ركونا إلى الظالم نظر.

و لعلّ وجه النظر إرادة حكّام الجور و الظلم من «الظالم».

أو وجه النظر- مع الغضّ عن هذا المعنى- عدم صدق الركون إلى الظالم على بيع و شراء الولي بمال الطفل، و إلّا كانت المعاملة مع الفاسق ركونا إلى الظالم.

بل يمكن أن يقال: إن معاملة الأب بمال الطفل بمقتضى قوله عليه السّلام: «أنت و مالك لأبيك» معاملة بمال نفسه، فهو كأنّه يتعامل بمال نفسه.

(4) يعني: و أضعف من آية الركون- في الاستدلال بها على اعتبار العدالة في الأب

ص: 87

إذ المحذور (1) يندفع كما في جامع المقاصد: «بأنّ (2) الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال اختلال حال الطفل (3) عزله (4) و منعه من التصرّف في ماله و إثبات اليد عليه. و إن (5) لم يظهر (6) خلافه فولايته ثابتة. و إن لم يعلم (7) استعلم حاله بالاجتهاد و تتبّع سلوكه و شواهد أحواله» انتهى «1».

______________________________

و الجدّ للأب- الاستدلال لاعتبارها فيهما بالاستحالة العقلية التي أشار إليها في الإيضاح بقوله: «و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا» و حاصله: أنّ حكمة الصانع تعالى شأنه تقتضي استحالة جعل الفاسق الخائن أمينا و وليّا على غيره، فلا بدّ أن يكون الولي عادلا.

(1) حاصل وجه اندفاع هذا المحذور: أنّه إذا ظهر من الولي خيانته عزله الحاكم الشرعي، و منعه من التصرف في مال الطفل و إثبات يده على مال الطفل. و إن لم يظهر اختلال حال أبي الطفل و خيانته فولايته ثابتة بحالها.

(2) متعلق ب «يندفع» و قد مرّ توضيح وجه الاندفاع بقولنا: «حاصل وجه الاندفاع».

(3) سقط من عبارة جامع المقاصد قوله: «إذا كان للأب ولاية عليه عزله ..».

(4) جواب: «متى ظهر» أي: عزله الحاكم، و منعه من التصرف في مال الطفل.

(5) معطوف على «متى ظهر» يعني: و إن لم يظهر اختلال حال الطفل.

(6) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في جامع المقاصد: «و إن ظهر خلافه». أيّ: و إن بان عدم اختلال حال الطفل فولاية الأب ثابتة.

(7) يعني: و إن لم يعلم الحاكم اختلال حال أبي الطفل استعلم حال الأب بالاجتهاد و التفحّص.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 11، ص 276

ص: 88

[اشتراط جواز تصرف الأب و الجد برعاية المصلحة و عدمه]

و هل (1) يشترط في تصرفه المصلحة، أو يكفي عدم المفسدة، أم لا يعتبر شي ء؟

______________________________

(1) اشتراط جواز تصرف الأب و الجد برعاية المصلحة و عدمه هذا شروع في ثاني الفروع المترتبة على ثبوت ولاية الأب و الجدّ في الجملة، و محصّله: أنّه هل يشترط نفوذ تصرفهما بكونه مصلحة للطفل، أم يكفي عدم المفسدة فيه، و لا يعتبر الغبطة، أم لا يعتبر شي ء منهما، فلهما الولاية المطلقة على مال الصغير كما قيل بها في تصرف المولى في مال مملوكه، لسلطنته عليه؟ فيه وجوه ثلاثة.

و القائل بالاحتمال الأوّل هو المشهور، بل ادّعى غير واحد الإجماع عليه «1».

و القائل بالاحتمال الثاني جمع، منهم كاشف الغطاء قدّس سرّه و إن احتاط في شرح القواعد برعاية المصلحة، قال في العناوين: «ان تصرف الولي مشروط بالمصلحة بالإجماع و ظواهر الأدلة، و لأنّ المتيقن من أدلة الولايات إنّما هو ذلك. و قيل: في الأب و الجد باشتراط عدم المفسدة، و عدم اعتبار المصلحة. و يرشد إلى ذلك إطلاق أدلة ولايتهما، غايته خروج المفسدة بالدليل، و لا دليل على اعتبار المصلحة» «2».

و لم أجد في الكلمات قائلا بالاحتمال الثالث. نعم يتراءى ذلك من كلمات المحقق قدّس سرّه في البيع و الحجر، كقوله: «و الأب و الجدّ يمضي تصرفهما ما دام الولد غير رشيد» «3» لعدم تقييد جواز التصرف برعاية المصلحة، أو عدم المفسدة.

لكن قيل: إنّ الظاهر سوق العبارة لبيان أصل ولايتهما في الجملة، و ليس في مقام بيان الخصوصيات حتى يكون إهمال شرطية المصلحة أو عدم المفسدة بيانا لعدم الدخل.

و لذلك حمل صاحب الجواهر عبارة الشرائع على أحد القولين الأوّلين، حيث قال بعدها:

«المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة، على اختلاف القولين في مال الطفل ..» «4» فلاحظ.

______________________________

(1) شرح القواعد للشيخ الفقيه كاشف الغطاء (مخطوط) الورقة: 71، العناوين، ج 2، ص 559، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217 و ج 5، ص 256، و استظهر الإجماع من عبارة التذكرة في ص 260، فلاحظ.

(2) شرح القواعد، الورقة 71، و حكاه صاحب الجواهر عنه في ج 22، ص 332

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 15 و 102، المختصر النافع، ص 118 و 141

(4) جواهر الكلام، ج 22، ص 322

ص: 89

وجوه، يشهد للأخير (1) إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعيد بن يسار (2)، و «أنّه (3) و ماله لأبيه» كما في النبويّ المشهور (4)، و صحيحة ابن مسلم: «أنّ الوالد يأخذ من مال ولده ما شاء»، و ما (5) في العلل عن محمّد بن

______________________________

و يشهد للتقييد بالغبطة قوله في رهن الشرائع: «و لا يجوز له- أي لولي اليتيم- إقراض ماله، إذ لا غبطة» «1». و قوله: «و يجوز لولي الطفل رهن ماله- إذا افتقر إلى الاستدانة- مع مراعاة المصلحة ..» «2».

و كيف كان فاستدل المصنف قدّس سرّه للاحتمال الثالث بوجوه، أوّلها: إطلاق النصوص كالنبوي المشهور «أنت و مالك لأبيك» بتقريب: أنه كما لا ريب في جواز تصرف الأب في مال نفسه مطلقا و إن لم ينتفع به، بل حتى مع الإفساد و الإقدام على الضرر، فكذا لا يشترط جواز التصرّف في مال ابنه بشي ء منهما، لظهور النصّ في تنزيل مال الابن منزلة مال الأب، هذا.

(1) و هو عدم اعتبار شي ء- من المصلحة و عدم المفسدة- في تصرف الولي.

(2) قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أ يحجّ الرّجل من مال ابنه و هو صغير؟

قال عليه السّلام: نعم. قلت: يحجّ حجّة الإسلام، و ينفق منه؟ قال: نعم، بالمعروف. ثم قال: يحجّ منه و ينفق منه، إنّ مال الولد للوالد، و ليس للولد أن يأخذ من مال والده إلّا بإذنه» «3».

(3) معطوف على «أن» أي: إطلاق ما دلّ على أنّ الولد و ماله لأبيه.

(4) الوارد في جملة من النصوص، منها: صحيحة محمّد بن مسلم المشار إليها في المتن، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيها: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لرجل: أنت و مالك لأبيك» «4».

(5) معطوف على «ما» أي: إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 79

(2) المصدر، ص 78

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 4

(4) المصدر، الحديث: 1، و كذا ورد كلام النبي (ص) في الحديث: 2 و 8 و 9

ص: 90

سنان عن الرضا عليه السّلام من (1) «أنّ علّة تحليل مال الولد لوالده أنّ الولد موهوب للوالد في (2) قوله تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ.

و يؤيّده (3)

______________________________

(1) مفسّر ل «ما» الموصول في قوله: «و ما» و الموجود في المتن يختلف يسيرا عن نصّ الحديث، و هو «أنّ الرضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه- و ليس ذلك للولد- لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جلّ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب إليه و المدعوّ له، لقوله عزّ و جلّ ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ. و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك. و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. و لأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» «1».

(2) متعلّق ب «موهوب» و قوله: «ان الولد» خبر قوله: «ان علة».

(3) أي: و يؤيّد الأخير- و هو عدم اشتراط شي ء من المصلحة أو عدم المفسدة في تصرف الولي- أخبار جواز تقويم الجارية، فإنّ إطلاقها ينفي اعتبار شي ء منهما فيه، فيجوز للأب أن يتملّك جارية ابنه ببيع أو صلح لتقع المباشرة في ملكه، و لا فرق في جواز هذا التقويم بين أن يكون بصلاح الابن، أم بضرره، أم بتساوي الطرفين بأن لا يترتب شي ء من الصلاح و الفساد عليه.

و استدلّ صاحب الجواهر قدّس سرّه بهذه الطائفة من النصوص على عدم اعتبار المصلحة في جواز تصرف الأب و الجدّ، فقال: «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما، و المعاملة، و تقويم الجارية، و نحو ذلك، من غير اعتبارها» «2».

و لكن المصنف قدّس سرّه جعل هذه الأخبار مؤيّدة لإطلاق نفوذ تصرف الأب و الجدّ، و لم يجعلها دليلا على المدّعى. و لعلّ وجه التأييد أنها و إن دلّت على نفوذ شراء جارية الابن سواء أ كان بصلاح الولد أم بضرره أم بعدم شي ء منهما، لكنها أخصّ من المدّعى، و هو ولاية الأب على التصرف في جميع أموال الابن، لاحتمال كون الجواز هنا حكما خاصا لخصوصية في البضع تقتضي حليّة تملّك الجارية، و هذه الخصوصية مفقودة في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 197، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 9

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 332

ص: 91

أخبار جواز تقويم جارية الابن على نفسه (1).

لكن (2) الظاهر منها تقييدها بصورة حاجة الأب، كما يشهد له (3) قوله عليه السّلام في

______________________________

سائر الموارد.

و دعوى إلغاء خصوصية المورد، ممنوعة بعدم إحراز المناط. كما لا وجه لدعوى أولوية غير البضع بجواز التصرف.

(1) كما في صحيح أبي الصباح المتقدم في (ص 180) و خبر الحسن بن محبوب، قال: «كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السّلام: أنّي كنت وهبت لابنة لي جارية حيث زوّجتها، فلم تزل عندها و في بيت زوجها، فرجعت إليّ هي و الجارية، أ فيحلّ لي أن أطأ الجارية؟

قال عليه السّلام: قوّمها قيمة عادلة و أشهد على ذلك، ثم إن شئت فطأها» «1». فليس في هذا الحديث اعتبار شي ء من المصلحة أو عدم المفسدة.

(2) هذا استدراك على ما استشهد به لعدم اشتراط تصرف الأب بشي ء من المصلحة و عدم المفسدة، من إطلاق ما دلّ على «أنّ مال الولد للوالد» كما في رواية سعد ابن يسار.

و محصل الاستدراك: أنّ إطلاق تلك الروايات مقيّد بما يفيد صحة الوجه الثاني، و هو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب في أموال الطفل، حيث إنّ الزائد على قوته سرف، و هو فساد في مال الطفل، لكونه خارجا عن مورد اضطرار الأب. و عليه فلا تصلح الإطلاقات المزبورة لأن تكون دليلا على عدم اشتراط تصرف الأب- في مال الطفل- بشي ء من المصلحة و عدم المفسدة.

فقوله قدّس سرّه: «لكن الظاهر» تضعيف للوجه الأخير، و تقوية للوجه الثاني، و هو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب.

(3) أي: يشهد لتقييد الإطلاقات قول أبي عبد اللّه عليه السّلام في ما رواه الحسين بن أبي العلاء .. إلخ. و وجه الشهادة: أنّ الأب حينما تصرّف في ما ورثه الولد من امّه كان محتاجا إلى هذا المال للإنفاق به على نفسه و ولده. و في مثله حكم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 198، الباب 79 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 1

ص: 92

رواية الحسين بن أبي العلاء «قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما يحلّ للرجل من مال ولده؟ قال (1) قوته بغير سرف إذا اضطرّ إليه. قال (2) فقلت له: فقول (3) [قول] رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للرجل الذي أتاه فقدّم أباه، فقال (4) له: أنت و مالك لأبيك؟

فقال (5) إنّما جاء بأبيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: يا رسول اللّه، هذا أبي [و قد] (6) ظلمني ميراثي من أمّي، فأخبره الأب أنّه قد أنفقه عليه و على نفسه، فقال النبي (7) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء، أو كان (8) رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يحبس الأب للابن؟» «1».

______________________________

الولد «بأنّك و مالك لأبيك». و لو كان الرجل غنيّا متمكّنا من سدّ خلّته من مال نفسه لم يجز له صرف ما ورثه الولد من امّه، و كان ضامنا له.

و عليه فهذه الرواية و ما بمضمونها تقيّد ان إطلاق جواز التصرف- المستفاد من روايتي ابن مسلم و ابن يسار و غيرهما- بصورة حاجة الأب، هذا.

(1) يعني: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام.

(2) يعني: قال السائل و هو الحسين بن علاء.

(3) كذا في الوسائل و في بعض نسخ الكتاب. و في نسختنا: «قول رسول اللّه».

(4) أي: فقال الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للرجل الذي شكا أباه إلى الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك.

(5) أي: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام، يعني فصار الامام عليه السّلام بصدد بيان خصوصية حكم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على الولد ب «أنت و مالك لأبيك» و هي احتياج الأب إلى المال للإنفاق على نفسه و عائلته.

(6) كلمة «قد» غير موجودة في نسختنا، و إنّما أثبتناها لموافقته للمصدر و لما في بعض النسخ.

(7) كذا في نسختنا، و لم تذكر كلمة «النبي» في الوسائل.

(8) كذا في نسختنا، و في الوسائل «أ فكان».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 196- 197، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 8

ص: 93

و نحوها (1) صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: لرجل (2) أنت و مالك لأبيك، ثمّ قال عليه السّلام: لا نحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما يحتاج إليه ممّا لا بدّ منه، إنّ اللّٰهُ لٰا يُحِبُّ الْفَسٰادَ» «1».

فإنّ الاستشهاد بالآية يدلّ على إرادة الحرمة من عدم الحبّ دون الكراهة، و أنه (3) لا يجوز له التصرّف بما فيه مفسدة للطفل.

هذا كلّه، مضافا إلى عموم قوله (4) تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*،

______________________________

(1) أي: و نحو رواية الحسين صحيحة أبي حمزة الثمالي، فإنّها- خصوصا بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة- ظاهرة في الحرمة، و في اعتبار عدم المفسدة في جواز تصرف الأب في مال الطفل. فإرادة الكراهة من «عدم الحبّ» و إن كان صحيحا في موارد أخر، إلّا أن استشهاده صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالآية لا يلائم الكراهة، و يتعيّن في الحرمة.

(2) كذا في الوسائل و في بعض النسخ، و ليست كلمة «لرجل» في نسختنا.

(3) معطوف على «إرادة» أي: أنّ الاستشهاد بالآية الشريفة يدلّ على أنه لا يجوز للأب .. إلخ.

(4) هذا دليل آخر على الاحتمال الثاني، و هو اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب و الجدّ في مال الصغير. و تقريبه يتمّ ببيان أمرين:

أحدهما: أنّ المراد باليتيم من فقد أباه قبل بلوغه، كما عرّفه بذلك غير واحد من أهل اللغة، قال الراغب: «اليتم انقطاع الصبي عن أبيه قبل بلوغه» «2» فالصغير الفاقد لأبيه يتيم و إن كان جدّه حيّا متمكنا من التصدي لأمور الطفل.

ثانيهما: أن المراد ب «الأحسن» إمّا ظاهره، و هو التفضيل، و التصرف الجائز في مال

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به الحديث: 2، و الحديث هكذا:

«قال: ان رسول اللّه (ص) قال لرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر (ع): ما أحبّ [لا تحبّ] أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه .. إلخ». و الآية في سورة البقرة: 205 و ليس فيها «إنّ».

(2) مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ص 550، لسان العرب، ج 12، ص 645

ص: 94

..........

______________________________

اليتيم هو خصوص ما كان أصلح بحاله، و أنفع له. فلا يجوز بيع شي ء من أموال اليتيم إلّا إذا عاد نفع اليه، فلو لم ينتفع بالبيع حرم ذلك على الولي. و إمّا خصوص الحسن، بانسلاخ صيغة التفضيل عن معناه.

و المراد بالحسن إما مطلق الخير و الصلاح- لا خصوص الأحسن كما كان في الاحتمال الأوّل- فلو كان في بيع مال اليتيم من زيد مصلحة له جاز و إن كان بيعه من عمرو أنفع. و إمّا ما يقابل المفسدة و النقص، فإن كان التصرف موجبا لتضرر الصبي لم يحز، و إن لم يوجبه جاز و إن لم تعد فائدة إلى الطفل. هذا إجمال محتملات الآية، و سيأتي تفصيلها في ولاية عدول المؤمنين، فلاحظ (ص 252).

و هذا الاحتمال الأخير هو مبنى الاستدلال بالآية المباركة على جواز تصرّف الولي في مال الصغير- و ان لم ينتفع به المولّى عليه- ما لم يستلزم الفساد، و احتمله صاحب الجواهر قدّس سرّه في الاتّجار بمال الطفل، فراجع «1».

و بناء على هذين الأمرين يقال في دلالة الآية المباركة على اشتراط جواز التصرف في أموال اليتامى بعدم الإفساد: إنّ المخاطب بحرمة القرب إلى مال اليتيم بما يكون مفسدة فيه عامة المكلفين، حتى الجدّ، لما عرفت من صدق «اليتيم» مع حياة جدّه، فيشترط جواز التصرف في أموال اليتيم برعاية ما هو أحسن أي بخلوّه عن الفساد و النقص المالي.

و عليه فإطلاق صحة التصرف حتى مع الإفساد- المستفاد من إطلاق مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك»- يقيّد بهذه الآية، بعد عدم دلالتها على اشتراط رعاية الأصلح أو ما هو الصلاح.

فإن قلت: إنّ مفاد الآية الشريفة أخص من المدّعى و هو اعتبار جواز تصرف الأب و الجد بعدم المفسدة، و الوجه في الأخصية خروج الأب عن موضوع النهي، لكون المخاطب من يتصرف في مال اليتيم، و هو فاقد الأب. فالآية تثبت الشرط المزبور بالنسبة إلى الجدّ، دون الأب.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 15، ص 22

ص: 95

فإنّ (1) إطلاقه يشمل الجدّ، و يتمّ في الأب بعدم الفصل (2).

و مضافا (3) إلى ظهور الإجماع على اعتبار عدم المفسدة. بل (4) في مفتاح الكرامة استظهر الإجماع- تبعا لشيخه في شرح القواعد- على إناطة جواز تصرّف الوليّ بالمصلحة.

______________________________

قلت: نعم و إن كان الأب خارجا عن الآية موضوعا، لكن يعمّه الحكم ببركة عدم الفصل بينه و بين الجدّ، لأن عدم المفسدة إن كان شرطا في نفوذ التصرف في مال الصغير لم يختلف حكم الأب و الجدّ فيه. و إن لم يكن معتبرا فكذلك. و عليه فالنهي عن القرب بما فيه الفساد يشمل الجدّ بالإطلاق المستفاد من «لا تقربوا» و يلحق به الأب للإجماع المركّب.

(1) يعني: فإنّ إطلاق النهي يشمل جدّ الطفل، بناء على صدق «اليتيم» على من له الجدّ، و عدم انصراف الآية عن الجدّ. فهي تدلّ على حرمة التصرف في مال اليتيم مع المفسدة، سواء أ كان «الأحسن» بمعناه التفضيلي، أم منسلخا عنه و لمحض معنى ثبوت الوصف.

(2) لعدم صدق «اليتيم» مع وجود الأب، فلا تشمله الآية، فلا بدّ من الإجماع على إلحاق الأب بالجدّ حكما، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «ان قلت .. قلت».

(3) هذا دليل آخر على اعتبار عدم المفسدة في تصرف الأب و الجدّ في مال الطفل، و هو الإجماع و ظاهره كونه محصّلا لا منقولا و إن كان قد ادعاه صاحب العناوين بقوله:

«و ظاهر الوفاق على جوازهما- أي: جواز الاقتراض من مال الطفل و جواز تقويم جاريته على نفسه- من دون مصلحة بشرط عدم المفسدة» «1».

(4) غرضه التّرقي- من دعوى الإجماع على كفاية عدم المفسدة- إلى ما تضافر نقله من الاتفاق على اشتراط تصرف الأولياء بما فيه صلاح المولّى عليهم، و عدم كفاية خلوّه عن الفساد المالي، فالسيد الفقيه العاملي تبعا لشيخه كاشف الغطاء قدّس سرّهما استظهر

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 560

ص: 96

و ليس (1) ببعيد، فقد صرّح به في محكيّ المبسوط، حيث قال: «و من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة، الأب و الجدّ للأب و وصيّ الأب و الجدّ و الحاكم (2) و من (3) يأمره. ثمّ قال (4) «و كلّ هؤلاء الخمسة لا يصحّ تصرّفهم إلّا على وجه الاحتياط و الحظّ (5) للصغير (6)، لأنّهم (7) إنّما نصبوا لذلك، فإذا تصرّف (8) فيه على

______________________________

الإجماع على توقف جواز تصرف الولي على المصلحة، لا مجرّد عدم المفسدة «1».

و عليه فيقوى الوجه الأوّل، و هو القول بإناطة نفوذ تصرف الأب و الجدّ برعاية المصلحة أو ما هو الأصلح.

(1) يعني: و ليس استظهار الإجماع- على إناطة جواز التصرف بالمصلحة- ببعيد، كما يظهر بملاحظة كلمات الفقهاء، و عدم تعرّضهم لمخالف في المسألة، و قد نقل المصنف قدّس سرّه عبارة شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما، و أشار إلى أنظار جمع كالمحقق و العلّامة و الشهيدين و غيرهم.

(2) هذه العبارة تختلف عمّا في المبسوط بما لا يغيّر المعنى، كقوله بدل- الحاكم-:

«و الامام أو من يأمره الإمام».

(3) يعني: و من يأمره الحاكم الشرعي للتصدي لأمر الصغير و المجنون.

(4) أي: قال الشيخ في المبسوط: و كلّ هؤلاء .. إلخ.

(5) معطوف على «الاحتياط» و المقصود من الحظّ هو المصلحة و الغبطة للصغير، بأن ينتفع بتصرّف الولي في ماله.

(6) في المبسوط زيادة كلمة «المولّى عليه» هنا.

(7) أي: لأنّ هؤلاء الخمسة نصبهم الشارع للتصرف على وجه الاحتياط و الحظّ للصغير.

(8) عبارة المبسوط هكذا: «فإذا تصرّف على وجه لا حظّ له فيه كان باطلا، لأنّه خالف ما نصب له».

______________________________

(1) شرح القواعد (مخطوط) الورقة: 71، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217

ص: 97

وجه لا حظّ فيه كان باطلا، لأنّه (1) خلاف ما نصبوا له» انتهى «1».

و قال الحلّي في السرائر: «لا يجوز (2) للوليّ (3) التصرّف في مال الطفل إلّا بما يكون فيه صلاح المال و يعود نفعه (4) إلى الطفل، دون المتصرّف فيه. و هذا هو الذي يقتضيه أصول المذهب» (5) انتهى «2».

________________________________________

و قد صرّح بذلك (6) أيضا (7) المحقّق (8).

______________________________

(1) أي: لأن التصرف لا على وجه الاحتياط مخالفة للغرض الذي نصبهم الشارع له. و لا يخفى صراحة عبارة المبسوط في اشتراط تصرف الأولياء برعاية مصلحة الصغير.

(2) أي: لا يصحّ و لا ينفذ، إذ مقتضى شرطية المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل هو بطلان التصرف الفاقد لمصلحة الطفل المولّى عليه، فصارت النتيجة اعتبار المصلحة في تصرف الأب و الجدّ في مال اليتيم.

(3) عبارة السرائر هكذا: «لا يجوز للولي و الوصي أن يتصرّف في المال المذكور إلّا ..».

(4) أي: يعود نفع المال إلى الطفل، لا إلى المتصرف في المال و هو الولي.

(5) في السرائر: «أصل المذهب».

(6) أي: باعتبار المصلحة في تصرف الولي في مال الطفل.

(7) يعني: كما صرّح شيخ الطائفة و ابن إدريس قدّس سرّهما باشتراط نفوذ تصرف الولي بعود نفع إلى الطفل.

(8) كقوله في كتاب الرّهن: «و يجوز لوليّ الطفل رهن ماله، إذا افتقر إلى الاستدانة، مع مراعاة المصلحة» «3».

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 200، و نقل بعض العبارة السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 111، و صاحب الجواهر في ج 15، ص 20.

(2) السرائر، ج 1، ص 441

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 78، و نحوه في ص 171، و في المختصر النافع، ص 137

ص: 98

و العلّامة (1) و الشهيدان (2) و المحقّق الثاني «1» و غيرهم (3)، بل في شرح الروضة للفضال الهندي: «أنّ المتقدّمين عمّموا الحكم (4) باعتبار المصلحة من غير استثناء» «2». و استظهر (5) في مفتاح الكرامة من عبارة التذكرة في باب الحجر نفي

______________________________

(1) كقوله: «الضابط في تصرف المتولي لأموال اليتامى و المجانين اعتبار الغبطة، و كون التصرف على وجه النظر و المصلحة ..» «3».

(2) كقول الشهيد قدّس سرّه: «و يصحّ رهن مال الطفل مع المصلحة» «4».

(3) كالمحقق الأردبيلي و الفاضل السبزواري و السيد الطباطبائي قدّس سرّهم، و قد نقل السيد العاملي الكلمات في باب الرهن «5»، فراجع.

(4) أي: الحكم باعتبار المصلحة في التصرف في مال الطفل. و وجه تعميم هذا الحكم هو: أنّهم اشترطوا المصلحة في تصرف الناس في مال اليتيم، و لم يستثنوا الأب و الجدّ من هذا الحكم، حتى لا يكون تصرفهما فيه مشروطا بالمصلحة.

و الظاهر أنّ غرض المصنف من الإتيان بكلمة «بل» التنبيه على إطباق الفقهاء على اعتبار غبطة الصغير، و هذا الإجماع لم يستفد من الكلمات المشار إليها في المتن، فأراد الفاضل الهندي دعوى اتفاق المتقدمين على هذا الحكم.

(5) حيث قال بعد نقل عبارة التذكرة المتقدمة آنفا: «و ظاهره أنه ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين .. إلخ» «6».

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 87، و ج 5، ص 72

(2) المناهج السوية (مخطوط)، ص 6

(3) تذكرة الفقهاء، (الطبعة الحجرية) ج 2، ص 80، و تكرر أيضا في ص 14 و 81 و 82 و 83، قواعد الأحكام، ج 2، ص 21 و 112 و ص 135، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360 و 392

(4) اللمعة الدمشقية، ص 118 (كتاب الرهن)، الدروس الشرعية، ج 3، ص 318 و 403، و لاحظ كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه في الروضة، ج 4، ص 73، و في المسالك، ج 3، ص 166 و ج 4، ص 35

(5) مجمع الفائدة و البرهان، ج 4، ص 14 و ج 6، ص 77 و ج 8، ص 153 و ج 9، ص 151، كفاية الأحكام، ص 89 و 108، رياض المسائل، ج 9، ص 209 (الطبعة الحديثة)، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 111

(6) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 260

ص: 99

الخلاف في ذلك (1) بين المسلمين.

و قد حكي (2) «1» عن الشهيد في حواشي القواعد: «أنّ قطب الدين قدّس سرّه نقل عن العلّامة رحمه اللّه: أنّه (3) لو باع الوليّ بدون ثمن المثل لم لا ينزّل (4) منزلة الإتلاف بالاقتراض؟ لأنّا قائلون بجواز اقتراض ماله، و هو (5) يستلزم جواز إتلافه. قال: (6)

______________________________

(1) أي: في اشتراط تصرف الولي في مال اليتيم بالمصلحة.

(2) الظاهر أنّ الغرض من بيان ما حكاه الشهيد قدّس سرّه: الإشارة إلى مناقشة العلامة قدّس سرّه في اعتبار المصلحة في تصرف الأب و الجدّ في مال الطفل، و هي: أنّ الأصحاب القائلين باعتبار المصلحة قائلون بجواز اقتراض مال الطفل، مع كونه في معرض التلف، لاحتمال عدم الوفاء. و هذا يقتضي تنزيل البيع بدون ثمن المثل منزلة إتلاف مال الصغير بالاقتراض.

و عليه فلا يعتبر المصلحة في تصرف الأب و الجدّ في مال الطفل. و لكن العلامة قدّس سرّه توقف في الذهاب إلى عدم اعتبار المصلحة- في تصرفهما في ماله- حذرا عن مخالفة الأصحاب.

(3) مفعول «نقل»، و ضمير «أنه» للشأن.

(4) يعني: لم لا ينزّل بيع الولي بأقلّ من ثمن المثل منزلة الإتلاف بسبب الاقتراض؟

(5) يعني: و الحال أنّ جواز الاقتراض يستلزم جواز إتلاف مال الطفل.

(6) يعني: قال قطب الدين: و توقّف العلامة زاعما أنه لا يقدر على مخالفة الأصحاب.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217

ص: 100

«و توقّف زاعما أنّه لا يقدر على مخالفة الأصحاب» هذا [1].

[الأقوى كفاية عدم المفسدة]

و لكن الأقوى (1) كفاية عدم المفسدة، وفاقا لغير واحد من الأساطين الذين عاصرناهم (2)،

______________________________

(1) هذا مختار المصنف قدّس سرّه، و محصله: أنّ الأقوى من الوجوه الثلاثة وسطها، و هو كفاية عدم المفسدة في صحة تصرفات الأب و الجدّ، و عدم إناطتها بالمصلحة، فضلا عن الأصلح.

(2) كالشيخ الفقيه كاشف الغطاء و نجله صاحب أنوار الفقاهة و المحقق القمي. ففي كشف الغطاء: «و لولاية الإجبار كولاية الأب و الجدّ ما ليس لغيرها، فلا يعتبر فيها سوى عدم الفساد .. إلخ» و نحوه في شرح القواعد.

لكنّه قال- بعد ترجيح هذا القول على مراعاة المصلحة- ما لفظه: «و الاقتصار على ما ذكره الفقهاء و تنزيل الروايات أوفق في النظر، و أسلم من الخطر ..» «1».

و قال في أنوار الفقاهة: «و بحكم المالك: الأب النسبي .. و الجدّ للأب .. فإنّ لهما معا .. ولاية إجبارية لا تراعى بالمصلحة. نعم لو أفسدا بطل تصرفهما فيما أفسدا به ..» «2».

و قال المحقق القمي: «فنصب الولي إنما هو لأجل دفع الفساد و حفظ المال .. و في خصوص الأب و الجد دائرة الرخصة أوسع، إذ لم يشترط فيه الملاءة كما بيّناه في المناهج

______________________________

[1] الظاهر أنّ منشأ مناقشة العلامة قدّس سرّه المقتضية للذهاب إلى ولاية الأب و الجدّ- حتى مع المفسدة- هو الروايات الدالة على أنّ مال الولد للوالد. فكلّ تصرف و لو مع المفسدة من الأب و الجدّ في مال الصغير جائز، و لا يشترط فيه المصلحة.

لكن فيه: أنّه يقيّد بما إذا كانت المفسدة من جهة نفقة الأب و الجدّ، لا مطلقا، فلا يعمّ جميع موارد المفسدة كالبيع بما دون ثمن المثل.

______________________________

(1) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) البحث الثاني و الأربعون من المقدمة، شرح القواعد (مخطوط) الورقة 71

(2) أنوار الفقاهة، مجلّد المتاجر، ص 100 (مخطوط).

ص: 101

لمنع (1) دلالة الروايات (2) على أكثر من النهي عن الفساد، فلا تنهض لدفع دلالة المطلقات المتقدّمة (3) الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد و ماله.

و أمّا الآية الشريفة، فلو سلّم دلالتها (4)

______________________________

في كتاب المكاسب، و الغنائم في كتاب الزكاة ..» فراجع «1».

و قال صاحب الجواهر قدّس سرّه- بعد المناقشة في الإجماع على اعتبار المصلحة- ما لفظه: «فإنّ النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما- أي للأبوين- و المعاملة، و تقويم الجارية، و نحو ذلك من غير اعتبارها- أي المصلحة-» إلى أن قال:

«نعم قد يفهم في خصوص الأبوين التوسعة لهما، مع أن الأحوط فيهما و في غيرهما مراعاة المصلحة، كما اعترف به الأستاد في شرحه» «2».

و على هذا فلم يظهر ترجيح القول بكفاية عدم المفسدة من صاحب الجواهر «3».

(1) تعليل لقوله: «لكن الأقوى» و محصله: أنّ الروايات لا تدلّ على أكثر من النهي عن الفساد أي التصرف المقرون بالفساد، فالمنهي عنه هو التصرف الفاسد. فعدم المفسدة كاف في صحة تصرف الأب و الجد في مال الطفل، و ليس صحته مشروطة بالمصلحة فضلا عن الأصلح.

(2) و هي: رواية الحسين بن أبي العلاء، و صحيحة أبي حمزة الثمالي المتقدمتان.

(3) و هي رواية سعيد بن يسار و صحيحة محمد بن مسلم و رواية محمّد بن سنان.

و هذه الأخبار مطلقة شاملة للوجوه الثلاثة من الأصلح و المصلحة و عدم المفسدة، و لم يخرج منها إلّا صورة المفسدة، فيجوز التصرف مع عدم المفسدة و إن لم يكن مصلحة.

(4) أي: دلالة الآية على اعتبار المصلحة. غرضه من قوله: «فلو سلم» ما قيل أوّلا:

من أنّه لا نسلّم دلالة الآية على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم، إمّا

______________________________

(1) جامع الشتات (الطبعة الحجرية) ج 1، ص 192 و 193

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 332

(3) لاحظ ج 15، ص 22، و ج 25، ص 165 و ج 28، ص 297

ص: 102

فهي (1) مخصّصة بما دلّ على ولاية الجدّ و سلطنته الظاهرة (2) في أنّ له أن يتصرّف في مال طفله بما ليس فيه مفسدة له، فإنّ (3) ما دلّ على ولاية الجدّ في النكاح معلّلا بأنّ

______________________________

لانصرافها إلى الأجانب، و عدم شمولها للأجداد. و إمّا لاحتمال عدم صدق اليتيم على الطفل مع حياة جدّه.

مع أنّ كلمة «أحسن» في الآية الشريفة ليست مسوقة لبيان معناها التفضيلي، بل سيقت لبيان غيره و هو الحسن المراد به عدم الحرج، و التصرف غير المفسد حسن.

و هذا يلائم عدم المفسدة.

و عليه فلا تدلّ الآية على اعتبار المصلحة في نفوذ تصرّف الولي في مال اليتيم.

و ثانيا:- بعد تسليم دلالتها على اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم- أنّها مخصّصة بأدلة جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة. و مقتضى هذا التخصيص كفاية عدم المفسدة في جواز تصرف الجد في مال الطفل، و عدم اعتبار المصلحة في جوازه.

(1) يعني: فالآية مخصّصة، هذا هو الجواب الثاني المذكور آنفا بقولنا: «و ثانيا بعد تسليم دلالتها .. إلخ».

(2) الظاهر أنه نعت ل «ما الموصول» المراد به الأدلة، و هي الإطلاقات الدالة على ثبوت الولاية. و ليست «الظاهرة» صفة ل «سلطنته» لعدم ذكرها في الأدلة، و إن كانت محتملة، لاستفادة السلطنة من تلك الأدلة و إن لم تشتمل هي على لفظ السلطنة.

(3) تعليل للظهور في أنّ للجدّ التصرف في مال الطفل بما ليس فيه مفسدة لمال الطفل، و ظهور الأدلة في جواز تصرف الجدّ في مال ولد ولده- بما ليس فيه مفسدة- إنّما هو بعد تقييدها بما دلّ على عدم جواز الإسراف، ضرورة أنّها مع الغضّ عن هذا التقييد تعمّ جميع الصور حتى صورة وجود المفسدة.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه استظهر ولاية الجدّ- بما ليس فيه مفسدة- من طوائف ثلاث من النصوص.

الاولى: ما دلّ على ولاية الجدّ في التزويج، و تقدّم ما يختاره على ما يختاره الأب،

ص: 103

..........

______________________________

كرواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته، فهوي أن يزوّج أحدهما، و هوى أبوه الآخر، أيّهما أحقّ أن ينكح؟

قال: الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية، لأنّها و أباها للجدّ» «1» بتقريب: أنّ مورد السؤال دوران أمر تزويج البنت بين من يهواه الجدّ، و من يهواه الأب مع فرض عدم سبق عقد أحدهما عليها. و أجاب عليه السّلام بتقديم رأي الجدّ، معلّلا بأنّ البنت و أباها يتعلقان بالجدّ.

و من المعلوم أنّ أولوية الجدّ بأمر النكاح تقتضي أولويته من الأب في الأموال. نعم لا بدّ من تقييد إطلاق ولاية كل منهما، بما لا يترتب عليه مفسدة كما لا يخفى.

الثانية: ما دلّ على أنّ الولد و ماله للأب، و هو النبوي المشهور المتقدم في عدة من النصوص: «أنت و مالك لأبيك».

و هذه الجملة تارة تدلّ بالمطابقة على جواز تصرّف الوالد في مال ولده، كما في الأخبار التي استند الأئمة عليهم الصلاة و السلام إلى النبوي لإثبات مشروعية أخذ الوالد من أموال ولده، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في رواية محمّد بن مسلم: «و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء .. و ذكر ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لرجل: أنت و مالك لأبيك» فيجوز تصرف الأب في مال ابنه مطلقا و إن لم يكن فيه مصلحة، نعم يقيّد الجواز بالتصرف المفسد.

و اخرى بالفحوى، بتقريب: أنّ سلطنة الجدّ على تزويج بنت ابنه تقتضي- بالأولوية القطعية- سلطنته على التصرف في الأموال. و هذه الولاية غير مقيدة بالغبطة و المصلحة، فهي ثابتة مطلقا و إن لم تكن بصلاح المولّى عليه، نعم يقيّد بما لا فساد فيه.

و تستفاد هذه الفحوى من رواية عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّي لذات يوم عند زياد بن عبد اللّه إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح .. الأمير، إنّ أبي زوّج ابنتي بغير إذني. فقال زياد لجلسائه الّذين عنده: ما تقولون في ما يقول هذا الرجل؟ فقالوا: نكاحه باطل. قال: ثمّ أقبل عليّ، فقال: ما تقول يا أبا عبد اللّه، فلمّا سألني

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 219، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 8

ص: 104

البنت و أباها للجدّ (1). و قوله (2) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك»

______________________________

أقبلت على الّذين أجابوه، فقلت لهم: أ ليس في ما تروون أنتم عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: انّ رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك؟ قالوا: بلى. فقلت لهم: فكيف يكون هذا و هو و ماله لأبيه، و لا يجوز نكاحه؟

قال: فأخذ بقولهم، و ترك قولي» «1».

و استشهاد الامام عليه السّلام بكلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ظاهر في كون «مالك» بفتح اللام، لكونه عليه السّلام بصدد إثبات ولاية الجدّ على تزويج البنت، و هو فعل متعلق بالبضع، لا المال المعهود.

الثالثة: ما دلّ على ثبوت الولاية للجدّ على تزويج بنت ابنه، و لم يعلّل بما علّل به في معتبرة علي بن جعفر المتقدمة، و يتم ولايته في أموال الصغير بالفحوى، كمعتبرة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه. و لابنه أيضا أن يزوّجها. فقلت: فإن هوى أبوها رجلا، و جدّها رجلا؟ فقال: الجدّ أولى بنكاحها» «2».

و الحاصل: أنّ النصوص المتقدمة بطوائفها الثلاث تثبت ولاية الجدّ على التصرف في أموال الطفل مطلقا و إن لم يكن أحسن بحال المولّى عليه. فالآية الشريفة الناهية عن القرب بمال اليتيم إلّا بالتي هي أحسن تخصّص بهذه الأخبار الظاهرة في نفوذ التصرف ما لم يستلزم النقص و الفساد، و أما الصلاح و الأصلح فغير معتبر، هذا.

(1) هذا إشارة إلى الطائفة الأولى ممّا يصلح للتصرف في ظاهر الآية، و اختصاص القرب المنهي عنه بما يستلزم الفساد.

(2) معطوف على الموصول في «ما دلّ» أي: فإنّ قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ..، و هذا إشارة إلى الطائفة الثانية، و هي استشهاد الأئمّة الأطهار عليهم السّلام بالحديث النبوي على نفوذ تصرف الأب في مال ولده.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، الحديث: 5

(2) المصدر، ص 217، الحديث: 1

ص: 105

خصوصا (1) مع استشهاد الإمام عليه السّلام به (2) في مضيّ نكاح الجدّ بدون إذن الأب، ردّا على من أنكر ذلك (3)، و حكم (4) ببطلان ذلك من (5) العامّة في مجلس بعض الأمراء (6)، و غير ذلك (7)، يدلّ (8) على ذلك (9).

مع (10 أنّه لو سلّمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجدّ،

______________________________

(1) وجه الخصوصية ما عرفته آنفا من أنّ ولاية الجدّ على البضع- المدلول عليها بالنبوي- تقتضي ولايته على المال بالفحوى.

(2) أي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك».

(3) أي: أنكر مضيّ نكاح الجد بدون إذن الأب، و المنكر علماء العامة المجالسون للوالي.

(4) معطوف على «أنكر» يعني: و حكم ذلك المنكر ببطلان نكاح الجدّ بدون إذن الأب.

(5) هذا بيان ل «من» الموصول في قوله: «من أنكر».

(6) هو زياد بن عبد اللّه المذكور في رواية عبيد بن زرارة المتقدمة.

(7) أي: غير ما دلّ على ولاية الجد معلّلا، و غير قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» و هذا الغير إشارة إلى الطائفة الثالثة ممّا يقتضي تخصيص الآية الشريفة.

(8) هذا خبر «إنّ» في قوله: «فإنّ ما دلّ» المتقدم في (ص 103).

(9) أي: على كفاية عدم المفسدة في تصرفات الجد في مال الطفل.

(10) هذا جواب ثالث عن الاستدلال بالآية على رعاية مصلحة الصغير.

و حاصله: أنّه لو سلّمنا عدم تخصيص آية «و لا تقربوا» بما دلّ على جواز تصرف الجدّ في مال الطفل مع عدم المفسدة، و قلنا بشمول إطلاق النهي في الآية المباركة مع دلالتها على اعتبار المصلحة للجدّ أيضا، وجب الاقتصار على التصرف ذي المصلحة في الجد دون الأب، إذ لا تشمله الآية، لعدم اليتم مع وجود الأب، فحينئذ يجوز للأب التصرف في مال طفله و لو بدون المصلحة. فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في الجد دون الأب.

ص: 106

دون الأب. و دعوى (1) عدم القول بالفصل ممنوعة (2)، فقد حكي عن بعض (3)

______________________________

(1) الغرض من هذه الدعوى إثبات التساوي بين الأب و الجدّ في عدم جواز التصرف في مال الطفل إلّا مع المصلحة استنادا إلى عدم القول بالفصل، بدعوى: أنّه لم يفصّل بين تصرف الأب و الجد في مال الطفل، فلزوم مراعاة المصلحة ثابت في حقّ كلّ من الأب و الجدّ، و لا يختص بالجد.

(2) خبر «دعوى» و دفع لها، و حاصله: وجود القول بالفصل بينهما عن بعض متأخري المتأخرين، حيث قال ذلك البعض بجواز اقتراض الأب المعسر- المحتاج- من مال الصغير، دون الجدّ، فإنّه لا يجوز له ذلك.

(3) و هو المحقق الثاني قدّس سرّه، أفاد ذلك في شرح قول العلامة: «و لو ضمن- أي الولي- و اتّجر لنفسه و كان مليّا ملك الربح، و استحب له الزكاة. و لو انتفى أحدهما ضمن، و الربح لليتيم و لا زكاة» «1» فإنّ مقتضى إطلاق «الولي» عدم الفرق بين الأب و الجدّ في الضمان على تقدير الإعسار، كما يضمن غير الولي لو اتّجر بمال الطفل مع الملاءة. و علّق عليه المحقق الثاني بقوله: «يستثنى من ذلك الأب و إن كان معسرا» «2».

و ظاهره اختصاص الأب- من سائر الأولياء- بحكم، و هو جواز الاقتراض من مال ولده و الاتّجار به و عدم ضمانه. و مقتضى هذه العبارة القول بالفصل بين الأب و الجدّ، فلا يجوز للجدّ المعسر أن يقترض من مال الطفل ليتّجر به، بل يضمنه لو تلف.

و كيف كان فيكفي في منع دعوى الإجماع المركّب وجود القول بالفصل بين تصرف الأب و الجدّ. و عليه فلا وجه لما تقدم في (ص 96) في الاستدلال بالآية الشريفة من دعوى عدم القول بالفصل.

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 1، ص 329

(2) جامع المقاصد، ج 3، ص 5، و لاحظ أيضا مفتاح الكرامة، ج 3، ص 7، في اشتراط الملاءة، لكنّه سوّى بين الأب و الجد، كما نسبه صاحب المدارك أيضا إلى المتأخرين، فراجع ج 5، ص 19، مع اقتصار المحقق الكركي على الأب خاصة.

ص: 107

متأخّري المتأخّرين القول بالفصل بينهما (1) في الاقتراض مع عدم اليسر.

[مشاركة الجدّ و إن علا للأب]

ثمّ (2) لا خلاف ظاهرا- كما ادّعي (3)- في أنّ الجدّ و إن علا يشارك الأب في الحكم (4).

______________________________

(1) أي: بين الأب و الجدّ. هذا تمام الكلام في الفرع الثاني و هو اشتراط صحة التصرف بالمصلحة أو بعدم المفسدة.

(2) مشاركة الجدّ و إن علا للأب هذا إشارة إلى فرع ثالث ممّا يتعلق بولاية الأب و الجد على التصرف في أموال الصغير، و هو تعدّي الحكم إلى أب الجدّ و جدّ الجد، كما إذا كان للطفل أب و هو زيد، و جدّ و هو عمرو، و أب جدّ و هو بكر، و جدّ جدّ و هو بشر، فإنّه لا ريب- كما تقدم- في ثبوت الولاية لزيد و عمرو، و هل يشارك بكر و بشر زيدا في الولاية و جواز المزاحمة كما جاز للجدّ و هو عمرو؟ أم أنّها مختصة بالجدّ الداني أعني عمرا؟

اختار المصنف وفاقا لغيره مشاركة أب الجدّ و جدّ الجد لوالد الطفل في ثبوت الولاية لهما على الصغير، و استدلّ عليه- بعد حكاية الإجماع- بطائفتين من الأخبار، و سيأتي بيانهما.

قال في الجواهر: «ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجدّ- و إن علا- مع الأب، للصدق، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة» «1».

(3) المدّعي لعدم الخلاف هو السيّد المجاهد قدّس سرّه، لقوله: «المراد بالجدّ هنا أب الأب و إن علا، كما صرّح به في التذكرة و الروضة و المسالك و الكفاية و الرياض، بل الظاهر أنّه ممّا لا خلاف فيه» «2».

(4) و هو جواز التصرف في مال الصغير مع عدم المفسدة.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 29، ص 210، و لكنه تنظر فيه في كتاب الحجر، فراجع ج 26، ص 102

(2) المناهل، ص 105

ص: 108

و يدلّ عليه (1) ما دلّ على أنّ الشخص و ماله- الذي منه مال ابنه- لأبيه، و ما دلّ (2) على أنّ الولد و والده لجدّه.

[لو فقد الأب و بقي الجدّ الأدنى و الأعلى]

و لو فقد (3) الأب و بقي الجدّ،

______________________________

(1) أي: و يدلّ على أنّ الجدّ- و إن علا- يشارك الأب في الحكم ما دلّ .. إلخ.

و هذا إشارة إلى الطائفة الاولى، و هي رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«فقلت لهم: فكيف يكون هذا هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه؟» فإنّه عليه السّلام استظهر من قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» أمرين:

أحدهما: كون مال الولد للوالد.

و ثانيهما: كون نفس الإنسان و ما بيده من المال ملكا لوالده، أي لجدّ المولّى عليه.

و كذا يقال بالنسبة إلى أب الجدّ، فإنّ جدّ الصغير و ما بيده من أموال نفسه و ولده و حفيده كلّها لأب الجدّ. و لو كان جدّ الجدّ حيّا كانت له الولاية على أب الجدّ و أولاده.

(2) معطوف على «ما دلّ» و هذا إشارة إلى الطائفة الثانية، و هي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام المعلّلة بأنّ «الجارية و أباها للجدّ». فكذا يقال بمقتضى معمّميّة التعليل: إنّ الجدّ و ولده و بنت ولده يكونون لأب الجدّ، و هكذا بالنسبة إلى جدّ الجدّ.

و على هذا فلو هوى أب الجارية أن يزوّجها من رجل، و هوى جدّ جدّها تزويجها من رجل آخر لم يكن عبرة بقول الأب. هذا في النكاح. و تثبت الولاية على الأموال بالفحوى، كما تقدم في (ص 104).

(3) لو فقد الأب و بقي الجدّ الأدنى و الأعلى هذا فرع رابع ممّا يتعلق بولاية الأب و الجدّ، و هو حكم ولاية الأجداد عند فقد الأب، كما إذا كان لزيد ولد و أب و جدّ- و هو والد أبيه- و مات زيد، فهل تكون ولاية ولد زيد لوالد زيد الذي هو جدّ الولد، أم لوالد والد زيد، الذي هو جدّ زيد؟ فيه قولان، قال السيد المجاهد: «و هل الأجداد في مرتبة واحدة، فكلّهم أولياء بالاستقلال، أولا؟ بل الأقرب إلى الأب يمنع الأبعد. صرّح بالثاني في جامع المقاصد و المسالك

ص: 109

فهل أبوه و جدّه [أو جدّه (1)] يقوم مقامه (2) في المشاركة أو يخصّ هو (3) بالولاية؟

قولان: من (4) ظاهر أنّ الولد و والده لجدّه، و هو المحكيّ عن ظاهر جماعة،

______________________________

و الكفاية. و يظهر الأوّل من إطلاق الشرائع و النافع و التبصرة و الإرشاد و التحرير و القواعد و التذكرة و الدروس و اللمعة و كنز العرفان و الروضة و الرياض» «1».

و مورد كلامه قدّس سرّه و إن كان تزاحم الأجداد من دون تعرّض لموت الأب، إلّا أنّ المقصود بيان من يقدّم قوله من الأجداد، و لا فرق فيه بين وجود الأب و فقده بعد ثبوت أولوية الجدّ من الأب.

(1) اختلفت النسخ في عطف الجدّ على الأب بالواو، و ب «أو» ففي النسخة المصححة المعتمد عليها العطف ب «أو» و يكون مقصود المصنف قدّس سرّه بيان أنّ أب المفقود تثبت له الولاية بالأصالة على ما تقدّم من كون الجدّ كالأب وليّا على الصغير، و لكن هل تختص الولاية به؟ لفرض فقد الأب فيستقل بالتصرف، أم يشاركه غيره، و هذا الغير إمّا أب الجدّ و إمّا جدّ الجدّ.

و على هذا فالأنسب بسياق العبارة إرجاع ضميري «أبوه، جدّه» إلى «الجدّ» ليكون الغرض تحديد من يشارك جدّ الطفل. و لو أرجعنا الضميرين إلى الأب المفقود لزم كون أحد المشاركين هو أب الأب، من دون ذكر للمشارك، مع أنّ أب الأب- و هو جدّ الطفل- له شركة في الولاية لو لم يختصّ بها. و عليك بالتأمل في العبارة.

(2) أي: مقام الأب المفقود.

(3) أي: أب المفقود- أعني به جدّ الصغير- يختصّ بالولاية.

(4) هذا دليل ولاية أبي الميت و جدّه على الطفل، و حاصله: أنّ مقتضى ما دلّ على أنّ «الولد و والده لجدّه» هو كون ولاية الطفل لأبي الميت و جدّه، كما حكي عن جماعة.

قال في الجواهر: «لكن قد يظهر من خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام أولوية

______________________________

(1) المناهل، ص 105، و هو المراد من الحاكي في قول الماتن: «المحكي عن جماعة».

ص: 110

و من (1) أنّ مقتضى قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ* «1» كون القريب أولى بقريبه من البعيد. فنفى (2) ولاية البعيد، و خرج منه (3) الجدّ (4) مع الأب، و بقي الباقي (5).

______________________________

الجدّ، باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط» «2».

(1) هذا دليل القول الثاني، و هو: اختصاص الولاية بأبي الميت الذي هو الجدّ الأدنى للطفل، و محصل هذا الدليل: أنّ مقتضى قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ* أولوية القريب من البعيد، و القريب هنا هو أبو الميت الذي هو الجدّ الأوّل للطفل، فإنّه أقرب إلى الطفل من جدّ الميت الذي هو الجدّ الثاني للطفل.

فإن قلت: الآية الشريفة- بمقتضى كون الأولوية فيها تعيينية لا تفضيلية- تنفي ولاية البعيد مع وجود القريب، و لازمه عدم مشاركة الجدّ أصلا للأب، لظهور الآية في اختصاص القريب بالولاية، و من المعلوم أنّ القريب إلى الطفل هو الأب، و معه لا وجه لولاية الجدّ أصلا، سواء أ كان هو الأدنى أم الأعلى.

قلت: نعم، الأولوية التعيينية تنفي ولاية ما عدا الأب، حتى الجدّ القريب، لكن النصوص أخرجت هذا الجدّ من العموم، و حكمت بولايته على الحفيد، و أمّا سائر الجدود فلا ولاية لهم بمقتضى الآية.

(2) يعني: فنفى قوله تعالى ولاية البعيد، أي: الجدّ العالي، و هو جدّ الأب المتوفّى.

(3) أي: خرج من عموم قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ* و قد عرفت توضيح هذا الخروج بقولنا: «ان قلت .. قلت».

(4) أي: جدّ الصغير، إذ له الولاية المشتركة مع أب الطفل لو كان الأب حيّا.

(5) و هو أبو الجدّ و جدّ الجدّ، فإنّه لا ولاية لهم، لأنّ القريب إلى المولّى عليه هو الجدّ الأدنى لا سائر الجدود.

______________________________

(1) الأنفال، الآية 75، الأحزاب، الآية 6

(2) جواهر الكلام، ج 29، ص 211

ص: 111

و ليس (1) المراد من لفظ «الأولى» التفضيل مع الاشتراك في المبدء، بل هو نظير قولك: «هو أحقّ بالأمر من فلان» و نحوه (2). و هذا (3) محكيّ عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية.

______________________________

(1) هذا دفع توهم، و هو: أنّ الآية تدلّ على ولاية اولي الأرحام، الّذين منهم جدّ الأب، مع أحقيّة بعضهم- و هو أب الأب- و هذا ضدّ المقصود، أعني به نفي الولاية عن جدّ الأب، و إثباته لأبيه.

و محصل الدفع: أنّ هذا التوهم ناش من إرادة المعنى التفضيلي من كلمة «أولى» لكنه ليس كذلك، لإرادة التعيين منها، كما في آية الإرث، و كما في قولك: «فلان أحقّ بالخلافة من فلان» و كقوله عليه السّلام: «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» و كما في الزوجة المتوفى عنها زوجها بعد العدة من قوله عليه السّلام: «هي أملك بنفسها» فإنّ صيغة التفضيل يراد منها أصل الوصف، من دون النظر إلى زيادته بالنسبة إلى فرد آخر.

(2) نظير قوله تعالى حكاية عن يوسف على نبينا و آله و عليه السلام «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ» فإنّ «الأحبّ» منسلخ عن المعنى التفضيلي، و إلّا يلزم حبّه عليه السّلام بما أرادته تلك المرأة منه، و يوسف عليه السّلام منزّه عن ذلك.

(3) يعني: و هذا القول الثاني حكاه السيد المجاهد قدّس سرّه- في عبارته المنقولة آنفا- عن المحقق و الشهيد الثانيين و الفاضل السبزواري. قال في المسالك: «و أمّا إقامة الجدّ مع أبيه مقام الأب مع الجدّ فعدمه أقوى».

و لم أجد تصريح المحقق الثاني بالعدم، و إنما قال: «و هل يكون للجدّ الأعلى مع الجدّ الأدنى ولاية؟ فيه نظر» «1». و لعل السيد المجاهد ظفر بكلام آخر في جامع المقاصد أو فوائده على الشرائع أو غيره، فنسب القول بالعدم إليه. كما لم أجد في الكفاية- بعد التتبع في البيع و الحجر و الوصية و النكاح- ما يدلّ على المطلب، فراجع.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 7، ص 171، جامع المقاصد، ج 5، ص 187

ص: 112

و للمسألة (1) مواضع أخر تأتي إن شاء اللّه [1].

______________________________

(1) أي: و لمسألة ولاية الأب و الجدّ على الطفل مواضع أخر كالزكاة و الحجر و النكاح، فما تقدّم من الأبحاث ليس استقصاء لجميع أطراف المسألة، فلاحظ.

______________________________

[1] ينبغي قبل التعرض لأدلة ولاية الأب على الصغير بيان ما هو الأصل في المسألة، فنقول و به نستعين:

لا إشكال في أنّ مقتضى الأصل عدم سلطنة أحد على غيره، لا في نفسه و لا في ماله.

و أمّا بعد أن ثبتت بإطلاق أدلتها، فلو شك في اعتبار شي ء في ولاية الأب و الجدّ فمقتضى الإطلاقات عدم اعتباره.

فالمراد بالأصل هو الإطلاق اللفظي، لا الأصل العملي كما هو ظاهر المتن، و ذلك لأنّ الأصل العملي يقتضي عدم نفوذ التصرف في مال أحد بلا وجه شرعي. فالأصل يثبت اعتبار العدالة في الولي، لأنّ المتيقّن من التصرف هو تصرف العادل، و لا يثبت عدم اعتبارها بالأصل. و عطف «الإطلاقات» على الأصل كالنص في أنّ المراد بالأصل هو الأصل العملي.

لكن لم يظهر المراد منه، إذ لو أريد به أصالة عدم اشتراط الولاية بالعدالة، فإن رجعت إلى إطلاق أدلة الولاية فليست دليلا على حدة في مقابل الإطلاق. و إن رجعت إلى غيره فلا أصل له، لحكومة ما دلّ على عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه.

و بالجملة: فالدليل على عدم اعتبار العدالة هو إطلاق أدلة الولاية. و مع الغض عنه يقتضي الأصل العملي اعتبارها.

ثم إنّه قد استدل على الولاية بأخبار مستفيضة مشتملة على طوائف أشير إليها في التوضيح.

و نوقش في الاستدلال بها. أمّا في الطائفة الاولى و هي نصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه فبأخصيّتها من المدّعى، و عدم المجال لدعوى عدم الفرق بين موردها و بين غيره. و ذلك لاحتمال كون جواز التقويم لأجل احتياجه إلى الجارية، كما في الإنفاق على نفسه، هذا.

لكن هذه المناقشة مندفعة، إذ في أخصيّتها أوّلا: أنّ تقويمها قيمة عدل يدلّ على لزوم

ص: 113

______________________________

حفظ ماليّة مال الصغير عادلة على الولي، و هو الأب. و هذا هو الضابط و المعيار في جواز تصرفه في مال الطفل، فلا خصوصية في المورد.

و ثانيا: أنّه لا وجه للحمل على الحاجة أوّلا، لكونه خلاف الظاهر، بل السؤال عن حكم العنوان الأوّلي دون الثانوي الاضطراري.

و بعبارة أخرى: وقع السؤال عن جواز وطئها بالعنوان الأوّلي.

و ثانيا: أنّه لا دليل على كون حاجته مجوّزة للتقويم المزبور.

هذا كله مضافا إلى: أنّه بعد تسليم الأخصية لا مانع من التعدّي عن مورده بالأولوية، لأهمية البضع من المال. فالتمسك بنصوص تقويم الأب جارية الابن على نفسه لإثبات ولاية الأب على الطفل في محلّه، هذا.

و أما في الطائفة الثانية- و هي أخبار الوصية- فبعدم دلالتها على جواز تصرف الوصي في مال كان للصغير في حال حياة الأب- كإرثه من أمّه، لأنّها إنّما تدل على جواز تصرفه في مال يملكه الطفل من تركة أبيه، هذا.

لكن فيه: أنّ ظاهر قول السائل: «و بمال لهم» هو التوصيف الفعلي، و كون الظرف مستقرّا، يعني: و بمال ثابت لهم، لا بمال يحصل لهم بموت أبيه. فتدلّ هذه الطائفة على جواز تصرف الوصي في مال الطفل في حال حياة الموصى، لا بعد موته حتى يقال: إنّ تصرف الوصي في مال الطفل هو تصرف الوصي بالتسبيب.

و أمّا الطائفة الثالثة- و هي أخبار التجارة بماله- فبما مرّ في الطائفة الثانية من عدم دلالتها على التجارة بمال الطفل زمان حياة أبيه، و إنّما تدل على جواز التجارة بماله بعد موت أبيه، و هذا تصرف من أبيه، للوصية الموجبة لاتصال تصرفات حياته بتصرفاته بعد موته.

لكن قد عرفت ما فيه.

و أمّا الطائفة الرابعة- التي لا بدّ من البحث في مفادها حتى يتضح صحة الاستدلال بها على ثبوت ولاية الأب و الجد على الطفل و عدم ثبوتها- فهي على صنفين:

أحدهما: ما يدلّ على حلية مال الولد للوالد مثل معتبرة محمّد بن مسلم عن

ص: 114

______________________________

الصادق عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه؟ قال: يأكل منه ما شاء بغير سرف.

و قال في كتاب على عليه السّلام: إنّ الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلّا بإذنه، و الوالد يأخذ من مال ابنه ما شاء ..» «1» الحديث، و غير ذلك من الروايات.

و ثانيهما: ما يدل على: أنّ مال الولد للوالد بدون ذكر الولد، كرواية يسار، قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أ يحجّ الرجل من مال ابنه و هو صغير؟ قال: نعم. قلت: يحجّ حجة الإسلام و ينفق منه؟ قال: نعم بالمعروف. ثم قال: نعم يحج منه و ينفق منه، إنّ مال الولد للوالد» «2».

أو مع ذكر الولد، كما في النبوي المعروف في رجل استعدى أباه: «أنت و مالك لأبيك» و قد وقع في جملة من الأخبار «3».

أمّا الصّنف الأوّل فالظاهر أنّه ليس في مقام إثبات الولاية للأب على ابنه، بل سيق لبيان جواز أخذ الأب مقدار نفقته من مال ولده، لأنّه مع فقره ممّن تجب نفقته على الولد الغني.

فهو أجنبي عن مسألة ولاية الأب عليه.

و أمّا الصّنف الثاني فلا بد من التكلم فيه حتى يظهر حقيقة الحال، فنقول و به نستعين:

إنّ اللام في نفسها في «لأبيك» تصلح للملك و الولاية و السلطنة على الانتفاع بالولد و بماله، لكن لا يمكن إرادة الملك منها هنا، إذ المفروض حرّية الولد و عدم صيرورته ملكا لأحد. و كذا ماله المضاف إليه، فإنّه لا يعقل كون مال واحد في زمان واحد مضافا بهذه الإضافة بنحو الاستقلال إلى شخصين.

و حمل اللّام على الولاية ينافيه ورود «لأبيك» تارة في خصوص الولد الكبير، لعدم ولاية الأب على ولده الكبير و لا على ماله شرعا قطعا، و إخراج المورد قبيح. و اخرى في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 195، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 1 و نحوه الحديث: 2

(2) المصدر، الحديث: 4

(3) المصدر، ص 197، الحديث 8 و 9

ص: 115

______________________________

الأعم منه و من الصغير.

و حمل اللام على السلطنة على الانتفاع به و بماله لا يثبت الولاية، و ينافيه تقويم الجارية على نفسه بمعنى بيعها من نفسه، لأنّ مجرد الانتفاع بالولد و ماله لا يوجب سلطنته على بيع ماله، بل صحة بيعه منوطة بولايته، إذ يعتبر في المتعاقدين أن يكونا مالكين أو مأذونين من المالكين أو مأذونين من الشارع، كالأب و الجد و الفقيه الجامع للشرائط.

و لأجل الإشكال على حمل اللام على المعاني المذكورة التجأ بعض إلى حمل اللام على معنى يناسب جميع الموارد من الولد الكبير الرشيد، و وجوب الإعطاء على الولد مقدار حاجة الوالد، و عدم حبس الأب بإتلافه مال الولد و إن كان كبيرا، و ولاية الأب على جميع التصرفات الراجعة إلى الولد و ماله إذا كان صغيرا. و ذلك المعنى المناسب هو جعل اللام للتعليل، و الغرض منه الإشارة إلى كون الولد موهوبا للأب، و أنّ الأب من معدّات تكوّن الولد و وجوده، فللأب دخل إعدادي في تكوين الولد.

فكلّ ما للولد- كنفسه- من آثار وجود الأب و تكوّن الولد من الأب، و كونه من آثار وجوده يوجب ترتب آثار شرعية عليه، من جواز الانتفاع بماله إذا كان فقيرا، و من عدم جواز حبسه بإتلاف ماله ولده و إن كان كبيرا، و من ولايته على جميع التصرفات الراجعة إلى ولده و ماله إذا كان صغيرا.

كما يدلّ عليه مكاتبة محمّد بن سنان: «انّ الرضا عليه السّلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: و علّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه- و ليس ذلك للولد- لأنّ الولد موهوب للوالد في قوله عزّ و جلّ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ، مع أنّه المأخوذ بمؤنته صغيرا و كبيرا، و المنسوب إليه و المدعوّ له، لقوله عزّ و جلّ ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّٰهِ. و لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: أنت و مالك لأبيك. و ليس للوالدة مثل ذلك، لا تأخذ من ماله شيئا إلّا بإذنه أو بإذن الأب. و لأنّ الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها» «1».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 197، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث: 9

ص: 116

______________________________

و لو نوقش في هذا المعنى لكلمة اللام «بأنّ الحمل على أمر تكويني إخبار عن أمر خارجي، لا إنشاء حكم شرعي كما هو وظيفة الشارع» فغايته أنّه يصير هذا الكلام مجملا، و هو لا يقدح في الاستدلال بسائر جمل الروايات الظاهرة في الولاية المشتملة على «أنت و مالك لأبيك».

مضافا إلى: ما تقدم في الطائفة الاولى و الثانية من إنّها ظاهرة في ثبوت الولاية للأب، فلا ينبغي الإشكال في ثبوت الولاية للأب على ولده الصغير.

ثم إن هنا أمور ينبغي التنبيه عليها:

التنبيه الأوّل: أنّه هل يعتبر العدالة في ولاية الأب على التصرف في مال الطفل أم لا؟

المنسوب إلى المشهور العدم، لوجوه:

الأوّل: الأصل. و قد تقدم أنّ الأصل يقتضي اعتبار العدالة، اقتصارا في مخالفة الأصل على القدر المتيقن، و هو كون الولي عادلا.

و قد يقرر الأصل بوجوه:

منها: أنّ الأصل عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية المجعولة شرعا قطعا. نظير الشك في جعل قيد في المركّبات الارتباطية كالصلاة، فكما يجري الأصل هناك، فكذلك هنا.

و فيه: أنّ أصالة عدم تعلق الجعل الشرعي بقيد الولاية لا يثبت كون الأب وليّا مطلقا و إن لم يكن عادلا إلّا على القول بالأصل المثبت.

إلّا أن يقال: إنّ إثبات شرط للمركّب أو نفيه عنه بالبراءة ليس مثبتا، كاستصحاب الطهارة، فإنّ من يستصحبها يصير واجدا للشرط، و أثره جواز الصلاة مع هذه الطهارة المستصحبة. و ليس عنوان «المتطهّر» موضوعا للحكم حتى يقال: إنّه لا يثبت باستصحاب الطهارة إلّا على القول بالأصل المثبت.

ص: 117

______________________________

لا يقال: إنّ أصالة عدم شرطية العدالة في الولاية تعارض بأصالة عدم جواز التصرف في مال الطفل. فالمرجع حينئذ أصالة عدم الولاية، أو عدم نفوذ معاملة الأب في مال الطفل، كما هو مقتضى أصالة الفساد.

فإنّه يقال: الشك في نفوذ المعاملة و فسادها ناش من الشك في شرطية العدالة و عدمها في الولاية. و مع جريان أصالة عدم الشرطية فيها يرتفع الشك في صحة المعاملة و فسادها. و من الواضح حكومة الأصل السببي على المسببي.

و منها: استصحاب عدم شرطية العدالة أزلا.

و فيه: عدم اعتبار الاستصحاب في الأعدام الأزلية، لما فيه من الإشكالات المذكورة في محلها.

و منها: غير ذلك من الوجوه المقررة في الأصل غير الخالية عن الإشكال.

ثم إنّ التشبّث بالأصل إنّما يصحّ بعد فرض عدم الدليل الاجتهادي، إذ معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي كما لا يخفى.

الوجه الثاني: الإطلاقات التي تقدّمت جملة منها.

قيل: و يمكن أن يراد بها الأعم الشامل لإطلاقات العقود، لشمول «العقد» لما إذا صدر من الأب و الجدّ غير العادلين في مال الطفل.

لكن الظاهر أنّ إطلاقات العقود سيقت لبيان حكم آخر، و هو نفوذ العقود و لزومها، و ليست في مقام بيان ما يعتبر في المتعاقدين حتى يكون لها إطلاق من هذه الجهة.

الوجه الثالث: نفي الخلاف كما عن المفاتيح من قوله: «و يشترط فيهما الإسلام و العقل لا العدالة، بلا خلاف. و قيل: بل يجوز ولاية الكافر إذا كان المولّى عليه كافرا و لم يكن له وليّ مسلم. و هو حسن».

ص: 118

______________________________

لكن يشكل الاعتماد على ما ادعى عليه من نفي الخلاف مع وجود المخالف، و القول باعتبار العدالة في الأب و الجدّ كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

الرابع: السيرة القطعية المستمرة من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى زماننا على عدم التفتيش عن كيفية تصرفات آباء الأطفال و الأجداد في أموالهم، و عدم معاملة الأجنبي معهم حتى يثبت عدالتهم هذا.

و قيل: باعتبار العدالة فيهما كما عن الوسيلة و الإيضاح، فاستدل في الأخير بما حاصله: أنه يستحيل من الحكيم تعالى شأنه أن يجعل فاسقا خائنا وليّا على القاصر الذي لا يستطيع على إصلاح أموره، فلا بدّ أن يكون الوليّ عادلا ليكون أمينا صائنا لنفس الطفل و ماله.

و فيه: أنّ مقتضى هذا الوجه اعتبار الأمانة في الولي، لا اعتبار العدالة فيه إلّا على نحو الموضوعية كإمام الجمعة و الجماعة. و ذلك غير ثابت.

و استدل له أيضا بآية الركون الى الظالم.

و فيه: أنّ الظاهر إرادة حكّام الجور من الظالم أوّلا. و عدم صدق الركون الى الظالم على ولي الطفل ثانيا. و عدم كون المعاملة بمال الطفل معاملة بمال الغير، بل معاملة بمال نفسه بمقتضى «أنت و مالك لأبيك» ثالثا.

فتلخص ممّا ذكرنا: عدم نهوض دليل معتدّ به على اعتبار العدالة، في الأب و الجد، هذا.

التنبيه الثاني: هل يعتبر في تصرف الأب و الجد في مال الطفل المصلحة؟ أو عدم المفسدة، أم لا يعتبر شي ء منهما، فيصح التصرف حتى مع المفسدة، وجوه.

قد يوجه الأخير بإطلاق الأدلة، كقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» و «أنّ الولد و ماله موهبة من اللّه سبحانه لأبيه» كما ورد في التعليل المروي عن مولانا الامام الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه: أنّ علة تحليل مال الولد لوالده هي كون الولد موهوبا للوالد، كما في قوله

ص: 119

______________________________

تعالى يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ الذُّكُورَ و مثل هذا الإطلاق ينفي اعتبار وجود المصلحة و عدم المفسدة.

كما يوجّه اعتبار عدم المفسدة بما يقيّد إطلاق أدلة الولاية، كصحيحة أبي حمزة الثمالي و رواية أبي الحسين بن أبي العلاء المذكورتين في المتن، فإنّهما ظاهرتان في تحديد التصرف في مال الطفل، و أنّه لا بدّ أن لا يكون موجبا للفساد، بقرينة الاستشهاد بالآية المباركة. فالتصرف في مال الطفل إن كان مقرونا بالفساد لا ينفذ و لا يصح، هذا.

و يوجّه اعتبار المصلحة في صحة تصرف الأب و الجد في مال الطفل بوجوه:

الأوّل: الأصل، إذ المتيقن من جواز التصرف في مال الغير هو التصرف الذي يكون مصلحة للطفل.

الثاني: قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فإنّ الأحسن إن أريد به معناه التفضيلي فيدل على اعتبار الأصلح فضلا عن المصلحة و إن أريد به غير معناه التفضيلي فالظاهر أنّ المراد بالحسن هو المصلحة.

الثالث: أنّ دليل ولاية عدول المؤمنين يدلّ على اعتبار المصلحة في ولايتهم. و الظاهر أنّ المناط فيها- و هو قصور الطفل عن إدارة شؤونه و حفظ مصالحه- موجود في ولاية الأب و الجدّ، مع عدم دليل يدل في المقام على خلافه. و لا بدّ من الإشارة إلى روايات الباب حتى يظهر ما هو الحق و الصواب، فنقول و به نستعين:

إنّ الأخبار على طوائف:

منها: ما تشتمل على قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت و مالك لأبيك» الوارد في كل من التصرف الاعتباري كالتزويج، كروايتي عبيد بن زرارة و علي بن جعفر تعليلا لنفوذ تزويج الجد، و تقدمه على الأب «بأنّ الأب و ماله لوالده» أو «أنّ الابنة و والدها لجدّها»، و التصرف الخارجي في مال الطفل، كرواية العلل المتقدمة في (ص 91) و رواية سعيد بن يسار المتقدمة في (ص 90) الدالتين على جواز الأخذ من مال الولد للوالد، و رواية محمّد بن مسلم المتقدمة في (ص 81) المتضمنة لإذن الأب في المضاربة، و مقتضى عموم التعليل

ص: 120

______________________________

بكون إذن الأب نافذا هو نفوذ الإذن في مطلق تصرفات الأب في مال الابن، و إن كان مضرّا، فضلا عن عدم كونه مصلحة. فمن هذه الطائفة يستفاد إطلاق تصرفات الأب و الجدّ في مال الصغير.

و من طوائف الأخبار ما تدل على تقيد التصرف بالضرورة و الاحتياج، كرواية الحسين بن أبي العلاء المتقدم في (ص 93) و صحيحة أبي حمزة الثمالي المذكورة في (ص 94). و الظاهر أنّهما ليستا من أدلة ولاية الأب و الجد على مال الصغير، بل هما في مقام بيان جواز أخذ النفقة من مال الطفل، إذ نفقة الأب الفقير على ولده الغني. فموردهما التصرف الخارجي، لا الاعتباري، حتى يثبت لهما ولاية التصرف في المعاملات المتعلقة بأموال الطفل. هذا.

و من تلك الطوائف ما تدل على اعتبار مراعاة عدم الضرر في التصرف في مال الطفل، كصحيحة الكناني المتقدمة في (ص 80) الدالة على تقويم الجارية قيمة عدل.

و يستفاد منها اعتبار عدم الضرر في تصرف الأب في مال الطفل، و عدم النقص المالي في ماله.

و بتقييد الإطلاقات بمثل هذه الصحيحة يستفاد اعتبار عدم لزوم الضرر في تصرفات الأب، و كفاية عدم المفسدة في نفوذ تصرفاته في مال الطفل.

لكن رفع اليد عن ظاهر الآية الشريفة- و هو مراعاة الأحسن- مشكل.

التنبيه الثالث: في ولاية الجد، و الكلام فيها يقع في جهات. و قبل التعرض لها ينبغي التكلم فيما يقتضيه الأصل العملي إن فقد الدليل الاجتهادي، و وصلت النوبة إلى الأصل، فنقول:

إنّ مقتضى الأصل العملي عدم ولاية الجد الأعلى إذ المتيقن من الجدّ هو أبو الأب، فولاية الجدّ العالي خالية عن الدليل. إلّا إذا ثبت إجماع على مساواة الأب مع آبائه في الولاية على الطفل كما ادّعي.

لكنه غير ثابت، لاحتمال استناد المجمعين إلى بعض الروايات، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إليها، لسقوط الإجماع عن الاعتبار.

ص: 121

______________________________

نعم أصل ثبوت ولاية الجدّ مشهور بين الأصحاب كما قيل.

و يمكن الاستدلال على ولايته بصحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته، فهوي أن يزوّج أحدهما، و هوى أبوه الآخر، أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال: الذي هوى الجد أحقّ بالجارية، لأنّها و أباها للجد» «1».

لكنه مختص بالنكاح، و يشكل التعدي عنه الى التصرفات المالية، لمنع الأولوية لولاية الأب و الجدّ على نكاح البكر البالغة الرشيدة مع عدم ولايتهما على التصرف في مالها.

و أمّا ذكر قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رواية عبيد بن زرارة فهو في مقام إلزام من حضر في مجلس بعض الأمراء، لا في مقام إثبات ولاية الجد حتى تثبت ولايته في المال و النكاح معا.

لكن هنا روايات سبع تدل على ولاية الجد للأب على تزويج الصغيرة «2».

الّا أنّ موردها النكاح الذي هو أخصّ من المدّعى، إذ المقصود إثبات الولاية للجد في التصرفات المالية أيضا.

نعم يمكن إثباتها بالسيرة، كما يمكن إثباتها بقوله عليه السّلام في صحيحة ابن جعفر المتقدمة آنفا: «لأنّها و أباها للجد» بتقريب: أنّه تعليل لثبوت ولايته في النكاح و في غيره، فإنّ هذا التعليل صالح لأن يكون علّة لجعل الولاية المطلقة للجدّ، فليتأمّل.

و بالجملة: فلا ينبغي الإشكال في ولاية الجد، فإن لم يمكن إثباتها بنحو الإطلاق من الروايات، فلا مانع من إثبات إطلاقها بالسيرة القطعية الثابتة، لولاية الجد في جميع شؤون الطفل من النكاح و التصرفات المالية من صدر الإسلام من غير نكير إلى زماننا هذا.

و أمّا الجهات المتعلقة بهذا التنبيه:

فمنها: أنّ ولاية الجدّ هل هي عرضية أم طولية؟ المحكي عن كثير من القدماء إناطة ولاية الجد بحياة الأب في عقد النكاح، استنادا إلى رواية الفضل بن عبد الملك عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 219، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 8.

(2) المصدر، ص 218- 219.

ص: 122

______________________________

أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الجد إذا زوّج ابنة ابنه و كان أبوها حيّا و كان الجد مرضيا جاز، قلنا: فإن هوي أبو الجارية هوى، و هوى الجد هوى، و هما سواء في العدل و الرضا؟ قال: أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجد» «1».

و لكن لا مفهوم لهذه القضية الشرطية، بل هي سيقت لتحقيق الموضوع.

مضافا إلى ضعف سندها و إعراض الأصحاب عنها، لما تقدّم عن العلّامة من دعوى الإجماع على ولاية الفاسق في التزويج.

فإن قلت: نصوص ولاية الجد على نكاح الطفل دلّت على ولايته في حال حياة أبي الطفل، و لا دليل على ولايته بعد موته، فيرجع إلى أصالة عدم الولاية. فما عن كثير من القدماء من اختصاص ولاية الجد بحال حياة ابنه متين.

قلت: لا مانع من استصحاب ولايته الثابتة حال حياة ابنه، و لا مجال لأصالة عدم الولاية، لأنّ الشك ليس في حدوثها، بل الشك في بقائها، و هو مجرى الاستصحاب، و الشك هنا من مصاديق الشك في رافعية الموجود، و هو الموت.

نعم تجري أصالة عدم الولاية إن لم تثبت ولايته سابقا، كما إذا كان الولد نطفة حين موت والده، فإنّ الجدّ ليس وليّا على الطفل الذي هو نطفة حين وفاة أبيه. و هذا شك في حدوث الولاية، فالجاري فيه أصالة عدم الولاية.

هذا مع الغضّ عن السيرة، و إلّا فلا تصل النوبة الى الأصل العملي.

فتلخص: أنّ ولاية الجد عرضيّة و مستقلة، و لا تناط بحياة ابنه و لا بموته.

و من تلك الجهات: أنّ مقتضى الروايات الثمانية الدالة على ولاية الأب و الجدّ في تزويج الطفل هو كون ولاية الجد في عرض ولاية الأب.

لكن ظاهر العلّامة في وصايا التذكرة خلاف ذلك، حيث قال: «ولاية الأب مقدّمة على ولاية الجد، و ولاية الجدّ مقدّمة على ولاية الوصي للأب، و الوصي للأب أو الجد أولى

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 218، الباب 11 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد، ح 4

ص: 123

______________________________

من الحاكم» «1». فإن ظاهره طولية ولاية الجد و تأخرها رتبة عن ولاية الأب. و هو خلاف ظهور تلك الروايات في عرضيّة ولاية الجد للأب، لا طوليتها.

و من تلك الجهات: أنّ الجدّ إذا تعدّد، فهل الولاية تثبت للجميع أم تختص بالجد القريب؟ فإن كان المستند في ولاية الجد الأخبار ثبتت الولاية لجميعهم، و إن كان هو السيرة فالمتيقن هو أقرب الأجداد.

و من تلك الجهات: أنّ الظاهر اختصاص الولاية بالأب و الجدّ النسبيين دون الرضاعيين، لأنّهما- على فرض صدق الأب و الجد عليهما حقيقة- تنصرف الأدلة عنهما، و لم نقف على تعرض أحد للحوق الرضاعيين بالنسبيين. و دليل تنزيل الرضاع منزلة النسب ناظر إلى الأوصاف و الأحكام الظاهرة. و على فرض الشك في شمول دليل الولاية لهما فمقتضى الأصل عدمها.

و أمّا ولاية الأب و الجدّ على من ولد منهما بالزنا، فالظاهر ثبوتها لهما، لصدق الأب و الجد عليهما حقيقة بالنسبة إلى هذا الولد. و هذه المعاني الحقيقيّة العرفية موضوعات للأحكام الشرعية.

و أولى بثبوت الولاية للأب و الجد ما إذا كان تولد الولد منهما على الوجه المحرّم غير الزنا، كالتولد من وطي محرّم بالعرض كالوطي في حال الحيض و الإحرام و الصوم، أو من تلقيح ماء أجنبي في جوف المرأة، فإنّ الولد في جميع هذه الصور لصاحب الماء، و مقتضى موضوعية المعاني العرفية للأحكام الشرعية ثبوت الولاية و غيرها من الأحكام الشرعية للأب و الجدّ إلّا ما خرج كالإرث، فإنّ الزنا مانع عنه.

و هل للولي من الأب و الجدّ ولاية على الطلاق، و هبة مدة المتعة، و فسخ عقد النكاح بأحد موجباته أم لا؟ المسألة مبنية على وجود الإطلاق أو العموم في أدلة الولاية و عدمه.

فعلى الأوّل تثبت ولايته في جميع أمور الطفل. و على الثاني لا تثبت لأنّ السيرة دليل لبّيّ لا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقن منه.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 510، السطر 22

ص: 124

[2- ولاية الفقيه]
اشارة

مسألة (1) من جملة أولياء التصرّف في مال من (2) لا يستقلّ [1] بالتصرّف في ماله الحاكم (3)،

______________________________

(1) 2- ولاية الفقيه ذكرنا في (ص 79) أن المأذون شرعا في التصرف في مال القاصر هو الأب و الجدّ، و الحاكم الشرعي و العدول، و تقدّم الكلام في ولاية الأب و الجدّ و لم يتعرض المصنف لحكم الوصي من قبل أحدهما لكونه موكولا إلى باب الوصية، و شرع في حكم ولاية الفقيه، و بسط الكلام فيه بعد تحديد الموضوع، و هو المجتهد الجامع لشرائط التقليد و الفتوى.

(2) يعني: أنّ للحاكم الشرعي التصرف في مال من لا يكون أهلا شرعا للتصرّف في ماله مستقلّا، كاليتيم الذي لا جدّ له، و لم يعيّن أبوه أو جدّه وصيّا عليه. و كذا السفيه و المجنون في الجملة، و المفلّس.

(3) مبتدء لقوله: «من جملة» و المراد بالتصرف أعم من الخارجي و الاعتباري.

______________________________

[1] لعلّ إبداله ب «من لا سلطنة له على التصرف في ماله» أولى، لكونه أشمل، لشموله لمن ليس له اقتضاء التصرف في ماله أصلا حتى مع الإذن أو الإجازة من ولي الأمر كالمجنون و الصبي غير المميز. بخلاف عنوان المتن، فإنّ ظاهره خصوص من لا ينفذ تصرفه بالاستقلال، و يكون شرط نفوذه إذن الولي، و لا يشمل من لا ينفذ تصرفه حتى مع الإذن أو الإجازة، فتدبّر.

ص: 125

و المراد منه: الفقيه الجامع لشرائط الفتوى (1).

و قد رأينا هنا (2) ذكر مناصب الفقيه امتثالا لأمر أكثر حضّار مجلس المذاكرة، فنقول مستعينا باللّه:

[للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:]

للفقيه الجامع للشرائط مناصب ثلاثة:

أحدها: الإفتاء [1] فيما يحتاج إليه العاميّ (3) في عمله. و مورده (4) المسائل الفرعيّة (5) و الموضوعات الاستنباطيّة (6) من حيث ترتّب حكم فرعيّ عليها.

و لا إشكال و لا خلاف في ثبوت هذا المنصب (7) للفقيه، إلّا ممّن (8) لا يرى

______________________________

(1) التي عمدتها الاجتهاد و العدالة، و أكثر ما عداهما من الشرائط مبني على الاحتياط كما قرّر في محلّه.

(2) أي: مبحث ولاية الفقيه الذي هو من مباحث أولياء التصرف.

(3) و هو من لم يبلغ رتبة الاجتهاد و إن كان له حظّ من العلم.

(4) أي: و مورد الإفتاء- الذي هو أحد المناصب الثلاثة للفقيه- المسائل الفرعية.

(5) و هي الأحكام الخمسة التكليفية، و كذا الأحكام الوضعية.

(6) كالغناء و الآنية و المفازة، فإنّها- لترتب الأحكام الفرعية عليها- تكون موردا لإفتاء الحاكم الشرعي. و أمّا الماهيات المخترعة الشرعية كالصلاة و الصوم و نحوهما فهي بأنفسها مورد للإفتاء كنفس الأحكام الشرعية، لأنّ ماهياتها مأخوذة من الشارع كأحكامها.

(7) و هو الإفتاء، حيث إنّ الفقيه هو العالم بالأحكام، فهو المرجع فيها.

(8) و هو بعض الأخباريين المانع عن التقليد، و بعض الأصوليين القائل بوجوب الاجتهاد عينا «1».

______________________________

[1] ليس نفس الإفتاء و الإخبار عمّا اعتقده من الفتوى- كما هو ظاهر العنوان «الأحكام»- مرادا، بل المقصود حجية الفتوى، و جواز أو وجوب العمل بها.

______________________________

(1) نقلنا بعض كلماتهم في شرحنا على الكفاية، فراجع منتهى الدراية، ج 8، ص 526

ص: 126

جواز التقليد للعامي.

و تفصيل الكلام في هذا المقام (1) موكول إلى مباحث الاجتهاد و التقليد.

الثاني: (2) الحكومة، فله الحكم بما يراه حقّا في المرافعات و غيرها في الجملة (3).

و هذا المنصب (4) أيضا ثابت له بلا خلاف فتوى و نصّا. و تفصيل الكلام فيه (5) من حيث شرائط الحاكم و المحكوم به و المحكوم عليه موكول إلى كتاب القضاء.

الثالث (6) ولاية (7) التصرّف في الأموال و الأنفس،

[ولاية التصرّف في الأموال و الأنفس تتصوّر على وجهين]

و هو (8) المقصود بالتفصيل هنا، فنقول: الولاية تتصوّر على وجهين:

الأوّل: استقلال (9) الولي بالتصرّف

______________________________

(1) أي: مقام إفتاء المجتهد، أي: جواز العمل بفتواه، لا مجرّد جواز الإفتاء و إظهار فتواه، فإنّه ليس منصبا، و لا يتوقف جوازه على جواز تقليده.

(2) أي: المنصب الثاني. و المراد بالحكومة هو الحكم بين الناس بالحقّ و العدل.

سواء أ كان في الخصومات و المرافعات أم غيرها كثبوت الهلال و الحجر للفلس.

(3) إشارة إلى الخلاف الواقع في بعض الموارد كحكم الحاكم بثبوت الهلال.

(4) أي: منصب الحكومة كمنصب الإفتاء ثابت للفقيه بلا خلاف نصّا و فتوى.

(5) أي: في منصب الحكومة من حيث شرائط الحاكم كالعدالة و الفقاهة و غيرهما، و من حيث شرائط المحكوم به كالزوجيّة و الملكيّة و الرقيّة و غيرها، و من حيث شرائط المحكوم عليه من كون حكمه نافذا على الكلّ حتى على مجتهد آخر، أو نافذا على خصوص المتخاصمين.

(6) أي: المنصب الثالث للفقيه- الذي هو المقصود الأصلي من البحث هنا- هو ولاية التصرف في النفوس و الأموال بحيث يكون الفقيه أولى من الناس بالتصرف في أموالهم و أنفسهم.

(7) خبر قوله: «الثالث».

(8) أي: و المنصب الثالث هو المقصود بالتفصيل هنا أي مبحث ولاية الفقيه.

(9) بمعنى عدم توقف نفوذ تصرفه على إذن الغير أو إجازته، بل هو تامّ الاختيار

ص: 127

مع قطع النظر (1) عن كون تصرّف غيره منوطا بإذنه أو غير منوط به، و مرجع هذا (2) إلى كون نظره سببا في جواز تصرّفه.

الثاني (3) عدم استقلال غيره بالتصرّف، و كون (4) تصرّف الغير منوطا بإذنه و إن لم يكن هو (5) مستقلّا بالتصرّف. و مرجع هذا (6) إلى كون نظره شرطا في جواز

______________________________

في تصرّفه، كولايته على الأوقاف التي لا وليّ لها، و على القصّر كالصبيان و المجانين، فإنّ الفقيه وليّ في هذه الموارد، فله التصدّي لها مطلقا، سواء أ كان مباشرة أم تسبيبا بالإذن لغيره، أو بنصبه وليّا.

و ليس لازم هذا الاستقلال إناطة جواز تصرف الغير بإذن الفقيه. فليس كل مورد يستقل الفقيه فيه بالتصرف لا يجوز تصرف غيره، إلّا بالإذن، بل يجوز لغيره التصرف بدون إذنه، كالزكاة، حيث إنّ للمالك تزكية ماله بدون إذن الفقيه، فهو كالحاكم مستقل في إخراج الزكاة، و ليس جواز فعله منوطا بنظر الحاكم.

(1) وجه عدم النظر هو اجتماع استقلال الحاكم بالتصرف مع كون تصرف الغير منوطا بإذنه، و مع عدم إناطة تصرفه بإذن الحاكم، كما إذا كان له أيضا ولاية التصرف بالاستقلال كالزكاة على ما مرّ آنفا.

(2) أي: الوجه الأوّل من وجهي الولاية، و محصله: أنّ نظر الفقيه سبب تام لجواز تصرفه، و ليس لشي ء آخر دخل في سببيّة نظره.

و ببيان آخر: ليس جواز تصرفه مشروطا بشي ء آخر غير إرادته، فهي علّة تامة لجوازه.

(3) أي: الوجه الثاني من وجهي الولاية عدم استقلال غير الفقيه بالتصرف، بأن يكون جواز تصرّفه منوطا بإذن الفقيه و إن لم يكن الفقيه مستقلّا بالتصرّف، كالتّقاصّ، فإنّه على ما قيل: يجوز لغير الحاكم بإذنه و إن لم يجز ذلك للحاكم بالاستقلال.

(4) معطوف على «عدم» عطفا تفسيريا، و مرجع ضمير «بإذنه» هو الفقيه.

(5) أي: و إن لم يكن الفقيه مستقلّا بالتصرف كالتقاص على قول كما مرّ آنفا.

(6) أي: الوجه الثاني، و هو عدم استقلال غير الفقيه بالتصرف، و حاصله: أنّ نظر

ص: 128

تصرّف غيره (1).

و بين موارد الوجهين (2) عموم من وجه.

ثمّ إذنه (3) المعتبر في تصرّف الغير: إمّا أن يكون على وجه الاستنابة، كوكيل الحاكم.

______________________________

الفقيه شرط في صحة تصرف غيره كصلاة الميت الذي لا وليّ له، فإن صحة صلاة غيره منوطة بإذنه، دون وجوبها، لأنّها واجبة كفائيّا على الجميع.

(1) هذا الضمير و ضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(2) و هما وجها ولاية الفقيه من استقلاله بالتصرف، و من عدم استقلال غيره بالتصرف. و الأولى إسقاط كلمة «موارد» بأن يقال: «و بين الوجهين عموم من وجه».

و كيف كان فمادة اجتماعهما هي التصرف في سهم الإمام عليه السّلام، فإنّ الفقيه مستقل في التصرف فيه على الأظهر، و تصرف غيره فيه منوط بإذنه. و كذا التصرف في مجهول المالك على الأقوى.

و مادة الوجه الأوّل استقلال الحاكم في التصرف في الزكاة، و عدم اشتراط تصرف غيره بإذنه.

و مادة الوجه الثاني هي التقاص، فإنّ تصرف غير الفقيه فيه منوط بإذنه، مع عدم استقلال الحاكم بالتصرف فيه على ما قيل.

(3) مبتدء، و خبره جملة «إما أن يكون ..» و غرضه بيان كيفية إذن الحاكم لغيره في التصرف على كلا الوجهين: من استقلال الفقيه في التصرّف، و من إناطة تصرف الغير بإذنه. توضيحه: أنّ استقلال الحاكم بالتصرّف يقتضي أن يكون هو المتصرّف سواء أ كان تصرفه بالمباشرة كتصدّيه بنفسه لأمور الأوقاف، أم بالتسبيب كتوكيل غيره في التصدي لها، فإنّ التوكيل تفويض سلطنة الموكّل، ففعل الوكيل يضاف إلى الموكّل. و كنصبه متولّيا على الوقف.

و الفرق بين الوكيل و المتولّي هو: أنّ الوكيل ينعزل بموت الموكل، لأنّه مقتضى العقود الإذنية التي منها الوكالة. و المتولّي ينعزل بموت من نصبه على ما قيل،

ص: 129

و إمّا (1) أن يكون على وجه التفويض و التولية، كمتولّي الأوقاف من قبل الحاكم.

و إمّا (2) أن يكون على وجه الرضا، كإذن الحاكم لغيره في الصلاة على ميّت لا وليّ له.

[مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء]

إذا عرفت هذا فنقول: مقتضى الأصل (3) عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء من

______________________________

لكنه لا يخلو من تأمل.

و كيف كان ففعل المتولّي و الوكيل يضاف إلى الحاكم نحو إضافة في مقابل فعله المباشري.

و الحاصل: أنّ التولية و التوكيل من شؤون استقلال الحاكم بالتصرف، بخلاف كون الإذن على وجه الرضا، فإنّ مورده فعل الغير المشروط صحته بإذن الحاكم.

و من المعلوم أنّ مجرد الإذن لا يجعل الفعل من أفعال الآذن، كصلاة الميت الفاقد للولي، فإنّ الصلاة فعل المصلّي، و لا تصير فعل الحاكم بمجرد إذنه له فيها. نعم صحتها منوطة بإذنه.

(1) معطوف على «إمّا» و هذا و ما قبله من شؤون استقلال الفقيه بالتصرف، لا من شؤون توقف تصرف الغير على إذن الحاكم كما مرّ مفصّلا.

(2) معطوف على «إمّا» و هذا هو الشق الثالث الذي يكون من شؤون إناطة صحة فعل الغير بإذن الفقيه، فإذن الحاكم على وجه الرضا يكون في صورة اشتراط جواز تصرف الغير بإذنه.

(3) غرضه بيان الأصل في مسألة الشك في ثبوت الولاية للفقيه مع قطع النظر عن الأدلة الاجتهادية، أو فرض قصورها و وصول النوبة إلى الأصول العملية.

و المصنف قدّس سرّه أجرى الأصل الموضوعي، و هو أصل عدم ثبوت الولاية لأحد في شي ء من الأمور المذكورة، حيث إنّ الولاية على الغير نحو استيلاء عليه، و الأصل عدمه.

و مقتضاه عدم نفوذ شي ء من التصرفات العقدية و الإيقاعية المترتبة على الولاية. و لو لم يجر هذا الأصل الموضوعي لجرى الأصل الحكمي، و هو أصالة الفساد أي عدم ترتب الأثر.

ص: 130

الوجوه المذكورة،

[الكلام في ثبوت الولاية للنبي و الأئمة عليهم السّلام]
[الولاية لهم بمعنى استقلالهم بالتصرف]

خرجنا عن هذا الأصل (1) في خصوص النبيّ و الأئمّة «صلوات اللّه عليهم أجمعين» بالأدلّة الأربعة، قال اللّه تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ «1»، و مٰا كٰانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لٰا مُؤْمِنَةٍ إِذٰا قَضَى اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

______________________________

(1) الكلام في ثبوت الولاية للنبي و الأئمة عليهم السّلام أي: خرجنا عن أصل عدم ثبوت الولاية في خصوص النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة المعصومين «صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين» بالأدلة الأربعة من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.

ثم إنّ المصنّف قدّس سرّه جعل البحث في مقامين:

أحدهما: الولاية بمعنى الاستقلال بالتصرف، و الآخر: الولاية بمعنى توقف تصرف الغير على إذن الفقيه.

أمّا المقام الأوّل، فقد استدل عليه بالأدلة الأربعة:

الأوّل: الكتاب، و قد ذكر جملة من الآيات في المتن.

و الانصاف أنّ أكثرها تدلّ على المطلوب، و دعوى «أنّ الأولوية من الأنفس لا تدلّ على الأولوية من الأموال» مدفوعة أوّلا: بالأولوية، لأنّ الولاية في الأموال أهون من الولاية في النفوس.

و ثانيا: أنّ الامتنان على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقتضي إرادة العموم.

و كذا إطلاق نفي الاختيار في الآية الثانية يقتضي العموم للتصرفات المالية.

و كذا إطلاق «أمره» في الآية الثالثة- الذي هو مفرد مضاف- يقتضي العموم للأمور المتعلقة بالأموال.

و الاشكال عليها و على مثلها ممّا يدل على لزوم الإطاعة «بأنّ دلالتها على المدّعى

______________________________

(1) الأحزاب، الآية 6

ص: 131

«1»، فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ (1) أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ «2»، و أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «3»، و إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ .. «4» الآية،

______________________________

منوطة بدعوى الملازمة بين وجوب الإطاعة و الولاية. و هي ممنوعة، لانفكاكهما كما في وجوب إطاعة الامّ على الولد، مع وضوح عدم ولايتها عليه. و كذا وجوب إطاعة الولد الكبير الرشيد لوالده، مع عدم ولايته عليه» مندفع بأنّ ذلك في غير أمره سبحانه و تعالى و النبي و آله المعصومين «عليهم الصلاة و السلام» الّذين هم علل التكوين، و مبدأ الموجودات الإمكانية، و مجاري الفيض على جميع ما اكتسى ثوب الوجود.

فالملازمة بين إطاعة اللّه عزّ و جلّ و النبي و الأئمّة الطاهرين عليهم أفضل صلوات المصلين و بين ولايتهم عليهم السّلام في غاية الوضوح، فلا ينبغي أن يقال: إنّ ما دلّ على وجوب إطاعتهم عليهم السّلام أجنبي عن مسألة الولاية.

(1) بناء على رجوع الضمير إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. قال في المجمع: «حذّرهم سبحانه و تعالى عن مخالفة نبيّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» «5» و نقل في البحار عن تفسير فرات: «قيل: يا با جعفر حدّثني في من نزلت؟ قال: نزلت في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و جرى مثلها من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الأوصياء في طاعتهم» «6».

و أمّا بناء على رجوع الضمير في «أمره» إليه تعالى كان الخطاب للمعرضين عن أوامره و نواهيه عزّ و جلّ، و لا تكون الآية حينئذ دليلا على لزوم إطاعة أولياءه في غير جهة التبليغ.

______________________________

(1) الأحزاب، الآية 36

(2) النور، الآية 63

(3) النساء، الآية: 59

(4) المائدة، الآية: 55

(5) مجمع البيان، ج 7، ص 249

(6) بحار الأنوار، ج 24، ص 301 و 302، الحديث: 58

ص: 132

و غير ذلك (1) [1].

______________________________

(1) مثل ما استدلّ به في برهان الفقه على ذلك بقوله تعالى فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ و قوله تعالى فَإِنْ تَنٰازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّٰهِ وَ الرَّسُولِ «1».

و يدل عليه أيضا قوله تعالى وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً «2» بضميمة ما ورد في تفسير الملك العظيم بفرض الطاعة و أنّ «من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه فهو الملك العظيم» «3».

و قوله تعالى وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً «4» و غير ذلك من الآيات الكثيرة

______________________________

[1] لا يخفى أنّ غرض المصنف قدّس سرّه الخروج عن أصل عدم الولاية بكلا معنييها- و هما الاستقلال بالتصرف و توقف تصرف الغير على إذنه- في خصوص النبي و الأئمة المعصومين «صلى اللّه عليه و عليهم أجمعين». و على هذا فالأولى كما في بعض الحواشي سوق العبارة هكذا: «خرجنا عن هذا الأصل في الولاية بكلا معنييها في خصوص النبي و آله أوصيائه المعصومين «صلوات اللّه عليهم أجمعين إلى يوم الدين». أمّا بالمعنى الأوّل فبالأدلة الأربعة .. و أمّا بالمعنى الثاني فبأخبار خاصة تدلّ على وجوب الرجوع إليهم .. إلخ».

و كيف كان فالداعي إلى البحث عن ولايتهم «عليهم الصلاة و السلام» مع خروج ذلك عن وظيفتنا، و وضوح نفوذ كل تصرف يصدر منهم «عليهم الصلاة و السلام» في الأموال و الأنفس، كما إذا باع احد منهم «صلوات اللّه عليهم» مال زيد من عمرو، فإنّه نافذ سواء رضي

______________________________

(1) برهان الفقه، كتاب الصوم، بحث ثبوت الهلال بحكم الحاكم، و الآيتان في سورة النساء: 65 و 59

(2) النساء، الآية 54

(3) بحار الأنوار، ج 23، ص 290، ح 17، و ص 285، ح 1، و ص 287، ح 7- 11 و ص 291- 292 ح 21 الى 25، و ص 301، ح 57

(4) آل عمران، الآية 103.

ص: 133

و قال النبي (1) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كما في رواية أيّوب بن عطية (2) «أنا أولى بكلّ مؤمن من نفسه». و قال في يوم غدير خم: «ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى، قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» «1».

و الأخبار في افتراض طاعتهم و كون معصيتهم كمعصية اللّه كثيرة، يكفي في ذلك (3) منها مقبولة (4) عمر بن حنظلة

______________________________

و الأخبار المتواترة الدالة على وجوب إطاعتهم و متابعتهم، و المحذّرة عن مخالفتهم، فراجع غاية المرام و البحار.

(1) هذا شروع في الاستدلال بالسّنة.

(2) و هو الحذّاء، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

أنا أولى .. إلخ» «2».

(3) أي: في ولايتهم عليهم السّلام و افتراض طاعتهم، و ضمير «منها» راجع إلى الأخبار.

(4) فاعل «يكفي» أي: يكفي في ثبوت ولايتهم عليهم السّلام من الأخبار مقبولة عمر بن حنظلة، التي ورد فيها- بعد بيان صفات القاضي الإمامي-: «فإنّي قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم اللّه، و علينا ردّ، و الرّادّ علينا الرّاد على اللّه» «3».

______________________________

زيد بذلك أم لا. و كما إذا زوّج هو «سلام اللّه عليه» بنت زيد، فإنّ تزويجه عليه السّلام نافذ، سواء أ كانت صغيرة أم كبيرة، مع البناء على ولاية أبيها عليها، و سواء رضي الأب أم لا، فإنّ نفس تصرفهم كاشف عن ولايتهم مع عصمتهم «عليهم أفضل الصلاة و السلام» و عدم صدور مثل

______________________________

(1) الحديث من المتواترات بين الفريقين، انظر كتاب الغدير للوقوف على مصادره ج 1، ص 14- 158

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 551، الباب 3 من أبواب ولاء ضمان الجريرة و الإمامة، ح 4

(3) وسائل الشيعة، ج 18، ص 98- 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1

ص: 134

و مشهورة أبي خديجة (1)، و التوقيع الآتي «1» [1]، حيث علّل فيها حكومة الفقيه و تسلّطه على الناس «بأنّي (2) قد جعلته كذلك (3) و أنّه (4) حجتي عليكم» [2].

و أمّا الإجماع (5) فغير خفيّ.

______________________________

(1) و فيها: «فإنّي قد جعلته عليكم قاضيا» «2».

(2) متعلّق بقوله: «علّل» و قوله: «حيث» تقريب لولايتهم عليهم السّلام، حيث إنّ الفقيه جعل حاكما من قبله عليه السّلام، و أنّه حجة عنه عليه السّلام، و لا يمكن هذا الجعل إلّا مع كونه عليه السّلام واجدا لهذا المنصب العظيم الشامخ.

(3) أي: مسلّطا على الناس.

(4) معطوف على «انّي» و الضمير راجع إلى الفقيه.

(5) بل هو من الضروريات، لكن لا مسرح للاستدلال بالإجماع هنا، لعدم كونه دليلا مستقلّا حينئذ.

______________________________

هذه الأفعال منهم «صلوات اللّه عليهم» لا يدلّ على عدم ولايتهم على الأموال و الأنفس هو إثبات ولايتهم عليهم السّلام لإثباتها للفقيه لو دلّ دليل على ولايته.

[1] لم يظهر وجه المناسبة لذكر هذه الروايات الثلاث هنا، إذ المبحوث عنه هو إثبات الولاية المطلقة للمعصومين «عليهم الصلاة و السلام». و هذه الروايات قد استدلّ بها على ولاية الفقيه. إلّا أن يراد بها إثبات ولايتهم عليهم السّلام بالبرهان الإنّي، حيث إنّ ولاية الفقيه تدلّ على ولايتهم عليهم السّلام إنّا، لأنّ الفاقد لا يعطي. و لعلّه أشار إليه بقوله: «حيث علّل فيها حكومة الفقيه ..

إلخ».

[2] لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء و الإفتاء للفقيه، دون الولاية المطلقة. نعم تثبت الولاية الثابتة لقضاة العامة في زمان صدور

______________________________

(1) الآتي في ص 172

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 6

ص: 135

و أمّا العقل القطعي، فالمستقلّ (1) منه حكمه بوجوب شكر المنعم [1] بعد معرفة أنّهم أولياء النّعم، و الغير المستقلّ حكمه بأنّ الأبوّة إذا اقتضت وجوب إطاعة

______________________________

(1) المراد بالعقل المستقلّ هو حكمه مع الغضّ عن حكم الشرع. بخلاف العقل غير المستقلّ، فإنّه تابع لحكم الشرع، فإنّ وجوب إطاعة الأب شرعا على الابن اقتضى وجوب إطاعة الإمام عليه السّلام على الرّعيّة بالأولوية.

و تقريب حكم العقل المستقل بإطاعتهم و الانقياد لهم هو: أنّه لا ريب في كون ذواتهم المقدّسة وسائط الفيض الإلهي، فهم أولياء النعم، كما لا ريب في أنّهم عليهم السّلام أمناء اللّه على حلاله و حرامه. و العقل مستقلّ بلزوم شكر المنعم، و لا يتحقق إلّا بإطاعتهم و التسليم لهم، هذا.

______________________________

الروايات لقضاتنا، دون الولاية المطلقة. فهذه الروايات لا تدلّ إلّا على إعطاء هذين المنصبين للفقيه، و لا تدلّ على ولاية الإمام عليه السّلام كما هو مقصود المصنف قدّس سرّه فضلا عن ولاية الفقيه، فتدبّر.

[1] لم يظهر معنى لكون ولايتهم «صلوات اللّه عليهم»- بمعنى نفوذ تصرفاتهم- مصداقا للشكر الواجب عقلا على المكلف، بل مصداقه أعني فعل المكلف هو إطاعته لهم عليهم السّلام، لا فعلهم و هو تصرفهم عليهم السّلام.

إلّا أن يقال: إنّ الشكر الواجب عقلا على المكلف هو تنفيذ تصرفاتهم عليهم السّلام، و عدمه كفران النعمة القبيح عقلا.

مضافا إلى: أنّه إن أريد بالشكر الواجب عقلا إطاعة المنعم بما هو منعم اختصّ ذلك بإطاعة الأوامر و النواهي الإلزامية التكليفية، لأنّ في ترك إطاعتها خطر العقاب، و من المعلوم أنّ همّ العقل تحصيل المؤمّن منه. و لا يشمل حينئذ الوضعيات، كالعقود و الإيقاعات الصادرة منهم عليهم السّلام في أموال الناس و غيرها، فإنّ نفوذها خارج عن حكم العقل بلزوم الإطاعة.

ص: 136

الأب على الابن في الجملة، كانت (1) الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام على الرعيّة بطريق أولى، لأنّ (2) الحقّ

______________________________

(1) جواب الشرط في «إذا اقتضت».

(2) تعليل لحكم العقل غير المستقل، و محصله: أنّ حقّ الأب على الابن- و هو مجرد كونه مقدّمة إعدادية لوجود الابن و تكونه- إذا كان مقتضيا لوجوب إطاعة أوامره الشخصية شرعا، كان اقتضاؤه لوجوب إطاعتهم عليهم السّلام شرعا لأوامرهم الشخصية بالأولوية، لأقوائيّة مقدّميّتهم في مجاري الفيض التكويني و التشريعي من الأب، كما يتضح ذلك بملاحظة بعض الأدعية المأثورة [1].

______________________________

و إن أريد بالشكر الخضوع التام للمنعم في جميع الأمور، فلا بأس بشموله للوضعيات أيضا. لكن لا يعهد هذا الحكم من العقل.

فالاستدلال بوجوب شكر المنعم على الولاية المطلقة للمعصومين عليهم السّلام حتى تثبت للفقيه بأدلة الولاية مشكل، و إن كان في غيره من سائر الأدلة غنى و كفاية.

[1] الظاهر أنّ مراد المصنف قدّس سرّه بالأولوية ما ذكرناه من كون أقوائية مقدمية الإمام عليه السّلام في علل التكوين من مقدّمية الأب للولد في التكوّن و الوجود- التي هي بنحو الإعداد- موجبة لأولوية وجوب إطاعة الإمام عليه السّلام في أوامره الشخصية من وجوب إطاعة الولد لأبيه. و يشهد لإرادة المصنف لما ذكرناه قوله قبيل ذلك: «بعد معرفة أنّهم أولياء النعم» فإنّ حكم العقل المستقل و غير المستقل مبني على كونهم أولياء النعم و وسائط الفيض على الخلق كله.

فكأنّه قال: «كانت الإمامة مقتضية لوجوب طاعة الإمام الذي هو من أولياء النعم على الرعية بطريق أولى».

و بالجملة: فظاهر عبارة المتن كون مناط الأولوية هو أقوائية مقدمية الإمام عليه السّلام في مرحلة التكوين من مقدمية الأب في تكوين الولد، و التعبير عن الخلق بالرّعيّة للتنبيه على تفوقهم على جميع الخلق، و سلطنتهم على جميع شؤونهم.

ص: 137

هنا (1) أعظم (2) بمراتب، فتأمّل (3).

و المقصود من جميع ذلك (4)

______________________________

(1) أي: في مسألة النبوة و الإمامة.

(2) إذ ليس الأب إلّا كونه معدّا من معدّات وجود الابن و تكوّنه كما عرفت، بخلافهم «صلوات اللّه عليهم»، فإنّهم علل التكوين و مجاري الفيوضات و النعم بأسرها.

فلا بد أن تكون إطاعتهم عليهم السّلام أولى من إطاعة الابن لأبيه، و بيمنه عليه السّلام رزق الورى و بوجوده عليه السّلام ثبتت الأرض و السماء.

(3) لعله إشارة إلى: أنّ لزوم الإطاعة- الذي هو مفاد الأدلة- لا يثبت الولاية المقتضية لنفوذ التصرف في الأنفس و الأموال، لعدم التلازم بينهما.

أو إشارة إلى: أنّ وجوب إطاعة الأب على الابن لعلّه تعبد محض، و ليس بمناط ثبوت حقّ له حتى يتعدّى منه إلى الامام عليه السّلام بالأولوية. نظير وجوب إطاعة المملوك لمالكه مع عدم ثبوت حقّ له عليه في تكونه أو غيره.

أو إشارة إلى: عدم صحة قياس لزوم إطاعة الإمام عليه السّلام بإطاعة الأب، لعدم الدليل على وجوب إطاعته حتى يقاس عليه وجوب طاعة الإمام عليه السّلام بالأولوية، إذ الثابت هناك هو حرمة الإيذاء، فلا مانع من ترك إطاعة الأب إن لم يكن تركها إيذاء له.

(4) أي: و المقصود من الاستدلال بالأدلة الأربعة دفع توهّم اختصاص وجوب

______________________________

لا أنّ مناط الأولوية كون حقّ الامام على الرعية أعظم، كما استظهره من المتن بعض مدققي المحشين قدّس سرّه بقوله: «و هذا التقريب أولى ممّا ذكره قدّس سرّه من كون حق الامام على الرعية أعظم، فإنّ حيثية الإمامة و الرّعية حيثية التربية الرّوحانية بإخراجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، فهو ملاك آخر غير ملاك الأبوّة و المقدمية للتكوين. فاقتضاء حقّ لوجوب الإطاعة لا يلازم اقتضاء حقّ آخر لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية» «1» قوله: «فاقتضاء حق- و هو الأبوّة مثلا- لوجوب الإطاعة لا يلازم اقتضاء حق آخر- و هو حق الإمامة و الرعية- لوجوب الإطاعة شرعا بالمساواة فضلا عن الأولوية» فلاحظ و تدبّر.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 213

ص: 138

دفع ما يتوهّم من (1) أنّ وجوب إطاعة الإمام مختصّ بالأوامر الشرعية، و أنّه (2) لا دليل على وجوب إطاعته في أوامره العرفية أو سلطنته (3) على الأموال و الأنفس.

و بالجملة (4) فالمستفاد من الأدلّة الأربعة بعد التتبّع و التأمّل أنّ للإمام سلطنة مطلقة على الرعيّة من قبل اللّه تعالى، و أنّ تصرّفهم نافذ على الرّعية ماض مطلقا (5) [1].

هذا كلّه في ولايتهم (6) بالمعنى الأوّل (7).

______________________________

إطاعة الإمام عليه السّلام بالأوامر الشرعية، و عدم الدليل على وجوب إطاعته في الأوامر العرفية أو سلطنته على الأموال و الأنفس.

و بالجملة: الغرض من الاستدلال بالأدلة الأربعة إثبات الولاية المطلقة للإمام عليه السّلام على الرعية من اللّه سبحانه و تعالى، و أنّ كل تصرف منهم عليهم السّلام نافذ في الأموال و الأنفس.

(1) بيان ل «ما» الموصول في «ما يتوهم».

(2) معطوف على «ان» و الضمير (أنّه) للشأن.

(3) معطوف على «وجوب» و ضمائر «طاعته، أوامره، سلطنته» راجعة الى الإمام.

(4) يعني: و حاصل كلام المصنف قدّس سرّه هو: أنّ المستفاد من الأدلة الأربعة المتقدمة- بعد التتبع و التأمل- الولاية العامة و السلطنة المطلقة للإمام على الرّعية من قبل اللّه سبحانه و تعالى، و نفوذ تصرفاته في الأموال و الأنفس، و ينبغي أن يكون ذلك من الواضحات و إن كان استظهاره من بعض الأدلة مشكلا و مخدوشا.

(5) أي: في الأنفس و الأموال. و قوله: «و أنّ» معطوف على «أنّ».

(6) أي: ولاية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة المعصومين عليهم السّلام.

(7) و هو: استقلال المولى بالتصرف.

______________________________

[1] قد عرفت في التعليقة عدم تمامية دلالة بعض تلك الأدلة على مدعاه قدّس سرّه، و العمدة ما دلّ على أولوية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالمؤمنين من أنفسهم، و يتمّ في الأئمة عليهم السّلام بعدم الفصل، و في الأموال بالأولوية و عدم الفصل.

ص: 139

[ولايتهم بمعنى اشتراط تصرّف الغير بإذنهم]

و أمّا بالمعنى الثاني- أعني اشتراط تصرّف الغير بإذنهم (1)- فهو (2) و إن كان مخالفا للأصل (3)، إلّا أنّه قد ورد أخبار (4) خاصّة بوجوب الرجوع إليهم، و عدم جواز الاستقلال لغيرهم بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن [1] من الرّعية، كالحدود و التعزيرات، و التصرّف في أموال

______________________________

(1) أي: بإذن المعصومين عليهم السّلام.

هذا تمام الكلام في المقام الأول، أما المقام الثاني- و هو إثبات ولايتهم بمعنى دخل إذنهم في فعل الغير- فسيأتي.

(2) أي: المعنى الثاني من الولاية و هو اشتراط تصرف الغير بإذنهم.

(3) و هو أصل عدم اشتراط تصرف الغير بإذنهم «صلوات اللّه عليهم» و الأولى أن يقال: «و ان كان مخالفا للأصل أيضا».

(4) و هي بين ما يدلّ على وجوب طاعة الأئمة «عليهم الصلاة و السلام» مثل ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضا الرحمن تبارك و تعالى: الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى يقول:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطٰاعَ اللّٰهَ، وَ مَنْ تَوَلّٰى فَمٰا أَرْسَلْنٰاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً «1»» «2» و غير ذلك ممّا ورد بهذا المضمون «3».

______________________________

[1] بل المأخوذة أيضا على أشخاص معيّنين، كصلاة الميت التي هي واجبة كفاية على جميع المكلّفين، غاية الأمر أنّها تسقط بفعل بعضهم، فلا تختص الولاية بمعناها الثاني بالمصالح المطلوبة للشارع غير المأخوذة على شخص معيّن. و ليس هذا جامعا لما يشترط صحته بإذنهم عليهم السّلام.

و لعلّ مراد المصنف قدّس سرّه بقوله: «غير المأخوذة على شخص معيّن» ما يشمل الواجب الكفائي، لصدقه على عدم أخذه على شخص معيّن، في مقابل أخذه على الجميع، فتدبّر.

______________________________

(1) النساء، الآية 8

(2) الكافي، ج 1، ص 185 و 186 باب فرض طاعة الأئمة عليهم السّلام، ح 1

(3) المصدر، ح 3

ص: 140

..........

______________________________

و بعضها كرواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام تضمّن آيتي الإطاعة و ولاية الأمر، قال: «ذكرت له عليه السّلام قولنا في الأوصياء: أنّ طاعتهم مفترضة. قال: فقال:

نعم هم الّذين قال اللّه تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «1» و هم الّذين قال اللّه عزّ و جلّ إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا «2»» «3».

و قريب من ذلك سائر روايات الباب «4».

و بين ما يدلّ على أنّ الأئمة عليهم السّلام هم أهل الذكر الّذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم، كرواية عبد اللّه بن عجلان عن أبي جعفر عليه السّلام «في قول اللّه عزّ و جلّ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ* «5» قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الذّكر أنا، و الأئمة أهل الذكر.

و قوله عزّ و جلّ وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ «6». قال أبو جعفر عليه السّلام:

نحن قومه، و نحن المسؤولون «7».

و كرواية عبد الرحمن بن كثير، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون، قال: الذكر محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نحن أهله المسؤولون. قال: قلت: قوله:

و إنّه لذكر لك و لقومك و سوف تسألون، قال: إيّانا عنى، و نحن أهل الذكر و نحن المسؤولون» «8».

و قريب منهما سائر روايات الباب «9».

و محصل ما يستفاد من مجموع روايات البابين: أمران:

______________________________

(1) النساء، الآية 59

(2) المائدة، الآية 91

(3) الكافي، ج 1، ص 187، باب فرض طاعة الأئمة عليهم السّلام، ح 7

(4) المصدر، الحديث: 8 و 10 و 12 و ص 188، ح 12

(5) النحل، الآية 45

(6) الزخرف، الآية 43

(7) الكافي، ج 1، ص 210، باب أنّ أهل الذّكر الذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السّلام، ح 1

(8) المصدر، ح 2

(9) المصدر، ص 211، ح 3 و 4 و 7

ص: 141

القاصرين، و إلزام الناس بالخروج عن الحقوق، و نحو ذلك (1).

و يكفي في ذلك (2) ما (3) دلّ على أنّهم أولوا الأمر و ولاته، فإنّ الظاهر من

______________________________

أحدهما: أنّ أهل الذكر في الكتاب العزيز هم الأئمة المعصومون «صلوات اللّه عليهم أجمعين».

و الآخر: وجوب إطاعتهم على الخلق، لأنّ الأمر بالسؤال عنهم عليهم السّلام يستلزم وجوب قبول جوابهم. و لا يستفاد منها إلّا وجوب الإطاعة. و لا تدل على موضوع وجوبها، و أنّه ممّا يستقل به الإمام عليه السّلام أو ممّا يشترط في صحته إذنه عليه السّلام.

و لعل مراد المصنف قدّس سرّه بالأخبار الخاصة روايات اخرى.

و لعلّ ما يكون منها بكلمة «اللام»- نظير ما ورد في الحدود و التعزيرات من «أنّها لإمام المسلمين»- ظاهرا في الولاية بالمعنى الأوّل، و هو الاستقلال بالتصرف، لظهور اللام في الاختصاص. و ما يكون منها بلفظ الأولوية أو الأحقية و نحوهما- نظير ما ورد في صلاة الجنائز من «أن سلطان اللّه أحقّ بها من كل أحد»- ظاهرا في الولاية بالمعنى الثاني، و هو اشتراط تصرف الغير بإذنه، لكون صلاة الميّت واجبة كفائيّا على الجميع، و صحّتها من الغير مشروطة بإذن السلطان.

(1) كالتصرف فيما هو ملك المسلمين قاطبة كالأراضي الخراجية، و غير ذلك ممّا علم بوجوب التصرف فيه أو بمشروعيته، إذ مع العلم بمشروعيته و الشك في إطلاقها أو اختصاصها بالإمام عليه السّلام يكون مقتضى الأصل اعتبار إذنه عليه السّلام، لكون الشك في سقوط التكليف بعد العلم بثبوته، و أصالة التعيينية تقتضيها، فليتأمل [1].

(2) أي: في عدم جواز الاستقلال لغيرهم عليهم السّلام بالنسبة إلى المصالح المطلوبة للشارع التي لا يرضى الشارع بتعطيلها.

(3) فاعل «يكفي» و قد ورد ذلك في نصوص كثيرة، مثل ما رواه جابر الجعفي في

________________________________________

[1] وجهه: أنّه إن كان ذلك في زمان الحضور فلا بدّ من الرجوع إليه عليه السّلام، للتمكن من رفع الجهل بالرجوع إليه، و إن كان ذلك في زمان الغيبة، فيرجع إلى إطلاق الدليل إن كان. و الّا فلا مانع من أصالة عدم اشتراط الإذن الحاكمة على أصالة الاشتغال، لتسبّب الشك في الاشتغال عن الشك في الاشتراط الذي يرجع فيه إلى أصالة عدمه.

ص: 142

..........

______________________________

تفسيره عن جابر الأنصاري، قال: «سألت النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عن قوله يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ* عرفنا اللّه و رسوله، فمن اولي الأمر؟ قال: هم خلفائي يا جابر و أئمة المسلمين بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم محمّد بن على المعروف في التوراة بالباقر، و ستدركه يا جابر، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام. ثم الصادق جعفر بن محمّد، ثم موسى بن جعفر، ثم عليّ بن موسى، ثم محمّد بن علي، ثم عليّ بن محمّد، ثم الحسن بن عليّ، ثم سميّي و كنيّي [و ذو كنيتي] حجة اللّه في أرضه، و بقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، الذي يفتح اللّه على يده مشارق الأرض و مغاربها، ذاك الذي يغيب عن شيعته [و أوليائه] غيبة لا يثبت [فيها] على القول في إمامته، إلّا من امتحن .. قلبه بالإيمان» «1».

و تقريب الاستدلال: أنّ إطاعة اولي الأمر خصوصا مع اقترانه بطاعة اللّه سبحانه و تعالى و طاعة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تقتضي لزوم الرجوع إليهم في الأمور العامة الّتي يرجع فيها إلى من بيده أزمّة الأمور.

و ليس المراد ما قيل: من خصوص الأمور الراجعة إلى السلطنة و الخلافة، بدعوى «ظهور الأمر في- أولي الأمر- في الخلافة حتى يختصّ ذلك بما يتعلّق بشؤون السلطنة، كأخذ الخراج من الأراضي الخراجية، و جمع العسكر، و حفظ الثغور، و تجهيز الجيوش، و غير ذلك ممّا يتعلّق بأمر السلطنة و الخلافة، و لا يشمل كثيرا من الأمور غير المرتبطة بشؤون السلطنة، كالتصرف في أموال القصّر و التصدي للأوقاف العامة التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها، و غير ذلك من الأمور الحسبية التي ليست هي من شؤون السلطنة، و عليه فالدليل أخص من المدّعى، لخروج هذه الأمور الحسبية عن مفاد آية اولى الأمر».

و ذلك لما عرفت من ظهور إطاعة اولى الأمر في جميع الأمور سواء أ كانت متعلقة بأمر الخلافة و السلطنة أم غيره. و لا تكون الإضافة إلى الأمر قرينة على إرادة خصوص

______________________________

(1) بحار الأنوار، ج 23، ص 289، الباب 17 من كتاب الإمامة، ح 16، رواه عن اعلام الورى و المناقب، و لاحظ الحديث 2 و 3 و 13 و 17 و 28 و 29 و 30 و 41 و 48 و 49 و 53 و 60، و لاحظ الكافي أيضا، ج 1، ص 205 باب أن الأئمة عليهم السّلام ولاة الأمر.

ص: 143

هذا العنوان (1) عرفا من يجب الرجوع إليه في الأمور العامّة الّتي لم تحمل في الشرع على شخص خاصّ.

و كذا (2) ما دلّ على وجوب الرجوع في الوقائع الحادثة إلى رواة الحديث معلّلا «بأنّهم حجّتي عليكم و أنا حجة اللّه» «1» [1]

______________________________

الأمور القائمة بالخلافة و السلطنة، إذ مع الشك في قرينيّتها يتمسك بأصالة العموم أو الإطلاق الدافعة للشك في وجود القرينة و قرينية الموجود، من دون فرق بينهما، لحجية العام فيهما. و عدم رفع اليد عن الحجة إلّا بالحجة، نظير حجية العام في المخصص المجمل المفهومي المردّد بين الأقل و الأكثر، كمفهوم «الفاسق» المردّد بين مرتكب مطلق المعصية، و مرتكب الكبيرة، فإنّه مع احتمال قرينية الفاسق بمعناه المطلق على التخصيص يتمسّك بالعام، و لا يعبأ بهذا الاحتمال. فلا وجه لدعوى حجية العام في خصوص الشك في وجود القرينة.

(1) أي: عنوان اولى الأمر، فإنّ الرجوع إلى هذا العنوان ظاهر في الرجوع إلى اولى الأمر في الأمور العامة التي لم تحمل على شخص خاص. و هذا يشمل الواجب الكفائي و غيره، و لا يشمل الواجب العيني الذي حمل على كل شخص بعينه.

(2) معطوف على «ما دلّ على أنّهم أولو الأمر» و هذا هو الدليل الثاني على الولاية بالمعنى الثاني، و حاصله: أنّ التعليل في التوقيع الرفيع «بأن رواة الحديث- المراد بهم الفقهاء- حجتي عليكم و أنا حجة اللّه» يدلّ على أنّ الامام عليه السّلام هو المرجع الأصلي في

______________________________

[1] قد يقال: «الحجيّة تكون في تبليغ أمر، فيختص مدلولها في المقام بتبليغ الأحكام الشرعية، و لا يشمل التصرفات الشخصية في الأموال و النفوس، أو تصدّي المصالح العامة من الحكومة و فصل الخصومة، أو إجراء الحدود، فإنّ كلّ ذلك أجنبي عن مفهوم الحجية التي هي من الاحتجاج .. إلى أن قال: فالتوقيع الشريف أجنبي عن المدّعى» «2».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9، رواه عن الصدوق في إكمال الدين و عن الشيخ في الغيبة.

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 156

ص: 144

فإنّه دلّ على أنّ الإمام هو المرجع الأصلي [1].

______________________________

الحوادث، و أنّ الفقهاء- و هم الرواة المذكورون في التوقيع الشريف- منصوبون من قبله عليه السّلام. و المراد بالحوادث هي الأمور التي تحتاج إلى الرأي و النظر، كامور القاصرين، و تصدّي الأوقاف التي لا متولّي لها.

و ليس المراد بها المسائل الشرعية، بأن يكون الرواة أي الفقهاء مراجع في أحكامها.

إذ فيه أوّلا: أنّ المناسب حينئذ أن يقول عليه السّلام: «فإنهم حجج اللّه» كما يقال: الامناء على أحكامه، أو على حلاله و حرامه».

______________________________

أقول: لازم ما أفاده قدّس سرّه الالتزام بكون «الحجة» في قوله عليه السّلام: «و أنا حجة اللّه» بمعنى التبليغ فقط، مع شيوع إطلاق الحجة عليه و على كل واحد من الأئمة المعصومين «عليهم الصلاة و السلام». و لا وجه للتفكيك في معنى كلمة «الحجة» في التوقيع بين إطلاقها على الإمام عليه السّلام و على الرواة. فهل يمكن أن يقال: إنّ المراد بقوله عليه السّلام: «و أنا حجة اللّه» خصوص تبليغ الأحكام؟

فليس المراد بالحجة معناها اللغوي، بل معناها العرفي العام الموجب لإرادة معنى واحد من الحجة فيه عليه السّلام و في سائر الأئمة عليهم السّلام و في الرواة. و الفرق إنّما هو في الإضافة، حيث إنّ حجيّة الإمام عليه السّلام مضافة إلى اللّه سبحانه و تعالى، كما قال عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف: «و أنا حجة اللّه» و حجية الرواة مضافة إلى نفسه المقدسة، لقوله صلوات اللّه عليه:

«فإنّهم حجتي عليكم» و من وحدة مفهوم الحجة عرفا في حجية الامام و الرواة ينفتح باب بحث ولاية الفقيه، و يثبت له ما للإمام عليه السّلام من الولاية العامة، إلّا ما خرج بالدليل، فتأمّل جيّدا.

[1] لكن قد يدّعى إجمال «الحوادث» بتقريب: أنّ اللّام للعهد، فهو إشارة إلى الحوادث المذكورة في السؤال، و تلك الحوادث مجهولة لنا، لعدم وصول الأسئلة إلينا، فالتوقيع لإجماله يسقط عن الاعتبار.

و فيه: أنّ توصيف الحوادث ب «الواقعة» يدفع هذه الدعوى، إذ المراد بالواقعة ما يقع

ص: 145

و ما (1) عن العلل بسنده إلى الفضل بن شاذان عن مولانا أبي الحسن الرضا عليه السّلام في علل حاجة الناس إلى الإمام عليه السّلام، حيث قال بعد ذكر جملة من العلل:

______________________________

و ثانيا: أنّ رجوع الجاهل الى العالم أمر ارتكازي عقلائي لا يحتاج إلى السؤال خصوصا من مثل إسحاق بن يعقوب حتى يجعله من المسائل التي أشكلت عليه. بخلاف الرجوع في المصالح العامة، إذ يمكن أن لا يكون كلّ أحد مرجعا فيها، بأن يوكّل شخصا معيّنا من ثقاته للنظر في تلك الوقائع. و لذا سأله عن ذلك، فأجاب عليه السّلام بالرجوع إلى الرواة و هم الفقهاء، لا الرواة من حيث هم رواة، و إلّا كان المناسب أن يقول عليه السّلام:

«فارجعوا فيها إلى رواياتنا»، لأنّها المرجع الأصلي حينئذ. و النظر إلى الرواة طريقي.

(1) معطول على «ما دلّ على أنّهم أولوا الأمر» و هذه الرواية كغير واحدة من الروايات تدلّ على الولاية التشريعية للإمام عليه السّلام بكلام معنييها، من ولايته عليه السّلام بالاستقلال كالأمور القائمة بالسلطنة و الخلافة، و من ولايته عليه السّلام على الاستيذان منه في بعض الأفعال، مع أنّ المصنف جعل هذه الرواية من أدلّة الولاية بالمعنى الثاني، فلاحظ قوله قدّس سرّه: «و أمّا بالمعنى الثاني أعني اشتراط تصرف الغير بإذنهم .. إلخ».

______________________________

في المستقبل، فليس اللام للعهد، بل للاستغراق، هذا.

مضافا إلى: أنّه يمكن أن يقال: إنّ أصالة العموم تدفع الشك في وجود القرينة و قرينية الموجود، و ترفع الإجمال، فيكون المراد كلّ حادثة، سواء أ كانت ممّا يرجع فيه إلى الامام عليه السّلام بالاستقلال، أم ممّا يرجع فيه إليه للاستيذان منه، لتوقف صحة العمل على إذنه.

فلا يختص التوقيع بالولاية بمعناها الثاني، كما هو ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه، بل يشملها بكلا معنييها، لأنّ الرجوع إلى الفقيه أعمّ ممّا يكون له الولاية عليه بالاستقلال، أو يكون إذنه شرطا في صحة عمل الغير.

و بالجملة: عموم «الحوادث» المحلّى باللام، و إطلاق الرجوع يقتضيان إرادة الولاية بكلا معنييها.

ص: 146

«و منها: أنّا لا نجد فرقة من الفرق و لا ملّة من الملل عاشوا و بقوا «1» إلّا بقيّم و رئيس، لما لا بدّ لهم منه في أمر الدين و الدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم أن يترك الخلق بما «2» يعلم أنّه (1) لا بدّ لهم منه، و لا قوام لهم إلّا به» «3».

هذا، مضافا (2) إلى ما ورد في خصوص الحدود (3) و التعزيرات (4) و الحكومات (5)،

______________________________

(1) الضمير للشأن، و ضميرا «منه، به» راجعان إلى القيّم.

(2) هذا دليل آخر على الولاية بالمعنى الثاني، و هو: اشتراط صحة عمل الغير بإذنه عليه السّلام.

لكن الولاية في الحدود و التعزيرات و نحوهما إنّما هي بمعنى الاستقلال بالتصرف، لا بالمعنى الثاني المزبور. نعم تكون ولايته على صلاة الجنازة بالمعنى الثاني.

(3) كقوله عليه السّلام في معتبرة بريد بن معاوية الواردة في حدّ المحارب: «ذلك إلى الإمام يفعل ما يشاء». الحديث «4».

(4) مثل ما رواه سماعة في تعزير شهود الزور: «يجلدون حدّا ليس له وقت، فذلك إلى الإمام» «5».

(5) كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام: «اتّقوا الحكومة، فإنّ الحكومة إنّما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبيّ [كنبيّ] أو وصيّ نبيّ» «6».

______________________________

(1) كذا في النسخة، و في العلل: «بقوا و عاشوا».

(2) كذا في النسخة، و في المصدر «مما يعلم».

(3) علل الشرائع، ص 253، الباب 182، ذيل الحديث: 9، و رواه في البحار عنه و عن عيون أخبار الرضا، فراجع، ج 23، ص 32، باب الاضطرار إلى الحجة، ح 52

(4) وسائل الشيعة، ج 18، ص 533، الباب 1 من أبواب حدّ المحارب، ح 2

(5) المصدر، ص 584، الباب 11، الحديث: 1

(6) وسائل الشيعة، ج 18، ص 6، الباب 3 من أبواب صفات القاضي.

ص: 147

و «أنّها لإمام المسلمين [1]». و في (1) الصلاة على الجنائز من (2) «أنّ سلطان اللّه أحقّ بها (3) من كلّ أحد» و غير ذلك (4)

______________________________

(1) معطوف على «في» في قوله: «في خصوص الحدود» يعني: و ما ورد في الصلاة على الجنائز.

(2) بيان ل «ما ورد في الصلاة».

(3) أي: بالصلاة، و كلمة «من كل أحد» غير موجودة في النصوص و إن كانت مستفادة من حذف المفضّل عليه في ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: إذا حضر سلطان من سلطان اللّه فهو أحقّ بالصلاة عليها إن قدّمه وليّ الميت، و إلّا فهو غاصب» «1».

و دلالة هذه الرواية على ما رامه المصنف قدّس سرّه من اشتراط صحة الصلاة على الجنازة بإذن الإمام عليه السّلام- و لو في خصوص فرض تقديم وليّ الميت- واضحة.

و في رواية طلحة بن زيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا حضر الإمام الجنازة فهو أحقّ الناس بالصلاة عليها» «2». و ظاهر إطلاق «الأحقيّة» عدم اشتراطها بتقديم وليّ الميت و إذنه. و التفصيل موكول إلى محلّه.

(4) من الأمور الحسبية التي يتوقف جواز تصدّيها على إذنهم «صلوات اللّه عليهم».

و أمّا الأمور الراجعة إلى السلطنة فهي من الولاية بمعنى الاستقلال.

______________________________

[1] قد مرّ في بعض الحواشي المتعلقة بالمقام: أنّ أدلة الولاية ان كانت مشتملة على كلمة (اللام) نظير «أنّها لإمام المسلمين» فهو ظاهر في الولاية بمعناها الأوّل.

و إن كانت بكلمة «الأولى و الأحق» و نحوهما ممّا يدلّ على الاشتراك في المبدء فهو ظاهر في الولاية بالمعنى الثاني.

و منه يظهر: أنّ ما أفاده المصنف قدّس سرّه- من أدلة الولاية بالمعنى الثاني- لا يختصّ بها، بل يعمّ الولاية بكلا معنييها، فتأمّل في عباراته.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 2، ص 801، الباب 23 من أبواب صلاة الجنازة، ح 4

(2) المصدر، ح 3

ص: 148

ممّا يعثر عليه المتتبّع (1).

______________________________

(1) مثل ما ورد في حكم الزوجة المفقود زوجها- مع انقطاع خبره و عدم إنفاق وليّ الزوج عليها- من: أنّها ترفع أمرها إلى الامام. ففي موثق سماعة: «و إن لم تعلم أين هو من الأرض كلّها، و لم يأتها منه كتاب و لا خبر، فإنّها تأتي الإمام، فيأمرها أن تنتظر أربع سنين .. فإن لم تجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر و عشرا، ثم تحلّ للأزواج ..» «1».

و قال في الجواهر: «إنّ ظاهر هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام عليه السّلام لا حال قصورها ..» «2».

و في بعض النصوص التعبير «بالوالي و السلطان» بدل «الامام» لكنه غير قادح في المقصود، لورود نظير ذلك في ما يتعلق بالحدود و التعزيرات أيضا، مع أنّ المصنف جعلها من أدلة ولاية الإمام العامة.

و ما ورد في تقسيم الخمس بين الأصناف، كقوله عليه السّلام في معتبرة البزنطي: «أ رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كيف يصنع؟ أ ليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام» «3».

و ما ورد في الأنفال من قوله عليه السّلام: «و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «4».

و ما ورد في إجبار المولى على أحد الأمرين- من الرجوع أو الطلاق- مثل ما عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يجعل له حظيرة من قصب، و يجعله [و يحبسه] فيها، و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلّق» «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 390، الباب 44 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، ح 2 و بمضمونه نصوص اخرى وردت في ج 15، ص 389 الباب 23 من أبواب أقسام الطلاق.

(2) الجواهر، ج 32، ص 290

(3) وسائل الشيعة، ج 6، ص 362، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، ح: 1

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 1

(5) وسائل الشيعة، ج 15، ص 545، الباب 11 من أبواب الإيلاء، ح 1، و نحوه سائر أخبار الباب، فراجع.

و الخطيرة «الموضع الذي يحاط بالقصب و الخشب .. تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد و الريح» لسان العرب، ج 4، ص 203 و قريب منه في مجمع البحرين، ج 3، ص 273

ص: 149

و كيف (1) كان فلا إشكال في عدم جواز التصرّف في كثير من الأمور العامّة (2) بدون إذنهم و رضاهم (3). لكن لا عموم (4) يقتضي أصالة توقّف كلّ تصرّف على الإذن.

نعم (5) الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم، لا يبعد الاطّراد

______________________________

و كقوله عليه السّلام في الحكم بالهلال: «ذاك إلى الإمام، إن صمت صمنا» «1» بعد وضوح كون التقية في تطبيق العنوان على مثل الدوانيقي اللعين، و ليس التقية في ثبوت أصل المنصب للإمام الحق، كما قرر في محلّه.

(1) يعني: سواء أ كان الدليل وافيا بإثبات ولاية الإمام عليه السّلام في بعض الموارد الخاصة أم غير واف به، فإنّه لا إشكال في ثبوت ولايته عليه السّلام في كثير من الأمور العامة، و حرمة تصدّي الغير بدون إذنه.

(2) دون الأمور الشخصية الراجعة إلى العباد بأشخاصهم كواجباتهم العينية، و معاملاتهم من عقودهم و إيقاعاتهم.

(3) أي: بدون إذن الأئمة عليهم السّلام و رضاهم. و الوجه في عدم جواز التصرف بدون إذنهم «صلوات اللّه عليهم» هو امتناع الرجوع- في عدم اعتبار الإذن- إلى أصالة عدم الاشتراط، إذ المفروض إمكان إزالة الشبهة بالرجوع إلى الإمام عليه السّلام، كعدم الرجوع إلى إطلاق دليل لو كان للزوم الفحص عن المقيّد.

و بالجملة: فاللازم حينئذ الاحتياط، و عدم الرجوع إلى أصالة عدم الاشتراط.

(4) يعني: لا عموم في شي ء من أدلة تلك الأمور العامة يقتضي أصالة توقف كل تصرف على الإذن حتى يرجع إليها عند الشك في اعتبار الإذن.

(5) استدراك على قوله: «لكن لا عموم» و حاصله: أنّه و إن لم يكن هنا دليل يقتضي عموم توقف كل تصرف على الإذن. إلّا أنّه تمكن دعوى اطّراد الإذن في كل أمر يرجع فيه كلّ قوم إلى الرئيس، بأن يكون ذلك الأمر من وظائف و خصائص اولي الأمر،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 7، ص 95، الباب 57 من أبواب ما يمسك عنه الصائم، ح 5

ص: 150

فيها (1) بمقتضى كونهم (2) أولى الأمر و ولاته، و المرجع (3) الأصليّ في الحوادث الواقعة، و المرجع في غير ذلك (4) من موارد الشك (5) إلى (6) إطلاقات تلك التصرّفات إن وجدت على الجواز (7) أو المنع، و إلّا (8) فإلى الأصول العملية.

لكن حيث كان الكلام في اعتبار إذن الإمام أو نائبه الخاصّ مع التمكّن منه (9)

______________________________

دون الرّعية، فإنّ مقتضى اختصاصه بوليّ الأمر عدم جواز تصرف غيره بدون إذنه «سلام اللّه عليه».

(1) هذا الضمير و ضمير «فيها» المتقدم راجعان إلى: الأمور.

(2) أي: الأئمة عليهم السّلام، فإنّهم رؤساء، لكونهم اولى الأمر و ولاته.

(3) معطوف على «اولي الأمر» يعني: بمقتضى كون الأئمة المرجع الأصلي.

(4) أي: في غير تلك الأمور التي يرجع فيها كل قوم إلى رئيسهم. و الأولى أن يقال: «تلك» بدل «ذلك».

(5) أي: الشك في اعتبار إذن الإمام عليه السّلام في صحة تصرف الغير و عدمه.

(6) خبر «و المرجع» توضيحه: أنّ الأمور إن كانت ممّا يرجع فيه كل قوم إلى رئيسهم توقّف صحّتها على الإذن. و إن لم تكن من تلك الأمور، و شكّ في اعتبار الإذن فيها، فيرجع فيها إلى أدلة تلك التصرفات. فإن وجد فيها إطلاق يدل على جواز تصرف الغير بدون الإذن، أو يدلّ على عدم جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه السّلام فهو المتّبع.

و إن لم يوجد فيها إطلاق، و شكّ في اعتبار الإذن فيها فالمرجع الأصل العمليّ.

و هو أصالة عدم اعتبار الإذن.

لكن المفروض في المقام هو التمكّن من الرجوع إلى الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاص، و إزالة الشبهة، فلا تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي لا يرجع إليه مع وجود الدليل.

فلا بد في إحراز صحة العمل من الاحتياط.

(7) أي: جواز تصرف الغير بدون إذنه عليه السّلام، أو منع التصرف بدون الإذن.

(8) أي: و إن لم توجد إطلاقات على الجواز أو المنع، فيرجع إلى الأصول العملية.

(9) أي: من الرجوع إلى كل واحد من الإمام أو نائبه الخاص.

ص: 151

لم يجز إجراء الأصول، لأنّها (1) لا تنفع مع التمكّن من الرجوع إلى الحجّة، و إنّما تنفع (2) مع عدم التمكّن من الرجوع إليها (3) لبعض العوارض.

[ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف]
اشارة

و بالجملة: فلا يهمّنا التعرّض لذلك (4)، إنّما المهمّ التعرّض لحكم ولاية الفقيه بأحد الوجهين المتقدّمين (5)، فنقول:

أمّا الولاية (6) على الوجه الأوّل- أعني استقلاله في التصرّف- فلم يثبت بعموم عدا ما ربما يتخيّل (7) من أخبار واردة في شأن العلماء،

______________________________

(1) أي: لأنّ الأصول لا تجري مع التمكن من الرجوع إلى الحجة و رفع الشبهة بها.

(2) يعني: و إنّما تنفع الأصول العملية مع عدم التمكن من الرجوع إلى الحجة.

(3) أي: إلى الحجة لبعض العوارض كالتقية، أو الحبس الموجب لحرمان الشيعة عن التشرف بمحضره الشريف.

(4) أي: لثبوت ولاية الإمام عليه السّلام بل لا ينبغي لنا التعرض لذلك.

(5) و هما: الاستقلال في التصرف، و اشتراط تصرف الغير بإذنه.

(6) المراد بالولاية التي يبحث عن ثبوتها للفقيه و عدمه هو الاعتبارية التشريعية دون التكوينية التي هي من لوازم ذواتهم النورية، و ليست من المناصب المجعولة الشرعية، و لا ملازمة بينهما، و لذا لا تكون الولاية التكوينية للفقيه، و ليس لأحد ادّعاء ذلك، و إن قلنا بثبوت الولاية المجعولة شرعا له.

كما أنّه لا سنخية بينهما، لكون التكوينية حقيقية، و التشريعية اعتبارية، فهما متباينتان. فلا يقال: إنّ الولاية التكوينية التي هي أشد تستلزم الولاية التشريعية التي هي أضعف بالأولوية. بل ثبوتها محتاج الى الدليل، و لا تثبت بالأولوية المذكورة، لتوقفها على اندراجها تحت حقيقة واحدة ليجري فيها التشكيك بالشدة و الضعف.

(7) ما استدل به على ولاية الفقيه بمعنى الاستقلال في التصرف المتخيّل هو الفاضل النراقي قدّس سرّه، حيث إنّه جعل وظيفة الحاكم الشرعي في مقامين: «أحدهما: أنّ كلّ ما كان للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الامام عليه السّلام فهو للفقهاء، إلّا ما أخرجه الدليل.

و ثانيهما: أنّ كل فعل متعلّق بأمور العباد في دينهم أو دنياهم، و لا بدّ من الإتيان به

ص: 152

..........

______________________________

و لا مفرّ منه، إمّا عقلا، أو عاد من جهة توقف أمور المعاد أو المعاش لواحد أو جماعة عليه، و إناطة انتظام أمور الدين أو الدنيا به. أو شرعا من جهة ورود أمر به، أو إجماع، أو نفي ضرر أو إضرار و لم يجعل وظيفته لمعيّن واحد أو جماعة، و لا لغير معيّن- أي واحد- لا بعينه بل علم لابديّة الإتيان به أو الإذن فيه، و لم يعلم المأمور به و لا المأذون فيه فهو وظيفة الفقيه، و له التصرف فيه و الإتيان به» «1».

ثم استدلّ على ثبوت المنصب الأوّل للفقيه بالإجماع الذي نصّ به كثير من الأصحاب، بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات. و بالتصريح به في الأخبار من كونه وارث الأنبياء أو أمين الرسل .. و غيرهما ممّا سيذكره المصنّف عنه.

و وافقه صاحب العناوين قدّس سرّه في أصل الدعوى، اعتمادا على الإجماع و على بعض النصوص التي استند إليها في العوائد، و سيأتي ذكرها في المتن و إن ناقش في جملة منها بقصور الدلالة.

و استظهر صاحب العناوين هذه الولاية العامة من كلمات الأصحاب بالتتبّع في أبواب متفرقة، لا بأس بالإشارة إلى جملة منها، كدفع ما بقي من الزكاة في يد ابن السبيل بعد الوصول إلى بلده إلى الحاكم.

و وجوب دفع الزكاة ابتداء أو بعد الطلب إليه.

و ولايته في مال الامام عليه السّلام.

و توقف إخراج الودعي الحقوق على إذنه.

و توقف حلف الغريم على إذنه.

و ولايته في أداء دين الممتنع من ماله.

و في القبض في الوقف على جهات عامّة.

و في بيع الوقف حيث يجوز و لا وليّ له.

و في بيع الرهن المتسارع إليه الفساد بإذنه.

و في إجبار الوصيّين على الاجتماع.

و في ضمّ المعين إلى الوصي العاجز.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 536

ص: 153

مثل (1) «أنّ (2) العلماء ورثة الأنبياء، و أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما و لكن أورثوا أحاديث من أحاديثهم [1]،

______________________________

و في فرض المهر لمفوّضة البضع، و غيرها من الفروع. فراجع «1».

و إن كان قدّس سرّه قد جمع فيها بين ولاية الفقيه بمعنى استقلاله في التصرف و بين توقف تصدّي الغير على إذنه، و كان ينبغي الفرق بين المقامين، فراجع العوائد و العناوين متأمّلا فيهما.

(1) بيان ل «ما» و حاصله: أنّه لا عموم في البين يثبت الولاية بمعناه الأوّل بنحو الضابط الكلي إلّا ما يتخيل من أخبار واردة في شأن العلماء، استدل بها بعض على ولاية الفقيه، و قد نقل المصنف قدّس سرّه جملة من تلك الأخبار.

(2) و هو ما رواه في الكافي و أمالي الصدوق بأسانيد عديدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا إلى الجنة، و أنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به، و أنّه يستغفر لطالب العلم من في السماء» إلى أن قال: «و أنّ العلماء ورثة الأنبياء، أنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما، و لكن ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر».

تقريب الاستدلال به هو: أنّ قاعدة الإرث تقتضي انتقال كل ما للمورّث من مال

______________________________

[1] لا يخفى أنّ إطلاق الوراثة و إن كان مقتضيا لانتقال جميع ما للمورّث إلى الوارث، إلّا أنّ الإطلاق هنا غير مراد قطعا، للتصريح بأنّ الموروث ليس هو الدينار و الدرهم، بل ميراث الأنبياء هو العلم، فلا يدلّ هذا الحديث على ثبوت شي ء من الولاية بمعنييها للفقيه أصلا.

و ليس عدم دلالته على ولاية الفقيه لأجل إرادة الأئمة عليهم السّلام من العلماء، و ذلك لما في نفس الحديث من «أنّ الملائكة لتضع أجنحتها ..» فإنّ هذه الجملة و ما بعدها قرينة قطعية على عدم إرادة الأئمة الأطهار عليهم السّلام من العلماء. و تبيّن أيضا المراد من الوراثة، و أنّها هي العلم دون غيره من الولاية على الأنفس و الأموال التي هي مورد البحث.

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 562 و 563

ص: 154

فمن أخذ بشي ء منها أخذ بحظّ وافر» «1».

و «أنّ (1) العلماء أمناء الرسل».

______________________________

أو حقّ أو غيرهما إلى الوارث. فالولاية المطلقة التي هي للأنبياء تنتقل الى العلماء الّذين هم ورثتهم هذا.

لكن فيه: أنّ الحديث يبيّن موضوع الوارثة و هو خصوص العلم، فلا إطلاق في الوراثة حتى يشمل الولاية، فهو أجنبيّ عن ثبوت الولاية في الأنفس و الأموال.

(1) معطوف على قوله: «ان العلماء ورثة الأنبياء» و لم أجد في عدة من كتب الأخبار رواية باللفظ المذكور في المتن، و إن روي ذلك في بعض كتب العامة.

و لعلّ المصنف قدّس سرّه جمع بين روايتين أوردهما الفاضل النراقي، إحداهما: رواية إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «العلماء أمناء» «2».

و الأخرى رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا. قيل: يا رسول اللّه و ما دخولهم في الدنيا؟ قال:

اتّباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم» «3».

تقريب الاستدلال به: أنّ الأمين هو الحافظ لما أودع عنده، و الودائع التي أودعت عند العلماء من الرّعية هو جميع الشؤون المتعلقة بالرّعية، فالعلماء أمناء على جميع أمورهم و حفظ مصالحهم و دفع مفاسدهم، و الولاية من أعظم تلك الشؤون، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 53، الباب 8 من أبواب صفات القاضي، الحديث: 2، لكن الموجود في الوسائل عن الكافي: «و ذاك أن الأنبياء» نعم ورد في رواية القداح عن الصادق عن رسول اللّه أنه قال: «و أن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا .. دينارا و لا درهما، و لكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظّ وافر» البحار، ج 1، ص 164، الباب 2 من أبواب العلم و آدابه، فراجع. و اقتصر الفاضل في العوائد على الجملة الاولى و هي: «العلماء ورثة الأنبياء ..» و الظاهر أنّ المصنف جمع بين الروايتين، فلاحظ.

(2) أصول الكافي، ج 1، ص 33 باب صفة العلم و فصله و فضل العلماء، ح 5

(3) المصدر، ص 46، باب المستأكل بعلمه و المباهي به، ح 5، و رواه في مستدرك الوسائل عن نوادر الراوندي، فراجع، ج 13، ص 124، الباب 35 من أبواب ما يكتسب به، ح 8

ص: 155

و قوله (1) عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء باللّه، الأمناء على حلاله و حرامه» «1».

______________________________

و فيه: أنّ الظاهر كون المراد بالأمانة هو الدين أعني به الأحكام، و العلماء أمناء الرسل في تبليغ الأحكام إلى الرعية، و اتّباع السلطان يوجب الخيانة، و لذا قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«فاحذروهم على دينكم» أي: أحكامكم، لصيرورتهم خائنين.

(1) معطوف على «أن» فهو مجرور بإضافة «مثل» إليه، و هو ما روي عن مولانا الامام الشهيد أبي عبد اللّه الحسين صلوات اللّه عليه: «مجاري الأمور و الأحكام على أيدي العلماء باللّه و الامناء على حلاله و حرامه، فأنتم المسلوبون تلك المنزلة، و ما سلبتم ذلك إلّا بتفرقكم عن الحق، و اختلافكم في السنة بعد البيّنة الواضحة. و لو صبرتم على الأذى و تحمّلتم المئونة في ذات اللّه كانت أمور اللّه عليكم ترد، و عنكم تصدر، و إليكم ترجع.

و لكنّكم مكّنتم الظلمة من منزلتكم، و أسلمتم أمور اللّه في أيديهم ..» الحديث.

تقريب الاستدلال به: أنّ عطف «الأحكام» على «الأمور» ظاهر في المغايرة. كما أنّ المراد بالعلماء هم الفقهاء دون الأئمة المعصومين «صلوات اللّه عليهم أجمعين» لشهادة أكثر الجمل المذكورة فيه بذلك كما هو واضح لا يحتاج إلى البيان. فاحتمال إرادة الأئمة عليهم السّلام من العلماء- كما قيل- ضعيف غايته.

فيدلّ الحديث على أنّ مجاري الأمور المتعلقة بالحكومة الإسلامية- و كذا الأحكام الشرعية- يلزم أن تكون بيد العلماء، حيث إنّ الظاهر وقوع الجملة الخبرية في مقام الإنشاء.

و بالجملة: فظهور الحديث في ولاية الفقيه ممّا لا ينبغي إنكاره. نعم ضعف سند الرواية يمنع الاعتماد عليها.

______________________________

(1) تحف العقول طباعة طهران عام 1377، ص 238 من كلام سيد الشهداء صلوات اللّه و سلامه عليه أو أمير المؤمنين في الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و رواه عنه في البحار، ج 10، ص 80، ح 27

ص: 156

و قوله (1) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «علماء أمّتي كأنبياء بني إسرائيل» «1».

و في المرسلة (2) المرويّة في الفقه الرضويّ: «إنّ منزلة الفقيه في هذا الوقت كمنزلة الأنبياء في بني إسرائيل» «2».

و قوله (3) عليه السّلام في نهج البلاغة: «أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، إِنَّ أَوْلَى النّٰاسِ بِإِبْرٰاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ الآية» «3».

______________________________

(1) عدّ من أدلة ولاية الفقيه هذا النبوي، و الظاهر أنّ وجه الشبه فيه ليس هو الولاية على الأموال و الأنفس، لعدم ثبوتها في حق أنبياء بني إسرائيل، فإنّهم كما قيل كانوا مبلّغين لشريعة موسى عليه السّلام. و عليه فوجه الشبه هو الفضيلة و علوّ الدرجات.

و يؤيّده ما روي من: «أنّ العلماء أفضل من أنبياء بني إسرائيل».

(2) يعني: و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في المرسلة المروية في الفقه الرضوي. و دلالة هذا الرضوي على ولاية الفقيه في زمان عدم بسط يد الامام عليه السّلام ظاهرة. لكنها منوطة بثبوت الولاية على الأنفس و الأموال لأنبياء بني إسرائيل، و ذلك غير ثابت. مضافا إلى ضعف السند.

ثم إنّ الأولى بمقتضى السياق أن يقال: «و قوله في المرسلة» و لعلّ حذف كلمة «قوله» لكون المرسلة من كلام النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أيضا.

(3) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» أي: مثل قول أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه» و تقريب دلالته: أنّ مقتضى أولوية الأعلم بالأنبياء هو ثبوت جميع ما للأنبياء عليهم السّلام من الشؤون المتعلقة برسالتهم- التي منها الولاية على الأمّة- لأعلم الناس بما جاؤوا به، فإنّ الولاية التشريعية المجعولة من الشارع التي هي المبحوث عنها تكون من جملة ما جاء به

______________________________

(1) عوالي اللئالى، ج 4، ص 77، ح 67، و عنه في البحار، ج 2، ص 22، ح 67، و عنه و نقله المحدث النوري في المستدرك ج 17، ص 320، ح 30 عن العلامة في التحرير، ج 1، ص 3. و لكن ما في العوائد يختلف عمّا في المتن يسيرا، لقوله: «ما رواه في جامع الأخبار عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنه قال: أفتخر يوم القيامة بعلماء أمّتي فأقول: علماء أمّتي كسائر الأنبياء قبلي» عوائد الأيام، ص 532

(2) الفقه المنسوب الى الامام الرضا عليه الصلاة و السلام، ص 338، و عنه في البحار، ج 78، ص 346

(3) نهج البلاغة، ص 484، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السّلام الحكمة 96، و الآية من سورة آل عمران: 68

ص: 157

و قوله (1) صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ثلاثا: «اللّهم ارحم خلفائي. قيل: و من خلفاؤك يا رسول اللّه؟ قال: الّذين يأتون بعدي و يروون حديثي و سنّتي» «1».

و قوله (2) عليه السّلام في مقبولة ابن حنظلة: «قد جعلته عليكم حاكما» «2».

______________________________

الأنبياء عليهم السّلام، فجميع ما جاؤوا به من عند اللّه تعالى ثابت لأعلم الناس. فدعوى ظهور هذا الكلام في ثبوت الولاية قريبة جدّا.

لكن فيه: أنّه راجع إلى ولاية الأئمة عليهم السّلام لا الفقيه، لأنّ أعلم الناس بما جاء به الأنبياء عليهم السّلام ليس إلّا الأئمة الأطهار «عليهم صلوات اللّه الملك الغفار». فينبغي أنّ يعدّ هذا من أدلة ولايتهم عليهم السّلام لا ولاية الفقيه.

(1) تقريب الاستدلال به: أنّ الخلافة و إن كانت من الكلّيّات المشكّكة، إلّا أنّ مقتضى إطلاقها و عدم تقييدها بشأن خاص- كالقضاء بين الناس في قطع الدعاوي و الخصومات- هو ثبوت الولاية المطلقة الشرعية التي كانت للنبي الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لخلفائه عليهم السّلام. و المراد بالخليفة كان واضحا، و لذا لم يسأل الراوي عن مفهومها، و سأل عن أوصاف الخليفة و علائمها.

فلا يرد عليه: «أنّه في مقام بيان أنّ الخلفاء هم الرواة، و ليس في مقام بيان ما فيه الخلافة، فيؤخذ القدر المتيقن و هو تبليغ الأحكام و نقل الأحاديث». و ذلك لما عرفت من وضوح معنى الخليفة عرفا. و أمّا توصيفهم بأنّهم يروون حديثي فلأجل إخراج العلماء الّذين لا يستندون في علمهم إلى أحاديثهم عليهم السّلام، بل يستندون إلى الأقيسة و الاستحسانات.

و بالجملة: فدلالة هذا الحديث على ولاية الفقيه مطلقا إلّا ما خرج لا بأس بها، و اللّه العالم.

(2) هذا أيضا معطوف على «أنّ العلماء» و الاستدلال بالمقبولة على ولاية الفقيه منوط بعدم إرادة القاضي من الحاكم، و إلّا كان مساوقا لقوله عليه السّلام: «قاضيا» في مشهورة أبي خديجة. و من المعلوم إطلاق الحاكم على القاضي كثيرا، كما يظهر من الوسائل في كتاب القضاء، و من تفسير الحكّام في الآية الشريفة وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ بما في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 7

(2) وسائل الشيعة، ج 18، ص 98- 99، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 1

ص: 158

و في مشهورة أبي خديجة: «جعلته عليكم قاضيا» «1».

و قوله (1) عجّل اللّه فرجه: «هم حجّتي عليكم، و أنا حجّة اللّه» «2».

______________________________

المكاتبة من أنّه عليه السّلام كتب بخطّه: «الحكام القضاة». فالمستفاد المتيقن من المقبولة و المشهورة هو منصب القضاء، دون الولاية المطلقة للفقيه [1].

(1) يدل هذا التوقيع الشريف على أنّ الراوي- المراد به الفقيه- هو المرجع و الحاكم في كلّ حادثة يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم. و من المعلوم أنّ في «الحوادث» السياسيات و الشرعيات. و لا فرق فيها بين ما يرتبط بشخص خاصّ أو بنظام المجتمع كالمعاهدة مع الأجانب في إخراج المعادن و إجراء عقد الذمة و أخذ الجزية من أهل الذمة، و غير ذلك ممّا يرجع فيه إلى الحكومة. و هذا معنى كون الفقيه حاكما مطلقا من ناحية من هو حجة من اللّه تعالى و مسلّط على عوالم الوجود كلّها، أرواحنا فداه و عجّل

______________________________

[1] إلّا أن يقال: انّ لفظ «الحاكم» في صدر المقبولة ظاهر في السلطان الذي يحكم بين الناس بالسيف و السّوط، و ليس ذلك شأن القاضي. فالحاكم و إن أطلق أحيانا على القاضي، إلّا أنّ المراد به هنا هو السلطان بقرينة العطف الظاهر في المغايرة في كلام السائل، حيث قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا تنازعا في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان، أو إلى القضاة أ يحلّ ذلك؟» و الامام عليه السّلام قرّره على ذلك.

و الحاصل: أنّ مغايرة المعطوف و المعطوف عليه قرينة على عدم إرادة القاضي من السلطان، فإذا اجتمعا افترقا، و إذا افترقا اجتمعا. و جعل السلطان حاكما ظاهر في الولاية العامة الموجبة لإقامة الجمعة و إجراء الحدود، و أخذ الزكاة قهرا، و نظم البلاد، و غير ذلك ممّا هو شأن الحكومة، دون القاضي.

و عليه فما ذكرناه في (ص 135) من قولنا: «لكن الظاهر أنّ هذه الروايات الثلاث في مقام جعل منصبي القضاء و الإفتاء للفقيه دون الولاية المطلقة .. إلخ» لا يخلو من شي ء، فإنّ الأوفق بالقواعد العربية ما ذكرناه هنا، فتأمّل جيّدا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 100، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 6

(2) إكمال الدين، ص 484، الباب 45، ح 4، وسائل الشيعة، ج 18، ص 101، ح 9، رواه عن إكمال الدين و الغيبة.

ص: 159

إلى غير ذلك ممّا يظفر به المتتبّع (1).

[المناقشة في الأدلة على المدعى]

لكنّ الإنصاف بعد ملاحظة سياقها- أو صدرها أو ذيلها- يقتضي الجزم بأنّها (2) [1] في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية،

______________________________

اللّه عزّ و جلّ فرجه الشريف. و إشكال إجمال الحوادث قد تقدم مع دفعه في التعاليق السابقة، فلاحظ (ص 145- 146).

فالمتحصل: أنّ كل ما ثبت لحجة اللّه تعالى ثبت للفقهاء الّذين هم حجج حجة اللّه، و التفاوت بينه أرواحنا فداه و بين الفقهاء إنّما هو في إضافة الحجية، لأنّها بالنسبة إليه عليه السّلام مضافة إلى اللّه تعالى، لقوله صلوات اللّه عليه: «و أنا حجة اللّه». و بالنسبة إلى الفقهاء مضافة إلى نفسه المقدسة، لقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم». و الظاهر بحسب الفهم العرفي أنّه لا تفاوت بينهما بحسب الحكم، فلا يوجب اختلاف الإضافة اختلافا في مفهومها و لا في حكمها.

(1) ممّا جعله الفاضل النراقي قدّس سرّه في عداد الأدلة.

مثل ما رواه الكراجكي عن مولانا الصادق عليه السّلام أنه قال: «الملوك حكّام على الناس، و العلماء حكّام على الملوك» «1».

و ما رواه الشهيد قدّس سرّه في المنية «أنه تعالى قال لعيسى: عظّم العلماء، و اعرف فضلهم، فإنّي فضّلتهم على جميع خلقي إلّا النبيّين و المرسلين، كفضل الشمس على الكواكب، و كفضل الآخرة على الدنيا، و كفضلي على كل شي ء» «2». و غيرهما، فراجع العوائد «3».

(2) أي: بأنّ الروايات المذكورة. و غرض المصنف قدّس سرّه بيان ما استفاده من تلك الروايات، و تضعيف ما تخيّله البعض من دلالتها على ولاية الفقيه المطلقة.

______________________________

[1] لكن ظاهر بعضها كالتوقيع الرفيع ثبوت الولاية المطلقة للفقيه كما أشرنا إليه في التوضيح، حيث إنّ التفاوت في إضافة الحجية، و ذلك لا يوجب تفاوتا في مفهومها و لا في حكمها، فكل ما يثبت للحجة «صلوات اللّه عليه» من التبليغ و الولاية يثبت للفقيه إلّا ما خرج بالدليل.

______________________________

(1) كنز الفوائد، ج 2، ص 33.

(2) منية المريد، ص 121

(3) عوائد الأيام، ص 531- 533

ص: 160

لا كونهم (1) كالنبيّ و الأئمّة «صلوات اللّه عليهم» في كونهم أولى الناس في أموالهم.

فلو (2) طلب الفقيه الزكاة و الخمس من المكلّف فلا دليل على وجوب الدفع إليه شرعا.

نعم (3) لو ثبت شرعا اشتراط صحّة أدائهما بدفعه إلى الفقيه

______________________________

و حاصله: أنّ المستفاد منها- بعد ملاحظتها سياقا أو صدرا أو ذيلا- هو الجزم بأنّ تلك الروايات في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث تبليغهم للأحكام الشرعية، و عدم كونها في مقام بيان أنّ الفقهاء كالنبي و الأئمة الأطهار عليهم الصلاة و السلام في كونهم أولى الناس بأنفسهم و أموالهم كما هو المطلوب من ولاية الفقيه.

أمّا ما يدلّ سياقا من تلك الروايات على كون وظيفة الفقهاء تبليغ الأحكام الشرعية- و لا يدلّ على ولاية الفقيه- فهو كرواية الكافي و أمالي الصدوق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام حيث قال النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «من سلك طريقا يطلب فيه علما .. إلخ» فإنّ سياقه يشهد بأنّ المراد به العلماء المبلّغون للأحكام الشرعية، دون الأئمة عليهم السّلام. و نظيره غيره.

و إمّا ما يدلّ على ذلك صدرا فهو كالتوقيع و مقبولة ابن حنظلة و مشهورة أبي خديجة.

و أمّا ما يدلّ عليه ذيلا فهو ما ورد في تعيين ما ورثه العلماء من الأنبياء من العلم، لا الدرهم و الدينار.

(1) عطف على «بيان» أي: لا في مقام كونهم .. إلخ.

(2) هذا متفرع على كون وظيفة الفقهاء تبليغ الأحكام الشرعية فقط، و عدم ولايتهم، لأنّ وجوب الدفع إلى الفقيه- مع طلبه الخمس و الزكاة ممّن وجبا عليه- منوط بدليل آخر كالولاية، غير الدليل الأوّلي الدال على وجوبهما على المكلف، بل مقتضى إطلاق وجوبهما عليه هو اعتبار المباشرة، إلّا إذا قام الدليل على عدم اعتبارها.

(3) استدراك على قوله: «فلا دليل» و حاصله: أنّه يمكن أن يكون وجوب الدفع إلى الفقيه من جهة أخرى غير ولاية الفقيه، و هي فتوى الفقيه باشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه، فإنّه حينئذ يجب على المكلف اتباعه إن كان أعلم بناء على وجوب تقليد الأعلم، فإنّه يجب تقليده ابتداء، أو يجب تقليده بعد الاختيار، كما إذا تعدّد الفقهاء و لم يثبت أعلمية أحدهم، أو ثبتت و لكن لم يثبت وجوب تقليد الأعلم، فإنّه بعد الاختيار يجب تقليده تعيينا، بناء على كون التخيير ابتدائيا لا استمراريا.

ص: 161

مطلقا (1) أو بعد (2) المطالبة، و أفتى بذلك الفقيه، وجب (3) اتّباعه إن كان ممّن يتعيّن تقليده ابتداء أو بعد الاختيار (4)، فيخرج (5) عن محلّ الكلام (6).

هذا، مع (7) أنّه لو فرض العموم فيما ذكر من الأخبار، وجب حملها على إرادة

______________________________

(1) يعني: سواء طلب الفقيه، أم لا، فاشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه مطلق، و لا يتوقف على طلبه.

(2) يعني: أو كان اشتراط صحة أدائهما بالدفع الى الفقيه بعد المطالبة.

(3) جواب الشرط في قوله: «لو ثبت».

(4) قد عرفت المراد بهما فلا نعيد.

(5) أي: فيخرج اشتراط صحة أدائهما- بدفعه الى الفقيه- عن محل الكلام.

(6) إذ محلّ الكلام هو ثبوت الولاية للمجتهد حتى يجب دفع الخمس و الزكاة إليه مطلقا سواء طلبهما الفقيه أم لا، و سواء قلّده المكلف أم لا.

و لعلّ الأولى بسوق العبارة أن يقال: «أو بعد الاختيار، لكنه خارج عن محل الكلام».

(7) هذا وجه آخر لعدم استفادة كون الفقهاء كالنبي و الأئمة «صلوات اللّه عليهم أجمعين». و محصل هذا الوجه مع الغضّ عن الوجه الأوّل- من أنّ تلك الروايات تدل بملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها على أنّها في مقام بيان وظيفة الفقهاء من حيث الأحكام الشرعية- هو: أنّه لو فرض دلالة الأخبار المذكورة على كون الفقهاء كالنبي و الأئمة الطاهرين «عليهم الصلاة و السلام» في عموم الآثار، و أنّهم كالمعصومين حتى في الولاية على الأنفس و الأموال، وجب حمل تلك الأخبار على خلاف ظاهرها، و هو أظهر الآثار أعنى وظيفته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حيث الرسالة و التبليغ، إذ لو لم تحمل على هذا الأثر الخاص لزم تخصيص أكثر أفراد العام، و هو الولاية على الأموال و الأنفس، لوضوح عدم سلطنة الفقيه على أموال الناس و أنفسهم إلّا في موارد قليلة كالتصرف في أموال القصّر. و هذا المحذور يوجب صرف الكلام عن هذا الظهور، و حمله على إرادة الأثر الأظهر و هو تبليغ الأحكام، لأنّه يناسب الرسالة.

ص: 162

العام من الجهة [على إرادة الجهة] المعهودة المتعارفة من وظيفته صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من حيث كونه رسولا مبلّغا، و إلّا (1) لزم تخصيص أكثر أفراد العامّ، لعدم سلطنة الفقيه على أموال الناس و أنفسهم إلّا في موارد قليلة (2) بالنسبة إلى موارد عدم سلطنته (3).

و بالجملة (4) فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام- إلّا ما خرج بالدليل- دونه خرط (5) القتاد [1].

______________________________

(1) أي: و إن لم تحمل تلك الأخبار على الجهة المعهودة المتعارفة لزم تخصيص الأكثر، لعدم سلطنة الفقيه على الأنفس و الأموال، فليس له الأمر بسكنى شخص في محل خاص، أو النهي عنها، و أمره بتزويج بنته بشخص خاص، أو نهيه عنه، و نحو ذلك من الموارد التي لا تحصى.

(2) كالتصرف في أموال القاصرين و الأموال المجهول ملّاكها و نحو ذلك، و هذه الموارد في غاية القلة بالنسبة إلى الموارد التي لا سلطنة للفقيه عليها كما لا يخفى.

(3) أي: سلطنة الفقيه.

(4) غرضه أنّ الأخبار المذكورة قاصرة عن إثبات الولاية و وجوب طاعة الفقيه كإطاعة النبي و الإمام «صلوات اللّه و سلامه عليهما»، و ليس فيها دليل عام يدلّ على ولاية الفقيه بحيث يرجع إليه عند الشك في ولايته في مورد.

فصار المتحصل إلى هنا: أنّ المصنف قدّس سرّه لا يقول بولاية الفقيه بمعناها الأوّل.

و عليه فمار امه الفاضل النراقي و غيره- من إثبات ولاية الحاكم الشرعي مطلقا- قد عرفت عدم وفاء الدليل به.

(5) خبر قوله: «فأقامه» و هذا إشارة إلى صعوبة إثبات ولاية الفقيه، لعدم دليل تامّ عليها، لا من الأخبار المتقدمة و لا غيرها.

______________________________

[1] قدم تقدم في بعض التعاليق: أنّ بعض الروايات التي ذكرت في المتن تدلّ على ولاية الفقيه كالتوقيع الرفيع بعد دفع إشكال إجمال الحوادث.

نعم يبقى إشكال ضعف السند، لعدم ذكر محمّد بن إسحاق في كتب الرجال بمدح.

ص: 163

[ولاية الفقيه بمعنى إناطة تصرف الغير بإذنه]

بقي الكلام في ولايته على الوجه الثاني أعني توقّف تصرّف الغير على إذنه فيما كان متوقّفا على إذن الإمام عليه السّلام (1). و حيث إنّ موارد التوقّف على إذن الإمام عليه السّلام غير مضبوطة، فلا بدّ من ذكر ما يكون كالضابط لها (2)، فنقول:

كلّ (3) معروف علم من الشارع إرادة وجوده (4) [1].

______________________________

(1) ولاية الفقيه بمعنى إناطة تصرف الغير بإذنه بحيث يكون جواز تصدّي الغير له مشروطا بإذن الفقيه في الموارد التي يشترط فيها إذن الإمام «عليه الصلاة و السلام»، و لا يكون الغير مستقلّا بالتصرف فيه.

(2) أي: لتلك الموارد التي تكون الولاية فيها على الوجه الثاني ثابتة له عليه السّلام.

(3) مبتدء، خبره جملة الشرط و الجزاء، و هي «إن علم كونه ..».

(4) أي: وجود المعروف، و جملة «علم من الشارع» صفة ل «معروف».

______________________________

و إن تكلف بعض لإثبات وثاقته ببيان بعض الوجوه، من نقل محمّد بن يعقوب الكليني الذي هو أخو إسحاق بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي المرسل بادّعائه إلى الناحية المقدسة بواسطة أحد نوّاب الناحية. و لو كان إسحاق مجهولا عنده كان من البعيد جدّا نقل التوقيع عنه بلا إشارة إلى حاله.

و من نقل الشيخ الصدوق الرجالي المولود بدعاء صاحب الأمر أرواحنا فداه عن الكليني هذه الواقعة في إكمال الدين. و لذا نقل شيخ الطائفة هذا التوقيع في كتاب الغيبة.

و كذا الطبرسي في الاحتجاج، مع عدم إشارة هؤلاء الأجلاء على حاله.

و بالجملة: هذه الوجوه و غيرها ممّا ذكروه إن أوجبت الاطمئنان بوثاقة الرجل فهو، و إلّا فضعف السند باق على حاله.

[1] ظاهر العبارة أنّ المقسم هو كلّ معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج بحيث لا يرضى بتركه. فإن كان كذلك فلا يكون قوله: «و ان لم يعلم ذلك و احتمل .. إلخ» قسما من هذا المقسم، بل يكون قسيما له، إذ المفروض عدم العلم بإرادة الشارع إيجاده في الخارج. و احتمال اشتراط جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه.

و عليه فلا تخلو العبارة من اضطراب، لأنّ قوله: «و إن لم يعلم ذلك» بمقتضى السياق

ص: 164

في الخارج (1) إن علم كونه وظيفة شخص خاصّ كنظر الأب في مال ولده الصغير، أو صنف خاصّ كالإفتاء و القضاء، أو كلّ من يقدر على القيام به كالأمر بالمعروف

______________________________

(1) بحيث لا يرضى بتركه، بل لا بدّ من إيجاده في الخارج، سواء أ كان إيجاده وظيفة شخص خاص كالأب، حيث إن وظيفته النظر في مال ولده الصغير. أم كان إيجاده وظيفة صنف خاص كالإفتاء و القضاء اللذين هما وظيفتا الفقيه الجامع للشرائط. أم كان إيجاده وظيفة كلّ مكلف قادر عليه، كالأمر بالمعروف مع شرائطه.

______________________________

عدل لقوله: إن علم كونه وظيفة شخص خاص» مع أنّه ليس بسديد، لأنّه لو كان كذلك لزم أن يكون لقوله: «كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج» فردان:

أحدهما: أن يكون وجوده في الخارج وظيفة شخص أو صنف، أو كلّ قادر على القيام به.

و ثانيهما: أن لا يعلم إرادة الشارع وجوده في الخارج.

و هذا بمكان من الفساد، لاستلزامه فرديّة كلا المتناقضين لشي ء واحد، و هو ما علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، فلا محالة يكون قوله: «و إن لم يعلم ذلك» عدلا لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج. و ليس عدلا لما علم كونه وظيفة شخص خاصّ .. إلخ.

فالأولى إنشاء العبارة هكذا «كل معروف إن علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج من شخص خاص كالأب .. أو صنف خاص كالفقيه، أو كلّ من يقدر على القيام به، فلا إشكال في شي ء من ذلك. و ان لم يعلم ذلك أي: لم يعلم إرادة الشارع وجوده في الخارج و احتمل .. إلخ.

فيكون قوله: «و ان لم يعلم ذلك» عدلا لقوله: «إن علم من الشارع .. إلخ» و معطوفا عليه حتى لا يلزم خلل في المطلب، فلا بد من دخول إن الشرطية على قوله: «علم من الشارع» حتى يكون: «و إن لم يعلم» عدلا له.

ص: 165

فلا إشكال (1) في شي ء من ذلك (2). و إن لم يعلم ذلك (3) و احتمل كونه مشروطا في جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه، وجب (4) الرجوع فيه إليه.

ثمّ (5) إن علم الفقيه من الأدلّة جواز تولّيه، لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ، تولّاه (6) مباشرة أو استنابة [1] إن كان ممّن يرى الاستنابة فيه.

______________________________

(1) يعني: لا إشكال في عدم توقف هذه الأمور على إذن الفقيه، و عدم احتياج جواز تصدّيها إلى إذنه.

(2) أي: في تلك الأمور.

(3) أي: و إن لم يعلم إرادة الشارع وجود معروف في الخارج مطلقا، و احتمل كون ذلك المعروف مشروطا جوازه أو وجوبه بنظر الفقيه، وجب الرجوع إليه في ذلك المعروف المحتمل اشتراط وجوبه أو جوازه بنظر الفقيه. و ذلك لعدم العلم بإرادة الشارع وجوده في الخارج، فلو تصدّى لفعله بدون الرجوع إلى الفقيه كان ذلك تشريعا محرّما.

و دليل مشروعية «كل معروف حسن» لا يشمله، لكون الشبهة موضوعية.

(4) جواب «إن لم يعلم» و قد مرّ وجه وجوب الرجوع فيه إلى الفقيه.

(5) بعد عدم جواز التصدي لما يحتمل اشتراط وجوبه أو جوازه بنظر الفقيه و وجوب الرجوع إليه، فإذا رجع إلى الفقيه في ذلك، فإن استنبط من الأدلة عدم إناطته بنظر الامام عليه السّلام أو نائبه الخاص تصدّاه الفقيه بنفسه، أو بالاستنابة إن كان ممّن يجوّز الاستنابة فيه.

(6) جواب الشرط في «إن علم» و ضميره البارز و ضمير «تولّيه» راجعان إلى كلّ معروف.

______________________________

[1] هذا صحيح، لكنه يلائم الولاية بالمعنى الأوّل و هو الاستقلال بالتصرف، لا بمعناها الثاني أعني به توقف تصرف الغير على إذن الفقيه الذي هو مورد البحث. و لعلّ مراده من جواز تولّي الفقيه له مباشرة أو استنابة هو أنّ هذا المورد من موارد توقف تصدّي الغير على إذن الفقيه، فتدبّر.

ص: 166

و إلّا (1) عطّله [1] فإنّ (2) كونه معروفا

______________________________

(1) أي: و إن لم يعلم الفقيه جواز تولّيه و تصدّيه من الأدلة، و احتمل إناطته بنظر الامام عليه السّلام أو نائبه الخاص و عدم كفاية إذن نائبه العام، عطّله، لفقدان شرطه.

(2) إشارة إلى إشكال و دفعه. أمّا الإشكال فهو: أنّه مع فرض كون المورد معروفا كيف يجوز تعطيله؟ كما إذا كان الأمر بالمعروف موجبا لجرح تارك المعروف، فإنّ كونه

______________________________

[1] التعطيل قرينة على كون قوله: «و إن لم يعلم ذلك .. إلخ» عدلا لقوله: «كل معروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج» كما تقدّم آنفا، إذ لو كان عدلا لقوله: «إن علم كونه وظيفة شخص خاص ..» لم يلائم قوله: «عطّله» إذ لا معنى للتعطيل، مع كون المورد ممّا علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، فيكون قوله: «و إن لم يعلم ذلك» قسيما لقوله: «كل معروف» لا قسما له، لامتناع كونه قسما له كما مرّ آنفا.

و بالجملة: لو كان قوله: «و إن لم يعلم» قسما لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج، لم يكن وجه لتعطيل الواقعة، بل كان على الفقهاء أو عموم المسلمين إنفاذ حكمها، لتوجه التكليف إليهم، إذ المفروض العلم بإرادة الشارع وجوده في الخارج مطلقا و إن كان الإمام عليه السّلام غائبا أو متعذر الوصول إليه.

و بما ذكرنا- من كون قوله: «و إن لم يعلم ذلك» قسيما لما علم من الشارع إرادة وجوده في الخارج- يظهر عدم توجه إشكال العلامة الإيرواني قدّس سرّه على ما أفاده المصنف قدّس سرّه من تعطيل الواقعة بتعذر الوصول إلى الامام عليه السّلام. و حاصل الاشكال: أنّه مع فرض إرادة الشارع وجود الواقعة في الخارج لا وجه للتعطيل، بل لا بدّ من إيجادها الواجب على كافة المسلمين، أو خصوص الفقهاء «1».

نعم يرد هذا الإشكال بناء على كون قول المصنف: «و ان لم يعلم» قسما لمعروف علم من الشارع إرادة وجوده، لا قسيما له. و قد عرفت أنّه قسيم له، لا قسم له.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 157

ص: 167

لا ينافي (1) إناطته بنظر الإمام عليه السّلام و الحرمان (2) عنه عند فقده (3)، كسائر (4) البركات التي حرمناها بفقده عجّل اللّه تعالى فرجه.

و مرجع هذا (5) إلى الشكّ في كون المطلوب مطلق وجوده، أو وجوده من موجد خاصّ (6).

أمّا (7) وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة، فيدلّ عليه- مضافا إلى

______________________________

معروفا ينافي تعطيله.

(1) و أمّا دفع الإشكال فهو ما أشار إليه بقوله: «لا ينافي» و حاصله: أنّه لا ينافي معروفية المعروف إناطته بنظر الامام عليه السّلام، كما إذا كان الإذن شرطا لصحته كصلاة الميت التي هي من المعروف، و مع ذلك تكون صحتها مشروطة بإذن الولي. فمجرد كونه معروفا لا يسوّغ تصديه.

(2) مبتدء خبره «كسائر» و هذا إشارة إلى إشكال و دفعه.

أمّا الإشكال فهو: أنّه مع كون الفعل معروفا كيف يجوز للفقيه ترك التصدي له؟

فإنّ تركه حرمان. و ضمير «عنه» راجع الى المعروف.

(3) أي: فقد الامام عليه السّلام.

(4) و أمّا دفعه فهو ما أشار إليه بقوله «كسائر البركات» و حاصله: أنّ هذا الحرمان كالحرمان عن سائر البركات التي حرمنا عنها بسبب غيبته «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف»، فلا يختص الحرمان بهذا الأمر المعروف المشروط بإذنه عليه الصلاة و السلام.

(5) أي: بكون مرجع علم الفقيه من الأدلة بجواز تولّي الحكم- و عدم علمه به- إلى الشك في مطلوبية وجوده من أيّ شخص حصل، أو من شخص خاصّ و هو الإمام عليه السّلام حتى لا يجوز لغيره التصدّي له.

(6) و هو الامام صلوات اللّه عليه أو نائبه الخاص.

(7) غرضه إقامة الدليل على وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور التي لا تناط بنظر الإمام أو نائبه الخاص. و أشار إليها بقوله: «ثم ان علم الفقيه من الأدلة جواز تولّيه لعدم إناطته بنظر خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ .. إلخ».

ص: 168

ما يستفاد من جعله (1) حاكما، كما في مقبولة ابن حنظلة «1» الظاهرة في كونه (2) كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة (3) إليه، و الانتهاء فيها (4) إلى نظره (5). بل (6) المتبادر عرفا من نصب السلطان حاكما وجوب الرجوع في الأمور العامّة المطلوبة للسلطان إليه (7). و إلى (8) ما تقدّم

______________________________

(1) أي: من جعل الفقيه حاكما.

(2) أي: كون الفقيه في قوله عليه السّلام: «قد جعلته عليكم حاكما» و حاصل ما أفاده قدّس سرّه: أنّ جعل الفقيه حاكما في مقبولة ابن حنظلة ظاهر- بمعونة نصب الحكّام في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- في إلزام الناس بإرجاع الأمور العامّة المطلوبة للسلطان إلى الحاكم، في وجوب الرجوع في تلك الأمور إلى الفقيه، كوجوب الرجوع فيها إلى الحكّام المنصوبين في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(3) أي: الأمور التي يرجع فيها كلّ قوم إلى رئيسهم.

(4) أي: في الأمور المذكورة، و ضمير «إليه» راجع إلى الحاكم.

(5) أي: نظر الحاكم، و بالجملة: فيكون الفقيه المنصوب من قبل الامام عليه السّلام كالحاكم المنصوب في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في وجوب الرجوع إليه في جميع الأمور المذكورة.

(6) توضيحه: أنّ نفس نصب السلطان حاكما- مع قطع النظر عن نصب الحكّام في زمانه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- ظاهر عرفا في ذلك، و هذا هو الفارق بين هذا التقريب و سابقه، فإنّ دعوى الظهور في التقريب الأوّل مستندة إلى لحاظ كيفية نصب الحكّام في زمان الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بخلاف دعوى الظهور في التقريب الثاني، فإنّها مستندة إلى ظهور نفس النصب عرفا في ذلك.

(7) أي: إلى الحاكم المنصوب من السلطان.

(8) معطوف على قوله: «إلى ما يستفاد» يعني: و مضافا إلى ما تقدم من قوله .. إلخ.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 18، ص 99، الباب 11، ح 1

ص: 169

من (1) قوله عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء باللّه الامناء على حلاله و حرامه» «1» (2)- التوقيع (3) [1] المرويّ في إكمال الدين و كتاب الغيبة و احتجاج «2» الطبرسي الوارد (4) في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب،

______________________________

(1) مفسّر ل «ما» الموصول.

(2) قد تقدم ما يستفاد من هذه الأدلة في (ص 154 الى 160).

(3) فاعل قوله في (ص 168): «فيدل» يعني: فيدلّ على وجوب الرجوع إلى الفقيه في الأمور المذكورة التوقيع الرفيع.

(4) صفة ل «التوقيع».

______________________________

[1] لا يخفى أنّه قد أورد على الاستدلال بهذا التوقيع الشريف بوجوه:

الأوّل: ضعف السند، لعدم ذكر محمّد بن إسحاق في كتب الرجال بمدح. و قد تقدم في (ص 164) بعض ما يتعلق بترجمته.

الثاني: إجمال الحوادث الواقعة، لاحتمال إرادة حوادث خاصة مذكورة في الأسئلة التي لم تصل إلينا. قال سيّدنا الأستاذ قدّس سرّه: «و أما التوقيع الرفيع فإجمال الحوادث المسؤول عنها مانع من التمسك به .. إلخ» «3». و قد تقدم في (ص 145) هذا الاشكال و دفعه، فلاحظ.

الثالث: أنّ الثابت بهذا التوقيع وجوب الرجوع إلى الفقهاء في تعلّم الأحكام الشرعية، لأنّه المناسب للحجة التي هي بمعنى الاحتجاج كما أشير إليه سابقا.

و فيه: أنّ الثابت به كلّ ما يرجع فيه إلى الامام عليه السّلام من الأحكام التكليفية و الوضعية و غيرها، فيندرج فيها جميع المسائل المستحدثة من إحداث الشوارع في أملاك الناس كالدور و الخانات و الدكاكين، و في الموقوفات العامة و الخاصة، و توسعة المساجد

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 156

(2) إكمال الدين، ص 484، الباب 45، ح 4، كتاب الغيبة، ص 29، الفصل 4، ح 247، الاحتجاج، ج 2، ص 283، و نقله عنها صاحب الوسائل في ج 18، ص 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، ح 9

(3) نهج الفقاهة، ص 300 و 301

ص: 170

التي ذكر «إنّي سألت العمري (1) رضى اللّه عنه أن يوصل إلى الصاحب عجّل اللّه فرجه الشريف كتابا فيه (2) تلك المسائل التي قد أشكلت عليّ، فورد التوقيع بخطّه عليه آلاف الصلاة و السلام

______________________________

(1) هو ثاني النوّاب الأربعة، و هم: أبو عمرو عثمان بن سعيد الأسدي، و أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري، و أبو القاسم حسين بن روح النوبختي، و أبو الحسن علي بن محمّد السّمري «رضوان اللّه تعالى عليهم».

(2) أي: في ذلك الكتاب.

______________________________

و المشاهد و البلاد التي تترتب عليها أحكام خاصة. فهل يترتب على ما الحق بها تلك الأحكام أم لا؟

و كذا يندرج فيها مسائل التشريح و التأمين و السرقفلية، و المعاهدة مع الأجانب في استخراج المعادن من النفط و الذهب و الفضة و غيرها ممّا لا يحصى كثرة، فإنّ عموم الجمع المحلّى باللام- و هي الحوادث- يشمل الجميع بلا عناية. كشمول سائر ألفاظ العموم لجميع مصاديق معانيها، هذا.

ثم إنّ هنا احتمالين:

أحدهما: أنه يبعد سؤال مثل إسحاق عن الأحكام الشرعية، مع كون السؤال عنها مركوزا عند العقلاء، فلا ينبغي أن يقال: إنّ إسحاق سأل عن الأحكام الشرعية الثابتة للحوادث الواقعة.

و فيه: أنّ احتمال إرجاع الإمام عليه السّلام في أحكام تلك الحوادث إلى شخص معيّن من ثقاته كاف في صحة السؤال. هذا مضافا إلى سؤال غير واحد من فقهاء الرواة عن الأئمة الأطهار عليهم السّلام، كما لا يخفى على من راجع تراجم الرواة. كسؤال أحمد بن إسحاق- الذي هو من الأجلة- و إرجاعه إلى العمري و ابنه.

و ثانيهما: ما في المتن من: «أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها .. إلخ» و سيأتي ما فيه عند شرح المتن إن شاء اللّه تعالى.

ص: 171

في أجوبتها، و فيها (1) «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه».

فإنّ (2) المراد «بالحوادث» ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس، مثل (3) النظر في أموال القاصرين لغيبة (4) أو موت أو صغر أو سفه.

______________________________

(1) أي: و في الأجوبة قوله عليه السّلام: «و أمّا»، و ضمير «أجوبتها» راجع الى المسائل.

(2) هذا تقريب الاستدلال، و حاصله: أنّ المراد بالحوادث ليس خصوص الأحكام الشرعية، بل مطلق الأمور التي لا محيص عن الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس، فالرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة- بما لها من الشؤون- مأمور به، من دون خصوصية لأحكامها الشرعية.

و بالجملة: الرجوع إلى الفقيه في الحوادث الواقعة لا يراد به الرجوع إليه في إيجادها، إذ المفروض وقوعها خارجا، فالأمر بإيجادها أمر بتحصيل الحاصل، فلا بدّ أن يراد بالرجوع إليه الرجوع في شؤون الحوادث الواقعة. و حيث إنّه لم يعيّن شي ء من تلك الشؤون، فلا محيص عن إرادة جميعها ممّا يرجع فيها إلى الإمام «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» من الأحكام الشرعية و غيرها من العرفية، كتأمين الطرق و البلاد، و العقلية كالمعاهدات الدولية، و نحو ذلك ممّا يرجع فيه إلى الرئيس.

و لا وجه لرمي الحوادث بالإجمال مع كون الامام عليه السّلام في مقام بيان الوظيفة.

و منه يظهر غموض ما أفاده سيّدنا الأستاد قدّس سرّه من قوله: «فالمراد إمّا إيكال حلّها، أو إيكال الشأن اللازم فيها إليه. و تعيّن الثاني غير ظاهر» «1».

(3) هذا مثال الحكم الشرعي.

(4) متعلق ب «القاصرين» و مبيّن لمنشإ القصور.

______________________________

(1) نهج الفقاهة، ص 301

ص: 172

و أمّا تخصيصها (1) بخصوص المسائل الشرعية، فبعيد من وجوه:

منها (2) أنّ الظاهر [1] وكول نفس الحادثة إليه ليباشر أمرها مباشرة أو استنابة، لا الرجوع (3) في حكمها (4) إليه.

و منها (5) التعليل «بكونهم حجّتي عليكم و أنا حجّة اللّه» فإنّه (6) إنّما يناسب

______________________________

(1) أي: تخصيص «الحوادث» بخصوص المسائل الشرعية كما قيل- و عدم شمولها لسائر شؤونها، حتى يدلّ التوقيع على الولاية- بعيد من وجوه.

(2) أي: من تلك الوجوه المبعّدة: أنّ الظاهر وكول نفس الحادثة إلى الفقيه. و قد مر في التعليقة امتناعه.

(3) معطوف على «نفس» أي: لا وكول الرجوع في حكم الحادثة إلى راوي الحديث المراد به الفقيه الجامع للشرائط.

(4) أي: حكم الحادثة إلى الفقيه، كما ذهب إليه بعض كسيدنا الأستاد قدّس سرّه، كما تقدم في (ص 172).

(5) أي: و من الوجوه- المبعّدة لإرادة المسائل الشرعية من «الحوادث»- هذا التعليل، و هو قوله عليه الصلاة و السلام: «فإنّهم حجّتي عليكم».

(6) أي: فإنّ التعليل. و هذا تقريب الاستدلال به على عدم إرادة المسائل الشرعية من «الحوادث» و حاصله: أنّ إضافة الرواة إلى نفسه المقدسة بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم» ظاهرة في أنّ المرجوع إليهم هو النظر و الرأي دون الأحكام الشرعية، و إلّا كان المناسب إضافتهم إلى اللّه تعالى، بأن يقول عليه السّلام: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا في أحكامها الشرعية إلى رواة حديثنا، لأنّهم حجج اللّه».

______________________________

[1] كيف يكون هذا ظاهر الكلام مع ما أشير إليه في التوضيح من أنّ إيكال نفس الحادثة إلى الفقيه عبارة أخرى عن الأمر بتحصيل الحاصل؟ فلا بدّ من إرادة شؤون الحادثة، كما مرّ في التوضيح. مع أنّ العبارة الوافية بإرجاع نفس الحادثة إلى الفقيه هي كلمة «فأرجعوها» بصيغة باب الإفعال.

ص: 173

الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر [1]، فكان هذا (1) منصب ولاة الإمام من قبل نفسه. لا أنّه (2) واجب من قبل اللّه سبحانه على الفقيه بعد غيبة الإمام، و إلّا كان المناسب أن يقول: «إنّهم حجج اللّه عليكم» كما وصفهم في مقام آخر (3) بأنّهم أمناء اللّه على الحلال و الحرام.

______________________________

(1) أي: كون المرجع في تلك الأمور هو الرأي و النظر منصب ولاة الامام عليه السّلام من قبل نفسه المقدسة.

(2) يعني: لا أنّ هذا المنصب واجب من قبله سبحانه و تعالى على الفقيه بعد غيبة الإمام عليه السّلام، و إلّا كان المناسب أن يقول: «إنّهم حجج اللّه» كما وصفهم الامام بذلك في حديث آخر.

(3) و هو ما تقدم في (ص 156) عن تحف العقول ممّا روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أو عن السبط الشهيد عليه السّلام فراجع.

______________________________

[1] التعليل بكونهم «حجتي عليكم» يدل على استناد حجية الفقهاء إلى نفسه المقدّسة، و أنّهم وسائط بينه عليه الصلاة و السلام و بين الخلق، كما أنّه «عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» واسطة بين اللّه تعالى شأنه و بين عوالم الوجود كلّها. و لا يستفاد من إضافة حجية الفقهاء إلى نفسه المقدّسة أزيد من ذلك.

و أمّا الأمور التي يرجع فيها إلى الفقهاء فهي تستفاد من عموم الحوادث، و إطلاق الأمر بالرجوع إليهم. و قد مرّ في بعض التعاليق أنّ الأمور التي يرجع فيها إلى الفقيه هي جميع شؤون الحوادث، كما أفاده المصنف قدّس سرّه في (ص 172) بقوله: «بل مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها عرفا أو عقلا أو شرعا إلى الرئيس».

ثم إنّه لم يظهر منشأ لقوله قدّس سرّه: «فإنّه إنما يناسب الأمور التي يكون المرجع فيها هو الرأي و النظر». فإن كان منشؤه نفس لفظ «الحجة» ففيه: أنّ التفكيك في معناها بين إطلاقها عليه عليه السّلام و إطلاقها على الفقهاء منوط بدليل مفقود، بل وحدة السياق تقتضي اتحاد المراد منها في كلا الإطلاقين. و إن كان منشؤه إضافة الحجة إلى نفسه المقدسة، بقوله: «فإنهم حجتي عليكم» ففيه: أنّه يكفي في صحة الإضافة كون الفقهاء وسائط بينه عليه السّلام و بين الخلق، من دون حاجة إلى التصرف في معنى الحجة.

ص: 174

و منها (1) أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء الذي (2) هو من بديهيّات الإسلام من السّلف إلى الخلف ممّا (3) لم يكن يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب حتّى يكتبه (4) في عداد مسائل أشكلت عليه. بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامّة إلى رأي أحد و نظره، فإنّه (5) يحتمل أن يكون الإمام عليه السّلام قد وكله (6) في غيبته إلى (7) شخص أو أشخاص من ثقاته في ذلك الزمان (8).

______________________________

(1) أي: و من الوجوه الدالة على بعد إرادة خصوص المسائل الشرعية من «الحوادث»: أنّ وجوب الرجوع في المسائل الشرعية إلى العلماء ممّا لا يحتاج الى البيان، لكونه من بديهيات الإسلام، و لا ممّا يخفى على مثل إسحاق بن يعقوب، حتى يكتبه في جملة المسائل التي أشكلت عليه. و هذا بخلاف وجوب الرجوع في المصالح العامة إلى شخص و نظره، إذ من المحتمل أن يكل عليه السّلام وجوب الرجوع فيها إلى البعض المعيّن من ثقاته عليه السّلام في زمان الغيبة. و هذا الاحتمال يصلح أن يكون داعيا إلى السؤال.

و الحاصل: أنّ هذا الوجه يقتضي أن يكون الرجوع إلى الرواة الفقهاء في المصالح العامة التي يرجع كل قوم فيها إلى رئيسهم، دون المسائل الشرعية.

(2) صفة ل «وجوب الرجوع».

(3) خبر قوله: «أن وجوب» و المراد بالموصول المسائل الشرعية.

(4) الضمير المستتر راجع إلى إسحاق، و الضمير البارز إلى وجوب الرجوع.

(5) الضمير للشأن.

(6) أي: وكل الإمام عليه السّلام وجوب الرجوع في المصالح العامة- في عصر غيبته- إلى شخص أو أشخاص من ثقاته.

(7) هذا و كذا «في غيبته» متعلّقان ب «وكله».

(8) أي: في زمان غيبته عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف.

ص: 175

و الحاصل [1]: أنّ الظاهر أنّ لفظ «الحوادث» ليس مختصّا بما اشتبه حكمه (1)، و لا بالمنازعات (2).

ثمّ (3) إنّ النسبة بين مثل هذا التوقيع (4) و بين العمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف لكلّ أحد (5)

______________________________

(1) حتى يكون التوقيع مختصا بباب رجوع الجاهل إلى العالم، و هو التقليد.

(2) حتى يختصّ بباب القضاء و فصل الخصومة.

(3) الغرض من بيان هذا المطلب دفع توهم، و هو: أنّ أدلة ولاية الفقيه و إن دلّت على ولاية الفقيه في الأمور المذكورة، لكنها تسقط بمعارضتها بالعمومات الظاهرة في إذن الشارع في كلّ معروف، و عدم توقفه على الرجوع إلى الفقيه و الاستيذان منه، و سيأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى.

(4) و هو التوقيع الصادر لإسحاق بن يعقوب، و المراد بمثل هذا التوقيع سائر أدلّة الولاية المتقدمة.

(5) الظاهر في العموم الاستغراقي الشامل لموارد ولاية الفقيه.

______________________________

[1] مقتضى السياق هو كون «الحاصل» خلاصة الوجه الثالث من الوجوه المبعّدة لإرادة المسائل الشرعية من الحوادث. و عليه فحاصل ما يقتضيه السياق هو أنّ ما يرجع فيه إلى الفقيه هو خصوص الأمور العامة. و هذا غير الحاصل الذي ذكره في المتن.

نعم ما أفاده فيه بقوله: «ان الظاهر أنّ لفظ الحوادث ليس مختصّا بما اشتبه حكمه ..»

هو الحق الموافق لما أفاده في (ص 172) بقوله: «فان المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور التي لا بدّ من الرجوع فيها .. إلخ».

و لا يبعد أن يكون مراده بقوله: «و الحاصل» ما استظهره بقوله: «فإن المراد بالحوادث ظاهرا مطلق الأمور .. إلخ» و إن كان ذلك خلاف السياق، خصوصا مع عدم رد هذا الوجه المبعّد.

ص: 176

مثل قوله عليه السّلام: «كلّ معروف صدقة» «1» و قوله عليه السّلام: «عون الضعيف من أفضل الصدقة» «2» و أمثال ذلك (1) و إن كانت (2) عموما من وجه،

______________________________

(1) لعلّ المقصود منه ما سيأتي في ولاية عدول المؤمنين (ص 195) من كلام الشهيد قدّس سرّه، من جواز أن يتولّى المؤمنون التصرف عند تعذر الحكّام، لما دلّ على الأمر بالتعاون بالبرّ و التقوى «3»، و للنبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «و اللّه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» «4». إذ المستفاد منها كون إعانة الضعيف من أفضل الصدقة، فيجوز لكلّ أحد التصدّي لذلك، فراجع «5».

(2) خبر قوله: «إن النسبة» و بيان كون النسبة عموما من وجه هو: أنّ لدليلي الولاية و الإحسان و الإعانة مورد اجتماع و موردي افتراق، كما هو شأن العامّين من وجه في سائر الموارد.

أمّا مورد اجتماعهما فكبيع أموال القاصرين و نحوه من الأمور الحسبية التي هي إحسان و إعانة، فإنّ دليل ولاية الفقيه يقتضي جواز تصدّيها لخصوص الفقيه دون غيره، و دليل الإحسان و الإعانة يقتضي جواز التصدي لكلّ أحد، و عدم توقفه على إذن الفقيه.

و أمّا مورد الافتراق من طرف دليل الإحسان، فكالمستحبات من الصدقات، و إصلاح ذات البين، و زيارة الأموات، و غيرها، فإنّها إحسان لا يتوقف جواز فعلها على إذن الفقيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 522، الباب 1 من أبواب فعل المعروف، ح 5 و ص 522، ح 10، و ج 6، ص 323، الباب 42 من أبواب الصدقة، ح 4، و ص 321، ح 1 و 2.

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 108، الباب 59 من أبواب جهاد العدو، ح 2، و فيه: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: عونك الضعيف .. فلاحظ.

(3) المائدة، الآية 2.

(4) نقل عن سنن ابن ماجة، ج 1، ص 82، الباب 17 من أبواب المقدمة، ح 225

(5) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 406 و 407

ص: 177

إلّا (1) أنّ الظاهر حكومة هذا التوقيع عليها (2)، و كونها (3) بمنزلة المفسّر الدالّ على وجوب الرجوع (4) إلى الإمام عليه السّلام أو نائبه في الأمور العامّة التي يفهم عرفا دخولها تحت الحوادث الواقعة و تحت عنوان الأمر (5) في قوله أُولِي الْأَمْرِ.

______________________________

و أمّا من طرف دليل الولاية فكمنصبي الإفتاء و القضاء، فإنّه ليس لغير الفقيه التصدي لهما.

و التعارض في مورد الاجتماع يوجب سقوط الدليلين، فلا يبقى لولاية الفقيه دليل، هذا حاصل التوهم.

(1) هذا إشارة إلى دفع التوهم المذكور، و حاصله: منع التعارض، و إثبات حكومة توقيع إسحاق على أدلة الإحسان و الإعانة.

(2) أي: على العمومات الدالة على الإحسان و الإعانة و نحوهما.

(3) معطوف على «حكومة» و ضميره راجع إلى التوقيع، و الأولى تذكيره و إرجاعه إلى «حكومة»- كما قيل- غير مناسب كما لا يخفى.

و كيف كان فتقريب حكومة التوقيع- و مثله من أدلة ولاية الفقيه- هو: أنّ التوقيع و نظائره تضيّق دائرة موضوع تلك العمومات و تقيّده بانّ للإمام عليه السّلام أو نائبه حقّا في تلك الأمور، بحيث لا تكون إحسانا و إعانة بدون الرجوع إليه عليه السّلام أو نائبه، لأنّهما بدون رعاية هذا الحق ليسا بإحسان و لا إعانة. فنتيجة هذه الحكومة هي خروجهما عن عنوانهما بدون إذن الامام عليه السّلام أو نائبه.

و بالجملة: الإحسان و الإعانة لا يحسنان مع مزاحمة حقّ الغير، فمع المزاحمة لا تشملهما عمومات الإحسان و الإعانة حتى يقع التعارض بينها و بين أدلة ولاية الفقيه حتى تتساقطا و لا يبقى لولاية الفقيه دليل.

(4) بحيث يكون هذا الرجوع قيدا مقوّما لموضوعات عمومات الإحسان و الإعانة.

(5) كما في قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و قد تقدم في (ص 132 و 141).

ص: 178

و على تسليم التنزّل (1) عن ذلك، فالمرجع بعد تعارض العمومين إلى أصالة عدم مشروعيّة ذلك المعروف مع (2) عدم وقوعه عن رأي وليّ الأمر، هذا.

لكن المسألة (3) لا تخلو عن إشكال، و إن كان الحكم به (4) مشهوريّا.

و على أيّ تقدير (5) فقد ظهر ممّا (6) ذكرنا: أنّ ما دلّت عليه

______________________________

(1) يعني: و بناء على التنزل عن حكومة التوقيع على عمومات أدلة الإحسان و الإعانة- و تسليم التعارض بين التوقيع و تلك العمومات- يكون المرجع بعد التساقط أصالة عدم مشروعية ذلك المعروف، لا أصالة عدم اعتبار إذن الإمام عليه السّلام، لأنّه إنّما يكون فيما إذا علم بإرادة الشارع إيجاده في الخارج، و كان الشك في اعتبار إذن الامام عليه السّلام فيه.

ثم إنّ نتيجة أصالة المشروعية اعتبار إذن الإمام عليه السّلام أو نائبه في ذلك المعروف.

(2) متعلق بأصالة عدم مشروعية ذلك المعروف، فكأنه قال: «فالمرجع إلى أصالة ..

حين عدم وقوع ذلك المعروف عن رأي وليّ الأمر».

(3) أي: مسألة الولاية المطلقة للفقيه لا تخلو عن إشكال، و إن كان الحكم بثبوت الولاية للفقيه مشهورا بين الأصحاب. بل يظهر من الفاضل النراقي قدّس سرّه كون المسألة إجماعية، حيث قال «حيث نصّ به كثير من الأصحاب بحيث يظهر منهم كونه من المسلّمات» «1».

(4) أي: بوجوب الرجوع في الأمور المذكورة إلى الفقيه الذي هو مقتضى الولاية.

(5) أي: سواء قلنا بحكومة التوقيع أم بتعارض العمومين، و الرجوع إلى أصالة عدم مشروعية المعروف بدون إذن الفقيه، فقد ظهر .. إلخ.

(6) الموصول إشارة إلى ما ذكره في (ص 169) بقوله: «في مقبولة ابن حنظلة الظاهرة في كونه كسائر الحكّام المنصوبة في زمان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الصحابة في إلزام الناس بإرجاع الأمور المذكورة إليه .. إلخ».

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 536

ص: 179

[ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها]

هذه الأدلّة (1) هو ثبوت الولاية للفقيه في الأمور التي تكون مشروعيّة إيجادها في الخارج مفروغا عنها، بحيث لو فرض عدم الفقيه كان على الناس القيام بها كفاية.

و أمّا (2) ما يشكّ في مشروعيته- كالحدود لغير الإمام، و تزويج الصغيرة لغير الأب و الجدّ، و ولاية المعاملة على مال الغائب بالعقد عليه، و فسخ العقد الخياريّ عنه (3)، و غير ذلك-، فلا يثبت من تلك الأدلّة (4) مشروعيّتها للفقيه، بل لا بدّ للفقيه من استنباط مشروعيّتها من دليل آخر (5).

نعم (6)،

______________________________

(1) و هي أدلة الولاية، و حاصله: أنّ مدلول أدلة ولاية الفقيه هو ولايته في الأمور التي ثبتت مشروعية إيجادها في الخارج، كتجهيز الأموات التي لا وليّ لها، و حفظ أموال القاصرين، و الموقوفات التي ليس لها متولّ منصوص من قبل واقفيها، و نحو ذلك ممّا علم بمشروعية إيجادها في الخارج، و عدم جواز تعطيلها و إهمالها، بحيث لو فرض عدم فقيه وجب على الناس القيام بها كفاية. هذا إذا علم بمشروعية إيجادها في الخارج.

(2) و أمّا إذا شكّ في مشروعية إيجادها في الخارج بدون إذن الإمام عليه السّلام- كالحدود و التعزيرات، و تزويج الصغيرة بدون إذن الأب و الجدّ، و معاملة مال الغائب ببيعه و نحوه، و فسخ العقد الخياري عن الغائب، إذا كان له خيار في عقد- فلا يثبت من أدلة ولاية الفقيه مشروعيتها للفقيه، بل لا بدّ من استنباط مشروعيّتها له من دليل آخر غير أدلة الولاية.

(3) أي: عن الغائب، و قوله: «فلا يثبت» جواب قوله: «و أمّا ما يشك».

(4) أي: أدلة ولاية الفقيه، و ضمير «مشروعيتها» راجع إلى الأمور المذكورة من الحدود و تزويج الصغيرة، إلى آخر ما هناك.

(5) أي: غير أدلة ولاية الفقيه.

(6) استدراك على عدم ثبوت مشروعية الحدود و غيرها ممّا ذكر للفقيه من أدلة ولاية الفقيه. و حاصل الاستدراك: أنّ تلك الأمور تثبت الولاية عليها و على غيرها- كالولاية على الأنفس و الأموال- للإمام عليه السّلام.

ص: 180

الولاية على هذه (1) و غيرها ثابتة للإمام عليه السّلام بالأدلّة المتقدّمة (2) المختصّة به، مثل آية أولى بالنّاس من أنفسهم «1». و قد تقدّم (3) أنّ إثبات عموم نيابة الفقيه عنه في هذا النحو (4) من الولاية على الناس- ليقتصر في الخروج عنه (5) على ما خرج بالدليل- دونه خرط القتاد.

و بالجملة (6) فهاهنا مقامان:

______________________________

(1) أي: الأمور المذكورة من الحدود و تزويج الصغيرة و غيرها.

(2) و هي الكتاب و السنة و الإجماع و العقل. و هذه الولاية هي الولاية المطلقة الثابتة للإمام عليه السّلام بالخصوص دون غيره، فإنّها ثابتة له، و مختصة به عليه السّلام بمثل قوله تعالى النَّبِيُّ أَوْلىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.

(3) في (ص 163) بقوله: «و بالجملة فأقامه الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام إلّا ما خرج بالدليل دونه خرط القتاد».

لا يقال: إنّ الآية المذكورة تثبت ولاية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و مفروض الكلام هو ولاية الإمام عليه السّلام.

فإنّه يقال: قد ثبت بالأدلة أنّ الامام كالنبيّ عليهما السّلام في الولاية المطلقة بلا كلام و لا إشكال.

(4) و هو الولاية العامّة كولاية الإمام عليه السّلام على الناس حتى يكون الخروج عن عمومها محتاجا إلى الدليل الخاصّ، كغيره من العمومات.

(5) أي: عن عموم ولاية الفقيه الجامع للشرائط.

(6) و حاصل الكلام: أنّ في ولاية الفقيه بالمعنى الثاني- و هو توقف تصرف الغير على إذنه- مقامين ثبوتا:

أحدهما: وجوب إيكال المعروف المأذون فيه- أي المعروف الذي ثبت إيجاد مشروعيته في الخارج- إلى الفقيه، على ما مرّ منه في (ص 164).

______________________________

(1) الأحزاب، الآية 6، و هي: «النبي أولى بالمؤمنين» لا «بالناس» كما في المتن.

ص: 181

أحدهما: وجوب إيكال المعروف المأذون [1] فيه إليه (1) لتقع (2) خصوصيّاته (3) عن نظره و رأيه (4) كتجهيز الميّت الذي لا وليّ له، فإنّه يجب (5) أن تقع خصوصيّاته (6)- من (7) تعيين الغاسل و المغسل، و تعيين شي ء من تركته للكفن، و تعيين المدفن- عن (8) رأي الفقيه.

الثاني (9): مشروعيّة تصرّف خاصّ في نفس أو مال أو عرض.

______________________________

(1) متعلق ب «إيكال» و الضمير راجع الى الفقيه.

(2) تعليل لوجوب إيكال المعروف الى الفقيه.

(3) هذا الضمير و ضمير «فيه» راجعان الى المعروف.

(4) هذا الضمير و ضمير «نظره» راجعان إلى الفقيه.

(5) أي: يجب بمقتضى ولايته- أي: توقف المعروف على إذنه- أن تقع عن إذنه خصوصيات التجهيز الذي هو من المعروف الذي ثبتت مشروعيّة إيجاده في الخارج.

(6) أي: خصوصيات التجهيز.

(7) بيان ل «خصوصياته».

(8) متعلق ب «تقع».

(9) أي: المقام الثاني من مقامي ولاية الفقيه ثبوتا هو: استقلاله بتصرف خاص في نفس، كإجراء حدّ أو في مال كبيع مال غائب، أو في عرض كتزويج صغيره لا وليّ لها. و الأنسب بالسياق أن يقول: «ثانيهما» في مقابل «أحدهما».

______________________________

[1] لعلّ الأولى تبديله ب «المعروف المحتاج إلى إذن الفقيه» أو ب «المعروف الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج» حيث إنّه مورد ولاية الفقيه، إذ لو كان المراد بالمأذون فيه مشروعية إيجاد المعروف لغير الفقيه لم يصحّ جعله بنحو الإطلاق موردا لولاية الفقيه، كالمستحبات من الصدقات و غيرها ممّا ليس موردا لولايته حتى يجب إيكاله إلى الفقيه، لما مرّ مرارا من أنّ مورد ولاية الفقيه الجامع للشرائط هو كلّ معروف ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج بحيث لا يرضى الشارع بتركه، حتى لو لم يكن فقيه وجب على المؤمنين إيجاده.

ص: 182

و الثابت (1) بالتوقيع و شبهه هو الأوّل دون الثاني، و إن كان الإفتاء في المقام الثاني بالمشروعيّة و عدمها أيضا من وظيفته (2)، إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلّة السابقة (3) على المشروعيّة.

نعم (4) لو ثبتت أدلّة النيابة عموما تمّ (5) ما ذكر (6).

ثمّ إنّه قد اشتهر في الألسن و تداول في بعض الكتب رواية (7) «أنّ السلطان وليّ من لا وليّ له».

______________________________

(1) هذا مقام الإثبات، و حاصله: أنّ الثابت بأدلة ولاية الفقيه من توقيع إسحاق بن يعقوب المتقدم في (ص 172) و غيره من أدلتها هو المقام الأوّل الذي ثبتت مشروعية إيجاده في الخارج، دون المقام الثاني الذي لم تثبت مشروعيّته كذلك، و إن كان الحكم بمشروعيّته و عدمها أيضا من وظائف الفقيه، إلّا أنّ أدلة الولاية التي هي من أدلة الأحكام الثانوية تقصر عن الدلالة على الأحكام الأولية، فلا بدّ من استنباط المشروعية و عدمها من أدلة أخرى.

(2) أي: وظيفة الفقيه.

(3) أي: أدلة ولاية الفقيه من التوقيع الرفيع و غيره.

(4) استدراك على قوله: «إلّا أنّ المقصود عدم دلالة الأدلة السابقة». و حاصل الاستدراك: أنّ أدلة النيابة إن كان لها عموم بأن تدلّ على عموم النيابة للفقيه- بمعنى دلالتها على أنّ كلّ ما ثبت من الولاية للإمام عليه السّلام ثابت للفقيه- جاز للفقيه أن يتصرف في الأنفس و الأموال و الأعراض، و لا نحتاج في إثبات مشروعيتها إلى أدلة أخرى، بل نفس عموم أدلة النيابة كاف في إثباتها.

(5) جواب «لو ثبتت» و «عموما» تمييز ل «ثبتت» أي: من جهة عمومها.

(6) من مشروعية المقام الثاني من الولاية- و هي استقلال الفقيه بالتصرف في الأنفس و الأعراض و الأموال- بسبب عمومات أدلة الولاية.

و بالجملة: فمشروعية المقام الثاني من الولاية منوطة بعموم دليل الولاية.

(7) فاعل «اشتهر و تداول» و هذه الرواية عدّها الفاضل النراقي قدّس سرّه من أدلة ولاية الفقيه، لقوله: «السابعة عشر ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كتب الخاصة و العامة أنّه قال:

ص: 183

..........

______________________________

السلطان وليّ من لا وليّ له».

و استدلّ به في المستند على ولاية الحاكم على تزويج فاسد العقل، فقال: «و المراد من له السلطنة، و النائب العام كذلك» «1».

و ذكره العلّامة و الشهيد الثاني و غيرهما قدّس سرّهم، و اعتمد عليه في الجواهر، فراجع «2». قال العلّامة في أولياء العقد: «و لا نعلم خلافا بين العلماء في أنّ للسلطان ولاية تزويج فاسد العقل، و به قال مالك و الشافعي و إسحاق و أبو عبيده و أصحاب الرأي.

لقول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: السلطان وليّ من لا ولي له» ثم قال: «قد بيّنا أنّ المراد بالسلطان هو الإمام أو حاكم الشرع، أو من فوّضا إليه. و ليس لوليّ البلد ولاية النكاح، لأنّ الولاية عندنا مشروطة بإذن الإمام أو نائبه».

و قال السيد العلامة المراغي قدّس سرّه قدّس سرّه في العناوين: «و منها- أي من أدلة ولاية الفقيه- ما دلّ على أنّ العلماء أولياء من لا ولي له ..» «3». و لكن لم أظفر في الكتب الفقهية و لا في إرشاد الديلمي على هذا المتن، و لعلّه قدّس سرّه ظفر بذلك أو نقله بالمعنى.

و كيف كان فلا ريب في أنّ المراد بالسلطان هو من له السلطنة الحقة على غيره، لبدلية «اللام» عن المضاف إليه المحذوف، و هو اللّه عزّ و جلّ، فهو نظير ما تقدم في (ص 148) من التصريح بالمضاف إليه كما في رواية السكوني: «إذا حضر سلطان من سلطان اللّه فهو أحقّ بالصلاة عليه». و من المعلوم أنّ جعل السلطنة للولي الجائر لا يلائم هذه الإضافة.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 534، مستند الشيعة، ج 16، ص 143، و وردت هذه الجملة في إرشاد القلوب للديلمي قدّس سرّه في ما يراد من كلمة «الولي» فقال: «كقولهم: لا نكاح إلّا بولي، و السلطان وليّ من لا وليّ له» و ظاهر العطف صدور الجملتين من المعصوم عليه السّلام، فلاحظ: إرشاد القلوب، ج 2، ص 252. و نقل عن جملة من كتب العامة كمسند احمد و سنن أبي داود و البيهقي و غيرها، فراجع هامش المسالك و العوائد.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 592 (الحجرية)، مسالك الأفهام، ج 7، ص 147، كشف اللثام، ج 1، كتاب النكاح، ص 10 (الحجرية)، جواهر الكلام، ج 29، ص 188.

(3) العناوين، ج 2، ص 570

ص: 184

و هذا (1) أيضا بعد

______________________________

و لكن اختلف الفقهاء قدّس سرّهم في أنّ من له الولاية على غيره هل هو خصوص الإمام الأصل أي المعصوم عليه السّلام، أم عموم من له السلطنة الحقة، فيشمل الفقيه المأمون؟ مقتضى كلام غير واحد- من توقف ولاية الفقيه في بعض الموارد كقبض سهم الامام عليه السّلام من الخمس، و تزويج البالغ غير الرشيد و نحوهما- هو الاختصاص. قال السيد الطباطبائي قدّس سرّه: «و يزوّجهما مع فقدهما- أي: فقد الأب و الجدّ- مع الغبطة إجماعا، لأنّه- أي الحاكم- وليّهما في المال، فيتولّى نكاحهما». ثم استدل بالنبوي، و قال: «و يلحق به- أي بالسلطان- نوّابه لعموم أدلة النيابة» «1».

و مقتضى كلام جماعة- ممّن عدّ هذا الحديث دليلا على ولاية الحاكم الشرعي- هو الثاني، كما استفيد من عبارة التذكرة، و المسالك و العوائد و العناوين. و عليه فيكون للسلطان فردان:

أحدهما: الإمام المعصوم عليه السّلام، لكونه المصداق الأتم لمن جعلت له الولاية و السلطنة على غيره.

و ثانيهما: الفقيه العادل. و من المعلوم أنّ الاستدلال به على ولاية الفقيه- في ما كان للإمام المعصوم عليه السّلام ولاية عليه- منوط بظهوره في الاحتمال الثاني، هذا.

(1) ناقش المصنف قدّس سرّه في الاستدلال بها الحديث بوجهين، الأوّل: وهنها سندا و مضمونا. و الثاني ظهور لفظ «السلطان» في الإمام المعصوم عليه السّلام.

أمّا الوجه الأوّل فتوضيحه: أن سند الحديث ضعيف بالإرسال، و من المعلوم أنّ الاعتماد عليه منوط بانجبار ضعفه بعمل المشهور، و هو لا يخلو من تكلّف، لعدم انحصار ما يدلّ على ولاية الإمام عليه السّلام في الموارد الخاصة في هذا المرسل. و معه لا سبيل لإحراز استنادهم إليه ليندرج في موارد الجبر بالعمل، كما استندوا إلى مثل حديث «على اليد» و «الناس مسلّطون» و نحوهما من المراسيل المعمول بها.

هذا مضافا إلى احتمال عدم كون جملة «السلطان وليّ من لا وليّ له» نصّ كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و أنّه منقول بالمعنى كبعض القواعد الفقهية المتصيّدة من النصوص، مثل

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 11، ص 100

ص: 185

الانجبار (1) سندا أو مضمونا (2)

______________________________

«من حاز ملك» و لعلّ الأصل فيها «العلماء أولياء من لا وليّ له» كما عبّر به في العناوين، ثم نقل رواية تحف العقول، و هي قوله عليه السّلام: «مجاري الأمور بيد العلماء باللّه».

و كلمة «العلماء» و إن كانت شاملة للفقهاء، بل هي ظاهرة فيهم بدوا، إلّا أنّه يحتمل قويّا اختصاصها في هذه الرواية بالمعصوم عليه السّلام، لما تفطّن له المحقق الخراساني قدّس سرّه، بشهادة سائر فقرات الرواية «الّتي سيقت في مقام توبيخ الناس على تفرقهم عنهم عليهم السّلام، حيث إنّ تفرقهم عنهم صار سببا لغصب الخلافة، و زوالها عن أيدي من كانت مجاري الأمور بأيديهم» «1» فلاحظ تمام الخبر في تحف العقول، و ما فيه من القرينة المتصلة على إرادة أئمة الهدى عليهم السّلام، دون الفقهاء و تقدّم بعضه في (ص 156).

و الغرض من ذلك كله: أنّه لا سبيل لإحراز صدور نفس كلمة «السلطان» منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ليقال بصدقه على كلّ من الامام المعصوم و الفقيه العادل.

و أمّا الوجه الثاني، فتوضيحه: أنّه- بعد تسليم جبر ضعف السند و المضمون، و أنّ الصادر هو «السلطان»- يمنع من صدقه على الفقيه، إذ المتبادر منه هو الإمام الأصل، كما اعترف به غير واحد منهم صاحب الحدائق «2»، و لذا تمسّك صاحب الرياض لإثبات ولاية الفقيه على النكاح بما دلّ على نيابته عنه عليه السّلام، لا بشمول لفظ «السلطان» للحاكم.

و لا أقلّ من الشك في الصدق، و معه لا مجال للاستدلال.

و عليه فالولاية للإمام عليه السّلام، و إثباتها للفقيه محتاج إلى أدلة عموم النيابة كالمقبولة و غيرها ممّا تقدم في (ص 169- 170) و صرّح المصنف هناك بأنّ استفادة عموم ولاية الحاكم الشرعي منها دونها خرط القتاد.

(1) هذا إشارة إلى أوّل وجهي الإشكال في الاستدلال بالمرسلة، و هو الوهن سندا و مضمونا.

(2) منشأ الترديد هو الشك في كون متن الحديث نفس العبارة المذكورة، فالحديث منقول باللفظ، أو مضمونها، فالحديث منقول بالمعنى.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 94

(2) الحدائق الناضرة، ج 23، ص 239

ص: 186

يحتاج (1) إلى أدلّة عموم النيابة. و قد عرفت (2) ما يصلح أن يكون دليلا عليه، و أنّه (3) لا يخلو عن وهن في دلالته، مع (4) قطع النظر عن السند، كما اعترف به (5) جمال المحقّقين في باب الخمس بعد الاعتراف بأنّ المعروف بين الأصحاب كون الفقهاء نوّاب الإمام عليه السّلام.

______________________________

و عن بعض نسخ المتن العطف بالواو بدل «أو» فإن كان هذا صحيحا فالرواية موهونة من جهتين سندا و مضمونا. أمّا الأوّل فلأنّها مرسلة. و أمّا الثاني فلكونها منقولة بالمعنى.

(1) خبر «و هذا» و هو إشارة إلى ثاني وجهي المناقشة. و قد عرفت آنفا وجه الحاجة إلى أدلة عموم النيابة، و أنّ الحديث على فرض اعتباره لا يدلّ على ولاية الفقيه أصلا، بل على ولاية الإمام عليه السّلام.

(2) يعني: و قد عرفت في بيان أدلة ولاية الفقيه ما يصلح أن يكون دليلا على عموم ولايته و ما لا يصلح لذلك.

(3) معطوف على «ما» الموصول، يعني: و قد عرفت أنّ ما استدلّ به على عموم نيابة الفقيه لا يخلو عن وهن في دلالته، و استشهد المصنف قدّس سرّه لهذا الوهن بكلام جمال المحققين و المحقق الكركي قدّس سرّهما.

(4) يعني: مضافا إلى ضعف سند ما استدلّ به على الولاية العامة للفقيه.

(5) أي: كما اعترف بما ذكر- من وهن الدلالة و ضعف السند- جمال المحققين و استادهم الآقا جمال الخوانساري قدّس سرّه في باب الخمس، حيث إنّه جعل مستند المشهور من كون الفقهاء نوّابا للإمام عليه السّلام مقبولة عمر بن حنظلة و مشهورة أبي خديجة، و ناقش فيهما سندا، لكنه جبر ضعف السند بعمل المشهور بهما، فقال في المقبولة: «و بالجملة: فهذه الرواية مع ما فيها من ضعف السند قد تلقّاها الأصحاب بالقبول .. فاعتقدوا أنّ ضعفها منجبر بذلك» و كذلك جبر ضعف سند رواية أبي خديجة بعمل الأصحاب.

ثم ناقش في دلالتهما على نيابة الفقهاء عنه عليه السّلام بقوله: «ثم إنّ غاية ما يدلّ عليه

ص: 187

و يظهر ذلك (1) من المحقّق الثاني أيضا في رسالته الموسومة بقاطع اللجاج «1» في مسألة جواز أخذ الفقيه أجرة أراضي الأنفال (2) من المخالفين كما يكون ذلك (3) للإمام عليه السّلام إذا ظهر (4)، للشك (5) في عموم النيابة.

و هو (6) في محلّه.

______________________________

الروايتان وجوب العمل بحكم الفقهاء من أصحابنا في المنازعات و الخصومات. و أمّا كونهم وكلاء لهم في ضبط أموالهم و حقوقهم- كما توهمه عبارة الشارح- فلا دلالة لهما عليه ..» الى أن قال: «و للمناقشة فيها مجال، و اللّه يعلم» فراجع «2».

(1) أي: يظهر من المحقق الثاني قدّس سرّه أيضا الوهن في دليل عموم نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام، قال قدّس سرّه: «فإن قيل: فهل يجوز لمن استجمع صفات النيابة حال الغيبة جباية شي ء من ذلك- أي الخراج- قلنا: إن ثبت أنّ جهة نيابته عامّة احتمل ذلك.

و إلى الآن لم نظفر بشي ء فيه، و كلام الأصحاب قد يشعر بالعدم، لأنّ هذا خاصّة الامام ..».

(2) التي هي مال الإمام عليه السّلام. فإن ثبت نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام في كلّ ما له عليه السّلام جاز للفقيه إيجار أرض الأنفال- المختصة بالإمام عليه السّلام- من المخالف.

(3) أي: جواز أخذ أجرة أراضي الأنفال- من المخالفين- للإمام عليه السّلام.

(4) يعني: إذا ظهر الحجة المنتظر «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا فداه».

(5) تعليل لوهن ما استدلّ به على ولاية الفقيه، فإنّ هذا الوهن يوجب الشك في عموم ولايته، الموجب للشك في جواز أخذه لاجرة أراضي الأنفال من المخالفين.

(6) أي: الشك في عموم نيابة الفقيه المذكور في كلام المحقق الثاني في محله. و هذا أحد المواضع التي ذكر المصنف قدّس سرّه فيها تردّده في الولاية العامة.

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و المعروف تسميتها ب «قاطعة اللجاج» كما عبّر عنها المصنف غير مرة في مسألة جوائز السلطان، طبعت ضمن رسائل المحقق الكركي، ج 1، ص 257

(2) حاشية الروضة، ص 320، الروضة البهية، ج 1، ص 183، طبعة عبد الرحيم.

ص: 188

ثمّ (1) إنّ قوله عليه السّلام: «من لا وليّ له» في المرسلة المذكورة ليس مطلق من

______________________________

فتحصّل: أنّ الاستدلال بالمرسلة المتقدمة على ولاية الفقيه- كما ذهب إليه جمع من الأصحاب- ممنوع.

(1) غرضه قدّس سرّه بيان التفاوت بين مدلولي التوقيع الرفيع و هذه المرسلة- لو سلّم دلالتها على ولاية التصرف للمعصوم عليه السّلام، و ببركة أدلة خلافة الفقيه عنه عليه السّلام تثبت له أيضا- و محصّله: أن «من لا وليّ له» الذي يكون السلطان وليّا له، هل هو الفاقد للولي على نحو السلب المقابل للإيجاب، و إن لم يكن من شأنه جعل وليّ له؟ أم هو المولّى عليه الذي له قابلية نصب وليّ له شرعا، فعدم الوليّ يكون في قبال الملكة.

فبناء على الأوّل تشمل ولاية السلطان للبالغ العاقل الذي له سلطنة تامّة على أموره، و ليس لأحد ولاية عليه. و الوجه في ثبوت ولاية السلطان بالنسبة إلى هذا البالغ هو صدق «أنّه لا وليّ له» فيكون السلطان وليّه.

و بناء على الاحتمال الثاني تختص الولاية و السلطنة بمن له شأنية نصب وليّ له.

و من المعلوم أنّ البالغ المزبور غير قابل لجعل وليّ له، فتختص المرسلة بمورد الشأنية لأن يكون له وليّ.

و هذا المطلب صرّح به الفاضل النراقي أيضا في نفي ولاية الحاكم- بالاستقلال- على نكاح الكبير، حيث قال: «إن معناه أنه- أي السلطان- وليّ من لا وليّ له و يحتاج إلى الولي، لا أنه وليّ من لا وليّ له سواء كان محتاجا إلى الولي أم لا» «1».

و كيف كان فهذه الشأنية على أنحاء، فتارة تكون بحسب الشخص. و هذا لا يفرض فيما نحن فيه، لعدم مورد للولاية على شخص بخصوصه بحيث لا يتعدّى عنه إلى غيره.

نعم يكون ذلك في غير المقام، كعدم اللحية في زيد الكوسج، فإنّه يتعدّى إلى غيره ممّن هو مثله.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 576

ص: 189

لا وليّ له، بل المراد عدم الملكة، يعني: أنّه وليّ من من شأنه أن يكون له وليّ بحسب شخصه أو صنفه أو نوعه أو جنسه (1). فيشمل (2) الصغير الذي مات أبوه، و المجنون بعد البلوغ (3)، و الغائب (4) و الممتنع (5) و المريض (6) و المغمى عليه، و الميّت الذي لا وليّ له، و قاطبة (7) المسلمين إذا كان لهم ملك كالمفتوح عنوة،

______________________________

و اخرى تكون بحسب الصنف كعدم السواد في الزّنجي.

و ثالثة تكون بحسب النوع كالعمى، فإنّه عدم البصر فيمن من شأنه أن يكون بصيرا بحسب النوع.

و رابعة تكون بحسب الجنس، كعمى العقرب، فإنّ شأن العقرب أن يكون بصيرا بحسب الجنس.

(1) هذه الضمائر الستة من «شأنه» إلى «جنسه» راجعة إلى الموصول في «من من».

(2) يعني: فيشمل من من شأنه أن يكون له وليّ الصغير الذي مات أبوه، فإنّ له شأنية أن يكون له وليّ يحفظ مصالحه. و هذا مثال للصنف.

(3) هذا مثال للنوع، و التقييد ب «بعد البلوغ» لأجل عدم ولاية الفقيه على المجنون المتصل جنونه بالبلوغ، و إنّما ولايته للأب و الجدّ.

(4) هذا أيضا مثال للنوع، و المراد به الغائب عن ماله بحيث لا يقدر على التصرف فيه.

(5) هذا أيضا مثال للنوع، و المراد به من يمتنع عن أداء دين الغير أو حقّه مع التمكّن منه.

(6) الذي لا يقدر على إدارة شؤونه. و هذا و المغمى عليه أيضا مثالان للنوع.

و يمكن أن يكونا مثالين للصنف. و كذا الميت الذي لا وليّ له، إذ لو كان له وليّ خاصّ لا تصل النوبة إلى السلطان الذي هو الولي العام.

(7) معطوف على «الصغير» يعني: فيشمل «من شأنه أن يكون له وليّ» الصغير و قاطبة المسلمين إذا كان لعمومهم ملك كالأرض المفتوحة عنوة المعمورة حال الفتح.

و هذا مثال للجنس.

ص: 190

و الموقوف (1) عليهم في الأوقاف العامّة (2)، و نحو ذلك.

لكن (3) يستفاد

______________________________

(1) معطوف على المفتوح عنوة.

(2) كالوقف على الفقهاء أو الفقراء و نحوهما.

و الحاصل: أن «السلطان» إن كان مختصّا بالمعصوم فتثبت له الولاية بهذه المرسلة، و بأدلة النيابة تثبت للفقيه. و إن كان شاملا للفقيه من أوّل الأمر ثبتت له الولاية بها بلا حاجة إلى أدلة النيابة.

(3) غرضه قدّس سرّه إبداء الفرق بين ما يستفاد من التوقيع الرفيع الآمر بإرجاع الحوادث إلى الرواة و بين هذه المرسلة- مع كون مدلولها ثبوت ولاية التصرف للسلطان على من له شأنية نصب وليّ له- بعد اشتراكهما في دلالتهما على ولاية الفقيه.

و محصّل الفرق أمران، أحدهما: أنّ إضافة كلمة «وليّ» إلى «من لا وليّ له» ظاهرة في كونها لامية أي: «وليّ لمن لا وليّ له» و «اللام» هنا للانتفاع، فتدل المرسلة على مشروعية كل شي ء فيه مصلحة المولّى عليه و منفعته. و هذا بخلاف التوقيع، إذ ليس فيه إضافة حتى يستفاد منه هذا العموم، بل تختص ولاية رواة الأحاديث بالواقعة التي يجب إرجاعها إليهم.

ثانيهما: أنّ مقتضى المرسلة استقلال السلطان بالتصرف في ما يتعلّق بالمولّى عليه، سواء ارجع إليه شي ء من أمور المولّى عليه أم لا، و الوجه في استقلاله هو كفاية قابلية نصب وليّ للشخص في ثبوت المنصب للسلطان، و لم يشترط ولايته بكون ذلك التصرف من الأمور الحسبية التي لا بدّ من تحققه و القيام به، بل يجوز للولي التصدي و إن لم تكن هناك ضرورة للمولّى عليه تقتضي التصرف، كما إذا لم يترتب ضرر على تركه.

و هذا بخلاف التوقيع الرفيع الظاهر في جواز تصدّي الفقيه للأمر بعد الرجوع إليه في خصوص ما أنيط بإذن الإمام عليه السّلام، و لا يدلّ على استقلاله في التصرف.

و بناء على ما ذكر- من أعمية مدلول المرسلة من التوقيع- فيجوز للفقيه تزويج الصغيرة الفاقدة للأب و الجدّ و الوصي من قبل أحدهما، مع اقتضاء مصلحتها له. و كذا يجوز له بيع مال الغائب إن كان فيه مصلحته و إن لم يتضرر بترك البيع. و هكذا سائر

ص: 191

منه (1) ما لم يكن [لم يمكن] يستفاد من التوقيع المذكور [1]، و هو (2) الإذن في فعل

______________________________

التصرفات المشروعة التي لم يدلّ التوقيع على استقلال الحاكم فيها بدون سبق إرجاعها إليه.

(1) أي: من حديث «السلطان ولي من لا ولي له» أو من المرسلة بناء على تأنيث الضمير كما في بعض النسخ.

(2) أي: و ما لم يكن يستفاد من التوقيع المذكور هو الإذن في فعل كل مصلحة لهم.

______________________________

[1] أورد المحقق الايرواني قدّس سرّه عليه بالتهافت بين ملاحظة نسبة المرسلة مع التوقيع و بين ما تقدم في المناقشة من استظهار اختصاص «السلطان» بالمعصوم عليه السّلام.

وجه التنافي: أنه بناء على الاختصاص به عليه السّلام تكون النسبة بين الروايتين التباين، لا الأعمية، لأنّ الولاية في المرسلة للسلطان، و في التوقيع لرواة الحديث، و مع تعدد الموضوع لا وجه لملاحظة النسبة. و بناء على أعمية السلطان من الفقيه يتجه بيان النسبة و لكنه عدول عمّا ناقش به في الاستدلال من اختصاص المرسلة بالمعصوم عليه السّلام «1».

أقول: الأمر كما أفاده قدّس سرّه من التهافت ظاهرا لكن لا يبعد أن يكون كلام المصنف بعد المناقشة: «ثم إن قوله: من لا وليّ في المرسلة المذكورة .. إلخ» ناظرا إلى الإغماض عن الخدشة، و تسليم دلالتها على ولاية الفقيه مماشاة لمن استدلّ به.

نعم إشكال التهافت وارد على مثل الفاضل النراقي قدّس سرّه في العوائد، حيث انه- كما عرفت في التوضيح- عدّها من أدلة ولاية الفقيه، المستلزم لجعل «السلطان» أعم من المعصوم عليه السّلام و الفقيه، إذ الغرض من عدّ الأدلة وفاء كلّ منها بالمطلوب. و لكنه في ذكر بعض موارد ولايته- و هو النكاح- قال: «و ما يمكن أن يستدلّ به للثبوت .. النبوي المشهور بضميمة عموم النيابة المتقدم ثبوته» «2» فإنه كالصريح في اختصاص السلطان بالمعصوم عليه السّلام. و على تقدير الاختصاص يشكل عدّ المرسلة من أدلة الولاية، لاحتياجها حينئذ إلى ضمّ أدلة عموم النيابة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 158

(2) عوائد الأيام، ص 567

ص: 192

كلّ مصلحة لهم، فثبت به (1) مشروعيّة ما لم يثبت مشروعيّته بالتوقيع المتقدّم، فيجوز (2) له القيام بجميع مصالح الطوائف المذكورين.

نعم [1] ليس له فعل شي ء لا يعود مصلحته إليهم، و إن كان ظاهر «الوليّ» يوهم ذلك (3)، إذ (4) بعد ما ذكرنا

______________________________

(1) أي: بما روي من قوله عليه السّلام: «السلطان وليّ من لا وليّ له».

(2) هذا متفرع على جواز تصدي السلطان لكل شي ء فيه مصلحة للمولّى عليه من الصغير و المجنون و الغائب، و سائر الطوائف المذكورين.

(3) أي: يوهم كون الولي وليّا على المولّى عليه- من الصغير و المجنون و غيرهما- في كل عمل و إن لم يكن فيه مصلحة للمولّى عليه.

(4) تعليل لقوله: «نعم ليس له فعل شي ء» و حاصل التعليل: أنّه- بعد أن تبيّن المراد بالولي، و هو القائم بمصالح من يحتاج إلى الولي- لا بدّ أن يكون حافظا لمصالح المولّى عليه، و غير متجاوز عنها، و ليس وليّا إجباريا حتى يكون أمره نافذا عليه مطلقا و إن لم يكن ذا مصلحة.

و بالجملة: فيستفاد من هذه المرسلة أمران:

أحدهما: جواز تصدّي الولي لكلّ أمر فيه مصلحة للمولّى عليه.

و الآخر: عدم توقف جواز تصديه على الرجوع إليه، بل يجوز له ذلك و إن لم يرجع المولّى عليه- أو غيره- إلى الولي.

______________________________

[1] الأولى إبدال «نعم» بالواو أو الفاء، بأن يقال: «و ليس- أو فليس- له فعل شي ء ..

إلخ» إذ مقتضى ما أفاده من دلالة المرسلة على اعتبار وجود المصلحة في ما تصدّاه من أمور المولّى عليه هو عدم جواز تصدي الولي لما ليس فيه مصلحة للمولّى عليه. و من المعلوم أنّ المناسب حينئذ هو «فاء» التفريع، أو «الواو» عطفا على «فيجوز» دون الاستدراك بكلمة «نعم».

و الأولى من ذلك أيضا أن يقال: «و لا يجوز له فعل شي ء ..».

ص: 193

- من (1) أنّ المراد ب «من لا وليّ له» من من شأنه أن يكون له وليّ- يراد به (2) كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه، لا بمعنى أنّه ينبغي أن يكون عليه وليّ، له (3) عليه ولاية الإجبار بحيث يكون تصرّفه ماضيا عليه (4).

و الحاصل (5) أنّ الوليّ المنفيّ هو الوليّ للشخص لا عليه، فيكون المراد بالوليّ المثبت ذلك (6) أيضا. فمحصّله: أنّ اللّه جعل الوليّ- الذي يحتاج إليه الشخص و ينبغي أن يكون له- هو السلطان (7)، فافهم (8).

______________________________

(1) بيان ل «ما» الموصول.

(2) يعني: بعد ما ذكرنا من .. إلخ يراد ب «من لا وليّ له» كونه ممّن ينبغي أن يكون له من يقوم بمصالحه. لا أنّه ينبغي أن يكون على المولّى عليه وليّ يكون لذلك الولي على المولّى عليه ولاية الإجبار، بحيث يكون تصرفه ماضيا مطلقا و إن لم يكن مصلحة لمن يلي أمره.

(3) أي: للولي، و هو متعلق بمحذوف، نعت ل «ولي» و ضمير «عليه» راجع إلى «من» المراد به المولّى عليه، يعني: أن يوصف هذا الولي بأن يكون له على المولّى عليه ولاية الإجبار، بأن يمضي تصرفه مطلقا و إن لم يكن هذا مصلحة له.

(4) أي: على المولّى عليه مطلقا.

(5) يعني: و حاصل البحث في حديث «السلطان وليّ من لا وليّ له» أنّ المراد بالولي إثباتا و نفيا هو الولي للشخص أي لحفظ مصالحه و جلب منافعه، لا على الشخص أي على ضرره. و الولي الذي جعله اللّه تعالى و نصبه لمصالح من يحتاج إلى الولي هو السلطان.

فهذا الحديث حاكم على أصالة عدم الولاية التي تقدّمت في أوائل بحث الولاية، و مبيّن للموضوع، و هو الولاية لمصالح الشخص لا لمضارّه.

(6) أي: الولي للشخص، لا عليه.

(7) مفعول «جعل» كأنه قيل: جعل اللّه الوليّ الكذائي هو السلطان. و الضمير للفصل، مثل: جعلت زيدا هو الحاكم.

(8) يحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ جعل الولي للشخص- لا عليه- مبني على كون

ص: 194

..........

______________________________

اللام في حديث «من لا وليّ له» للنفع، في مقابل الضرر. و أمّا إذا كان اللّام للصلة كقوله:

«الامام وارث من لا وارث له» فلا يستفاد منه اختصاص الولاية بخصوص مصالح المولّى عليه، و لا قرينة على كون اللام للنفع، كوقوعه في مقابل «على» المستعمل في الضرر.

مع أنّ لازمه عدم ثبوته ولاية الفقيه في موارد كون التصرف موجبا لتضرر المولّى عليه و نقص ماله، منها: أداء دين في ذمة الصغير و المجنون و المغمى عليه و المريض و الممتنع، و استيفاء حقوق الناس من أموالهم.

و منها: الحجر على المفلّس و منعه من التصرف في ماله.

و منها: التصرف في مال الغائب بالإنفاق على زوجته، و نحوها ممّا يكون ولاية التصرف مستلزما للضرر، و لم ينتفع به، مع وضوح عدم الالتزام بهذا اللازم.

و عليه فاستفادة الاختصاص المزبور من هذا الحديث مشكلة. كإشكال استفادته من الأدلة السابقة، بل مقتضى إطلاقها ثبوت الولاية مطلقا- من غير فرق بين المصالح و غيرها- ما لم يشمله دليل نفي الضرر. إلّا أن يمنع الإطلاق و يدّعى انصراف الأدلة إلى خصوص منافع المولّى عليه، أو إلى ما لا ضرر فيه، كبيع ماله بثمن مساو له في المالية.

ص: 195

[3- ولاية عدول المؤمنين]
اشارة

مسألة:

في ولاية (1) عدول المؤمنين

______________________________

(1) 3- ولاية عدول المؤمنين التي هي متأخرة عن ولاية الفقيه التي تقدمت في المسألة السابقة، و لم يشر المصنف قدّس سرّه هنا إلى كون المسألة خلافيّة أم اتفاقية، و لكن ظاهر صاحب العناوين تعدد الأقوال، لقوله: «إذا تعذّر الأولياء أو فقدت حتى الحاكم، فهل الولاية للعدول مطلقا، أو ليس لهم مطلقا، أو في ما لا يمكن التأخير فيه لهم ولاية، دون غيره ..؟ وجوه، بل أقوال». ثم جعل البحث في مقامين:

أحدهما: في جواز تصرف العدول في ما هو وظيفة الحاكم لو كان موجودا مع ضيق الوقت و عدم إمكان التفصّي.

و ثانيهما: في وجوب مباشرة العدول في الفرض المزبور، فراجع «1».

و نقل السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه قولين في المسألة:

أحدهما: المشهور، بل عن الحدائق الإجماع عليه.

و الآخر: عدم ولاية ما عدا الفقيه، نقله عن ابن إدريس و غيره «2».

و كيف كان فقد استقصى المصنف قدّس سرّه البحث في هذه المسألة بالنظر في جهات سيأتي بيانها بالترتيب ان شاء اللّه تعالى.

______________________________

(1) العناوين، ج 2، ص 580 و 581

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257 و 258

ص: 196

[مورد ولاية العدول و دليله]

اعلم أنّ ما كان من قبيل ما ذكرنا فيه ولاية الفقيه، و هو (1) ما كان تصرّفا مطلوب الوجود للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول، فالظاهر جواز تولّيه (2) لآحاد المؤمنين، لأنّ (3) المفروض كونه مطلوبا

______________________________

الاولى: في متعلق الولاية.

الثانية: في الدليل على ثبوت هذا الحكم الوضعي المجعول للمؤمن العدل.

الثالثة: في اعتبار العدالة في المؤمن المتولّي للمعروف.

الرابعة: في أنّ جواز تصرف المؤمن تكليف وجوبي أو ندبي، و ليس على وجه النيابة عن الفقيه.

و يتفرّع عليه جواز مزاحمة مؤمن لمثله في التصدّي للمعروف.

الخامسة: في اشتراط ولاية المؤمن برعاية مصلحة المولّى عليه، و عدمه.

ثم تعرّض بالتفصيل لما يراد من آية وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*. و كان مقتضى الترتيب تقديم البحث عمّن هو موضوع للولاية- و الخصوصيات الدخيلة فيه كالعدالة- على بيان الدليل على الحكم. و الأمر سهل.

(1) يعني: و ما ذكرناه هو التصرف الذي يكون مطلوبا للشارع بحيث لا يرضى بتركه، كالتصرف في أموال القصّر و الأوقاف العامة الفاقدة لمتولّ خاصّ و عامّ، و هو الفقيه الجامع للشرائط، و غيرهما من الأمور المعبّر عنها بالأمور الحسبية.

(2) أي: تولّي ما كان تصرفا مطلوب الوجود للشارع، و حاصله: أنّ الظاهر جواز تولّي آحاد المؤمنين للتصرف المطلوب للشارع إذا كان الفقيه متعذّر الوصول، إذ مع إمكان الوصول إليه لا تصل النوبة إلى المؤمنين. و كذا مع إمكان الوصول إلى وكيله و المأذون من قبله.

(3) تعليل لجواز تولّي المؤمنين، و حاصله: أنّ المفروض كون ذلك التصرف مطلوبا للشارع، بحيث لا يرضى بتعطيله. و مقتضى مطلوبيّته للشارع و عدم رضاه بتركه هو لزوم فعله على كل حال. فإن كان الفقيه موجودا فهو المتصدّي له، و إلّا فعدول المؤمنين.

ص: 197

للشارع غير مضاف إلى شخص (1). و اعتبار (2) نظارة الفقيه فيه ساقط (3) بفرض التعذّر. و كونه (4) شرطا مطلقا له- لا شرطا اختياريا- مخالف (5) لفرض العلم

______________________________

و يدلّ على مطلوبية وجوده شرعا قوله تعالى وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ «1» و غيره من الآيات الشريفة. و كذا النصوص المتضافرة، مثل ما روي عن القمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّها الناس مروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، فإنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لم يقرّبا أجلا، و لم يباعدا رزقا» الحديث «2».

(1) كالأمور التي علم من الشارع مطلوبيتها له في جميع الأزمان، و لم يدلّ دليلها على صدورها من شخص خاص. فإن كان الفقيه موجودا تعيّن هو للقيام بها، إمّا لولايته عليها بأدلتها العامة، و إمّا لتعيّنه من بين المسلمين، و إمّا لعدم لزوم الهرج و المرج.

و إن لم يكن الفقيه موجودا جاز لغيره من المؤمنين القيام به.

(2) إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فهو: أنّه مع فرض اعتبار نظر الفقيه في ذلك التصرف كيف يجوز لغيره التصرف في ذلك الأمر؟ هذا.

و أمّا دفعه فهو: أنّ تعذر الوصول إلى الفقيه أسقط اعتبار نظره في ذلك التصرف، و سوّغ تصرف غيره.

(3) خبر «اعتبار» و «الباء» في «بفرض» للسببيّة، و دفع للتوهم.

(4) أي: و كون اعتبار نظارة الفقيه شرطا مطلقا للتصرف مخالف .. إلخ. و هذا إشكال على سقوط اعتبار نظر الفقيه بالتعذر.

و محصل الإشكال: أنّه على فرض كون نظر الفقيه شرطا مطلقا- غير مقيّد بحال الاختيار حتى يسقط اعتباره في حال التعذر- لم يجز لأحد التصدي لذلك التصرف.

(5) خبر «و كونه» و دفع للإشكال، و حاصله: أنّ إطلاق شرطية نظر الفقيه حتى مع تعذره مخالف للعلم بكون ذلك التصرف مطلوب الوجود مطلقا حتى مع تعذر

______________________________

(1) آل عمران، الآية 104

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 399، الباب 1 من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، ح 24

ص: 198

بكونه (1) مطلوب الوجود مع تعذّر الشرط (2)، لكونه (3) من المعروف الذي أمر بإقامته في الشريعة.

نعم (4) لو احتمل كون مطلوبيّته مختصّة بالفقيه أو الإمام، صحّ الرجوع إلى أصالة عدم المشروعية، كبعض مراتب النهي عن المنكر، حيث إنّ إطلاقاته (5) لا تعمّ ما إذا بلغ حدّ الجرح.

قال الشهيد رحمه اللّه في قواعده (6) «يجوز للآحاد مع تعذّر الحكّام تولية آحاد التصرّفات الحكميّة (7)

______________________________

الشرط، و ذلك لأجل كون ذلك التصرف من المعروف الذي أمر الشارع بإقامته في الشريعة. و مع هذا العلم كيف تصح دعوى إطلاق شرطية نظارة الفقيه؟

(1) الضمير راجع إلى الموصول في قوله: «ما كان تصرفا».

(2) و هو نظارة الفقيه.

(3) أي: لكون «ما كان تصرفا» من المعروف. و هذا تعليل لقوله: «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» و محصله- كما أشرنا إليه-: أنّه مع العلم بكون ذاك التصرف كحفظ مال القصّر مطلوب الوجود للشارع حتى مع تعذر الفقيه، لا بدّ من جواز تصدّي آحاد المؤمنين له.

(4) استدراك على قوله: «لفرض العلم بكونه مطلوب الوجود» و حاصله: أنّه لو لم يحصل العلم بكون ذلك التصرف مطلوبا للشارع مطلقا، و احتمل اختصاص مطلوبيته بالإمام أو الفقيه، صحّ الرجوع حينئذ إلى أصالة عدم المشروعية.

(5) أي: إطلاقات النهي عن المنكر.

(6) الظاهر أنّ الغرض من بيان كلام الشهيد رحمه اللّه هو كون ولاية عدول المؤمنين ثابتة عند الأصحاب مع تعذر الفقهاء، بمعنى ترتب ولايتهم و تأخّرها عن ولاية الحكّام، لا عرضيتها لها.

و تعرّض الشهيد قدّس سرّه لمتعلق ولاية آحاد المؤمنين أيضا، كما سيأتي التنبيه عليه.

(7) بكسر «الحاء» أي: التصرفات المقرونة بالحكمة و المصلحة.

ص: 199

على الأصح (1)، كدفع ضرورة اليتيم (2)، لعموم (3) وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ «1»، و قوله (4) عليه السّلام: «و اللّه تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» «2»، و قوله (5) صلّى اللّه عليه و آله: «كلّ معروف صدقة» «3».

[هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس من الممتنع]

و هل (6)

______________________________

(1) و مقابل الأصحّ هو: عدم جواز تولّي آحاد المؤمنين لتلك التصرّفات.

(2) نظير بيع ما يحتاج إليه اليتيم من أمواله.

(3) استدلّ الشهيد قدّس سرّه على ولاية عدول المؤمنين بوجوه:

الأوّل: قوله تعالى شأنه وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ، بتقريب: أنّ دفع ضرورة اليتيم إعانة على البرّ، فهو ممّا ندب الشارع إليه، و المخاطب بالتعاون عامّة المكلفين بلا خصوصية للفقيه.

(4) هذا هو الوجه الثاني، و الحديث في المصدر هكذا: «و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه».

و في المستدرك: «و عن القطب الراوندي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ان اللّه في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه» «4».

و على كلّ فظهور الحديث في الحثّ و الترغيب على إعانة المؤمن ممّا لا ينكر.

(5) معطوف على «عموم» أو على «تعاونوا» و هذا هو الوجه الثالث ممّا استدل به الشهيد قدّس سرّه. و تقريبه: ترتب أثر الصدقة- و هو الأجر- على فعل المعروف كدفع ضرورة اليتيم. و بما أنّ الصدقة متمشية من العالم و العامي، فكذلك ما جعله الشارع بمنزلته في الأجر.

(6) أي: لعدول المؤمنين. هذا راجع إلى متعلق ولاية عدول المؤمنين، و حاصله: أنّ

______________________________

(1) المائدة، الآية 3

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 586، الباب 29 من أبواب فعل المعروف، ح 2

(3) وسائل الشيعة، ج 11، ص 521، الباب 1، من أبواب فعل المعروف، ح 2

(4) مستدرك الوسائل، ج 12، ص 429، الباب 34 من أبواب فعل المعروف، ح 10

ص: 200

يجوز أخذ (1) الزكوات و الأخماس من الممتنع و تفريقها في أربابها (2).

و كذا (3) بقية وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟ فيه وجهان. وجه (4) الجواز ما ذكرنا (5)، و لأنّه (6) لو منع من (7) ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال (8)، و هي مطلوبة للّه تعالى.

و قال بعض متأخّري العامّة «1»: إنّ (9) القيام بهذه المصالح (10)

______________________________

ولايتهم هل تعمّ آخذ الزكوات و الأخماس ممّن يمنعها و لا يؤدّيها إلى أهلها بلا عذر شرعي؟ أم تختص هذه الولاية بالفقيه.

(1) الموجود في نسخة القواعد المطبوعة «قبض» بدل «أخذ».

ثم إن في بعض نسخ القواعد «و صرفها» بدل «و تفريقها».

(2) أي: أرباب الزكوات و الأخماس، و هم مستحقوها من السادة و الفقراء.

(3) يعني: و هل يجوز لعدول المؤمنين سائر وظائف الحكّام غير ما يتعلّق بالدعاوي؟

(4) في القواعد: «و وجه الجواز».

(5) من قوله تعالى «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ» و قوله عليه السّلام: «و اللّه في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه» و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كل معروف صدقة».

(6) هذا دليل ثان للجواز، و حاصله: أنّه لو منع عدول المؤمنين من أخذ الزكوات و الأخماس لفاتت مصالح صرفها، و هي انتظام أمور معاشهم الموجب لقدرتهم على أداء وظائفهم الفردية و الاجتماعية.

(7) كلمة «من» غير موجودة في القواعد.

(8) و هي الزكوات و الأخماس، و الحال أنّ تلك المصالح مطلوبة للّه تعالى شأنه.

(9) في القواعد: «لا شك أنّ».

(10) و هي: انتظام أمور السادة و الفقراء، و تمكّنهم من أداء ما عليهم من الوظائف من تسديد حوائجهم المادية، و الإنفاق على من يعولونه، و غيرهما.

______________________________

(1) هو كما في هامش القواعد. عز الدين بن عبد السلام في قواعد الأحكام، ج 1، ص 82

ص: 201

أهمّ (1) من ترك (2) تلك الأموال بأيدي الظلمة يأكلونها بغير حقّها، و يصرفونها إلى غير مستحقّها.

فإن توقّع (3) إمام يصرف ذلك في وجهه، حفظ المتمكّن (4) تلك الأموال (5) إلى حين تمكّنه من صرفها إليه (6). و إن يئس (7) من ذلك كما في هذا الزمان (8)، تعيّن صرفه على الفور في مصارفه، لما في إبقائه (9)

______________________________

(1) في بعض نسخ القواعد «أتم» بدل «أهم».

(2) أي: من إبقاء الزكوات و الأخماس بأيدي الظلمة، و هم أرباب الأموال التي تعلّق بها الأخماس و الزكوات، فإنّ منعهما عن مستحقيهما ظلم و جور منهم على السادة و الفقراء.

ثم إنّ التعبير بالأهمّ مسامحة، لأنّ إبقاء تلك الأموال بأيدي المالكين ظلم، لا أنّه مهمّ حتى يكون صرفها في مصارفها أهمّ. فالأولى التعبير بالمهمّ.

(3) الظاهر- كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه- أن هذه الجملة إلى آخر العبارة كلام الشهيد لا بعض العامة.

(4) أي: المتمكن من حفظ الأموال يحفظها إلى زمان تمكنه من صرفها إلى الإمام عليه السّلام، و مع اليأس من الوصول إليه عليه السّلام- كما في زمان الغيبة الكبرى- وجب فورا صرفها في مصارفها الشرعية.

(5) و هي الأخماس و الزكوات، و ضمير «صرفها» راجع الى الأخماس و الزكوات.

(6) أي: إلى «امام» و ضمير «تمكنه» راجع إلى المتمكن، فالمصدر مضاف إلى الفاعل.

(7) معطوف على «فإن توقع» يعني: و إن يئس و لم يتوقع الوصول إلى الإمام عليه السّلام تعيّن .. إلخ.

(8) و هو زمان الغيبة الكبرى، عجّل اللّه تعالى فرج صاحبها و جعلنا فداه.

(9) أي: لما في إبقاء المال- و هو الخمس و الزكاة- من التغرير أي: التعريض للهلاك و التلف.

ص: 202

من (1) التغرير و حرمان مستحقّيه (2) [مستحقه] من (3) تعجيل أخذه مع مسيس حاجتهم إليه.

و لو ظفر بأموال مغصوبة حفظها لأربابها حتّى يصل إليهم، و مع اليأس يتصدق بها (4) عنهم (5)، و عند العامّة تصرف في المصارف العامّة (6)» انتهى «1».

و الظاهر أنّ قوله: «فإن توقّع إلى آخره» من كلام الشهيد رحمه اللّه (7).

و لقد أجاد (8) فيما أفاد، إلّا أنّه لم يبيّن وجه عدم الجواز (9).

و لعلّ وجهه (10 أنّ مجرّد كون هذه الأمور من «المعروف» لا ينافي اشتراطها

______________________________

(1) هذا تفسير «ما» الموصول، و قوله: «و حرمان» معطوف على التغرير.

(2) كذا في نسختنا، و لكن في القواعد و في بعض نسخ الكتاب «مستحقه» بالإفراد.

(3) متعلق ب «حرمان» يعني: و حرمان مستحقّي الخمس و الزكاة من أخذهما فورا مع إلجاء حاجتهم إلى أخذهما فورا.

(4) هذا الضمير و ضميرا «حفظها، لأربابها» راجعة إلى أموال.

(5) أي: عن أربابها و مالكيها. و في القواعد زيادة كلمة «و يضمن».

(6) كبناء المساجد و المدارس و القناطر و نحوها من المصالح العامة.

(7) يعني: لا من كلام بعض متأخري العامة، فقوله: «فإن توقع» من تتمة قول الشهيد: «و هل يجوز أخذ الزكوات و الأخماس» و وجه الظهور: أنّ توقّع إمام يصرف الحقوق الشرعية في مواردها بعيد عن مذهب العامة في الخلافة و الزعامة.

(8) يعني: أجاد الشهيد فيما أفاده من وجوب حفظ الأموال إلى زمان يمكن إيصالها إلى الإمام عليه السّلام، و مع عدم إمكانه- كما في هذا الزمان لغيبته عليه السّلام عن أعيننا- تصرف في مطلق الأمور الخيرية و المصالح العامة.

(9) أي: وجه عدم جواز أخذ الزكوات و الأخماس من الممتنع، و تفريقهما في أربابهما.

(10) يعني: و لعلّ وجه عدم الجواز- الذي لم يذكره الشهيد قدّس سرّه- هو: أنّ مجرّد كون

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 406- 408

ص: 203

بوجود الإمام أو نائبه، كما في قطع الدّعاوي، و إقامة (1) الحدود. و كما في التجارة بمال الصغير الذي له أب و جدّ، فإنّ كونها من المعروف لا ينافي وكوله إلى شخص خاصّ (2).

نعم (3) لو فرض «المعروف» على وجه يستقلّ العقل بحسنه

______________________________

الأمور المزبورة من المعروف لا ينافي اشتراطها بوجود الإمام عليه السّلام أو نائبه- و لو العامّ- و هو الفقيه الجامع للشرائط. لإمكان الجمع بين كون فعل معروفا في نفسه و بين إيكاله إلى نظر الإمام عليه السّلام أو نائبه.

و عليه فيكون جمع الزكاة و الحقوق الشرعية نظير فصل الخصومة و إقامة الحدود و التجارة بمال الصغير، فإنّ هذه الأمور الثلاثة ممّا لا ريب في مطلوبيّتها شرعا، مع اعتبار كون المتصدّي لها هو الامام عليه السّلام أو الفقيه الجامع للشرائط. و يشك في صدق «المعروف» عليها لو صدرت من غيرهما.

و معه لا وجه للتمسك بالدليل مع عدم إحراز الموضوع من الخارج، لعدم تكفل الدليل الوارد بلسان القضية الحقيقية لتعيين موضوع نفسه، و هو واضح.

(1) معطوف على «قطع» و قوله: «و كما في» معطوف على قوله: «كما في».

(2) و هو الإمام عليه السّلام، و الأولى تأنيث ضمير «وكوله» لرجوعه الى ما ذكره من الأمور الثلاثة من قطع الدعاوي و ما بعده، كتأنيث الضمير في «كونها، اشتراطها» إلّا أن يرجع ضمير «وكوله» إلى المعروف و الأمر سهل.

(3) استدراك على عدم منافاة مجرّد معروفية هذه الأمور لاشتراطها بوجود الامام عليه السّلام، و غرضه من هذا الاستدراك استثناء صورتين- من موارد المعروف- يجوز لغير الحاكم الشرعي التصدي لهما.

الاولى: أن يكون «المعروف» من المستقلّات العقلية، كحفظ اليتيم نفسا و مالا، بحيث يكون رجحانه و مصلحته أهمّ من مفسدة التصرف في مال اليتيم، ففي مثله لا يناط جواز التصدّي بإذن شخص خاصّ.

و بالجملة: إن كان المعروف من المستقلّات العقلية لا تحتاج مباشرته إلى إذن الامام عليه السّلام، لفرض استقلال العقل بحسنه.

ص: 204

مطلقا (1) كحفظ اليتيم من الهلاك الّذي (2) يعلم رجحانه (3) على مفسدة التصرّف في مال الغير بغير إذنه، صحّ (4) المباشرة بمقدار (5) يندفع به الضرورة.

أو فرض (6) على وجه يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد. إلّا (7) أنّه خرج

______________________________

(1) يعني: سواء أ كان الإمام حاضرا أم غائبا، و أمكن الاستيذان منه أم لا.

(2) صفة ل «حفظ».

(3) أي: رجحان حفظ اليتيم- من الهلاك- على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه. يعني: إذا كان حفظ اليتيم عن الهلاك منوطا ببذل ماله، فيجوز هذا التصرف المالي، لرجحان حفظه عن التلف على مفسدة التصرف في مال الغير بغير إذنه.

(4) جواب «لو» في قوله: «لو فرض» غرضه: أنّه تصحّ المباشرة بمقدار دفع الضرورة بلا إذن أحد.

(5) التقييد بهذا المقدار للتنبيه على أنّه مورد حكم العقل المستقل، دون غيره.

(6) معطوف على قوله: «لو فرض» و هذا استدراك آخر على أنّ مجرّد معروفية هذه الأمور لا ينافي اشتراطها بوجود الامام عليه السّلام.

و محصل هذه الصورة الثانية: أنّ «المعروف» و إن لم يكن من المستقلّات العقلية، لورود مطلوبيّته في الخطاب الشرعي، إلّا أنه يجوز لكلّ أحد مباشرته، إذ يستفاد من الدليل جواز ذلك، سواء أمكن إرجاع الواقعة إلى الإمام عليه السّلام أو الفقيه أم لا. نعم إطلاق هذا الدليل النقلي يقيّد بما دلّ على ولاية الفقيه مع إمكان الرجوع إليه و الاستيذان منه.

و بالجملة: انّ معروفية الشي ء المعروف لا تنافي توقفها على مباشرة شخص خاص أو إذنه. كما أنه لا تتوقف معروفيته على إذن أحد في الصورتين المتقدمتين، و هما استقلال العقل بحسن فعل مطلقا، و دلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكلّ أحد من غير إذن شخص خاص.

(7) استدراك على عدم الاحتياج إلى مباشرة شخص خاص أو إذنه، و محصله: أنّ ولاية غير الحاكم من المؤمنين لمّا كانت مترتبة على ولاية الحاكم، فمع التمكن منه لا بدّ من الرجوع إليه حتى يباشر ذلك المعروف، أو يأذن لغيره في التصدّي له.

ص: 205

ما لو تمكّن من الحاكم، حيث دلّت الأدلّة على وجوب إرجاع الأمور إليه [1] و هذا (1) كتجهيز الميّت [2] و إلّا (2) فمجرّد كون التصرّف معروفا لا ينهض في تقييد ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال أحد أو نفسه.

و لهذا (3) لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له

______________________________

(1) أي: المعروف الذي يفهم من دليله جواز تصدّيه لكلّ أحد، كتجهيز الميّت.

و لعل الأولى ذكر قوله: «و هذا كتجهيز الميّت» قبل قوله: «الا انه خرج ما لو تمكن».

(2) أي: و إن لم يكن المعروف ممّا يستقلّ بحسنه العقل مطلقا، أو لم يكن دليل المعروف دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد، لم يصلح مجرّد كون التصرف معروفا لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال الغير أو على نفسه. فلا بدّ في تقييد الإطلاق المزبور من كون المعروف على أحد هذين الفرضين: من استقلال العقل بالحسن مطلقا، أو دلالة دليل المعروف على جواز تصدّيه لكل أحد.

(3) يعني: و لأجل عدم كون مجرّد المعروف مقيّدا لإطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على أموال الناس، لا يلزم عقد الفضولي على المعقود له، و هو مالك المبيع فضولا، مع

______________________________

[1] يمكن أن يدّعى تخصيص هذه الأدلة بدليل المعروف الدال على جواز تصدّيه لكلّ أحد، لأخصيّته من تلك الأدلة، فيجب الرجوع إلى الحاكم في كل معروف إلّا المعروف الذي دلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد.

إلّا أن يقال: بحكومة تلك الأدلة على دليل ذلك المعروف، فلا تلاحظ النسبة حينئذ بينهما.

[2] كون هذا مثالا للمعروف الذي يدلّ دليله على جواز تصدّيه لكلّ أحد مبني على عدم ولاية الوارث على تجهيز الميت، و كونه كالأجانب في هذا التكليف.

لكن هذا الاحتمال في غاية الوهن.

إلّا أن يراد بجواز تصدّيه لكلّ أحد صورة فقدان الولي، أو تعذر الاستيذان منه، فإنّ جميع المؤمنين حينئذ في تجهيز الميت سواء، من غير فرق بين الفقيه و غيره.

ص: 206

بمجرّد كونه (1) معروفا و مصلحة، و لا يفهم (2) من أدلّة المعروف ولاية للفضولي على المعقود عليه (3)، لأنّ (4) المعروف هو التصرّف في المال أو النفس على الوجه المأذون فيه من المالك أو العقل (5) أو الشارع (6) من (7) غير جهة نفس أدلّة المعروف.

______________________________

كون البيع من المعروف و مصلحة للمالك. فلو كان صرف كون البيع مصلحة للمالك كافيا في صحته و نفوذه- لكونه معروفا- لزم القول باستغناء مثل هذا البيع عن الإجازة، بدعوى: أنّ الشارع ندب إلى كلّ ما هو معروف، الصادق على هذا العقد الفضولي. مع أنه لا سبيل للالتزام به أصلا.

(1) أي: كون عقد الفضولي.

(2) يعني: و لا يفهم أيضا من أدلة المعروف: ولاية للعاقد الفضولي على المعقود عليه.

(3) و هو المال الذي عقد عليه الفضولي.

(4) تعليل لعدم نهوض مجرد كون التصرف معروفا على تقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. و لعدم انفهام ولاية الفضولي على المال المعقود عليه فضولا من أدلة المعروف.

و محصل التعليل: أنّ مجرّد التصرف ليس معروفا، و لا دليله دالّا على جواز تصدّيه لكل أحد حتى يصلح لتقييد إطلاق ما دلّ على عدم ولاية أحد على مال غيره أو نفسه. و ذلك لأنّ المعروف ليس مجرّد التصرف في المال أو النفس، بل هو التصرف المأذون فيه من قبل أحد الثلاثة: المالك أو العقل أو الشرع. فالمأذون فيه من ناحية المالك كما في عقد الفضولي، فإنّ معروفيته منوطة بإجازة مالك المال الذي وقع عليه العقد.

(5) كاستقلال العقل بنجاة اليتيم من الهلاك المنوطة بالتصرف في ماله أو مال غيره.

(6) كقوله تعالى وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ و قوله عليه السّلام: «كلّ معروف صدقة» و غيرهما.

(7) متعلق بمحذوف و هو المأذون، غرضه: أنّ إذن الشارع في المعروف لا بدّ أن يكون من غير أدلة المعروف، لما مرّ آنفا من عدم دلالة دليل المعروف على ولاية التصرف لأحد على غيره.

ص: 207

و بالجملة (1) تصرّف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقليّ، أو عموم شرعيّ، أو خصوص في مورد جزئي (2)، فافهم (3).

[اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي]

بقي الكلام في اشتراط العدالة في المؤمن الذي يتولّى المصلحة عند فقد الحاكم، كما هو (4) ظاهر أكثر الفتاوى، حيث يعبّرون بعدول المؤمنين.

______________________________

(1) يعني: و ملخص الكلام في ولاية عدول المؤمنين: أنّ تصرف غير الحاكم الشرعي في أموال الناس منوط بنصّ عقليّ كما في المستقلات العقلية، أو عموم شرعي كآية التعاون على البرّ و التقوى، و «عون المؤمن» و غيرهما ممّا تقدّم في (ص 195) أو دليل خاص شرعي في مورد جزئي كتجهيز الميت.

(2) كدليل تجهيز الميّت الدالّ على جواز التصدي لتجهيز الميت لكلّ أحد من دون توقفه على إذن شخصي.

(3) لعله إشارة إلى: أنّ ما تقدّم في الاستدراك من قوله: «و إلّا فمجرّد كون التصرف معروفا .. إلخ» منوط بكون «المعروف» هو التصرف المأذون عقلا أو شرعا. إذ يشكل التمسك بما دلّ على فعل المعروف، من جهة الشك في الصدق. و أما بناء على إرادة ما يراه العرف العام معروفا و حسنا عندهم- في قبال المنكر و القبيح بنظرهم- لم تتجه شبهة صدق «المعروف» على بعض الأفعال حتى مع عدم إدراك العقل حسنه، و عدم ورود دليل شرعي خاص عليه.

(4) اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي أي: اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين ظاهر أكثر الفتاوى، لتعبيرهم بعدول المؤمنين. و هذا شروع في ثالثة جهات البحث في المسألة.

و لا يخفى أنّ في بعض العبائر «من يوثق به» كما في كلام المحقق «1»، أو «من يوثق بدينه و أمانته» كما عبّر به المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه «2»، و في بعضها «عدول المؤمنين» كما في كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه- في مسألة ظهور عجز الوصيّ عن العمل بالوصية و فقد الحاكم المتمكن من الضمّ إليه- حيث قال: «فيجب على عدول المؤمنين الانضمام إليه

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 257

(2) مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 232

ص: 208

و هو (1) مقتضى الأصل [1]

______________________________

و مساعدته» «1». و عبّر في موضع آخر ب «من يوثق به» مع إرادة العادل منه، لقوله بعده:

«و تطرّق محذور التصرف في مال الطفل يندفع بوصف العدالة في المتولّي المانع له من الإقدام على ما يخالف مصلحته» «2» و نحوه كلام جمع آخر، فراجع «3».

(1) أي: اعتبار العدالة مقتضى الأصل الأوّلي، و هو عدم صحة تصرفات الفاسق في مال أحد، إذ الجاري في الشك في صحة تصرف في المال هو أصالة الفساد.

فالمراد بالأصل هو العملي، و التمسك به منوط بعدم وفاء الأدلة الاجتهادية بشي ء من الاشتراط و عدمه.

و يحتمل- كما قيل- إرادة الأصل اللفظي، مثل ما ورد بلسان العموم على حرمة التصرف في مال الغير إلّا بإذنه، سواء أ كان المالك شخصا أم جهة كالسادة و الفقراء مما يتوقف على ولاية المتصرّف على تلك الجهة.

و بناء على هذا الاحتمال يكون الفارق بين الأصل و ما سيأتي من صحيحة ابن بزيع هو أنّها دليل بالخصوص على عدالة المؤمن المتصرف، بخلاف الأصل المستفاد من عموم «لا يحل».

______________________________

[1] و قد يقال: إنّه مقتضى عموم قوله عليه السّلام: «لا يحلّ مال امرء إلّا بطيب نفسه» و «لا يجوز لأحد التصرف في مال الغير إلّا بإذنه».

لكن الظاهر أنّ مورد التشبث بهما هو ما إذا كان الشك في الاذن و طيب النفس ممّن يكون إذنه و طيب نفسه دخيلين في صحة التصرف و نفوذه. و أمّا من لا يكون كذلك، بأن كان وجود إذنه كعدمه- كالطفل و نحوه من القاصرين- فالتمسك بالخبرين لبطلان التصرف محل التأمل.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 259

(2) المصدر، ص 265

(3) الحدائق ج 18، ص 323 و 403 و 444، رياض المسائل، ج 2، ص 59، ج 10، ص 348 الطبعة الحديثة، مفتاح الكرامة، ج 5، ص 257، جواهر الكلام، ج 22، ص 272 و ج 28، ص 430

ص: 209

و يمكن أن يستدلّ عليه (1) ببعض الأخبار أيضا (2).

ففي صحيحة محمد بن إسماعيل: «رجل مات من أصحابنا بغير وصية (3)، فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصيّر عبد الحميد (4) القيّم بماله، و كان الرّجل خلّف ورثة صغارا و متاعا و جواري. فباع عبد الحميد المتاع، فلمّا أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهنّ، إذ لم يكن الميّت صيّر إليه وصيّة، و كان قيامه فيها بأمر القاضي، لأنّهنّ فروج. قال (5) [فذكرت ذلك لأبي جعفر عليه السّلام فقلت له: يموت الرجل من أصحابنا و لا يوصي إلى أحد، و يخلّف جواري، فيقيم القاضي رجلا منّا فيبيعهنّ، أو قال: يقوم بذلك رجل منّا-، فيضعف قلبه، لأنّهنّ فروج] (6)، فما ترى في ذلك؟ قال: فقال عليه السّلام: إذا كان القيّم [به] (7) مثلك أو [و] مثل عبد الحميد فلا بأس» (8)

______________________________

و على كلّ فينبغي الإمعان فيما أفاده المصنف قدّس سرّه هنا و في مسألة ولاية الأب و الجد، حيث تمسّك هناك بالأصل لنفي اعتبار العدالة، و جعل مقتضاه هنا الاشتراط.

(1) أي: على اشتراط العدالة في ولاية المؤمنين كما هو مقتضى بعض الأخبار.

(2) أي: كما اقتضى الأصل اشتراط العدالة.

(3) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الوسائل: «إنّ رجلا من أصحابنا مات و لم يوص».

(4) كذا في الوسائل نقلا عن الكافي و التهذيب، و لكن الموجود في زيادات التهذيب «عبد الحميد بن سالم» «1». و كذا فيه «و كان رجلا» بدل «و كان الرّجل».

(5) في التهذيب «قال محمّد» يعني ابن بزيع، و كذا فيه «و لم يكن» بدل «إذ لم يكن».

(6) هذه الجملة لم ترد في عدة من نسخ الكتاب. و في التهذيب بعد قوله: فقلت:

«جعلت فداك». و فيه أيضا «فلا يوصي» بدل «و لا يوصي».

(7) نقلا من الوسائل و من بعض نسخ الكتاب.

(8) أي: فلا بأس ببيع الجواري. و المستفاد من جوابه عليه السّلام- لأجل مفهوم الجملة الشرطية- وجود البأس لو كان المتصدّي غير مماثل لابن بزيع أو لعبد الحميد، بناء على

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 9، ص 240، باب من الزيادات في الوصية، ح 25

ص: 210

الخبر (1) «1».

بناء (2) [1] على أنّ المراد من المماثلة أمّا المماثلة في التشيّع، أو في الوثاقة

______________________________

كون المماثلة المعتبرة هي المماثلة في مجرد العدالة، أو الوثاقة، فلو اعتبرت المماثلة في الفقاهة و النيابة العامة عن المعصوم عليه السّلام كانت الصحيحة نافية لولاية المؤمن العامي العدل، و سيأتي بيان المحتملات.

(1) كذا في نسختنا المعوّل عليها، و لا حاجة إلى هذه الكلمة، إذ المنقول تمام الخبر لا بعضه.

(2) قيد لقوله: «و يمكن أن يستدل عليه ببعض الأخبار» يعني: أنّ الاستدلال بهذه الصحيحة مبنيّ على المماثلة بين القيّم و بين محمّد بن إسماعيل أو عبد الحميد، فلا بدّ من بيان المراد بهذه المماثلة، فنقول: إنّ محتملات المماثلة أربعة:

أحدها: التشيع.

ثانيها: الوثاقة الموجبة لرعاية غبطة اليتيم و إن لم يكن القيّم شيعيّا.

ثالثها: الفقاهة.

رابعها: العدالة.

و الوجه في تطرّق هذه الاحتمالات إجمال المماثلة و المشابهة، من جهة اجتماعها في محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

______________________________

[1] هذا التعبير لا يخلو من مسامحة، إذ المقصود إثبات شرطية عدالة المؤمن- المتصدي للأمور الحسبية- بقوله عليه السّلام: «إن كان القيّم مثلك .. فلا بأس» و هذا مبني على كون المشابهة و المماثلة في خصوص العدالة، لأجنبية سائر المحتملات عن المدّعى.

فلعلّ الأولى أن يقال: «إنّ المماثلة تحتمل وجوها أربعة، و بناء على إرادة العدالة يتم الاستدلال ..» و الأمر سهل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 270، الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 2

ص: 211

..........

______________________________

و لا يخفى أنّ الاستدلال منوط بكون الامام عليه السّلام في مقام بيان الحكم الكلّي، لا في مقام الإذن لمثل عبد الحميد في القيمومة كما هو محتمل أيضا، لكونه من شؤون الإمامة أيضا، إلّا أنّ المصنف أهمل هذه الجهة اتكالا على ظهور الكلام في بيان الحكم الإلهي.

ثم إن الظاهر أن عبد الحميد المنصوب قيّما هو ابن سالم العطار كما في وصايا التهذيب، و هذا لا يعارض عدم تصريح ثقة الإسلام قدّس سرّه في الكافي باسم أبيه. فلا يدور الأمر بينه و بين عبد الحميد بن سعد البجلي الكوفي الذي نقل النجاشي أن له كتابا و لكنه لم يوثق و ذلك لتعيّنه هنا بتصريح شيخ الطائفة باسم أبيه كما تقدم في (ص 210).

ثم إنّ عبد الحميد بن سالم العطار، عدّ من أصحاب الصادق و الكاظم و الرضا و الجواد عليهم الصلاة و السلام، و هو كوفي ثقة، على ما يستفاد من كلام النجاشي في ترجمة ابنه محمّد، حيث قال: «محمّد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى عليه السّلام و كان ثقة من أصحابنا الكوفيين، له كتاب النوادر .. إلخ» بناء على ما يقتضيه عطف «و كان» على «روى عبد الحميد» خلافا لما يظهر من بعض من جعل التوثيق راجعا إلى محمّد «1».

و كيف كان فيكفي في إثبات وثاقته و جلالته صحيحة ابن بزيع التي جوّز الإمام الجواد عليه الصلاة و السلام فيها قيمومته، و جعله قرينا و عدلا لابن بزيع الذي هو من الفقهاء الثقات، و من مشايخ الفضل بن شاذان، و ممّن له كتاب «2».

و أمّا استبعاد بقاء عبد الحميد إلى زمان إمامة الجواد عليه السّلام فلا وجه له، أمّا أولا:

فلأنه لم يثبت روايته عن الامام الصادق عليه السّلام، بل الظاهر كما تقدم في كلام النجاشي أنه من أصحاب الكاظم عليه السّلام.

______________________________

(1) لاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث، ج 15، ص 95- 96 و 100

(2) معجم رجال الحديث، ج 9، ص 274 و 275

ص: 212

و ملاحظة مصلحة اليتيم و إن لم يكن شيعيّا، أو في الفقاهة (1) بأن يكون من نوّاب الإمام عموما في القضاء بين المسلمين، أو في العدالة (2).

و الاحتمال الثالث (3) مناف لإطلاق المفهوم الدالّ على ثبوت البأس مع عدم الفقيه و لو مع تعذّره. و هذا (4) بخلاف الاحتمالات الأخر،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «في التشيع» كعطف «في الوثاقة» عليه.

(2) معطوف على «في التشيع».

(3) و هو الفقاهة. و وجه تضعيف الاحتمال الثالث هو: أنّ مفهومه و هو «إن لم يكن القيّم مثلك أو مثل عبد الحميد في الفقاهة ففيه بأس» يشمل بإطلاقه عدم وجود الفقيه.

مع أنّه لا بأس حينئذ بتصدي غير الفقيه. فلا يراد هذا الاحتمال الثالث المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم، بأن يقال: إنّ البأس مقيّد بوجود ففيه أمكن الوصول إليه.

(4) أي: احتمال المعنى الثالث- المستلزم لتقييد إطلاق المفهوم. و هو البأس بصورة التمكن من الوصول الى الفقيه- يكون بخلاف الاحتمالات الثلاثة الأخر، حيث إنّ مفهومها

______________________________

و ثانيا: أنه لو كان عمره عند وفاة الصادق عليه السّلام خمسا و عشرين سنة مثلا، و كان الفاصل بين وفاة الصادق عليه السّلام و ابتداء إمامة الجواد عليه السّلام ستا أو سبعا أو ثماني و خمسين سنة، و أدرك شيئا من زمان إمامة الجواد عليه السّلام، صحّ عدّه من أصحاب الجواد عليه السّلام، لبلوغ عمره يومئذ حدود تسعين سنة. و هذا عمر عادي.

هذا مضافا إلى ما أفاده بعض الأعاظم قدّس سرّه من أن السائل- و هو محمّد بن إسماعيل بن بزيع- سأل الإمام عليه السّلام عن كبرى المسألة التي ابتلي بها عبد الحميد بن سالم. و من الممكن أن السؤال كان بعد وفاة عبد الحميد بزمان «1».

و عليه فالظاهر وثاقة الرجل، و أمّا فقاهته فلم أظفر بها في ترجمته فالمماثلة في الفقاهة غير ثابتة.

______________________________

(1) معجم رجال الحديث، ج 9، ص 275

ص: 213

فإنّ (1) البأس ثابت للفاسق أو الخائن أو المخالف (2) و إن تعذّر غيرهم (3)، فتعيّن أحدها الدائر (4) بينها، فيجب الأخذ في مخالفة الأصل (5)

______________________________

سليم من التقييد.

و الحاصل: أنّه إذا دار الأمر بين تقييد مفهوم و رفع اليد عن إطلاقه- كما في المعنى الثالث- و بين إبقاء مفهوم على إطلاقه و عدم تقييده- كما في الاحتمال الأوّل و الثاني و الرابع لمعنى المماثلة- تعيّن الثاني، و هو عدم التقييد، و إبقاء المفهوم على إطلاقه، كما في الاحتمالات الثلاثة الأخر.

(1) هذا تعليل لبقاء المفهوم في الاحتمالات الثلاثة على إطلاقه و عدم تقييده، و ذلك لثبوت البأس في المفهوم عند فقد المماثلة. فإن كان القيّم فاسقا في قبال العادل- الذي هو مثل ابن بزيع أو مثل عبد الحميد- ففي ولايته بأس.

و إن كان خائنا في قبال كونه ثقة فكذلك، أي في ولايته لأمور القاصرين بأس.

و إن كان مخالفا في قبال كونه شيعيّا ففي ولايته بأس.

فالبأس موجود في المفهوم على الاحتمالات الثلاثة من دون لزوم تقييده بشي ء.

بخلاف المفهوم بناء على إرادة الفقاهة من المماثلة كما مرّ آنفا.

(2) هذا في مقابل الشيعي، و الخائن في مقابل الثقة، و الفاسق في مقابل العادل.

(3) أي: غير الشيعي و الثقة و العادل، و هو الفقيه. غرضه أنّه مع تعذر إرادة الفقيه من المماثلة يتعيّن أحد الثلاثة، و هي الشيعي و الثقة و العادل، لسلامة مفهومها عن التقييد. بخلاف إرادة الفقاهة من المماثلة، فإنّ مفهومها يقيّد بالتمكن من الفقيه، يعني: فيه بأس مع التمكن من الفقيه، و عدم البأس مع عدم التمكن من الفقيه.

(4) صفة لقوله: «أحدها» و ضميرا «أحدها، بينها» راجعان إلى الاحتمالات الأخر، و هي الثلاثة التي هي غير الفقاهة من وجوه المماثلة.

(5) اللفظي، و العملي إن وصلت النوبة إليه. أمّا الأوّل فهو المستفاد من مثل قوله «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و جعلنا فداه»: «لا يحلّ مال امرء مسلم إلّا بطيب نفسه».

و أمّا الثاني فهو أصالة عدم ولاية أحد على غيره. أو أصالة الفساد و عدم ترتب

ص: 214

بالأخصّ (1) منها و هو العدل.

[الظاهر من بعض الروايات كفاية الأمانة و ملاحظة مصلحة اليتيم]

لكن (2) الظاهر من بعض الروايات (3) كفاية الأمانة و ملاحظة مصلحة اليتيم، فيكون (4) مفسّرا للاحتمال الثاني في وجه المماثلة المذكورة في الصحيحة (5).

ففي صحيحة علي بن رئاب (6) «رجل مات و بيني و بينه قرابة، و ترك أولادا صغارا، و مماليك (7) [غلمانا] و جواري، و لم يوص، فما ترى (8) فيمن يشتري منهم الجارية و يتّخذها (9) أمّ ولد؟ و ما ترى في بيعهم؟

______________________________

أثر على تصرفه الاعتباري من عقد أو إيقاع إن لم تجر أصالة عدم ولاية أحد على غيره.

(1) و الأخصّ من تلك الاحتمالات الثلاثة الأخر هو العدل، لأنّه شيعي و ثقة، بخلافهما، فإنّهما أعم منه للثقة غير العادل كبعض العامة، و الشيعي غير العادل كفسّاق الشيعة.

(2) هذا عدول من المصنف قدّس سرّه عمّا أفاده- من اعتبار العدالة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين- إلى الإكتفاء بالأمانة، و عدم اعتبار العدالة.

(3) و هو صحيحة علي بن رئاب و موثقة زرعة المذكورتان في المتن.

(4) يعني: فيكون بعض الروايات مفسّرا للاحتمال الثاني و هو المماثلة في الوثاقة.

(5) و هي صحيحة محمّد بن إسماعيل المذكورة في (ص 205).

(6) في الوسائل هكذا: «سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن رجل ..».

(7) هذه الكلمة غير موجودة في النسخة التي بأيدينا، و لكن أثبتناها لوجودها في الوسائل، بل في وصاياه زيادة كلمة «له» بعد «مماليك» و اختلاف في بعض ألفاظ الرواية، و لكن ما في المتن أقرب إلى ما نقله صاحب الوسائل في كتاب البيع.

(8) هذا سؤال عن حكم شراء الجارية للاستيلاد، لا للتجارة كما أنّ قوله:

«و ما ترى في بيعهم» سؤال عن حكم البيع من المتصدّين له.

(9) كذا في نسختنا، و لكن في بيع الوسائل و وصاياه «فيتخذها» بمعنى: يجعلها أمّ ولد.

ص: 215

قال (1) [فقال:] «إن كان لهم وليّ [1] يقوم بأمرهم، باع عليهم و نظر لهم و كان (2) مأجورا [فيهم]. قلت: فما ترى (3) فيمن يشتري منهم الجارية و يتّخذها (4) أمّ ولد؟

فقال (5) لا بأس بذلك إذا باع عليهم القيّم بأمرهم (6) الناظر فيما يصلحهم (7)، و ليس (8) لهم (9) أن يرجعوا

______________________________

(1) يعني: قال علي بن رئاب: فقال الامام عليه السّلام. و لم ترد كلمة «فقال» في نسختنا، كما لم ترد «قال» في وصايا الوسائل. و إنّما ورد «قال فقال» في بيع الوسائل.

(2) هذا مطابق لما في الوسائل، و في وصاياه «كان» بدون «الواو»، و في نسختنا «كان مأجورا» بحذف العاطف، و كذا كلمة «فيهم».

(3) كذا في نسختنا، بالفاء و هو موافق لما في بيع الوسائل، و لكن في الوصايا «ما ترى».

(4) كذا في نسختنا، و لكن في موضعين من الوسائل «فيتخذها».

(5) هذا مطابق لما في بيع الوسائل، و في الوصايا «قال».

(6) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الموضعين من الوسائل «القيّم لهم» بدل «القيّم بأمرهم». و على كلّ فالظرف متعلق ب «القيّم».

(7) المستفاد منه اعتبار المصلحة في متعلق ولايته، و أنّ عدم المفسدة غير كافية.

و هذه الجملة هي المقصودة من نقل الصحيحة للاستشهاد بها على كفاية وثاقة المؤمن المتصدّي للأمر الحسبي، و عدم خيانته.

(8) هذا مطابق لما في وصايا الوسائل، و إلّا ففي البيع «فليس».

(9) يعني: و ليس للصغار- بعد صيرورتهم كبارا- أن يرجعوا، بأن يعترضوا على القيّم فيما فعله، و أن يبطلوا عقوده و تصرفاته.

______________________________

[1] إلّا أن المراد بالوليّ فيه ظاهرا هو الولي الشرعي، بقرينة صحة عمله مع الأجر، إذ ليس لعمل الوليّ غير الشرعي صحة، و من المعلوم أنّ الولي الشرعي هو المأذون من الفقيه الشيعي. و معه لا تصل النوبة إلى ولاية المؤمنين المتأخرة عن ولاية الفقيه، فيخرج عمّا نحن فيه، و يصير أجنبيّا عنه.

ص: 216

فيما فعله (1) القيّم بأمرهم الناظر فيما يصلحهم» «1» الخبر (2).

و موثقة (3) زرعة عن سماعة «في (4) رجل مات و له بنون و بنات صغار و كبار، من (5) غير وصيّة، و له خدم و مماليك (6) كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك (7)؟

قال: إن قام رجل ثقة قاسمهم (8) ذلك

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في بيع الوسائل «فيما صنع» و في وصيته «عمّا صنع» فالموجود في المتن مخالف لما نقله صاحب الوسائل في البيع و الوصايا.

(2) لا حاجة إلى هذه الكلمة، إذ المذكور تمام الحديث لا بعضه.

(3) عطف على: صحيحة علي بن رئاب.

(4) كذا في النسخ، و في الوسائل «سألته عن رجل» و جملتا «و له بنون، و له خدم» حاليّتان للرجل الميّت.

(5) متعلق بقوله: «مات» و يستفاد من هذه الموثقة الإكتفاء بالأمانة، لقوله عليه السّلام في الجواب: «إن قام رجل ثقة».

(6) في بعض نسخ الكتاب زيادة «و عقر»- بفتح العين- المراد به المنزل و القصر.

و لكن الموجود في الوسائل «و عقد». و الظاهر أنه- كصرد- جمع «عقدة» بمعنى الضيعة كما في بعض كتب اللغة، ففي اللسان: «و قال ابن الأنباري: قولهم: لفلان عقدة، العقدة عند العرب الحائط الكثير النخل، و يقال للقرية الكثيرة النخل: عقدة ..» «2».

و عليه فالمراد بالسؤال: أنّ الميّت ورّث عقارا و قرى معمورة.

(7) كذا في أكثر النسخ، و لكن في الوسائل و الكافي و غيرهما زيادة كلمة «الميراث».

(8) فالمنطوق يدل على اعتبار وثاقة من يقوم بأمر التقسيم لئلّا يجحف، كما أن

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 269، الباب 15 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1، و ج 13، ص 474، الباب 88 من أبواب الوصايا، ح 1

(2) لسان العرب، ج 3، ص 299، و نحوه في مجمع البحرين، ج 3، ص 104

ص: 217

كلّه فلا بأس» «1» بناء على أنّ المراد من يوثق به و يطمئنّ بفعله عرفا و إن لم يكن فيه ملكة العدالة (1) [1].

[صحيحة إسماعيل بن سعد على اشتراط تحقّق عنوان العدالة]

لكن في صحيحة إسماعيل بن سعد ما يدلّ على اشتراط تحقّق عنوان العدالة (2)، قال: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل يموت بغير وصيّة، و له ولد صغار

______________________________

مفهوم الشرط يدل على وجود البأس في تصدّي غير الثقة و الأمين.

(1) و ذلك مقتضى إطلاق قوله عليه السّلام: «ثقة» لأعميّة الثقة من العادل. فالمستفاد من هذه الموثقة كفاية الوثاقة في المتصدّي لأمور القاصرين.

و أما بناء على اعتبار الوثاقة في الدين- كما ورد في الصلاة خلف من تثق بدينه- فهي بمعنى العدالة، لا أعم منها.

(2) بعد أن أثبت كفاية الوثاقة في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين، استدرك

______________________________

[1] لكن مورد الموثقة قسمة الميراث، لا التصرفات الأخر التي هي مورد البحث.

و لعلّ للقسمة التي هي تمييز سهام المالكين خصوصية ليست في انتقال سهامهم، فلا قطع بعدم الخصوصية حتى يصحّ التعدي عن القسمة إلى المعاملات الناقلة للسهام.

و الحاصل: أنّه أخصّ من المدّعى، للاختصاص بالقسمة.

و أمّا صحيحة علي بن رئاب فموردها و إن كان هو التصرف الاعتباري، لكن ظاهرها كون الولي القائم بأمرهم شرعيا. فإن كان كذلك فهو أجنبي عما نحن فيه، لكون الولي المنصوب من الفقيه الإمامي مقدّما على المؤمنين، لتقدم ولاية الحاكم و المنصوب من قبله عليهم.

و على هذا فتخرج هذه الصحيحة عن مورد البحث، و هو ولاية المؤمنين، و تكون أجنبية عنه. فلا يناسب ترجيح الاحتمال الثاني- و هو الوثاقة- بهذه الصحيحة و موثقة زرعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 474، الباب 88 من أحكام الوصايا، ح 2، الكافي، ج 7، ص 67، باب من مات بغير وصية و له وارث، ح 3

ص: 218

و كبار، أ يحلّ شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولّى القاضي بيع ذلك؟

فإن تولّاه قاض قد تراضوا به و لم يستخلفه (1) الخليفة (2)، أ يطيب الشراء منه (3) أم لا؟ قال (4) عليه السّلام: إذا كان الأكابر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل في ذلك» (5) «1».

______________________________

و قال: لكنّه يظهر من بعض النصوص اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين، كصحيح إسماعيل بن سعد عن مولانا الرضا عليه الصلاة و السلام المذكور في المتن.

و لا يخفى أنّ هذه الصحيحة تتضمن أحكاما ثلاثة سألها إسماعيل بن سعد عن الامام الرضا صلوات اللّه و سلامه عليه، فقال: «سألت الرضا عليه السّلام عن رجل مات بغير وصية ..

و عن الرجل يموت ..» الى آخر ما في المتن، و اقتصر المصنف على نقل السؤال الثالث المتكفل جوابه عليه السّلام لاعتبار العدالة.

(1) كذا في النسخ، و لكن في الكافي «و لم يستأمره» و في الوسائل و التهذيب «و لم يستعمله» و معناه لم يجعله خليفة أو أميرا أو عاملا.

(2) أي: الخليفة بالحقّ، فاللام للعهد الذهني. و كذا المراد من القاضي في قول السائل «من غير أن يتولّى القاضي».

(3) أي: من القاضي الذي لم يستخلفه الخليفة بالحقّ، بل تراضى الورثة بالقاضي المزبور.

(4) كذا في النسخ، و في الوسائل «فقال»، و هو الأنسب بالسؤال أوّلا و الجواب ثانيا.

(5) أي: في البيع. و هذا مورد الاستشهاد، فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على اعتبار العدالة في القيّم على أموال اليتيم، و عدم كفاية مجرّد الوثاقة و الأمانة فيه، خلافا لما مرّ من الكفاية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 269، الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 1، الكافي، ج 7، ص 67، باب من مات على غير وصية و له وارث صغير، ح 1، تهذيب الأحكام، ج 9، ص 239، باب الزيادات من الوصية، ح 20

ص: 219

[مختار المصنف]

هذا، و الذي ينبغي أن يقال (1)

______________________________

(1) هذا رأي المصنف قدّس سرّه حول اعتبار العدالة و عدمه في ولاية المؤمن في الأمر الحسبي عند تعذر الفقيه الجامع للشرائط، و أنّه هل يجوز للفاسق التصدي له أم لا؟ و قد عرفت إلى هنا الاستدلال على اعتبار العدالة بوجهين، و هما الأصل و النصوص بعد الجمع بينها.

و حاصل ما أفاده: أنّه قد ظهر ممّا تقدم أنّ ولاية المؤمن ثابتة في موردين:

أحدهما: أن يدلّ دليل على تصدّي المؤمن لمورد خاصّ من موارد المعروف، كدليل تجهيز الميت، الشامل للعدول و الفساق. و لا ريب في صحة عمل الفاسق حينئذ.

و هذا بخلاف ما لو اقتضى الدليل تصدّي خصوص العدل للأمر الحسبي، مثل ما تقدم في صحيحة سعد من قول مولانا الامام الرضا عليه السّلام: «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع و قام عدل بذلك» لظهور مفهوم الجملة الشرطية في البأس عن نفوذ البيع لو كان البائع فاسقا. و عليه ففي مورد قيام الدليل الخاص على التصدي يكون هو المعوّل في عموم الولاية للفاسق، أو اختصاصها بالعدل.

ثانيهما: أن يدلّ دليل عامّ على جواز قيام كلّ واحد من المكلّفين بالأمر، سواء العدل و الفاسق. و هذا العموم قد يكون شرعيا كالآية المباركة الآمرة بالإعانة على البرّ و التقوى، و ما روي من أن «كل معروف صدقة» فالإعانة على البرّ و فعل المعروف مطلوبة من الكلّ، و يكون تصدّي غير الفقيه للموارد لأجل دخولها في هذه العمومات الشاملة للفاسق أيضا.

و قد يكون عقليّا، كلزوم إنجاء الطفل من الهلاك حتى لو توقف على التصرف في مال الغير بدون رضاه، لاستقلال العقل به بالنسبة إلى كلّ من العدل و الفاسق.

أمّا المورد الأوّل- و هو نهوض دليل بالنسبة إلى مورد خاص- فالمتّبع نفس الدليل، فإن كان مقتضاه مطلوبية الفعل من كلّ أحد صحّ من الفاسق أيضا. و إن كان مفاده قيام العدل به لم يصحّ من غيره.

و أمّا المورد الثاني- و هو العموم الدال على جواز العمل من الجميع حتى الفاسق-

ص: 220

إنّك قد عرفت (1) أنّ ولاية غير الحاكم لا تثبت إلّا في مقام يكون عموم (2) عقلي (3) أو نقلي (4) يدلّ (5) على رجحان التصدّي لذلك المعروف. أو يكون (6) هناك دليل خاصّ يدلّ عليه (7).

فما ورد (8) فيه نصّ خاصّ اتّبع ذلك النصّ عموما (9) أو خصوصا (10، فقد يشمل الفاسق، و قد لا يشمل.

______________________________

ففيه بحثان: الأوّل في تكليف الفاسق في عمل نفسه، و أنّه هل يكون مأذونا من الشارع في التصدّي أم لا؟

و الثاني: في حكم فعل الغير المترتب على فعل الفاسق. و سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(1) في قوله في (ص 204): «نعم لو فرض المعروف» إلى قوله في (ص 208):

«و بالجملة: تصرف غير الحاكم يحتاج إلى نصّ عقلي أو عموم شرعي، أو خصوص في مورد جزئي».

(2) هذا إشارة إلى ما تقدّم توضيحه بقولنا: «ثانيهما أن يدل ..».

(3) كلزوم حفظ النفس المحترمة من الهلاك، كبيرا كان أو صغيرا، توقّف على التصرف في مال الغير أم لا، عادلا كان الحافظ أم فاسقا.

(4) كالآية الشريفة، و ما روي من: أنّ كل معروف صدقة.

(5) خبر قوله: «يكون» أي: يكون العموم دالّا على رجحان التصدّي .. إلخ.

(6) معطوف على قوله: «يكون» و هذا إشارة الى ما تقدم بقولنا: «أحدهما: أن يدلّ دليل خاص ..» و إنّما قدّمناه في التوضيح- مع تأخر ذكره في المتن- لأجل وضوح حكمه، و عدم بسط المقال فيه، كما سيظهر في المتن.

(7) الضمير راجع إلى «ولاية» فالأولى تأنيثه، أو إرجاعه إلى: تولّي غير الحاكم.

(8) هذا بيان حكم ما إذا ورد دليل- في واقعة خاصة- على التولية.

(9) المراد به عمومه للعدل و غيره، بقرينة قوله: «فقد يشمل الفاسق».

(10) أي: اختصاص الدليل الوارد بالعدل، بقرينة قوله: «و قد لا يشمل».

ص: 221

[جواز مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة إلى نفسه]

و أمّا (1) ما ورد فيه العموم (2) فالكلام فيه قد يقع في جواز مباشرة الفاسق (3) و تكليفه (4) بالنسبة إلى نفسه، و أنّه (5) هل يكون مأذونا من الشرع في المباشرة أم لا؟ و قد (6) يكون بالنسبة إلى ما يتعلّق من فعله (7) بفعل غيره إذا لم يعلم (8) وقوعه على وجه المصلحة، كالشراء (9) منه مثلا.

أمّا الأوّل (10، فالظاهر جوازه، و أنّ العدالة ليست معتبرة في منصب

______________________________

(1) معطوف على «فما ورد». و ضمير «فيه» في الموضعين راجع الى الموصول المراد به «المعروف».

(2) كآية التعاون، و «كل معروف صدقة» و «عون الضعيف من أفضل الصدقة».

(3) هذا إشارة إلى البحث الأوّل، و هو تكليف الفاسق بالنسبة إلى عمل نفسه، كجواز أن يصلّي على الميت.

(4) هذا الضمير و ضميرا «نفسه، يكون» راجعة إلى الفاسق.

(5) معطوف على «جواز» و مفسّر له، و الضمير للشأن، و يمكن رجوعه الى الفاسق.

(6) معطوف على «قد يقع» و الأولى بالنظر إلى سوق البيان إبدال «يكون» ب «يقع».

و كيف كان فهذا إشارة إلى البحث الثاني، و هو ترتب فعل الغير على فعل الفاسق الذي لم يعلم وقوعه على وجه المصلحة، كالشراء من الفاسق.

(7) أي: فعل الفاسق كالبيع المتعلّق بفعل غيره، و هو الشراء.

(8) أي: لم يعلم الغير وقوع فعل الفاسق على وجه المصلحة.

(9) هذا مثال لفعل غيره، كأنّه قيل: «بفعل غيره كالشراء منه».

(10) أي: البحث الأوّل، و هو مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة إلى نفسه، و حاصل ما أفاده: جواز مباشرة الفاسق بالنسبة إلى تكليف نفسه، و عدم اعتبار عدالته في فعله المباشري، و ذلك لعموم أدلة ذلك المعروف الشامل للفاسق.

ص: 222

المباشرة، لعموم أدلّة فعل ذلك المعروف (1)، و لو (2) مثل قوله عليه السّلام: «عون الضعيف من أفضل الصدقة» «1»، و عموم (3) قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «2»، و نحو (4) ذلك.

و صحيحة (5) محمّد بن إسماعيل السابقة، قد عرفت (6) أنّها محمولة على صحيحة عليّ بن رئاب المتقدّمة، بل (7) موثّقة زرعة و غير ذلك

______________________________

(1) كالصلاة على الميّت، التي لا تعتبر العدالة فيمن يصلّيها.

(2) وصلية، أي: و لو كان الدليل مثل قوله عليه السّلام .. إلخ.

(3) معطوف على «قوله» في: «مثل قوله».

(4) كقوله تعالى تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ فإنّ هذه العمومات ظاهرة في عدم اعتبار العدالة في المباشر، فيجوز للفاسق مباشرة الفعل.

(5) مبتدء، خبره «قد عرفت» و هذا دفع وهم. أمّا الوهم فحاصله: أنّه كيف يجوز للفاسق التصدي للأمور التي لا تحتاج إلى إذن الفقيه؟ مع دلالة صحيحة محمّد بن إسماعيل المتقدمة في (ص 210) على اعتبار العدالة، بناء على إرادة العدالة من الوجوه الأربعة المذكورة للمماثلة.

(6) و أمّا دفع الوهم، فحاصله: أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل- بناء على إرادة العدالة من وجوه المماثلة محمولة على صحيحة علي بن رئاب. المتقدمة في (ص 215) التي أريد فيها الأمانة من العدالة.

(7) معطوف على «صحيحة» يعني: بل يحمل صحيحة محمّد بن إسماعيل أيضا على موثقة زرعة المذكورة في (ص 217) بناء على إرادة الأمانة من كلمة «ثقة» لا إرادة الاحتمال الآخر، و هي العدالة التي هي من وجوه المماثلة في صحيحة محمّد بن إسماعيل

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 108، الباب 59 من أبواب جهاد العدو، ح 2، و متن الحديث فيه «عونك للضعيف ..».

(2) سورة الانعام، الآية 152، الإسراء، الآية 34

ص: 223

ممّا سيأتي (1).

و لو ترتّب حكم الغير (2) على الفعل الصحيح منه- كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له (3)-

______________________________

المتقدمة.

فالنتيجة: أنّ الشرط في تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين هو الأمانة لا العدالة.

(1) كحسنة الكابلي الآتية.

(2) أي: غير الفاسق المتصدّي للفعل كصلاة الميت، و حاصله: أنّه لو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف عنه على الفعل الصحيح الصادر عن الفاسق، و شكّ ذلك الغير في صحّة الفعل الصادر عن الفاسق، فالظاهر سقوط الصلاة عن الغير، لجريان أصل الصحة في فعل الفاسق، لأنّه مسلم.

و بيانه: أنّ مثل الصلاة على الميت واجب كفائي على المكلفين، و يسقط بإتيان بعضهم لو صدر منه صحيحا، فإن أحرزت الصحة بالعلم أو الاطمئنان أو بأمارة شرعية، فلا شبهة في سقوط التكليف عن الآخرين بما أتى به الفاسق.

و إن شكّ في صحة فعله- مع العلم بصدوره- أمكن الحكم بتحقق الامتثال استنادا إلى أصالة الصحة في فعل المسلم. فيكون المقام نظير الموضوعات المركّبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان، و بعضها بالتعبد، كالضمان المترتب على وضع اليد على مال الغير بدون رضاه، و كان الاستيلاء معلوما، و شك في طيب نفس المالك، فيستصحب عدم رضاه و عدم طيب نفسه، و يترتب عليه الحكم بالضمان.

و كذا الحال في المقام، لفرض أنّ الفاسق صلّى على الميت، و شكّ في صحته و فساده، و مقتضى أصل الصحة الحكم بصحته، و يترتب عليه سقوط التكليف الكفائي عن الآخرين.

هذا كلّه لو أحرز صدور الفعل، و كان الشك متمحضا في صحته. و أمّا لو شك في أصل الفعل و أخبر الفاسق بالصلاة على الميت فقبول إخباره مشكل.

(3) أي: للميت، و ضمير «منه» راجع إلى الفاسق.

ص: 224

فالظاهر (1) سقوطها (2) عن غيره إذا علم صدور الفعل منه و شكّ في صحته.

و لو شكّ (3) في حدوث الفعل منه و أخبر به، ففي قبوله إشكال (4).

[مباشرة الفاسق و تكليفه بالنسبة إلى فعل غيره]

و أمّا الثاني (5) فالظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز الشراء منه و إن ادّعى كون البيع مصلحة، بل يجب أخذ المال من يده.

______________________________

(1) جواب «لو» في قوله: «و لو ترتب».

(2) أي: سقوط صلاة الميت عن غير الفاسق إذا علم الغير صدور الفعل من الفاسق، و شكّ في صحة الفعل الصادر من الفاسق، فإنّه يبنى على صحتها، حملا لفعل المسلم على الصحيح.

و الحاصل: أنّه لا يعتبر عدالة المباشر بالنسبة إلى فعل نفسه.

(3) يعني: و لو شكّ الغير في صدور الفعل من الفاسق، و أخبر الفاسق بصدور الفعل منه، ففي قبول إخباره إشكال.

(4) هذا الإشكال ناش من: أنّ إخباره فعل من أفعاله، و عند الشك في الصحة- التي هي صدقة- يجب حمله على الصحة، أي البناء على مشروعية خبره و صدقه.

و من: أنّ إخباره نبأ، فتشمله آية النبإ الآمرة بالتبيّن فيه. و بعد إحراز صدقة- أي مطابقته للواقع- يقبل، و يترتب عليه أثره.

(5) هذا إشارة إلى البحث الثاني. و هو: حكم فعل الفاسق إن كان متعلّقا بفعل غيره، كما إذا تصدّى للأمر الحسبي كبيع مال اليتيم مع رعاية مصلحته، فمثل هذا التصرف يتعلق بالغير، لأن تمليك مال اليتيم بعوض منوط بتملك الغير له حتى يحلّ له التصرف فيه.

و حاصل ما أفاده في هذا البحث هو: أنّ الظاهر اشتراط العدالة فيه، فلا يجوز شراء مال الطفل و سائر القاصرين من الفاسق و إن ادّعى كون البيع مصلحة للقاصر.

و ذلك لوجهين:

أحدهما: صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدمة في (ص 218) المتضمنة لقوله: «و قام عدل في ذلك». بل و موثقة زرعة المتقدمة في (ص 217) بناء على إرادة العدالة من الوثاقة.

ص: 225

[عدم كفاية حمل فعل المسلم على الصحة]

و يدلّ عليه (1)- بعد صحيحة إسماعيل بن سعد المتقدّمة، بل (2) و موثّقة زرعة، بناء على إرادة العدالة من الوثاقة-: أنّ (3) عموم أدلّة القيام بذلك المعروف لا يرفع اليد عنه بمجرّد تصرّف الفاسق، فإنّ وجوب إصلاح مال اليتيم (4) و مراعاة غبطته لا يرتفع عن الغير بمجرّد تصرّف الفاسق.

و لا يجدي هنا (5) حمل فعل المسلم على الصحيح،

______________________________

(1) أي: على اشتراط العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين.

(2) أشار به إلى: أنّ في موثقة زرعة احتمالا آخر، و هو: إرادة الوثاقة و الاطمئنان لا العدالة. فالموثقة دليل على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين بناء على إرادة العدل من الثقة.

و الظاهر أنّ «بل» هنا إمّا لمجرّد العطف، و إمّا للانتقال من دلالة الصحيحة إلى دلالة الموثقة، فإن الانتقال من غرض إلى غرض آخر- لا الإبطال- عدّ معنى لهذا الحرف «1».

(3) جملة «انّ» مع اسمها و خبرها مرفوعة محلّا، لكونها فاعلا لقوله: «و يدل عليه».

و هذا ثاني وجهي اعتبار العدالة في المتصدّي لأمور القاصرين بالنسبة إلى ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح الصادر من العامل، كسقوط صلاة الميّت عن غير المصلّي.

و محصل هذا الوجه الثاني: أنّ الفاسق و إن جاز له التصرف بمقتضى عموم أدلة القيام بذلك المعروف- كبيع مال اليتيم- إلّا أنّه لا يسقط تكليف السائرين بإصلاح مال اليتيم بمجرّد تصرف الفاسق، مع الشك في كون تصرفه إصلاحا لمال المولّى عليه القاصر.

و أصالة الصحة لا تثبت كون التصرف إصلاحا لمال الطفل حتى يجوز للمشتري الشراء، لأنّ الشك هنا في أصل الوجود، لا في صحة الموجود، حيث إنّ المأمور به هو الإصلاح الذي يكون مشكوك الوجود، و الأصل المصحّح لا يثبت أصل الوجود.

فالنتيجة: أنّ مجرد تصرف الفاسق لا يرفع التكليف عن الغير.

(4) أو غيره من القاصرين، فإنّ وجوب إصلاح ما لهم ثابت على الكل كفاية.

(5) أي: بيع الفاسق و شراء الغير منه. و هذا إشارة إلى وهم و دفع.

______________________________

(1) راجع مغني اللبيب، ج 1، ص 152

ص: 226

كما في مثال الصلاة المتقدّم (1) لأنّ (2) الواجب هناك هي صلاة صحيحة، و قد علم صدور أصل الصلاة من الفاسق، و إذا شكّ في صحّتها أحرزت (3) بأصالة الصحّة.

و أمّا الحكم فيما نحن فيه (4)، فلم يحمل على التصرّف الصحيح، و إنّما حمل على موضوع هو إصلاح المال، و مراعاة الحال، و الشكّ في أصل تحقّق ذلك (5)، فهو (6) كما لو أخبر فاسق بأصل الصلاة مع الشك فيها.

______________________________

أمّا الوهم فهو: أنّ الفاسق بمقتضى إسلامه يحمل فعله على الصحيح، كما في المثال المتقدم و هو الصلاة. و حينئذ إذا حمل بيعه على الصحيح سقط وجوب القيام بالمعروف عن العادل.

(1) في (ص 224) بقوله: «و لو ترتب حكم الغير على الفعل الصحيح منه كما إذا صلّى فاسق على ميّت لا وليّ له» فقوله: «كما» مثال للمنفي و هو إجداء أصالة الصحة.

(2) هذا دفع التوهم المزبور، و محصّله: أنّه فرق بين الصلاة و بين إصلاح مال اليتيم، و هو ما أشرنا إليه من: أنّ الشك في المثال المتقدم شك في صحة الموجود، و المفروض أنّ الأثر- و هو السقوط عن غير الفاسق- منوط بصحة الصلاة. أي صلاة الميت. و صحتها تحرز بأصل الصحة في فعل المسلم، فتسقط عن غير الفاسق.

و هذا بخلاف المقام، فإنّ الواجب- و هو إصلاح مال القاصرين- مشكوك الوجود، و أصالة الصحة لا تثبت الوجود، بل تثبت وصفه و هو صحته، و لا تثبت شيئا خارجيا كإصلاح مال القاصرين إلّا بناء على القول بالأصل المثبت.

(3) يعني: أحرزت صحتها بأصالة الصحة الجارية في فعل المسلم.

(4) و هو ارتفاع وجوب إصلاح مال اليتيم عن غير الفاسق، فلم يحمل على التصرف الصحيح حتى تجري فيه أصالة الصحة، بل حمل على موضوع و هو إصلاح المال، و الشكّ فيه شك في أصل وجوده، فهو نظير إخبار الفاسق بأصل الصلاة مع شك الغير في صدقه. و قد تقدم في (ص 225) الإشكال في قبوله.

(5) أي: في تحقق الموضوع أعني به إصلاح المال الذي هو المعروف الواجب على الكل.

(6) أي: فالشكّ في تحقق الموضوع، و هو إصلاح المال، كإخبار الفاسق بأصل

ص: 227

و إن شئت قلت (1) إنّ شراء مال اليتيم لا بدّ أن يكون مصلحة له (2)، و لا يجوز (3) [و لا يحرز] ذلك (4) بأصالة صحّة البيع من البائع، كما لو شكّ

______________________________

الصلاة أي بوجودها مع شكّ الغير في وجودها في عدم حمل خبره على الصحة، فلا يقال:

إنّ ما أخبر به من وقوع الصلاة صحيح.

(1) ظاهر العبارة تقريب منع أصالة الصحة في المقام ممّا يكون حكم الغير معلّقا على موضوع الإصلاح. و توضيحه: أنّ من يشتري من الفاسق ما بيده من مال اليتيم- مثلا- يتصرّف في هذا المال بقبوله لإنشاء البائع، و لا بدّ من إحراز وقوع القبول على وجه يكون أصلح بحال اليتيم، فلو شك هذا المشتري في كون هذه المعاملة أحسن بحال اليتيم لم يجده إجراء أصالة الصحة في إيجاب البائع، لأنّها لا تثبت إلّا صحة الإيجاب صحّة تأهليّة بحيث لو لحقه القبول لترتّب عليه النقل و الانتقال. و بما أن المشتري شاكّ في تحقق المصلحة في هذا العقد- المؤلّف من الإيجاب و القبول- لم يكن له سبيل إلى إحراز كون قبوله واقعا على وجه أحسن حتى يترتب عليه أثره، و هو الحكم بحصول النقل.

هذا ما أفاده المحقق الايرواني قدّس سرّه في توضيح العبارة، و جعلها وجها آخر للمنع من التمسك بأصالة الصحة هنا، و قال: إنّه يمنع من ترتيب الأثر في كل مقام اشترك الشرط بين اثنين، كالنقل المنوط بصحة الإيجاب و القبول، المفروض اشتراطهما- في العقد على مال اليتيم- برعاية المصلحة «1».

(2) أي: لليتيم، و لا يحرز كون شراء المال ذا مصلحة لليتيم بإجراء أصل الصحة في إيجاب البائع، كما أنّه لا يحرز بلوغ البائع- عند شك المشتري فيه- بأصالة الصحة، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ.

(3) كذا في نسختنا، و الظاهر كما في بعض النسخ المصححة «و لا يحرز».

(4) أي: كون شراء مال اليتيم ذا مصلحة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 159

ص: 228

المشتري في بلوغ (1) البائع؛ فتأمّل (2).

نعم (3) [1] لو وجد في يد الفاسق ثمن من مال الصغير،

______________________________

(1) حيث إنّ المشكوك فيه شرط صحة البيع، و هو بلوغ البائع، و من المعلوم قصور أصل الصحة عن إثباته.

(2) لعلّه إشارة إلى الفرق بين ما نحن فيه- و هو الشراء من الفاسق- و بين الشك في بلوغ البائع. و محصل الفرق بينهما: أنّ مجرى أصالة الصحة هو العمل الذي يشكّ في أنّ عامله هل أتى به ناقصا بمعنى أنّه ترك شيئا نسيانا من أجزائه و شرائطه أم أتى به تامّا؟

فالشك يكون في أمر اختياري له من الفعل و الترك.

و أمّا إذا كان المشكوك فيه أمرا غير اختياري كالبلوغ، فلا تجري فيه أصالة الصحة.

و عليه فلا يجري أصل الصحة في الشك في البلوغ، بل يجري فيه استصحاب عدم البلوغ. و يجري فيما نحن فيه، و هو البيع مع مراعاة إصلاح مال اليتيم، فإنّه أمر اختياري للبائع، فتجري فيه أصالة الصحة.

و يحتمل أن يكون الأمر بالتأمل إشارة إلى ما قيل: من جريان أصل الصحة في البلوغ و غيره، كما اختاره المصنف قدّس سرّه في الأصول «1».

(3) هذا استدراك على عدم جريان أصالة الصحة في مسألة شراء مال اليتيم من

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى قوله قدّس سرّه: «و الشك في أصل تحقق ذلك» إلى قوله:

«و لا يجوز ذلك بأصالة صحة البيع من البائع» عدم جريان أصالة الصحة فيما أفاده بقوله:

«نعم ..» لأنّ كلّا من الإيجاب و القبول لا بدّ أن يكون إصلاحا للمال. فالشك في الإصلاح بالنسبة إلى كلّ من الإيجاب و القبول شك في وجود الموضوع، فلا تجري أصالة الصحة في شي ء منهما.

______________________________

(1) راجع فرائد الأصول، ج 3، ص 360، تحقيق مجمع الفكر الإسلامي، 1419

ص: 229

لم يلزم الفسخ (1) مع المشتري و أخذ (2) الثمن من الفاسق، لأنّ (3) مال اليتيم الذي يجب إصلاحه و حفظه من التلف لا يعلم أنّه (4) الثمن أو المثمن، و أصالة صحّة المعاملة من الطرفين يحكم بالأوّل (5)، فتدبّر (6).

______________________________

الفاسق، و الغرض جريان أصل الصحة في مسألة أخرى، و هي: وجدان ثمن مال الصغير في يد الفاسق، فإنّ مقتضى أصالة الصحة- الجارية في بيع الفاسق مال الصغير و شرائه- كون مال الصغير هو الثمن، و مال المشتري هو المثمن. فليس لشخص ثالث- أي ما عدا المتبايعين- إلزام البائع الفاسق على الفسخ مع المشتري، و أخذ الثمن من البائع الفاسق، و استرداد المبيع من المشتري، و دفع الثمن إليه.

(1) لعل الأولى التعبير عن «الفسخ» بالاسترداد من المشتري، لاختصاص الفسخ بحلّ العقد الصحيح، إلّا أن يراد نتيجة الفسخ، و هي استرداد المثمن من المشتري، و الأمر سهل.

(2) معطوف على «الفسخ» يعني: لم يلزم الفسخ، و لم يلزم أخذ الثمن من الفاسق حفظا لمال الصغير. و الوجه في عدم لزوم الفسخ و أخذ الثمن من البائع الفاسق هو: أنّه لا يعلم أنّ مال اليتيم الذي يجب على الكل إصلاحه و حفظه من التلف هو المبيع الذي عند المشتري حتى يجب استرداده، فالشبهة موضوعية لدليل وجوب إصلاح مال اليتيم.

و معه لا وجه للاستدلال به لوجوب استرداد المبيع من المشتري، بل مقتضى أصالة الصحة في المعاملة هو كون الثمن مال اليتيم.

(3) تعليل لقوله: «لم يلزم الفسخ» و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «و الوجه في عدم لزوم .. إلخ»، و قوله: «لا يعلم» خبر «لأنّ».

(4) أي: مال اليتيم. و هذا إشارة إلى كون الشبهة مصداقية، فلا يصح الاستدلال بدليل وجوب حفظ مال اليتيم على لزوم استرداد المبيع من المشتري و دفع الثمن إليه.

(5) و هو كون الثمن مال اليتيم.

(6) لعله إشارة إلى الفرق بين هذه الصورة الجارية فيها أصالة الصحة، و الصورة السابقة التي لا تجري فيها أصالة الصحة.

و حاصل الفرق بينهما هو: أنّ إصلاح مال اليتيم شرط في صحة كلّ من الإيجاب و القبول ابتداء، إذ كل منهما يتصرف في مال اليتيم بإعطاء البائع و أخذ المشتري، و لذا

ص: 230

[جواز تصرّف المؤمنين، على وجه التكليف]

ثمّ إنّه حيث ثبت جواز تصرّف المؤمنين، فالظاهر (1) أنّه على وجه التكليف

______________________________

لو وقعت المبايعة بين شخصين، و شكّ شخص ثالث في صحتها فله إجراء أصالة الصحة في فعلهما، بخلاف ما نحن فيه، لعدم وقوع قبول بعد حتى يجري فيه أصل الصحة.

و جريانه في الإيجاب لا يجدي، لأنّ أثره الصحة التأهلية أي الصالحة لانضمام القبول الصحيح إليه، لا الصحة الفعلية.

(1) هل يجوز لبعض المؤمنين مزاحمة غيره أم لا؟ هذه الجهة الرابعة من جهات البحث في مسألة ولاية عدول المؤمنين، و هي:

أنّه لو أقدم بعضهم على إنجاز فعل- ممّا يصدق عليه عنوان «المعروف»- فهل يجوز لمؤمن آخر مزاحمته و منعه من الإقدام أم لا؟

و محصل ما أفاده قدّس سرّه: أنّ منع المزاحمة مبني على كون جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين حكما وضعيّا أعني به الولاية المفوّضة من الامام عليه السّلام أو من الفقيه. كما أن مبنى جواز المزاحمة هو ظهور الدليل في التكليف بمعنى أنّه يجب على المؤمنين القيام بالمعروف أو يستحب.

فهنا احتمالان، و اختار المصنف الثاني، و أنّه ليس لعدول المؤمنين ولاية أصلا، لا بعنوان النيابة و لا بعنوان آخر، و إنّما هو تكليف محض، فلا وجه لمنع المزاحمة أصلا.

________________________________________

و لعلّ وجهه تيقّنه ممّا دلّ على جواز تصدّي المؤمنين لأمور القاصرين، فإنّ الولاية خلاف الأصل، و الدليل قاصر عن إثباتها لهم. فالمتيقن هو جواز التصدّي، إمّا وجوبا كما في الصلاة على ميّت لا وليّ له، و نحوه ممّا وجب كفاية. و إمّا ندبا كما في التصرف في مال اليتيم بقصد الاسترباح و الاستمناء له استنادا إلى كونه إعانة على البرّ، إذ الآية- كما قيل- لا تدل على الوجوب، بل على الجواز أو الاستحباب، لو صدق على ذلك عنوان «الإعانة على البرّ».

و على هذا فجواز تصدّي عدول المؤمنين يكون في الأثر نظير ولاية الأب و الجد على الصغير، في أنّه يجوز لكلّ منهما التصرّف بما يكون صلاحا له، فلو أراد الأب مثلا بيع

ص: 231

الوجوبيّ أو الندبيّ، لا على وجه النيابة من حاكم الشرع، فضلا (1) عن كونه على وجه النصب من الإمام، فمجرّد (2) [1] وضع العدل يده على مال اليتيم

______________________________

شي ء من أمواله جاز للجدّ مزاحمته قبل تصدّي الأب. فكذا لو أقدم المؤمن العدل على إنجاز واقعة جاز للعدل الآخر منعه، و تصدّي الأمر بنفسه بزعم كون فعله أصلح من فعل الغير. لما عرفت من أن دليل جواز تصدّي المؤمنين- تكليفا- يعمّ الجميع على نهج واحد، و لا مرجّح لسبق بعضهم، هذا.

و قد فرّع المصنف قدّس سرّه فرعين على جواز المزاحمة، و سيأتي بيانهما.

(1) يعني لا ولاية هناك بالنسبة إلى المؤمن العدل، لا من جهة النيابة العامة عن الفقيه الجامع للشرائط الذي له الولاية- بناء على ولايته على الأمور الحسبية كما تقدم- و لا على وجه الولاية المستقلة بالنصب من قبل المعصوم عليه السّلام.

فإن كان جواز تصدّي العدول على وجه النيابة عن الفقيه الذي هن الولي الشرعي فحكمها زوالها بموت الفقيه. و إن كان على وجه النصب من قبل الامام عليه السّلام كان ولاية مستقلة ناشئة من النصب، و هي باقية بعد موت الامام عليه السّلام.

و بهذا ظهر الوجه في التعبير ب «فضلا» لأن عدم كون المؤمن العدل نائبا عن الفقيه الذي هو الولي يقتضي هنا- بالأولوية- انتفاء ولايته المستقلة من جهة كونه منصوبا من قبله عليه السّلام.

(2) هذا متفرع على كون تصدّيهم على وجه التكليف، لا على وجه النيابة، إذ

______________________________

[1] الظاهر أن جواز تصدي مؤمن آخر للواقعة مع تصدي مؤمن لها قبل ذلك و عدم جواز التصدي لها- بناء على كون جواز تصدي المؤمنين لأمور القصّر على وجه التكليف لا على وجه النيابة- مبنيّ على إطلاق دليل جواز التصدي و عدمه.

فعلى الأوّل يجوز التصدي للواقعة مع تصدي مؤمن آخر لها قبله.

و على الثاني لا يجوز ذلك.

فمجرد كون جواز تصدي المؤمنين من باب التكليف- لا من باب الولاية- لا يوجب منع المؤمن الآخر عن التصدي للواقعة التي وضع قبله مؤمن يده عليها.

ص: 232

لا يوجب (1) منع الآخر و مزاحمته (2) بالبيع و نحوه.

و لو (3) نقله بعقد جائز، فوجد الآخر المصلحة في استرداده، جاز الفسخ إذا كان الخيار ثابتا بأصل الشرع (4)، أو بجعلهما (5) مع جعله لليتيم [للصغير] أو مطلق وليّه من غير تخصيص بالعاقد.

______________________________

لو كان على وجه الولاية و النيابة أمكن أن يقال: إنّه بمجرّد وضع يد مؤمن على الواقعة يخرج المولّى عليه عن عنوان «من لا ولي له» فلا يبقى موضوع لتصدّي مؤمن آخر للواقعة.

(1) خبر «فمجرد».

(2) معطوف على «منع» و الضمير راجع الى الآخر.

(3) هذا أوّل الفرعين، و الأولى إبدال «الواو» بالفاء، بأن يقال: «فلو نقله» لأنه من فروع جواز منع الآخر و مزاحمته بالبيع و نحوه. يعني: و لو نقل العدل مال اليتيم بعقد جائز، فوجد مؤمن آخر المصلحة في استرداده، ففي جواز الفسخ و عدمه تفصيل بين صور المسألة، و هي:

الاولى: أن يكون تزلزل العقد لأجل الخيار المجعول بحكم الشارع كخيار المجلس و الحيوان و العيب و الغبن.

الثانية: أن يكون تزلزل العقد لأجل خيار الشرط الثابت بجعل المتبايعين للصغير، أو لمطلق الوليّ عليه.

ففي هاتين الصورتين يجوز للعدل الآخر الفسخ، لصدق «الوليّ» عليه.

الثالثة: أن يكون تزلزل البيع لأجل خيار الشرط المجعول لخصوص العاقد، لا لمطلق الولي، فلا يمضي فسخ العدل الآخر، و لا يجوز استرداد مال اليتيم ممّن انتقل إليه.

(4) كخيارات: المجلس و الحيوان و العيب و الغبن.

(5) معطوف على «بأصل» يعني: أو كان الخيار ثابتا بجعل المتبايعين، مع جعل الخيار للصغير أو لوليّه مطلقا من غير خصوصية للعاقد، إذ مع اختصاص الخيار بالمتعاقدين أو أحدهما- و عدم الخيار للصغير و لا لمطلق وليّه حتى يجوز لمؤمن آخر

ص: 233

و لو (1) [و أمّا لو] أراد بيعه من شخص و عرّضه لذلك، جاز لغيره بيعه من آخر مع المصلحة، و إن كان في يد الأوّل (2).

و بالجملة (3) فالظاهر أنّ حكم عدول المؤمنين لا يزيد على حكم الأب و الجدّ من حيث جواز التصرّف لكلّ منهما ما لم يتصرّف الآخر.

[حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر]

و أمّا حكّام (4) الشرع، فهل هم كذلك (5)؟ فلو عيّن فقيه من يصلّي على الميّت الذي لا وليّ له، أو من (6) يلي أمواله، أو وضع (7) اليد على مال يتيم، فهل يجوز للآخر مزاحمته أم لا؟

______________________________

فسخه- لا وجه لجواز فسخ غيرهما ممّن لا خيار له، و لا للصغير المولّى عليه.

(1) معطوف على قوله: «و لو نقله» و هذا ثاني الفرعين المترتبين على كون تصدّي المؤمنين من باب التكليف لا النيابة و الولاية، و محصله: أنّه لو أراد مؤمن بيع مال اليتيم، و عرّضه لذلك، جاز لمؤمن آخر بيع ذلك المال من شخص آخر إذا اقتضت المصلحة ذلك و إن كان المال في يد المؤمن الأوّل.

(2) أي: المؤمن الأوّل الذي أراد بيع مال اليتيم و عرّضه لذلك.

(3) يعني: و خلاصة البحث- في مزاحمة عدول المؤمنين-: أنّه يجوز التصرف لكل واحد من المؤمنين ما لم يتصرف الآخر فحكم عدول المؤمنين حكم الأب و الجدّ في عرضيّة الولاية.

(4) حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر و هم الفقهاء العدول، فهل هم كعدول المؤمنين في جواز التصرف لكلّ منهم ما لم يتصرف الآخر؟ فتجوز المزاحمة بينهم، أم لا؟

(5) أي: مثل عدول المؤمنين في جواز المزاحمة، فعليه لو عيّن فقيه مؤمنا يصلّي على ميّت لا وليّ له، أو عيّن من يلي أموال ميّت لا وليّ له، أو وضع اليد على مال يتيم، فهل يجوز لفقيه آخر مزاحمة هذا الفقيه أم لا؟

(6) معطوف على الموصول في «من يصلّي».

(7) معطوف على «عيّن» أي: فلو وضع فقيه يده على مال يتيم .. إلخ.

ص: 234

الذي (1) ينبغي أن يقال: إنّه إن استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدّم (2)، جاز المزاحمة قبل وقوع التصرّف اللازم (3)، لأنّ (4) المخاطب بوجوب إرجاع الأمور إلى الحكّام هم العوامّ، فالنهي (5) عن المزاحمة يختصّ بهم.

______________________________

(1) هذا مختار المصنف قدّس سرّه في المقام، و هو التفصيل بلحاظ دليل الولاية. و محصّله:

أنّه إن كان مستند ولاية الفقيه هو صدر التوقيع- أي مع الغض عن التعليل- و هو قوله عليه السّلام: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» جازت المزاحمة قبل تحقق العقد الذي لا يمكن فسخه و حلّه كالبيع اللازم، إذ مع وقوعه ينتفي الموضوع لتصرف غيره. و لا يدلّ التوقيع على حرمة مزاحمة ففيه لمثله، لأنّ المخاطب بوجوب الرجوع إلى الرواة هم العوامّ، فلا يجوز لهم مزاحمة الفقهاء، بل يجب عليهم تفويض الأمر إلى الفقهاء.

و الحاصل: أنّ التوقيع يدلّ على أنّ كلّ واحد من الفقهاء حجّة على العوام، و لا يدلّ على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر نفيا و إثباتا أصلا. و عليه فكل واحد من الفقهاء حجة على العوام في عرض واحد، كولاية الأب و الجدّ.

(2) في (ص 172) المتضمن لقوله: «و أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا».

(3) التقييد ب «اللازم» لأجل انتفاء الموضوع، كالبيع اللازم الموجب لانتقال مال الطفل إلى المشتري، بخلاف ما لو كان التصرف جائزا كالبيع الخياري، لبقاء موضوع المزاحمة كما تقدم في مزاحمة عدول المؤمنين بعضهم بعضا.

(4) تعليل لجواز المزاحمة، و حاصله: أنّ المزاحمة المنهي عنها- بمقتضى التوقيع- مختصة بالعوامّ، و لا تشمل الحكّام.

(5) أي: النهي عن المزاحمة للفقيه- كالأمر بإرجاع الوقائع إلى الفقيه- مختص بالعوامّ المخاطبين بقوله «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف»: «فارجعوا» فيختص النهي عن المزاحمة بهم، فلا يجوز للعوامّ أن يزاحموا الفقهاء في الحوادث الواقعة، بل يجب عليهم إرجاعها إليهم. و أمّا الحكام فمقتضى التوقيع المتقدم كون كلّ منهم حجة من الإمام عليه السّلام على الخلق. نظير ولاية كلّ من الأب و الجدّ على الطفل. و حيث إنّ التوقيع لا يدلّ على

ص: 235

و أمّا الحكّام فكلّ منهم حجة من الإمام عليه السّلام، فلا يجب (1) [1] على كلّ واحد منهم إرجاع الأمر الحادث إلى الآخر، فيجوز له (2) مباشرته و إن كان الآخر دخل فيه (3)، و وضع يده عليه (4). فحال كلّ منهم حال كلّ من الأب و الجدّ في أنّ النافذ تصرّف السابق [2].

______________________________

حكم المزاحمة جوازا و منعا اقتضت حجية كلّ منهم جواز المزاحمة بينهم، كجوازها للأب و الجدّ.

(1) لما مرّ آنفا من أنّ المخاطب بالإرجاع هم العوامّ، فيجوز لكلّ واحد من الفقهاء مباشرة الحادثة الواقعة، لأنّهم المراجع في الحوادث الواقعة. و جواز المزاحمة مبنى على إطلاق دليل تصدّيهم للوقائع و عدمه. فيجوز التصدي لكلّ منهم سواء تصدّى غيره للواقعة أم لا. و مع إهمال الدليل مقتضى الأصل عدم النفوذ.

(2) أي: لكلّ واحد من الحكام مباشرة الأمر الحادث.

(3) أي: دخل الحاكم الآخر في الأمر الحادث قبل هذا الحاكم، و لم يأت بالعمل تماما و أتى به الحاكم الثاني، فالمتّبع هو حكم الحاكم الثاني. فحكم حكّام الشرع حكم الأب و الجدّ في جواز المزاحمة.

و الحاصل: أنّ التصرف النافذ هو التصرف التام سواء سبقه غيره بإيجاد المقدمات أم لا.

(4) أي: على الأمر الحادث، و لكن لم يتم العمل، إذ مع الإتمام لا يبقى موضوع لإقدام الغير.

______________________________

[1] لم يظهر وجه هذا التفريع على حجية كل واحد في ولاية عدول المؤمنين من الحكّام منه صلوات اللّه عليه. و إنّما المتفرع عليه هو قوله: «فيجوز له مباشرته» لأنّ أثر حجية كلّ منهم جواز تصدّي كلّ واحد منهم للواقعة، لا عدم وجوب إرجاع كلّ واحد منهم الواقعة إلى الآخر. نعم لازم هذا الجواز عدم وجوب إرجاع كلّ منهم الحادثة إلى آخر.

[2] لعلّ الأولى إبدال العبارة هكذا: «تصرف الآتي بتمام الواقعة، سواء سبقه غيره أم لحقه بإيجاد المقدمات أم لا» إذ لو لم يكن تصرف السابق تامّا- أي: لم يأت بتمام الواقعة،

ص: 236

و لا عبرة (1) بدخول الآخر في مقدّمات ذلك و بنائه (2) على ما يغاير تصرّف الآخر.

كما يجوز (3) لأحد الحاكمين تصدّي المرافعة قبل حكم الآخر، و إن حضر المترافعان عنده، و أحضر الشهود، و بنى على الحكم (4).

و أمّا (5) لو استندنا في ذلك إلى عمومات النيابة، و أنّ فعل الفقيه كفعل

______________________________

(1) لأنّه بعد إتمام الواقعة ينتفي موضوع الولاية لغيره، فلا أثر لما أتى به من المقدمات.

(2) معطوف على «دخول» و ضميره راجع إلى «الآخر».

(3) هذا معادل قوله: «فيجوز له مباشرته» و لكن لم يظهر مغايرته لما قبله، لأنّ المستفاد من كليهما واحد، و هو تصدّي أحد الحاكمين للحكم و إن شرع الآخر في مقدمات الحكم من إحضار المترافعين و الشهود. و لا بدّ من التأمل في العبارتين حتى يظهر مراده قدّس سرّه منهما.

(4) و لم يحكم بعد، و حينئذ حكم الحاكم الآخر، و هذا الحكم نافذ.

(5) هذا معادل قوله: «إن استندنا في ولاية الفقيه إلخ» و حاصله: أنّ الظاهر حرمة المزاحمة إن استندنا في ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة «1» نظير «العلماء ورثة الأنبياء» و «العلماء أمناء الرسل» و «مجاري الأمور بيد العلماء» و غيرها، و أنّ فعل الفقيه كفعل الإمام و نظره كنظره، في عدم جواز التعدي عنه، لكونه مرجعا في الأمور الحادثة. و ذلك بشهادة جعل رواة الحديث حججا من قبله، لا من قبله تعالى، إذ لم يقل: «فإنهم حجج اللّه» فإضافة حجية الفقهاء الى نفسه المقدسة تقتضي كون الفقيه كالإمام في حرمة

______________________________

و أتى بتمامها غيره- كان النافذ عمل المؤمن الآتي بتمامه، و لا أثر للمقدمات التي أتى بها غيره، و لم يتمّ الواقعة.

______________________________

(1) المتقدمة مع مصادرها في ص 154- 159

ص: 237

الإمام، و نظره (1) كنظره الذي لا يجوز التعدّي عنه- لا (2) من حيث ثبوت الولاية

______________________________

مزاحمة أحد له.

و عليه فلا تجوز مزاحمة الفقيه الذي دخل في مقدمات التصرف و لكن لم يتصرف بعد، لأنّ دخوله في المقدمات- كدخول الامام عليه السّلام فيها- في عدم جواز المزاحمة. فأدلة النيابة لا تشمل التصرف المزاحم لتصرفه عليه السّلام، بل يعدّ ردّا له عليه السّلام، و هو حرام، لأنّ الرّاد عليه كالرّاد على اللّه، و هو على حدّ الشرك باللّه.

(1) معطوف على «فعل الفقيه» يعني: و أنّ نظر الفقيه كنظر الإمام عليه السّلام الذي لا يجوز التعدي عنه.

(2) يعني: ليس منشأ عدم جواز مزاحمة الحكام هو ثبوت ولاية الفقيه على الأنفس و الأموال حتى يقال بعدم ثبوتها له، و نتيجة عدم ثبوتها جواز المزاحمة.

و توضيح ما أفاده: أن مستند ولاية الفقيه إن كان عمومات النيابة عن المعصوم عليه السّلام و تنزيل فعله منزلة فعله عليه السّلام ففيه احتمالان:

أحدهما: نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام في ولايته على الأموال و الأنفس، يعني: أن مثل قوله عليه السّلام «مجاري الأمور بيد العلماء» يدلّ على نيابة العالم عن المعصوم في ولايته المطلقة إلّا ما أخرجه الدليل. و هذا الاحتمال قد تقدم في بحث ولاية الفقيه منعه؛ لقوله هناك: «لكن الانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها أو ذيلها الجزم بأنّها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الأحكام الشرعية، لا كونهم كالنبي و الأئمة صلوات اللّه عليهم أجمعين في كونهم أولى الناس في أموالهم» فلاحظ (ص 160).

ثانيهما: نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام بمعنى لزوم إرجاع الأمور العامة و الحوادث إلى الفقيه على ما يستفاد من التعليل بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجتي عليكم، و أنا حجة اللّه» و ليس معنى حجيّة الفقهاء من قبله عليه السّلام ولايتهم على الأموال و الأنفس. و بناء على هذا الاحتمال يقال بمنع المزاحمة.

و المتحصل: أنّ الاستناد هنا إلى عمومات النيابة ليس عدولا عمّا تقدم في بحث

ص: 238

له (1) على الأنفس و الأموال حتّى يقال: إنّه قد تقدّم عدم ثبوت عموم يدلّ على النيابة في ذلك (2). بل (3) من حيث وجوب إرجاع الأمور الحادثة إليه المستفاد (4) من تعليل الرجوع فيها إلى الفقيه بكونه حجة منه عليه السّلام على الناس-

______________________________

ولاية الفقيه من منع الولاية المطلقة. و وجه عدم كونه عدولا: أنّ لعموم النيابة احتمالين، و الممنوع هو الاحتمال الأوّل، دون الثاني.

و عليه نقول: إنّ عمومات النيابة تقتضي منع مزاحمة فقيه لمثله.

(1) أي: للفقيه.

(2) أي: في المذكور من الأنفس و الأموال.

(3) معطوف على «لا» فكأنّه قال: «و نظره كنظره عليه السّلام الذي لا يجوز التعدي عنه، و ذلك لوجوب إرجاع الحوادث .. إلخ».

(4) نعت ل «وجوب» و حاصله: أنّ وجوب إرجاع الوقائع الحادثة إلى الفقيه يستفاد من التعليل له بقوله عليه السّلام: «فإنّهم حجّتي عليكم» حيث إنّه يدلّ على وجوب الإرجاع إليه عليه السّلام ابتداء، ثم إلى من جعله حجة من قبله للمرجعية، و هم الفقهاء الإمامية أيّدهم اللّه تعالى، و شكر مساعيهم.

فإن قلت: إنّ استناد المصنف قدّس سرّه إلى التوقيع على كلّ واحد من التقديرين- و هما استفادة عموم النيابة من التوقيع، و استفادته من سائر أدلة ولاية الفقيه الّتي من جملتها التعليل الوارد في التوقيع- لا يخلو من تناف، فإنّ مدلول التوقيع واحد لا تعدد فيه، فإمّا أن يستند إليه في الفرض الأوّل الذي جوّز مزاحمة الفقهاء فيه، و إمّا في الفرض الثاني الذي منع من تزاحمهم.

قلت: لا تنافي في كلام المصنف ظاهرا، و ذلك لأنّ غرضه من قوله: «ان استندنا الى مثل التوقيع المتقدم» هو صدر التوقيع الآمر للعوام بإرجاع الحوادث إلى رواة الحديث. كما أنّ غرضه من قوله: «و أما لو استندنا» هو التعليل. و لا مانع من اشتمال كل جملة من التوقيع على أمر غير ما يتكفله الجملة الأخرى.

ص: 239

فالظاهر (1) عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر، و وضع يده عليه، و بنى فيه (2) بحسب نظره على (3) تصرّف و إن لم يفعل نفس ذلك التصرّف،

______________________________

هذا ما أفاده الفقيه المامقاني قدّس سرّه لدفع التنافي «1» [1]. و يرتفع به شبهة المنافاة بين قوله: «ان استندنا في ولاية الفقيه إلى مثل التوقيع المتقدم» و بين قوله: «المستفاد من تعليل الرجوع فيها الى الفقيه بكونه حجّة منه عليه السّلام على الناس».

فما في حاشية العلامة الشهيدي قدّس سرّه من «أن نظر المصنف في عمومات النيابة ليس إلى التوقيع كما قد يتوهم» «2». غير ظاهر جدّا، لعدم ذكر التعليل في ما عدا التوقيع، فلا بدّ من حلّ التنافي بما أفاده في غاية الآمال، فلاحظ و تدبّر.

(1) جواب «أمّا» في قوله: «و أمّا لو استندنا» و حاصله: أنّه مع استناد ولاية الفقيه إلى عمومات النيابة يكون الظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي وضع يده على أمر و بنى على إنفاذه بما يقتضيه نظره.

و الدليل على منع المزاحمة أمران. أحدهما: أنّ دخول الفقيه في أمر كدخول الامام عليه السّلام في عدم جواز المزاحمة معه. فالمستفاد من العمومات بنظر المصنف أن الفقهاء نوّاب الامام عليه السّلام في الوقائع الحادثة، و حكم النائب حكم المنوب عنه في عدم جواز المزاحمة.

و الأمر الثاني اختلال النظام، و سيأتي تقريبه في (ص 244).

(2) هذا الضمير و ضمير «عليه» راجعان إلى «أمر».

(3) متعلق بقوله: «بنى» و الضمائر المستترة في «دخل، وضع، بنى» راجعة إلى الفقيه.

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ هذا و إن تمّ بحسب الكبرى، لكن تطبيقه على المقام مشكل، من جهة أن الذيل تعليل لنفس الأمر بالرجوع إلى رواة الحديث، المذكور في الصدر. فاستفادة حرمة المزاحمة من التعليل و سكوت الإرجاع عنها خفيّة، و لا بدّ من مزيد التأمل.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 422

(2) هداية الطالب إلى أسرار المكاسب، ص 335

ص: 240

لأنّ (1) دخوله فيه كدخول الإمام عليه السّلام، فدخول الثاني (2) فيه و بناؤه على تصرّف آخر مزاحمة (3) له، فهو (4) كمزاحمة الإمام عليه السّلام، فأدلّة (5) النيابة عن الإمام عليه السّلام لا تشمل (6) ما كان فيه مزاحمة الإمام عليه السّلام.

فقد ظهر ممّا ذكرنا (7): الفرق (8) بين الحكّام و بين الأب و الجدّ، لأجل الفرق بين كون كلّ واحد منهم حجّة (9)،

______________________________

(1) أي: لأنّ دخول الفقيه في أمر .. إلخ، و هذا تعليل لقوله: «فالظاهر».

(2) أي: دخول الفقيه الثاني في أمر و بناؤه على تصرف آخر مزاحمة للفقيه الأوّل الذي دخل في الأمر.

(3) خبر قوله: «فدخول الثاني» و ضمير «له» راجع الى الفقيه الأوّل.

(4) أي: مزاحمة الفقيه الثاني للفقيه الأوّل تكون كمزاحمة الإمام عليه السّلام. و الأولى تأنيث الضمير.

(5) مبتدء خبره «لا تشمل» و هذا إشارة إلى وهم و دفع. أمّا الأوّل فهو: أنّ إطلاق أدلة النيابة كاف في جواز المزاحمة، لأنّ مقتضى إطلاقها ولاية كل فقيه، سواء دخل غيره في إنفاذ الواقعة أم لا، و لازم ذلك جواز المزاحمة.

(6) و أمّا الثاني- و هو الدفع- فحاصله: أنّ أدلة النيابة لا تشمل صورة المزاحمة، لأنّ مقتضى النيابة كون النائب كالمنوب عنه في الحكم. و من المعلوم عدم جواز مزاحمة المنوب عنه و هو الامام عليه السّلام، فكذا نائبه، فلا يجوز مزاحمة الفقيه إذا دخل في إنفاذ الواقعة.

(7) من جواز المزاحمة بناء على الاستناد في ولاية الفقيه إلى مثل صدر التوقيع المتقدم، و عدم جوازها بناء على الاستناد في ولايته إلى عموم أدلة النيابة.

(8) فاعل «ظهر» و ملخص الفرق بينهما هو: أنه بناء على استناد ولاية الفقيه الى صدر التوقيع تكون ولايته كولاية الأب و الجدّ في جواز المزاحمة، و بناء على استنادها إلى عمومات أدلة النيابة لا تجوز المزاحمة.

(9) كما هو مقتضى التوقيع، فتجوز المزاحمة كولاية الأب و الجد. و هذا هو الحكم

ص: 241

و بين كون كلّ واحد منهم (1) نائبا.

[الفرق بين الأولياء و الوكلاء]

و ربما يتوهّم (2) كونهم حينئذ (3) كالوكلاء المتعدّدين في أنّ بناء واحد منهم (4) على أمر مأذون فيه لا يمنع (5) الآخر عن تصرّف مغاير لما بنى عليه الأوّل.

و يندفع (6) بأنّ الوكلاء إذا فرضوا (7) وكلاء في نفس التصرّف- لا في

______________________________

الثاني أعني به كون الفقيه حجة.

(1) أي: من الفقهاء نائبا، فإنّ مقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة. و هذا هو الحكم الأوّل، و هما من اللّف و النشر المشوّش، فالأوّل للثاني، و الثاني للأوّل.

(2) بعد أن رجّح المصنف قدّس سرّه منع مزاحمة حاكم لآخر، تعرّض لبيان توهّمين ربما يظهر منهما جواز المزاحمة، ثم ردّهما.

و محصل التوهّم الأوّل: أنّ حكم الحكّام حكم الوكلاء المتعددين في أنّ أحد الوكلاء إذا أقدم على أمر مأذون فيه من ناحية الموكّل جاز لغيره من الوكلاء أن يقدم على أمر مغاير لما أقدم عليه الوكيل الأوّل.

(3) أي: حين كون الحكام نوّابا كالوكلاء المتعددين.

(4) أي: من الوكلاء، و ضمير «كونهم» راجع الى الحكّام.

(5) خبر «أنّ» يعني: أنّ بناء أحد الوكلاء على أمر- مأذون فيه من ناحية الموكّل- لا يمنع الوكيل الآخر عن تصرف مغاير للتصرف الذي بنى عليه الوكيل الأوّل.

(6) يعني: و يندفع هذا التوهم بما محصّله: أنّ الوكلاء على قسمين:

أحدهما: أن يكونوا وكلاء عن شخص في نفس التصرف دون مقدماته، كما لو كانوا وكلاء عن شخص في بيع داره فقط، لا في مقدماته من المقاولة و غيرها.

فما لم يتحقق البيع لا مانع من إقدام أحد الوكلاء على ذلك التصرف. فيحصل التعارض بينه و بين من أقدم قبله، و يكون النفوذ لأسبق التصرفين. و مع فرض التقارن يسقط كلاهما عن الاعتبار، لمقارنة السببين في التأثير.

و بالجملة: ففي هذا القسم الأوّل لا مانع من التزاحم.

(7) هذا إشارة إلى القسم الأوّل من قسمي الوكلاء.

ص: 242

مقدّماته- فما (1) لم يتحقّق التصرّف من أحدهم كان الآخر مأذونا في تصرّف مغاير (2) و إن بنى عليه الأوّل و دخل فيه.

أمّا (3) إذا فرضوا وكلاء عن الشخص الواحد بحيث يكون إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الأمر كدخوله، و فرضنا (4) أيضا عدم دلالة دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل، و التعدّي عمّا بنى هو (5) عليه مباشرة أو استنابة، كان (6) حكمه حكم ما نحن فيه (7) من غير زيادة و لا نقيصة.

______________________________

(1) الجملة جواب «إذا فرضوا» و ضمير «أحدهم» راجع إلى الوكلاء.

(2) أي: مغاير لتصرف الوكيل السابق، و إن بنى الأوّل على التصرف و دخل فيه.

(3) هذا ثاني قسمي الوكلاء، و هو: أنّهم إذا كانوا وكلاء عن شخص واحد في التصرف و مقدماته أيضا كبيع داره مع مقدماته كالمقاولة- بحيث يكون فعلهم كفعله و إلزامهم كإلزامه و دخولهم في الأمر كدخوله فيه، و لم يدلّ دليل وكالتهم على الإذن في مخالفة نفس الموكّل، و التعدّي عما بنى هو عليه مباشرة أو استنابة في إنفاذ الواقعة- كان حكم هؤلاء الوكلاء حكم ما نحن فيه في عدم جواز المزاحمة.

(4) معطوف على «فرضوا» و الغرض من قوله: «فرضنا» بيان حكم ما نحن فيه، و هو: أنّه بناء على كون الحكّام وكلاء عن المعصوم عليه السّلام في نفس التصرف- لا في خصوص مقدماته- فإنّما تكون وكالتهم محدودة بعدم المخالفة للإمام عليه السّلام الذي وكّلهم.

و حيث إن كل واحد منهم وكيل عنه عليه السّلام لم تجز المزاحمة، لكونها ممنوعة، لمزاحمته عليه السّلام.

(5) أي: الموكّل، و ضمير «عليه» راجع الى الموصول في «ما بنى» المراد به التصرف.

(6) جواب قوله: «إذا فرضوا» و مرجع ضمير «حكمه» حكميّ، أي: حكم فرض تنزيل الوكلاء بمنزلة الموكّل- في كون دخولهم في الأمر كدخول الموكّل فيه- يكون حكم ما نحن فيه.

(7) يعني: كان حكم كل واحد من الوكلاء حكم كل واحد من الفقهاء النائبين عن

ص: 243

و الوهم (1) إنّما نشأ من ملاحظة التوكيلات المتعارفة للوكلاء المتعدّدين المتعلّقة (2) بنفس ذي المقدّمة، فتأمّل (3).

هذا كلّه، مضافا (4) إلى لزوم اختلال نظام المصالح [1] المنوطة (5) إلى الحكّام،

______________________________

الامام عليه السّلام في عدم جواز المزاحمة بلا زيادة و لا نقيصة.

(1) يعني: و الوهم المذكور- و هو قياس الحكّام بالوكلاء المتعددين- إنّما نشأ من لحاظ التوكيلات المتعارفة المتعلقة بنفس ذي المقدمة، المستلزم لجواز المزاحمة في المقدمات، و كون النفوذ للعقد السابق.

(2) نعت لقوله: «التوكيلات».

(3) لعله إشارة إلى: أنّ أدلة النيابة كأدلّة الوكالة لا تدلّ أيضا إلّا على النيابة في نفس ذي المقدمة، فحال الحكّام حال الوكلاء المتعددين في التوكيلات المتعارفة في تعلق توكيلهم بنفس ذي المقدمة، فيقع التعارض بينهم، و يكون النفوذ للسابق منهم.

(4) هذا دليل آخر على عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في واقعة لإنفاذها كما أشرنا إليه في (ص 240) و خلاصة هذا الدليل: لزوم اختلال نظام المصالح، الراجع تشخيصها و رعايتها في الوقائع الحادثة إلى الفقهاء العدول، لاختلاف أنظارهم في تشخيصها الموجب لاختلال نظام المصالح، و لا يناط نظامها إلّا بعدم المزاحمة، و كون ولاية الفقيه من باب النيابة حتى لا تجوز المزاحمة، لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة.

(5) صفة للمصالح، فإنّ تشخيص المصالح يكون منوطا بنظر الحكّام، و لعلّ الأولى تبديل «الى الحكام» ب «بالحكام».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا الدليل لو تمّ اقتضى أن تكون ولاية المؤمنين كولاية الفقهاء في عدم جواز المزاحمة. مع أنّهم قالوا بجوازها، و يكون ولايتهم كولاية الأب و الجدّ في جواز المزاحمة، و أنّ النافذ هو التصرف السابق.

إلّا أن يقال: بعدم الولاية للمؤمنين، و أنه ليس لهم إلّا الوجوب التكليفي. لكن محذور اختلال نظام المصالح لا يندفع بالوجوب التكليفي، بل يندفع بعدم جواز المزاحمة.

ص: 244

سيّما في مثل هذا الزمان الذي شاع فيه القيام بوظائف الحكّام ممّن يدّعي الحكومة.

[حرمة مزاحمة الفقيه لمثله]

و كيف كان فقد تبيّن ممّا ذكرنا (1) [1] عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله في كلّ إلزام قوليّ (2) أو فعليّ (3) يجب الرجوع فيه إلى الحاكم، فإذا (4) قبض مال اليتيم من شخص أو عيّن شخصا لقبضه، أو جعله ناظرا عليه (5)، فليس (6) لغيره من الحكّام مخالفة نظره، لأنّ (7) نظره كنظر الإمام عليه السّلام.

______________________________

(1) من كون ولاية الفقيه من باب النيابة، فلا تجوز مزاحمته، لكونها مزاحمة للإمام عليه السّلام. لا من باب الحجية حتى تجوز المزاحمة لحجيّة كل واحد من الفقهاء حينئذ.

(2) كحكمه في المرافعات بأنّ هذا المال لزيد، أو كون الحبوة أربعة أشياء، أو بأن هذا اليوم أوّل الشهر.

(3) كشروع فقيه في تجهيز ميّت لا وليّ له، فلا تجوز لحاكم آخر مزاحمته.

(4) هذا مثال لحرمة المزاحمة، فإذا قبض حاكم مال القاصر- كاليتيم و المجنون- من شخص، أو عيّن شخصا لقبض مال القاصر، أو جعله ناظرا على مال اليتيم مثلا، فليس لحاكم آخر مخالفة نظره.

(5) أي: على مال اليتيم.

(6) جواب «فإذا قبض» و ضميرا «لغيره، نظره» راجعان إلى الحاكم الذي قبض مال اليتيم.

(7) تعليل لعدم جواز مخالفة نظر الحاكم الذي قبض مال اليتيم، أو عيّن شخصا لقبضه. و محصل التعليل هو كون نظر هذا الحاكم نظر الإمام عليه السّلام، إذ المفروض أنّ الحاكم نائبه عليه الصلاة و السلام.

______________________________

[1] لم يختر سابقا عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر .. إلخ بل ذكره بنحو الفرض و التقدير، حيث قال في (ص 240): «فالظاهر عدم جواز مزاحمة الفقيه الذي دخل في أمر و وضع يده عليه» جوابا لقوله في (ص 237): «و أمّا لو استندنا في ذلك على عمومات النيابة ..» فلاحظ.

ص: 245

و أمّا (1) جواز تصدّي مجتهد لمرافعة تصدّاها مجتهد آخر قبل الحكم فيها إذا لم يعرض (2) عنها- بل بنى على الحكم فيها (3)- فلأنّ (4) وجوب الحكم فرع سؤال من له الحكم.

[اشتراط المصلحة في غير الأب و الجد و عدمه]

ثمّ إنّه (5) هل يشترط في ولاية غير الأب و الجدّ ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

______________________________

(1) هذا إشارة إلى التوهم الثاني المشار إليه (ص 242) و هو: أنّ ما اخترتم- من عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله- ينافي ما اختاره الفقهاء «رضوان اللّه تعالى عليهم» من جواز تصدّي مجتهد للحكم في مرافعة تصدّاها مجتهد آخر، و لكنه لم يحكم فيها بعد. فجواز الحكم من المجتهد اللّاحق مزاحمة للمجتهد السابق الذي دخل في الواقعة بانيا على الحكم فيها، و عدم الإعراض عنها، إذ مع الإعراض تنتفي المزاحمة.

(2) يعني: لم يعرض المجتهد الأوّل الذي بنى على الحكم في المرافعة.

(3) هذا الضمير و ضميرا «عنها، فيها» راجعة إلى المرافعة.

(4) جواب «و أمّا» و دفع للتوهم المذكور، و حاصله: أنّه لا يلزم التزاحم في مورد التوهم المزبور، لأنّ التزاحم فرع تعدد الحكم بتعدد الحكّام، و المفروض أنّ وجوب الحكم على الحاكم في المرافعات مشروط بسؤال من له الحكم. و لمّا عدل من له الحكم عن الحاكم الأوّل إلى الحاكم الثاني، فلا وجوب على الحاكم الأوّل حتى يلزم تعدد الحكم الموجب للتزاحم، بل وجوب الحكم مختص حينئذ بالحاكم الثاني، لاختصاص سؤال الحكم به.

فالنتيجة: عدم لزوم التزاحم في مورد الإشكال.

(5) اشتراط المصلحة في غير الأب و الجد و عدمه الضمير للشأن، و هذا إشارة إلى الجهة الخامسة من جهات البحث في مسألة ولاية المؤمنين. و هي: أنّه هل يعتبر في ولاية غير الأب و الجد- و هم الفقهاء و عدول المؤمنين- ملاحظة الغبطة لليتيم أم لا؟

و أما مراعاة غبطة الصغير في الأب و الجدّ فقد سبق الكلام فيه مبسوطا، فراجع (ص 89).

ص: 246

[الاستدلال بالإجماع و بالآية الناهية عن قرب مال اليتيم]

ذكر الشهيد في قواعده: أنّ فيه وجهين (1)

______________________________

(1) أي: أنّ في ولاية غير الأب و الجدّ وجهين. و هذا نقل كلام الشهيد بالمعنى، و سيأتي نصّ عبارته في (ص 268) فلاحظ.

و كيف كان فلعلّ وجه الاشتراط أنّ المتقين من ولاية غير الأب و الجدّ هو صورة ملاحظة غبطة المولّى عليه.

و وجه العدم هو إطلاق دليل الولاية، و تقييده محتاج إلى الدليل.

و لا يخفى أنّ مورد كلام الشهيد قدّس سرّه الآتي هو مطلق الولي الشامل للأب و الجدّ أيضا، إذ مقصوده من الولي هو من يقوم مقام المالك، كما تعرّض له قبل هذه القاعدة بقوله: «و حكم المالك: الأب و الجد، و الوكيل، و الوصي، و الحاكم، و الأمين .. و بعض المؤمنين في مال الطفل عند تعذر الولي ..» «1».

و عليه يكون مورد الوجهين- من اعتبار مراعاة المصلحة و عدمه- جميع الأولياء حتى الأب و الجدّ. و لكن شيخنا الأعظم قدّس سرّه لمّا تعرّض في ولاية الأب و الجد لهذا البحث مفصّلا، فلذا خصّ الكلام هنا بما عداهما، لا للفرق بين ولايتهما و بين سائر الأولياء من الفقهاء و العدول.

و لعلّ المصنف استظهر عدم شمول «الولي» في عبارة القواعد للأب و الجد، بقرينة التعليل بقوله: «لأنه منصوب لها- أي لرعاية مصلحة المولّى عليه» «2» بأن يقال: إنّ ولاية الأب و الجد قهرية لا تتوقف على النصب، بخلاف الوصي و الفقيه و عدول المؤمنين.

و هذا المعنى ذكره السيد العلامة في العناوين جازما به، حيث قال: «لكن كلام الأصحاب في اشتراط المصلحة في تصرف الولي مطلق. نعم ذكر عدم اشتراطها في الإجباري الشهيد رحمه اللّه في قواعده» «3».

و الظاهر أنّ منشأ النسبة هو ما سيأتي نقله من القواعد، إذ لم جد تعرّضه لهذا

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 351

(2) المصدر، ص 352

(3) العناوين، ج 2، ص 560

ص: 247

و لكن ظاهر كثير من كلماتهم أنّه (1) لا يصحّ إلّا مع المصلحة، بل في مفتاح الكرامة:

«أنّه إجماعي» «1».

و أنّ (2) الظاهر من التذكرة في باب الحجر كونه اتفاقيّا بين المسلمين (3).

و عن شيخه (4) في شرح القواعد: «أنّه (5) ظاهر الأصحاب».

و قد عرفت (6) تصريح الشيخ و الحلّي بذلك حتّى في الأب و الجدّ «2».

______________________________

البحث في موضع آخر منه. و لكن قد عرفت في أوّل بحث الولاية أنّ نفوذ تصرف الأب و الجدّ- كغيرهما- منوط بالجعل، و لا يكفي تكوّن الولد منهما في ولايتهما عليه قهرا و إجبارا.

(1) أي: تصرف غير الأب و الجدّ- من الفقهاء و عدول المؤمنين في مال اليتيم- لا يصح إلّا مع المصلحة، بل ذكر السيد في مفتاح الكرامة: أنّ اعتبار ملاحظة المصلحة إجماعي.

(2) معطوف على قوله: «إنّه إجماعي».

(3) يعني: بين جميع المسلمين، لا خصوص الشيعة.

(4) أي: شيخ السيد صاحب مفتاح الكرامة، و هو الفقيه الجليل الشيخ جعفر النجفي كاشف الغطاء قدّس سرّه «3».

(5) أي: اشتراط ملاحظة المصلحة ظاهر الأصحاب.

(6) يعني: في بحث ولاية الأب و الجدّ. أمّا تصريح الشيخ فهو ما نقل عنه المصنف في (ص 97) بقوله: «فقد صرّح به في محكي المبسوط، حيث قال: و من يلي أمر الطفل و المجنون خمسة .. إلخ».

و أمّا تصريح ابن إدريس فعند نقله عنه في (ص 98): «و قال الحلّي في السرائر:

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 217

(2) تقدمت المصادر في ص 96 و 99 و 100 فراجع.

(3) شرح القواعد، ص 71 (مخطوط).

ص: 248

و يدلّ عليه (1)- بعد ما عرفت (2) من أصالة عدم الولاية لأحد على أحد- عموم (3) قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «1».

و حيث إنّ توضيح معنى الآية على ما ينبغي لم أجده (4) في كلام أحد من المتعرّضين لبيان آيات الأحكام، فلا (5) بأس بتوضيح ذلك في هذا المقام (6)، فنقول:

[معنى القرب في الآية]

إنّ القرب في الآية يحتمل معاني أربعة:

الأوّل: مطلق (7) التقليب و التحريك حتّى من مكان إلى آخر، فلا يشمل مثل إبقائه على حال أو عند أحد.

______________________________

لا يجوز للوليّ التصرف في مال الطفل» الى آخر عبارته.

(1) أي: و يدلّ على اشتراط ملاحظة الغبطة لليتيم بعد الأصل- و هو أصالة عدم الولاية لأحد على أحد- عموم قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* على ما سيأتي من توضيح الاستدلال به إن شاء اللّه تعالى.

(2) يعني في قوله في (ص 130): «مقتضى الأصل عدم ثبوت الولاية لأحد بشي ء من الوجوه ..».

(3) فاعل قوله: «يدل» و هذا دليل اشتراط ملاحظة المصلحة لليتيم.

(4) خبر «أنّ توضيح».

(5) جواب الشرط في «و حيث إنّ».

(6) أي: مقام الاستدلال بالآية المباركة على اشتراط ملاحظة الغبطة في مال اليتيم.

و قد فصّل المصنف قدّس سرّه البحث حول الآية الشريفة بالنظر في مقامين: أحدهما:

مقام الثبوت و ما يتطرق من الاحتمالات فيها، و هي ستة عشر احتمالا، و ثانيهما: مقام الإثبات و الاستظهار.

و البحث في المقام الأوّل يتم بالنظر في كلمتين، و هما: القرب و «الأحسن» كما سيظهر إن شاء اللّه تعالى.

(7) المراد به- بعد عدم إرادة القرب المكاني- مطلق الأمر الوجودي المتعلّق بمال

______________________________

(1) سورة الإسراء الآية 34

ص: 249

الثاني (1) وضع اليد عليه (2) بعد أن كان بعيدا عنه و مجتنبا، فالمعنى: تجنّبوا عنه و لا تقربوه إلّا إذا كان القرب أحسن، فلا يشمل (3) حكم ما بعد الوضع.

الثالث (4) ما يعدّ تصرّفا عرفا- كالاقتراض و البيع و الإجارة و ما أشبه ذلك (5)- فلا يدلّ (6) على تحريم إبقائه بحاله تحت يده

______________________________

اليتيم، و إن كان مجرّد نقله من مكان الى آخر، فيندرج فيه كل تصرف خارجي كالأكل و الشرب و اللبس و غيرها، و اعتباريّ كالبيع و الإجارة و نحوهما. و لا يشمل التقليب الأمر العدمي كإبقاء المال على ما هو عليه وصفا و مكانا، و عدم تعلق فعل به، إذ التقليب أمر وجودي، و لا يشمل العدمي، و هو ترك القرب حتى لو ترتب تضرر اليتيم على هذا الترك، لفرض اختصاص المدلول بالتقليب و التصرف.

(1) توضيحه: أنّ الأقرب إلى القرب المكاني- الذي لا يراد قطعا- هو مسّه و وضع اليد عليه. و يراد التصرف العرفي المحرّم بالأولوية، إذ حرمة ما لا يعدّ تصرفا عرفا تستلزم حرمة ما يعد تصرفا عرفا بطريق أولى.

(2) هذا الضمير و ضمائر «لا تقربوه، عنه» في الموضعين راجعة إلى مال اليتيم.

(3) يعني: فلا يشمل قوله تعالى «وَ لٰا تَقْرَبُوا»* حكم ما بعد الوضع. وجه عدم شموله له: أنّ المنهي عنه هو الوضع، و استفادة حكم ما بعد الوضع محتاجة إلى دليل آخر.

هذا لكنك قد عرفت إمكان استفادته بالأولوية.

ثم إنّ المعنى الأوّل أعمّ من الثاني، لأنّ التقليب أعم من التصرف العرفي و غيره.

بخلاف مجرّد وضع اليد عليه، فإنّه ليس تصرفا عرفا.

(4) حاصل هذا الاحتمال: أنّ المراد بالقرب المنهي عنه هو التصرف العرفي، و الظاهر أنّه أعم من الاعتباري كالأمثلة المذكورة في المتن- من الاقتراض و البيع و الإجارة- و الخارجي كالأكل و الشرب و اللبس و الافتراش.

(5) كالمضاربة و المزارعة و المساقاة.

(6) يعني: فلا يدل قوله تعالى «وَ لٰا تَقْرَبُوا»* على تحريم إبقائه بحاله، لأنّ الإبقاء

ص: 250

- إذا كان التصرّف فيه (1) أحسن منه- إلّا بتنقيح المناط.

الرابع (2) مطلق الأمر الاختياريّ المتعلّق بمال اليتيم، أعمّ (3) من الفعل (4) و الترك (5)، و المعنى: لا تختاروا في مال اليتيم- فعلا أو تركا- إلّا ما كان أحسن من غيره. فيدلّ (6) على حرمة الإبقاء

______________________________

- و هو ترك التصرف- أمر عدمي، و ليس أمرا وجوديّا. كما أنّه لا يدلّ على وجوب القرب إليه بوجه أحسن، لأنّ مدلوله عدم جواز القرب إلى مال اليتيم بوجه غير أحسن.

و الحاصل: أنّ الآية الشريفة لا تدلّ على وجوب التصرف في مال اليتيم- إذا كان أحسن من تركه- إلّا بتنقيح المناط، بأن يقال: إنّ مناط التصرف في مال اليتيم هو ملاحظة المصلحة، فإن كان بيعه أحسن من الإجارة مثلا وجب بيعه، و إن كان بيعه أحسن من إبقائه بحاله تحت يده وجب البيع أيضا.

(1) أي: التصرف في مال اليتيم أحسن من الإبقاء بحاله تحت يده.

(2) محصل هذا الاحتمال الرابع هو: أنّ المراد بالقرب المنهي عنه مطلق الأمر الاختياري المتعلق بمال اليتيم سواء أ كان فعلا اعتباريّا كالبيع و الإجارة، أم خارجيا كالأكل و الشرب و اللبس، أم أمرا عدميا كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

و الحاصل: أنّ المراد بالقرب في الاحتمال الرابع هو كل أمر اختياري وجودي أو عدمي متعلق بمال اليتيم. و المراد بالعدمي ما يرجع إلى الوجودي كالإبقاء و الاستمرار، إذ لا جامع بين الوجود و العدم.

ثم إنّ هذا المعنى الرابع أعم من جميع المعاني الثلاثة المتقدمة، لشموله لكلّ من الوجودي و العدمي، و التصرف الخارجي و الاعتباري.

(3) حال من «الأمر الاختياري».

(4) سواء أ كان خارجيا كالأكل و الشرب أم اعتباريا كالبيع كما تقدم آنفا.

(5) كإبقاء مال اليتيم بحاله تحت يده.

(6) يعني: فيدلّ النهي في «لا تقربوا» بالدلالة اللفظية على حرمة الإبقاء في الفرض المزبور، و ليست دلالته بتنقيح المناط الذي هو جهة الدلالة في المعنى الثالث.

ص: 251

في الفرض المذكور (1)، لأنّ (2) إبقاءه قرب له بما ليس أحسن.

و أمّا لفظ «الأحسن» (3) في الآية، فيحتمل (4) أن يراد به ظاهره من التفضيل، و يحتمل (5) أن يراد به الحسن.

و على الأوّل (6)

______________________________

(1) و هو كون التصرف في مال اليتيم أحسن من إبقائه بحاله.

(2) تعليل للنهي عن الإبقاء تحت اليد، و حاصله: أنّ الإبقاء قرب للمال بما ليس أحسن، و هو حرام.

(3) بعد أن بيّن محتملات القرب أراد أن يذكر محتملات «الأحسن» حتى يظهر تقريب الاستدلال بالآية المباركة، و محتملاته أربعة أيضا كما سيظهر.

(4) هذا أحد المعاني المحتملة في كلمة «الأحسن» و حاصله: أن يراد ما هو ظاهره من التفضيل.

(5) هذا ثاني معاني «الأحسن» و هو إرادة معناه منسلخا عن التفضيل، و هو الحسن. فكأنّه قيل: «و لا تقربوا مال اليتيم إلّا بالكيفية التي هي حسنة». و هذا التجريد هو ما أفاده المحقق نجم الأئمة الشارح الرضي الأسترابادي قدّس سرّه بقوله: «و اعلم أنّه يجوز استعمال- أفعل- عاريا عن اللام و الإضافة و من، مجرّدا عن معنى التفضيل، مؤوّلا باسم الفاعل و الصفة المشبهة، قياسا عند المبرّد و سماعا عند غيره، و هو الأصح .. و تقول:

الأحسن و الأفضل بمعنى الحسن و الفاضل» «1».

(6) و هو إرادة التفضيل من كلمة «أحسن» و محصله: أنّه بناء على إرادة معنى التفضيل من كلمة «أحسن» يحتمل وجهان في المفضّل عليه:

أحدهما: أن يكون ذلك ترك الأحسن، بمعنى كون بيع مال اليتيم أحسن من تركه.

ثانيهما: أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه و غيره من التصرفات، كما إذا كان بيع

______________________________

(1) شرح الكافية في النحو، ج 2، ص 217، المطبوعة بطهران بالاوفست على طبعة عام 1316

ص: 252

فيحتمل (1) التصرّف الأحسن من تركه، كما يظهر من بعض، و يحتمل (2) أن يراد به ظاهره و هو الأحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرّفات.

______________________________

مال اليتيم أحسن بقول مطلق، بأن يكون أحسن من تركه و من كلّ تصرف غير البيع.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل الذي تقدّم بقولنا: «أحدهما أن يكون ذلك ترك الأحسن».

و هذا الاحتمال حكاه الفاضل النراقي قدّس سرّه بقوله: «قيل» «1».

و يظهر من صاحب الجواهر قدّس سرّه اختياره، حيث إنّه بعد نفي إرادة ما هو الأحسن بقول مطلق- أي الفرد الأعلى من التصرف الذي لا أحسن منه، ضرورة اقتضاء ذلك تعطيل مال الطفل، إذ ما من حسن إلّا و هناك أحسن منه- قال: «بل المراد مطلق الأحسن من عدم القرب». ثم جعل لازمه التخيير بين أفراد التصرف و إن تفاوتت من حيث كون بعضها صالحا و بعضها أصلح، فراجع «2».

(2) معطوف على قوله: «فيحتمل» في قوله: «فيحتمل التصرف» و هذا إشارة إلى الوجه الثاني المتقدم آنفا بقولنا: «ثانيهما أن يكون المفضّل عليه أعم من ..».

و يظهر من الفاضل النراقي قدّس سرّه اختيار هذا الاحتمال، من باب الجمع بين الآية الشريفة و ما دلّ على جواز بيع الحاكم، حيث إنّ الآية خصّصت بالمخصص المجمل المنفصل- و هو دليل ولاية الحاكم- و لم يعلم أنّ الخارج من الآية هو الأكثر أعني به التصرف الأولى من الترك حتى يكتفى بأصل وجود المصلحة في التصرف، أم أنّ الخارج هو الأقل و هو التصرف الأحسن مطلقا أي: من الترك و من سائر أفراد التصرف، فراجع العوائد متأملا في العبارة «3».

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 560، و الظاهر أن القائل هو المحقق الأردبيلي في زبدة البيان، ص 394

(2) جواهر الكلام، ج 25، ص 161

(3) عوائد الأيام، ص 561

ص: 253

و على الثاني (1)، فيحتمل أن يراد ما فيه مصلحة، و يحتمل (2) أن يراد به ما لا مفسدة فيه، على ما قيل (3) من أنّ أحد معاني الحسن ما لا حرج في فعله.

ثم (4) إنّ الظاهر من احتمالات «القرب»

______________________________

(1) معطوف على «و على الأول» توضيحه: أنّه بناء على الاحتمال الثاني- و هو تجريد الأحسن عن معنى التفضيل- يحتمل أيضا فيه وجهان:

أحدهما: أن يراد به ما فيه مصلحة و إن كان هناك ما هو أصلح منه، كما إذا بيع مال اليتيم بثمن رابح، مع إمكان بيعه بثمن أزيد منه.

و ثانيهما: أن يراد به ما لا مفسدة فيه، كما إذا كان في بيع مال اليتيم مصلحة، و في إجارته عدم المفسدة. فعلى الاحتمال الثاني- و هو عدم المفسدة- تجوز إجارته و لا يجب البيع. و على الاحتمال الأوّل يجب البيع و لا تجوز الإجارة.

(2) معطوف على «فيحتمل» و إشارة إلى الوجه الثاني الذي تقدم بقولنا: «و ثانيهما:

أن يراد به ما لا مفسدة فيه ..»، هذا.

ثمّ إنّ الاحتمالات الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

(3) لعلّ مقصوده ما حكاه الشهيد الثاني قدّس سرّه عن الجمهور في معنى الحسن و القبيح، من قوله: «أو أنّ ما نهى الشارع عنه فهو قبيح، و إن لم ينه عنه فهو حسن، سواء أمر به كالواجب و المندوب، أم لا كالمباح» «1».

و على هذا فلو انسلخ «الأحسن» في الآية المباركة عن التفضيل، و لم يعتبر في صدقه النفع و المصلحة، كفى فيه عدم استلزام التصرف في مال اليتيم للمفسدة، فيجوز القرب فيما يخلو من النفع و الضرّ. هذا كله ما يتعلق بالمقام الأوّل و هو بيان محتملات الآية المباركة.

(4) بعد بيان الاحتمالات الراجعة إلى كلمة القرب و الأحسن ثبوتا أراد أن يبيّن مقام الإثبات و الاستظهار، و محصل ما أفاده هو: أنّ الظاهر من الاحتمالات المذكورة للقرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف عرفا. و من احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال

______________________________

(1) تمهيد القواعد، ص 41، القاعدة: 5

ص: 254

هو الثالث (1)، و من احتمالات «الأحسن» هو الاحتمال الثاني (2)، أعني التفضيل المطلق (3).

و حينئذ فإذا (4) فرضنا أنّ المصلحة اقتضت بيع مال اليتيم، فبعناه بعشرة دراهم، ثمّ فرضنا أنه لا يتفاوت لليتيم إبقاء الدراهم أو جعلها دينارا، فأراد الوليّ جعلها دينارا، فلا يجوز، لأنّ هذا التصرّف (5) ليس أصلح من تركه، و إن (6) كان

______________________________

الثاني أعني به التفضيل المطلق. فالمعنى حينئذ: «لا تتصرّفوا في مال اليتيم بالبيع و نحوه إلّا إذا كان ذلك التصرف أحسن من غيره. سواء أ كان ذلك الغير الذي هو المفضّل عليه تركه أم تصرفا آخر» فإذا فرض كون التصرف البيعي أحسن من إبقاء مال اليتيم الذي هو ترك البيع كان إبقاؤه حراما، إذ المفروض كون بيعه أحسن من غيره، سواء أ كان ذلك الغير إبقاء أم تصرفا كالإجارة و القرض و المضاربة و غيرها.

(1) و هو الذي أفاده في (ص 250) بقوله: «الثالث: ما يعدّ تصرّفا عرفا كالاقتراض».

(2) أي: الاحتمال الثاني من الاحتمالين المتطرقين في الاحتمال الأوّل، و هو قوله:

«و يحتمل أن يراد ظاهره و هو الأحسن مطلقا من تركه و من غيره من التصرفات».

(3) و هو أن يكون المفضّل عليه أعم من تركه و من غيره من الأضداد الوجودية.

(4) أي: و حين كون القرب بمعنى التصرف و كون الأحسن بمعنى التفضيل المطلق، فإذا .. إلخ. و غرضه بيان ما يتفرع على الاستظهار من الكلمتين، و حاصله: أنّه إذا اقتضت المصلحة بيع مال اليتيم، فبيع بعشرة دراهم، و فرض عدم التفاوت بحال اليتيم بين إبقاء الدراهم و بين تبديلها بدينار، و أراد الولي إبدالها بدينار، لم يجز هذا التبديل، لأنّه تصرف ليس أصلح من تركه. إذ المفروض عدم التفاوت لليتيم بين الدراهم و الدينار.

(5) و هو جعل الدراهم العشرة دينارا، و قوله: «لأنّ» تعليل لعدم جواز تبديل الدراهم بدينار، و قد مرّ تقريبه بقولنا: «لأنّه تصرف و ليس أصلح من تركه .. إلخ».

(6) وصلية، و كأنّه دفع توهم، و هو: أنّه إذا كان بيع مال اليتيم بالدينار من أوّل الأمر جائزا، فلا مانع من جعل مال اليتيم دينارا في المعاملة الثانية أيضا. هذا

ص: 255

يجوز لنا من أوّل الأمر بيع المال بالدينار، لفرض (1) عدم التفاوت بين الدراهم و الدينار بعد تعلّق المصلحة بجعل المال نقدا.

أمّا (2) لو جعلنا الحسن بمعنى ما لا مفسدة فيه (3)، فيجوز.

و كذا (4) لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع، لأنّا إذا فرضنا أنّ القرب يعمّ إبقاء

______________________________

هذا تقريب التوهم.

و أمّا دفعه فهو: أنّ المصلحة اقتضت تبديل مال اليتيم الذي كان عروضا بالدراهم.

و أمّا تبديل الدراهم بالدينار فليس فيه مصلحة، فلا يجوز، لأنّه أيضا معاملة جارية في مال اليتيم يتوقف صحتها على المصلحة، و المفروض عدمها، لما مرّ من مساواة الدينار و الدراهم. و عدم التفاوت بينهما لليتيم.

(1) تعليل لجواز بيع المال ابتداء بالدينار، و حاصله: وجود المصلحة في تبديل العروض بالنقد، و هو الجامع بين الدرهم و الدينار فيجوز. و بعد حصول التبديل بأحد الفردين- و هي الدراهم- و عدم المصلحة في تبديل هذا الفرد من جامع النقد بفرده الآخر و هو الدينار لا يجوز هذا التبديل الثاني الذي هو معاملة جديدة، لتوقف صحتها على المصلحة المفقودة بالفرض.

(2) غرضه أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار بناء على جعل «الحسن» بمعنى ما لا مفسدة فيه، بداهة أنّه يجوز تبديل الدراهم بالدينار في المثال المذكور، فيجوز التبديل حينئذ.

(3) و هو ما أفاده بقوله في (ص 254): «و يحتمل أن يراد به ما لا مفسدة فيه».

(4) يعني: و كذا يجوز تبديل الدراهم العشرة بالدينار بناء على جعل «القرب» بالمعنى الرابع، و هو مطلق الأمر الاختياري المتعلّق بمال اليتيم. و الوجه في ذلك تعليله بقوله: «لأنّا إذا فرضنا ..».

و حاصله: أن القرب حسب الفرض يعمّ إبقاء مال اليتيم على حاله، كما هو مقتضى الاحتمال الرابع من محتملات القرب، فيجوز تبديل الدراهم بالدينار، إذ المفروض كون «الأحسن» جعل المال العروض نقدا، من غير فرق بين فرديه و هما الدينار

ص: 256

مال اليتيم على حاله كما هو الاحتمال الرابع (1)، فيجوز (2) التصرّف المذكور (3)، إذ (4) بعد كون «الأحسن» هو جعل مال اليتيم نقدا، فكما أنّه مخيّر في الابتداء (5) بين جعله دراهم أو دينارا، لأنّ (6) القدر المشترك (7) أحسن من غيره، و أحد الفردين فيه (8) لا مزيّة لأحدهما (9) على الآخر، فيخيّر، فكذلك (10 بعد جعله دراهم إذا كان كلّ من

______________________________

و الدرهم. و لذا كان الولي من أوّل الأمر مخيّرا بين بيع مال اليتيم بالدرهم أو الدينار.

و هذا التخيير باق بعد التبديل بالدرهم، فيجوز حينئذ بيع الدراهم بالدينار، لعدم تفاوت في تبديل مال اليتيم بين الدراهم و الدينار.

(1) و هو كل أمر اختياري متعلّق بمال اليتيم، سواء أ كان فعلا أم تركا، و هو إبقاء المال على حاله من دون تعلق فعل اختياري منه بالمال، فالتبديل بالدينار إبقاء مال اليتيم- و هو النقد المشترك بين الدراهم و الدينار- بحاله.

(2) جواب الشرط في «إذا فرضنا».

(3) و هو تبديل الدراهم بالدينار.

(4) تعليل لجواز التصرف المذكور، و قد اتّضح بقولنا: إذ المفروض كون الأحسن .. إلخ.

(5) و هو بيع المال العروض بالدراهم.

(6) تعليل لقوله: «فكما أنّه مخيّر في الابتداء».

(7) المراد به النقد الجامع بين الدرهم و الدينار، فإنّ هذا القدر المشترك أحسن من غيره، أي من غير القدر المشترك أعني به بيع العروض بمثله لا بالنقد.

(8) أي: في القدر المشترك، و هو عنوان النقد، فإنّه لا مزيّة لأحد فرديه- و هما الدرهم و الدينار- على الآخر.

(9) كذا في النسخ، و الأولى تبديله ب «له».

(10) هذا معادل قوله: «فكما أنّه مخير» يعني: فكما أنّ الوليّ مخيّر في الابتداء، فكذلك بعد جعل المال العروض دراهم، إذا كان كلّ من إبقاء الدراهم و إبدالها بالدينار مصداقا للقرب بمعناه الرابع المتقدّم.

ص: 257

إبقاء الدراهم على حالها و جعلها دينارا قربا (1)، و القدر (2) المشترك أحسن من غيره، فأحد (3) [و أحد] الفردين لا مزيّة فيه على الآخر، فهو مخيّر بينهما (4).

و الحاصل (5) أنّه كلّما يفرض التخيير بين تصرّفين في الابتداء، لكون القدر المشترك (6) بينهما أحسن، و عدم (7) مزيّة لأحد الفردين، تحقّق (8) التخيير لأجل ذلك

______________________________

(1) أي: قربا بالمعنى الرابع، و هو تعلق كل أمر اختياري بمال اليتيم و إن كان تركا كإبقاء مال اليتيم بحاله.

(2) معطوف على «كل» يعني: و كان القدر المشترك بين الدراهم و الدينار أحسن من غيره.

(3) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ «و أحد» و هو أولى، لكونه تتمة لأحسنيّة القدر المشترك، لا نتيجة له، و إنّما نتيجته قوله: «فهو مخيّر».

(4) أي: بين الفردين من طبيعة النقد، و هما الدراهم و الدينار.

(5) هذا خلاصة ما تقدم من استظهار الاحتمال الثالث أو الرابع في القرب، و استظهار التفضيل المطلق في «الأحسن».

يعني: و حاصل الكلام في مثل بيع الدراهم بالدينار هو: أن أحسنية الجامع بين الفردين مع تساويهما- و عدم مزية لأحد فرديه على الآخر- كما توجب التخيير ابتداء بين الفردين، كذلك توجبه استدامة.

فعلى هذا يجوز بيع الدراهم- التي كانت ثمنا لبيع المال العروض- بالدينار، لكون الدينار فردا لطبيعة النقد التي كانت أحسن في بيع العروض بالدراهم. فأحسنية الجامع توجب استمرار التخيير و بقاءه. حتى بعد بيع العروض بالدراهم.

(6) و هو جامع النقد المشترك بين الدراهم و الدينار الذي كان بيع المال العروض به أحسن من بيعه بغير النقد.

(7) معطوف على «لكون» يعني: لأحسنية القدر المشترك، و لعدم مزية أحد فردي الجامع حتى يمنع ذلك عن التخيير.

(8) جواب «كلما» يعني: تحقّق التخيير لأجل عدم المزية لأحد الفردين استدامة.

ص: 258

استدامة (1)، فيجوز العدول من أحدهما بعد فعله (2) إلى الآخر إذا كان العدول مساويا للبقاء بالنسبة إلى حال اليتيم، و إن كان فيه (3) نفع يعود إلى المتصرّف.

لكن (4) الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث، و إن (5) كان الذي يقتضيه التدبّر [1] في غرض الشارع و مقصوده

______________________________

(1) أي: من حيث الاستدامة، فهو تمييز ل «التخيير».

(2) أي: بعد فعل أحدهما. و الأولى أن يقال: بعد البيع به إلى الآخر إذا كان العدول من أحد الفردين كالدراهم إلى الفرد الآخر كالدينار مساويا لبقاء مال اليتيم، بمعنى عدم تفاوت حال اليتيم بين تبديل ماله بالدراهم أو الدينار.

(3) يعني: و إن كان في العدول عن أحد الفردين نفع يعود إلى المتصرف، و هو المشتري للدراهم. كما إذا كان اشتراء متاع بالدراهم ذا ربح كثير.

(4) استدراك على قوله: «و كذا لو جعلنا القرب بالمعنى الرابع» و حاصله: أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح في نظر العرف بالنسبة إلى المعنى الثالث الذي يقتضيه مناسبة الحكم للموضوع.

و عليه فالظاهر من احتمالات القرب هو المعنى الثالث أعني به التصرف العرفي.

(5) وصليّة، و قوله: «الذي» اسم «كان» و خبره جملة: «أن لا يختاروا» و غرضه:

أنّ المعنى الرابع للقرب و إن كان مرجوحا في نظر العرف، لكنّه قريب بالنظر إلى غرض الشارع و مقصوده في التصرف في مال اليتيم، فغرض الشارع أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم شيئا من الفعل و الترك إلّا ما كان أحسن من غيره.

فيستفاد من قول المصنف قدّس سرّه «و ان كان الذي يقتضيه التدبر .. إلخ» ميلة إلى المعنى الرابع من معاني القرب، لموافقته لغرض الشارع بعد أن جعله مرجوحا في نظر العرف.

______________________________

[1] لكن مجرد هذا التدبر لا يوجب المصير إلى المعنى الرابع ما لم يكن اللفظ ظاهرا فيه عرفا، إلّا إذا قام دليل على ذلك، و لو كان ذلك قرينة عقلية حافّة بالكلام.

ص: 259

من مثل هذا الكلام (1) أن لا يختاروا في أمر مال اليتيم إلّا ما كان أحسن من غيره.

نعم (2)، ربما يظهر من بعض الروايات أنّ مناط حرمة التصرّف هو الضرر، لا أنّ مناط الجواز هو النفع.

ففي حسنة الكاهلي، قال (3) لأبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنّا لندخل (4) على أخ لنا في بيت أيتام، و معه خادم لهم، فنقعد على بساطهم و نشرب من مائهم، و يخدمنا خادمهم (5)، و ربما طعمنا فيه (6) الطعام من عند صاحبنا و فيه من طعامهم، فما ترى في ذلك؟ قال عليه السّلام (7): إن كان في دخولكم عليهم (8) منفعة لهم فلا بأس، و إن كان فيه

______________________________

(1) و هو قوله سبحانه وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* فعلى هذا يكون غرض الشارع و مقصوده المعنى الرابع للقرب.

(2) استدراك على ما مال إليه من اعتبار المصلحة- و هي التفضيل المطلق- في مال اليتيم، و عدول عنه، و اختيار للمعنى الثاني من معاني القرب، و هو اعتبار عدم المفسدة.

و الوجه في هذا الاستدراك هو ما يظهر من بعض الروايات كحسنة الكاهلي و رواية ابن المغيرة من كون مناط حرمة التصرف في مال اليتيم هو الضرر، فجواز التصرف منوط بعدم المفسدة لا وجود المصلحة.

(3) كذا في نسختنا، و لكن في الوسائل: «قال: قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام».

(4) كذا في نسختنا، و في الوسائل: «ندخل».

(5) هذا الضمير و ضمائر «لهم، بساطهم، مائهم» راجعة إلى «أيتام».

(6) أي: في بيت الأيتام، و ضمير «و فيه» راجع الى الطعام، يعني: و في طعام صاحبنا شي ء من طعام الأيتام.

(7) كذا في النسخة، و في الوسائل: «فقال».

(8) أي: إن كان في دخولكم على الأيتام منفعة لهم فلا بأس، و إن كان في دخولكم على الأيتام ضرر عليهم ففيه بأس.

ص: 260

ضرر فلا» الحديث (1) «1».

بناء (2) على أنّ المراد من منفعة الدخول

______________________________

(1) و تتمة الحديث: «و قال عليه السّلام: بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، فأنتم لا يخفى عليكم، و قد قال اللّه عزّ و جلّ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ.

(2) غرضه أنّ الاستدلال بهذه الحسنة على كون مناط حرمة التصرف هو الضرر أي المفسدة- دون أن يكون مناط الجواز وجود النفع- مبنيّ على أن يراد من منفعة الدخول على الأيتام ما يساوي عوض ما يتصرفونه من مال اليتيم، إذ لو أريد بها ما هو أزيد ممّا يساويه لكان دليلا على اعتبار المصلحة، لا على كفاية عدم المفسدة كما هو المقصود. فيراد بالذيل «و إن كان فيه ضرر فلا» عم مساواة المال الذي يبذله المتصرفون للمال الذي تصرفوه من الأيتام.

فالمراد بالصدر المساواة لمال الأيتام، و بالذليل عدم المساواة له. فلا تنافي بين الصدر و الذيل، إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر، و عدم كفاية عدم الضرر، و إرادة الضرر من الذيل، و إناطة حرمة التصرف بالضرر، فيتعارض الصدر و الذّيل في تصرّف لا يضرّ و لا ينفع، إذ مقتضى حرمة التصرف عدم جوازه، لعدم المنفعة، و مقتضى الذيل جوازه، لعدم الضرر، فلا يصح الاستدلال بهذه الرواية على هذا المورد.

و بعبارة أخرى: انّ جوابه عليه السّلام مؤلف من جملتين شرطيتين:

إحداهما: قوله عليه السّلام: «ان كان في دخولكم منفعة لهم فلا بأس» و هي ظاهرة في إناطة جواز الأكل من مال اليتيم بوصول نفع إليه. و مفهومها وجود البأس عند عدم عود النفع و الزيادة في المال، سواء أ كان العائد إلى اليتيم مساويا لما أكله القيّم أم أقل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12 ژ 7 ص 184، الباب 71 من أبواب ما يكتسب به، ح 1 رواه ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحكم، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، قال: «قيل لأبي عبد اللّه عليه السّلام .. إلخ» و لا ريب في صحة السند إلى عبد اللّه. و التعبير بالحسنة لأجل كونه إماميا ممدوحا بما لم يبلغ حدّ الوثاقة، كقول النجاشي: «كان عبد اللّه وجها عند أبي الحسن موسى عليه السّلام، و وصّى به علي بن يقطين .. إلخ» مضافا إلى رواية بعض أصحاب الإجماع عنه، فلاحظ ترجمته في معجم رجال الحديث، ج 10، ص 379

ص: 261

..........

______________________________

و ثانيتهما: قوله عليه السّلام: «و إن كان فيه ضرر فلا» و هذه الشرطية ظاهرة في وجود البأس و المنع عن الأكل الموجب للنقص في مال اليتيم، و مفهومها جواز الأكل غير المضرّ بحاله، سواء أ كان ما يعود إلى اليتيم من البدل مساويا لذلك الطعام أم أزيد.

ثم إن في قوله عليه السّلام في الصدر- و هو أولى الشرطيتين- «ان كان في دخولكم عليهم منفعة» احتمالين:

الاحتمال الأوّل: أن يكون المنفعة الواردة ما يقابل النقص و الضرر، سواء أ كان هناك زيادة أم لا، فكأنّه عليه السّلام قال: «إن كان ما تبذلونه لليتيم بدل الطعام و خدمة خادمهم لا يقلّ ماليّته عمّا طعمتوه فلا بأس» و على هذا يكون مفهوم الجملة الشرطية:

وجود البأس في مورد واحد، و هو كون البدل الواصل الى اليتامى أقلّ ممّا صرفه القيّم من طعامهم. و هذا المفهوم مطابق لمنطوق الشرطية الثانية الحاكمة بالبأس في مورد تضرّر اليتيم.

و بناء على هذا الاحتمال يتّجه ما أراده المصنف قدّس سرّه من أن حسنة الكابلي تدل على كفاية عدم الإفساد في مال اليتيم في جواز التصرف، و توجب ترجيح الاحتمال الرابع في الحسن، و هو ما لا حرج و لا قبح فيه.

الاحتمال الثاني: أن يكون «النفع» بمعنى خصوص الزيادة، لا المساوي، فمعنى المنطوق: جواز الأكل من مال اليتيم بشرط أن يعود منفعة إليه، بأن يكون البدل أزيد ممّا استفادة القيّم من الطعام و الخدمة.

و عليه يدلّ المفهوم على حرمة التصرف في صورتين:

إحداهما: كون المبذول مساويا لما انتفع به القيّم.

و ثانيتهما: كونه أقلّ منه. و هذه الصورة الثانية موافقة لمنطوق الشرطيّة الثانية.

و لكن الصورة الأولى مخالفة له، فيقع التعارض بين إطلاق مفهوم الشرطية الأولى المانع عن التصرّف لو لم ينتفع به اليتيم حتى في صورة المساواة. و بين مفهوم الشرطية الثانية الظاهر في جواز التصرّف غير المضرّ و إن لم ينتفع به.

و هذا الاحتمال الثاني يوجب إجمال الرواية- لو لم يرجّح أحد الاحتمالين على الآخر- و يتعيّن الرجوع إلى دليل آخر كإطلاق «الأحسن» في الآية المباركة.

ص: 262

ما يوازي (1) عوض ما يتصرّفون من مال اليتيم عند دخولهم، فيكون المراد بالضرر في الذيل (2) أن لا يصل (3) إلى الأيتام ما يوازي ذلك، فلا تنافي (4) بين الصدر و الذيل على ما زعمه بعض المعاصرين (5) من أنّ الصدر دالّ على إناطة الجواز بالنفع، و الذيل (6) دالّ على إناطة الحرمة بالضرر، فيتعارضان في مورد يكون التصرّف غير نافع و لا مضرّ.

و هذا (7) منه مبنيّ على أنّ المراد بمنفعة الدخول (8) النفع الملحوظ بعد وصول

______________________________

(1) أي: يساوي عوض ما صرفوه من طعام الأيتام في المالية. فإن كانت منفعة دخولهم على الأيتام مساوية لمالية ما انتفعوا به من طعام الأيتام جاز الدخول معهم، و إلّا فلا يجوز الدخول معهم.

(2) و هو «و إن كان فيه ضرر فلا».

(3) خبر «فيكون» و قوله «ما يوازي» فاعل «لا يصل».

(4) قد تقدّم تقريب المنافاة بقولنا: «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة».

(5) و هو- كما في حاشية العلامة السيد الاشكوري قدّس سرّه- صاحب الجواهر «1».

(6) معطوف على «الصدر».

(7) أي: التنافي بين الصدر و الذيل بمن بعض المعاصرين مبنيّ على أن يراد بالمنفعة:

الزائد على المال المساوي لمالية الطعام الذي تصرف فيه الداخلون على الأيتام. فمدلول الرواية حينئذ إناطة جواز التصرف في مال اليتيم بالمصلحة أي المنفعة، و هي ما زاد على مالية مال اليتيم. فإذا كانت مالية الطعام الذي تصرّف فيه الداخلون على اليتيم درهما مثلا، و بذل المتصرف فيه درهما و نصفا جاز ذلك. و إن لم يكن كذلك، بأن كان مساويا لماليته- فضلا عن نقصان ماليته عنه- لم يجز ذلك.

(8) أي: منفعة الدخول على الأيتام هو النفع الملحوظ زائدا على ما يوازي مال

______________________________

(1) بغية الطالب، ج 1، ص 130، لكن لم أظفر به في الجواهر في مظان التعرض له، كالزكاة و البيع و القرض و الرهن و الوصية و لا بد من مزيد التتبع.

ص: 263

ما بإزاء مال اليتيم إليه (1)، بمعنى (2) أن تكون المنفعة في معاوضة ما (3) يتصرّف من مال اليتيم بما (4) يتوصّل [1] إليهم من ماله، كأن يشرب ماء فيعطي فلسا بإزائه، و هكذا (5).

______________________________

اليتيم، كالنفع الملحوظ في المعاملات، فإنّ المراد به ما يزيد على رأس المال.

(1) متعلق ب «وصول» و ضميره راجع إلى اليتيم.

(2) هذا مفسّر لقوله: «ان المراد بمنفعة الدخول .. إلخ» و محصله: كون المعاملة الواقعة بين ما يتصرّفون فيه من مال اليتيم- و بين المال الذي يبذله المتصرفون عوضا عنه- معاملات ذات منفعة، كالمثال المتقدم آنفا، و هو الدرهم و الدرهم و نصفه.

(3) أي: مال اليتيم كالماء في مثال المتن، فإنه يتصرف فيه بالشرب، و حاصله: أن تكون المعاوضة بين ما يتصرّفونه من مال اليتيم- و بين المال الذي يبذله المتصرفون بإزائه- معاملة نافعة كسائر المعاملات الرابحة.

(4) متعلق ب «معاوضة» فكأنّه قيل بمعاوضة الماء بالفلس، يعني: مع فرض أكثرية مالية الفلس من مالية الماء.

(5) يعني: و هكذا بقية أموال اليتيم من المأكول و المشروب و الملبوس و غيرها.

______________________________

[1] لا تخلو العبارة من سوء التأدية، فإنّ المقصود منها هو لحاظ المنفعة في المعاوضة بين الماء الذي هو مال اليتيم و بين الفلس الذي هو مال الشارب. فحقّ العبارة أن تكون هكذا: في معاوضة ما يتصرّف من مال اليتيم كالماء بالفلس الذي يصل إلى اليتيم من مال المتصرف و هو الشارب في المثال.

و بالجملة: فلا بدّ أن تكون هذه المعاوضة ذات منفعة أي زائدة على رأس المال، لا مساوية له.

ص: 264

و أنت خبير (1) بأنّه لا ظهور (2) للرواية [1] حتّى يحصل التنافي.

و في رواية (3) ابن المغيرة: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لي ابنة أخ يتيمة، فربّما اهدي لها الشي ء فآكل منه، ثمّ أطعمها بعد ذلك الشي ء من مالي، فأقول: يا ربّ هذا

______________________________

(1) غرضه دفع التعارض الذي زعمه بعض معاصري المصنف بين صدر الرواية و ذيلها، و قد تقدم تقريب التعارض في (ص 261) بقولنا: «إذ التنافي بينهما مبني على إرادة المنفعة من الصدر .. إلخ».

(2) هذا دفع التعارض، و حاصله: أنّه لا ظهور في قوله عليه السّلام: «إن كان في دخولكم عليهم منفعة» في اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم.

و لعلّ وجه منع الظهور هو التصريح بأحد فردي مفهوم الشرطية- أعني قوله عليه السّلام: «و ان كان فيه ضرر فلا» إذ لو أريد بالمنفعة المصلحة كان لمفهوم الشرطية فردان:

أحدهما: كون التصرف في مال اليتيم ضررا أي نقصا في ماله.

و الآخر: عدم كون التصرف نافعا و لا ضارّا، كما إذا بيع برأس المال، فلا ربح و لا خسران.

و التصريح بالفرد الأوّل قرينة على إرادة عدم الضرر من المنفعة. فلا تهافت بين الصدر و الذيل. هذا كلّه ما يتعلق بدلالة حسنة الكاهلي على كفاية عدم المفسدة. و ستأتي الرواية الثانية.

(3) معطوف على قوله: «ففي حسنة الكاهلي».

______________________________

[1] منع الظهور خلاف الإنصاف، فإنّ الاستعمالات المتعارفة تشهد بذلك، إذ لا يقال: «إنّ معاملاتنا في هذه السنة كانت رابحة أو نافعة» إلّا إذا وقعت زائدة على رأس المال، فلا بدّ في رفع اليد عن هذا الظهور من قرينة على عدم حجيته، لا رفع اليد عن أصله، مع انفصال القرينة.

و يمكن أن يدّعى كون غلبة النفع و الضرر في المعاملات، و ندرة المعاملات الواقعة على رؤوس الأموال من غير زيادة و نقصان موجبة لعدم انعقاد الإطلاق في القضية الشرطية،

ص: 265

بهذا (1)، قال عليه السّلام: لا بأس» «1».

فإنّ (2) ترك الاستفصال عن مساواة العوض و زيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة [1].

______________________________

(1) كذا في النسخة، و في الوسائل: «بذا».

(2) هذا تقريب الاستدلال بالرواية على عدم اعتبار المصلحة، و كفاية عدم المفسدة في التصرف في مال اليتيم، و حاصله: أنّ ترك الاستفصال من مساواة عوض ما أكله- ممّا أهدي إلى اليتيمة- و زيادته يدلّ على عدم اعتبار الزيادة، و هو عدم المفسدة الذي أراده المصنف قدّس سرّه من رواية أبي المغيرة.

______________________________

حتى يشمل المعاملات التي لا تضرّ و لا تنفع كي يقع التعارض فيها بين الصدر و الذّيل.

فاستظهار معاصر الشيخ من إرادة ظاهر المنفعة صحيح بدون لزوم التعارض المزبور، لأنّ الغلبة تمنع من إرادة الإطلاق الناشئ من التعارض. فالرواية متكفلة لحكم قسمين من المعاملة، و هما: المعاملة الرابحة، و المعاملة الخاسرة، و أنّ الجائز هو الرابحة، و الباطل هو الخاسرة.

[1] بل يدلّ على عدم اعتبار المساواة أيضا، لشمول الإطلاق الناشئ عن ترك الاستفصال لجميع الصور، من المساواة و الزيادة و النقيصة.

إلّا أن يقال: إنّ ظهور «المعاوضة» المستفادة من قول السائل: «يا ربّ هذا بهذا» في صورة تساوي المالين، أو أكثرية العوض من المعوّض في المالية يمنع شمول الإطلاق لصورة النقصان.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 184، الباب 71، من أبواب ما يكتسب به، ح 2، رواه ثقة الإسلام عن محمد ابن يحيى عن محمد بن الحسين، عن ذبيان بن حكيم الأزدي، عن علي بن المغيرة، و التعبير بالرواية لضعفها من جهة ذبيان، لعدم التوثيق و إن روى الثقات عنه.

ص: 266

إلّا (1) أن يحمل [1] على الغالب من (2) كون التصرّف في الطعام المهدي إليها و إعطاء (3) العوض بعد ذلك أصلح (4)، إذ (5) الظاهر أنّ الطعام المهدي إليه (6) [إليها] هو المطبوخ و شبهه.

[هل يجب مراعاة الأصلح أم لا؟]

و هل يجب (7) مراعاة الأصلح أم لا؟ وجهان. قال الشهيد رحمه اللّه في القواعد:

______________________________

(1) استدراك على قوله: «يدل» و حاصله: المنع عن دلالة ترك الاستفصال على عدم اعتبار الزيادة. و وجه المنع هو كون الغلبة مانعة عن الإطلاق الشامل لعدم الزيادة، و ذلك لأنّ الغالب كون العوض عن الطعام المطبوخ المهدي إلى اليتيمة أصلح و أزيد ممّا أكله. و هذه الغلبة تمنع الإطلاق الشامل لعدم الزيادة، فترك الاستفصال لا يدلّ على عدم اعتبار الزيادة.

(2) بيان للغالب، و ضمير «إليها» راجع إلى اليتيمة.

(3) معطوف على «التصرف» و المشار إليه في «ذلك» هو التصرف.

(4) خبر «كون التصرف».

(5) تعليل للأصلحية، فإنّ تعويض الطعام و شبهه من الفواكه أحسن، لكونه في معرض الفساد.

(6) كذا في نسختنا، و الصواب كما في بعض النسخ المصححة «إليها» لرجوع الضمير إلى اليتيمة.

(7) هذا إغماض عن أمرين: أحدهما: ما استظهره من حسنة الكاهلي من كون المدار في حرمة التصرف هو الضرر، و في جوازه عدم الضرر.

ثانيهما: ما استظهره أوّلا بقوله: «و من احتمالات الأحسن الاحتمال الثاني» و هو التفضيل المطلق المتقدم في (ص 255)، فبناء على اعتبار مصلحة المولّى عليه يتّجه الاستشهاد بذيل كلام الشهيد من وجوب مراعاة الأصلح و عدمه.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الرواية- بناء على هذا الحمل- تكون على خلاف المطلوب أدلّ، لأنّ مورد الرواية حينئذ هو أصلحية التصرف، و عدم كفاية عدم المفسدة في جواز التصرف في مال اليتيم. و هو خلاف المقصود.

ص: 267

هل يجب على الوليّ مراعاة المصلحة في مال المولّى عليه، أو يكفي نفي المفسدة؟

يحتمل الأوّل (1) لأنّه [1] منصوب لها، و لأصالة (2) بقاء الملك على حاله، و لأنّ (3) النقل و الانتقال لا بدّ لهما من غاية، و العدميّات (4) لا تكاد [2] تقع غاية.

و على هذا (5) هل يتحرّى الأصلح (6) أم يكتفي بمطلق المصلحة؟

______________________________

(1) و هو مراعاة المصلحة، لوجوه:

أحدها: أنّ الولي منصوب لمراعاة مصلحة المولّى عليه. فإنّ المتيقن من ولايته المجعولة من قبل الشارع هو صورة كون تصرفه في مال المولّى عليه مصلحة له.

(2) ثانيها: أنّ مقتضى الأصل العملي- و هو أصالة الفساد الجارية في العقود- هو بقاء ملك كلّ من العوضين على ملك مالكه في صورة عدم المصلحة، و أنّ ملك المولّى عليه لم ينتقل عنه.

(3) ثالثها: أنّ عدم المفسدة من الأعدام غير القابلة لأن تكون غاية للشي ء، فلا يصلح أن يكون عدم المفسدة غاية لبيع مال اليتيم، بل لا بدّ أن تكون الغاية أمرا وجوديّا.

(4) التي منها عدم المفسدة، فلا تقع غاية لشي ء من بيع و غيره.

(5) أي: و بناء على اعتبار وجود المصلحة في التصرف في مال اليتيم هل تعتبر المرتبة العالية من المصلحة أم مرتبة ما منها؟

و بعبارة أخرى: هل تعتبر المصلحة المطلقة، أم مطلق المصلحة؟

(6) و هو المصلحة المطلقة، و هذا مورد الاستشهاد بكلام الشهيد قدّس سرّه لقوله:

______________________________

[1] فيه ما أفاده المحقق القمي قدّس سرّه من أنّه أوّل الدعوى، و أنّ المسلّم كونه منصوبا لدفع المفسدة و حفظ ماله عن التلف «1».

[2] هذا في الأعدام المطلقة. و أمّا الأعدام المضافة- كعدم الخسارة في بيع مال

______________________________

(1) جامع الشتات، ج 1، ص 193 (الطبعة الحجريّة).

ص: 268

فيه (1) وجهان. نعم، لمثل (2) ما قلنا، لا (3) لأنّ (4) ذلك لا يتناهى [1].

و على كلّ تقدير (5) لو ظهر في الحال الأصلح و المصلحة، لم يجز العدول عن الأصلح.

______________________________

«و هل يجب مراعاة الأصلح؟».

(1) أي: في وجوب تحرّي الأصلح وجهان: أحدهما الوجوب، و الآخر عدمه.

(2) هذا وجه وجوب تحرّي الأصلح المدلول عليه بقوله: «نعم» و محصل هذا الوجه- المشار إليه بقوله: «لمثل ما قلنا»- هو ما ذكره من الوجوه الثلاثة لاعتبار أصل المصلحة بقوله: «لأنه منصوب لها، و لأصالة بقاء الملك .. إلخ».

(3) هذا معادل قوله: «نعم» فكأنه قيل: «فيه وجهان، أحدهما: نعم يعني: يجب التحرّي- و الآخر: لا، يعني: لا يجب التحرّي للأصلح».

(4) تعليل لقوله، «لا» و محصله: أنّ الأصلح من الكلّيات المشكّكة التي لا تتناهى أفرادها، إذ الأصلح في هذا المكان شي ء، و في غيره شي ء آخر. و في هذه المملكة شي ء، و في غيرها شي ء آخر، و هكذا. فإنّ الأصلح يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، فأفراد الأصلح غير متناهية عرفا.

(5) أي: سواء قلنا باعتبار الأصلحية أم بكفاية أصل المصلحة يترتب عليه: أنّه لو ظهر الأصلح و المصلحة- كما إذا فرض أنّ مال المولّى عليه يباع بدينارين في مكان، و بدينار في موضع آخر قريب منه- لم يجز العدول عن الأوّل إلى الثاني، لكونه إفسادا لمال المولّى عليه، أو لكون المعاملة سفهيّة.

______________________________

يكون معرضا لتنزّل السعر- فتقع غاية، فإنّ هذا العدم يكون غرضا و داعيا عقلائيا للبيع حتى لا يرد على المالك خسارة.

[1] مجرّد عدم التناهي العرفي- ما لم يصل إلى حدّ العسر و الحرج- لا يسقط وجوب التحرّي شرعا. فلعلّ التعليل بالعسر أولى من التعليل بعدم التناهي. و لا يبعد أن يكون هذا الذي ذكرناه مراده قدّس سرّه.

ص: 269

و يترتّب على ذلك (1) أخذ الوليّ بالشفعة للمولّى عليه حيث لا مصلحة و لا مفسدة (2)، و تزويج (3) المجنون حيث لا مفسدة، و غير ذلك» انتهى «1».

و الظاهر (4) أنّ فعل الأصلح- في مقابل ترك التصرّف رأسا- غير لازم، لعدم الدليل عليه (5). فلو (6) كان مال اليتيم

______________________________

(1) أي: على نزاع كفاية عدم المفسدة أو اعتبار المصلحة في التصرف في مال اليتيم، فعلى القول بكفاية عدم المفسدة يجوز للولي الأخذ بالشفعة فيما إذا باع شريك اليتيم في الدار مثلا نصيبه منها على أجنبي.

و على القول باعتبار وجود المصلحة فيه لا يجوز للولي الأخذ بالشفعة إن لم يكن مصلحة له في الأخذ بالشفعة.

(2) لصدق «عدم المفسدة» فيما لم يكن فيه صلاح و فساد.

(3) معطوف على «أخذ» يعني: و يترتب على النزاع المذكور أيضا جواز تزويج الولي المجنون إن لم يكن فيه مفسدة، بناء على كفاية عدم المفسدة. و عدم الجواز إن لم يكن فيه مصلحة بناء على اعتبار المصلحة فيه.

(4) غرض المصنف قدّس سرّه أنّ المراد بالأصلح- بناء على وجوبه- هو فعله، في مقابل التصرفات الوجودية كالبيع و الإجارة و غيرهما. و أما فعله في مقابل ترك التصرف فيه رأسا- بأن يبقى مال اليتيم عنده، و لا يتصرف فيه- فغير لازم، لعدم الدليل على فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف فيه رأسا.

نعم يتجه ذلك بناء على المعنى الرابع للقرب، و هو عدم كل أمر اختياري- من فعل أو ترك- إلّا أن يكون أحسن من غيره.

(5) أي: على فعل الأصلح، في مقابل ترك التصرّف.

(6) هذا متفرع على عدم لزوم فعل الأصلح في مقابل ترك التصرف رأسا، و حاصله: أنّه لو كان مال اليتيم موضوعا عند الولي، و كان الاتّجار به أصلح من ترك

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 352، القاعدة: 133

ص: 270

موضوعا عنده (1)، و كان الاتّجار به أصلح منه، لا يجب (2) [لم يجب] إلّا إذا قلنا بالمعنى الرابع من معاني القرب في الآية، بأن (3) يراد: لا تختاروا في مال اليتيم أمرا من الأفعال أو التروك إلّا أن يكون (4) أحسن من غيره.

و قد عرفت (5) الإشكال في استفادة هذا المعنى، بل (6) الظاهر التصرّفات الوجوديّة، فهي (7) المنهيّ عن جميعها، لا ما (8) كان أحسن من غيره (9) و من الترك،

______________________________

التصرف، لم يجب الاتّجار به إلّا بناء على القول بالمعنى الرابع من معاني القرب في آية وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* و المراد بالمعنى الرابع هو الذي تقدم في (ص 251).

(1) أي: عند الولي، و ضمير «به» راجع الى مال اليتيم.

(2) جواب «فلو كان» و ضمير «منه» راجع إلى ترك التصرف.

(3) هذا بيان المعنى الرابع للقرب، و قد تقدم توضيحه.

(4) يعني: إلّا أن يكون ذلك الأمر المختار أحسن من غيره.

و الحاصل: أنّه بناء على رابع معاني القرب يجب الاتّجار به، و لا يجوز ترك التصرف.

(5) يعني: و لكن قد عرفت الإشكال- في (ص 259) بقوله: «لكن الإنصاف أنّ المعنى الرابع للقرب مرجوح .. إلخ»- في استفادة هذا المعنى الرابع للقرب.

لكنّه أيّده بقوله: «و إن كان الذي يقتضيه التدبر في غرض الشارع و مقصوده من مثل هذا الكلام .. إلخ».

(6) يعني: بل الظاهر من المعاني الأربعة المتقدمة للقرب هو المعنى الثالث أعني التصرفات الوجودية، لا ما هو أعمّ منها و من الترك.

(7) يعني: فالتصرفات الوجودية هي المنهيّ عنها، لا كلّ أمر اختياريّ من فعل أو ترك.

(8) معطوف على التصرّفات الوجوديّة.

(9) أي: من الأمر الوجودي و الترك، بل الظاهر هو خصوص الأمور الوجودية.

ص: 271

فلا (1) يشمل ما إذا كان فعل أحسن من الترك.

نعم (2) ثبت بدليل خارج حرمة الترك إذا كان فيه مفسدة.

و أمّا (3) إذا كان في الترك مفسدة، و دار الأمر بين أفعال- بعضها (4) أصلح من بعض- فظاهر الآية عدم جواز العدول عنه، بل ربما يعدّ العدول (5) في بعض المقامات إفسادا، كما إذا اشتري في موضع بعشرة، و في موضع آخر قريب منه بعشرين، فإنّه يعدّ بيعه في الأوّل إفسادا للمال، [و] لو ارتكبه عاقل عدّ سفيها ليست فيه ملكة إصلاح المال.

______________________________

(1) يعني: فلا يشمل ثالث معاني القرب- في قوله تعالى وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* و هي التصرفات الوجودية- ما إذا كان هناك فعل أحسن من الترك. فإذا كان بيع مال اليتيم أحسن من تركه، لم يجب حينئذ العدول، عن الترك إلى الفعل.

(2) إشارة إلى دفع ما يتوهم في المقام، و هو: أنّه إذا لم يشمل القرب الترك، و اختصّ بالتصرفات الوجودية، فلازم ذلك جواز الترك و إبقاء مال اليتيم بحاله، و لو كان في الترك مفسدة.

و حاصل دفع هذا التوهم: أنّ هذا الترك حرام بدليل آخر غير الآية الشريفة، فإنّ جواز الترك الموجب للفساد ينافي تشريع الولاية، إذ الغرض من تشريعها حفظ مال اليتيم و دفع المفسدة عنه.

(3) غرضه أنّه إذا دارت الأصلحية بين التصرفات الوجودية مع كون الترك مفسدة فظاهر الآية- بناء على كون القرب في الآية المباركة بمعناه الثاني، و هو التجنب و عدم القرب منه إلّا إذا كان القرب أحسن- عدم جواز العدول عنه.

(4) الجملة مجرورة محلّا صفة ل «أفعال» و قوله: «فظاهر» جواب «و أمّا».

(5) أي: يعدّ العدول عن بعض الأفعال في بعض المقامات إفسادا كمثال المتن، و هو ما إذا اشتري مال اليتيم في موضع بعشرة دراهم، و في موضع آخر قريب منه بعشرين

ص: 272

و هذا (1) هو الذي أراده الشهيد بقوله: «و لو ظهر في الحال .. إلخ».

نعم (2) قد لا يعدّ العدول من (3) السفاهة، كما لو كان بيعه مصلحة (4)، و كان بيعه في بلد آخر أصلح مع إعطاء الأجرة منه (5) أن ينقله إليه، و العلم (6) بعدم الخسارة، فإنّه قد لا يعدّ ذلك (7) سفاهة.

______________________________

درهما، فإنّ بيعه بعشرة يعدّ إفسادا لمال اليتيم. و لو ارتكبه عاقل عدّ سفيها، كما يعدّ البيع سفهيّا. و هذا خلاف الغرض من تشريع الولاية على اليتيم.

(1) أي: عدّ العدول عن الأصلح إلى المصلحة في بعض المقامات إفسادا لمال اليتيم هو المقصود من كلام الشهيد قدّس سرّه في (ص 269) بقوله: «و على كل تقدير لو ظهر في الحال الأصلح و المصلحة لم يجز العدول عن الأصلح».

(2) يعني: قد لا يعدّ العدول عن الأصلح من السفاهة حتى لا يجوز العدول، كما إذا كان بيع مال اليتيم في بلده مصلحة كبيعه فيه بدينارين، و في بلد آخر- إذا نقل المتاع إليه بأجرة من مال اليتيم- بأربعة دنانير. فإن كانت الأجرة دينارا، و وضعت عن أربعة دنانير، زاد دينار واحد على دينارين، فأصلحية بيعه في غير بلد اليتيم من بيعه في بلده تكون بدينار. و لا يعدّ هذا العدول من السفاهة.

(3) متعلّق ب «يعدّ» لا ب «العدول».

(4) أي: مصلحة في بلد اليتيم، و كان بيعه في بلد آخر غير بلد اليتيم أصلح.

(5) أي: مع إعطاء الأجرة من مال اليتيم إن كان في نقله اجرة، مع العلم بعدم الخسارة بسبب النقل كالمثال المزبور.

(6) معطوف على «إعطاء» يعني: مع إعطاء الأجرة، و مع العلم بعدم الخسارة.

(7) أي: لا يعدّ بيع مال اليتيم في البلد الأوّل سفاهة.

و بعبارة أخرى: ليس العدول- عن البلد الآخر- إلى بيعه في البلد الأوّل سفاهة.

ص: 273

لكن ظاهر الآية وجوبه (1) [1].

______________________________

(1) أي: وجوب البيع في البلد الآخر، و ذلك لعدم كفاية مجرّد عدم السفاهة في صحة البيع في هذا المقام، إذ المدار على كونه أصلح من غيره، فالأصلحية معتبرة في بيع مال اليتيم.

______________________________

[1] ينبغي التكلم في جهات:

الأولى: في بيان الموضوع، و هو عدول المؤمنين.

الثانية: في دليل الحكم أعني به الولاية التي هي حكم مجعول شرعي وضعي.

الثالثة: في اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين، و عدمه.

الرابعة: في متعلق الولاية.

الخامسة: في اعتبار المصلحة فيما يتصدّاه المؤمن و عدمه.

السادسة: في حكم تزاحم الولايتين.

أمّا الجهة الأولى: فنخبة الكلام فيها: أنّه قال في مجمع البحرين: «و الايمان لغة هو التصديق المطلق اتفاقا من الكل، و منه قوله تعالى وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا، و شرعا على الأظهر هو التصديق باللّه بأن يصدّق بوجوده و بصفاته و برسله، بأن يصدّق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن اللّه و بكتبه» إلى ان قال: «و في الحديث: و قد سئل عليه السّلام عن أدنى ما يكون العبد مؤمنا؟ فقال: يشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا عبده و رسوله، و يقرّ بالطاعة، و يعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن» الى ان قال: «قال المحقق الشيخ علي رحمه اللّه: المؤمن من كان يعتقد اعتقاد الإمامية و إن لم يكن عنده دليل» «1».

و حيث إنّ الولاية حكم شرعي، فلا بدّ من إثباتها بالدليل، و مع الشك يجري أصل البراءة.

و عليه فإذا شكّ في ولاية غير الإمامي الاثني عشري- سواء أ كان من المخالفين أم من

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 6، ص 204- 206

ص: 274

..........

______________________________

فرق الشيعة- جرت فيه أصالة عدم الولاية.

و بالجملة: فموضوع هذه الولاية هو المؤمن الاثني عشري.

و أمّا الجهة الثانية فهي: أنّهم استدلوا على ولاية عدول المؤمنين بوجوه:

أحدها: قوله تعالى «وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ».

ثانيها: قول مولانا الصادق عليه السّلام: «و اللّه في عون المؤمن» المذكور في المتن، و في التوضيح.

ثالثها: قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «كل معروف صدقة».

و لا يرد على الاستدلال بها: أنّها في مقام الترغيب في فعل المعروف، و التعاون على البرّ و التقوى، من دون بيان المصداق. فالتمسك بها فيما إذا شك في كونه معروفا و صدقة غير صحيح عند الأصوليين، لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، هذا.

وجه عدم الورود: أنّ ألفاظ العون و الصدقة و البرّ و التقوى ليس لها حقائق شرعية، و المراد بها هي معانيها العرفية الواضحة، من دون أن يكون فيها إجمال، فلا شبهة في مفاهيمها حتى يتصوّر فيها شبهة كي يكون التمسك بتلك الأدلة تشبّثا بها في الشبهة الموضوعية.

نعم هنا شبهة اخرى و هي: أنّ مقتضى هذه الأدلة مساواة المكلفين من الفقهاء و عدول المؤمنين في مباشرة أمور القاصرين، و عرضيّة ولاية المؤمنين لولاية الفقهاء، و عدم توقف ولايتهم على تعذر الفقهاء.

________________________________________

اللهم إلّا أن يقال بتسالم الأصحاب على عدم نفوذ تصرفات عدول المؤمنين مع وجود الحاكم، و تقدمه عليهم.

فصار المتحصل: صحة الاستدلال بالوجوه الثلاثة المتقدمة مع هذا التسالم.

فالنتيجة: نفوذ مباشرة عدول المؤمنين لأمور القاصرين، إلّا إذا كان هناك حاكم، فإنّه لا بد حينئذ من مباشرته، أو الاستيذان منه.

ص: 275

..........

______________________________

و أمّا الجهة الثالثة، فحاصل الكلام فيها: أنّه قد استدلّ على اعتبار العدالة في ولاية المؤمنين بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع المتقدمة في المتن (ص 210) بتقريب: أنّ محتملات المماثلة أربعة: أحدها: المماثلة في التشيع، ثانيها: المماثلة في الفقاهة، ثالثها:

المماثلة في الوثاقة، رابعها: المماثلة في العدالة. حيث إنّهما كانا من ثقات الشيعة و عدولهم.

و الاحتمال الأوّل غير مراد قطعا، لعدم كفاية مجرّد التشيع في الولاية.

و الاحتمال الثاني أيضا غير مراد، لأنّ مفهومه ينفي ولاية المؤمنين مع تعذر الفقيه، و يسقطها، مع أنّه ليس كذلك، لولايتهم مع تعذر الفقيه.

فيدور الأمر بين الاحتمالين الأخيرين. و النسبة بينهما و إن كانت عموما من وجه، إلّا أنّ العدل أيضا لا بدّ أن يراعي المصلحة. فالعدالة هنا أخصّ من الوثاقة. ففي الدوران بينهما تقدم العدالة، لتيقنها في الخروج عن مقتضى أصالة عدم الولاية مع الغضّ عن التصريح باعتبار العدالة في صحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن. و إلّا فبها يقيّد صحيحة علي بن رئاب و موثقة زرعة الظاهرتان في كفاية الوثاقة، لأنّهما قابلتان للتقييد بالعدالة.

و منه يظهر أنّ العدالة شرط تعبدي لولاية المؤمنين بمعنى موضوعيتها، كاعتبارها في إمام الجماعة.

و الحاصل: أنّ الروايات بين ما يدلّ على كفاية الوثاقة، و ما يدلّ على اعتبار العدالة. و إطلاق الوثاقة قابل للتقييد بالعدالة، فيقيّد به، و إن كانت النسبة بين العدالة و الوثاقة عموما من وجه، و ذلك لأنّ العدالة نصّ أو أظهر من الوثاقة، فتحمل الوثاقة المستفادة من صحيحة عليّ بن رئاب و موثقة زرعة- المذكورتين في المتن- على العدالة.

و لو فرض التعارض بين الروايات، و وصلت النوبة إلى الأصل العملي، فمقتضى الأصل اعتبار العدالة في المؤمنين المباشرين لأمور القاصرين، لأنّه المتيقن في الخروج عمّا دلّ على عدم ولاية أحد على غيره.

فالمتحصل: اعتبار العدالة في المؤمن المباشر لأمور القاصرين، وفاقا للأكثر، و خلافا للآخرين.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه استظهر من صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع- من الوجوه

ص: 276

..........

______________________________

الأربعة للمماثلة- العدالة، و أنّ المعتبر في ولاية المؤمنين هي العدالة. ثم استظهر من بعض الروايات كفاية الأمانة في ولاية المؤمنين، و جعلها مفسّرة لاعتبار الوثاقة التي هي الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة في المماثلة. و المراد من بعض الروايات صحيحة علي بن رئاب و موثقة زرعة المذكورتان في المتن (ص 215- 217) هذا.

لكن لا يخلو هذا الاستظهار من المناقشة. إذ في صحيحة علي بن رئاب: أنّ الظاهر من الولي المذكور فيها هو الولي الشرعي، بقرينة قوله عليه السّلام: «باع عليهم و نظر لهم» حيث إنّ نفوذ البيع و ثبوت الأجر للبائع الولي لا يناسب إلّا الولي الشرعي، و هو المنصوب من الحاكم الشرعي، إذ المفروض أنّ المورّث لم يوص. فحينئذ لا تكون هذه الصحيحة نحن فيه، لأنّ المنصوب أو المأذون من الحاكم كنفس الحاكم في تقدم رتبة ولايته على ولاية المؤمنين، و كلامنا في ولاية المؤمنين لا في ولاية الحاكم، فهذه الصحيحة أجنبيّة عمّا نحن فيه.

هذا مضافا إلى أنّ المصنف قدّس سرّه يريد أن يجعل هذه الصحيحة مفسّرة للاحتمال الثاني من الوجوه الأربعة للمماثلة المذكورة في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع أعني به الوثاقة، و المستفاد من الصحيحة هي الأمانة، و النسبة بينها و بين الوثاقة هي العموم من وجه، لاجتماعهما في من يكون ثقة في جميع أفعاله و أقواله، فإنّه أمين وثقه. و افتراقهما في من يكون أمينا في أموال الناس فقط، فإنّه أمين غير ثقة، و في من يكون ثقة في الأقوال و غير أمين في الأموال، فإنّه ثقة غير أمين. فتفسير الوثاقة بالأمانة مع هذه النسبة لم يظهر له وجه.

بل يمكن أن يقال: إنّ الصحيحة في مقام بيان اعتبار كون تصرف الولي مصلحة للورثة من غير نظر إلى كون الولي عادلا أو ثقة أو أمينا، فينبغي عدّ هذه الصحيحة من أدلة اعتبار المصلحة في تصرفات الولي، لا في ما يعتبر في الولي من الوثاقة أو غيرها.

و بالجملة: فالمناقشة في صحيحة عليّ بن رئاب ترجع إلى وجوه ثلاثة:

أحدها: كون الولي شرعيا، و هو أجنبي عما نحن فيه من ولاية المؤمنين.

ثانيها: عدم مساواة الأمانة و الوثاقة حتى تفسّر الوثاقة بالأمانة.

ص: 277

..........

______________________________

ثالثها: أنّ الصحيحة في مقام بيان ما يعتبر في متعلق الولاية، لا ما يعتبر في نفس الولي من الوثاقة أو غيرها. هذا ما يتعلّق بصحيحة ابن رئاب.

و أمّا موثقة زرعة فهي و إن اشتملت على كلمة «الثقة» إلّا أنّ موردها هو القسمة التي هي تمييز الحصص و إفرازها، و من المعلوم مغايرة القسمة للمعاملات الناقلة. و مورد البحث جميع التصرفات المتعلقة بأموال القاصرين، فالموثقة أخص من المدّعى.

فالمتحصل: أنّ شيئا من صحيحة ابن رئاب و موثقة زرعة لا يصلح لترجيح الاحتمال الثاني- و هو الوثاقة- من الاحتمالات الأربعة في المماثلة.

فالإنصاف: أنّ صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع مجملة، لعدم اتضاح وجه المماثلة، و عدم صلاحية صحيحة ابن رئاب و موثقة زرعة لرفع إجمالها كما مرّ آنفا. فلا بدّ من الرجوع إلى دليل آخر في اعتبار العدالة أو غيرها في المؤمنين المتصدّين لأمور القاصرين، هذا.

و يمكن أن يستدلّ على اعتبار العدالة فيهم بصحيحة إسماعيل بن سعد المذكورة في المتن، إذ فيها قول مولانا الرضا عليه الصلاة و السّلام: «فلا بأس إذا رضي الورثة بالبيع، و قام عدل في ذلك» و دلالتها على اعتبار العدالة في المتصدّي للبيع واضحة.

و قد يورد عليه بأنّ المراد بالعدل كون التصرف عدلا لا جورا، إذ لو كان المراد به كون المتصرف عدلا فلا بدّ أن يقال: «عادل» بصيغة الفاعل، و تبديل «و قام» ب «كان» و تبديل «في ذلك» ب «بذلك» بأن يقال: «و كان عادلا بذلك» فالعدل صفة التصرف لا المتصرّف.

و عليه فلا تدلّ هذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدّي لأمور القاصرين.

لكن الحقّ صحة الاستدلال بها. أمّا استعمال العدل في الشخص فهو في غاية الكثرة في الإطلاقات المتعارفة، بحيث لا تحتاج إرادته من لفظ العدل إلى قرينة حتى يحمل بدونها على معناه المصدري.

و ببيان آخر: ظهور لفظ «العدل» في الشخص العادل بمثابة يمنع إرادة معناه المبدئي

ص: 278

..........

______________________________

إلّا بالقرينة.

و أمّا إبدال «في» بالباء، فليس بلازم، لمجي ء «في» بعد مادة القيام كثيرا، فيصحّ أن يقال: إنّ فلانا قام في الحرب مع الكفار.

و بالجملة: فالاستدلال بهذه الصحيحة على اعتبار العدالة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين وجيه.

نعم يبقى هنا شي ء، و هو: أنّ العدالة المعتبرة فيما نحن فيه هل هي على نحو الموضوعية كالعدالة المعتبرة في إمام الجماعة و الشاهد، أم على نحو الطريقية؟ مقتضى القاعدة في كلّ ما يؤخذ في الخطابات هو الموضوعية، بمعنى كونه بذاته مطلوبا لا بعنوان كونه حاكيا عن الغير، و مرآتا له، فإرادته بهذا النحو محتاجة إلى القرينة.

و يمكن أن يقال: إنّ المراد بالعدالة هنا هي الطريقيّة، لقرائن موجودة في نفس الروايات: إحداها و ثانيتها: ما في صحيحة علي بن رئاب من قوله عليه السّلام: «و نظر لهم» و قوله:

«الناظر فيما يصلحهم».

و ثالثتها: ما في موثقة زرعة من قوله: «ان قام رجل ثقة قاسمهم» إذ المراد من يوثق به و يطمئن بفعله. فالمدار في صحة تصرفات المؤمن في مال الصغير و غيره هو كونها مصلحة، فلا بدّ في ترتيب الأثر على تصرفاته من إحراز كون التصرف صلاحا للقاصر.

فاعتبار العدالة أو الوثاقة إنّما هو لإحراز الصلاح. فالعدالة أخذت طريقا لإحراز كون التصرف صلاحا للقاصر.

ثم إنّ المصنف- بعد أن اختار كفاية الأمانة في المؤمن المتصدي لأمور القاصرين- قال: «و الذي ينبغي أن يقال .. إلخ» و حاصله: أنّ الموارد التي يجوز فيها التصرف لغير الفقيه إن كان دليلها خاصّا به فهو المتّبع، سواء أ كان عامّا لكلّ من العادل و الفاسق، أم خاصّا بالعادل، و إن كان عاما كآية التعاون و «كل معروف صدقة» و نحوهما، ففيه تفصيل، و هو: أنّ الفاسق لولايته كالعادل يكون تصرفه نافذا.

و لو ترتّب حكم الغير كسقوط التكليف الكفائي عنه- كصلاة الميت إذا أتى بها الفاسق على الوجه الصحيح- سقط وجوبها الكفائي عن غيره.

ص: 279

..........

______________________________

و أمّا إذا تصرّف الفاسق في مال اليتيم، فسقوط وجوب إصلاح ماله عن سائر المكلفين منوط بإحراز كون تصرف الفاسق إصلاحا لمال اليتيم. فالشك في صحة إيجابه البيع شك في وجود الإصلاح، و لا تجري فيه أصالة الصحة، لجريانها في صحة الموجود لا في أصل الوجود. نظير شك المشتري في بلوغ البائع في عدم جريان أصالة الصحة. هذا ملخص ما أفاده في قوله: «و الذي ينبغي أن يقال» إلى «فتأمل».

لكن يتوجه عليه: أنّ إصلاح مال اليتيم ليس مقوّما للبيع العرفي حتى يكون الشك فيه شكّا في وجود البيع، و لا تجري فيه أصالة الصحة، لأنّ البيع العرفي- و هو مبادلة مال بمال- موجود في بيع الفاسق مال اليتيم و لو بدون الإصلاح، فالإصلاح شرط شرعي كسائر الشروط الشرعية التي تجري فيها أصالة الصحة عند الشك فيها.

و عليه ففي شك المشتري في إصلاح البائع الفاسق مال الطفل في إيجاب البيع تجري أصالة الصحة، كجريانها في ما أفاده بقوله: «نعم لو وجد في يد الفاسق» و هو ما إذا شكّ ثالث في كون البيع- إيجابا و قبولا- إصلاحا لمال الطفل، فإنّ مقتضى الاشكال المتقدم أعني به كون الشك في وجود المأمور به- و هو إصلاح المال، و لذا لا تجري فيه أصالة الصحة- هو عدم جريانها في كلتا المسألتين، لاشتراكهما في الإشكال، أي: كون الشك في وجود المأمور به الذي هو إصلاح المال، ضرورة توقف إصلاحه على كل من الإيجاب و القبول، و عدم حصوله بالإيجاب فقط.

فالحقّ جريان أصالة الصحة في كلا الفرعين بعد فرض ولاية الفاسق كالعادل على أمور القاصرين، لأنّ الشك في وجود الشرط الشرعي و هو الإصلاح.

و أمّا الشك في بلوغ البائع، فلو لم يجز فيه أصل الصحة، فذلك لأجل عدم كون البلوغ من الأمور الاختيارية المشكوكة التي تجري فيها أصل الصحة. هذا تمام الكلام في الجهة الثالثة المتعلقة بالعدالة.

و أمّا الجهة الرابعة الراجعة إلى جواز المزاحمة و عدمه، فحاصل الكلام فيها: أنّ المصنف قدّس سرّه ابتنى الجواز و عدمه على كون التصدي على نحو التكليف أو الوضع و هو

ص: 280

..........

______________________________

الولاية. فعلى الأوّل يجوز، و على الثاني لا يجوز.

و لعلّ الأولى ابتناء الجواز و عدمه على إطلاق الدليل أحواليّا و عدمه، سواء أ كان التّصدي على وجه التكليف أم على وجه الوضع.

و إن لم يكن للدليل إطلاق أحوالي، بأن كان مهملا من هذه الجهة أي المزاحمة، فهل يستصحب جواز التصدي الذي كان له قبل تصدي الآخر للواقعة؟ أو يقال بعدم الجواز اقتصارا في تخصيص عموم ما دلّ على عدم ولاية أحد على غيره على ما هو المتيقن، و هو ولاية كل واحد من المؤمنين إن لم يسبقه غيره، فولاية كلّ منهم مقيّدة بعدم سبق الآخر.

و هذا هو الأظهر، لقيام الدليل الاجتهادي على المورد. و معه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي، و هو الاستصحاب.

و مع الغضّ عن هذا البيان يمكن أن يقال: إنّه في الأمور الحسبية التي لا يرضى الشارع بإهمالها و تعطيلها إذا أقدم مؤمن على إنجاز الواقعة خرجت عن الإهمال، فلا يجوز لغيره الإقدام على إنفاذها، لعدم إحراز رضا الشارع بذلك، الذي هو الدليل على وجوب التصدي.

فالمتحصل: عدم جواز المزاحمة.

و هنا بيان آخر، و هو أنّ ولاية الفقيه تارة تستفاد من صدر التوقيع المتضمن لإرجاع الناس في الوقائع الحادثة إلى الرواة الفقهاء، و اخرى من ذيله، و هو قوله عليه السّلام: «فإنّهم حجتي عليكم» و ثالثة من سائر الأدلة.

أمّا الصدر فمقتضاه لزوم الرجوع إلى الفقهاء، و إيكال الحادثة الواقعة إليهم، و عدم مزاحمته. و لا دلالة فيه على حكم مزاحمة فقيه لفقيه آخر. لكن مقتضى مرجعية كل واحد من الفقهاء في عرض واحد جواز المزاحمة كالأب و الجد.

و أمّا الذيل أعني به «فإنّهم حجّتي عليكم» المعلّل به الصدر- و هو الأمر برجوع الناس إلى الفقهاء الذين هم رواة حديثهم عليهم السّلام في الحوادث الواقعة- فيدلّ بلحاظ إضافتهم إلى نفسه المقدّسة على نيابتهم عنه عليه السّلام. فالذّيل بلحاظ هذه الإضافة يصير وزانه وزان غيره

ص: 281

..........

______________________________

من أدلة النيابة. و يقتضي الذيل ما تقتضيه تلك الأدلة من أنّ نيابة الفقيه عن الامام عليه السّلام و صيرورته بمنزلته توجب أن يكون الردّ عليه ردّا على الامام عليه السّلام، و مزاحمته مزاحمة له عليه السّلام. و هذا أثر نيابته، لا مجرد مرجعيته و ولايته المستفادة من صدر التوقيع.

و بالجملة: فالمستفاد من صدر التوقيع مرجعية الفقيه في الوقائع الحادثة، و من الذيل الذي هو علّة للصدر كون الفقيه نائبا عنه «عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف و صلّى عليه» و مقتضى النيابة عدم جواز المزاحمة، لأنّ المفروض أنّ كل واحد من الفقهاء نائب عنه عليه السّلام، فمزاحمة فقيه لمثله كالمزاحمة مع الامام عليه السّلام في عدم الجواز.

و لا بأس بهذا الاستظهار، كما لا بأس بهذا السند. و إن قيل: إنّ إسحاق بن يعقوب مجهول لا نعرفه في الرجال، و ذلك لإمكان استظهار وثاقته من رواية الكليني عنه، و من رواية المشايخ الثلاثة عنه، بل و من نفس متن التوقيع أيضا. و تقدّم في (ص 164) ما يتعلّق بالسند، فراجع.

فالمتحصل: اعتبار التوقيع الشريف سندا و دلالة. و المستفاد منه عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله. و لا يلاحظ مزاحمة إمام لمثله حتى يقال: إنّ حرمتها غير ثابتة، فكذلك مزاحمة أحد الفقهاء لمثله، و على هذا فحرمة المزاحمة بين نوابه عليه السّلام أيضا غير ثابتة.

وجه عدم اللحاظ عدم تعدد الإمام في عصر واحد على مذهبنا من أنّ في كل عصر إماما واحدا.

هذا مضافا إلى عدم علمنا بتكاليف الأئمة عليهم السّلام، فلا وجه لأن يقال: إن حرمة مزاحمة إمام لمثله غير معلومة، و كذا مزاحمة الفقهاء الّذين هم نوّابه عليه السّلام.

فالمتحصل: حرمة المزاحمة بين الحكّام.

ثمّ إنّ التمسك بالعمومات المشار إليها في التوضيح مثل «العلماء ورثة الأنبياء» على نيابة الفقهاء عن الامام عليه السّلام كما صنعه المصنف قدّس سرّه غير ظاهر، لعدم إحراز كونها في مقام بيان هذه الجهة، بل سيقت لبيان علوّ مقام العلماء، و كونهم مراجع للأنام. و أمّا نيابتهم عن الأئمة عليهم الصلاة و السّلام فلا تظهر من تلك العمومات.

ص: 282

..........

______________________________

فالنتيجة: عدم جواز مزاحمة فقيه لمثله، لأنّه مقتضى النيابة عن الامام على ما هو ظاهر ذيل التوقيع.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في مزاحمة الأولياء جوازها في ولاية الأب و الجدّ و في ولاية عدول المؤمنين، و عدم جوازها في ولاية الفقهاء، و اللّه العالم.

و أمّا الجهة الخامسة- و هي اشتراط ولاية غير الأب و الجد بملاحظة الغبطة لليتيم و عدمه- فحاصل الكلام فيها: أنّ فيه وجهين بل قولين:

أحدهما: عدم الاعتبار، لإطلاق دليل الولاية.

و الآخر اعتبارها، لعدم الإطلاق، و لزوم الاقتصار على المتيقن، و هو ملاحظة الغبطة، و لأصالة عدم الولاية فيما عدا القدر المتيقّن، و هو ملاحظة الغبطة.

و هذا القول منسوب إلى الأكثر، بل في مفتاح الكرامة «أنّه إجماعي» بل في التذكرة في كتاب الحجر «أنّه اتفاقي بين المسلمين» يعني: لا خصوص الشيعة، بل قد تقدم في المتن تصريح الشيخ و الحلّي باعتبار ملاحظة الغبطة في الأب و الجدّ أيضا.

و كيف كان فقد استدلّ على اعتبار الغبطة في غير الأب و الجدّ بقوله سبحانه:

وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* و الاستدلال بها يتوقف على التكلّم في مقامين الأوّل في مرحلة الثبوت، و الثاني في مرحلة الإثبات.

أما المقام الأوّل، فملخصه: أنّ في «لا» الناهية احتمالين أحدهما: المولوية، و الآخر:

الإرشادية، و في كلمة «القرب» احتمالات أربعة، و كذا في معنى كلمة «أحسن» احتمالات أربعة، تعرّض لها المصنف قدّس سرّه و أوضحناها في التوضيح و لا نعيدها، و مجموع احتمالات القرب و الأحسن الحاصلة من ضرب أربعة «القرب» في أربعة «الأحسن» ستة عشر احتمالا.

ص: 283

[الشرط السادس من شروط المتعاقدين كون من ينتقل إليه أهلا لذلك المبيع]

[نقل العبد المسلم إلى الكافر]
[يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم ان يكون مسلما]

مسألة (1) يشترط في من ينتقل إليه العبد المسلم

______________________________

(1) نقل العبد المسلم إلى الكافر الغرض من عقد هذه المسألة في مباحث شروط المتعاقدين هو استناد بطلان «بيع العبد المسلم من الكافر» إلى فقدان شرط من شروطهما، و هو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم من المتعاقدين. و إن كان من الممكن- كما قيل- جعله من شروط العوضين، بأن يقال: إنّ شرط صحة بيع العبد المسلم هو إسلام من ينتقل إليه العبد، كشرطية معلومية العوضين و مقدورية تسليمهما.

لكن الأظهر كونه من شرائط المتعاقدين لا العوضين، لأنّ الشرط الذي هو الإسلام قائم بمن ينتقل إليه العبد من المتعاقدين، فإنّ الشرط يضاف إلى ما يقوم به قياما صدوريّا أو حلوليّا كمعلوميّة العوضين، فيقال إنّها من شرائط العوضين، أي من الشروط القائمة بالعوضين.

و عليه فإسلام من ينتقل إليه العبد المسلم يعدّ من شرائط المتعاقدين كما هو صريح قوله: «يشترط في من ..» لا العوضين.

و كيف كان فقد تعرّض المصنف قدّس سرّه تبعا للقوم للبحث عن جهات:

الاولى: في العقد على العبد المسلم بنقل العين أو المنفعة، أو غيرهما. و ما استدل به على المنع.

الثانية: في ما يراد بالكافر في هذه المسألة.

الثالثة: في الموارد المستثناة من تملّك الكافر للعبد المسلم.

الرابعة: في جواز تملّك الكافر للعبد المسلم ابتداء بسبب قهري، و لكنّه يجبر على

ص: 284

- ثمنا (1) أو مثمنا (2)- أن يكون مسلما، فلا (3) يصحّ نقله إلى الكافر عند أكثر علمائنا، كما في التذكرة، بل عن الغنية «عليه (4) الإجماع»، خلافا للمحكي في التذكرة عن بعض علمائنا (5) «1»،

______________________________

بيعه. و سيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن إن شاء اللّه تعالى.

و الكلام فعلا في الجهة الاولى، و قد تعرّض فيها أوّلا لحكم تملك الكافر لرقبة العبد ابتداء بالشراء أو بالبيع، ثم بالاتهاب و نحوه، و ثانيا لتملك منفعته بالإجارة، و ثالثا لجعله وثيقة عند الكافر على دين، و رابعا للانتفاع به عارية، و خامسا لجعله وديعة عند الكافر، و سادسا لحكم أن يوقف الكافر عبده على كافر أو على مسلم. هذا.

و بدأ المصنف قدّس سرّه بحكم نقل رقبة العبد المسلم إلى كافر بالشراء، كما سيظهر.

(1) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر بعنوان الثمن، كما إذا باع الكافر دكّانه بإزاء العبد المسلم، فإنّه انتقل إلى الكافر ثمنا أي عوضا عن مبيعه و هو دكّانه.

(2) بأن ينتقل العبد المسلم إلى الكافر مثمنا، كما إذا اشترى العبد المسلم بمائة دينار، فإنّه انتقل إلى الكافر مثمنا.

(3) هذا متفرّع على شرطيّة إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم، فبطلان بيع العبد المسلم من الكافر مستند إلى انتفاء شرط صحّته، و هو إسلام من ينتقل إليه.

(4) أي: على عدم صحة نقله إلى الكافر.

(5) لم أقف على القائل بعينه، و عبّر المحقق عنه ب «و قيل: يجوز و لو كان كافرا، و يجبر على بيعه من مسلم» «2». و الأصل في ذلك دعوى شيخ الطائفة الخلاف في المسألة بقوله: «و فيه خلاف» «3».

و يظهر من تعبير العلامة «و احتج الآخرون» «4» أن القائل بالجواز غير واحد من

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 1، ص 463 (ج 10، ص 19) الطبعة الحديثة.

(2) الغنية، ص 210، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 175، قال: «و في الغنية الإجماع عليه».

(3) المبسوط، ج 2، ص 167، شرائع الإسلام، ج 2، ص 16

(4) مختلف الشيعة، ج 5، ص 59

ص: 285

و سيأتي عبارة الإسكافي (1) في المصحف.

[أدلة المشهور على بطلان النقل]

و استدلّ المشهور (2) تارة بأنّ (3)

______________________________

أصحابنا، و احتمل الصحة في النهاية «1».

و عليه فالمسألة ذات قولين: أحدهما- و هو المشهور- عدم الجواز، و الآخر:

الجواز و الإجبار على البيع.

(1) المذكورة في مسألة بيع المصحف الآتية المشعرة بجواز رهن العبد الكبير، حيث إنّه خصّص عدم جواز الرهن عند الكافر بالصغير من الأطفال، فلاحظ (ص 378).

و كيف كان فلا يدل جواز رهن الكبير- بعد تسليم ظهور كلامه فيه- على جواز بيعه.

(2) أدلة المشهور على بطلان النقل أي: استدلّ المشهور- و هو القول بعدم صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر- بوجوه:

الأوّل: الملازمة بين الاستدامة و الابتداء. توضيحه: أنّه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة، كما إذا أسلم عبد المولى الكافر، و لذلك يجبر مولاه على بيعه من المسلمين، لما ورد في خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه صلوات اللّه أتي بعبد ذميّ قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده» «2».

و كذلك منع عن إحداث ملكية العبد المسلم للكافر. فإنّ النهي عن إبقائه عند الكاف يدلّ على مبغوضية بقائه عند الكافر. و لمّا لم يكن للبقاء خصوصية كان الحدوث كالبقاء مبغوضا أيضا. فنقله إلى الكافر منهي عنه، و النهي يوجب الفساد. فالنهي عن الإبقاء كالنهي عن إبقاء النجاسة في المسجد في الدلالة على النهي عن الإحداث.

(3) هذا أوّل الوجوه المستدلّ بها على قول المشهور، و قد مرّ تقريبه بقولنا:

«توضيحه: أنه منع من ملكية العبد المسلم للكافر استدامة .. إلخ» و هو مذكور في

______________________________

(1) نهاية الأحكام، ج 2، ص 456

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 282، الباب 28 من أبواب عقد البيع، ح 1، و ج 16، ص 69، الباب 73، ح 1

ص: 286

الكافر يمنع من استدامته (1)، لأنّه (2) لو ملكه قهرا بإرث، أو أسلم (3) في ملكه، بيع (4) عليه، فيمنع من ابتدائه كالنكاح (5).

و اخرى (6) بأنّ الاسترقاق سبيل على المؤمن، فينتفي بقوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا «1».

______________________________

التذكرة بقوله: «و لأنه يمنع استدامة ملكه فيمنع من ابتدائه كالنكاح» «2».

(1) أي: من استدامة ملك العبد المسلم للكافر.

(2) هذا بيان وجه منع الاستدامة، أي: لأنّ الكافر لو ملك العبد المسلم قهرا بإرث- كما إذا ورثه كافر من كافر- كان على المسلمين إجباره على البيع، و لكن مات قبل تحقق البيع، فانتقل إلى وارثه الكافر، لعدم وارث مسلم له، فحينئذ يجبر الوارث الكافر على بيع العبد المسلم الذي انتقل إليه بالإرث.

(3) معطوف على «ملكه» يعني: أو أسلم العبد في ملك الكافر، فإنّ العبد المسلم في هاتين الصورتين- اللتين هما من صغريات كون العبد المسلم ملكا للكافر استدامة- يباع على مالكه.

(4) جواب الشرط في قوله: «لو ملكه» يعني: بيع العبد المسلم على الكافر.

(5) أي: كحرمة نكاح الكافر بالمسلمة ابتداء كما هو واضح، و استدامة كارتداد الزوج المسلم، فإنّه يمنع بقاءها على الزوجية.

(6) هذا ثاني الوجوه التي استدلّ بها المشهور على عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر، و تقريبه: أنّ تملك الكافر للمسلم استرقاق له، و الاسترقاق سبيل للكافر على المؤمن و سلطنة له عليه، و هو منفي بالآية المباركة لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و المستدل بهذه الآية هو شيخ الطائفة و العلامة و غيرهما، و في الجواهر بعد ذكر الآية الشريفة: «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» «3».

______________________________

(1) سورة النساء، الآية 140

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 19؛

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 335، راجع المبسوط، ج 2، ص 167، التذكرة، ج 10، ص 19، نهاية الاحكام، ج 2، ص 456، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 175

ص: 287

و بالنبوي (1) المرسل في كتب أصحابنا المنجبر بعملهم (2)- و استدلالهم (3) به

______________________________

(1) معطوف على قوله: «بأنّ الاسترقاق» و هذا ثالث الوجوه التي استدلّ بها على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر، و المستدل هنا بهذا النبوي صاحب الجواهر و غيره.

(2) و بشهرته بين الفريقين على ما شهد به الأعلام. و يظهر من تعبير الشيخ الصدوق قدّس سرّه الجزم بنسبة الجملة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنه قال: و قال عليه السّلام: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «1».

و على هذا فهو من المراسيل المعتبرة الّتي يصحّ الاستناد إليها.

و تقريب الاستدلال به: أنّ مالكية الكافر للمسلم علوّ على المسلم، و الإسلام ينفيه. بل هذا أولى من الاستدلال به على عدم جواز إعلاء بناء الكافر على بناء المسلم كما هو ظاهر، إذ ليس في مجرد علوّ دار الكافر على دور المسلمين سلطنة و استيلاء له عليهم. بخلاف مالكية الكافر لرقبة العبد المسلم، أو لمنافعه بالإجارة، أو للانتفاع به بالعارية، فإنّها علوّ له على المسلم، لاستحقاقه الاستخدام و الأمر و النهي.

و عليه فالحديث بمقتضى حذف المتعلّق يفيد نفي كافة أنحاء علوّ الكفر على الإسلام حتى لو كان علوّه من جهة إباحة ارتفاع بناء دار الكافر الذمي على أبنية المسلمين. فهو ممنوع و محرّم.

و لمّا كان المعتبر علوّ الإسلام فلذا استدلّوا بالنبوي على حرمة المساواة أيضا.

و بهذا ظهر وجه تعبير المصنف قدّس سرّه ب «بل».

(3) معطوف على «عملهم» و مبيّن له، و قوله: «المنجبر» صفة للنبوي.

و مقصوده قدّس سرّه أن هذا النبوي و إن لم يذكر له سند في طرقنا، و إنّما أرسله الصدوق قدّس سرّه في الفقيه إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لكن هذا الإرسال غير قادح في الوثوق بصدوره، و ذلك لأنّ جماعة من الفقهاء أسندوه إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في موارد متعددة بعنوان «لقوله» أو «قال» ممّا يكشف عن الاطمئنان بكونه كلامه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و سننقل بعض عبائرهم.

نعم لو عبّروا عنه ب «لما روي عنه» أمكن التشكيك في إحراز الصدور.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 376، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، ح 11

ص: 288

في موارد متعددة (1) حتّى (2) في عدم جواز علوّ بناء الكافر على بناء المسلم، بل عدم

______________________________

(1) منها: ما لو دبّر الكافر عبده، فأسلم العبد، فإنّه يباع عليه العبد سواء رجع السيد عن تدبيره، أم لا. و استدل شيخ الطائفة قدّس سرّه عليه بالإجماع و الأخبار، ثم قال:

«و أيضا قوله عليه السّلام: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه. و لو لم يبع عليه، و كان لمولاه عليه طاعة لكان قد علاه و هو كافر، و ذلك ينافي الخبر» «1».

و وافقه العلّامة بقوله: «و المعتمد الأوّل، لما تقدم» «2».

و كذا استدلّ غيرهما على إلزام الكافر بالبيع بهذا النبوي، فراجع «3».

و منها: عدم إرث الكافر من المسلم، قال شيخ الطائفة قدّس سرّه: «لا يرث الكافر المسلم بلا خلاف. و عندنا: أنّ المسلم يرث الكافر .. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قول النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه ..» «4».

و منها: عدم ولاية الكافر على المسلم في النكاح، سواء أ كان أبا أو جدّا أو غيرهما، قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في شرح قول المحقق: «إذا كان الولي كافرا فلا ولاية له» ما لفظه:

«و شمل إطلاق المصنف ما لو كان المولّى عليه مسلما و كافرا. و الأمر في الأوّل واضح، و الحكم به إجماعي. و يدل عليه- مضافا إلى ما سبق- قوله تعالى وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا. و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» «5».

و منها: غير ذلك من الفروع التي استندوا في نفي ولاية الكافر على المسلم- حتى مثل انتفاع المستعير بخدمة العبد المسلم- إلى هذا النبوي.

(2) هذا أيضا من الفروع التي استدلّوا عليها بالنبوي. قال شيخ الطائفة قدّس سرّه في حكم إحداث أهل الذمة دورا ما لفظه: «فأمّا المحدثة، فهو أن يشتري عرصة يستأنف فيها بناء، فليس له أن يعلو على بناء المسلمين، لقوله عليه السّلام: الإسلام يعلو و لا يعلى عليه. فإن

______________________________

(1) الخلاف، ج 6، ص 418، المسألة: 20

(2) مختلف الشيعة، ج 8، ص 91

(3) الدروس الشرعية، ج 2، ص 230، مسالك الأفهام، ج 10، ص 386

(4) الخلاف، ج 6، ص 418، المسألة: 20 من كتاب الفرائض، و كذا استدل به هنا في المسالك ج 13، ص 20، و في جواهر الكلام، ج 34، ص 216

(5) مسالك الأفهام، ج 7، ص 167، جامع المقاصد، ج 12، ص 107، جواهر الكلام، ج 29، ص 206

ص: 289

جواز مساواته- و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»، و من المعلوم أنّ ما نحن فيه أولى بالاستدلال عليه (1) به.

[المناقشة في أدلة المشهور]

لكن الإنصاف (2) أنّه لو أغمض النظر عن دعوى الإجماع المعتضد بالشهرة (3) و اشتهار (4) التمسّك بالآية

______________________________

ساوى بناء المسلمين و لم يعل عليه، فعليه أن يقصره عنه. و قيل يجوز ذلك. و الأوّل أقوى» «1».

و نحوه كلام العلامة في التذكرة. و قال أيضا في منع المساواة بعد الاستدلال بالخبر:

«و مع تسويغ المساواة لا يتحقق علوّ الإسلام» فراجع «2».

(1) أي: على ما نحن فيه- و هو بيع العبد المسلم من الكافر- به، أي بالنبوي المرسل المزبور.

(2) هذا شروع في تضعيف الوجوه المذكورة التي استدلّ بها المشهور على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر. تقريبه: أنّه لو أغمض عن دعوى الإجماع- المعتضد بالشهرة، و اشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر- لم تصلح الوجوه المذكورة لإثبات القول المشهور. فالعمدة في دليل هذا الحكم هو الإجماع المذكور. و سيأتي وجه الاشكال فيها.

(3) كما في الجواهر، لقوله- في مقام تخصيص العمومات الحاكمة بصحة بيع العبد المسلم من الكافر- «بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة ..» «3».

(4) كذا في بعض النسخ، و في نسختنا العطف ب «أو» و الأولى ما أثبتناه، و هو معطوف على «الشهرة» يعني: المعتضد بالشهرة و باشتهار التمسك بآية نفي السبيل على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

و يمكن عطفه على «دعوى» و الغرض من العطف دعوى أمرين أحدهما: كون الإجماع معتضدا بالشهرة، و ثانيهما: شهرة التمسك بالآية على الحكم.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 46

(2) تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 344، و نحوه في: مختلف الشيعة، ج 4، ص 444، جامع المقاصد، ج 3، ص 463، جواهر الكلام، ج 21، ص 284

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 234

ص: 290

- حتّى (1) أسند في كنز العرفان «1» إلى الفقهاء، و في غيره إلى أصحابنا- لم يكن (2) ما ذكروه من الأدلّة خاليا عن الإشكال في الدلالة (3).

أمّا قياس (4) حكاية الابتداء على الاستدامة، فغاية توجيهه (5) أنّ المستفاد (6)

______________________________

(1) يعني: أنّ اشتهار التمسك بالآية على عدم الجواز يكون بمثابة أسند الفاضل المقداد قدّس سرّه هذا التمسك إلى الفقهاء، و أسند في غير كنز العرفان إلى أصحابنا، ففي زبدة البيان «و احتج به أصحابنا» «2». و في الجواهر «الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك» «3» أي على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر.

(2) جواب «لو» في قوله: «لو أغمض»، و المراد بالأدلة هي الأدلة الثلاثة المتقدّمة للمنع.

(3) يعني: في الدلالة على المقصود، و هو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر، و زيّف المصنف الوجوه التي احتجّ بها المشهور على عدم الجواز.

(4) هذا أوّل تلك الوجوه، و وجّهه أوّلا بنحو يصحّ الاستدلال به على عدم الجواز، ثم ضعّفه.

أمّا التوجيه فتوضيحه: أنّ وجه دلالة المنع عن الاستدامة على عدم جواز النقل ابتداء هو: أنّ المنع عن الاستدامة يدلّ عرفا على عدم رضا الشارع بأصل وجوده مطلقا، من غير فرق بين الحدوث و البقاء، كدلالة أمر المولى بإخراج شخص من الدار أو بإزالة النجاسة عن المسجد، فإنّه يدلّ عرفا على عدم جواز الإدخال، لمبغوضية وجوده للمولى، بلا فرق بين الحدوث و البقاء.

(5) أي: توجيه قياس حكاية الابتداء على الاستدامة.

(6) هذا تقريب كيفية منع الاستدامة، و قد مرّ آنفا بقولنا: «أمّا التوجيه فتوضيحه .. إلخ».

______________________________

(1) كنز العرفان، ج 2، ص 44

(2) زبدة البيان، ص 439

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 234

ص: 291

من منع الشارع عن استدامته عدم (1) رضاه بأصل وجوده (2) حدوثا و بقاء، من غير مدخليّة لخصوص البقاء، كما لو أمر المولى بإخراج أحد من الدار، أو بإزالة النجاسة عن المسجد، فإنّه يفهم (3) من ذلك عدم جواز الإدخال.

لكن (4) يرد عليه: أنّ هذا (5) إنّما يقتضي كون عدم الرضا بالحدوث على نهج عدم الرضا (6) بالبقاء. و من المعلوم أنّ عدم رضاه بالبقاء مجرّد تكليف بعدم إبقائه،

______________________________

(1) خبر «إنّ» يعني: أنّ المستفاد من منع الشارع عن الاستدامة هو عدم رضا الشارع بأصل وجود كون المسلم ملكا للكافر حدوثا و بقاء من دون دخل للبقاء فيه، لأنّ مقتضى مبغوضية أصل الوجود عدم خصوصية للبقاء في الحكم.

(2) أي: وجود كون المسلم ملكا للكافر.

(3) أي: يفهم عرفا من أمر المولى بإخراج أحد من الدار- أو بإزالة النجاسة عن المسجد- عدم جواز الإدخال.

(4) و أمّا تضعيف التوجيه المزبور فتوضيحه: أنّ قياس الابتداء على الاستدامة- الموجب لبطلان النقل الابتدائي، و عدم مالكية الكافر للعبد المسلم- إنّما يصحّ بناء على كون الإسلام في المقيس عليه رافعا لملكية المسلم للكافر، و مخرجا له عن ملكه، حتى يكون مانعا عن دخوله في ملك الكافر ابتداء، و موجبا لبطلان نقله الابتدائي.

و أمّا بناء على كون الإسلام في المقيس عليه- و هو إسلام العبد بعد كفره- موجبا لوجوب إخراجه عن ملك الكافر تكليفا مع بقاء الحكم الوضعي- و هو ملكيّته للكافر- فلا يصح، إذ غاية ما يدلّ عليه قياس الابتداء على الاستدامة هي النهي التكليفي عن النقل مع صحة العقد الناقل الموجب لحدوث الملكية للكافر. و المستفاد من النص هو الثاني، لعدم حكمهم بزوال ملك الكافر عن عبده المسلم بمجرّد إسلامه. فالإستدلال بقياس الابتداء على الاستدامة- على بطلان النقل الابتدائي- في غير محله.

و قد اتضح بما ذكرناه أنّ قوله: «على نهج» بيان لكبرى مماثلة الحدوث و البقاء، و قوله: «من المعلوم» بيان لصغرى المماثلة و هي مجرد التكليف، مع أن كلامنا في الحكم الوضعي.

(5) أي: التوجيه المزبور لقياس الحدوث بالبقاء.

(6) أي: عدم رضا الشارع بالبقاء.

ص: 292

و بإخراجه عن ملكه (1). و ليس معناه (2) عدم إمضاء الشارع بقاءه (3) حتّى يكون العبد المسلم خارجا بنفسه (4) شرعا عن (5) ملك الكافر، فيكون (6) عدم رضاه بالإدخال

______________________________

(1) أي: ملك الكافر، و ضميرا «إبقائه، إخراجه» راجعان الى العبد المسلم.

(2) أي: معنى عدم رضا الشارع بالبقاء هو عدم إمضائه بقاءه، الموجب لزوال ملك الكافر.

(3) أي: بقاء العبد في ملك الكافر، و المراد بعدم إمضاء الشارع بقاءه هو خروجه بمجرّد الإسلام عن ملك الكافر بدون الحاجة إلى بيع و نحوه من النواقل الشرعية. و هذا هو الحكم الوضعي.

لكنه ليس بمراد، لعدم ذهاب أحد إلى خروجه عن ملك الكافر بمجرّد الإسلام، بل العبد الذي أسلم في ملك الكافر باق على ملكه، و لا يخرج عن ملكه إلّا بأحد النواقل الشرعية.

(4) أي: بمجرد الإسلام بدون ناقل شرعي.

(5) متعلّق ب «خارجا».

(6) هذا متفرع على بقاء العبد- الذي أسلم- على ملك مولاه الكافر، و النهي عن إبقاءه تحت يده مجرّد حكم تكليفي لا يترتب عليه حكم وضعي، و هو خروج العبد عن ملك الكافر.

هذا حال النهي عن الإبقاء. و مثله عدم رضا الشارع بالإدخال، فإنّ النهي عن الإدخال نهي تكليفي محض، و ذلك لا ينافي الحكم الوضعيّ و هو صحة النقل الابتدائي.

فتلخص: أنّ قياس الابتداء بالاستدامة لا يجدي في إثبات الحكم الوضعي أعني به فساد نقل العبد المسلم إلى الكافر ابتداء، و إنّما يجدي في النهي عنه تكليفا و النهي لا يوجب الفساد الذي هو مذهب المشهور.

نعم لو دلّت روايات النهي عن البقاء على خروج العبد المسلم عن ملك الكافر بالانعتاق، لدلت أيضا على عدم حدوث الملك للكافر ابتداء. لكنّه ليس كذلك، لما عرفت من أنّها متعرضة للحكم التكليفي، و هو حرمة الإبقاء في ملك الكافر.

ص: 293

على هذا الوجه (1)، فلا يدلّ (2) على عدم إمضائه (3) لدخوله في ملكه (4) ليثبت بذلك (5) الفساد [1].

______________________________

(1) خبر «فيكون» و المراد بهذا الوجه هو النهي التكليفي لا الوضعي.

فالنتيجة: أنّ نقل العبد المسلم إلى الكافر حرام، لا باطل.

(2) يعني: فلا يدلّ عدم رضا الشارع بإدخال العبد المسلم كإبقائه على الحكم الوضعي- و هو عدم إمضائه لدخوله في ملك الكافر ابتداء- حتى يثبت به فساد المعاملة كما هو المشهور.

(3) أي: إمضاء الشارع، و ضمير «لدخوله» راجع الى العبد المسلم.

(4) أي: في ملك الكافر.

(5) أي: بعدم إمضاء الشارع فساد النقل إلى الكافر.

______________________________

[1] و فيه: أنه يمكن أن يقال- كما قيل-: إنّ النهي عن الحدوث و إن كان تكليفيا كما أفاده قدّس سرّه، إلّا أنّه لرجوعه إلى ناحية المسبّب- و هو ملكية العبد المسلم للكافر- يدلّ لا محالة على الفساد كما ثبت في علم الأصول، و هو مختاره فيه أيضا. و ليس النهي عن المسبّب كالنهي عن السبب في عدم الدلالة على الفساد كالبيع وقت النداء. و من المعلوم أنّ النهي عن إبقاء العبد المسلم بعد إسلامه عند الكافر ليس إلّا لأجل مبغوضية المسبب و هو تملك الكافر له، و هذه المبغوضية توجب دلالة النهي على الفساد.

و يؤيّده: أنّ فساد البيع المنهي عنه حدوثا ممّا تقتضيه شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم، و إلّا لم يكن شرطا. و هذا خلف. بل هذه الشرطية تقتضي خروج العبد إذا أسلم عن ملك مولاه الكافر، كعدم دخوله في ملكه.

لكن هذا الاحتمال- و هو رجوع النهي إلى المسبّب الذي مقتضاه فساد البيع- و إن كان في نفسه صحيحا، لكنه مخالف للنص و الإجماع على بقاء العبد بعد إسلامه على ملك الكافر، غاية الأمر أنّه يجب على المسلمين إخراجه عن ملكه بإجبار الكافر على نقله إلى المسلمين ببيع أو غيره من النواقل الشرعية.

فالحقّ ما أفاده المصنف من كون النهي تكليفيا فقط من دون استتباعه للحكم

ص: 294

و الحاصل (1) أنّ دلالة النهي عن الإدخال في الملك تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء في الدلالة (2) على إمضاء الشارع لآثار المنهيّ عنه، و عدمه (3)، و المفروض انتفاء الدلالة في المتبوع (4).

و ممّا ذكرنا (5) يندفع التمسّك للمطلب بالنصّ الوارد في عبد كافر أسلم، فقال

______________________________

(1) يعني: و حاصل الإشكال- الذي أوردوه على توجيه قياس الابتداء على الاستدامة- هو: تبعيّة دلالة النهي عن إدخال العبد المسلم في ملك الكافر لدلالة النهي عن الإبقاء، في الدلالة على إمضاء الشارع لآثار البقاء الذي هو المنهي عنه و عدمه.

(2) متعلق ب «تابعة» و مبيّن للمراد من تبعية دلالة النهي عن الإدخال لدلالة النهي عن الإبقاء.

(3) معطوف على «إمضاء» يعني: و دلالة النهي عن الإدخال تابعة لدلالة النهي عن الإبقاء على عدم إمضاء الشارع آثار المنهي عنه- و هو البقاء- حتى يخرج العبد بإسلامه عن ملك الكافر، و يكون الدخول مثله في عدم حصول الملك الابتدائي.

و على تقدير إمضاء الشارع آثار البقاء يكون الإدخال في ملك الكافر مثله في تحقق الملك الابتدائي، و كون النهي عن الدخول نهيا تكليفيا فقط.

(4) و هو الإبقاء. فصار المتحصل: حرمة بيع العبد المسلم من الكافر لا بطلانه، كحرمة المتبوع و هو الإبقاء، و عدم زواله بمجرّد إسلام العبد عند الكافر.

(5) من منع قياس الابتداء بالاستدامة. و المتمسّك غير واحد، فراجع الحدائق و الجواهر «1».

______________________________

الوضعي. فبيعه من كافر ابتداء صحيح، غاية الأمر أنّه حرام.

و توهم «لغويّة جعل الملكية للكافر مع فرض وجوب الإخراج عن ملكه كما هو مقتضى كلام المصنف قدّس سرّه، حيث إنّه جعل النهي عن إبقائه في ملك الكافر تكليفا محضا» فاسد، لأنّ اللغوية إنّما تلزم مع نفي جميع آثار الملكية، دون بقاء بعضها كانتقاله إلى ورثته، و أداء ديونه منه، و لا تلزم مع نفي بعض آثار الملكية كحجره عن التصرفات مباشرة.

فالمتحصل: أنّ ما أفاده في المتن- من كون النهي تكليفا محضا غير مستتبع للحكم الوضعي- متين.

______________________________

(1) راجع الحدائق، ج 18، ص 426، و جواهر الكلام، ج 22، و 334

ص: 295

أمير المؤمنين عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده» «1» [1] بناء (1) على أنّ تخصيص البيع بالمسلمين- في مقام البيان و الاحتراز (2)- يدلّ (3) على المنع من بيعه من الكافر، فيفسد.

توضيح الاندفاع (4) أنّ التخصيص بالمسلمين إنّما هو من جهة أنّ الداعي

______________________________

(1) هذا تقريب الاستدلال على البطلان، توضيحه: أنّ تخصيص البيع بالمسلمين في مقام البيان يدلّ على فساد البيع من المشتري الكافر، و إلّا لم يكن وجه للتقييد بالمسلمين و هذا التقييد يدلّ على المنع من بيعه من غير المسلمين، لفساده و عدم ترتب الملكية عليه، فيتم حينئذ الاستدلال بهذا النصّ على فساد بيع العبد المسلم من الكافر.

(2) معطوف على «البيان» يعني: و في مقام الاحتراز عن بيع العبد المسلم من غير المسلمين.

(3) خبر «ان» في قوله قدّس سرّه: «ان تخصيص البيع».

(4) هذا توضيح قوله: «يندفع التمسك» و محصل وجه الاندفاع هو: أنّ التخصيص بالمسلمين ليس لأجل اختصاص مورد الصحة ببيعه من المسلمين حتى يدلّ على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم، و يكون بيعه من الكافر فاسدا، لفقدان الشرط و هو إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم. بل لأجل الإشارة إلى أنّ الداعي إلى الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر، غايته أنّها لا تحصل إلّا ببيعه من المسلمين.

______________________________

ثم إنّه على تقدير دلالة النصوص على فساد بيع العبد المسلم من الكافر تكون تلك النصوص مخصّصة للعمومات الدالة على صحة البيع، و مقيّدة لمطلقاتها، لأخصية النصوص منها كما لا يخفى.

[1] عدّ هذا النصّ دليلا مستقلّا للمشهور غير ظاهر، بل هو دليل على أوّل أدلة المشهور، و هو قياس الحدوث بالبقاء، حيث إنّ هذا النصّ يدلّ على حرمة الإبقاء الذي هو المقيس عليه، فلاحظ.

و كيف كان فمورد الاستدلال جملتان، إحداهما «فبيعوه من المسلمين» و ثانيتهما:

«و لا تقرّوه عنده» فإنّهما تدلّان على عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكافر.

______________________________

(1) تقدم مصدره في ص 286

ص: 296

على الأمر بالبيع هي إزالة ملك الكافر، و النهي (1) عن إبقائه (2) عنده، و هي (3) لا تحصل بنقله إلى كافر آخر، فليس تخصيص المأمور به (4) لاختصاص مورد الصحّة به (5)، بل لأنّ الغرض (6) من الأمر لا يحصل إلّا به [1]، فافهم (7).

______________________________

(1) الأولى تقديمه- على تقدير ثبوته في النسخة الأصلية- على قوله: «هي إزالة ملك الكافر» بأن يقال: «إنّ الداعي على الأمر بالبيع و النهي عن إبقائه عنده هي إزالة ملك الكافر» و المظنون أن التقديم من الناسخ. و على هذا يكون «و النهي» معطوفا على «الأمر بالبيع» عطفا تفسيريا.

(2) أي: إبقاء العبد المسلم عند الكافر.

(3) أي: و إزالة ملك الكافر لا تحصل بنقل العبد المسلم إلى كافر آخر، بل لا بدّ من نقله إلى مسلم.

(4) و هو بيع العبد المسلم من المسلمين.

(5) أي: بكون مورد صحة البيع خصوص البيع من المسلمين، حتى يثبت مدّعى المشهور، و هو شرطية إسلام من انتقل إليه العبد المسلم.

(6) و هو إزالة ملك الكافر لا يحصل إلّا ببيع العبد المسلم من المسلمين.

(7) لعلّه إشارة إلى: أنّه لا وجه لاستفادة الاختصاص بالمسلمين إلّا التشبث بمفهوم الوصف حتى يدلّ على عدم صحة بيعه بغير المسلمين، و يصح الاستدلال به على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم.

أو إشارة إلى: أنّ الأمر بإزالة الملك مستلزم لبطلان البيع، لصيرورته سفهيّا. فالنهي و إن كان تكليفيا، لكنه يوجب الفساد.

إلّا أن يقال: إنّ المراد بالسفاهة ما يكون سفاهة عرفا مع الغض عن حكم

______________________________

[1] بل يحصل الغرض- و هو إزالة ملك الكافر- بعتقه أو وقفه، بناء على صحتهما من الكافر، فلا يتوقف حصول هذا الغرض على بيعه من المسلمين. فاستفادة الانحصار ببيعه من المسلمين- حتى يكون دليلا على قول المشهور- منوطة بمفهوم الوصف على القول به.

ص: 297

و أمّا الآية (1) فباب الخدشة فيها واسع: تارة من جهة دلالتها في نفسها (2) و لو (3) بقرينة

______________________________

الشارع، لأنّ السفاهة من الألفاظ التي يرجع فيها إلى العرف، فلا بدّ أن تكون المعاملة سفهية مع الغض عن حكم الشارع بوجوب الإزالة.

(1) هذا شروع في الخدشة في الاستدلال بآية نفي السبيل لمذهب المشهور، و لا يخفى أن للمصنف قدّس سرّه خدشات ثلاث في الاستدلال بالآية الشريفة.

الخدشة الاولى: أنّ إرادة الملكية من السبيل- كما هو مبنى استدلال المشهور بالآية على اعتبار الإسلام في من ينتقل إليه العبد المسلم- تستلزم تخصيصها بموردين حكي الإجماع على مالكية الكافر للعبد المسلم فيهما.

أحدهما: الملك الابتدائيّ القهريّ، كانتقال العبد المسلم إلى الكافر بالإرث و إن أجبر على بيعه من الراغب في شرائه، و مع عدمه يحال بين العبد و مولاه الكافر الى أن يوجد الراغب.

و ثانيهما: الملك الاستدامي، كما لو أسلم العبد عند مولاه الكافر، أو ارتدّ المولى بعد كونه هو و عبده مسلمين.

ففي هذين الموردين يملك الكافر العبد المسلم، و لا بدّ من تخصيص الآية، بأن يقال:

«لن يجعل اللّه الكافر مالكا للمسلم إلّا في هذين الموردين» مع وضوح إباء الآية المباركة عن التخصيص. و وجه الإباء عنه ظهورها في كون الإيمان تمام العلّة في الحكم بنفي السبيل، و يمتنع انفكاكه عنه.

و على هذا لا بدّ من إرادة معنى آخر من الآية المباركة حتى لا يلزم منه التخصيص أصلا، بأن تكون في مقام بيان شرف الإيمان و نفي السلطنة على المؤمن في الآخرة.

(2) يعني: مع الغضّ عن الرواية الواردة في تفسيرها، و هي رواية العيون الآتية.

(3) وصلية، يعني: و لو كانت دلالة نفس الآية بقرينة السياق.

و ليس المراد من قوله: «و لو بقرينة سياقها» الإشارة إلى أنّ منع دلالة الآية على الملك- مع الغضّ عما ورد في تفسيرها- يستند إلى أمور ثلاثة. أحدها عدم دلالتها في نفسها، ثانيها: إباء سياقها. ثالثها: قرينة ما قبلها الدال على نفي السبيل في الآخرة.

ص: 298

سياقها [1] الآبي (1) عن التخصيص، فلا بدّ (2) من حملها على معنى لا يتحقّق فيه تخصيص، أو بقرينة (3) ما قبلها الدالّة على إرادة [أنّ] نفي الجعل في الآخرة.

و اخرى (4) من حيث تفسيرها (5) في بعض الأخبار بنفي الحجّة للكفّار على

______________________________

(1) المراد بالسياق الآبي عن التخصيص هو ما يذكره بعد أسطر بقوله: «في الآية الشريفة المسوقة لبيان أن الجعل شي ء لم يكن و لن يكون .. إلخ» فإنّ كلمة «لن» لنفي التأييد الناشئ هنا عن احترام المؤمن و شرفه. و هذا لا يقيّد بحال دون حال.

فالنتيجة: أنّ هذه الآية المباركة- بناء على إرادة الملك من السبيل- لا تدلّ على قول المشهور.

(2) هذه نتيجة إشكال التخصيص مع فرض إرادة الملك من السبيل و إبائه عن التخصيص، يعني: فلا بدّ من حمل الآية على معنى لا يرد فيه تخصيص.

(3) معطوف على «قرينة سياقها» يعني: أنّه لا يراد من السبيل المنفي الملكية، أمّا لسياقها الآبي عن التخصيص اللازم هنا، إذ المفروض ملك الكافر للمسلم في موردين تقدّما بقولنا: «فإنّ الكافر يملك العبد المسلم في هذين الموردين». و إمّا لقرينة ما قبل هذه الآية، و هو قوله تعالى فَاللّٰهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ فإنّ نفي السبيل في الآخرة أجنبي عن الملكية المبحوث عنها في المقام.

(4) هذه هي الخدشة الثانية، و هذه الخدشة كالأولى راجعة إلى دلالة الآية.

(5) قال في مجمع البيان: «قيل فيه أقوال: أحدها: أنّ المراد لن يجعل اللّه لليهود على المؤمنين نصرا و لا ظهورا عن ابن عباس.

و قيل: لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا بالحجة و إن جاز أن يغلبوهم

______________________________

[1] لا يخفى أنّ سياقها يأبى عن التخصيص مطلقا سواء أريد من السبيل في الآية المباركة خصوص الملك أم مطلق تسلط الكافر على المؤمن و لو بغير الملك، كما إذا استقرض من الكافر، فإنّه يتسلط على المؤمن بالمطالبة، بل بالحبس إذا كان مماطلا مع يسره و قدرته على الأداء. فلا محيص عن حمل الآية على معنى يسلم من التخصيص الذي يأباه سياقها.

ص: 299

المؤمنين، و هو ما روي في العيون عن أبي الحسن عليه السّلام ردّا على من زعم أنّ المراد بها (1) نفي تقدير اللّه سبحانه بمقتضى الأسباب العاديّة تسلّط الكفّار على المؤمنين، حتّى أنكروا لهذا المعنى الفاسد الذي لا يتوهّمه ذو مسكة أنّ الحسين بن علي عليهما السّلام لم يقتل، بل شبّه لهم (2)،

______________________________

بالقوة. لكن المؤمنين منصورون بالدلالة و الحجة، عن السدّي و الزجاج و البلخي. قال الجبائي: و لو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا، لأنّ غلبة الكفّار للمؤمنين ليس ممّا فعله اللّه، فإنّه لا يفعل القبيح. و ليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار، فإنّه يجوز أن ينسب إليه سبحانه.

و قيل: لن يجعل لهم في الآخرة عليهم سبيلا، لأنّه مذكور عقيب قوله: فاللّه يحكم بينكم يوم القيامة. بيّن اللّه سبحانه أنّه إن يثبت لهم سبيل على المؤمنين في الدنيا بالقتل و القهر و النهب و الأسر و غير ذلك من وجوه الغلبة، فلن يجعل لهم يوم القيامة عليهم سبيلا بحال» «1».

(1) أي: بآية نفي السبيل، فإنّهم جعلوا السبيل المنفي: القدرة التكوينية العاديّة، يعني: أنّ الكافرين ليس لهم قدرة و تسلط خارجي على المؤمنين.

و الشاهد لإرادة الحجة من الآية الشريفة قول مولانا أبي الحسن الرضا عليه السّلام في الرواية المزبورة: «و أمّا قوله عزّ و جلّ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، فإنّه يقول: لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجة» و هذه الجملة ردّ على من زعم أنّ المراد بنفي السبيل نفي القدرة التكوينية.

(2) لكن يرد على من زعم ذلك المعنى الفاسد أنّ الشبيه الذي قتل في كربلاء- و هو حنظلة بن سعد الشامي- كان مؤمنا.

إلّا أن يقال: انّهم لا يعتقدون بإيمان حنظلة الذي هو من شهداء كربلاء، لكنه كما ترى.

______________________________

(1) مجمع البيان، ج 3، ص 128

ص: 300

و رفع كعيسى «على نبيّنا و آله و عليه السلام» (1).

و تعميم (2) الحجّة

______________________________

(1) لا بأس بنقل نصّ رواية العيون ممّا يتعلّق بالمقام، و هو أنّ الهروي- و الظاهر أنّه عبد السلام بن صالح- قال: «قلت: يا ابن رسول اللّه و فيهم- أي في سواد الكوفة- قوم يزعمون أنّ الحسين بن علي عليه السّلام لم يقتل، و أنّه القي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي، و أنّه رفع إلى السماء، كما رفع عيسى بن مريم عليهما السّلام، و يحتجون بهذه الآية وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

فقال: كذبوا، عليهم غضب اللّه و لعنته، و كفروا بتكذيبهم لنبيّ اللّه في إخباره بأنّ الحسين بن علي عليهما السّلام سيقتل. و اللّه لقد قتل الحسين، و قتل من كان خيرا من الحسين، أمير المؤمنين و الحسن بن علي. و ما منّا إلّا مقتول، و أنا و اللّه لمقتول بالسّمّ باغتيال من يغتالني، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول اللّه أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين.

و أما قول اللّه عزّ و جلّ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فإنّه يقول: و لن يجعل اللّه لكافر على مؤمن حجّة. و لقد أخبر اللّه عزّ و جلّ من كفّار قتلوا النبيّين بغير الحقّ، و مع قتلهم إيّاهم لم يجعل اللّه لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة» «1».

(2) مبتدء خبره قوله: «لا يخلو». و هذا إشارة إلى كلام صاحب العناوين و غيره ممّن أيّد استدلال المشهور بالآية الشريفة على منع بيع العبد المسلم من الكافر، و الغرض منه دفع الخدشة الثانية المتقدمة بقوله: «و اخرى».

و بيانه: أنّ صاحب الحدائق قدّس سرّه اعترض على المشهور المستدلّين بالآية الشريفة بوجوه ثلاثة، و ثالثها هو الاستشهاد بخبر العيون على أنّ السبيل المنفي في الآية المباركة ليس بمعنى السلطنة و الملك، فقال: «و الخبر كما ترى صريح في تفسير السبيل المنفي في الآية بالحجة و الدليل» «2».

و أجاب صاحب العناوين قدّس سرّه عنه- انتصارا للمشهور- بوجوه عديدة أشار المصنف قدّس سرّه إلى اثنين منها:

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام، ج 2، ص 203، طبعة طهران عام 1377، عنه في البحار، ج 44، ص 271، ح 4

(2) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 424 و 425

ص: 301

..........

______________________________

الوجه الأوّل: أنّ تفسير «السبيل» بالحجة- كما في الخبر- لا ينافي التمسك بالآية، إذ للحجة معنى عام يشمل الملكية، و لا ينحصر معناها في البرهان و الدليل، فالحجة «ما تكون به الغلبة للكافر على المسلم» و من المعلوم أنّ الملكية إذا كانت سبيلا كانت ممّا به غلبة الكافر على المسلم في تصرفه كيف يشاء.

و على هذا فتملك الكافر للعبد المسلم و سلطنته على الاستخدام و الأمر و النهي حجة له على المسلم، فتكون منفيّة بمقتضى الآية. قال في العناوين: «مضافا إلى أنّا نقول:

إنّ الكافر لو كان مالكا للمسلم و نحو ذلك من طرق السّبل الذي تنفيها القاعدة لكان ذلك أيضا من أعظم الحجج للكافر على المسلم، فإنّ حجه الملك و الولاية من أعظمها.

فالخبر الدال على نفي الحجة دال على ذلك- أي نفي الملك و الولاية- أيضا، فلا تذهل» «1».

و بهذا الوجه دفع صاحب الجواهر أيضا كلام صاحب الحدائق، فقال: «يدفعها- أي يدفع المناقشة- صحة الاستدلال بها على هذا التقدير، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه» «2».

الوجه الثاني: أن «السبيل» و إن فسّر بالحجة، و أنّها ليست مطلق ما يكون به الغلبة، بل هي الغلبة في مورد المخاصمة و المحاجّة، فلا تشمل الملكية، و لكن نقول: ليس الخبر في مقام حصر السبيل المنفي في خصوص الحجة، بل الخبر- لخصوصية المورد- طبّق السبيل العامّ على أحد أفراده، و هو البرهان و الدليل، و من المعلوم أنّ المورد لا يخصّص عموم الوارد. قال في العناوين: «و الجواب أوّلا: أن السبيل المنفي عام شامل للحجة و غيرها، و الخبر لم يدلّ على الانحصار، فنقول بدخوله في العموم، غايته أنّ ذلك هو المورد، و هو لا يخصّص .. فحمل الخبر على بيان أحد أفرادها أجود كما هو الغالب في أخبار التفاسير» «3».

و الفرق بين الوجهين: أن الأوّل مبني على ترادف «السبيل و الحجة» بمقتضى ظاهر الخبر، و لكن يدّعى أنّ الحجة غير منحصرة في البرهان و الدليل، بل يشمل

______________________________

(1) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي، ج 2، ص 358

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 336

(3) العناوين للعلامة السيد مير فتاح الحسيني المراغي، ج 2، ص 358

ص: 302

على معنى (1) يشمل الملكية، أو [و] تعميم (2) السبيل على وجه يشمل الاحتجاج و الاستيلاء، لا يخلو (3) عن تكلّف.

و ثالثة (4) من حيث تعارض عموم الآية مع عموم ما دلّ على صحّة البيع «1» و وجوب الوفاء بالعقود «2»، و حلّ أكل المال بالتجارة «3»، و تسلّط الناس على أموالهم «4»،

______________________________

الملكية و السلطنة أيضا. و الوجه الثاني مبني على إنكار الترادف، و جعل الحجة من أفراد معنى السبيل، و من المعلوم أنّ تفسير العامّ ببعض أفراده غير قادح في عموم ذلك العامّ، فللسبيل معنى عام يشمل الاحتجاج و الاستيلاء الملكي معا. هذا كلّه في توضيح الوجهين، و سيأتي مناقشة المصنف فيهما، و تثبيت قصور دلالة الآية على المقام.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الأوّل. و قد عرفت اختيار صاحب الجواهر له أيضا.

(2) هذا إشارة إلى الوجه الثاني، و قد تقدم الفرق بينه و بين الوجه الأوّل.

(3) خبر قوله «و تعميم» و دفع للوجهين. أمّا الأوّل، ففيه: أنّ الملكية إضافة خاصّة بين المال و المالك، و هي تنشأ بالإنشاء. و «الحجة» ظاهرا هي الغلبة على الخصم في مورد المخاصمة، لا مطلق ما يكون به الغلبة على أحد و لو لم تكن مخاصمة.

مضافا إلى: أنّ هذا المعنى العام للحجة مستلزم لتخصيص نفي جعل الملكية للكافر بالملك الابتدائي القهري و الملك الاستدامي المتقدمين سابقا، و المفروض أنّ الآية آبية عن التخصيص كما مرّ آنفا.

و أمّا الوجه الثاني ففيه أيضا: أنّ أصل معنى السبيل هو السلطنة، فتعميمه إلى ما ورد في الخبر من الاحتجاج و إقامة الدليل- حتى يتطابق المدّعى و الدليل- غير ظاهر.

(4) هذه هي الخدشة الثالثة، توضيحها: أنّه- بعد الغضّ عن المناقشتين المتقدمتين الراجعتين إلى دلالة الآية الشريفة، و تسليم دلالتها على عدم جعل ملكية العبد المسلم

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 275

(2) سورة المائدة، الآية 1

(3) سورة النساء، الآية 29

(4) عوالي اللئالي، ج 1، ص 222، ح 99

ص: 303

و حكومة (1) الآية عليها غير معلومة (2) [1]. و إباء (3) سياق الآية عن التخصيص

______________________________

للكافر- يرد على الاستدلال بها: أنّها تعارض العمومات الدالة على صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر، و النسبة بينهما عموم من وجه، لاجتماعهما في بيع العبد المسلم من الكافر، فإنّ آية نفي السبيل تقتضي فساده، و العمومات تقتضي صحته. و افتراق العمومات في بيع العبد المسلم من المسلم. و افتراق الآية في الملك القهري، إذ العمومات ناظرة إلى الملك الاختياري. و المعارضة تسقط المتعارضين، و تصل النوبة إلى الأصل العملي الذي هو أصالة الفساد في العقود.

فالنتيجة: بطلان نقل المسلم إلى الكافر كما هو المشهور، و هذا ضدّ مقصود المصنف قدّس سرّه من إثبات صحة نقل العبد المسلم إلى الكافر.

(1) مبتدء، و خبره «غير معلومة» و الغرض من هذا الكلام دفع إشكال المعارضة، بتقريب: أنّ آية نفي السبيل حاكمة على عمومات الصحة، و تقدّم عليها، و لا تلاحظ نسبة العموم من وجه بينهما. و هذه الحكومة توجب صحة الاستدلال بالآية على مذهب المشهور، و هو عدم جواز نقل العبد المسلم إلى الكفار.

(2) لأنّ المصنف قدّس سرّه يعتبر في الحكومة تعرّض الحاكم بمدلوله اللفظي لما يراد من المحكوم، و هو مفقود هنا. و مع عدم الحكومة لا يصحّ الاستدلال بالآية على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر، لمعارضتها مع عمومات الصحة.

(3) مبتدء، و خبره «يقرّب» توضيح ما أفاده في المناقشة الثالثة هو: أنّ مجرد التعارض- و عدم الحكومة على عمومات الصحة- لا يكفي في سقوط المتعارضين حتى يرجع إلى أصالة الفساد التي هي المرجع في العقود و خيرة المشهور. بل مدار سقوطهما على إمكان تخصيص كلّ من المتعارضين بالمجمع، و إخراجه عن كلّ منهما، و عدم رجحان

______________________________

[1] لا ينبغي الإشكال في الحكومة، لما قرّر في محلّه من عدم اعتبار دلالة الحاكم لفظا على ما يراد من المحكوم. لكنه مع ذلك لا يستقيم الاستدلال بالآية على عدم تملك الكافر للعبد المسلم، لأجل إباء الآية عن التخصيص، مع القطع بتخصيصها بموارد يكون الكافر مالكا فيها للعبد المسلم.

ص: 304

- مع وجوب الالتزام به (1) في طرف الاستدامة، و في (2) كثير من الفروع في الابتداء- يقرّب (3) [1] تفسير السبيل بما لا يشمل الملكيّة، بأن يراد من السبيل السلطنة،

______________________________

لتخصيص أحدهما بالخصوص على الآخر. ك «أكرم العلماء و لا تكرم الأمراء» فإنّ مورد اجتماعهما- و هو العالم الأمير- يمكن إخراجه عن كلّ من هذين الدليلين من دون رجحان لأحدهما بالخصوص على الآخر.

و المفروض فقدان هذا الشرط- و هو عدم رجحان أحد التخصيصين على الآخر- هنا، و ذلك لإباء الآية المباركة عن التخصيص، مع وضوح تخصيصها بالملك الابتدائي القهري كالإرث، و الاستدامي كإسلام العبد مع مولاه الكافر، أو ارتداد مولاه مع إسلام العبد.

و هذا الإباء مع هذين التخصيصين- بل و غيرهما من الفروع- يكشف إنّا عن عدم إرادة الملك من السبيل، بل المراد من السبيل المنفي في الآية المباركة نفس السلطنة.

و من المعلوم أنّ نفيها لا ينفي الملكية، بل تجتمع الملكية مع عدم السلطنة كما في المحجورين، فإنّهم مع كونهم مالكين لأموالهم محجورون عن التصرف فيها.

و عليه فالكافر يمكن أن يكون مالكا للعبد المسلم مع عدم سلطنته عليه. فالآية أجنبية عن نفي الملكية، و لا تعارضها عمومات صحة العقود، لأنّ الآية لا تنفي الملكية حتى تعارضها أدلة ترتب الملكية على العقود الصحيحة.

(1) أي: الالتزام بالتخصيص في طرف الاستدامة.

(2) معطوف على «في» يعني: مع وجوب الالتزام بالملك في طرف الابتداء، كالتملك القهري بالإرث، و كصحة بيعه على من ينعتق عليه. و ما لو قال الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عنّي» لتملكه آنا، و ما لو اشترط على الكافر عتقه حين البيع.

(3) خبر قوله: «و إباء» و التفسير بما لا يشمل الملكية يسقط الاستدلال بالآية

______________________________

[1] نعم لا إشكال في كونه مقرّبا لتفسير «السبيل» بغير الملكية. لكنه لا يناسب ذكره هنا، أي في إشكال المعارضة، لأنّ فرض الإشكال إنّما هو بناء على إرادة نفي الملك من عدم السبيل حتى يعارض العمومات الدالة على تحقق الملك. و ما ذكره من قوله: «يقرّب تفسير

ص: 305

فيحكم بتحقّق الملك و عدم تحقّق السلطنة، بل يكون محجورا عليه (1) مجبورا على بيعه (2).

و هذا (3) و إن اقتضى التقييد في إطلاق ما دلّ على استقلال الناس في أموالهم، و عدم حجرهم بها (4).

لكنّه (5) مع ملاحظة وقوع

______________________________

على عدم مالكية الكافر للعبد المسلم، و يخرج الآية المباركة عن موضوع التعارض، لتعدد الموضوع، لأنّ موضوع العمومات هو الملكية، و موضوع الآية هو السلطنة. و بينهما عموم من وجه.

(1) أي يكون المالك الكافر كسائر المحجورين المالكين لأموالهم.

(2) أي: يجبر الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم.

(3) يعني: تحقق الملك للكافر بدون السلطنة له على العبد المسلم. و هذا إشارة إلى دفع وهم.

أمّا الوهم فهو: أنّ الآية و إن كانت سليمة من التخصيص مع إرادة الملك بدون السلطنة، إلّا أنّ لازمه تقييد إطلاق دليل السلطنة، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الناس مسلطون على أموالهم» الدال على عدم حجرهم و عدم جبرهم على بيعها.

و بالجملة: يلزم ارتكاب خلاف ظاهر دليل على كل حال، إمّا تخصيص الآية، و إمّا تقييد إطلاق دليل السلطنة، هذا. و أمّا دفع الوهم فسيأتي.

(4) مرجع الضمير حكمي، و هو ما يوجب الحجر من الصغر و الجنون و السفه و غيرها.

(5) أي: و لكنّ التقييد، و هذا دفع الوهم، و حاصله: تقديم التقييد على التخصيص فيما إذا دار الأمر بينهما، لكثرة تقييد إطلاق دليل السلطنة، كحجر المالك القاصر لصغر،

______________________________

السبيل ..» إنكار لإرادة الملك من السبيل.

فالأولى ذكر قوله: «يقرّب» و ما قبله في الخدشة الأولى الراجعة إلى دلالة الآية الشريفة، فلاحظ.

ص: 306

مثله (1) كثيرا في موارد الحجر على المالك أهون من ارتكاب التخصيص في الآية المسوقة (2) لبيان أنّ الجعل شي ء لم يكن و لن يكون، و أنّ (3) نفي الجعل ناش عن احترام المؤمن الذي لا يقيّد بحال دون حال.

هذا، مضافا (4) إلى أنّ استصحاب الصحّة في بعض المقامات يقتضي الصحّة، كما (5) إذا كان الكافر مسبوقا بالإسلام- بناء على شمول الحكم (6) لمن كفر عن الإسلام- أو كان (7) العبد مسبوقا بالكفر، فيثبت (8) في غيره بعدم الفصل.

______________________________

أو جنون، أو سفه، أو فلس، أو زمن.

فالنتيجة: أنّ التقييد أهون من التخصيص في الآية.

(1) أي: مثل هذا التقييد، و «أهون» خبر «لكنه».

(2) هذه قرينة السياق التي أشار إليها في الخدشة الأولى بقوله في (ص 299):

«و لو بقرينة سياقها الآبي عن التخصيص».

(3) معطوف على «أنّ الجعل» و المراد نفي جعل السبيل مؤبّدا، و منشؤه احترام المؤمن الذي هو ثابت دائما، و ليس مقيّدا بحال دون حال، و لذا يكون عدم السبيل آبيا عن التخصيص.

(4) يعني: و يدلّ على صحة بيع العبد المسلم من المشتري الكافر- مضافا إلى الأدلة السابقة- استصحاب الصحة في بعض الموارد، و قد ذكر المصنف قدّس سرّه لذلك موردين.

(5) هذا هو المورد الأوّل، و تقريبه: أنّ هذا الكافر المشتري المسبوق بالإسلام كان قبل كفره يصحّ بيع العبد المسلم منه، و بعد كفره كما كان، و الاستصحاب هنا تعليقيّ.

(6) و هو عدم صحة بيع العبد المسلم من الكافر الذي يكون كفره بارتداده عن الإسلام.

(7) معطوف على «كان» في قوله «إذا كان الكافر .. إلخ» و هذا هو المورد الثاني، و تقريبه: أنّ عبدا كافرا إذا أسلم، فقبل إسلامه كان بيعه من الكافر صحيحا، و نشكّ في صحة بيعه منه بعد إسلامه، فنستصحب الصحّة السابقة، و هذا الاستصحاب أيضا تعليقي.

(8) أي: فيثبت جواز بيع العبد المسلم من الكافر- في غير مورد استصحاب

ص: 307

و لا (1) يعارضه أصالة الفساد في غير هذه الموارد (2)، لأنّ (3) استصحاب الصحّة مقدّم عليها [1] فتأمّل (4) [2].

______________________________

الصحة- بعدم القول بالفصل بين مورد الاستصحاب و غيره، فمن قال بالجواز في مورد الاستصحاب قال به في سائر الموارد.

(1) إشارة إلى وهم و دفعه. أمّا الوهم فهو: أنّ أصالة الفساد- أي: استصحابه- يعارض استصحاب الصحة، كما إذا كان الكافر أصليّا و العبد مسلما، فيثبت الفساد في غيره بعدم الفصل. فاستصحاب الفساد يعارض استصحاب الصحة في مورده، و في غيره بعدم الفصل.

(2) الظاهر كون العبارة «في غير هذين الموردين» لأنّهما موردا الاستصحاب.

(3) و أمّا دفع الوهم الذي أشير إليه بقوله: «لأن استصحاب الصحة» فحاصله: أنّ أصالة الصحة حاكمة على أصالة الفساد، و إلّا تلزم لغوية جعلها، و ذلك لوجود أصالة الفساد أعني به بقاء كل مال على ملك مالكه في جميع موارد أصالة الصحة.

و يمكن أن يكون وجه تقدمها على أصالة الفساد كونها أصلا موضوعيا، لجريانها في السبب الناقل لإثبات تماميته. بخلاف أصالة الفساد، فإنّها أصل حكمي مثبت لبقاء المالين على ملك مالكيهما.

(4) لعلّه إشارة إلى منع الحكومة، لعدم تسبّب أحد الشكّين عن الآخر، كتسبّب

______________________________

[1] لا يخفى أنّه يقع الكلام في أنّ الإسلام شرط أو الكفر مانع، و تظهر الثمرة في الشك. فعلى المانعية يمكن إحراز عدم المانع- أعني الكفر- بأصالة العدم، فإذا شكّ في كفر من يشتري العبد المسلم أمكن إحراز عدمه بالأصل المزبور. بل يكون هذا المورد من صغريات قاعدة المقتضي و المانع.

و بناء على شرطية إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم لا بدّ من إحرازه في صحة البيع، و بدونه لا يحكم بصحته.

[2] لم يتعرّض المصنف قدّس سرّه للخدشة في الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» و لعلّه اتكالا على ما تقدم من المناقشة في الاستدلال بآية نفي السبيل. أو لأنّ

ص: 308

..........

______________________________

الشك في طهارة الثوب المتنجس- المغسول بالماء المستصحب الطهارة- عن الشك في طهارة الماء الذي غسل به الثوب.

أو إلى عدم جريان استصحاب الصحة، لتبدّل الموضوع، حيث إنّ الكفر و الإيمان أخذا في الأحكام بنحو الموضوعية، نظير المسافر و الحاضر، فإنّ جواز شراء العبد المسلم مختصّ بالمسلم، فإذا زال الإسلام فلا مجال لاستصحاب الصحة، لتبدل الموضوع، و هو إسلام المشتري بالكفر. و كذلك العبد الذي يجوز بيعه من الكافر فإنّما هو لأجل الكفر، فإذا زال و أسلم العبد فقد تبدّل الموضوع، فلا يجري استصحاب الصحة.

______________________________

الجملة خبريّة، و لا موجب لحملها على الإنشاء و النهي عن علوّ الكافر على المسلم بشي ء من الأسباب.

مع أنّ الحمل على الإنشاء لا يخلو من محذور، للزوم التخصيص مع إباء السياق عنه، أو لأنّه لا يجدي في إثبات بطلان نقل العبد المسلم الى الكافر. و بيانه على ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه: أن الجملة إن كانت مسوقة لنفي كلّ ما كان مصداقا للعلوّ من المجعولات الشرعية كالملكية و الزوجية و السلطنة فكأنه قيل: «ان المجعولات الشرعية الموجبة للعلوّ ثابتة في حق المسلم على الكافر، دون العكس» فالخبر و إن كان متكفلا لعدم تملك الكافر للعبد المسلم بالبيع و شبهه. و لكن يرد عليه أوّلا لزوم تخصيصه بموارد ثبوت الملكية للكافر على ما تقدم.

و ثانيا: أنّه لا يلتئم مع استدلال غير واحد من الفقهاء به في باب الجهاد على منع علوّ بناء دار الكافر على دار المسلم، و الوجه فيه: أن المفروض إرادة نفي العلو من حيث المجعول الشرعي. و أمّا إعلاء البناء خارجا فليس من مصاديق العلو المنفي شرعا. و جواز الإعلاء و إن كان قابلا للنفي، إلّا أنه ليس مصداقا للعلوّ. و سلطنة الكافر على إعلاء بنائه سلطنته على فعله لا على سلطنة المسلم ليكون مصداقا للعلو على المسلم.

و إن كانت الجملة مسوقة للحكم بعدم العلوّ على المسلم- بأنحاء العلوّ الاعتباري و التكويني- فتدل على عدم تملك الكافر للمسلم ابتداء، و على وجوب إزالته عند ثبوته بإرث و شبهه. و على عدم سلطنة الكافر على المسلم، و على عدم جواز إعلاء بنائه على بناء المسلم، إلّا أنّه لا يجدي في إثبات فساد بيع العبد المسلم من الكافر، لعدم اقتضاء حرمته

ص: 309

[لا فرق بين البيع و أنواع التمليكات]

ثمّ إنّ الظاهر (1) أنّه لا فرق بين البيع و أنواع التمليكات كالهبة و الوصيّة.

______________________________

أو إلى: أنّ عدم القول بالفصل لا يكفي في التعدّي من موردي استصحاب الصحة إلى سائر الموارد، إذ المجدي في التعدّي هو قيام الحجة على التلازم بين الحكمين واقعا كالقصر و الإتمام. و ذلك مفقود هنا، لكون الأحكام في المقام ظاهرية، لا واقعية، و التفكيك فيها كثير، كالتوضؤ غفلة بماء مردّد بين الماء و البول، فإنّ طهارة الأعضاء تلازم ارتفاع الحدث. مع أنّهم يفتون ببقاء الحدث و طهارة الأعضاء، لاستصحابهما.

مضافا إلى: أنّ مرجع عدم القول بالفصل إلى إثبات حكم موضوع لموضوع آخر، و هو قياس باطل، كما قيل، فليتأمّل.

هذا تمام الكلام في حكم نقل رقبة العبد المسلم إلى الكافر بالبيع أو الشراء، و سيأتي حكم نقلها بمثل الهبة و الصلح و الوصية.

(1) نقل العبد المسلم الى الكافر بغير البيع وجه هذا الظهور هو وجود ملاك جعل نفي السبيل- أعني به احترام المؤمن-

______________________________

المولوية للفساد، سواء أ كان تعلق النهي بعنوان المعاملة مثل «لا تبع العبد المسلم من الكافر» أم بعنوان عام و هو العلوّ المنطبق على التملك «1».

و لو كان النهي عن المسبّب بالنقل- و هو التملك كما سيأتي في (ص 361)- لاقتضى الفساد. فالأولى منع كون اعتبار الملكية علوّا كما لو ورث الكافر المصحف، أو وضع عند مسلم إلى أن يوجد الراغب في الشراء منه.

هذا كله بناء على دلالة الجملة على الإنشاء، لو تعذر الأخذ بظاهره من الاخبار بعلوّ معالم الدين الحنيف و موافقتها للفطرة الإلهية، و قوّة حجته. و لصاحب العناوين قدّس سرّه بحث مفصّل حول مدلول هذا الحديث، فراجعه «2».

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 229

(2) العناوين، ج 2، ص 353- 356

ص: 310

[تمليك منافع المسلم للكافر]

و أمّا تمليك المنافع (1) [1] ففي الجواز مطلقا [2] كما يظهر من التذكرة «1».

______________________________

في جميع أنحاء التمليكات من الهبة و الوصية و الصلح و غيرها، فإنّ احترام المؤمن و كرامته ينافي المسبّب و هو التمليك، من غير فرق بين أسبابه كالبيع و غيره.

مضافا إلى دلالة قوله عليه السّلام: «لا تقرّوه عنده» و قوله عليه السّلام: «بيعوه من المسلمين» على عدم جواز تملك الكافر للمسلم مطلقا، سواء أ كان قراره عند الكافر بالشراء من مسلم أم بسائر نواقل الأعيان.

هذا كله في تمليك رقبة العبد للكافر، و سيأتي الأمر الثالث و هو حكم إجارته من الكافر.

(1) تمليك منافع المسلم للكافر هذا في قبال نقل رقبة العبد إلى الكافر، يعني: تمليك منافع المسلم من الكافر، بأن يؤجر الحرّ المسلم نفسه من الكافر، أو يؤجّر السيد عبده المسلم من الكافر لإنفاذ أعماله و قضاء حوائجه، فهل يكون هذا التمليك جائزا أم لا؟ فيه أقوال أربعة كما ستأتي.

و المراد بقوله: «مطلقا» ما يقابل التفصيل الآتي بقوله: «أو مع وقوع الإجارة ..

إلخ».

______________________________

[1] يعني: منافع العبد المسلم. و لا يخفى أنّ هذا العنوان لا يصلح أن يكون مصبّ الأقوال الأربعة التي ذكرها في المتن، لأنّ منها التفصيل بين كون الأجير المسلم حرّا و بين كونه عبدا، بجواز الإجارة في الأوّل دون الثاني. بل لا بدّ أن يكون المصبّ عمل المسلم حتى يصحّ انقسامه إلى الأقسام المذكورة.

[2] لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من «السبيل» دون الملك، لا بدّ من صحة تمليك المنافع، لأنّه ليس بأولى من تمليك العين، إذ المفروض أنّ الملك بدون السلطنة ليس سبيلا منفيّا عنه فضلا عن تعلق الحق و عن تمليك المنافع.

فالبحث هنا ليس في الكبرى، بأن يقال: إن آية نفي السبيل لا تشمل جميع أقسام

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 21

ص: 311

و مقرّب النهاية «1» (1)، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف «2»، أو مع (2) وقوع الإجارة على الذمّة كما عن الحواشي و جامع المقاصد و المسالك «3» (3)،

______________________________

و لا يخفى أنّ تمليك العين بنفسه بدون السلطنة إن لم يكن سبيلا منفيا شرعا، فلا بدّ أن يكون تمليك المنافع جائزا مطلقا.

(1) يعني: جعل العلّامة قدّس سرّه الجواز أقرب، حيث قال في النهاية: «يجوز أن يستأجر الكافر المسلم، على عمل في الذمة .. و إن وقعت على العين فالأقرب الجواز، حرّا كان الأجير أو عبدا، لأنّها لا تفيد ملك الرقبة، و لا تسلّطا تامّا، بل نفسه في يده أو يد مولاه.

و إنّما يستوفى منفعته بعوض. و يحتمل البطلان .. إلخ».

(2) هذا مقابل قوله: «مطلقا» و حاصله: أنّ جواز تمليك المنافع للكافر مشروط بوقوع الإجارة على الذمة، بأن يستأجر المسلم لعمل كالخياطة مطلقا مباشرة أو تسبيبا، بخلاف ما إذا استؤجر لعمل مباشرة، فإنّ المستأجر في الأوّل ليس له سلطنة على الأجير، بخلاف الثاني، فإنّ للمستأجر سلطنة عليه لاستيفاء حقه منه مباشرة.

(3) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و في حكم البيع- أي في البطلان- الإجارة الواقعة

______________________________

السبيل، و أنّ بعضها خارج عنها، بل يكون البحث صغرويا، و في تمييز السبيل عن غيرها.

و على هذا فلا بدّ من التأمّل في أنحاء الإجارات حتى يتميّز السبيل عن غيرها. فنقول:

إنّ في إجارة الأموال قد تكون العين تحت يد المستأجر كالدكان و الدار، و قد لا تكون تحت يده كالسفينة و السيارة و الطائرة، و السبيل في الأوّل صادق دون الثاني.

و كذا الحال في إجارة الأعمال، فإنّها تارة تقتضي كون العامل تحت استيلاء الكافر المستأجر سواء أ كان الأجير حرّا أم عبدا كالإجارة المطلقة الشاملة لجميع منافع الأجير حرّا كان أم عبدا. و اخرى لا تقتضيه، فينبغي التفصيل بين موارد الإجارة كما سيأتي في (ص 318).

______________________________

(1) نهاية الأحكام، ج 2، ص 457

(2) الخلاف، ج 3، ص 190، كتاب البيوع، المسألة: 319، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

(3) الحاكي عن حواشي الشهيد و عن جامع المقاصد و المسالك هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178، و لاحظ جامع المقاصد، ج 4، ص 63، مسالك الأفهام، ج 3، ص 167

ص: 312

أو مع (1) كون المسلم الأجير حرّا [كما عن ظاهر الدروس] (2)، أو المنع (3) مطلقا [كما (4) هو ظاهر القواعد (5) و محكيّ الإيضاح] أقوال (6).

أظهرها الثاني (7)،

______________________________

على عينه. أمّا على ذمّته فالأجود الصحة».

(1) معطوف على «أو مع» و هذا إشارة إلى قول ثالث في المسألة و حاصله: جواز تمليك منافع المسلم للكافر إذا كان الأجير حرّا، و أمّا إذا كان عبدا فلا يجوز.

و حكي هذا القول عن الدروس، و لعلّه استفيد من قوله- بعد منع إجارة العبد المسلم من الكافر مطلقا- «و جوّزها- أي الإجارة- الفاضل في الذمة. و الظاهر أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» و قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بعد حكاية العبارة: «و يلوح منه الفرق بين إجارة الحرّ و العبد» «1».

(2) هذه الجملة شطب عليها في نسختنا، و أثبتناها لذكرها في نسخ اخرى، و لا بأس به، لتعرض الشهيد قدّس سرّه له في الدروس.

(3) معطوف على «الجواز» في قوله: «ففي الجواز مطلقا». و الحاصل: أنّ الأقوال في تمليك منافع المسلم للكافر أربعة، أوّلها الجواز مطلقا، و ثانيها: المنع مطلقا، و ثالثها:

الجواز مع وقوع الإجارة على الذمة، دون العين. و رابعها: الجواز مع كون الأجير حرّا.

(4) هذه الجملة أيضا شطب عليها في نسختنا، و لا بأس بذكرها كما في الجملة السابقة.

(5) قال في القواعد: «و هل يصحّ له استيجار المسلم أو ارتهانه؟ الأقرب المنع» و قال السيد العاملي في شرحه: «و مقتضى العبارة في الاستئجار المنع مطلقا سواء كانت في الذمة أو على عين كما هو خيرة الإيضاح و الدروس» «2».

(6) مبتدء مؤخّر لقوله: «ففي الجواز مطلقا».

(7) و هو وقوع الإجارة على الذمة، كما إذا آجر مسلم نفسه لخياطة ثوب لكافر، أو آجر السيد عبده المسلم كذلك.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 179

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 17، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 413، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

ص: 313

فإنّه (1) كالدين ليس ذلك سبيلا، فيجوز.

و لا فرق (2) بين الحرّ و العبد، كما هو (3) ظاهر إطلاق كثير: كالتذكرة و حواشي الشهيد و جامع المقاصد، بل ظاهر المحكيّ عن الخلاف نفي الخلاف فيه، حيث قال فيه: «إذا استأجر كافر مسلما (4) لعمل في الذّمّة صحّ، بلا خلاف. و إذا استأجره مدّة من الزمان شهرا أو سنة ليعمل عملا (5) صحّ أيضا عندنا» انتهى «1».

______________________________

و الوجه في الجواز: أنّ مجرد اشتغال ذمة مسلم لكافر ليس سبيلا له على مسلم، و إنّما تكون هذه الإجارة كاقتراض المسلم من الكافر في عدم كونه سبيلا للكافر عليه كاقتراض مسلم من مثله.

(1) يعني: فإنّ وقوع الإجارة على الذمة يكون كالدين في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(2) يعني: و لا فرق في صحة الإجارة من الكافر بين كون الأجير المسلم حرّا و عبدا، إذ بعد فرض عدم كون الإجارة على الذمة سبيلا منفيّا لا وجه للتفصيل بين كون الأجير حرّا و عبدا، و لا لتخصيص الجواز بالحرّ كما كان ظاهر الدروس.

(3) يعني: كما أنّ عدم الفرق بين الحرّ و العبد ظاهر إطلاق كثير من الفقهاء. بل في خلاف الشيخ قدّس سرّه نفي الخلاف في هذا الإطلاق. لا أنّ الإطلاق ظاهر كثير كالتذكرة.

و عليه فقوله: «كالتذكرة و ..» بيان للكثير. قال العلامة: «يجوز أن يستأجر الكافر مسلما في ذمته ..» و الشاهد في إطلاق «مسلما» و شموله للحر و العبد.

(4) فإنّ إطلاق قوله: «مسلما» يشمل الحرّ و العبد، فهو منشأ قوله: «ظاهر إطلاق كثير كالتذكرة .. إلخ».

(5) هذا هو العمل المباشري المقابل لوقوع الإجارة في الذمة الذي قال فيه في الخلاف: «صح بلا خلاف» لظهور قوله: «ليعمل عملا» في العمل مباشرة. فالإجارة على

______________________________

(1) تقدمت المصادر آنفا.

ص: 314

و ادّعى (1) في الإيضاح «أنّه لم ينقل من الأمّة فرق بين الدين و بين الثابت في الذمّة بالاستيجار».

خلافا للقواعد و ظاهر الإيضاح، فالمنع مطلقا (2)، لكونه سبيلا.

و ظاهر الدروس التفصيل بين العبد و الحرّ، فيجوز في الثاني دون الأوّل، حيث ذكر بعد أن منع إجارة العبد المسلم للكافر مطلقا (3)، قال (4) «و جوّزها الفاضل، و الظاهر (5) أنّه أراد إجارة الحرّ المسلم» انتهى «1».

______________________________

عمل مباشريّ صحيحه أيضا عند الأصحاب كما في الخلاف، لظهور قوله: «عندنا» في الإجماع لكن لا إجماع مع كون المسألة خلافية.

(1) الغرض من نقل كلام الإيضاح تأييد ما اختاره من القول الثاني، و هو وقوع الإجارة في ذمة المسلم، لا وقوعها على المسلم مباشرة. و حاصله: أنّ اشتغال ذمّة المسلم للكافر بسبب الإجارة يكون كاشتغال ذمته للكافر بسبب الاقتراض منه في الجواز و عدم الاشكال، لعدم كون مجرّد اشتغال ذمة المسلم للكافر سبيلا له عليه.

هذا ما استدل به فخر الدين قدّس سرّه للقول بالجواز، و لكنه لم يرتضه، لذهابه إلى المنع في الإجارة و الرهن معا، فلاحظ.

(2) يعني: سواء أوقعت الإجارة على الذمة أم على وجه المباشرة، لكون الإجارة مطلقا سبيلا. و سواء أ كان الأجير حرّا أم عبدا، و هذا الإطلاق يكون في قبال تفصيل الدروس بين العبد و الحرّ بالجواز في الثاني دون الأوّل.

(3) سواء أوقعت الإجارة على العين أم على الذمة.

(4) يعني قال الشهيد قدّس سرّه في الدروس: «و جوّز الفاضل الإجارة». و العبارة لا تخلو من سماجة، و كان الأولى بسلاستها أن يقول المصنف: «حيث قال بعد أن منع ..:

و جوّزها ..» إذ لا حاجة إلى الجمع بين الذّكر و القول.

(5) هذا أيضا كلام الشهيد، و غرضه توجيه كلام الفاضل- و هو العلامة قدّس سرّه- بأنّه أراد إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم، فحينئذ يتفق الفاضل و الشهيد بناء على ما استظهره الشهيد من عبارته في جواز استيجار الحرّ المسلم.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199

ص: 315

و فيه (1) نظر، لأنّ ظاهر الفاضل في التذكرة جواز إجارة العبد المسلم مطلقا [1] و لو كان على العين.

نعم (2) يمكن توجيه الفرق بأنّ يد المستأجر على الملك (3) الذي ملك منفعته.

بخلاف الحرّ، فإنّه لا يثبت للمستأجر يد عليه و لا على منفعته، خصوصا (4) لو قلنا

______________________________

(1) يعني: و في استظهار الدروس جواز استيجار الحرّ المسلم من كلام الفاضل- دون العبد المسلم- نظر و إشكال. وجه النظر: أنّ الفاضل في كتاب التذكرة ذكر ما ظاهره جواز إجارة العبد المسلم من الكافر، و مع هذا الظهور كيف يستظهر من عبارته جواز إجارة الحرّ المسلم دون العبد المسلم؟

(2) استدراك على ما أورده على الشهيد بقوله: «و فيه نظر، لأنّ ظاهر الفاضل ..».

و حاصله: أنّه يمكن توجيه الفرق- بين جواز إجارة الحرّ المسلم و عدمه في العبد المسلم- بأنّ يد المستأجر ثابتة على الملك الذي ملك منفعته، و يترتب عليه آثار اليد. و هذا يكون في العبد المسلم، و هو سبيل منفي بالآية المباركة. بخلاف الحرّ، فإنّه لا يدخل تحت اليد لا نفسا و لا منفعة حتى يثبت للمستأجر سبيل على الأجير، و لذا يجوز للكافر استيجار الحرّ المسلم دون العبد المسلم.

(3) خبر قوله: «أن يد» أي: أن يد المستأجر الكافر ثابت على العبد المسلم.

(4) وجه الخصوصية: أنّه لا ملكية للمنفعة حينئذ حتى يقال: إنّ الكافر لا يملك منفعة الحرّ.

______________________________

[1] قد يقال: إنّه لا مورد لبيان هذا الإطلاق، لأنّ محلّ البحث هو التعميم و التخصيص من حيث الحرّية و العبودية، لا من حيث وقوع الإجارة على العين أو الذمة، لتقدم بحثه سابقا، هذا «1».

لكنّه لا ضير في بيان هذا الإطلاق بعد وضوح كون التعميم و التخصيص من حيث مورد الإجارة أيضا محلّ البحث و الخلاف، و إن كان خارجا عن جهة البحث، و هي التعميم و التخصيص من حيث الحرية و العبودية.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني قدّس سرّه، ج 1، ص 162

ص: 316

بأنّ إجارة الحرّ تمليك الانتفاع لا المنفعة [1]، فتأمّل (1).

______________________________

(1) لعلّه إشارة إلى عدم الفرق في ثبوت السلطنة- التي هي السبيل- بين تمليك المنفعة و تمليك الانتفاع.

أو إشارة إلى: أنّه لا يبقى حينئذ فرق بين الإجارة و الإعارة.

إلّا أن يقال: إنّ في الإعارة ليس إلّا مجرد الإذن و الإباحة في الانتفاع من دون تمليك. بخلاف الإجارة، فإنّها تمليك المنفعة أو الانتفاع.

أو إشارة إلى: أنّ الاستيلاء المقصود في المقام غير اليد التي يكون إخبار ذيها حجة، فإنّ تلك اليد مختصة بالمملوك. و أمّا الاستيلاء الذي يكون مقدمة لاستيفاء المال فهو ثابت على كلّ من الحرّ و العبد.

هذا ما يتعلق بإجارة العبد، و سيأتي الكلام في الأمر الرابع، و هو حكم جعله رهنا بيد الكافر.

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على إرادة السلطنة من السبيل المنفي في الآية المباركة- و البناء على إبائها عن التخصيص- لا بدّ أن يكون النزاع في جواز إجارة العبد المسلم و إعارته و غيرهما من الكافر صغرويّا، إذ المفروض إباء السبيل عن التخصيص ببعض أفراده حتى يكون النزاع كبرويّا. فاللازم تنقيح الصغرى، و تعيين ضابط لها حتى يظهر حال الأقوال فيها، فنقول و به نستعين:

إنّ السبب الموجب لارتباط الكافر اعتبارا بالمسلم تارة يكون مقتضيا لاستيلائه على المسلم، فلا يصح. و اخرى: لا يكون مقتضيا لذلك، فيصح بلا إشكال.

و يتطرّق هذان النحوان في باب الإجارة، فإجارة الأعيان قد تقتضي استيلاء المستأجر عليها كإجارة الدار و الدكّان و نحوهما من الأعيان التي يستوفي المستأجر منفعتها إذا كانت تحت يده، و قد لا تقتضي الإجارة استيلاء المستأجر عليها، كإجارة السيارة و السفينة للحمل.

و كذلك إجارة الأعمال، فإنّها قد تقتضي استيلاء المستأجر الكافر على الأجير المسلم كالإجارة المتعلقة بجميع منافع المسلم حرّا كان أو عبدا، بحيث يملك الكافر جميع منافع

ص: 317

..........

______________________________

المسلم، فإنّ هذه الإجارة سبيل له على الأجير المسلم حرّا كان أو عبدا، فلا تصح.

و كذا الأجير الخاص، كما لو استأجر الكافر مسلما لعمل خاص كخياطة ثوب بمباشرته، بحيث لا يكون للأجير أن يعمل في مدة الإجارة لغير المستأجر الكافر، فإنّه سبيل له على المسلم، فلا تصح هذه الإجارة.

و قد لا تقتضي إجارة الأعمال استيلاء المستأجر الكافر على المسلم، كما إذا استأجر الكافر مسلما لعمل في ذمّته كخياطة و نجارة. أو آجر السيد عبده كذلك، فإنّ هذه الإجارة لا توجب سبيلا للكافر على المسلم، بل هي نظير الاقتراض من الكافر في أنّ مجرد مطالبة دينه من المسلم المقترض منه لا يكون سبيلا له على المسلم.

و بالجملة: فلا محيص عن مراعاة هذا الضابط في غير الإجارة من العقود أيضا. فكلّ عقد يقتضي استيلاء الكافر على المسلم لا يصحّ، لكونه سبيلا له على المسلم. و كلّ عقد لا يقتضي ذلك- و لو بمعونة الشرط كارتهان العبد المسلم عند الكافر بشرط أن يكون عند مسلم- يصح، لعدم كونه سبيلا على المؤمن.

و عليه فإطلاق عقد الرهانة يقتضي أن تكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه، فلا يصح هذا الرهن. و أمّا مع شرط كون المرهونة عند المسلم فيصح الرهن.

و المراد باقتضاء العقد دلالة العقد بذاته أو بمعونة الشرط على معنى يستلزم سلطنة الكافر على المؤمن أو عدمها، كاقتضاء إطلاق عقد الرهن لكون العين المرهونة عند المرتهن وثيقة لدينه. و هذا يقتضي سلطنة الكافر على المسلم، و هي سبيل منفي بالآية الشريفة. كما أنّ شرط كون الرهينة عند مسلم لا عند المرتهن الكافر يوجب انتفاء سلطنة الكافر عليه.

فالنتيجة: أنّ الارتهان عند الكافر غير صحيح على الأوّل، لكونه سبيلا له على المؤمن، و صحيح على الثاني، لانتفاء السبيل فيه.

و لو شكّ في تحقق السبيل في بعض العقود، كإجارة الأموال فيما إذا توقف استيفاء المستأجر منفعة العين كالدكان على أن تكون بيده، لاحتمال كون هذه اليد سلطنة منفية بالآية الشريفة، و كونها وسيلة لأخذ حقّه، نظير مطالبة الدائن دينه من المديون في عدم كون ذلك سلطنة له على المديون، فالمرجع- بعد عدم أصل موضوعي- هو أصالة عدم مانعية هذه اليد

ص: 318

[رهن العبد المسلم عند الكافر]

و أمّا (1) الارتهان عند الكافر، ففي جوازه مطلقا (2) كما عن ظاهر نهاية الإحكام (3)،

______________________________

(1) رهن العبد المسلم عند الكافر أي: جعل العبد المسلم عند الكافر وثيقة للدّين. و هذا رابع الأمور المتعلقة بالعبد المسلم من حيث العقد عليه مع الكافر، و هو جعله رهنا للدين. و فيه وجوه- بل أقوال- أربعة كما نقله المصنف قدّس سرّه عن الأصحاب.

(2) هذا الإطلاق في قبال التفصيل الآتي بين وضع العبد تحت يد الكافر، فلا يجوز الرهن، و بين وضعه عند مسلم إلى أداء الدين، فيجوز.

(3) قال العلّامة قدّس سرّه فيه: «يصحّ للكافر أن يرتهن العبد المسلم، إذ لا تسلط فيه عليه» «1».

______________________________

[1] التي يتوقف عليها استيفاء منفعة الدار أو الدكان.

و مثل إيداع العبد المسلم عند الكافر في الجواز و عدم المنع- لعدم كونه سبيلا للكافر على المسلم- توكيل مسلم كافرا في بيع العبد المسلم من مسلم، أو شرائه له. و كذا في غيره من سائر التجارات. و كذا في استيفاء الديون و الحقوق للدّيّان و ذوي الحقوق، فإنّ ذمة المسلم إذا اشتغلت بمال للكافر بسبب بيع السلف أو النسية أو الاقتراض أو غيرها يجوز للكافر استيفاء ما في ذمة المسلم مباشرة و تسبيبا و لو بتوكيل كافر مثله.

و ليست هذه التسليطات سبيلا منفيّا، لعدم كونها سلطنة على التصرف في رقبة العبد، بل ليس له إلّا حقّ المطالبة بتفريغ ذمته عن مال الغير، كمطالبة مسلم من مثله، فلا مانع من تفويض هذا الحق إلى كافر مثله، هذا في الديون.

و أمّا الحقوق كالخيار و الشفعة و غيرهما، فلا مانع أيضا من أن يوكّل المسلم أو الكافر المستحق لها كافرا مثله في استيفائها.

و بالجملة: فكل ما يجوز للكافر مباشرة يجوز له تسبيبا. فإذا كان لكافر حقّ الشفعة على مسلم جاز له أن يوكّل كافرا في استيفائه منه. و إذا كان حق الشفعة لمسلم و وكّل كافرا في استيفائه، فأولى بالجواز، لأنّ السبيل لمسلم على مسلم.

______________________________

(1) نهاية الأحكام، ج 2، ص 458، و الحاكي عنه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 179

ص: 319

أو المنع (1) كما في القواعد و الإيضاح، أو التفصيل (2) بين ما لم يكن تحت يد الكافر، كما إذا وضعاه (3) عند مسلم كما عن ظاهر المبسوط و القواعد و الإيضاح في كتاب الرهن (4)، و الدروس و جامع المقاصد و المسالك «1»، أو التردّد (5) كما عن التذكرة،

______________________________

(1) معطوف على «جوازه» و ظاهره المنع مطلقا أيضا، كما تقدم نقل عبارة بيع القواعد في (ص 313) «2».

(2) معطوف أيضا على «جوازه» و هذا قول ثالث في المسألة.

(3) يعني: كما إذا وضع المولى و الكافر المقرض العبد المسلم عند مسلم، حتى لا يكون للكافر الدائن يد على العبد المسلم.

(4) التقييد بكتاب الرهن للتنبيه على تعدد رأي العلامة و فخر المحققين في جواز رهن العبد المسلم عند الكافر، ففي كتاب البيع من القواعد رجّحا المنع مطلقا، كما تقدم آنفا، و في كتاب الرهن منه يستفاد التفصيل المذكور في المتن. قال: «و لا- أي: و لا يصح رهن- العبد المسلم أو المصحف عند الكافر، فإن وضعا على يد مسلم فالأقرب الجواز» «3». و رجّحه المحقق الثاني، و منع ما تقدم في بيع القواعد، فراجع.

(5) معطوف أيضا على «جوازه» يعني: أو التردد في جواز ارتهان العبد المسلم عند الكافر و عدمه، و التوقف في حكم المسألة.

و لم أقف على تردّد العلامة في التذكرة بعد ملاحظة البيع و الرهن، و لا في مفتاح الكرامة. و لعلّ المصنف استظهر ذلك من عدم ترجيح أحد الوجهين، حيث قال:

«في صحة ارتهان الكافر المسلم وجهان للشافعي، و سيأتي» «4». و لكنه منع ذلك في باب

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 5، ص 83، و لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 232، الدروس الشرعية، ج 3، ص 390، جامع المقاصد، ج 4، ص 63، و ج 5، ص 51، مسالك الأفهام، ج 4، ص 24

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 17، إيضاح الفوائد، ج 1، ص 413

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 110، إيضاح الفوائد، ج 2، ص 11

________________________________________

(4) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 21 (الطبعة الحديثة) ج 1، ص 463 (الطبعة الحجرية) و كذلك ج 2، ص 19

ص: 320

وجوه (1). أقواها الثالث (2)، لأنّ (3) استحقاق الكافر لكون المسلم في يده سبيل، بخلاف استحقاقه لأخذ حقّه من ثمنه (4).

[إعارة العبد المسلم من كافر]

و أمّا إعارته (5) من كافر، فلا يبعد المنع وفاقا لعارية القواعد (6)

______________________________

الرهن فقال: «فالأقرب المنع، لما فيه من تعظيم شأن الإسلام ..».

(1) مبتدء مؤخر لقوله: «ففي جوازه».

(2) و هو التفصيل بين كون العبد المسلم المرهون عند المسلم، فيجوز، و بين كونه عند الكافر فلا يجوز. و الوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم في الصورة الثانية، و هي كون المسلم عند الكافر، لأنّ استحقاقه لكون المسلم عنده سبيل له على المسلم. بخلاف الصورة الأولى، فإنّ مجرد استحقاق الكافر لأخذ حقّه من ثمن العبد المسلم ليس سبيلا للكافر عليه، كاستحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه في عدم كونه سبيلا للكافر على المسلم.

(3) تعليل لما اختاره من الوجه الثالث، و قد اتّضح بقولنا: «و الوجه في ذلك ثبوت السبيل للكافر على المسلم». و هذا بخلاف استحقاق الكافر لأخذ دينه من ثمن العبد المسلم، لأنّه ليس سبيلا للكافر على المسلم، نظير استحقاقه لمطالبة دينه من المسلم الذي اقترض منه.

(4) أي: من ثمن العبد المسلم.

إعارة العبد المسلم من كافر

(5) يعني: إعارة العبد المسلم من كافر. و هذا خامس الأمور المتعلقة بالتصرف في العبد المسلم، و هو جعله عارية عند كافر.

و المصنف قدّس سرّه تبعا لجماعة نفى البعد عن منعها، لأنّ الإعارة تسليط للكافر على الانتفاع بالمسلم، و هو سبيل منفيّ بالآية الشريفة.

(6) قال فيها: «و يحرم إعارة العبد المسلم من الكافر» «1».

و التقييد ب «عارية القواعد» للتنبيه على إجمال ما في بيع القواعد، لقوله:

______________________________

(1) قواعد الاحكام، ج 2، ص 193، جامع المقاصد، ج 4، ص 65

ص: 321

و جامع المقاصد و المسالك، بل (1) عن حواشي الشهيد رحمه اللّه «أنّ الإعارة و الإيداع أقوى منعا من الارتهان» «1».

و هو (2) حسن في العارية، لأنّها تسليط على الانتفاع، فيكون سبيلا و علوّا.

و محلّ (3) نظر في الوديعة؛

______________________________

«و الأقرب جواز الإيداع له و الإعارة عنده» «2». فهل المراد جواز جعل العبد المسلم عارية عند الكافر كما استفاده السيد العميد «3»، فيكون مخالفا لما في عارية القواعد، و لذا قال المحقق الثاني قدّس سرّه في كتاب العارية: «هذا عدول عمّا ذكره في التجارة، إلّا على بعض المحامل التي نزّلنا عليها العبارة هناك» «4». أم جواز جعل المسلم عبده الذّمّي عارية عند المسلم أو عند الكافر، و حينئذ فلا تدلّ العبارة على صحة إعارة العبد المسلم للكافر؟ كما حكي عن حواشي الشهيد قدّس سرّه، فلا يكون هناك عدول- عمّا في بيع القواعد- إلى المنع الذي هو صريح عاريته. أم أنّ المراد شي ء آخر، فراجع جامع المقاصد و مفتاح الكرامة «5».

(1) الوجه في الإتيان ب «بل» هو ظهور كلام العلّامة و المحقق الثاني قدّس سرّهما في استواء الرهن و العارية في المنع. و لكن الشهيد قدّس سرّه جعل المنع في العارية و الوديعة أقوى في الرهن، لأنّ المرتهن ممنوع من التصرف و استخدام العبد، فقد يخفى صدق «السبيل» فيه.

بخلاف العارية التي يثبت بها التسلط على الانتفاع، و هو سبيل بلا ريب، و المفروض كون مطلق السبيل منفيا بالآية الشريفة.

(2) يعني: و كون المنع أقوى حسن في العارية دون الوديعة، لتحقق السبيل و العلو في الإعارة كما مرّ آنفا، و عدم تحقق السلطنة و الاستيلاء في الوديعة حتى تشملها الآية المباركة.

(3) معطوف على «حسن» يعني: و كون المنع أقوى محل نظر في الوديعة.

______________________________

(1) حكاه السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 180

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 17

(3) كنز الفوائد، ج 1، ص 383

(4) جامع المقاصد، ج 6، ص 62

(5) جامع المقاصد، ج 4، ص 62- 65، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 179 و 180

ص: 322

لأنّ التسليط (1) على الحفظ، و جعل (2) نظره إليه مشترك بين الرهن و الوديعة، مع زيادة (3) في الرهن

______________________________

(1) هذا بيان لوجه النظر، و توضيحه: أنّ وجه المنع مشترك بين الرهن و الوديعة.

لكون كلّ من المرتهن و الودعي مسلّطين على العين المرهونة و الوديعة، و يكون نظر كلّ منهما متّبعا في حفظهما. إلّا أنّ الفارق بين الأمرين- حيث قالوا بمنع رهن العبد المسلم من الكافر دون إيداعه عنده- هو: أنّ في الرهن زيادة لم تتحقق في الوديعة، و هي: أنّ المرتهن منع الراهن المالك للعبد من التصرف فيه إلّا بإذنه، و كذا له إلزام السيد ببيع العبد لاستيفاء الدين، و هذه الزيادة أوجبت بطلان رهن العبد المسلم عند الكافر، لكونه سبيلا له عليه.

بخلاف تسلط الودعي على الحفظ، لكونه محض استئمان و يرجع إلى نفع المسلم، لا إلى ضرره كي يكون سبيلا عليه، فلذا يسهل الأمر في جواز إيداع العبد المسلم عند الكافر.

(2) معطوف على «التسليط» و ضمير «نظره» راجع إلى العبد المسلم، و ضمير «إليه» راجع إلى الكافر. و قوله: «مشترك» خبر «لأنّ».

(3) تظهر هذه الزيادة من كلمات القائلين بصحة رهن العبد المسلم من الكافر لو وضع عند مسلم، و قد ذكرها السيد العاملي قدّس سرّه في مقام الاحتجاج لصحة هذا الرهن.

إلّا أن صاحبي الرياض و الحدائق تشبّثا بهذه الزيادة في مقام الإيراد على من قال بجواز رهن العبد المسلم عند الكافر إذا وضع عند مسلم، و ببطلان جعل الخمر رهنا عند المسلم إذا وضعها الراهن عند ذمّيّ.

قال سيّد الرياض: «و من هنا ينقدح الوجه في المنع عن رهن العبد المسلم و المصحف عند كافر و لو وضع عند مسلم، فإنّ رهنهما عنده نوع تسليط له عليهما منفيّ آية و اتفاقا. و قيل بالجواز فيهما بعد الوضع في يد المسلم، لانتفاء السبيل بذلك .. و فيه نظر، مع غموض الفرق بينه و بين الخمر التي قد منع عن رهنها القائل المزبور» «1».

و نحوه كلام المحدّث البحراني في النقض على الأكثر القائلين ببطلان جعل الخمر رهنا عند مسلم و لو بالوضع عند ذمّيّ، فراجع «2».

______________________________

(1) رياض المسائل، ج 9، ص 196 (ج 1، ص 582) الحجرية.

(2) الحدائق الناضرة، ج 20، ص 250

ص: 323

- التي قيل من أجلها بالمنع (1)- و هي (2) التسلّط على منع المالك عن التصرّف فيه إلّا بإذنه، و تسلّطه (3) على إلزام المالك ببيعه.

و قد صرّح في التذكرة «1» بالجواز في كليهما (4).

[وقف الكافر عبده المسلم]

و ممّا ذكرنا (5) يظهر عدم صحّة وقف الكافر عبده المسلم

______________________________

و المتحصل من كلامهما: أنّ يد الودعي يد المودع، فكما أنّ جعل الخمر وديعة عند الذّميّ لا تنفي سلطنة المسلم عليها، فكذا سلطنة الكافر المرتهن للعبد المسلم على البيع باقية و لو كان العبد في المدّة عند مسلم، فما الفارق بين المسألتين؟

و الظاهر أنّ تعبير المصنف ب «قيل» إشارة إلى ضعفه، و أنّ مجرّد منع المالك عن التصرف في العين المرهونة و تسلّط الراهن على إلزام المالك بالبيع، لا يقتضي بطلان الرهن. قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و لا يستلزم- أي الرهن- استحقاق تملك، و إنّما يستلزم منع المالك عن التصرف. و ذلك لا يستلزم سبيلا للغير، لأنّه ممنوع أيضا، و يستلزم إيفاء دينه من ثمنه .. و البائع هو الوكيل أو الحاكم. و على كلا التقديرين هو ليس بسبيل» «2».

(1) أي: منع رهن العبد المسلم من الكافر.

(2) أي: الزيادة التي تكون في الرهن عبارة عن منع المالك عن التصرف في العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن، و هو الكافر هنا.

(3) معطوف على «التسلط» و الضمير راجع إلى المرتهن.

(4) الضمير راجع إلى العارية و الوديعة، و الأولى أن يقال: «كلتيهما».

هذا تمام الكلام في حكم وضع العبد المسلم- عند الكافر- عارية أو وديعة.

و سيأتي الكلام في الوقف.

(5) وقف الكافر عبده المسلم أي: من عدم جواز إعارة المسلم من الكافر لكونه تسليطا على الانتفاع- و هو

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 22

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 83

ص: 324

على أهل ملّته (1).

[المقصود من الكافر هنا]

ثمّ إنّ (2) الظاهر من الكافر [1]

______________________________

سبيل له على المسلم، و ذلك منفي بالآية المباركة- يظهر عدم صحة وقف الكافر العبد المسلم على أهل ملّته، و هم الكفار. و ذلك لأنّ الوقف عليهم تسليط منهم على المسلم، و هو السبيل المنفي في الشريعة.

(1) أي: ملّة الكافر، و الملّة هي الشريعة أو الدّين.

و قيل في الفرق بين الملّة و الدين: إنّ الملّة هو المنزّل من اللّه تعالى إلى أنبيائه، و الدّين هو العمل بذلك المنزّل. هذا تمام الكلام في الجهة الأولى.

(2) المقصود من الكافر هنا هذا شروع في ثانية جهات البحث في هذه المسألة، و الغرض من التعرض له تنقيح الموضوع، و هو الكافر و المسلم المجعولان لأحكام، فيقع الكلام في مقامين.

و حاصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه في المقام الأوّل: أنّ الظاهر من الكافر هو كلّ من حكم بنجاسته و إن انتسب إلى الإسلام كالنواصب، و هم المتدينون ببغض مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه. و ليس المراد من الكافر هنا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة كما قيل: إنّه الظاهر من الكافر.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ الكفر لغة هو الجحود، ففي المجمع: «وَ لٰا تَكُونُوا أَوَّلَ كٰافِرٍ بِهِ، أي:

أوّل من كفر به و جحد» إلى أن قال: «فقد كفر باللّه جحد، فالكافر الجاحد للخالق .. و الكفور الجحود، يجحد الخالق مع هذه الأدلة الواضحة» «1».

و على هذا فاستعمال الكفر في الجحود مطلقا- من جحود الخالق و الرّسول و إنكار الضروري- استعمال في معناه اللغوي، لكونه استعمالا في أفراد المعنى الكلّي اللغوي، و لم يثبت له حقيقة ثانوية تخصّصية أو تخصيصية، و إن كان جحود خاص موضوعا لأحكام شرعية كالسفر و الحضر. لكنه لا يوجب وضعا ثانويا له.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 3، ص 474

ص: 325

كلّ من حكم بنجاسته [1] و لو انتحل الإسلام، كالنواصب و الغلاة و المرتدّ، غاية الأمر عدم وجود هذه الأفراد في زمان نزول الآية (1)، و لذا (2) استدلّ الحنفيّة- على ما حكي عنهم- ب «لن يجعل» على حصول [لحصول] البينونة بارتداد الزوج «1».

و هل يلحق بذلك (3) أطفال الكفّار؟

______________________________

(1) لا ضير في عدم وجود هذه الأفراد- في عصر النزول- بعد كون القضية حقيقية.

(2) أي: و لأجل كون الظاهر من الكافر كلّ من حكم بنجاسته- لا خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة- استدلّ الحنفية بالآية على حصول البينونة و انقطاع علقة الزوجية بسبب ارتداد الزوج مطلقا و لو بإنكار ضروريّ من ضروريّات الدين.

فلو كان المراد من الكافر في آية نفي السبيل خصوص المنكر للتوحيد أو الرسالة لم يصح الاستدلال المذكور، لعدم كون المنكر لضروريّ مطلقا منكرا للتوحيد أو الرسالة.

و تعرض المصنف لاستدلال الحنفية إنّما هو لأجل كونهم من أهل اللسان كغيرهم ممّن هو فاسد المذهب إذا كان من أهل اللسان، فلا يرد عليه ما في بعض الحواشي من عدم حجية فهم الحنفية.

(3) أي: هل يلحق بالكفّار أطفالهم في الأحكام، كعدم جواز تمليك العبد المسلم و عدم تمليك منفعته، و ارتهانه، و إعارته من الكافر؟ أم لا يلحق أطفالهم بكبارهم.

و فرض المسألة هو: أن يكون المتصدّي لشراء العبد المسلم لطفل الكافر مسلما، كما إذا كان وصيّا له من قبل أبيه أو جدّه الكافرين، فإنّه يتجه البحث عن حكم هذا

______________________________

و عليه فتعريف الكافر بما في المتن تعريف باللازم، لا بالذاتي، بل ليس تعريفا باللازم أيضا، لعدم تسلّم نجاسة الكافر مع اختلافهم في نجاسة الكتابي.

[1] لا يخفى أنّ مقتضى عكس نقيضه هو «كلّ من لا يحكم بنجاسته ليس بكافر» مع أنّه يمكن أن يكون كافرا و لا يكون نجسا، كما قيل بطهارة الكتابي.

______________________________

(1) راجع الفقه على المذاهب الأربعة، ج 4، ص 223، و فيه «لأنه لا يحل للكافر أن يستولي على المسلمة بحال من الأحوال، و يفرّق بينهما عاجلا بدون قضاء».

ص: 326

فيه اشكال (1).

و يعمّ (2) المسلم المخالف،

______________________________

الشراء صحة و فسادا. و أمّا لو كان المتصدي لشراء العبد المسلم- بمال الطفل الكافر- كافرا، فهو مشمول للبحث السابق من منع سبيل الولي الكافر على العبد المسلم.

(1) من عدم صدق «الكافر» حقيقة على أطفالهم، سواء أ كان الكفر وصفا وجوديّا مضادّا للإيمان، أم عدميّا.

أمّا على الأوّل فواضح. و أمّا على الثاني فلأنّ الكفر بمعنى عدم الإسلام، و من المعلوم أنّ التقابل بين الإسلام و الكفر تقابل العدم و الملكة، لا تقابل السلب و الإيجاب.

و عدم الملكة منتف في أطفال الكفار، فلا يلحق الأطفال بالبالغين.

و من كون المراد بالكافر أعمّ من الحقيقي و الحكمي، فيلحقون بكبارهم، لأنّ هذه الأعمية مقتضى حكومة [1] ما دلّ على كون أطفالهم بمنزلة كبارهم في الأحكام و الآثار.

و لو شك في شمول أدلة المنع لأطفالهم فمقتضى عمومات الصحة صحة انتقال المسلم إلى طفل الكافر، لمرجعيّة العام في المخصص المجمل المفهومي الدائر بين الأقل و الأكثر، و للاقتصار في التخصيص على القدر المتيقن و هو الكافر البالغ.

(2) هذا هو المقام الثاني ممّا تعرّض له في الجهة الثانية- أي المراد بالمسلم في هذه المسألة- و محصله: أنّ المراد بالمؤمنين في آية نفي السبيل ما يعم السنّي الفاقد للولاية، و لا يختص بالشيعي، و ذلك لأنّه مسلم، فيعلو و لا يعلى عليه. و اختصاص إطلاق «المؤمن» على الشيعي صار من زمان الصادقين عليهما السّلام. فالمؤمن الذي يطلق على الشيعي إمّا منقول، و إمّا مشترك لفظي، و إمّا مجاز مشهور، و الثاني غير بعيد.

______________________________

[1] هذه الحكومة غير ظاهرة، لتوقفها على عموم دليل تنزيل الأطفال منزلة البالغين.

و لم نعثر- إلى الآن- على هذا الدليل. و المتيقن هو ثبوت بعض الأحكام للأطفال كالنجاسة، و التبعية في السّبي. فآية نفي السبيل لا تشمل أطفال الكفار، فنقل العبد المسلم إلى طفل الكافر بتوسط وليّه المسلم لا بأس به. نعم يشكل ذلك إذا كان بتوسط وليّه الكافر، لتحقق السبيل حينئذ للكافر على المؤمن.

ص: 327

لأنّه مسلم (1)، فيعلو و لا يعلى عليه.

و المؤمن (2) في زمان نزول آية «نفي السبيل» لم يرد به (3) إلّا المقرّ بالشهادتين.

و نفيه (4) عن الأعراب «الّذين قالوا آمنّا» بقوله (5) تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «1» إنّما (6) كان لعدم اعتقادهم بما أقرّوا (7). فالمراد بالإسلام

______________________________

و عليه فالعبد المسلم- سواء أ كان إماميّا أم عاميّا- يحرم بيعه من الكافر.

(1) حيث إنّه مقرّ بالشهادتين، و هو المناط في إسلام شخص.

(2) مبتدء خبره جملة «لم يرد» و هذا إشارة إلى إشكال و دفع. أمّا الإشكال فهو:

أنّ المذكور في آية نفي السبيل هو المؤمن المغاير للمخالف، فبأيّ وجه يشمل المخالف، و يقال: بعدم جواز انتقال العبد السّنّي إلى الكافر؟

و أمّا الدفع فهو: أنّ المراد بالمؤمن في زمان نزول الآية هو المقرّ بالشهادتين، فالمسلم أعمّ مطلقا من المؤمن المصطلح الحادث، إذ كلّ مؤمن مسلم، و لا عكس.

(3) أي: بالمؤمن في آية نفي السبيل. و هذا إشارة إلى الدفع الّذي اتضح بقولنا:

«و اما الدفع فهو ان المراد .. إلخ».

(4) مبتدء خبره جملة «إنما كان» أي: و نفي الإيمان عن الأعراب. ثم إنّ هذا إشارة إلى وهم و دفع. و محصل الوهم هو: أنّ إرادة المقرّ بالشهادتين فقط من المؤمن في آية نفي السبيل- بدون زيادة الاعتراف بالإمامة على ذلك- تنافي نفي الإيمان عن الأعراب الذين قالوا: آمنّا و اعترفنا بالشهادتين، بقوله تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ.

(5) متعلق ب «نفيه».

(6) هذا دفع الوهم المذكور، و حاصله: أنّ نفي الإيمان عن الأعراب ليس لبيان الفرق بين الايمان و الإسلام، بل نفيه عنهم إنّما هو لأجل عدم اعتقادهم بما أقرّوا به، فالمنفي هو الاعتقاد بالشهادتين، و المثبت هو التلفّظ بهما.

(7) كذا في النسخ، و المناسب إضافة «به» إليه حتى يتحقق العائد إلى الموصول في «بما».

______________________________

(1) سورة الحجرات، الآية 14

ص: 328

هنا (1) أن يسلم نفسه للّه و رسوله في الظاهر لا الباطن. بل (2) قوله تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ دلّ على أنّ ما جرى على ألسنتهم من الإقرار بالشهادتين كان إيمانا في خارج القلب.

و الحاصل: أنّ الإسلام و الإيمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد (3).

و أمّا (4) ما دلّ على كفر المخالف بواسطة إنكار الولاية، فهو (5) لا يقاوم

______________________________

(1) أي: في آية نفي السبيل، فالإسلام مع عدم اعتقادهم بما أقرّوا به من الشهادتين ظاهريّ لا باطني، بأن يسلّموا أنفسهم للّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في الظاهر و عند الناس، لا الباطن.

(2) يعني: بل يطلق الإيمان أيضا على الإسلام الصوري على ما يستفاد من قوله تعالى وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ حيث إنّ الجاري على ألسنتهم من الشهادتين إيمان في خارج القلب، كما أنّ الاعتقاد بالشهادتين إيمان في داخل القلب. فكل من المتلبّس بالايمان اللساني و القلبي موضوع لنفي السبيل المذكور في الآية الشريفة، لكون كل منهما مؤمنا. فالمؤمن في الآية هو المقرّ بالشهادتين سواء أ كان إيمانه قلبيا أم لسانيا.

(3) و هو الإقرار بالشهادتين مطلقا سواء أ كان مع الاعتقاد بهما أم بدونه.

(4) إشارة إلى إشكال، و هو: أنّ تعميم المسلم للمخالف لكونه مقرّا بالشهادتين ينافي ما دلّ من الروايات على كفر المخالف بسبب إنكاره للولاية كما ذهب إليه جمع «1» استنادا إلى النصوص المستفيضة، مثل ما رواه ثقة الإسلام بسنده عن مولانا الإمام أبي جعفر الباقر عليه السّلام. قال: «إنّ اللّه عزّ و جلّ نصب عليّا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه، فمن عرفه كان مؤمنا، و من أنكره كان كافرا، و من جهله كان ضالّا، و من نصب معه شيئا كان مشركا، و من جاء بولايته دخل الجنة» «2» لظهور كفر المنكر- بقرينة مقابلته لضلالة الجاهل- في جحود الحقّ عنادا و استكبارا بعد قيام الأدلة عليه في ذلك.

(5) هذا جواب «أمّا» و جواب الإشكال المذكور، و حاصله: أنّ تلك الروايات الدالة على كفر المخالفين لا تصلح للمعارضة و لا تقاوم مع ما دلّ على إسلام المخالف

______________________________

(1) راجع الحدائق الناضرة، ج 5، ص 175- 188

(2) الكافي، ج 1، ص 437، كتاب الحجة، باب فيه نتف و جوامع من الرواية في الولاية، ح 7

ص: 329

بظاهره لما دلّ على جريان جميع أحكام الإسلام عليهم (1)، من (2) التناكح و التوارث، و حقن الدماء، و عصمة الأموال، و أنّ (3) الإسلام ما عليه جمهور الناس.

______________________________

لكونه مقرّا بالشهادتين، و جريان جميع أحكام الإسلام عليه، و أنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس، و هم المخالفون.

وجه عدم المقاومة: أنّ الكفر مقابل للإسلام، و لهما بحسب الآيات و الروايات معان متعددة. فقد يطلق الإسلام على مجرّد إظهار الشهادتين، و الكفر المقابل له- الموضوع لآثار شرعية كالنجاسة و عدم التوارث و غير ذلك- هو الشرك و التهوّد و التنصّر.

و قد يطلق على ما يرادف الإيمان- و هو التصديق القلبي- مضافا إلى الإقرار باللسان. و الكفر المقابل له شامل لمن يظهر الشهادتين.

و قد يطلق على غير ذلك، كما أنّ للإيمان إطلاقات.

و من المعلوم أن الآثار المترتبة على الكفر بالمعنى الأوّل- و هو المقابل للإسلام بالإقرار اللساني- لا تترتب على الكفر بالمعنى الثاني، لتعدد الموضوع حسب الفرض.

و عليه فتكفير منكر مطلق الامام عليه السّلام لا يكفي بنفسه للحكم بترتب أحكام الكافر بالمعنى الأوّل- عليه «1».

هذا مع الغض عمّا قيل من: أنّ لسان ما دلّ على كفر المخالف لسان التنزيل في الآثار الأخروية، كما تدلّ عليه رواية حمران الآتية، فيكون أجنبيّا عن الأحكام الشرعية الدنيوية «2»، و لا حاجة حينئذ إلى الجمع الدلالي بين النصوص، أو تضعيف أخبار النجاسة بإعراض الأصحاب عنها، و نحوه.

(1) أي: على المخالفين، و كان الأولى إفراد الضمير، لرجوعه إلى المخالف.

(2) بيان لأحكام الإسلام.

(3) معطوف على «جريان».

______________________________

(1) راجع جواهر الكلام، ج 6، ص 60

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 163

ص: 330

ففي رواية حمران بن أعين: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: الإيمان ما استقرّ في القلب [1] و أفضى به (1) إلى اللّه تعالى، و صدّقه (2) العمل بالطاعة للّه، و التسليم.

لأمر اللّه. و الإسلام (3) ما ظهر من قول أو (4) فعل، و هو (5) الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه (6) جرت المواريث، و جاز (7) النكاح، و اجتمعوا (8) على الصلاة و الزكاة و الصوم و الحجّ فخرجوا بذلك (9) من الكفر، و أضيفوا إلى الإيمان .. إلى أن قال (10 فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي ء من

______________________________

(1) أي: بلغ و انتهى به إلى اللّه تعالى.

(2) أي: و صدّق الايمان العمل، فالإيمان اعتقاد بالجنان و عمل بالأركان.

(3) معطوف على «الايمان» و حاصله: أنّ الإسلام هو العمل الجوارحي من قول، و هو الإقرار بالشهادتين، و فعل و هو الإتيان بالصلاة و سائر العبادات.

(4) كذا في المصدر و بعض النسخ، و في نسختنا العطف بالواو، و هو غير موافق لما في الكافي.

(5) أي: و الإسلام، فإنّه هو الإسلام الذي عليه جميع فرق المسلمين.

(6) هذا الضمير و ضمير «به» راجعان إلى الإسلام.

(7) كذا في الكافي، و بعض النسخ المصححة، و ما في نسختنا «من جازت» خطأ.

(8) معطوف على «حقنت» يعني: و بالإسلام حقنت الدماء و اجتمعوا على الصلاة و الزكاة.

(9) أي: بالإسلام خرجوا من الكفر و أضيفوا إلى الإيمان.

(10) أي: قال الراوي: فهل للمؤمن .. إلخ. و المراد بالفضائل ظاهرا المستحبات،

______________________________

[1] فالإيمان على هذا من صفات النفس، بخلاف الإسلام، فإنّه من صفات الجوارح، لكونه من السّلم و الانقياد، كما هو ظاهر قوله عليه السّلام: «و الإسلام ما ظهر من قول و فعل» فليس الإسلام و الايمان بمعنى واحد، و من الألفاظ المترادفة كما هو صريح قوله:

«و الحاصل أن الإسلام و الايمان في زمان الآية كانا بمعنى واحد».

ص: 331

الفضائل و الأحكام و الحدود و غير ذلك؟ قال: (1) لا [بل] (2) هما يجريان في ذلك (3) مجرى واحد، و لكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما، و ما يتقرّبان به إلى اللّه تعالى» «1».

و من جميع ما ذكرنا (4) ظهر أنّه لا بأس ببيع المسلم من المخالف و لو كان

______________________________

و بالأحكام التكاليف الإلزامية.

(1) يعني: قال الامام عليه الصلاة و السلام: هما- أي المؤمن و المسلم- يجريان ..

إلخ.

(2) كذا في نسختنا، و ليس في الكافي كلمة «بل».

(3) حاصله: أنّه لا فضل للمؤمن على المسلم في الخطابات الإلهية، و إنّما الفضل له في آثار الأعمال في الآخرة.

(4) أي: ظهر من جميع ما ذكرنا- من أنّ الإسلام ما عليه جمهور الناس، و أنّ الإسلام ما ظهر من قول و فعل- أنّ العبد المسلم السّنّي لا يصح نقله إلى الكافر ببيع و غيره، كعدم صحة نقل العبد المسلم الشيعي إلى الكافر، من دون تفاوت بينهما.

و هذا الذي ذكرناه يظهر من عبارة المصنف قدّس سرّه و إن لم يصرّح به هنا، و الذي صرّح به هنا هو: أنّ مقتضى ما ذكره من معنى الإسلام، و أنّه الإقرار بالشهادتين هو كون المخالف مسلما، فيجوز بيع المملوك الشّيعي من مسلم مخالف و إن كان المبيع جارية، إذ المفروض إسلام كليهما.

نعم إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف لروايات تأتي الإشارة إليها اقتضت فحواها حرمة بيع الجارية المؤمنة من الكافر.

توضيح الفحوى: أنّ تزويج المخالف بالمؤمنة تسليط منه على بضعها فقط، فإذا حرم التسليط على بضعها كذلك بالزواج حرم تسليط المخالف عليها بالشراء بالأولوية، لأنّه بالشراء يصير مالكا لها مسلّطا على جميع شؤونها الحياتية، و تقع هي تحت سيطرة تمام أوامره و نواهيه. و هذا أعظم سبيل للمخالف على المؤمنة، فتكون هذه الفحوى دليلا على حرمة نقل المملوك الشيعي إلى السني بعد عدم الفصل بين العبد و الأمة.

______________________________

(1) أصول الكافي، ج 2، ص 26، ح 5

ص: 332

جارية (1)، إلّا (2) إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة من المخالف، لأخبار دلّت على ذلك (3)، فإنّ فحواها (4) [1]

______________________________

(1) يعني: و لو كان المبيع المسلم جارية مؤمنة، فإنّه يجوز بيعها من المخالف، و هو المسلم السّني.

(2) استثناء من قوله: «لا بأس ببيع المسلم من المخالف». أي: إلّا إذا قلنا بحرمة تزويج المؤمنة الشيعية من المسلم المخالف، كما نقله في الجواهر عن أستاذه كاشف الغطاء من «أنه لا يبعد اشتراطه- أي اشتراط الإيمان بالمعنى الأخص و هو الاعتقاد بالولاية- في الإماء، لظاهر بعض النصوص» ثم أشار صاحب الجواهر إلى نصوص النكاح. و هو و إن لم يلتزم به لكنه جعله موافقا للاحتياط الذي لا ينبغي تركه «1».

نعم اختار السيد العاملي المنع استنادا إلى العلة المنصوصة، فقال: «و العلة المنصوصة في عدم تزويج المؤمنة من المخالف تدل على ذلك» «2» و يحتمل إرادة كلّ من المساواة و الأولوية.

(3) أي: على حرمة التزويج المزبور و بطلانه. فمن تلك الأحاديث رواية الفضيل بن يسار: «قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن نكاح الناصب، فقال: لا و اللّه ما يحلّ. قال فضيل: ثم سألته مرّة أخرى، فقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال: و المرأة عارفة؟ قلت: عارفة، قال: إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» «3». و دلالة ذيل هذا الحديث على حرمة تزويج المؤمنة بالمخالف- أي السّني- ظاهرة.

(4) أي: فحوى تلك الأخبار تدلّ على المنع عن بيع الجارية المؤمنة من المخالف

______________________________

[1] قد يورد على هذه الفحوى بأنّ المحرّم إن كان هو السلطنة على الوطي في الزواج كانت الفحوى في محلّها، لأنّ السلطنة على الوطي في المورد أقوى، لكونها بزيادة

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 338

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

(3) وسائل الشيعة، ج 14، ص 424، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 5، و نحوه الحديث 3، و فيه «و لا يتزوج المستضعف مؤمنة».

ص: 333

تدلّ على المنع من بيع الجارية المؤمنة (1).

لكن (2) الأقوى عدم التحريم.

[موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم]
اشارة

ثمّ إنّه قد أستثني [1] من عدم جواز تملّك الكافر (3) للعبد المسلم مواضع:

______________________________

و قد مرّ تقريب الفحوى بقولنا: «توضيح الفحوى: أنّ تزويج المخالف .. إلخ».

و يمكن أن يكون وجه الأولوية أنّ المملوكة تأخذ من دين سيّدها أكثر مما تأخذه الزوجة من دين زوجها، فحرمة تملك المخالف لها أولى من تزويجها، فتأمّل.

(1) أي: بيع الجارية المؤمنة من المخالف.

(2) هذا مختار المصنف المنسوب إلى المشهور. و عليه فلا مجال للفحوى المزبورة.

هذا تمام الكلام في الجهة الثانية، و سيأتي البحث في مستثنيات حرمة تملك الكافر للعبد المسلم.

(3) موارد جواز تملك الكافر للعبد المسلم يعني: بناء على مذهب المشهور من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، يستثنى من عدم الجواز مواضع. و هذا بيان لثالثة جهات البحث في هذه المسألة.

______________________________

ملك الرقبة. و أمّا إن كان المحرّم عنوان الزّواج لا حكمه- و هو جواز الوطي- و المفروض أن حقيقة الزواج مغايرة للمملوكيّة و غير موجودة فيها، فلا مساواة فضلا عن الأولوية، هذا «1».

و يمكن أن يقال: إنّ الزّواج و إن كان حقيقة غير المملوكية، لكن لمّا كان أظهر آثاره جواز الوطي، فمنصرف الدليل هو الوطي، فتصحّ حينئذ دعوى الفحوى، بأن يقال: إن لم يكن وطؤها بالزواج جائزا فعدم جوازه بالملك أولى، فليتأمّل.

[1] التعبير بالاستثناء لا يخلو من المسامحة، لأنّه إخراج حكمي، كإخراج «زيد» من «القوم» في قوله: «جاء القوم إلّا زيدا» فإنّ «زيدا» خارج عن حكم القوم و هو المجي ء، لا عن أصل الموضوع و هو القوم. فلو كان الملك الآنيّ التطرقي غير الملك المستقر الذي هو موضوع عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم كان الإخراج موضوعيا لا حكميّا حتى يكون من باب الاستثناء.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 234

ص: 334

[منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق]

منها (1) ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق، بأن يكون ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب (2)، أو ظاهرا (3) كمن أقرّ بحرّية مسلم ثمّ اشتراه، أو بأن (4) يقول الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عنّي بكذا» فأعتقه. ذكر ذلك العلّامة

______________________________

(1) أي: من تلك المواضع المستثناة- من عدم جواز تملك الكافر للمسلم- ما إذا كان شراؤه مستعقبا لانعتاقه، و المذكور في الموضع الأوّل موارد ثلاثة:

أوّلها: من ينعتق على المشتري قهرا واقعا كالعمودين، فإذا اشترى الكافر أباه المسلم أو ولده، ملكه بالشراء، و لكن ينعتق عليه. و حيث إنّ العتق متوقف على الملك، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا عتق إلّا بعد ملك» «1» فلا بدّ من دخول العبد المسلم في ملك أبيه أو ولده حتى ينعتق فهذا من موارد تملّك الكافر للعبد المسلم أو الأمة المسلمة.

(2) كالعمودين: الآباء و الأولاد. و هذا الانعتاق قهري واقعي ليس باختيار مالكه الذي اشتراه.

(3) معطوف على «واقعا» يعني: أنّ انعتاق الأقارب حكم واقعي. و هذا مورد ثان من الموضع الأوّل ممّا استثنى من عدم تملك الكافر للمسلم، و هو: ما إذا أقرّ كافر بحريّة عبد مسلم، ثم اشتراه من مولاه ليستنقذه من ذلّ العبودية، و يستخرجه من سجن الرقية.

و هذا البيع صحيح للاستنقاذ، بمعنى: أنّ الكافر المشتري يملك هذا المسلم الذي أقرّ بحرّيّته، لاستنقاذه على حسب إقراره بالحرية.

و هذا الانعتاق حكم ظاهري مستند إلى إقرار المشتري بحرّيّة المسلم الذي اشتراه من مولاه.

(4) معطوف على قوله: «بأن يكون» و هذا مورد ثالث من الموضع الأوّل ممّا استثني من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم، و حاصله: أنّه إذا قال الكافر لمسلم:

«أعتق عبدك المسلم عنّي بدينار» مثلا، فأعتقه، صحّ بيعه، لوكالته في بيع العبد من الكافر، ثم وكالته عن الكافر في عتقه. كلّ ذلك بدلالة الاقتضاء كما قرّر في محلّه.

و بالجملة: فصار العبد ملكا للكافر، و لذا صحّ عتقه عنه أيضا، فالكافر يصير

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 16، ص 7، الباب 5 من أبواب العتق، ح 2

ص: 335

في التذكرة «1»، و تبعه جامع المقاصد و المسالك.

و الوجه في الأوّل (1) واضح، وفاقا للمحكي «2» عن (2) الفقيه و النهاية و السرائر مدّعيا (3) عليه الإجماع، و المتأخّرين كافّة، فإنّ (4) مجرّد الملكيّة غير

______________________________

مالكا للعبد المسلم، ثم يعتق. فهذا أيضا من الموارد المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، و الملكية في هذه الموارد الثلاثة استطراقية.

(1) و هو كون العبد المسلم ممّن ينعتق على الكافر قهرا واقعا كالأقارب. وجه الوضوح: أنّ العتق منوط بالملك، فلا بدّ أن يصير الكافر مالكا للعبد حتى ينعتق.

فالوجه في تملك الكافر للعبد المسلم في الفرض الأوّل- و هو الانعتاق القهري على الكافر- واضح.

(2) قال في مفتاح الكرامة: «و في المقنعة و النهاية و السرائر و الشرائع و التذكرة و الإرشاد و شرحه لفخر الإسلام: أنه يملك من ينعتق عليه. فإذا اشتراه انعتق عليه في الحال».

(3) حال من صاحب السرائر، و قوله: «و المتأخرين» معطوف على «للمحكي» يعني: وفاقا للمتأخرين كافّة.

(4) هذا بيان لوجه وضوح صحة الشراء، تقريبه: أنّ الملكية التطرقية التي لا استقرار لها ليست منهيّا عنها، لعدم كونها سبيلا منفيّا بالآية المباركة، فلا وجه لعدم جوازها.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 20 و 21، جامع المقاصد، ج 4، ص 62 و 63، مسالك الأفهام، ج 3، ص 167

(2) الحاكي عن هذه الكتب- ما عدا الفقيه- هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 177، و لعلّ الفقيه تصحيف «المقنعة».

و على كلّ فلاحظ المقنعة، ص 599، النهاية، ص 408 و 540، السرائر، ج 2، ص 343، و فيه دعوى الإجماع، و ج 3، ص 7، شرائع الإسلام، ج 2، ص 16، مختلف الشيعة، ج 5، ص 59، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360، الدروس الشرعية، ج 3، ص 199، جامع المقاصد، ج 4، ص 62، مسالك الأفهام، ج 3، ص 167، الروضة البهية، ج 3، ص 244

ص: 336

المستقرّة لا يعدّ سبيلا، بل (1) لم يعتبر الملكية إلّا مقدّمة للانعتاق.

خلافا للمحكيّ «1» عن المبسوط و القاضي، فمنعاه (2)، لأنّ الكافر لا يملك حتّى ينعتق، لأنّ التملّك بمجرّده سبيل [1]، و السيادة علوّ.

______________________________

(1) غرضه من هذا الإضراب إخراج الملكية التطرقية عن موضوع آية نفي السبيل، بتقريب: أنّ المراد بالسبيل هي الملكية المستقرة التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية و الخارجية. و هذه الملكية مفقودة في تملك الكافر للمسلم المتعقب بالانعتاق.

لكن على هذا لا ينبغي أن تعدّ هذه الملكية التطرقية الآنية من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، لأنّها ليست تلك الملكية التي أريدت من السبيل المنفي في الآية المباركة.

(2) يعني: أنّهما قدّس سرّهما منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه، معلّلين له:

بأنّ الكافر لا يملك المسلم حتى ينعتق، لأنّ التملك بنفسه أي إضافة الملكية بمجرّدها سبيل منفي بالآية. و سيادة الكافر على المسلم علوّ منفي بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه».

______________________________

[1] بل السبيل عليه، لا له على المسلم، ضرورة أنّه بمجرّد دخوله في ملك الكافر يخرج عن ملكه، فلا يشمله ما استدلّ به على بطلان بيع العبد المسلم من الكافر من آية نفي السبيل، و الرواية المرويّة عن المولى أمير المؤمنين عليه و على أولاده المعصومين أفضل صلوات المصلّين.

أمّا الآية فلأنّ المراد بالملكية فيها هو الملكية المستقرة التي يترتب عليها الآثار، و السلطنة الاعتبارية و الخارجية. و أمّا الملكية التي تزول بمجرد حدوثها و لا تبقى، فلا توجب سبيلا للكافر على المسلم، بل توجب سبيلا عليه، لا له.

و أمّا الرواية المتقدمة (في ص 296) المشتملة على قوله عليه السّلام: «و لا تقرّوه عنده»

______________________________

(1) الحاكي هو العلامة في المختلف ج 5، ص 59، و لاحظ: المبسوط، ج 2، ص 168، جواهر الفقه، ص 60، المسألة: 222

ص: 337

إلّا (1) أنّ الإنصاف أنّ السلطنة غير متحقّقة في الخارج، و مجرّد (2) الإقدام على شرائه لينعتق منّة من الكافر على المسلم، لكنّها (3) غير منفيّة.

و أمّا الثاني (4)، فيشكل بالعلم بفساد البيع على تقديري الصدق و الكذب (5)،

______________________________

(1) هذا إشكال على التعليل المزبور «لأن الكافر لا يملك» و حاصل الاشكال: أنّ السلطنة المنفيّة في الآية غير متحققة في الملك التطرّقي إذ لا أثر له إلّا الانعتاق، و لا يترتب عليه سلطنة أصلا، و المفروض أنّ المنهي عنه هي الملكية التي يترتّب عليها السلطنة، فلا تشملها الآية المباركة.

(2) مبتدء خبره «منّة» و هذا اعتراض من الخصم، و حاصله: أنّ السلطنة و إن لم تكن متحقّقة، إلّا أنّ منّة الكافر على العبد المسلم- بسبب شرائه لينعتق- متحقّقة، و هي كالسلطنة منفيّة و مانعة عن تملك الكافر.

(3) هذا دفع الاعتراض المزبور، و محصله: أنّ المنّة متحققة، لكنها ليست كالسلطنة منفيّة حتى تمنع تملك الكافر.

(4) و هو كون الشراء مستعقبا للانعتاق ظاهرا- كالكافر الذي أقرّ بحرّية مسلم ثم اشتراه- فيشكل خروجه عن عدم جواز تملك الكافر للمسلم، لأنّ خروجه عنه منوط بصحة البيع حتى يصير الكافر مالكا للمسلم، ثم ينعتق عليه. و المفروض وجود العلم التفصيلي بفساد البيع، إمّا لخلل في أحد العوضين و هو المبيع، لحريته على تقدير صدق إقراره بحرّيته، و الحرّ ليس قابلا للبيع. و إمّا لخلل في أحد المتعاقدين، و هو المشتري، لكونه كافرا، و الكافر لا يملك المسلم، فلا يتصور صورة صحيحة لهذا البيع.

(5) أي: تقديري صدق إقرار الكافر بحرّية المسلم الذي يشتريه، و كذبه.

______________________________

فلأنّ المنهي عنه فيها هو استقرار العبد المسلم تحت يد الكافر، و المفروض أنّه لا استقرار لملكية المسلم للكافر، بل بمجرد حدوثها تزول.

و لو شكّ في شمول الآية و الرواية للمورد فالمرجع عمومات صحة البيع، دون الآية و الرواية، لكون الشبهة فيهما في تخصيصهما لتلك العمومات زائدا على المتيقن.

ص: 338

لثبوت (1) الخلل: إمّا في المبيع، لكونه حرّا، أو في المشتري، لكونه كافرا (2)، فلا يتصوّر صورة صحيحة لشراء من أقرّ بانعتاقه (3). إلّا أن يمنع اعتبار مثل هذا العلم الإجمالي (4) [1]

______________________________

(1) تعليل للعلم بفساد البيع، و قد تقدم توضيحه آنفا بقولنا: «إمّا لخلل في المبيع لحريته».

(2) و الكافر لا يملك المسلم.

(3) يعني: فلا يتصوّر خروج شراء «من أقرّ الكافر بحريته» من عدم جواز تملك الكافر للمسلم.

(4) و هو العلم الإجمالي بخلل في المبيع، أو في المشتري.

و المراد بقوله: «مثل هذا العلم الإجمالي» هو: ما إذا علم إجمالا بخطاب مردّد بين خطابين، كما إذا علم أنّ هذا المائع إمّا خمر و إمّا خلّ مملوك للغير، فيعلم حينئذ بخطاب مردّد بين «اجتنب عن الخمر، و لا تغصب» فهذا العلم الإجمالي غير منجّز على مذهب بعض كصاحب الحدائق «1».

و إنّما المنجّز عنده هو العلم التفصيلي بخطاب و متعلقة، و تردّد مورده بين شيئين.

كما إذا علم بنجاسة أحد الإنائين، فإنّ العلم بخطاب «وجوب الاجتناب عن النجس» تفصيلي، و موضوعه مردّد بين إنائين. فالإجمال يكون في مورد الخطاب لا في نفسه و لا في متعلقة.

و المقام نظير القسم الأوّل، إذ الخطاب فيه مردّد بين خطابين، و هما: «لا يجوز شراء الحرّ، و لا يجوز تملك الكافر العبد المسلم» و مثل هذا العلم الإجمالي لا أثر له.

______________________________

[1] قد يقال في وجه منع هذا العلم الإجمالي بأنّه لا علم بفساد البيع على كل تقدير، بل على تقدير خاصّ، و هو تقدير الحرية واقعا، لأنّه على هذا الفرض لا يصلح للملكية.

و أمّا على تقدير كذب الإقرار و رقيّة المبيع، فهو صالح للملكية بدون مانع، إذ المانع- و هو السبيل- مفقود، حيث إنّ الملكية الواقعية المحكومة ظاهرا بعدمها للمقرّ ليست سبيلا

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 1، ص 517

ص: 339

فتأمّل (1).

______________________________

(1) الظاهر أنّه إشارة إلى عدم الفرق في تنجيز العلم الإجمالي بين العلم التفصيلي بالخطاب و تردد موضوعه بين شيئين، و بين تردد الخطاب بين خطابين، كما تعرض له

______________________________

له على المسلم، فلا مانع من بيعه، فيصحّ بيعه من البائع، لحجية يده على الملكية ظاهرا، و عدم قدح إقرار المقرّ بالحرّية في ذلك، لكونه إقرارا في مال الغير ظاهرا على ما تقتضيه اليد، و يصحّ الشراء أيضا من المشتري، لعدم مانع و هو السبيل، فيخرج الثمن من كيسه واقعا و ظاهرا، و يدخل في ملكه المبيع واقعا لا ظاهرا، لأنّه مقتضى إقراره الذي أثره عدم صيرورته مالكا للمقرّ به ظاهرا.

و هذا التقريب غاية ما يمكن أن يقال في وجه استثناء المورد الثاني من موارد عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم «1».

لكن يشكل ما ذكر- من صحة البيع و صيرورة الثمن ملكا للبائع و خروجه عن ملك المشتري واقعا و ظاهرا- بما حاصله: أنّ ملكيّة الثمن واقعا و ظاهرا للبائع مترتبة على البيع المنوط بالقصد، كغيره من العقود التابعة للقصود، و من المعلوم فقدان قصد البيع مع إقرار المشتري بعدم قابلية المقرّ به للبيع، فلا يتحقق البيع الناقل. و بدون البيع لا ينتقل الثمن إلى البائع، فيكون إعطاء الثمن إلى البائع لاستنقاذ الشخص عن الرقية الصورية، لا بعنوان كونه ثمنا.

نعم يد البائع لكونها أمارة على الملكية- إن لم يكن عالما بخلافه- توجب تمشّي قصد إيجاب البيع منه. إلّا أنّه لا يتمشى قصد الشراء من المشتري لاعترافه. و من المعلوم اعتبار حصول القصد من كلا المتعاقدين، لتقوم العقد عرفا بقصدهما معا.

فالمتحصل: أنّه لم يثبت كون المورد الثاني- و هو إقرار المشتري الكافر بحرّيّة المسلم المحكوم ظاهرا بالرقية- من المواضع المستثناة من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم، لعدم البيع الموجب للملكية مطلقا من الاستطراقية و الاستقرارية.

فما في تقرير المحقق النائيني «من أنّ الحكم فيه- أي في المورد الثالث- أيضا هو الصحة» «2» غير ظاهر.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 234

(2) المكاسب و البيع، بقلم العلامة الآملي قدّس سرّه، ج 2، ص 353

ص: 340

و أمّا الثالث (1)، فالمحكيّ «1» عن المبسوط و الخلاف التصريح بالمنع، لما (2) ذكر في الأوّل [1].

______________________________

المصنف قدّس سرّه في فرائده في الشبهة المحصورة «2».

(1) و هو قول الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عني» فقيل كما في المبسوط و الخلاف:

بمنع تملك الكافر للمسلم آنا ما حتى يصحّ عتقه عنه، لتوقف العتق على الملك، فبدونه لا يصح العتق، و المفروض عدم تملك الكافر له. قال في المبسوط: «إذا قال كافر لمسلم:

أعتق عبدك عن كفارتي، فأعتقه، صحّ إن كان العبد كافرا. و إن كان مسلما لم يصحّ، لأنّه لا يملك مسلما ..».

(2) تعليل لمنع صحة البيع في المورد الثالث، و هذا التعليل هو الذي ذكر في الوجه الأوّل، من: أنّ التملك بمجرده سبيل، و السيادة علوّ. و هذه العلّة هي التي حكاها المصنف عن المبسوط و القاضي اللّذين منعا شراء الكافر العبد المسلم الذي ينعتق عليه.

______________________________

[1] إلّا أن يقال: إنّ قوله عليه السّلام: «لا عتق إلّا في ملك» لا يقتضي إلّا كون المعتق مالكا، و لا يقتضي كون المعتق عنه مالكا. و عليه فلا يقتضي استدعاء العتق تمليكا و تملكا ضمنيا ليكون سبيلا منفيّا. فتعليل المتن للمنع بذلك منوط باقتضاء الاستدعاء المذكور.

و على فرض اقتضائه لذلك و حصول التمليك الضمني لا ينبغي الإشكال في صحة تملك الكافر المترتب عليه العتق، لعدم كونه سبيلا منفيّا، فيكون هذا المورد الثالث كالأوّل مستثنى من عدم جواز تملك الكافر للمسلم، خلافا للشيخ و القاضي، كما تقدم في (ص 337).

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 177، المبسوط، ج 2، ص 168، الخلاف، ج 3، ص 190، كتاب البيوع، المسألة 317.

(2) فرائد الأصول، ج 2، ص 209، نشر مجمع الفكر الإسلامي، عام 1419.

ص: 341

[و منها ما لو اشترط البائع عتقه]

و منها (1) ما لو اشترط البائع عتقه، فإنّ الجواز هنا محكيّ «1» عن الدروس و الروضة.

و فيه (2) نظر، فإنّ ملكيّته قبل الانعتاق سبيل و علوّ،

______________________________

(1) معطوف على قوله: «منها ما إذا كان الشراء مستعقبا للانعتاق» يعني: و من مواضع الاستثناء- من عدم جواز تملك الكافر للعبد المسلم-: ما لو اشترط بائع العبد المسلم على مشتريه الكافر عتقه، فإنّ جواز تملك الكافر له مع هذا الشرط محكي عن الدروس و الروضة.

و الظاهر عدم الفرق بين شرط النتيجة، بأن يقول للكافر: «بعتك هذا العبد المسلم بكذا بشرط أن ينعتق» و بين شرط الفعل- أي الإعتاق- كأن يقول له: «بشرط أن تعتقه».

فبناء على صحة شرط النتيجة يحصل الانعتاق قهرا، و لم تكن ملكية الكافر آنا سبيلا على العبد المسلم، و المفروض صحة الشرط، لكونه سائغا في نفسه.

و بناء على بطلان اشتراط النتائج لا بدّ أن يكون المشروط على المشتري الكافر هو الإعتاق بعد العقد. و الظاهر من كلام الشهيدين هو هذا، و لذا فرّعوا عليه كما في الجواهر- بأنّ الكافر إن و في بالشرط فهو، و إن لم يف به فإمّا أن يجبر على الإعتاق، و إمّا أن يفسخ البائع.

(2) أي: و في جواز تملك الكافر للعبد المسلم هنا قبل العتق نظر، لوضوح توقف العتق على الملك بمقتضى قوله عليه السّلام: «لا عتق إلّا في ملك» و المفروض امتناع تملك الكافر للعبد المسلم قبل انعتاقه، لكونه سبيلا و علوّا له على المسلم، و ذلك منفي شرعا.

و عليه فلا يملكه الكافر حتى يصحّ شرط عتقه، إذ لا مورد لهذا الشرط مع فرض عدم تحقق الملكية للكافر.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي و صاحب الجواهر، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 177، جواهر الكلام، ج 22، ص 341، و لاحظ الدروس الشرعية، ج 3، ص 199، الروضة البهية، ج 3، ص 244

ص: 342

بل (1) التحقيق أنّه لا فرق بين هذا (2) و بين إجباره (3) على بيعه في (4) عدم انتفاء السبيل بمجرّد ذلك (5).

و الحاصل (6) أنّ السبيل فيه ثلاثة احتمالات- كما عن حواشي الشهيد- مجرّد

______________________________

(1) غرض المصنف منع كلام الشهيدين بالنقض عليهما بما لا يلتزمان به، و بيانه:

أنّه لو كان اشتراط البائع عتق العبد المسلم على مشتريه الكافر كافيا في صحة بيعه من الكافر، لكان إجبار الكافر على بيع العبد المسلم من مسلم كافيا في صحة بيعه من الكافر أيضا، إذ لا فرق بين الاشتراط و بين الإجبار بعد اشتراكهما في حصول الملك الذي هو السبيل في الآية المباركة للكافر على المسلم. و في عدم استقرار ملك الكافر في كلّ من الاشتراط و الإجبار.

(2) و هو اشتراط البائع عتق العبد المسلم على الكافر الذي يشتريه.

(3) أي: إجبار الكافر على بيع العبد المسلم.

(4) متعلق ب: «لا فرق» وجه عدم الفرق بينهما هو: أنّ الاشتراط لا يفيد إلّا جواز الإجبار على البيع، و من المعلوم وجود هذا الجواز من الشارع، لقوله عليه السّلام: «لا تقرّوه عنده و بيعوه من المسلمين» فإن لم يكف الإجبار الشرعي في صحة تملك الكافر، فالإجبار الناشئ من ناحية الشرط أيضا كذلك.

(5) أي: بمجرد اشتراط البائع عتقه على الكافر، يعني: أنّ مجرد اشتراط العتق على الكافر لا ينفي سبيل الكافر على المسلم حتى يجوز بيعه من الكافر.

(6) الغرض من بيان هذا الحاصل الإيراد على الشهيد في حكمه بالجواز هنا- مع ملاحظة كلامه في محتملات السبيل- و لكن رتّب المصنف عليها غير ما صرّح الشهيد به، فيكون مقصود المصنف بيان أصل الاحتمالات الثلاثة، و ما يقتضيها كل منها بنظره مع الغضّ عمّا رتّبه الشهيد عليها.

و الأولى نقل نصّ عبارة الحواشي المنقولة في مفتاح الكرامة، و هي: «أن السبيل المنفي بالآية الشريفة قد فسّر بثلاثة تفاسير، بمجرد الملك و بالملك القارّ و بقابليته. فعلى الأوّل يمتنع شراء من ينعتق عليه. و على الثاني و الثالث يصح. و مشروط العتق يبطل على الأوّل و الثاني، و يصحّ على الثالث» «1».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 178

ص: 343

الملك (1)، و يترتّب عليه (2) عدم استثناء ما عدا (3) صورة الإقرار بالحرّيّة.

و الملك (4) المستقر و لو بالقابليّة- كمشروط العتق- و يترتّب عليه (5) استثناء

______________________________

و هي صريحة في أن صحة البيع بشرط العتق متوقفة على كون السبيل المنفي بقاء الملك أو القابلية و إن لم يكن ملك فعلا. و أمّا بناء على كون السبيل المنفي أصل التملك- و لو آنا- فيبطل البيع المزبور.

(1) هذا أوّل احتمالات السبيل في الآية المباركة، و المراد به إضافة الملكية مجردة عن الاستقرار و عدمه، فنفس الملكية سبيل للكافر على المسلم، فلا يملكه الكافر و لو مع اشتراط العتق، لأنّه لا يسوّغ تملك الكافر للعبد المسلم.

(2) أي: على الاحتمال الأوّل، و هو مجرّد إضافة الملكية، و حاصل ما يترتّب على هذا الاحتمال: عدم استثناء ما عدا صورة الإقرار بالحرية، و هو الصورة الاولى أعنى بها انعتاق من ينعتق على الكافر قهرا.

و الصورة الثالثة أعني بها: قول الكافر للمسلم «أعتق عبدك عنّي».

توضيح وجه عدم الاستثناء من الاحتمال الأوّل- و هو مجرد إضافة الملكية-: أنّ الملكية المجرّدة ثابتة في هاتين الصورتين، لتوقف الانعتاق على الملك و لو آنا ما، فلا يستثنى شي ء منهما من السبيل المنفي في الآية المباركة.

فالمستثنى من هذا الاحتمال هي الصورة الثانية أعني بها صورة إقرار الكافر المشتري بالحرية، حيث إنّه لا يملك العبد، لاعترافه بحرّيته، فلا تشملها الآية المباركة، لانتفاء السبيل له على المسلم بسبب اعترافه بحرّيته. و المراد بالاستثناء الخروج الموضوعي لا الحكمي- كما هو ظاهر الاستثناء- لإباء آية السبيل عن التخصيص الذي هو إخراج حكمي.

(3) قد عرفت أنّ ما عدا صورة الإقرار بالحريّة: الصورتان الاولى و الثالثة.

(4) معطوف على: «مجرّد الملكية» و هذا هو الاحتمال الثاني من احتمالات السبيل المذكور في الآية المباركة، و المراد به هو الملكية المستقرة و لو بالقابلية، لا الفعليّة كمشروط العتق، فإنّه بالشرط لا يخرج عن قابليته للاستقرار، و إنّما تخرج عن فعلية الاستقرار، على ما أفاده المصنف قدّس سرّه.

(5) يعني: و يترتّب على هذا الاحتمال الثاني خروج و استثناء الصور الثلاث

ص: 344

ما عدا صورة اشتراط العتق.

و المستقرّ (1) فعلا، و يترتّب عليه (2) استثناء الجميع [1].

و خير الأمور أوسطها (3).

______________________________

المذكورة عن السبيل، و هي صورة الانعتاق القهري كالأقارب، و صورة الاعتراف بحرّيّة مسلم، ثم شراؤه، و صورة قول الكافر للمسلم: «أعتق عبدك عنّي» حيث إنّ الملكية المستقرة- و لو بالقابلية- غير ثابتة في هذه الصور، فلا تشملها آية نفي السبيل، لخروجها عن مدلول الآية الشريفة.

و أمّا صورة اشتراط العتق فتشملها الآية المباركة، لأنّ الشرط لا يخرج الملكية عرفا عن قابلية الاستقرار.

(1) معطوف أيضا على «مجرّد الملكية» و هذا هو الاحتمال الثالث، و المراد به الملكية المستقرة فعلا، يعني: أنّ المنفي للكافر هو الملكية المستقرة الفعلية.

(2) يعني: و يترتب على الاحتمال الثالث: استثناء جميع الصور الأربع، و خروجها عن السبيل المذكور في آية نفي السبيل، لعدم استقرار الملكية الفعلية في شي ء منها.

(3) و هو الملكية المستقرّة و لو بالقابلية. و هذا مختار المصنف قدّس سرّه من المعاني الثلاثة المحتملة في السبيل المنفي في الآية الشريفة. فالآية تنفي الملكية المستقرّة و لو بالقابلية، و لا تنفي الملكية الفعلية المستقرة غير الدائمة، و لا مجرّد الملكية، فإنّ هاتين الملكيّتين ليستا سبيلا حتى تنفيا بالآية المباركة. و بهذا ينتهي الكلام في الجهة الثالثة.

______________________________

[1] كيف يترتب على المستقر الفعلي استثناء الجميع؟ مع أنّ الظاهر عدم رافعية العتق لفعلية الملكية و استقرارها، إذ قبل حصول البيع من الكافر المشروط عليه العتق يكون ملكه باقيا على الفعلية و الاستقرار. فتشمل آية نفي السبيل اشتراط العتق، و لا يستثنى منها، فلا يملك الكافر العبد المسلم المشروط عتقه، لكون ملكه مستقرّا و لو بالقابلية على ما صرّح به المصنف قدّس سرّه.

ص: 345

ثمّ (1) إنّ ما ذكرنا (2) كلّه حكم ابتداء تملّك الكافر المسلم اختيارا.

[حكم تملك الكافر للمسلم قهرا]

أمّا التملّك القهريّ فيجوز ابتداء، كما لو ورثه الكافر من كافر أجبر (3) على البيع، فمات قبله، فإنّه (4) لا ينعتق عليه و لا على الكافر الميّت، لأصالة (5) بقاء رقّيّته

______________________________

(1) حكم تملك الكافر للمسلم قهرا هذا شروع في الجهة الرابعة في هذه المسألة، و هي حكم دخول العبد المسلم في ملك الكافر ابتداء بسبب قهري كالإرث.

(2) أي: ما ذكرناه- من عدم تملك الكافر للعبد المسلم بجميع أنحاء الملكية- إنّما هو حكم ابتداء تملك الكافر للمسلم اختيارا. أمّا التملك القهري فيجوز ابتداء، كما إذا ورث العبد المسلم كافر من كافر اجبر على بيعه و مات قبل تحقق البيع، فإنّ هذا العبد ينتقل إلى الوارث الكافر، و لا ينعتق عليه و لا على الكافر الميت الذي أجبر على بيعه.

(3) نعت ل «كافر» يعني: مات الكافر الذي أجبر على البيع قبل تحقق البيع منه، فانتقل عبده المسلم إلى وارثه الكافر.

(4) أي: فإنّ العبد المسلم لا ينعتق على الوارث الكافر و لا على الكافر الميت الذي انتقل عنه العبد المسلم إلى وارثه الكافر.

أمّا عدم انعتاقه على الميّت فلليقين به، لعدم الوجه في انعتاقه عليه.

و أمّا عدم انعتاقه على الوارث فلعدم كونه ملكا للوارث حتى ينعتق عليه.

و لو شكّ في انقلاب هذا العدم جرى استصحاب عدمه.

و كيف كان فانتقال العبد المسلم إلى الوارث الكافر ملك ابتدائي قهري.

(5) أي: استصحاب بقاء رقيّته، و إنّما يرجع إلى هذا الأصل العملي لعدم الدليل الاجتهادي، حيث إنّ دليل نفي السبيل يقتضي عدم تملك الكافر العبد المسلم، و عموم دليل الإرث يقتضي تملك الوارث لما تركه الميت و إن كان الوارث كافرا، و كان ما تركه الميت عبدا مسلما، فيتعارض الدليلان و هما متكافئان، و بعد تساقطهما يرجع إلى استصحاب رقيّته.

و هذا الاستصحاب هو القسم الثالث من استصحاب الكلي، حيث إنّ رقّيّته للمورّث زالت بالموت قطعا، و حدوثها للوارث مقارنا لزوالها مشكوك فيه. و هذا

ص: 346

بعد تعارض (1) [1] دليل نفي السبيل و عموم أدلّة الإرث، لكن لا يثبت بهذا الأصل تملّك الكافر (2).

______________________________

الاستصحاب ليس حجّة عند المصنف و غيره من المحققين.

(1) المقصود منه تنافي المتكافئين، و أنّه بعد تساقطهما يرجع الى الأصل العملي.

و هذا لا يخلو من تعريض بصاحب الجواهر الذي رجّح دليل الإرث على دليل نفي السبيل، و حكم بتملك الكافر للعبد المسلم به، و خصّ دليل نفي السبيل بالملك الاختياري الابتدائي لا المستدامي، فلاحظ قوله: «و بذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاءه، و الموروث الذي أدلته في غاية القوة» «1». و لكن يجبر على بيعه إن كان المشتري موجودا، و إلّا حيل بين العبد و بين مولاه إلى أن يوجد الراغب.

و على هذا يكون قول الماتن: «بعد تعارض» إيرادا عليه بأنّ الآية و أدلّة الإرث متكافئان دلالة، فيسقطان في المجمع، و هو العبد المسلم الذي كان ملكا لمولى كافر، فانتقل إلى وارثه الكافر، و ليس الدليلان متفاضلين حتى يؤخذ بالراجح منهما.

(2) أي: الوارث الكافر. و وجه عدم ثبوته بهذا الأصل عدم حجيّته كما مرّت الإشارة إليه.

مضافا إلى: أنّه على فرض حجيته لا يثبت به تملك الكافر الوارث إلّا على القول بالأصل المثبت.

______________________________

[1] الظاهر أنّ التعارض مبني على إرادة الملك من «السبيل» في الآية الشريفة حتى يتحد موضوع المتعارضين و مورد النفي و الإثبات. و أمّا إذا كان المراد بالسبيل السلطنة دون الملك فلا تعارض، إذ أدلة الإرث لا تدلّ إلّا على انتقال ملك التركة- على النحو الذي كان الميّت مالكا لها- إلى وارثه. و من المعلوم أنّ العبد المسلم كان ملكا للميت الكافر الذي أجبر على بيعه، و الآية الشريفة لا تنفي هذه الملكية. و دليل الإرث يثبتها بذلك النحو، فيجبر

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 335 و نحوه في ص 337

ص: 347

فيحتمل (1) أن ينتقل إلى الإمام عليه السّلام، بل هو (2) مقتضى الجمع بين الأدلّة، ضرورة (3) أنّه إذا نفي إرث الكافر

______________________________

(1) هذا متفرع على تعارض آية نفي السبيل و أدلة الإرث و تساقطهما، و حاصله:

أنّه بعد التساقط يحتمل أن ينتقل هذا العبد المسلم إلى الامام عليه السّلام، لأنّه عليه السّلام وارث من لا وارث له، و المفروض أنّ الميّت هنا بالنسبة إلى هذا العبد ممّن لا وارث له، بمقتضى منع آية السبيل مالكية الوارث الكافر لهذا العبد المسلم.

(2) أي: بل الانتقال إلى الامام عليه السّلام مقتضى الجمع بين طوائف ثلاث.

أولاها: عدم جعل سبيل للكافر على المسلم.

و ثانيتها: عموم «ما تركه الميت من مال أو حقّ فهو لوارثه» سواء أ كان المال عبدا مسلما أم شيئا آخر.

و ثالثتها: أنّ الامام عليه السّلام وارث من لا وارث له.

(3) تعليل للانتقال إلى الإمام عليه السّلام، و قد تقدم تقريبه آنفا.

ثم إنّ قوله: «إذا نفي إرث الكافر بآية نفي السبيل» لا يخلو من منافاة لقوله قبل قليل: «بعد تعارض دليل نفي السبيل و عموم أدلة الإرث».

وجه المنافاة: أنّه قدّس سرّه فرض في العبارة السابقة تكافؤ آية نفي السبيل و أدلة الإرث، و جعل التعارض بينهما في المجمع- و هو العبد المسلم الذي مات مولاه- موجبا

______________________________

الوارث على بيعه كإجبار مورّثه.

و أمّا بناء على التعارض و التساقط، فيمكن استصحاب رقّية هذا العبد أو عدم حرّيته إلى زهوق روح سيّده، و عدم صيرورته حرّا، فيشمله عموم «ما تركه الميت فلوارثه» بدون إشكال الإثبات، إذ لا تضاف رقّية العبد إلى شخص حتى يقال: إنّ خروجه عن ملك سيّده حين موته قطعي، و دخوله في ملك غيره مشكوك فيه. بل يقال: إنّ هذا العبد باق على رقّيّته، و استصحاب رقيّته أو عدم حرّيته من استصحاب الشخص، لا من استصحاب الكلّي.

فلا يكون من استصحاب القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي. فموت السيّد من قبيل الشك في رافعية الموجود، و لا شك في حجية الاستصحاب فيه.

ص: 348

بآية نفي السبيل [1] كان الميّت بالنسبة

______________________________

لتساقطهما، و الرجوع إلى الأصل العملي. و كلامه هنا من نفي إرث الكافر للعبد المسلم تمسّكا بآية نفي السبيل ظاهر في عدم تساقط المتعارضين، و إنّما يقدّم دليل نفي السبيل على دليل الإرث، و مقتضى هذا التقديم عدم بقاء الموضوع للتمسك باستصحاب مملوكية العبد المسلم، هذا.

و يمكن دفع المنافاة بوجهين:

أحدهما: أنّ قوله: «بعد تعارض دليل نفي السبيل و عموم أدلة الإرث» مبني على ما أفاده في أوّل المسألة من المناقشة في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز تمليك العبد المسلم للكافر، حيث قال بعدها: «و حكومة الآية عليها- أي على عمومات صحة العقود- غير معلومة» فتكون الآية مكافئة دلالة لأدلة الإرث، فيتساقطان.

كما أنّ قوله هنا: «إذا نفي إرث الكافر» مبني على الالتزام بتحكيم الآية على أدلة أسباب التملك من البيع و غيره، و نتيجة هذه الحكومة تخصيص عمومات أدلة العقود.

و من المعلوم عدم ملاحظة قوة الدلالة و ضعفها بين الحاكم و المحكوم، و لا يبقى وجه لما تقدم من صاحب الجواهر من قوة أدلة الإرث، و لذا رجّح كلام الشهيدين.

ثانيهما: أنّ التعارض ناظر إلى لحاظ الآية من حيث هي مع الغضّ عن شهرة الاستدلال بها على اشتراط إسلام من ينتقل إليه العبد المسلم عينا أو منفعة. كما أنّ كلامه هنا من نفي الإرث ناظر إلى شهرة تقدمها على غيرها.

و الظاهر من قوله: «بل» هو الالتزام بتقديم الآية الشريفة على أدلة الإرث بالحكومة، و يكون قوله قبله: «بعد تعارض دليل نفي السبيل» لمجرّد نفي ما ادّعاه بعض من تقديم أدلة الإرث على الآية.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ آية نفي السبيل لا تنفي الوارث بقول مطلق حتى يرثه الامام عليه السّلام، بل تنفي وراثة الكافر فقط، فلو كان في بعض الطبقات مسلم لكان هو الوارث للعبد المسلم، فلا يصدق حينئذ على الكافر الميّت: «أنّه ممّن لا وارث له، حتى يرثه الامام عليه السّلام.

ص: 349

إلى هذا المال (1) ممّن لا وارث [1] له، فيرثه الإمام عليه السّلام.

و بهذا التقرير (2) يندفع (3) ما يقال «1»: إنّ إرث الإمام مناف لعموم أدلّة ترتيب طبقات الإرث.

توضيح الاندفاع: أنّه إذا كان مقتضى نفى السبيل عدم إرث الكافر، يتحقّق نفي الوارث الذي هو مورد إرث الإمام عليه السّلام، فإنّ (4) الممنوع من الإرث كغير الوارث.

______________________________

(1) و هو العبد المسلم الذي مات عنه مولاه الكافر.

(2) و هو نفي وارثية الكافر للعبد المسلم بآية نفي السبيل و صيرورته كالعدم. و قد يستشكل في إرث الإمام عليه السّلام بأنّه مناف لترتيب طبقات الإرث. حيث إنّ إرث الإمام عليه السّلام متأخر عن موجبات الإرث من النسب و السبب و الولاء، فكل طبقة سابقه منها متقدمة على المتأخرة عنها، و لا تكون وارثة مع وجود السابقة.

(3) اندفاعه منوط بدلالة آية نفي السبيل على أنّ الميّت الّذي لا وارث له مسلم في جميع طبقات الوارث. و هذه الدلالة غير ظاهرة، بل مدلولها عدم إرث وارث كافر له.

فإن كان في طبقات الإرث مسلم ينتقل إليه العبد المسلم، و لا ينتقل إلى الإمام عليه السّلام، فلا بدّ من تقييد إرثه عليه السّلام بعدم مسلم في جميع الطبقات.

(4) تعليل لقوله: «يتحقق نفي الوارث» و حاصله: أنّ نفي الوارث أعمّ من عدمه

______________________________

[1] بناء على صدق عنوان تركة الميت على العبد، و عنوان «التركة» لا يصدق عليه إلّا ببقائه على الرقّيّة، و عدم خروجه عنها بالموت، لعدم صدق «ما تركه الميت» حينئذ عليه، لحريته. و استصحاب الرقية لا يثبت هذا العنوان.

نعم بناء على تركّب التركة- من الموت و بقاء المالية في مال الميت- لا مانع من استصحاب رقيته، فيقال: إنّ هذا الموضوع المركّب يحرز أحد جزئية- و هو الموت- بالوجدان، و الآخر- و هو بقاء العبد على الرقية التي هي ماليته- بالأصل، فلا يلزم إشكال المثبتية. و حينئذ إن كان في طبقات الوراث مسلم كان هو الوارث، و إلّا فيرثه الامام عليه السّلام.

______________________________

(1) لم أعثر على القائل.

ص: 350

فالعمدة (1) في المسألة ظهور الاتّفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد.

ثمّ هل يلحق بالإرث كلّ ملك قهريّ (2)، أو لا يلحق، أو يفرّق بين ما كان

______________________________

و من محجوبيّته شرعا، فإذا كان للميّت ولد، و لم يكن أحد من طبقات الإرث إلّا الإمام عليه السّلام، و كان الولد قاتلا لأبيه، ورثه الإمام عليه السّلام، لأنّ حجب الولد عن الإرث- بسبب القتل- يكون كعدم الولد خارجا، في وصول نوبة الإرث إلى الامام عليه السّلام.

و الحاصل: أنّ مقتضى هذا التقريب انتقال العبد المسلم في مفروض مسألتنا إليه عليه السّلام. لكن قد مرّ آنفا لزوم تقييده بما إذا لم يكن في طبقات الإرث مسلم، و إلّا كان هو الوارث.

(1) يعني: فالعمدة في دليل إرث الكافر العبد المسلم من كافر ظهور الاتفاق المدّعى صريحا في جامع المقاصد. قال المحقق الثاني قدّس سرّه في أثناء شرح قول العلامة قدّس سرّه: «إلّا أباه و من ينعتق عليه» ما لفظه: «لأنّ اللّه تعالى نفى جعل السبيل للكافر على المسلمين فلو أراد به مطلق ما يترتب على الملك لامتنع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر، و التالي باطل اتفاقا» «1».

و المراد بالتالي امتناع إرث الكافر العبد المسلم من كافر آخر، و قد اتّفق الفقهاء على بطلان التالي، و على أنّ العبد المسلم ينتقل إرثا من كافر إلى كافر آخر.

(2) بعد ما تقدم من اقتضاء الإجماع دخول العبد المسلم- قهرا بالإرث- في ملك الكافر، يتجه البحث عن اختصاصه بالإرث و عدمه، و الوجوه المحتملة في المسألة ثلاثة.

الوجه الأوّل إلحاق كلّ ملك قهري بالإرث، فيختص نفي السبيل بالأسباب الاختيارية من البيع و الهبة و نحوهما ممّا تقدّم في المقام الأوّل.

الوجه الثاني: عدم إلحاق شي ء من الأسباب القهرية بالإرث، فحكمها حكم الأسباب الاختيارية، فيمنع من تملك الكافر للعبد الإسلام في ما عدا الإرث.

الوجه الثالث: التفصيل بين كون مقدمة الملك القهري اختياريّة، و كان حصول الملك محتاجا إلى سبب قهري، فلا يلحق، و بين كونها غير اختيارية فيلحق بالإرث.

و قد ذكروا أمثلة لكل واحد من القسمين، فمن أمثلة السبب الاختياري، ما حكي عن الشيخ الفقيه الأعسم قدّس سرّه من: أنّه لو كان للكافر عبد و أمة كافران، فزوّج أمته من

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 63

ص: 351

سببه اختياريا (1) أو غيره (2)؟ وجوه (3)، خيرها أوسطها (4) ثمّ أخيرها (5).

______________________________

عبده، و أسلما، فيجبر مولاهما على بيعهما من مسلم، و لكن حملت الأمة قبل بيعهما، فإنّ الولد لكونه نماء لملكه يتملّكه المولى قهرا، و المفروض أنّ مقدمة هذا التملك فعله الاختياري أعني به التزويج الذي هو أوّل مقدمة معدّة لدخول الولد في ملكه.

و منها: ما لو أسلم عبد الكافر، فباعه من مسلم ببيع خياري، و فسخ المشتري، فإنّ الفسخ فعل اختياريّ يترتب عليه تملك الكافر للعبد قهرا.

و من أمثلة التملك القهري بالسبب غير الاختياري ما لو وطأ العبد المسلم أمة مولاه الكافر شبهة، فحملت منه، فإنّ الولد ملك قهري للمولى بسبب غير اختياري، فإنّ الوطي و ان كان فعلا اختياريا لكن تعنونه بكونه شبهة غير اختياري.

و كذا لو باع المولى الكافر عبده المسلم، و مات قبل تسليمه للمشتري، فإنّ التلف قبل القبض يوجب انفساخ العقد و عود المبيع إلى ملك بائعه آنا ما قبل التلف كما هو المشهور. و هذا التملك ملك جديد قهري لا بسبب اختياري، لعدم كون البيع مقدمة للتلف الذي هو سبب رجوع الملك إلى البائع.

و كذا الحال لو كان في البيع المزبور خيار للمشتري، فتلف العبد في زمان الخيار.

(1) كالمثالين المذكورين أوّلا بقولنا: «فمن أمثلة السبب الاختياري ..».

(2) أي: غير الاختياري، فيلحق بالإرث ما يكون سببه غير اختياري، دون ما يكون سببه اختياريا.

(3) مبتدء مؤخّر، و خبره مقدر، و هو: «فيه» أي: في الإلحاق و عدمه وجوه.

(4) و هو عدم الإلحاق مطلقا، سواء أ كان سببه اختياريا أم غيره، إذ لا وجه للإلحاق بعد كون الدليل في التملك بالإرث هو الإجماع الّذي لا بدّ من الاقتصار على مورده، و هو الإرث.

فدليل نفي السبيل كما يكون مقدّما على دليل التملك الاختياري ببيع و شبهه، فكذا يتقدم على أدلة الملك القهري. و يختص الإجماع بالتملك القهري بالإرث.

(5) و هو التفصيل بين كون سببه اختياريّا و غيره، بالإلحاق في الثاني دون الأوّل، بدعوى أنّ السبب غير الاختياري- كما في مثل تلف المبيع قبل القبض- يكون بحكم

ص: 352

ثمّ (1) إنّه لا خلاف و لا إشكال في أنّه لا يقرّ المسلم على ملك الكافر (2)، بل يجب بيعه عليه (3)، لقوله عليه السّلام في عبد كافر أسلم: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا إليه ثمنه و لا تقرّوه عنده» (4).

و منه (5) يعلم أنّه لو لم يبعه [1].

______________________________

الإرث، لعدم استناد التملك الحادث إلى فعل الكافر، و هذا بخلاف السبب الاختياري.

(1) هذا ناظر إلى حكم ما تقدم في (ص 346) بقوله: «أما التملك القهري فيجوز ابتداء .. كما لو ورثه الكافر من كافر ..» و غرضه أنّ التملك القهري الابتدائي لا يقتضي بقاء العبد على ملك مولاه الكافر، بل يجب إزالة ملكه، و ذلك لدليلين: الأوّل نفي الخلاف، و الثاني المرفوعة المروية عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين.

(2) لأنّ ملكه المستقرّ سبيل له على المسلم، و هو منفيّ.

(3) الظرف متعلق ب «يجب» و الضمير راجع إلى الكافر، يعني: أنّ المخاطب ببيع العبد المسلم اثنان، ففي المرتبة الأولى يجب على المولى الكافر. فإن باع فهو، و إن أبى وجب على الحاكم الذي هو وليّ الممتنع.

و هذا الترتيب يستفاد من قوله: «و منه يعلم أنّه لو لم يبعه باعه الحاكم» لظهوره في إناطة ولاية الحاكم- على البيع- بامتناع نفس المولى الكافر عن البيع. و قال في التذكرة في ما لو أسلم العبد دون مولاه: «أمره الحاكم بإزالة الملك عنه ..» ثم قال: «لو امتنع الكافر من إزالة الملك حيث يؤمر باعه الحاكم بثمن المثل» «1».

(4) هذا الضمير و ضمير «إليه» راجعان إلى «كافر».

(5) أي: و من قول الإمام عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه» فإن أمر المسلمين ببيعه ظاهر في توجّه الخطاب إلى عامّة المسلمين، و أنّ بيعه واجب عليهم، و لا يرضى الشارع بإهماله.

و في مثل هذه الواجبات لا بدّ من تصدّي الحاكم لها، لأنّه القدر المتيقن.

______________________________

[1] قد يستشكل في جواز تصدّي المولى الكافر لبيع عبده المسلم من المسلمين

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 22 و 23

ص: 353

باعه الحاكم (1). و يحتمل (2) أن يكون ولاية البيع للحاكم مطلقا (3)، لكون (4) المالك

______________________________

(1) لولايته في الأمور العامّة التي لا يرضى الشارع بإهمالها و تعطيلها.

(2) هذا الاحتمال في قبال تأخّر ولاية الحاكم عن ولاية نفس الكافر، حيث قال:

«و منه يعلم أنه لو لم يبعه باعه الحاكم» و منشأ هذا الاحتمال وجهان:

أحدهما: أنّ بيعه استيلاء على المسلم، و سبيل له عليه، و ذلك منفي بالآية المباركة.

و ثانيهما: كون المأمور ببيعه- في الحديث المذكور- المسلمين، لا مولاه الكافر، فلا ولاية له على بيعه. هذا.

لكن كلا الوجهين ممنوع، لما ذكر في التعليقة، فلاحظ.

(3) يعني: من غير فرق بين امتناع الكافر عن بيع عبده المسلم و عدم امتناعه عنه، فإنّ للحاكم الشرعي ولاية على البيع مطلقا، و هذا الاحتمال هو الأظهر.

(4) هذا تعليل لإطلاق ولاية الحاكم على البيع في كلتا صورتي امتناع الكافر عن البيع و عدمه، و حاصله: أنّ المالك الكافر لا سلطنة له على هذا المال و هو العبد المسلم، لأنّها سبيل منفي بالآية المباركة. و تملكه للمسلم إنّما هو لأجل النص و الفتوى.

و يمكن تأييد إطلاق ولاية الحاكم بإطلاق الأمر ببيعه في الحديث المزبور، حيث إنّ إطلاقه يشمل صورتي امتناع الكافر عن البيع و عدمه. و هذا الإطلاق يكشف عن

______________________________

بما حاصله: أنّ سلطنة مالكه على بيعه سبيل و سلطنة للكافر على المسلم، و ذلك منفي شرعا، و لذا خوطب المسلمون ببيعه، هذا.

لكنه مندفع بأنّ السبيل المنفي هو السلطنة على المؤمن و الاستيلاء عليه، و من المعلوم أن بيع السيد عبده من المسلمين إزالة للملك و رفع لسلطنته عليه. و هذا ضدّ السبيل.

و أمّا أمر المسلمين ببيعه على مولاه الكافر، فلأنّه لعدم اعتقاده بوجوب إخراجه عن ملكه في شرع الإسلام لا يبيع عبده، هذا.

لكن الأظهر أنّ ولاية البيع للحاكم، لظهور قوله: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين» في عدم ولاية المالك الكافر على البيع كما تقدمت الإشارة إليه في التوضيح آنفا، و ثبوت الولاية لغيره.

ص: 354

غير قابل للسلطنة على هذا المال، غاية الأمر أنّه دلّ النص (1) و الفتوى (2) على تملّكه له (3)، و لذا (4) ذكر فيها (5)

______________________________

عدم قابلية الكافر للبيع.

(1) و هو قوله عليه الصلاة و السلام في الحديث المذكور: «فبيعوه» حيث إنّ البيع منوط بالملك.

(2) هي فتوى فقهائنا الإماميّة (شكر اللّه مساعيهم الجميلة) بمالكية الكافر للعبد المسلم بالملك القهري كالإرث.

(3) أي: للعبد المسلم، و ضمير «تملكه» راجع إلى الكافر.

(4) هذا تعليل لعدم قابلية الكافر للاستيلاء و العلوّ على العبد المسلم. توضيحه: أنّه لأجل عدم قابلية الكافر للسلطنة على المسلم لم يذكر الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» مباشرة الكافر لبيع العبد المسلم، بل ذكروا في فتاواهم «أنّه يباع عليه قهرا» و هذه الفتوى كقوله عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين»- و لم يقل: «ألزموه بالبيع»- تكشف عن عدم قابلية المالك لبيع عبده المسلم.

(5) أي: في الفتوى، و مقصوده مطابقة فتوى الأصحاب هنا لما ورد في النصّ من إلزام الكافر بإزالة الملك. و الظاهر أنّه نقل بالمعنى، إذ الموجود في الفتاوى «اجبر على بيعه من مسلم» كما في الشرائع «1».

أو «طولب ببيعه» كما في القواعد «2»، أو «و لو امتنع الكافر من البيع حيث يؤمر، باع الحاكم» «3» كما في موضع آخر منه.

و في الدروس «بيع عليه قهرا» «4».

نعم نقل السيد العامليّ عن حواشي الشهيد: «أنه يباع» «5». و تقدمت عبارة التذكرة من أنه بعد الأمر و الامتناع «باعه الحاكم».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 56

(2) قواعد الاحكام، ج 2، ص 17

(3) المصدر، ص 18

(4) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199

(5) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 180

ص: 355

«أنّه (1) يباع عليه» بل (2) صرّح فخر الدين رحمه اللّه في الإيضاح «1» بزوال ملك السيّد عنه (3)، و يبقى له حقّ استيفاء الثمن منه. و هو (4) مخالف لظاهر النصّ و الفتوى، كما عرفت.

[حكم ثبوت الخيار في إخراج العبد المسلم بالبيع]

و كيف كان (5) [1] فإذا تولّاه المالك

______________________________

و المقصود أنّ فتاوى الأصحاب تدل على أمرين: أحدهما: بقاء العبد المسلم على ملك مولاه الكافر، و ثانيهما: بيعه عليه قهرا، إمّا في خصوص مورد الامتناع، أو مطلقا.

(1) أي: أن العبد يباع على الكافر.

(2) يعني: بل زاد فخر المحققين قدّس سرّه- على عدم قابلية الكافر لبيع عبده المسلم و انقطاع سلطنة البيع- زوال ملكه عن المسلم أيضا، و أنّه لا يبقى له إلّا حقّ استيفاء ثمنه من المسلم الذي يشتريه.

و هذا نظير إرث الزوجة من قيمة الأبنية، و حرمانها عن أعيانها.

و الوجه في التعبير ب «بل» هو أنّ مقتضى كلام المشهور بقاء ملك الكافر و بيعه عليه. و لكن صريح كلام الفخر قدّس سرّه زوال إضافة الملكية، و انتقال الحق إلى البدل و هو الثمن، و من المعلوم أن سلطنة البيع حينئذ لا تكون إلّا للحاكم. قال قدّس سرّه: «الأقوى عندي أن الكافر إذا أسلم يباع على سيده من مسلم، لأنه قد زال ملك السيد عنه ..».

(3) أي: عن العبد المسلم.

(4) أي: زوال ملك السيد الكافر عن العبد المسلم مخالف للنص المتقدم من قول أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: «فبيعوه» و مخالف للفتوى المتقدمة، و هي فتوى علماء الإمامية: بأنّ الكافر يملك العبد المسلم بالملك القهري كالإرث، و قد تقدّم كلّ من النص و الفتوى آنفا.

(5) يعني: سواء أقلنا بتملّك الكافر للعبد المسلم، و قلنا بأنّه المخاطب أوّلا بالبيع،

______________________________

[1] هذا لا يخلو من شي ء، و هو: أنّه بناء على عدم ولاية المالك الكافر على بيع عبده

______________________________

(1) إيضاح الفوائد، ج 1، ص 414

ص: 356

بنفسه (1) [1]،

______________________________

لا الحاكم، أم قلنا بعدم تملكه له- كما اختاره فخر المحققين قدّس سرّه من زوال ملكه عنه- فإذا تولّى المولى البيع فهل يثبت له حقّ إعادة العبد المسلم في ملكه بفسخ ذلك البيع أم لا؟

فالغرض من هذا الكلام إلى آخر المسألة تحقيق الجهة الخامسة، و هي حكم الخيار في بيع العبد المسلم، و قد ذكر المصنف قدّس سرّه وجوها- و جملة منها أقوال- نشير إليها، و سيأتي التفصيل في شرح العبارة.

الأوّل: أنّه لا يثبت شي ء من الخيارات، سواء أ كان ثابتا بجعل الشارع تعبدا كخيار المجلس، أم بجعل المتبايعين كخيار الشرط. و سواء أ كان مستند الخيار قاعدة نفي الضرر كخيار الغبن أم الأدلة الخاصة.

الثاني: الثبوت مطلقا.

الثالث: التفصيل المبتني على ما حكي عن بعض العامة من: أنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل، فيثبت الخيار، أم أنه كالذي لم يعد، فلا يثبت؟

الرابع: التفصيل بين الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر مع كون المتضرر هو المسلم المشتري للعبد، فيثبت له الخيار، و بين الخيارات الأصلية غير المستندة إلى قاعدة نفي الضرر، أو استندت إليه، و لكن كان المتضرر هو المولى الكافر، فلا يثبت.

الخامس: التفصيل في ثبوت خيار العيب خاصّة بين القيمة دون العين. هذه وجوه المسألة، و سيأتي تفصيل كلّ منها.

(1) لعل تقييد تولّي البيع بنفسه- مع أنّه لا خيار في هذا البيع للمشتري و لا للحاكم إذا كان هو المتصدّي للبيع- لأجل أنّ جعل الخيار للمولى الكافر سبيل فعليّ

______________________________

المسلم- كما هو أحد الأمرين المشار إليهما بقوله: «و كيف كان ..»- يكون البيع فضوليّا و غير صحيح، فليس موردا للخيار قطعا. إلّا أن يراد بيعه بإذن الحاكم. لكنه غير فرض ولاية المالك على بيع العبد كما لا يخفى.

فينبغي أن تكون العبارة بهذا النحو: «ثم إنّه بناء على ولاية الكافر على البيع إذا باع المولى الكافر عبده المسلم فالظاهر .. إلخ».

[1] لكن قد يورد عليه تارة بمنافاة هذا التقييد للتعليل الآتي بقوله: «لأنه إحداث ملك فينتفي بعموم نفي السبيل» لظهوره في أنّ المنفي شرعا هو المسبب أعني به تملك

ص: 357

فالظاهر (1) أنه لا خيار له و لا عليه، وفاقا للمحكيّ

______________________________

العبد المسلم حتى إذا لم يؤل إلى الفسخ و إعادة العبد في ملكه، و المفروض نفي السبيل بقول مطلق.

و لا فرق في عدم ثبوت الخيار بين كون الخيار متعلقا بالعقد، و يلزمه حينئذ جواز استرداد العين، أم كان متعلقة العين، أي: حق استرداد العين و انتزاعها ابتداء، و انفساخ العقد قهرا.

(1) جواب «فإذا تولّاه» و هذا إشارة إلى الوجه الأوّل، و هو نفي مطلق الخيارات في بيع العبد المسلم، فلا يستحق البائع و لا المشتري فسخ هذا البيع، ليعود العبد في ملك مولاه الكافر.

______________________________

الكافر للمسلم، سواء أ كان بسبب إعمال الخيار أم بغيره. و من المعلوم ترتب هذا اللازم على ما إذا كان الخيار للمشتري أو للحاكم إن كان هو البائع، ضرورة عود العبد إلى ملك الكافر لو فسخ كلّ منهما. مع أنّ السلطنة على الفسخ أو الاسترداد للمسلم لا للكافر.

و عليه فلا وجه لتقييد منع الخيار بما إذا كان المتولّي هو الكافر «1».

و أخرى بأنّ الخيار بنفسه ليس سبيلا، و لا هو مستلزم للسبيل، فلا يعارض دليله دليله، لعدم استلزام الخيار استرداد العوضين، و إنّما هو حلّ العقد ابتداء، فإن صادف هذا الحل حال قيام العوضين مع عدم المانع من استردادهما استردّا، و إن صادف تعذره بالتلف، أو حصل المانع الشرعي منه انتقل الحق إلى القيمة. و المقام من هذا القبيل، لأنّ دليل نفي السبيل يمنع عن قابلية عين العبد المسلم للرجوع إلى ملك الكافر، و لا يمنع استرداد قيمته، فيأخذها جمعا بين الدليلين «2».

إلّا أن يقال بما في تقرير شيخ مشايخنا الميرزا النائيني قدّس سرّه من عدم ثبوت الخيار هنا من جهة امتناع رجوع العين إلى الكافر، سواء قلنا بتعلّق الخيار بالعقد ابتداء أم باسترداد

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 236

(2) حاشية المكاسب للمحقق الايرواني، ج 1، ص 164

ص: 358

عن الحواشي (1) في خيار المجلس و الشرط، لأنّه (2) إحداث ملك فينتفي (3) بعموم (4) [لعموم] نفي السبيل، لتقديمه على أدلّة الخيار، كما يقدّم على أدلّة البيع.

______________________________

و الوجه فيه: أنّ المولى الكافر لا ولاية له على البيع، و إنّما يباع العبد عليه قهرا كما قيل. و على فرض ولايته عليه تختصّ ولايته بإخراج العبد من ملكه إخراجا قطعيا لا يبقى معه علاقة و تزلزل، و من المعلوم أنّ ثبوت الخيار في هذا البيع يوجب تزلزل العقد، فيعود سبيل الكافر على المسلم، و هو منفي حسب الفرض.

(1) قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و في حواشي الشهيد: أنّه يباع، و لا يثبت له خيار المجلس و الشرط» «1».

(2) تعليل لعدم خيار الكافر إذا باشر البيع بنفسه، و حاصله: أنّ جعل الخيار للكافر ليتمكّن من الفسخ يوجب جواز رجوع الملك إليه، و هو إيجاد ملك جديد له، و المفروض انتفاء هذه الملكية الجديدة بعموم نفي السبيل، حيث إنّه عامّ يشمل الملكية مطلقا من المستقرّة و المستحدثة.

(3) أي: إحداث الملك، و ضميرا «لتقدمه» و المستتر في «يقدّم» راجعان إلى نفي السبيل.

(4) تعليل لانتفاء الملك، و حاصله: أنّ عموم نفي السبيل مقدّم حكومة على أدلة الخيار، كما يقدّم على أدلة البيع. فكما لا يجوز تمليك العبد المسلم للكافر بالبيع، فكذا لا يجوز تمليكه إيّاه بفسخ البيع.

______________________________

العين. و ذلك لأنّ مورد الرجوع إلى البدل هو إمكان استرداد العين بالفسخ أوّلا حتى ينتهي الأمر- بعد تعذر تسليمه- إلى البدل، و المفروض في المقام امتناع الرجوع إلى العين، لما ورد من الأمر بالبيع و عدم إقراره في يد الكافر، فلا موقع للرجوع إلى البدل، هذا «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 180

(2) المكاسب و البيع، ج 2، ص 362

ص: 359

و يمكن أن يبتني (1) على أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل، أو كالذي لم يعد (2) [1]. فإن قلنا بالأوّل (3) ثبت الخيار، لأنّ (4) فسخ العقد يجعل الملكيّة

______________________________

(1) هذا إشارة إلى وجه ثان في حكم الخيار، أي: يبتني وجود الخيار و عدمه- للبائع الكافر أو المشتري- على: أنّ الزائل العائد كالذي لم يزل أي كأنّه باق و لم ينعدم، أو كالذي انعدم و تجدد، و لم يعد ذلك الوجود السابق.

فعلى الأوّل يثبت الخيار، لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية السابقة الممضاة شرعا، و التي أمر المسلمون بإزالتها.

و على الثاني لا يثبت الخيار، لأنّ الملكية المتجددة الحاصلة بالفسخ غير الملكية السابقة الممضاة شرعا، و الملكية المتجددة سبيل منفيّ بآية نفي السبيل.

ثم إن هذه القاعدة و ما يتفرع عليها من فروع- كالفسخ بالخيار- نقلها الشهيد قدّس سرّه في القواعد، و لم يظهر منه ترجيح أحد الاحتمالين، فقال: «طريان الرافع للشي ء هل هو مبطل له، أو بيان لنهايته؟ .. و قد يعبّر عنها بأنّ الزائل العائد هل هو كالذي لم يزل؟ أو كالّذي لم يعد، فإنّ القائل بأنها كالذي لم يزل يجعل العود بيانا لاستمرار الحكم الأوّل، و القائل بأنّها كالذي لم يعد يقول برفع الحكم الأوّل بالزوال، فلا يرجع حكمه بالعود» «1».

(2) يعني: بل هو ملك متجدد غير الملك الأوّل.

(3) و هو كون الزائل العائد كالذي لم يزل.

(4) تعليل لثبوت الخيار، و قد مرّ توضيحه بقولنا: «لأنّ الملكية بعد الفسخ هي الملكية .. إلخ».

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذه الجملة و إن كانت كلاما معجبا جميلا، لكن لا عبرة بها، لعدم كونها آية و لا رواية و لا معقد إجماع.

مضافا إلى: أنّها لا تنطبق على المقام، لأنّ موردها هو ما إذا كان هناك زوال و عود، حتى يصحّ أن يقال: إنّ هذا الذي زال و عاد هل هو كالّذي لم يزل أو كالذي لم يعد؟ كما إذا

______________________________

(1) القواعد و الفوائد، ج 1، ص 268، القاعدة 85

ص: 360

السابقة كأن لم تزل، و قد أمضاها الشارع و أمر بإزالتها، بخلاف (1) ما لو كانت الملكيّة الحاصلة غير السابقة، فإنّ الشارع لم يمضها (2).

______________________________

(1) يعني: بخلاف ما لو كانت الملكية المتجددة مغايرة للملكية السابقة، فلا يثبت فيها الخيار، حيث إنّ الشارع لم يمضها، لأنّها سبيل منفي كما تقدم آنفا.

(2) لكونها من السبيل المنفي شرعا.

______________________________

باع زيد دكّانه مثلا من عمرو بشرط أن يكون له إلى سنة خيار فسخ هذا البيع، ثم باع المشتري عمرو في مدة الخيار- قبل وقوع الفسخ من البائع ذي الخيار- ذلك الدّكان من بكر.

فزال ملك الدّكان من عمرو المشتري، حتى إذا فسخ زيد حينئذ بيع الدكان لم يكن له مطالبة عين الدكان من عمرو، بل يستحق بدله. فإذا فرض عود الدكان إلى ملك عمرو بسبب ناقل فهل لزيد مطالبة عين الدكان من عمرو، بدعوى: أنّ الزائل العائد كأنّه لم يزل؟ أم ليس له مطالبة العين، لأنّ الزائل كأنّه لم يعد. ففي هذا المثال يوجد كلّ من الزوال و العود، فيكون من موارد هذه الجملة و مصاديقها.

و أمّا مقامنا فليس كذلك، لأنّه ليس فيه عود مسلم حتى يبحث في كونه كأن لم يزل، أو كأن لم يعد حتى يكون كالمثال المذكور، حيث إنّ ثبوت الخيار للبائع الكافر حتى يترتب على فسخ البيع بذلك الخيار عود المبيع و هو العبد المسلم إلى بائعه الكافر- حتى يقال: إنّ هذا العود هو الوجود السابق أو وجود حادث- غير مسلّم. بل قد تقدّم أنّ ولاية المالك الكافر على بيع عبده المسلم غير ثابتة، بل عدمها ثابت.

فعلى هذا يكون المقام أجنبيا عن مفاد هذه الجملة: «الزائل العائد كالذي لم يزل ..

إلخ».

و الحق أنّ الخيارات لكلّ من البائع الكافر و الحاكم ساقطة، من غير فرق بين الخيارات المجعولة شرعا كخياري المجلس و الحيوان، و المجعولة بجعل المتعاقدين، و من غير فرق بين الخيارات الناشئة من قاعدة الضرر، و من تخلّف الشرط الضمني كخيار الغبن على الخلاف من كونه لأجل قاعدة الضرر، أو تخلّف الشرط الضمني.

و ذلك لحكومة قاعدة نفي السبيل على أدلة الخيار مطلقا، و إباء نفي السبيل عن

ص: 361

..........

______________________________

التخصيص.

مضافا إلى أنّ المستفاد من قوله عليه السّلام: «لا تقروه» هو النهي عن المسبّب أعني الملكية بقاء، و بعد إلغاء خصوصية البقاء- التي هي مورد الحديث- يفهم العرف بأنّ المبغوض المنهي عنه هو نفس الملكية من غير فرق بين حدوثها و بقائها. و النهي الدال على الفساد يدلّ على فساد كلّ سبب يتسبب به إلى ذلك المسبّب، سواء أ كان بيعا أم صلحا أم فسخا أم غيرها.

و الحاصل: أنّ كلّ ما يوجب ملكية العبد المسلم للكافر حدوثا و بقاء فاسد.

و لا يترتب عليه الملكية أصلا. و بذلك تسقط التفاصيل التي ذكروها من الخيارات الأصلية كخياري المجلس و الحيوان، و الخيارات الناشئة من أدلة نفي الضرر، بالسقوط في الأوّل، لحكومة دليل نفي السبيل على أدلة الخيارات الأصلية، و الثبوت في الثاني، بتوهم: تقدم دليل نفي الضرر لقوّته على دليل نفي السبيل.

و كذا يسقط التفصيل بين ضرر المشتري المسلم و بين ضرر البائع الكافر، بثبوت الخيار للأوّل، لقاعدة الضرر، و عدم ثبوته في الثاني أي الكافر، لأنّه لكفره بسوء اختياره أقدم على ضرره، فلا تشمله قاعدة الضرر.

وجه سقوط هذا التفصيل: عدم جريان قاعدة نفي الضرر في كليهما، لحكومة نفي السبيل على قاعدة الضرر بعد وضوح عدم تخصيص نفي السبيل بها، لإبائها عن التخصيص، هذا.

و أمّا ما ذكروه من خروج الإقدام عن قاعدة الضرر، و عدم شمولها لمورد الإقدام الحاصل باختيار الكفر، ففيه: أنّ الخارج عن قاعدة الضرر إنّما هو الاقدام على نفس الضرر، كالإقدام على المعاملات الغبنية مع العلم بالغبن. و أمّا الإقدام على شي ء يترتب عليه الضرر أحيانا و قد لا يترتب- كالإقدام على الكفر فيما نحن فيه- فهو أجنبي عن قاعدة الإقدام.

فالمتحصل: أنّ جميع الخيارات ساقطة، و لا يترتب شي ء منها على بيع العبد المسلم من المسلم، سواء أ كان المباشر للبيع نفس المولى الكافر أم حاكم الشرع.

ص: 362

لكن هذا المبني (1) ليس بشي ء، لوجوب (2) الاقتصار [1] في تخصيص نفي السبيل على المتيقّن (3).

نعم (4) يحكم بالأرش (5) لو كان العبد

______________________________

(1) أي: جملة «الزائل العائد .. إلخ» ليس بشي ء.

(2) تعليل لعدم صحة جملة «الزائل العائد .. إلخ» و محصّله: أنّ عموم نفي السبيل يشمل الملكية مطلقا، حتى الملكية التي لا تزول، و هذا العموم ليس قابلا للتخصيص.

و المتيقّن من تخصيصه هو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية للكافر كالإرث.

و بالجملة: فالملكية الزائلة العائدة مشمولة لعموم نفي السبيل، و لا مخرج لها منه، لعدم دليل على اعتبار هذه الجملة حتى يخرج بها عن عموم دليل نفي السبيل.

و بهذا ظهر أنّ نظر المصنف هو منع الكبرى التي هي مبنى التفصيل، لا منع صغروية المقام- و هو الفسخ بالخيار- لها.

(3) و هو ثبوت الملكية القهرية الابتدائية فقط للكافر كالإرث، دون الملكية الحاصلة بالفسخ، فإنّها مغايرة للملكية القهرية. فخروجها عن عموم آية نفي السبيل مشكوك، فالعموم يشملها.

(4) بعد منع الخيار المجوّز للرّد، استدرك عليه بأنّه في خصوص خيار العيب الموجب للرّد أو الأرش يحكم بالأرش، لتعذر الرد، كسائر الواجبات التخييرية التي تعذّر أحد عدليها. كما إذا باع الكافر عبده المسلم بثوب، و كان أحد العوضين معيبا حال العقد، فإن كان المعيب هو العبد جاز للمشتري المسلم مطالبة الأرش من الكافر. و إن كان المعيب هو الثوب جاز للكافر أخذ الأرش من المشتري.

و على كلّ فالبيع من حيث حقّ الرد و الفسخ لازم، لا سلطنة لأحدهما على حلّه.

بل يثبت ما يختص بخيار العيب و هو الأرش.

(5) هو جزء من الثمن- لو كان العيب في المبيع- يكون نسبته إلى الثمن كنسبة

______________________________

[1] لعلّ الأولى التعليل بعدم اعتباره أوّلا، و عدم انطباقه على المقام ثانيا، لعدم العلم بالموضوع و هو الزوال و العود كما أوضحناه في التعليقة، فلاحظ.

ص: 363

أو ثمنه (1) معيبا.

و يشكل (2) في الخيارات الناشئة عن الضرر،

________________________________________

التفاوت بين الصحيح و المعيب، كما إذا فرض أنّه اشترى المبيع بخمسة دنانير، و كانت قيمته السوقية صحيحا عشرة دنانير، و قيمته كذلك معيبا ثمانية دنانير، فالتفاوت بين الصحيح و المعيب اثنان، و هما خمس العشرة، فيؤخذ خمس الثمن، و هو الواحد من الخمسة.

هذا كله في الوجه الأوّل، و هو نفي الخيار بقول مطلق، إلّا خيار العيب بالنسبة إلى الأرش. كما تقدّم التفصيل المبتني على قاعدة «الزائل العائد»، و سيأتي الكلام في تفصيل آخر.

(1) المراد به الثمن المعيّن، لا ما هو فرد من الثمن الكلّي، إذ في الثمن الكلّي لا بدّ من تسليم الثمن الصحيح، و لا مورد للخيار.

(2) يعني: و يشكل الحكم- بعدم ثبوت شي ء من الخيارات- في الخيارات الناشئة من الضرر.

و هذا إشارة إلى التفصيل بين الخيارات بلحاظ أدلّتها، فيقال: بعدم ثبوت الخيار المستفاد من دليل خاص، كخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و بثبوت الخيار المستند إلى قاعدة نفي الضرر بشرط كون المتضرر هو المسلم.

أمّا عدم ثبوته في القسم الأوّل فلأنّ دليل خيار المجلس- مثلا- لا يقاوم ما دلّ على نفي السبيل، و يكون محكوما به، و نتيجة هذه الحكومة اختصاص خيار المجلس بما إذا لم يكن المبيع عبدا مسلما باعه مولاه الكافر، فكأنّه قيل: «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا إلّا إذا باع الكافر عبده المسلم من مسلم، فإنّه لا خيار للمتبايعين» إذ لو كان لأحدهما الخيار لزم جواز تملك الكافر للعبد المسلم، و هو سبيل منفيّ شرعا.

و أمّا ثبوت الخيار في القسم الثاني كخيار الغبن، فلأنّ قاعدة نفي الضرر و إن تعارضت مع قاعدة نفي السبيل، في ما لو تضرّر أحد المتبايعين في بيع العبد المسلم- لاقتضاء قاعدة نفي السبيل انتفاء الخيار و لزوم العقد، و اقتضاء قاعدة نفي الضرر التزلزل- الّا أنّ الترجيح لدليل نفي الضرر، لقوة الدلالة و إن استفيدت من الشهرة العملية

ص: 364

من (1) جهة قوّة أدلّة نفي الضرر، فلا يبعد (2) الحكم بثبوت الخيار للمسلم المتضرّر من لزوم البيع، بخلاف ما لو تضرّر الكافر، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من كفره (3) الموجب لعدم قابليّته تملّك المسلم إلّا فيما خرج بالنص.

______________________________

على ثبوت الخيار.

و اللازم من تقديم قاعدة نفي الضرر و إن كان ثبوت الخيار لمن تضرّر- سواء أ كان المتضرر هو الكافر كما إذا باع العبد بأقلّ من قيمته السوقية، أم المشتري كما إذا اشتراه بأزيد من ثمن المثل- إلّا أنّ القاعدة مختصّة بعدم إقدام المتضرر على ضرر نفسه.

و بما إنّ الكافر بسوء اختياره للكفر أقدم على الإضرار بنفسه لعلمه بعدم قابليته لتملك العبد المسلم، فلم يكن هذا الضرر مستندا إلى الشارع حتى ينفى بالقاعدة، إذ الضرر عنوان للحكم المجعول شرعا، كلزوم العقد، و لا يشمل ما استند إلى المقدم على إزالة ملكه عن العبد.

هذا توضيح نظر المصنف قدّس سرّه في هذا التفصيل. و إن أمكن التأمل فيه كما تقدم في التعليقة، و لا أقلّ من منع كون قاعدة نفي الضرر أقوى من قاعدة نفي السبيل، و حاكمة عليها، بعد اعترافه في أوّل المسألة بإبائها عن التخصيص، مع أن لازم تقديم «لا ضرر» ثبوت حقّ الفسخ و إثبات السبيل مرّة أخرى للكافر، هذا.

(1) متعلق ب «يشكل» و قوله: «من جهة قوّة أدلة .. إلخ» ناظر إلى حكومة القاعدة على نفي السبيل.

(2) هذه نتيجة قوة أدلة الضرر، فإنّ تقديم قاعدة الضرر على نفي السبيل يقتضي ثبوت الخيار للمسلم المتضرر من ناحية لزوم البيع. بخلاف تضرر الكافر، فإنّ هذا الضرر إنّما حصل من اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم إلّا فيما خرج بالنص، و هو ما تقدم من قول مولانا أمير المؤمنين «صلوات اللّه عليه»: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه، و لا تقرّوه عنده».

(3) يعني: أنّ الضرر نشأ بسوء اختياره الكفر الذي أوجب عدم قابليته لتملك المسلم، إلّا فيما خرج بالنص المتقدم آنفا، و لم ينشأ الضرر بجعل الشارع.

ص: 365

و يظهر ممّا ذكرنا (1) حكم الرجوع في العقد الجائز، كالهبة.

و خالف في ذلك (2) كلّه جامع المقاصد، فحكم بثبوت الخيار و الردّ بالعيب تبعا للدروس (3)، قال (4) «لأنّ العقد لا يخرج

______________________________

(1) أي: يظهر من عدم الخيار- للكافر و للمشتري- حكم الرجوع في العقد الجائز، و هو عدم جواز الرجوع. فإذا وهب الكافر عبده المسلم لمسلم، ثم رجع عن الهبة. لم يصحّ له الرجوع، لا لعدم قابلية الهبة للرجوع، بل لعدم قابلية الكافر لأن يرجع العبد المسلم إلى ملكه.

(2) أي: في عدم الخيار للكافر و المشتري، و في عدم جواز رجوع الكافر إلى عبده المسلم إذا وهبه لمسلم هبة جائزة.

و هذا في قبال ما تقدّم أوّلا من المصنف من سقوط جميع الخيارات، سواء أ كان الخيار أصليّا كخياري المجلس و الحيوان، أم جعليّا بجعل المتعاقدين كخيار الشرط، و سواء نشأ من دليل نفي الضرر، أم من تخلّف الشرط الضمني.

و في قبال ما تقدم من التفصيلين.

فالغرض هنا التعرض لقولين آخرين:

أحدهما: مختار الشهيد و المحقق الثاني قدّس سرّهما من جريان كافة الخيارات، و جواز الرجوع في الهبة.

و ثانيهما: سقوط الخيارات بالنسبة إلى العين، فلا يجوز للكافر استرداد العبد المسلم بالفسخ في العقد اللازم، و بالرجوع في العقد الجائز، و بقاء حقه الفسخ في القيمة، كما سيظهر.

(3) قال الشهيد قدّس سرّه: «و لو أسلم عبد الكافر بيع عليه قهرا بثمن المثل .. و يجري فيه أحكام العقد من الخيار و الرّد بالعيب فيه أو في ثمنه المعيّن، فيقهر على بيعه ثانيا» «1».

(4) أي: قال المحقق الثاني في جامع المقاصد، و محصل ما أفاده من التعليل لثبوت الخيار: أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه، و هو جواز الرد بالعيب، و لا نرفع اليد عن هذا

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 3، ص 199

ص: 366

عن مقتضاه [1] بكون (1) المبيع عبدا مسلما لكافر، لانتفاء (2) المقتضي، لأنّ (3)

______________________________

المقتضي لأجل كون المبيع عبدا مسلما لكافر، فلا بأس بأن يردّ المشتري العبد المسلم المبيع المعيب إلى بائعه الكافر. لا أن يأخذ الأرش منه بإزاء العيب و النقيصة.

(1) الباء للسببية، يعني: لا يخرج عن مقتضى العقد بسبب كون المبيع عبدا مسلما لكافر.

(2) تعليل لعدم خروج العقد عن مقتضاه، يعني: لا مقتضي للخروج عن مقتضى العقد، و هو الخيار الموجب لجواز الرد.

(3) تعليل لانتفاء المقتضي، و محصله: أنّ نفي السبيل لو كان مقتضيا لخروج العقد عن مقتضاه- و هو جواز الردّ بالعيب، و رجوع المبيع إلى بائعه- لكان مقتضيا لخروج العبد عن ملك الكافر أيضا، لعدم التفاوت بينهما مع وجود السبيل في كليهما. و من المعلوم بطلان التالي، و هو خروج العبد عن ملك الكافر، فإنّ بيع العبد عليه- و دفع ثمنه إليه كما هو مقتضى النص- دليل على بقاء ملكه.

و كذا الملزوم- و هو خروج العقد عن مقتضاه أعني به جواز الرد بالعيب- فإنّه

______________________________

[1] لا يبعد أن يكون مراد صاحب جامع المقاصد عينية الملكية المترتبة على فسخ العقد مع الملكية السابقة على العقد، حيث إنّ العرف يحكم بذلك بسبب الفسخ الّذي هو حلّ العقد، و إن لم يحكم العقل بالعينية، لاختلاف المشخّصات. و المفروض أنّ الملكية السابقة الإرثية لم تكن مشمولة لآية نفي السّبيل. فلا بدّ أن تكون الملكية الآتية من فسخ العقد أيضا كذلك، لأنّها عينها عرفا. فإذا لم تكن منفيّة بآية نفي السبيل لم يكن مانع من ترتب مقتضى العقد عليها، لفرض عينية الملكية الفسخية مع الملكية الإرثية. فترتب الخيار حينئذ ليس لاقتضاء العقد له اقتضاء عقليّا غير منفكّ عنه، و لا لأقوائيّة دليله من آية نفي السبيل، هذا.

لكن العينية العرفية غير كافية بعد كون الموضوع الملك الإرثي، و هذا العنوان لا يصدق على الملك المترتب على الفسخ، لأنّه ملك جديد لم ينتقل إليه بالإرث، فيشمله عموم آية نفي السبيل.

ص: 367

نفي السبيل لو اقتضى ذلك (1) لاقتضى خروجه عن ملكه (2).

فعلى هذا (3) لو كان البيع معاطاة فهي على حكمها (4).

و لو أخرجه (5) عن ملكه بالهبة جرت فيه أحكامها.

نعم (6) لا يبعد أن يقال: للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس، أو مطالبته (7) بسبب ناقل يمنع الرجوع

______________________________

باطل أيضا، كبطلان خروج العبد عن ملك الكافر.

(1) أي: لو اقتضى رفع اليد عن مقتضى العقد لاقتضى .. إلخ، و في جامع المقاصد زيادة «بمجرّده».

(2) كذا في النسخ، و في جامع المقاصد: «عن الملك بالإسلام».

(3) يعني: فبناء على ثبوت الخيار- و الرّد بالعيب- لو كان البيع واقعا بنحو المعاطاة لجرى فيه أحكام البيع المعاطاتي، كجواز ترادّ العينين ما دامتا باقيتين، لكونها عند المحقق الثاني قدّس سرّه تفيد الملك الجائز «1»، و تقدّم تفصيله في بحث المعاطاة، فراجع.

(4) أي: حكم المعاطاة كجواز التراد كما مرّ آنفا، سواء قلنا بما هو المشهور عند القدماء من إفادتها للإباحة، أم بما اختاره المحقق الثاني من الملك المتزلزل.

(5) أي: و لو أخرج الكافر العبد المسلم عن ملكه بعنوان الهبة جرت عليه أحكام الهبة من عدم جواز الرجوع فيها إن كانت لذي رحم، و جواز الرجوع إن كانت لغير ذي رحم.

و قوله: «و لو أخرجه» و كذا قوله: «لو كان البيع معاطاة» متفرعان على ما في جامع المقاصد من ثبوت الخيار في بيع العبد المسلم، إذا تولّاه مولاه الكافر بنفسه.

(6) هذا من كلام جامع المقاصد، و هو استدارك على ما أفاده من ثبوت الخيار و الرد للكافر. و حاصل الاستدراك: أنّ للحاكم الشرعي إسقاط حق الخيار للكافر في خيار المجلس.

(7) معطوف على «إلزامه» يعني: للحاكم مطالبة الكافر بأن ينقل ثمن العبد إلى غيره بسبب ناقل لازم من النواقل الشرعية حتى لا يرجع المشتري بسبب خياره إلى الثمن،

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 58

ص: 368

إذا لم يلزم (1) منه تخسير للمال» انتهى «1».

و فيما ذكره (2) نظر، لأنّ (3) نفى السبيل لا يخرج منه إلّا الملك الابتدائي (4)، و خروجه لا يستلزم خروج عود الملك إليه (5) بالفسخ. و استلزام (6) البيع للخيارات

______________________________

فينفسخ البيع، و تعود ملكية العبد إلى بائعه الكافر.

(1) يعني: إذا لم يلزم منه- أي: من كلّ واحد من إلزام الحاكم بإسقاط الخيار أو مطالبته- خسارة مالية على الكافر، كما إذا كانت قيمة العبد مائة دينار، و باعه بستين دينارا، فإنّ إلزامه بإسقاط الخيار أو مطالبته بنقل الثمن يوجب الخسارة على الكافر، فيقيّد الإلزام و المطالبة بعدم الخسارة.

(2) يعني: و فيما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه من أنّ العقد لا يخرج عن مقتضاه- و هو جواز الرد و الفسخ بالخيار- نظر. و قد ناقش المصنف قدّس سرّه في مواضع من كلام جامع المقاصد.

منها: قوله: «لأن العقد لا يخرج عن مقتضاه .. الى قوله لاقتضى خروجه عن ملكه» تقريب المناقشة فيه: أنّ تخصيص عموم نفي السبيل بالملك الابتدائي القهري لا يلازم تخصيصه بالملك الحاصل للكافر بالفسخ، حيث إنّ العام المخصّص حجة في الباقي.

و عليه فعموم نفي السبيل ينفى ملكية العبد المسلم للكافر بسبب الفسخ، لأنّه تخصيص زائد ينفيه العموم.

(3) تعليل للنظر و المناقشة. و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «تقريب المناقشة فيه».

(4) القهري كالإرث، و ضمير «و خروجه» راجع الى الملك الابتدائي.

(5) أي: إلى الكافر، و حاصله: أنّ خروج الملك الابتدائي القهريّ كالإرث عن عموم نفي السبيل لا يستلزم خروج عود ملك العبد المسلم إلى الكافر عنه بسبب الفسخ، لكونه تخصيصا زائدا.

(6) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع آخر من كلام المحقق الثاني، و هو قوله: «ان العقد لا يخرج عن مقتضاه و هو الخيار حتى إذا كان المبيع عبدا مسلما و البائع كافرا، فإنّ

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 4، ص 65

ص: 369

ليس عقليّا، بل تابع لدليله الذي هو أضعف من دليل صحّة العقد (1) الذي خصّ بنفي السبيل. فهذا (2) [فهذه] أولى بالتخصيص به.

مع (3) أنّه على تقدير المقاومة يرجع إلى أصالة الملك، و عدم (4) زواله بالفسخ و الرجوع (5)، فتأمّل (6).

______________________________

الخيار ثابت له و عليه».

و محصل المناقشة هو: أنّ اقتضاء العقد للخيار ليس عقليا حتى يكون الخيار لازما غير مفارق للعقد، بل يكون الخيار بجعل الشارع و تابعا لدليله، و من المعلوم أنّ دليل الخيار أضعف من دليل صحة نفس العقد الذي خصّص بدليل نفي السبيل. فتخصيص دليل الخيار بآية نفي السبيل لضعفه أولى بالتخصيص بالآية من دليل الصحة.

(1) كأوفوا بالعقود، و أحل اللّه البيع، و تجارة عن تراض، و غيرها.

(2) يعني: فدليل الخيار أولى بالتخصيص- بنفي السبيل- من دليل صحة أصل البيع.

فالنتيجة: أنّه لا تعارض بين دليل نفي الخيار و دليل نفي السبيل، بل دليل نفي السبيل حاكم عليه، فلا تخرج الملكية المستحدثة بالخيار من عموم نفي السبيل، و إنّما الخارج منه خصوص الملك القهري الابتدائي كالإرث.

(3) غرضه منع الخيار رأسا للكافر- و إن لم نقل بتقديم آية نفي السبيل على دليل الخيار، و سلّمنا المعارضة بين دليلي الخيار و نفي السبيل و تساقطهما- حيث إنّه بناء على التساقط لا وجه للخيار، بل المرجع حينئذ الأصل العملي، و هو أصالة بقاء الملك على ملك المشتري، و عدم زواله بفسخ الكافر و رجوعه.

و لا يرجع إلى أصالة الفساد، لأنّ الشك ليس في الصحة و الفساد، بل في انفساخ العقد الصحيح و زواله. فالمرجع استصحاب بقاء العقد و أثره و هو الملك.

(4) معطوف على «الملك» أي: يرجع إلى أصالة عدم زوال الملك بالفسخ و الرجوع.

(5) معطوف على الفسخ.

(6) لعلّه إشارة إلى: أنّ تسليم المعارضة- و الغضّ عن حكومة نفي السبيل على دليل صحة البيع- يقتضي الرجوع إلى أصالة الفساد، لأنّ الشك حينئذ في أصل صحة عقد البيع، لا في بقائه حتى يستصحب ملكية العبد المسلم لمشتريه المسلم.

و بالجملة: فلا يرجع حينئذ إلى أصالة بقاء ملك المشتري بعد فسخ البائع الكافر.

ص: 370

و أمّا (1) ما ذكره أخيرا بقوله: «لا يبعد» ففيه: أنّ إلزامه (2) بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع (3) [1]، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر إلى ملك المسلم بمنزلة (4)

______________________________

أو إشارة إلى: ما سيذكره من قوله: «إلا أن يقال: انّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و نفي السبيل .. إلخ» و حاصله: أنّ الجمع بين دليلي نفي السبيل و الخيار يقتضي ثبوت الخيار و الحكم بالقيمة، لأنّ نفي السبيل مانع شرعي من استرداد المثمن أعني به العبد.

أو إشارة إلى غير ما ذكر.

و الحقّ جريان أصالة بقاء ملك المشتري، و عدم تأثير فسخ البائع الكافر في انحلال العقد، و رجوع ملك العبد المسلم إلى بائعه الكافر.

(1) هذا إشارة إلى المناقشة في موضع ثالث من كلام المحقق الثاني، و هو قوله:

«لا يبعد أن يقال للحاكم إلزامه بإسقاط نحو خيار المجلس .. إلخ».

و حاصل مناقشة الشيخ قدّس سرّه فيه هو: أنّ إلزام البائع الكافر بإسقاط الخيار و نحوه ليس بأولى من الحكم بنفي الخيار و عدم جواز الرجوع، لتعذر الرجوع من جهة المانع، و هو أن خروج العبد المسلم عن ملك الكافر إلى ملك المسلم من التصرف المانع من الفسخ.

(2) أي: أنّ إلزام الحاكم للكافر بإسقاط الخيار أو بالمطالبة ليس بأولى .. إلخ.

(3) أي: بعدم الخيار الموجب لجواز الفسخ و الرجوع من أوّل الأمر حتى نحتاج إلى الاستدراك بإلزام الكافر بإسقاط نحو خيار المجلس.

و يمكن أن يقال بأولويته، لكونه جمعا بين دليل نفي السبيل و أدلة الخيارات.

(4) خبر قوله: «فيكون» و الظرف في «من ملك، إلى ملك» متعلق ب «خروج».

______________________________

[1] ظاهره الإشارة إلى ما ذكره سابقا في (ص 356) من قوله: «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له و لا عليه». و هذه العبارة كالصريح في عدم جعل الخيار أصلا للبائع الكافر. فيفهم منها دفع الخيار بمعنى عدم تشريعه و عدم حدوثه. و لا يلائم هذا المعنى ما فرّعه عليه بقوله: «فيكون خروج المسلم» لأنّ هذا التفريع يناسب وجود الخيار،

ص: 371

التصرّف [1] المانع من الفسخ و الرجوع.

و ممّا ذكرنا (1) يظهر أنّ ما ذكره في القواعد- من قوله: «و لو باعه من مسلم بثوب، ثمّ وجد في الثوب [الثمن] عيبا جاز ردّ الثمن [الثوب]. و هل يستردّ (2) العبد

______________________________

(1) من قولنا في (ص 356): «فإذا تولّاه المالك بنفسه فالظاهر أنّه لا خيار له و لا عليه» مع تأييده بقوله في (ص 371): «ففيه: أن إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع، فيكون خروج المسلم من ملك الكافر .. إلخ» و غرضه التعرض لآخر الأقوال و الوجوه الموجودة في المسألة، و هو تفصيل العلّامة قدّس سرّه في القواعد.

و محصله: أنّه لو باع الكافر العبد المسلم من مسلم بثوب، ثمّ وجد في الثوب عيبا، جاز للبائع ردّ الثوب. و هل يستردّ البائع الكافر نفس المبيع- و هو العبد المسلم- أم يستردّ بدله أعني القيمة؟ فيه نظر، ينشأ من كون استرداد العبد تملكا للمسلم اختيارا، فلا يجوز استرداده. و من كون الرد بالعيب موضوعا على القهر كالإرث، حيث إنّه من حكم الشارع، و ليس باختيار البائع، فيجوز استرداد العبد بعينه.

(2) يعني: و هل يسترد البائع الكافر العبد أم القيمة؟ فيه نظر.

______________________________

ضرورة أنّ التصرف المانع من الفسخ مسقط للخيار و رافع له، لا مانع من حدوثه. و قد تقدم أنّ المانع من حدوث الخيار للبائع الكافر قوله عليه السّلام: «اذهبوا فبيعوه من المسلمين».

مضافا إلى كون الخيار موجبا للسلطنة على حلّ العقد، و هذه السلطنة منفيّة بآية نفي السبيل.

[1] لم يظهر مراده قدّس سرّه من مانعية هذا الخروج للخيار، و كونه بمنزلة التصرف المانع من الفسخ، فإنّ الخروج من ملك الكافر إلى ملك المسلم موضوع الخيار، فكيف يكون رافعا للخيار، فإنّ الموضوع مقتض لحكمه و كالعلّة له، و لا يعقل أن يكون مقتضى الشي ء رافعا له، فلا بدّ أن يكون التصرف المانع عن الفسخ غير التصرف البيعي الذي هو موضوع للخيار. فتعليل عدم جواز الرجوع و الفسخ بلزوم السبيل المنفيّ أولى.

ص: 372

أو القيمة؟ فيه نظر ينشأ من (1) كون الاسترداد تملّكا للمسلم اختيارا، و من (2) كون الردّ بالعيب موضوعا على القهر كالإرث» انتهى «1»- محلّ (3) تأمّل (4).

إلّا (5) أن يقال: إنّ مقتضى الجمع بين أدلّة الخيار و نفي السبيل ثبوت الخيار، و الحكم بالقيمة، فيكون [1] نفي السبيل مانعا شرعيّا من استرداد المثمن (6)، كنقل المبيع (7) في زمان الخيار،

______________________________

(1) هذا وجه عموم جواز استرداد العبد، و قد تقدم آنفا توضيحه.

(2) هذا وجه الجواز، و قد مرّ بيانه.

(3) خبر «ان» في قوله: «ان ما ذكره في القواعد».

(4) وجه التأمل: أنّ جواز ردّ الثمن يدلّ على ثبوت الخيار للكافر، و قد تقدم في (ص 371) عدم ثبوته له، حيث قال: «انّ إلزامه بما ذكر ليس بأولى من الحكم بعدم جواز الرجوع .. إلخ».

(5) استثناء من عدم ثبوت الخيار للكافر، و إثبات للخيار له، ببيان: أنّ مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و دليل نفي السبيل ثبوت الخيار للكافر، لكن لا باسترداد شخص العبد، بل بأخذ قيمته، لأن نفي السبيل مانع شرعي من استرداد شخصه، و موجب للحكم بأخذ قيمته.

(6) و هو العبد المسلم، حيث إنّ رجوعه إلى ملك الكافر البائع- بسبب الفسخ بالخيار- سبيل للكافر على المؤمن، و هو منفي بالآية المباركة.

(7) هذا تنظير لمانعية السبيل من استرداد نفس المبيع، فإنّ نقل المثمن في زمان الخيار بأحد النواقل الشرعية مانع عن استرداد عين المبيع بالخيار، بل لا بدّ من الأخذ

______________________________

[1] لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا: «و الحكم بأخذ القيمة دون العين، لكون نفي السبيل مانعا شرعيا من استرداد المثمن» و «ذلك لأنّ «الفاء» في «فيكون» طاهر في تفرع ما بعده على ما قبله، مع وضوح أنّه ليس كذلك، ضرورة أنّ الحكم بالقيمة دون استرداد عين المبيع مبنيّ على مانعية نفي السبيل من استرداد العين. فنفي السبيل علّة للحكم بالقيمة

______________________________

(1) قواعد الأحكام، ج 2، ص 18

ص: 373

و كالتلف (1) الذي هو مانع عقليّ.

و هو (2) حسن إن لم يحصل السبيل بمجرّد استحقاق الكافر للمسلم المنكشف (3) باستحقاق بدله [1]. و لذا (4) حكموا بسقوط الخيار في من ينعتق على المشتري،

______________________________

ببدله من المثل أو القيمة. فإذا باع متاعه بشرط الخيار، و نقل المشتري- الذي عليه الخيار- ذلك المتاع في زمن الخيار الى غيره، و أخذ البائع بالخيار، و فسخ، لم يكن له مطالبة عين المبيع، بل له البدل، لأنّ نقل من عليه الخيار للمبيع مانع عن الرجوع إلى العين.

(1) هذا تنظير ثان لمانعية السبيل من استرداد عين المبيع، فإنّ التلف السماوي يوجب الانتقال إلى البدل.

(2) أي: الاستثناء المزبور- و هو قوله: «الا ان يقال ان مقتضى الجمع بين أدلة الخيار .. إلخ»- حسن إن لم يرد عليه إشكال نفي السبيل، حيث إنّ استحقاق البدل كاشف عن استحقاق المبدل أي العبد، و هو علوّ و سبيل للكافر على المسلم، و ذلك منفي بالآية.

(3) نعت ل «استحقاق» يعني: المنكشف هذا الاستحقاق بسبب استحقاق بدل العبد، و هو الثمن- أو الثوب- في مثال العلّامة رحمه اللّه في القواعد الذي مرّ آنفا.

(4) أي: و لأجل كشف البدل عن استحقاق المبدل- و تفرّع استحقاق البدل عليه- حكم الفقهاء بسقوط خيار المجلس مطلقا حتى بالنسبة إلى البدل في من ينعتق على المشتري كالعمودين، حيث إنّ الحكم بثبوت الخيار بالنسبة إلى البدل يستلزم استحقاقه للمبدل كما هو مقتضى الكشف و التفرع، و ذلك ينافي عدم ملكية العبد لمن ينعتق عليه إلّا للانعتاق.

______________________________

لا معلول له، و متفرع عليه كما هو ظاهر الفاء.

[1] لا يخفى أنّه بناء على هذا الجمع لا يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل، حيث إنّ دليل نفي السبيل ينفي استحقاق المبدل، إذ هو مقتضى الجمع بينه و بين أدلة الخيار. و مع الدليل على نفي الاستحقاق كيف يكشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل. و مع الغضّ عن ذلك و تسليم كشف استحقاق البدل عن استحقاق المبدل لا ضير في هذا الاستحقاق، لأنّه كنفس إضافة الملكية مجرّدة عن السلطنة في عدم كونها سبيلا منفيّا.

و بالجملة: فمجرد استحقاق المبدل لا يكون سبيلا.

ص: 374

فتأمّل (1).

______________________________

و بالجملة: مقتضى الكشف و التفرع امتناع استحقاق البدل بدون استحقاق المبدل. قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «أسقط العلّامة في التذكرة و القواعد هذا الخيار- أي خيار المجلس- في شراء القريب. و تبعه الصيمري و المحقق الكركي و الشهيد الثاني و الأردبيلي. و ظاهر المسالك: أنّه محل وفاق ..» «1».

(1) لعلّه إشارة إلى: أنّ دليل خيار المجلس قاصر عن شموله لهذا المورد، حيث إنّه ظاهر في اعتبار بقاء الملكية إلى زمان اللزوم، و هو زمان الافتراق، و المفروض أنّه ليس كذلك، ضرورة أنّه بمجرّد حصول الملكية بعقد البيع ينعتق العبد المبيع على المشتري، فلا تبقى الملكية إلى زمان الافتراق حتى يحصل الخيار للبائع الكافر، هذا.

أو إشارة إلى عدم صدق السبيل للكافر على المؤمن بمجرّد استحقاق المبدل، المنكشف باستحقاق البدل، فإنّ هذا الاستحقاق كنفس إضافة الملكية- المجردة عن السلطنة- في عدم السبيل.

أو إشارة إلى: أنّ سقوط الخيار بالنسبة إلى العين و ثبوته بالنسبة إلى القيمة إنّما هو مقتضى الجمع بين أدلة الخيار و الدليل الدالّ على أنّ الحرّ لا يعود رقّا، فإنّ المعتق كالتالف. فعلى المشتري الذي انتقل إليه العبد أن يدفع قيمته يوم الانعتاق إلى البائع، و يسترد الثمن منه.

و لعلّ أقرب هذه الوجوه المحتملة هو الوجه الأوّل، لأنّه ظاهر نفس دليل خيار المجلس، حيث إنّ جعل الافتراق سببا للزوم البيع يتوقف على بقاء الملكية الجائزة الخيارية إلى حصول الافتراق الذي هو سبب لزوم الملكية، فلا بدّ من بقاء الملكية إلى زمان الافتراق في ثبوت الخيار.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 176 و لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 548، جواهر الكلام، ج 23، ص 18 و 19

ص: 375

[نقل المصحف الى الكافر]
[حرمة نقل المصحف الى الكافر]

مسألة:

المشهور عدم جواز نقل (1) المصحف إلى الكافر،

______________________________

(1) حرمة نقل المصحف الى الكافر عنوان المسألة «عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف بشي ء من النواقل الاختيارية من البيع و غيره، و القهرية كالإرث» فلو ارتدّ المسلم و كان مالكا للمصحف خرج عن ملكه بمجرّد الارتداد. و هل يدخل في ملك الإمام عليه السّلام أو المسلمين أم يصير مباحا كالمباحات الأصلية؟ كلّ من هذه الوجوه محتمل ثبوتا، و إثبات بعضها منوط بدلالة الدليل عليه.

و الحاصل: أنّ عنوان المسألة من النقل الاختياري- كما هو ظاهر المتن- أخص من العنوان المبحوث عنه في كلمات الأصحاب هذا.

ثم إنّ المصنف قدّس سرّه تعرّض لهذه المسألة في خاتمة بحث الأجرة على الواجبات، فإنّه قدّس سرّه ذكر في الخاتمة مسألتين، إحداهما: مسألة بيع المصحف، و الأخرى: مسألة جوائز السلطان. و قد اختار المصنف في المسألة الاولى عدم الجواز، و قال في صدر المسألة:

«صرّح جماعة كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد بحرمة بيع المصحف».

و الظاهر أنّ غرضه من تعرض هذه المسألة في الخاتمة هو بيان أن بيع المصحف هل هو كبيع مشاعر العبادة- كالمشعر و عرفات و منى- في عدم قابليّته للبيع و نحوه من النواقل الشرعية؟ أم هو ممّا يقبل البيع في نفسه، إلّا أن يكون هناك مانع كالكفر.

و لهذه الجهة ذكر هذه المسألة في مباحث شرائط المتعاقدين، على أن يكون عدم جواز بيع المصحف مستندا إلى كفر من ينتقل إليه المصحف، كاستناد عدم جواز نقل العبد

ص: 376

ذكره الشيخ «1» و المحقّق «2» في الجهاد، و العلّامة في كتبه (1)، و جمهور من تأخّر عنه (2).

______________________________

المسلم إلى الكافر إلى كفره، و لذا استدلّ على عدم جواز بيع المصحف من الكافر هنا بغير ما استدلّ به على عدم جواز بيعه في الخاتمة، فلاحظ و تدبّر [1].

(1) عنونه العلّامة قدّس سرّه في كتاب البيع، و قال في جهاد التذكرة أيضا: «و نمنع المشرك من شراء المصاحف إعزازا للقرآن، فإن اشترى لم يصح البيع» «3». و التعليل بالإعزاز و الإعظام جار في غير المسلم مطلقا سواء أ كان مشركا أم كتابيّا.

(2) أي: عن العلّامة، كفخر المحققين في الإيضاح و شرح الإرشاد، و الشهيد في الدروس و اللمعة، و الشهيد الثاني في المسالك و الروضة، و المحقق الكركي، كما في مفتاح الكرامة، فراجع «4».

______________________________

[1] ثم إنّ محصّل ما ينبغي أن يقال في بيع المصحف- المذكور في الخاتمة- هو حرمة بيع المصحف بمعنى النقوش، و جواز بيع الورق بدون النقوش، بحيث لا يكون كلامه تعالى جزءا و لا قيدا، بأن يكون المبيع الورق و الغلاف و الحديد مجرّدة عن النقوش.

و هذا الكلام هو ما يستفاد من النصوص بلا تعارض بينها حتى يجمع بينها بحمل النصوص المانعة على الكراهة الذي هو جمع حكمي، فإنّ نفس النصوص ظاهرة في جواز بيع ما عدا كلامه سبحانه و تعالى. و حرمة بيع نفس كلامه تعالى شأنه، و لا تدلّ على جواز بيع ذلك أصلا.

و اشتمال تلك النصوص على كتابة القرآن بترتيب خاص لا يدل على جواز تملك القرآن بتلك الكيفية. و تفصيل البحث في هذا المقام يطلب مما ذكره في الخاتمة.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 62

(2) الشرائع، ج 1، ص 334

(3) تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 389 و ج 10، ص 23، قواعد الاحكام، ج 2، ص 17، نهاية الاحكام، ج 2، ص 456، إرشاد الأذهان، ج 1، ص 360

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 176، و لاحظ الدروس، ج 3، ص 199، الروضة البهية، ج 3، ص 243، مسالك الافهام، ج 3، ص 88، و ص 166، جامع المقاصد، ج 4، ص 33

ص: 377

و عن الإسكافي (1) أنّه قال: «و لا اختار أن يرهن الكافر مصحفا، و [أو] ما يجب على المسلم تعظيمه، و لا (2) صغيرا من الأطفال». انتهى «1» [1].

______________________________

(1) حكاه عنه العلامة في المختلف، و فيه «و لا ما يجب» بدل «و ما يجب» و المؤدّى واحد.

(2) هذا و قوله: «و ما يجب» معطوفان على «مصحفا» و المراد بالأطفال أطفال العبيد المسلمين، لا أطفال المسلمين الأحرار، كما لا يخفى. و مقصود ابن الجنيد قدّس سرّه بيان حرمة البيع بالفحوى، إذ لو كان رهن المصحف و غيره ممّا يجب على المسلم تعظيمه حراما، كان تملك الكافر غير جائز بالأولوية.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ في المسألة جهات من البحث.

الاولى: أنّ المراد بالنقل هل هو خصوص النقل الاختياري كالبيع كما هو ظاهر العنوان؟ أم أعم منه حتى غير الاختياري كالإرث.

الثانية: أنّ المراد بالمصحف هل هو خصوص الخطوط؟ أم ما بين الدّفتين.

الثالثة: أنّ المراد بحرمة النقل هل هي الحرمة التكليفية أم الوضعية أم كلتاهما؟

أما الجهة الأولى فالظاهر أنّها هي المقصودة من البيع الوارد في النصوص، بقرينة ما في بعضها من قوله عليه السّلام: «لا تشتر كلام اللّه» فإنّ قوله عليه السّلام: «كلام اللّه» مشعر بالتعظيم، و المناسب للتعظيم عدم نقل كلامه تعالى كنقل سائر الأمتعة. فدعوى كون موضوع الحكم مطلق النقل، لا خصوص النقل البيعي، قريبة جدّا. بل دعوى كون موضوع الحكم مطلق الانتقال- و لو غير الاختياري- ليست ببعيدة.

فالمراد التملك بالسبب الاختياري و غيره كما صرّح به في أنوار الفقاهة بقوله:

«و لا فرق بين البيع و جميع النواقل معاوضية أو مجانية. و لو باع على الكافر كتابا و فيه آيات من القرآن بطل البيع أو تبعضت الصفقة ..» و قال أيضا: «و لو كفر المسلم زال حكم الملك عنه على الأظهر. و لا يجري عليه حكم العبد المسلم في قهر الكافر على بيعه، لثبوت ملكه له» فراجع «2».

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 5، ص 422

(2) أنوار الفقاهة (مخطوط)، مجلّد التجارة، ص 47

ص: 378

[استدلّوا عليه بوجوه]

و استدلّوا عليه (1) بوجوب (2) احترام المصحف، و فحوى (3) المنع من بيع العبد

______________________________

(1) أي: استدلّوا على عدم جواز نقل المصحف الشريف إلى الكافر بوجهين.

(2) متعلق ب «استدلّوا» توضيح هذا الدليل: أنّ وجوب احترام المصحف الشريف يقتضي حرمة إهانته شرعا، و قبحها عقلا. و حرمة الإهانة توجب فساد البيع، و المفروض أن بيع المصحف من الكافر إهانة منهيّ عنها، إمّا لكون الإهانة و الاحترام من الضدّين اللذين لا ثالث لهما. و إمّا لكون الإهانة نقيضا للاحترام، فيبطل البيع.

ثم إنّ هذا الوجه ورد الاستدلال به في كلام شيخ الطائفة و جلّ من تأخر عنه كالمحقق و العلامة و فخر المحققين و غيرهم «1».

(3) معطوف على «وجوب» و هذا دليل ثان على حرمة نقل المصحف إلى الكافر، تمسك به في أنوار الفقاهة بقوله: «لفحوى ما تقدم من الأدلة ان لم تكن هي القرآن أولى» «2».

______________________________

و أمّا الجهة الثانية فالمراد بها هي الخطوط كما عن الدروس التصريح بها، لا مطلق ما بين الدّفتين. و لا بدّ أن يكون كذلك، لأنّ قوله عليه السّلام: «لا تشتر كلام اللّه» لا ينطبق على غير الخطوط، فإنّ الورق ليس كلام اللّه تعالى. بل هو ظرف له، و إطلاق المصحف على الورق إنّما هو بعلاقة الظرفية.

و أمّا الجهة الثالثة فحاصلها: أنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون النهي هنا دالّا على الفساد، لأنّ المناسب للنهي عن بيع كلام اللّه تعالى هو عدم انتقال إضافة ملكيّته إلى أحد، بل نفس قولهم عليهم السّلام: «لا تشتروا كلام اللّه» يشعر بل يدلّ على فساد بيعه، فإنّ قوله عليه السّلام: «لا تشتروا كلام اللّه» كقوله: «لا تشتروا بيت اللّه» في انفهام عدم القابلية للبيع و الشراء، هذا.

مضافا إلى: أنّ النهي عن أحد ركني العقد كالنهي عن بيع الخمر و الخنزير يدلّ على الفساد، كما قرّر في محلّه. و في بعض النصوص «لن تشترى المصاحف» فإنّ النفي المزبور يدلّ على عدم قابلية المصاحف للشراء، كسائر الأموال القابلة للبيع و الشّراء.

______________________________

(1) تقدمت الإشارة إلى المصادر آنفا.

(2) أنوار الفقاهة (مخطوط) مجلد التجارة، ص 98

ص: 379

المسلم من الكافر.

و ما ذكروه (1) حسن، و إن كان وجهه (2) لا يخلو من تأمّل أو منع [1].

______________________________

و ذكره صاحب الجواهر في مناقشة ما ذهب إليه المحقق في كتاب الجهاد من جواز بيع الأحاديث النبوية- على كراهة- على الكافر، فقال: «و فيه: أنّه مناف للدليل المشترك بين الجميع، و هو وجوب التعظيم و حرمة الإهانة، و أنّ ملك الكافر للمحترم مناف لذلك، كما يومي إليه ما تقدّم من عدم تملكه للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه، .. إلخ» «1». لكنه تأمّل فيه في آخر كلامه، فراجع.

و كيف كان فتقريب الفحوى: أنّ حرمة بيع العبد المسلم من الكافر تقتضي حرمة نقل المصحف إلى الكافر بالأولوية، لأنّ مجرّد الإضافة إلى الإسلام إن كان موجبا لحرمة النقل إلى الكافر، فالقرآن المجيد الذي هو أقوى من العبد في هذه الإضافة- بل قيل: إنّه حقيقة الإسلام- يكون أولى منه بعدم جواز النقل إلى الكافر، فإنّ القرآن مصدر الإسلام، و العبد المسلم مورده.

(1) من عدم جواز نقل المصحف إلى الكافر.

(2) يعني: وجه ما ذكروه لا يخلو من تأمل أو منع، لأنّ تعظيم المصحف الشريف

______________________________

[1] لأنّ وجوب الاحترام حكم تكليفي محض، و مخالفته لا تقتضي فساد البيع، فتأمّل.

مضافا إلى: أنّه أخص من المدّعى، لأنّا نفرض كون المصحف تحت يد المسلم و في مكتبته، لا تحت يد الكافر حتى يلزم هتك المصحف، إذ ليس مجرّد الملكية الاعتبارية إهانة و هتكا للاحترام. قال في الجواهر: «بل لا يخلو أصل المسألة- و هو منع بيع المصحف من الكافر- من ذلك- أي من بحث لا مكان منع منافاة ملكية الكافر للاحترام، خصوصا إذا اتخذه على جهة التّبجيل و التبرك و الاحترام، كما يصنعه بعض النصارى في تراب الحسين عليه السّلام عند الطوفان ..» «2».

و إلى: أنّه لم يثبت وجوب الاحترام زائدا على حرمة الإهانة بحيث ينافي صحة المعاملة.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 238 و 239

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 340

ص: 380

و في إلحاق الأحاديث النبويّة بالمصحف- كما صرّح به (1) في المبسوط «1»-

______________________________

و غيره من المقدّسات الإلهيّة و إن كان حسنا عقلا بلا شبهة، إلّا أنّ قبح ترك التعظيم ما لم ينطبق عنوان قبيح عليه- كالإهانة- غير ثابت. و مجرد إضافة الملكية إلى الكافر بدون ترتيب أثر خارجي و اعتباري ليس إهانة حتى يكون قبيحا.

(1) أي: بالإلحاق، فيحرم تملك الكافر للأحاديث النبوية كالمصحف الشريف و حكي أيضا عن المحقق الثاني «2».

______________________________

هذا ما يرجع إلى الدليل الأوّل، و هو وجوب احترام المصحف.

و أما الدليل الثاني، ففيه: أنّ الأولوية متوقفة على دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز بيع العبد المسلم من الكافر. و قد ذكر المصنف قدّس سرّه منع دلالة الآية على حرمة بيع العبد المسلم من الكافر، و قال في (ص 298): «و أما الآية فباب الخدشة فيها واسع». و مع الخدشة في الاستدلال بالآية على الأصل لا يبقى مجال لدعوى الفحوى.

و بالجملة: فلا يتمّ الاستدلال بآية نفي السبيل على حرمة نقل المصحف الى الكافر، لا من جهة السّبيل، لما مر سابقا من عدم كون مجرد إضافة الملكية سبيلا منهيّا عنه.

و لا من جهة العلّة المستنبطة، لاحتمال كون المحترم المنفي عنه السبيل هو إيمان المسلم، أي: تصديقه بالعقائد الحقّة القائم بنفس المؤمن. لا ما آمن به خصوصا مع تعميمه لوجوده العلمي الموجود في صدر المؤمن، و لوجوده الخارجي الذي هو بين الدّفتين. و مع عدم العلم بالعلّة لا يصحّ الاستدلال بها و لو كانت مظنونة، لكونه من القياس الممنوع استشمام رائحته، هذا.

و لا من جهة الفحوى، للإشكال في دلالة آية نفي السبيل على عدم جواز الأصل، و هو تملك الكافر للعبد المسلم. و مع هذا الاشكال لا مجال لدعوى الفحوى كما تقدم آنفا.

و أما الاستدلال بالنبوي «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه» فهو مبني على كون مجرّد الملكية علوّا للكافر على المصحف. و قد مرّ غير مرّة عدم كون ذلك سبيلا و علوّا، فلا يتم الاستدلال به أيضا.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 62

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 176

ص: 381

أو الكراهة (1) [1] كما هو صريح الشرائع «1».

______________________________

(1) معطوف على «إلحاق الأحاديث» و لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا: «و في إلحاق الأحاديث النبوية بالمصحف فالحرمة- كما في المبسوط التصريح به. و عدمه فالكراهة كما هو صريح الشرائع، بل نسبه الصيمري إلى المشهور قولان».

______________________________

و مع الشك في صدق السبيل و العلوّ على ملكية المصحف الشريف للكافر لا يمكن التمسك بالآية و النبوي، لكون الشك في الموضوع، و من المعلوم عدم حجية الدليل مع الشك في موضوعه.

فالنتيجة: أنّه لم ينهض دليل تامّ على عدم جواز تملك الكافر للمصحف الشريف.

و لو كان مجرّد إضافة الملكية علوّا و سبيلا كان تعليم المصحف للكافر و وضعه في مكتبته- مع مراعاة آداب الاحترام و التعظيم- علوّا منهيّا عنه. و هو كما ترى.

فلم يبق في البين إلّا المرتكزات المتشرعية إن كانت بمثابة تصلح لتقييد الإطلاقات و تخصيص عمومات صحة البيع ببيع المصحف من الكافر، و إلّا فلا دليل على بطلان بيع المصحف منه. و الوجوه الاستحسانية لا عبرة بها، هذا.

و لا يخفى أنّ مقتضى بعض الروايات التي ذكرها المصنف قدّس سرّه في الخاتمة- التي أشرنا إليها آنفا مثل «لن تشترى المصاحف» و نظيره مما يدلّ عليه النفي المؤبّد- هو عدم قابلية المصحف في نفسه للبيع مع الغضّ عمّن ينتقل إليه المصحف من حيث الإسلام و الكفر. و المعتمد إجمالا هو تلك الروايات.

فالنتيجة: أنّ المصحف- و هو نفس الخطوط و النقوش- غير قابل للنقل و الانتقال.

[1] لا يخفى أن القول بالكراهة مشكل، لأنّه بناء على تمامية الحكم في الأصل بالوجوه المتقدمة و صحة الإلحاق لا محيص عن الحكم بالحرمة. و بناء على عدم تماميته و عدم صحة الإلحاق لا بدّ من الحكم بالجواز بلا كراهة، لكون المقام مشمولا لأدلة صحة البيع، كسائر الموارد، و عدم نصّ خاصّ يدلّ على الكراهة هنا، هذا.

ثم إنّه بناء على الجمود على ظاهر لفظ «كلام اللّه» في النصوص لا دليل على الإلحاق

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 1، ص 335

ص: 382

و نسبه الصيمريّ (1) إلى المشهور، قولان (2)، تردّد بينهما العلّامة في التذكرة (3).

و لا يبعد (4) أن تكون الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من طرق الآحاد

______________________________

(1) قال في غاية المرام- بعد نقل المنع عن الشيخ-: «و المشهور الكراهية، لأصالة الجواز، و لأنّ حرمتها- أي احترامها- أقل من حرمة المصاحف ..» «1».

(2) مبتدء مؤخر لقوله: «و في إلحاق».

(3) لقوله قدّس سرّه: «و في أخبار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندي تردد» «2».

(4) ظاهر إطلاق النسبة إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أعمّ ممّا يشمله دليل الحجية، بأن يدّعى أنّ مجرد النسبة يوجب احترام الحديث و حرمة هتكه.

لكن قد تقدم الإشكال في أصل المسألة، أي عدم نهوض دليل تامّ على حرمة نقل المصحف إلى الكافر. فالإلحاق مشكل.

ثم إنّه بناء على الإلحاق يكون معلوم الصدور منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ملحقا بالمصحف، و كذا ما يشمله دليل حجية الخبر الواحد، فإنّه- مع شمول دليل الحجية له- بمنزلة معلوم الحجية في ترتيب جميع آثار الحجية التي منها حرمة نقله إلى الكافر، لأنّ العلم طريقي يقوم مقامه الأمارات و الأصول التنزيلية كما ثبت في محلّه، إن لم يكن دليل الحجية ناظرا

______________________________

إلّا دعوى كون العلّة في عدم جواز تملك الكافر للمصحف هو الاحترام الموجود في الأحاديث النبوية و الولوية.

لكن هذه الدعوى غير تامة، لاحتمال دخل لخصوصية كلام اللّه تعالى في الحكم، فتكون هذه العلة من العلة المستنبطة الظنيّة التي لا تخرج عن القياس المسدود بابه.

نعم بناء على إرادة الأعم من ظاهر القرآن و باطنه كانت الأحاديث النبوية و الولوية ملحقة بالمصحف، بل هي نفسه، لكونها مفسّرة للقرآن حقيقة. لكن إرادة ذلك محتاجة إلى القرينة.

______________________________

(1) غاية المرام، مخطوط، ص 268

(2) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 23

ص: 383

حكمها حكم ما علم صدوره منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم. و إن كان ظاهر (1) ما ألحقوه بالمصحف هو أقوال النبي المعلوم صدورها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و كيف كان (2) فحكم أحاديث الأئمة صلوات اللّه عليهم حكم أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

______________________________

إلى ترتيب آثار المؤدّى، كما هو مورد آية النبإ، لا مطلق الآثار حتّى آثار العبارة الصادرة من المعصوم من حرمة نقلها، و ذلك لأنّ دليل حجية الخبر ناظر إلى طريقيته للمؤدّي و إثباته بما له من الأحكام و لذا يقال: إنّ دليل حجيته إمضاء لما في الطريقة العقلائية.

(1) لعلّ منشأ الظهور هو تعبيرهم بكتب الأحاديث. و في المبسوط: «و هكذا حكم الدفاتر التي فيها أحاديث الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم» لظهور إضافة الأحاديث إليه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في العلم بصدورها منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(2) يعني سواء قلنا بأنّ المراد من أحاديث النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم هو الأقوال المعلوم صدورها عنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أم الأحاديث المرويّة عنه من طرق الآحاد، فحكم أحاديث الأئمة الأطهار «صلوات اللّه عليهم أجمعين» حكم أحاديث النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في حرمة نقلها إلى الكفّار على الأحوط، مراعاة لاحتمال لحوق الأحاديث مطلقا بالمصحف.

هذا، و قد حكى صاحب الجواهر عن شيخه كاشف الغطاء قدّس سرّهما إلحاق ما هو أعم من نصوص أقوال الأئمة «عليهم الصلاة و السلام» بالمصحف في حرمة البيع، فقال: «انه يقوى إلحاق كتب الحديث و التفسير و المزارات و الخطب و المواعظ و الدعوات و التربة الحسينية، و تراب الضرائح المقدسة، و رضاض الصناديق الشريفة و ثوب الكعبة» «1».

هذا تمام الكلام في هذه المسألة و بذلك تم البحث في شرائط المتعاقدين.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 339

ص: 384

القول في شرائط العوضين

[الأوّل: التموّل]

يشترط [1] في كلّ منهما (1)

______________________________

(1) الكلام في شرائط العوضين الأوّل: التموّل أي: في كلّ من العوضين في البيع، و هما المثمن و الثمن.

ثم إنّ شروط العقد المؤثر على أقسام:

أحدها: الشرط العرفي المقوّم للعقد العرفي كمالية العوضين، فإنّها معتبرة عرفا في البيع.

ثانيها: الشرط الشرعي كبلوغ المتعاقدين.

ثالثها: الشرط في الجملة.

و الثمرة بين الشرط العرفي و الشرعي تظهر في الشك. فإذا شكّ في أنّ الشي ء الفلاني شرط عرفا في العقد العرفي أو لا، لم يجز التمسك في نفيه بالعمومات المقتضية للصحة، لأنّ موضوع أدلة الصحة هو الشك في شرطية شي ء للعقد بعد إحراز صدقه عرفا، فمع الشك في صدق العقد العرفي لا وجه للتمسك بالعمومات لدفعه، بل لا بدّ من

______________________________

[1] لا يخفى أنّه بناء على كون ماهية البيع «مبادلة مال بمال» تكون مالية العوضين من مقوّمات البيع العرفي، و مقوّم الماهية أجنبي عن الشرط الخارج عن الماهية. فالتعبير عن مقوّم الماهية بالشرط لا يخلو من المسامحة. نعم يصح تعبير الشرط بالمال الشرعي بعد كونه مالا عرفا. فلو أبدل قوله: «يشترط» ب «يعتبر» كان أولى، لشمول لفظ الاعتبار لكلّ من مقوّم الماهية و الشرط الخارج عنها.

ص: 385

كونه متموّلا (1)، لأنّ (2) البيع لغة «مبادلة مال بمال» «1».

______________________________

إجراء أصالة الفساد.

و أمّا إذا شك في شرطية شي ء شرعا في العقد بعد إحراز عرفيته فلا مانع من التمسك بالعمومات لدفعه، و إثبات عدم اعتباره.

(1) المراد بالمال ما تنافس عليه العقلاء، لاحتياجهم إليه في أمور الدنيا أو العقبى.

و يعتبر في تحقق مفهومه أمران، الأوّل: احتياج الناس إليه. الثاني: توقف الوصول إليه على عمل. و من هنا لا يعدّ الماء على الشط مالا.

و التعريف المزبور- و هو «ما تنافس عليه الناس»- تعريف باللازم. و أمّا حقيقة المال و ماهيته فهي الخصوصية التكوينية الثابتة في العين المتنافس عليها العقلاء. و تسمّى تلك الخصوصية بالخاصية إن توقف وجودها على ذهاب العين كالإشباع، فإنّ استيفاءه منوط بإتلاف المأكول من الخبز و نحوه.

و تسمّى بالمنفعة إن لم يتوقف وجودها على ذهاب العين، كاستيفاء منافع المساكن و الدواب و نحوهما، فإنّ استيفاء منافعها من السكنى و الركوب و الحمل لا يتلف أعيانها، بل ينتفع بها مع بقاء أعيانها.

و لا فرق في استيفاء الخصوصية بين كونه أمرا عاديّا، كاقتناء المأكول من الحنطة و غيرها للاقتيات، و بين كونه نادرا مختصا ببعض الحالات كالأدوية التي لا تستعمل إلّا في حال المرض.

و التعريف المذكور تعريف للمال عرفا، و أمّا المال الذي يترتب عليه الآثار الشرعية من النقل و الانتقال و جواز الاستعمال، فيشترط فيه أن لا يقع موردا لنهي الشارع، و إلّا فوجود ما فيه من الخصوصية كالعدم كالخمر و الخنزير.

(2) تعليل لشرطية المالية في العوضين، و أنّ وجه شرطيتها فيهما هو مفهوم البيع لغة.

______________________________

(1) المصباح المنير، ص 69، و تقدم الكلام في اعتبار المالية في الجزء الأول من هذا الشرح، فراجع ج 1، ص 17 و 23

ص: 386

و قد احترزوا بهذا الشرط (1) عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء، محلّلة (2) في الشرع، لأنّ (3) الأوّل (4) ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان، فإنّه (5) يصحّ عرفا سلب المصرف لها، و نفي الفائدة عنها. و الثاني (6) ليس بمال شرعا كالخمر و الخنزير.

ثمّ قسّموا عدم الانتفاع (7) إلى ما يستند

______________________________

(1) أي: شرطية مالية العوضين.

(2) نعت ل «منفعة» و هذا القيد لإخراج المالية العرفية فقط، حيث إنّها لا تكفي في ترتيب الآثار الشرعية و إن كان فيه الخصوصية الموجبة للمالية العرفية، فإنّ وجودها مع النهي الشرعي كعدمها في عدم المالية شرعا، فهو في ترتب الأثر كعدم المال عرفا.

(3) تعليل للاحتراز- بشرطية المالية في العوضين- عمّا لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء، و حاصل التعليل: أنّ ما لا ينتفع به كذلك ليس بمال عرفا كالخنافس و الديدان، و المفروض اعتبار المالية في العوضين.

(4) و هو ما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء.

(5) الضمير للشأن، و غرضه إثبات مجازيّة استعمال «المال»- فيما لا ينتفع به منفعة مقصودة للعقلاء- بصحة السلب التي هي من علامات المجاز، لوضوح صحة سلب المال عن الخنافس و الديدان، حيث إنّ سلب المصرف عنه- أي سلب الحاجة عنه الذي هو ممّا يتوقف تحقق مفهوم المال عليه- يكشف عن عدم كونه مالا عرفا.

(6) معطوف على «الأوّل» و المراد بالثاني قوله: «محلّلة في الشرع» فإنّ الخمر و الخنزير و إن كانا مالا عرفا، لكنهما ليسا مالا شرعا، و لذا لا تصحّ المعاملة بهما.

(7) هذا التقسيم ناظر إلى منشأ عدم الانتفاع، فإنّ منشأه إمّا خسّة الشي ء كالحشرات، و هي هوامّ الأرض و صغار دوابّها. و إمّا قلّته كحبّة حنطة و شعير و عدس و نحوها، فإنّ الحبّة منها ملك و ليست مالا، إذ النسبة بين المال و الملك عموم من وجه، لاجتماعهما في الدور و الدكاكين و نحوهما، فإنّها مال و ملك، و افتراقهما في المباحات الأصلية كالحيتان و المعادن قبل حيازتها، فإنّها أموال و ليست أملاكا. و في الحبة من الحنطة و نحوها، فإنّها ملك و ليست مالا، فيفترقان.

ثم إنّ هذا التقسيم يستفاد ممّا فرّعوه على اشتراط المنفعة و الملك، ففي التذكرة:

ص: 387

إلى خسّة الشي ء [1] كالحشرات، و إلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة (1)، و ذكروا أنّه (2) ليس مالا و إن كان يصدق عليه الملك (3)، و لذا (4) يحرم غصبه إجماعا.

______________________________

«لا يجوز بيع مالا منفعة فيه، فلا يؤخذ في مقابلته المال، كالحبة و الحبّتين من الحنطة». و قال أيضا: «لا يجوز بيع ما لا ينتفع به من الحيوانات، كالخفّاش .. لخسّتها» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه: «و لخلوّ الشي ء عن المنفعة سببان: القلّة و الخسّة، فالقلّة كالحبة و الحبّتين من الحنطة، و الزبيبة الواحدة .. و أما ما لا منفعة فيه لخسّته فكالحشار ..» «2».

(1) قال السيد العاملي قدّس سرّه في الحبة من الحنطة: «و ليس المراد أنها لا تملك أصلا لأنّه خلاف الإجماع، لأنّه لا يجوز أخذها غصبا إجماعا، نقله هو- أي المحقق الثاني- في جامع المقاصد .. بل الإجماع على الملكية لا ريب فيه» «3».

(2) أي: أنّ ما يستند إلى قلّته ليس مالا و إن كان مصداقا للملك، فيفترق الملك عن المال.

(3) ظاهر نقل هذا الكلام عن الفقهاء و عدم ردّه ارتضاؤه عدم ترادف المال و الملك.

(4) يعني: و لأجل صدق «الملك» على القليل كالحبة يحرم غصبه إجماعا، كما تقدم

______________________________

[1] لعلّ استناد عدم الانتفاع إلى عدم المقتضي في الحشرات أولى من استناده إلى خسّتها، فإنّ الدود المسمى في الفارسية ب «زالو» مع خسّته يكون مالا، لإخراجه الدم الفاسد من الإنسان بالامتصاص. و هذا هو الخصوصية التي خلقت فيه، و تجلب رغبات الناس إليه، و بذل المال لشرائه. فمجرّد الخسّة لا يوجب عدم الانتفاع، بل عدم الانتفاع إنّما هو لأجل عدم تلك الخصوصية فيه المقتضية لرغبات الناس إليه.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 35.

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 220

(3) نفس المصدر.

ص: 388

و عن (1) التذكرة أنّه لو تلف لم يضمن أصلا.

و اعترضه (2) غير واحد ممّن تأخّر عنه بوجوب ردّ المثل.

و الأولى (3) أن يقال: إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمال عرفا،

______________________________

دعواه آنفا من السيد العاملي، لأنّ حدّ الغصب- و هو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حقّ عدوانا- صادق عليه. فالحبّة من الحنطة مثلا تضمن، لكن لا تباع، لعدم ماليتها.

و لا تنافي بين الضمان و عدم جواز البيع، لأنّ موضوع الضمان الاستيلاء على مال الغير أو حقّه. و من المعلوم أنّ الحبّة لو لم تكن مالا و ملكا لكن تكون متعلّقة للحق، و هو حقّ الاختصاص، و ذلك كاف في ثبوت الضمان. بخلاف البيع، لاعتبار المالية في العوضين، و المفروض عدم مالية الحبّة، فلا يجوز بيعها.

(1) الغرض من نقل كلام التذكرة بيان منافاته للإجماع المدّعى على حرمة غصب حبة حنطة أو زبيبة، و ضمان الغاصب، فالعلّامة يظهر منه التفصيل، فيقول بحرمة أخذ الحبّة و وجوب ردّها، لكن لا ضمان لعدم تموّلها. قال في التذكرة: «و مع هذا فلا يجوز أخذ حبة من صبرة الغير، فإن أخذت وجب الرد، فإن تلفت فلا ضمان، لأنّه لا مالية لها» «1».

(2) يعني: و اعترض على العلّامة قدّس سرّه غير واحد ممّن تأخّر عنه: بوجوب ردّ مثل الحبّة، فالضمان في غصب الشي ء القليل الذي لا مالية له ثابت، خلافا للعلّامة قدّس سرّه «2».

(3) هذا تحقيق المصنف في اشتراط التموّل، يعني: و الأولى أن يقال- في اعتبار مالية كلّ واحد من العوضين-: إنّ هنا وجوها ثلاثة:

أحدها: أن يحرز عدم مالية شي ء عرفا كالخنافس و الديدان. و حكمه عدم جواز جعله أحد العوضين في البيع بلا إشكال و لا خلاف.

ثانيها: أن لا يحرز عدم ماليته، بأن كانت مشكوكة، و هو يتصور على وجهين:

أحدهما: حكم العرف فيه بكون بذل المال في مقابله و عوضا منه أكلا للمال

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 35

(2) كما في الدروس، ج 3، ص 201، جامع المقاصد، ج 4، ص 90، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 167، جواهر الكلام، ج 22، ص 347، و في مفتاح الكرامة كما تقدم آنفا.

ص: 389

فلا إشكال (1) و لا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين، إذ (2) لا بيع إلّا في ملك [1].

______________________________

بالباطل، فالظاهر فساد المقابلة و عدم صحة المعاملة، نظير العقرب الذي يعالج بلسعه بعض الأمراض الناشئة من الحرارة، فإنّ ماليته العرفية بحيث يصحّ بذل المال في مقابله مشكوكة.

ثانيهما: أنّ لا يثبت كون بذل المال- بإزاء ما لم يحرز ماليته عرفا- أكلا للمال بالباطل. و حينئذ فإن قام دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو المتّبع كالميتة، فإنّ النص كرواية السكوني «1» و إجماع المنتهى و التنقيح «2»- على عدم صحة المعاوضة على الميتة- يدلّان على عدم جواز بيع الميتة، و إن لم يقم دليل على عدم جواز بيعه، فيرجع فيه إلى عمومات صحة البيع و التجارة ك «أحل اللّه البيع» و «تجارة عن تراض» و غيرهما.

(1) خبر قوله: «انّ ما تحقق» و لا حاجة إلى الفاء، لعدم دخولها على الخبر عند مشهور النحاة.

(2) هذا تعليل لعدم جواز جعل ما ليس مالا عرفا أحد العوضين، و لا يستقيم هذا التعليل إلّا بتساوي الملك و المال. و ليس الأمر كذلك، لوضوح أنّ النسبة بينهما عموم من وجه.

فالأولى التعليل بهذه العبارة «لا بيع إلّا في ملك»- التي هي متن الحديث- لاعتبار الملكية في العوضين، لا لاعتبار المالية فيهما. و لم يظهر وجه نظر المصنف قدّس سرّه إلى تعليل اعتبار المالية في العوضين بهذه العلة.

______________________________

[1] هذا ظاهر في ترادف المال و الملك، لتوقّف حسن التعليل عليه. و هو ينافي ارتضاءه عدم الترادف بقوله: «و ذكروا أنه ليس مالا و إن كان يصدق عليه الملك».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 62، الباب 5 من أبواب ما يكتسب به، ح 5

(2) منتهى المطلب، ج 2، ص 1009، التنقيح الرائع، ج 2، ص 5

ص: 390

و ما (1) لم يتحقّق فيه ذلك (2)، فإن كان أكل المال في مقابله أكلا بالباطل عرفا، فالظاهر فساد المقابلة. و ما لم يتحقّق فيه (3) ذلك (4)، فإن ثبت دليل من نصّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو، و إلّا (5) فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحّة البيع و التجارة [1]،

______________________________

و كيف كان فهذا التعليل راجع إلى الصورة الأولى، و هي ما ثبت عدم مالية شي ء.

(1) منصوب محلّا بالعطف على «ما تحقق» و هذا إشارة إلى الصورة الثانية، و هي ما لم يتحقق فيه المالية، و لم تحرز.

(2) أي: عدم ماليته عرفا، أي الجهل بماليّته و عدمها.

(3) هذه هي الصورة الثالثة أعني بها عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا للمال بالباطل، و قد تقدّمت بقولنا: «ثانيهما أن لا يثبت كون بذل المال بإزاء .. إلخ».

(4) أي: كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل. و الأنسب بالمقابلة أن يقال:

«و إن لم يكن أكل المال في مقابله أكلا بالباطل، فإن ثبت .. إلخ».

(5) أي: و إن لم يثبت دليل على عدم جواز بيعه، وجب الرجوع إلى أدلة صحة البيع و التجارة، لكن فيه إشكال نبهنا عليه في التعليقة.

______________________________

[1] بل الأوفق بالقواعد هو الحكم ببطلان البيع في صورة عدم إحراز كون أكل المال في مقابله أكلا له بالباطل، لعدم إحرازها ماليّته، سواء أ كان هناك دليل خاصّ على البطلان أم لم يكن. و مع عدم الدليل الخاصّ على البطلان لا وجه للرجوع إلى أدلة صحة المعاملة بعد البناء على اعتبار المالية في العوضين عرفا و شرعا، فإنّه مع الشك في المالية كيف يصح التمسك بأدلة صحة البيع؟

بل نفس دليل شرطية المالية يقتضي اعتبار إحرازها في صحة البيع.

بل لو كانت المالية شرطا عرفيا- كما هو كذلك- كان التمسك بأدلة صحة البيع تشبثا بالدليل في الشبهة الموضوعية، لعدم إحراز البيع العرفي الذي هو موضوع أدلة الصحة شرعا.

و الحاصل: أنّه مع الشك في مالية شي ء لا يمكن التمسك فيه بأدلة صحة البيع.

و العرف إذا شك في مالية شي ء فلا محالة يشك في كون بذل المال بإزائه أكلا بالباطل.

و لا يتصور حكمه بكون بذل المال بإزائه حلالا مع شكّه في المالية. فالضابط في حكمه

ص: 391

و خصوص (1) [1] قوله عليه السّلام في المروي عن تحف العقول: «و كلّ شي ء يكون لهم فيه الصلاح من جهة من الجهات، فكلّ ذلك حلال بيعه» إلى آخر الرواية «1». و قد تقدّمت (2) في أوّل الكتاب.

[الثاني الملك]

[لا يجوز بيع ما يشترك فيه الناس]

ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة [2] في العوضين من (3) بيع

______________________________

(1) معطوف على «عمومات» يعني: فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات الصحة، و إلى خصوص قوله عليه السّلام في تحف العقول .. إلخ، الدال على أنّ كلّ ما كان فيه الصلاح من جهة مّا حلال، و إن شكّ في كونه مالا، و في حلية أكل المال في مقابله.

(2) حيث نقل المصنف قدّس سرّه هذا الحديث بطوله- بعد الحمد و الصلاة- عن كتاب تحف العقول للحسن بن علي بن شعبة، و ذكر أكثر الحديث هنا في نسختنا، لكن كتب عليها «زائد» فلذا تركنا إيرادها في المتن.

(3) متعلق ب «احترزوا».

______________________________

بالبطلان هو إحراز عدم المالية أو الشك فيها، لأنّه مقتضى شرطية المالية.

و من هنا يظهر ضعف ما أفاده بقوله: «فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عمومات صحة البيع و التجارة» بل المرجع حينئذ أصالة الفساد.

[1] لا يخفى أنّ الاستدلال به- بعد البناء على اعتباره و شمول دليل حجية الخبر له- مبني على عدم تقيد إطلاق قوله: «الصلاح» بما دلّ على اعتبار المالية في ما فيه الصلاح من جهة من الجهات، إذ مع تقييده بالمالية لا يصحّ التمسك به مع الشك فيها، و من المعلوم لزوم تقييده بما دلّ على اعتبار المالية في عوضي البيع كما لا يخفى.

[2] لم يذكر اعتبار الملكية قبل ذلك حتى يحترز بها عن المباحات قبل حيازتها، و المفروض أنّ الاحتراز عنها مترتب على اعتبار الملكية في العوضين، و لم يظهر وجه الاحتراز عن المباحات مع عدم ذكر اعتبار الملكية قبله.

و إن أراد قدّس سرّه بقوله «الملكية» المالية فالاحتراز غير ظاهر، لوضوح كون المباحات قبل حيازتها أموالا.

______________________________

(1) تحف العقول، ص 333، و رواه عنه في الوسائل، ج 12، ص 54، الباب 2 من أبواب ما يكتسب به، ح 1

ص: 392

ما يشترك (1) فيه الناس كالماء و الكلاء، و السموك و الوحوش قبل اصطيادها (2)، لكون هذه كلّها غير مملوكة (3)

______________________________

(1) الاحتراز بقيد «الملك» عن بيع ما يشترك فيه الكلّ أي: اشتراكا إباحيّا لا ملكيّا، و إلّا لا يصح الاحتراز باعتبار الملكية عن المباحات الأصلية.

(2) هذا الضمير راجع إلى الماء و الكلاء و السموك و الوحوش، لكن المظنون قويّا أنّ العبارة «اصطيادهما» بالضمير المثنّى، لعدم صحة رجوع الضمير إلى الكل.

فالأولى أن تكون العبارة هكذا «قبل الحيازة و الاصطياد» بل يكفي لفظ الحيازة من دون حاجة إلى الاصطياد، لكفاية الحيازة في تحقق الملك في الجميع.

(3) تعليل للاحتراز عن بيع ما يشترك فيه الناس، كأنّه قيل: احترزوا بقيد الملكية عن بيع المباحات قبل حيازتها، لأنّ المباحات الأصلية و إن كانت أموالا، لكنها غير مملوكة بالفعل لأحد، و المفروض اعتبار ملكية العوضين كاعتبار ماليّتهما.

______________________________

ثمّ إنّه قيل في توضيح حال هذا القيد ما محصله: إن اعتبار ملكية العوضين يوجب خروج بعض أفراد البيع عن حقيقة البيع، كخروج بيع الكلي مثمنا و ثمنا، لجواز بيع الكلي الذمي بمثله، مع تسالم الجل بل الكل على فرديّته و صحته، حيث إنّ الكلي قبل إضافته إلى ذمّة ليس ملكا. و هذه الإضافة تحصل بنفس البيع، فلا يقع البيع على المبيع المملوك قبل إنشائه. و هذا يكشف عن عدم تقوم ماهية البيع بالملكية و إن أفادها، لكنه لا ينبعث عنها، فلا يعتبر فعلية للملكية في المبيع للبائع، و لا فعلية الملكية في الثمن للمشتري، بل المعتبر قابلية المثمن لملكيته للمشتري، و قابلية الثمن لملكيته للبائع. فبيع الكلي غير المضاف إلى ذمة، و بيع المباحات قبل حيازتها مشتركان في جهة، و يختص الأوّل بجهة.

أمّا الجهة المشتركة فهي عدم جواز بيع الكلّي غير المضاف إلى ذمّة، لعدم سلطانه عليه، لعدم تعهده في ذمّته، فلا سلطنة له على بيعه. و كذا المباحات قبل حيازتها، فإنّها متساوية النسبة إلى الناس من البائع و غيره، فلا سلطنة لأحد على بيعه، فليس لأحد أن يبيع أو يشتري شيئا من المباحات قبل حيازتها، كعدم جواز بيع الكلي بلا إضافته إلى ذمة، فلا ينفذ البيع في شي ء منهما، لعدم سلطانه عليهما، و عدم كونه مالكا لأمرهما. فليس أمر بيعها بيد أحد، إذ نفوذ التمليك من البائع متوقف على مالكية البائع لإنشاء البيع و إن لم يكن

ص: 393

..........

______________________________

مالكا لرقبة المبيع.

و الحاصل: أن بيع الكلي غير المضاف إلى ذمة، و المباحات الأصلية قبل حيازتها سيّان في عدم الجواز. و المراد بقولهم عليهم السّلام: «لا بيع إلّا في ملك» هو مالكية أمر البيع، لا مالكية الرقبة.

و أمّا الجهة المختصة بالكلي غير المضاف فهي: أنّ المبيع لا بدّ أن يكون له نحو تعين ذمّي أو خارجي، و من المعلوم أنّه لا تعيّن للكلي غير المضاف، لا خارجيا و لا ذميّا. بخلاف الكلّي المضاف إلى ذمّة، فإنّ له نحو تعيّن في الذمة، فيصحّ بيعه، لسلطنته على نفسه بأن يملّك شيئا في ذمته لغيره. و بخلاف المباحات الأصلية، فإنّ لها تعينا خارجيا، إلّا أنّه لا يجوز بيعها، لعدم السلطنة عليها مع تساوي البائع و المشتري بالنسبة إلى المباحات كما تقدم آنفا «1».

و الحاصل: أنّ غرض هذا المحقق أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في عوضي البيع، هذا.

أقول: الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار الملكية في العوضين إلّا الحديث المعروف «لا بيع في ما لا يملك» «2». و يحتمل أن يكون المراد به الملك المقابل للوقف بأقسامه من المساجد و الحسينيات و المدارس العلمية. فغير الأوقاف بأنحائها يجوز بيعه.

لكنه بعيد جدّا، إذ لازمه جواز بيع المباحات قبل حيازتها.

إلّا أن يقال: إنّ عدم جوازه إنّما هو لأجل عدم الولاية مع فرض عدم الحيازة و تساوي الناس بالنسبة إلى المباحات، فتدبّر.

و يحتمل أن يراد بالملك في الحديث المزبور الملك الاعتباري. لكنه بعيد أيضا، لاستلزامه تخصيص الأكثر، لخروج البيوع الواقعة على الكلّيّات الذميّة عن البيع، لما مرّ من عدم وقوعها على ملك المتعاقدين، و إن أفاد بيعها ملكية المعوّض للمشتري، و ملكية العوض للبائع.

______________________________

(1) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني قدّس سرّه، ج 1، ص 240.

(2) مستدرك الوسائل، ج 15، ص 293، الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه، ح 15، رواه عن عوالي اللئالي، و فيه «و لا بيع إلّا في ما تملك» فراجع ج 2، ص 247، ح 16

ص: 394

بالفعل (1).

[لا يجوز بيع الأرض المفتوحة عنوة]
اشارة

و احترزوا به (2) أيضا عن الأرض المفتوحة عنوة [1]، و وجه (3) الاحتراز

______________________________

(1) أي: قبل الحيازة، و لا تصير مملوكة بالفعل إلّا بالحيازة.

(2) الاحتراز بالملك عن بيع الأرض المفتوحة عنوة أي: احترزوا باعتبار ملكية العوضين أيضا- يعني: كالاحتراز به عن المباحات الأصلية قبل حيازتها- عن الأرض المفتوحة عنوة أي قهرا و غلبة على أهلها.

(3) يعني: و تقريب الاحتراز باعتبار الملكية عن الأرض المفتوحة عنوة هو: أنّ تلك الأرض ليست ملكا لملّاكها على حدّ سائر الأملاك، بأن يكون لكل واحد منهم جزء معيّن من عين الأرض و إن قلّ ذلك الجزء.

______________________________

أو استلزامه خروجها عن ماهية البيع تخصّصا، و هو خلاف قول الجلّ بل الكلّ من كونها من أفراد البيع. فمصداقيتها لمفهوم البيع قرينة على إرادة سلطنة البيع من قولهم عليهم السّلام:

«لا بيع إلّا في ملك». فعليه لا يمكن إرادة الملكية الاعتبارية من هذا الحديث.

فالنتيجة: عدم إمكان الالتزام باعتبار ملكية العوضين للبائع و المشتري قبل البيع كما هو ظاهر المتن.

و لا يخفى أنّه بناء على اعتبار الملك في العوضين لا يلزم إلّا الخروج الموضوعي دون الخروج الحكمي، ضرورة أنّ التخصيص خروج حكمي، و مع فرض اعتبار الملك يكون خروج بيع الكلّيات الذمّية عن حريم البيع موضوعيّا أي تخصيصيّا، لا تخصيصيّا.

[1] الاحتراز باعتبار الملك في العوضين لا يصحّ إلّا عن غير الملك، الذي هو نقيض الملك، فإنّ الاحتراز بوجود شي ء يكون عن نقيضه، فالاحتراز المزبور لا بدّ أن يكون عن عدم ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين بجميع أنحاء الملكية حتى يصحّ الاحتراز المزبور، بأن تكون المفتوحة عنوة من باب التحرير كالمسجد، غاية الأمر أنّ لوليّ الأمر صرف منافعها في مصالح المسلمين. و المفروض عدم كون المفتوحة عنوة من فكّ الملك،

ص: 395

عنها أنّها غير مملوكة لملّاكها على نحو سائر الأملاك، بحيث يكون لكلّ منهم جزء

______________________________

بل هي ملك للمسلمين، بشهادة أنّه عند الحاجة يجوز لوليّ الأمر بيعها و صرف ثمنها في مصالحهم. إلّا أنّه ليس لغير وليّ الأمر هذا التصرف.

فالاحتراز بالملك المعتبر في العوضين لا بدّ أن يكون عن غير الملك كالمباحات الأصلية قبل حيازتها، و الأوقاف العامة من المدارس و الخانات الموقوفة على المسافرين، و نحوهما مما يكون من فكّ الملك.

فالأولى تفريع خروج الأراضي المفتوحة عنوة على اعتبار الطلق في ملكية العوضين، لأنّ المفقود في الأرض المفتوحة عنوة هو الطّلقية لا الملكية.

ثم إنّه يمكن أن يكون مقتضى الجمع بين الروايات ملكية الأرض المفتوحة عنوة و قهرا لطبيعيّ المسلمين، لا لآحادهم. و هذا الملك لا يختص بزمان دون زمان، بل يعمّ جميع الأزمنة، و لذا يصحّ أن يقال: إنّه ملك لجميع المسلمين ممّن وجد و ممّن لم يخلق بعد.

و يفترق عن الخمس و الزكاة- اللّذين هما ملكان لطبيعي السيّد و الفقير، و يصيران ملكا شخصيّا بالقبض- في أنّ المتولّي لإخراجهما مختار في صرفهما إلى أفراد السّادة و الفقراء. و في كونهما من الملك النوعي الذي يصير ملكا شخصيّا بالقبض، فإنّ السيّد و الفقير يملكان الخمس و الزكاة بالقبض ملكا شخصيّا، و يضمنان بالغصب، لأنّهما مالان مملوكان للسيد و الفقير، فيصدق عليه حدّ الغصب. بخلاف الأرض المفتوحة عنوة، فإنّ منافعها تصرف في مصالح المسلمين العامة دون غيرها، و لا يملك آحاد المسلمين شيئا من منافعها بالقبض.

و يفترق أيضا ملك الأرض المفتوحة عنوة عن الوقف الخاص- الذي هو من الملك النوعي أيضا- في أنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها ملكا شخصيا من دون توقف الملكية على قبضهم، لأنّهم ملكوا المنافع بنفس الوقف، و لذا يصحّ للموقوف عليهم المعاوضة عليها، و تجب عليهم الزكاة لو كانت جنسا زكويا، و بلغت حصة كلّ منهم النصاب، و يضمنها من غصبها.

ص: 396

معيّن من عين الأرض و إن قلّ، و لذا (1) لا تورّث.

بل (2) و لا من قبيل الوقف الخاص على معيّنين، لعدم تملّكهم للمنفعة مشاعا.

و لا (3) كالوقف على غير معيّنين، كالعلماء و المؤمنين.

و لا (4) من قبيل تملّك الفقراء للزكاة، و السادة للخمس،

______________________________

(1) أي: و لكون الأراضي المفتوحة عنوة غير مملوكة لملّاكها- على نحو سائر الأملاك- لا تورث و لا تباع و لا توهب.

(2) يعني: و ليست الأراضي المفتوحة عنوة كالوقف الخاصّ على معيّنين، كالوقف على الذرية، فإنّ الموقوف عليهم يملكون منافع الوقف الخاصّ، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، لأنّ المسلمين لا يملكون منافع تلك الأراضي بنحو الإشاعة، و لذا لا تنتقل إلى الورثة، بل تصرف في مصالح المسلمين.

(3) يعني: و ليست الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة، حيث إنّ الموقوف عليهم يملكون منافعها بالقبض، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها به.

(4) يعني و ليست الأراضي المفتوحة عنوة من قبيل تملّك السادة للخمس، و الفقراء للزكاة، فإنّ الخمس و الزكاة ملك لطبيعي السيد و الفقير، و يصير كلّ من الخمس و الزكاة بالقبض ملكا شخصيا لأفراد الطبيعة. بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، فإنّ المسلمين لا يملكون منافعها بالقبض، بل لا بدّ من صرفها في مصالح المسلمين العامة، كبناء المدارس الدينية و القناطر و المستشفيات و غيرها ممّا يحتاج إليه المسلمون.

______________________________

و الحاصل: أنّ الملك النوعي تارة يكون شخصيا كالخمس و الزكاة بالقبض.

و اخرى لا يصير شخصيا كالوقف على الذريّة بنحو تمليك المنفعة، كوقف البستان على الذرية على أن يكون منفعتها ملكا لهم، فإنّ أفراد الذرية يملكون- شخصا- منافع البستان بنفس الوقف، لكنهم لا يملكون نفس البستان شخصيا، بل ملكهم له نوعي، و لكن منافعه ملك لهم شخصيا.

ص: 397

بمعنى كونهم (1) مصارف له (2)، لعدم (3) تملّكهم منافعه بالقبض، لأنّ مصرفه منحصر في مصالح المسلمين، فلا يجوز تقسيمه عليهم من دون ملاحظة مصالحهم.

فهذه الملكيّة (4) نحو مستقلّ من الملكيّة قد دلّ عليها الدليل، و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك [1].

______________________________

(1) أي: كون السادة و الفقراء مصارف للخمس و الزكاة.

(2) الأولى تثنية الضمير، لرجوعه إلى الخمس و الزكاة.

(3) تعليل لعدم كون الأراضي المفتوحة عنوة كالأوقاف العامة و الخمس و الزكاة.

و حاصل التعليل: أنّ الأوقاف العامة و الخمس و الزكاة تملك ملكا شخصيا بالقبض، بخلاف الأراضي المفتوحة عنوة، فإنّ منافعها لا تملك ملكا شخصيا بالقبض، بل تصرف في المصالح العامة للمسلمين كما مرّ آنفا.

و الاحتراز باعتبار الملكية في العوضين عن الأراضي المفتوحة عنوة- مع كونها ملكا للمسلمين- إنّما هو باعتبار كون الملكية المعتبرة في العوضين هي الملكية الشخصية التي تترتب عليها السلطنة الاعتبارية و الخارجية. و هذه الملكية منفية في الأراضي المفتوحة عنوة، و لذا احترزوا عنها.

و أمّا بناء على إرادة مجرّد إضافة الملكية من اعتبار الملك في عوضي البيع، فيتعيّن الاحتراز عن الأراضي المفتوحة عنوة بقيد الطلقية، و سيأتي في (ص 483).

(4) أي: ملكية الأراضي المفتوحة عنوة نحو خاصّ من الملكية قد قام عليها الدليل، و معناها: صرف حاصل الملك و منافعه في مصالح المالكين.

______________________________

[1] و هل يعتبر في كون الأرض المفتوحة عنوة من الأراضي الخراجية إذن الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاص في مشروعية الجهاد أم لا؟ قد استدل للاعتبار بوجهين:

أحدهما: الإجماع. و فيه: عدم ثبوته، لعدم تعرض جماعة للمسألة، و لذا استشكل السبزواري في الكفاية في الحكم بقوله: «و يشترط في وجوب الجهاد وجود الامام عليه السّلام أو من نصبه، على المشهور بين الأصحاب. و لعلّ مستنده أخبار لم تبلغ درجة الصحة، مع

ص: 398

..........

______________________________

معارضتها بعموم الآيات ففي الحكم به إشكال» «1».

نعم الجهاد في عصر الحضور يعتبر فيه إذن وليّ الأمر من النبي أو الوصي عليهما الصلاة و السلام.

ثانيهما: الروايات، و العمدة فيها روايتان.

إحداهما: رواية سويد القلاء عن بشير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قلت له: إنّي رأيت في المنام أنّي قلت لك: إنّ القتال مع غير الامام المفترض طاعته حرام، مثل الميتة و الدم و لحم الخنزير. فقلت لي: نعم هو كذلك، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام هو كذلك، هو كذلك» «2».

و فيه: مناقشة سندا و دلالة. أمّا السند فلأنّ البشير الواقع فيه لم يظهر أنّه هو بشير الدهان أو غيره، مع تعدد المسمى بهذا الاسم، و وحدة الطبقة، و عدم المائز.

مع أنّه إن كان هو الدّهان- كما صرّح به في سند آخر لهذا الحديث- لم يجد أيضا، لعدم إحراز وثاقته إلّا بالاعتماد على عموم شهادة ابن قولويه قدّس سرّه، و هو لا يخلو من بحث أو منع.

و أمّا الدلالة، فلأنّ ظاهره هو حرمة القتال بأمر غير الامام المفترض الطاعة من الأعداء المدّعين للخلافة الباطلة، و لا تدل هذه الرواية على حرمة القتال على المسلمين مع الكفار إذا رأى المسلمون ذوي العقول و الآراء في الجهاد مع الكفار مصلحة مهمة عامة للإسلام، و رفع أعلامه و إعلاء كلمة الحقّ.

لكن يمكن أن يقال: إنّه لو كان المراد ذلك لكان الأولى أن يقال: «القتال مع الجائر أو مع الامام غير المفترض الطاعة حرام» إذ كلمة «غير» تشمل مطلق غير الامام العادل، و لو كان جمعا من المسلمين ذوي العقول و العدل.

إلّا أن يدّعى: أنّ كلمة «مع غير الامام» تدلّ على أنّ المعية ظاهرة في نشؤ القتال و الأمر به من غير الامام، و هذا لا يشمل قتال جماعة من المسلمين، بحيث ينشأ القتال من رأيهم و اعتقادهم كون القتال صلاحا للإسلام و المسلمين، لا من شخص واحد.

______________________________

(1) كفاية الأحكام، ص 75

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 32 الباب 12 من أبواب جهاد العدو، ح 1

ص: 399

..........

______________________________

و عليه فلا تشمل الرواية قتال المسلمين إذا رأوا كون القتال صلاحا للمسلمين.

ثانيتهما: رواية عبد اللّه بن مغيرة: «قال محمّد بن عبد اللّه للرضا عليه السّلام و أنا أسمع:

حدّثني أبي عن أهل بيته عن آبائه: أنّه قال له بعضهم: إنّ في بلادنا موضع رباط يقال له قزوين، و عدوّا يقال له الديلم، فهل من جهاد أو هل من رباط؟ فقال: عليكم بهذا البيت فحجّوه. فأعاد عليه الحديث، فقال: عليكم بهذا البيت فحجّوه. أما يرضى أحدكم أن يكون في بيته و ينفق على عياله من طوله ينتظر أمرنا، فإن أدركه كان كمن شهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بدرا. و إن مات منتظرا لأمرنا كان كمن كان مع قائمنا صلوات اللّه عليه» «1».

و قد أورد على دلالته: بأنّ الظاهر أنّها في مقام بيان الحكم الموقّت، لا الحكم الدائم، بمعنى أنّه لم يكن في الجهاد أو الرباط صلاح في ذلك الوقت الخاص. و يشهد على ذلك ذكر الرباط تلو الجهاد، مع أنّه لا شبهة في عدم توقفه على إذن الامام عليه السّلام و ثبوته في زمان الغيبة.

أقول: حمله على وقت خاصّ- حتى يكون عدم الجواز لأجل عدم المصلحة في وقت خاص، لا لأجل عدم إذن الإمام عليه السّلام كما يقول المستدلّ به على اعتبار إذن الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد- خلاف الظاهر و بلا قرينة. و ما ذكره من ذكر الرباط لا يشهد بذلك، حيث إنّه من توابع القتال و إن كان في نفسه جائزا.

نعم لا بأس بأن تكون الرواية ناظرة إلى عدم الجواز، لكون القتال في ذلك الزمان بأمر خلفاء الجور، فلا تدلّ على عدم جواز قتال المسلمين المعتقدين بكون الجهاد صلاحا للإسلام و المسلمين حتى يكون عدم الجواز لأجل اعتبار إذن الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد. و هذا الحكم- أعني به عدم الجواز لا يدلّ على اعتبار إذن الامام عليه السّلام في جواز القتال.

فالمتحصل: أنّه لم يظهر دليل واضح على اعتبار إذنه عليه السّلام في جواز القتال حتى لا يكون قتال المؤمنين في عصر الغيبة جائزا. فإذا شك في اعتباره يتمسك في دفع اعتباره بالعمومات القرآنية.

و إن نوقش في العمومات بأنّها في مقام تشريع أصل الجهاد، و ليست في مقام بيان الخصوصيات الدخيلة فيه، فالمرجع أصالة عدم شرطية إذنه عليه السّلام في مشروعية الجهاد، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 33 الباب 12 من أبواب جهاد العدو، ح 5

ص: 400

..........

______________________________

لكن لمّا كان المورد من الموارد الثلاثة التي انقلبت فيها أصالة البراءة إلى أصالة الاحتياط، فلا بدّ من الرجوع إليها، و مقتضاها اعتبار إذنه عليه السّلام في وجوب الجهاد.

ثم انه على تقدير شرطية إذن الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد حال حضوره، فهل المراد بالاذن مجرّد الرضا الباطني كما في التصرفات الخارجية كالأكل و الشرب و اللبس و نحوها؟ أم إنشاء الإذن، كما في التصرفات الاعتبارية كالإجازة في العقود كبيع الفضولي، حيث إنّ المعتبر فيه هو إنشاء الإجازة فيه، و عدم الاكتفاء بمجرّد الرضا الباطني كما قرر في محلّه، حتى يعدّ ولاة الجهاد و الغزاة منصوبين من قبل الإمام عليه السّلام.

مقتضى بعض النصوص هو الأوّل، كما في رواية الخصال عن أبي جعفر عليه السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام: «إنّ القائم بعد صاحبه- يعني عمر- كان يشاورني في موارد الأمور و مصادرها، فيصدرها عن أمري، و يناظرني في غوامضها، فيمضيها عن رأيي» «1».

فإنّ ظاهره- كما قيل- كفاية رضا الامام عليه السّلام في مشروعية الجهاد الذي يترتّب عليه الآثار من كون الأرض المأخوذة بهذا القتال خراجية، و عدم توقف اتصافها بالخراجية على إنشاء الإذن و الأمر بالجهاد، بحيث يكون هو وليّ أمر الجهاد و ناصبا لغزاته. و يشهد بذلك النصوص الدالة على «أنّ أرض السواد للمسلمين» مع بداهة أنّ فاتحها لم يكن منصوبا من ناحية المعصوم عليه السّلام، و لا مأمورا من قبله عليه السّلام، هذا.

لكن الإنصاف ظهور قوله عليه السّلام: «فيصدرها عن أمري» في الأمر الحقيقي، لا مجرّد الاذن، حتى يقال بعدم كفاية مجرّد الإذن في مشروعية الجهاد، و ترتيب آثاره من صيرورة الأرض المغنومة بهذا الجهاد خراجية، هذا.

ثم إنّه وقع الكلام في اعتبار العمران حال الفتح في خراجية الأراضي المفتوحة عنوة بحيث لو كانت مواتا حال الفتح لم تكن خراجية و كانت من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام يظهر من الشرائع أنّ الموات حال الفتح للإمام عليه السّلام خاصة، و لا يجوز إحياؤه إلّا بإذنه إن كان موجودا. و لو تصرف فيها من غير إذنه كان على المتصرف طسقها، و يملكها المحيي عند عدمه «2» أي غيبة الإمام عليه السّلام.

______________________________

(1) الخصال، ج 2، ص 135، باب السبعة، ح 45

(2) شرائع الإسلام، ج 1، ص 322

ص: 401

..........

______________________________

و قال في الجواهر- بعد نقل كون الموات من الأرض وقت الفتح للإمام عليه السّلام-:

«بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه. مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على أنّ موات الأرض مطلقا من الأنفال للإمام عليه السّلام» «1».

و الحاصل: أنّ اعتبار العمران حال الفتح في ملكية الأرض المفتوحة عنوة لقاطبة المسلمين مشهور، بل المجمع عليه. و نصوص الباب على طوائف:

منها: ما تدل على أنّ الموات كلها للإمام عليه السّلام، كمرسلة أحمد بن محمد «2».

و منها: ما تدلّ على «أنّ كل أرض لا ربّ لها للإمام عليه السّلام» كموثقة إسحاق بن عمّار و رواية أبي بصير «3».

و منها: ما تدلّ على «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها له عليه السّلام» كمرسلة حمّاد «4».

و منها: غير ذلك.

و النسبة بين دليل ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين الشامل للموات حين الفتح، و بين دليل ملكية الموات مطلقا- و إن كان من المفتوحة عنوة للإمام عليه السّلام- عموم من وجه، لأنّ ما دلّ على كون المفتوحة عنوة للمسلمين شامل لكلّ من الموات و العامر، و ما دلّ على «أنّ الموات للإمام عليه السّلام» شامل للمفتوحة عنوة و غيرها. و في المجمع- و هو موات المفتوحة عنوة- يتعارضان، إذ مقتضى دليل المفتوحة عنوة هو كون مواتها كعامرها ملكا لقاطبة المسلمين، و مقتضى دليل الموات كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

لكن يقدّم دليل الموات، لأنّ دلالته على كون الموات للإمام عليه السّلام بالوضع، و دلالة دليل المفتوحة عنوة بالإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة، و من المعلوم تقدم الظهور الوضعي على الإطلاقي. فما عن المشهور «من كون موات المفتوحة عنوة من الأنفال، و اختصاص عامرها بالمسلمين» متين.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 169

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 17

(3) المصدر، ص 371، ح 20 و ص 372، ح 28

(4) المصدر، ص 365، ح 4

ص: 402

..........

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّ ملكية الأرض المغنومة من الكفار لقاطبة المسلمين مشروطة بأمور ثلاثة:

الأوّل: أن يكون استيلاء المسلمين على الأراضي بالقهر و الغلبة، أو بالصلح مع الكفار على أن تكون أراضيهم ملكا لعامّة المسلمين.

الثاني: أن يكون الاستيلاء المزبور بإذن الإمام عليه السّلام.

الثالث: أن تكون الأراضي معمورة حال الفتح، إذ الموات منها من الأنفال التي هي ملك الامام عليه السّلام، سواء أ كان موتانها أصليا أم عارضيا، بأن كانت عامرة ثم ماتت، فمن أحياها ملكها. و ذلك لإطلاق النصوص الدالة على تملك محي الأرض بالإحياء، كصحيحتي الفضلاء عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من أحيى أرضا مواتا فهي له» «1». فإذا ماتت الأرض المفتوحة عنوة، و أحياها شخص، ملكها، إذ المفروض أنّ أرض المسلمين متقومة بالحياة، لما تقدم آنفا من تقدم دليل ملكية الموات من الأرض المفتوحة عنوة للإمام عليه السّلام على دليل ملكيته للمسلمين.

و من هنا يسهل الأمر في من يكون بيده فعلا أرض كانت معمورة حال الفتح، و شكّ في بقائها على حالة العمران، حيث إنّ استصحاب بقائها بوصف الحياة و إن كان جاريا في نفسه، إلّا أنّ قاعدة اليد حاكمة عليه، و قاضية بأنّها ملك المتصرف فعلا، فإنّ احتمال خروجها عن ملك المسلمين بالشراء أو الهبة، أو عروض الموت عليها و قيام هذا الشخص بإحيائها موجود، و هو يحقق موضوع قاعدة اليد التي مقتضاها ملكية الأرض المذكورة فعلا للمحيي، هذا.

ثم إنّه إذا أحرزت العناوين المذكورة فلا إشكال. لكنه لا يمكن إحرازها بالعلم الوجداني، و لا بالأمارات غير المعتبرة التي منها التواريخ، خصوصا مع تعارضها.

و لا بالأصول العملية، لأنّها نافية لوجود تلك العناوين الوجودية لا مثبتة لها، فلا يمكن إحراز وجودها بالأصل أيضا.

كما أنّ إحراز عدمها لنفي الحكم الشرعي المترتب على وجودها غير ممكن، لأنّ

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5

ص: 403

..........

______________________________

ترتب عدم الحكم على نفي موضوعه عقلي لا شرعي، هذا.

مسألة: إذا أحيى شخص أرضا مواتا، و بنى فيها أبنية، ثم خربت و صارت ميتة، ثم أحياها محي آخر، فهل تكون الأرض ملكا للمحيي الأوّل أم الثاني؟ فيه تفصيل.

فإن كان المحيي الأوّل و ملك الأرض بشراء و نحوه لم يزل ملكه عنها إجماعا، نقله الشهيد الثاني رحمه اللّه عن العلامة في التذكرة «عن جميع أهل العلم» «1».

و إن ملكه المالك الأوّل بالإحياء ففيه خلاف.

و قال المحقق التقي الشيرازي قدّس سرّه: «تفصيله: أنّه اختلف أقوال العلماء في أنّ الموات من الأرض بعد الإحياء المملّك هل يجوز إحياؤه ثانيا لغير المحيي الأوّل أم لا» «2». فالخلاف يكون فيما إذا كانت ملكية الأرض للمحي الأوّل بسبب الإحياء، لا ببيع و نحوه، و إلّا فلا تخرج الأرض عن ملك المحيي الأوّل بسبب الخراب و لا بإحياء المحيي الثاني.

فنصرف الكلام إلى ما إذا كانت ملكية الأرض للمحيي الأوّل بالإحياء لا بالبيع و نحوه، فنقول و به نستعين:

إنّه قد استدلّ على صيرورة الأرض ملكا للمحيي الثاني بروايات.

منها: رواية معاوية بن وهب «قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: أيّما رجل أتى خربة بائرة، فاستخرجها، و كرى أنهارها، و عمّرها، فإنّ عليه فيها الصدقة. فإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها و تركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض للّه و لمن عمّرها» «3».

و منها: عموم قولهم عليهم السّلام: «من أحيى أرضا مواتا فهي له» «4» فإنّ عمومه يشمل المحيي الثاني. و إطلاق الأرض- إن لم نقل بعمومه المستفاد من وقوع النكرة في سياق الموصول الدالة على العموم- يشمل الأرض الموات المسبوق بالإحياء، فيدلّ على صيرورة الأرض المذكورة ملكا للمحيي الثاني بسبب إحيائه، و هو المطلوب.

و أورد عليه بما حاصله: أنّ الأرض الميتة قيّدت بعدم المالك لها قطعا، للنص الدال

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 59، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 401 (الطبعة الحجرية).

(2) حاشية المكاسب، ص 14

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328 الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5

ص: 404

..........

______________________________

على «أنّ من أحيى أرضا ميتة لا ربّ لها فهي له» فالأرض المملوكة إذا كانت- أو صارت- خرابا لا تملك بإحياء غير المالك جزما. و لا تخرج عن ملكه إلّا بالنواقل الشرعية غير الاحياء. و كذا الأرض التي هي محل الكلام بناء على عدم خروجها عن ملك المحيي الأوّل بالموت و الخراب، و المفروض أنّ القائلين بملك المحيي الثاني يدّعون الخروج عن ملك المحيي الأوّل.

بل لعلّه لا خلاف بينهم في عدم صيرورته ملكا للثاني لو لم يخرج عن ملك الأوّل بالخراب، بأن يكون الإحياء الثاني ناقلا عن ملك الأوّل إلى ملك الثاني.

و حينئذ فالشك في بقائها بعد الموت على ملك مالكه الأوّل و عدمه كاف في عدم جواز التمسك بالعموم المزبور، لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص. بل مقتضى استصحاب ملك المحيي الأوّل ذلك. بل إطلاق دليل ملكيته، حيث إنّ الظاهر من اللام في قوله عليه السّلام: «فهي له» هو إطلاق الثبوت و الاختصاص المقتضي للملكية الدائمة المنافي للملكية الموقتة، هذا.

و يمكن أن يجاب عنه بعدم إرادة نفي المالك مطلقا حتى ممّن ملك الأرض بالإحياء، فيصير خروج من ملك بالإحياء مشكوكا فيه، فيرجع فيه إلى عموم قوله عليه السّلام: «من أحيى أرضا ميتة فهي له» لا إلى إطلاق دليل القيد، إذ المفروض عدم إطلاقه بعد خروج من ملك الأرض بالشراء و نحوه- بإجماع العلماء و تسالمهم- عن إطلاق دليل القيد، فيصير خروج من ملك الأرض بالإحياء عن عموم «من أحيى» مشكوكا فيه، و العموم حجة في الشك في التخصيص الزائد كحجيته في الشك في أصل التخصيص.

فالنتيجة: أن إحياء الأرض الميتة بعد الإحياء المملّك يوجب ملكيتها للمحيي الثاني.

لكن الأحوط الأولى مراعاة حقّه إلى ثلاث سنين، لروايتي يونس «1» عن العبد الصالح و أبي عبد اللّه عليهما السّلام. لكنهما ضعيفان سندا، فراجع.

و أمّا إحياؤها مع كون ملكيتها للمالك الأوّل بغير الإحياء- كالشراء و الهبة و نحوهما- فمقتضى ما تقدم من الإجماع المحكي عن العلامة قدّس سرّه و رواية معاوية بن وهب المتقدمة عدم صيرورتها ملكا للثاني، و بقاؤها على ملك الأوّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 345، الباب 17 من أبواب إحياء الموات، ح 1 و 2

ص: 405

ثمّ (1) إنّ كون هذه الأرض للمسلمين ممّا ادّعي عليه الإجماع (2)، و دلّ عليه النصّ، كمرسلة حمّاد الطويلة (3) و غيرها (4).

______________________________

(1) غرضه قدّس سرّه إقامة الدليل على ما هو المعروف من ملكية الأراضي المفتوحة عنوة للمسلمين.

(2) المدّعي للإجماع أو عدم الخلاف جماعة، كشيخ الطائفة «1» و العلّامة «2» و الفاضل السبزواري «3»، و أصحاب الرياض و مفتاح الكرامة و المستند و الجواهر «4».

قال السيد العاملي قدّس سرّه في الأرض التي فتحت عنوة: «و هذه للمسلمين قاطبة بإجماع علمائنا قاطبة، و قد نقل الإجماع على ذلك في الخلاف و التذكرة و المنتهى».

و في جهاد الجواهر: «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا» «5». و في البيع:

«إجماعا محكيا عن الخلاف و التذكرة، و هي إن لم يكن محصّلا» «6» فراجع.

(3) و فيها: «و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب، فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمّرها و يحييها» «7»، فإنّها تدلّ على الكبرى، و هي أن الأرض المفتوحة عنوة ملك المسلمين، و أنّها موقوفة و ممنوعة عن التصرفات الاعتبارية كالبيع و الهبة و الصلح.

(4) كرواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تشتر من أرض السواد شيئا، فإنّما هو في ء للمسلمين» «8». و ظهورها في منع بيع جزئيّ ممّا هو مفتوح عنوة- أعني أرض العراق- ممّا لا ينكر.

______________________________

(1) الخلاف، ج 2، ص 67- 70، كتاب الزكاة، المسألة 80

(2) منتهى المطلب، ج 2، ص 934، و في التذكرة: «ذهب إليه علماؤنا أجمع» ج 9، ص 184

(3) كفاية الأحكام، ص 75

(4) رياض المسائل، ج 8، ص 114 (ج 1، ص 495 الحجرية)، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 239، مستند الشيعة، ج 14، ص 216

(5) جواهر الكلام، ج 21، ص 157

(6) المصدر، ج 22، ص 347

(7) وسائل الشيعة، ج 11، ص 85، الباب 41 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه، ح 2

(8) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 5 و كذا الحديث 4 و 9

ص: 406

[أقسام الأرضين]
اشارة

و حيث جرى الكلام في ذكر بعض أقسام الأرضين (1)، فلا بأس بالإشارة إجمالا إلى جميع أقسام الأرضين و أحكامها، فنقول و من اللّه الاستعانة:

الأرض إمّا موات، و إمّا عامرة، و كلّ منهما إمّا أن يكون كذلك أصليّة، أو عرض لها ذلك، فالأقسام أربعة لا خامس لها (2).

[الأول الموات بالأصالة]

الأوّل (3) ما يكون مواتا بالأصالة، بأن لم تكن مسبوقة بعمارة.

و لا إشكال و لا خلاف منّا في كونها للإمام عليه السّلام. و الإجماع عليه محكيّ (4)

______________________________

(1) أي: الموت و العمران، فلكلّ منهما قسمان: الموات بالأصالة و العرض، و كذا العامرة.

(2) لكون الحصر عقليا، حيث إنّه دائر بين النفي و الإثبات، لأنّ الأرض لا تخرج عقلا عن هذه الحالات الأربع، و هي كونها مواتا بالأصل أو بالعرض، أو عامرة كذلك، فلا يتصوّر قسم خامس.

(3) أقسام الأراضي و أحكامها القسم الأوّل: الموات بالأصالة يعني: أوّل هذه الأقسام الأربعة هو الموات بالأصالة، بمعنى عدم كونها مسبوقة بعمارة معمّر في زمان من الأزمنة. و لا إشكال و لا خلاف في كون هذا القسم من الأراضي للإمام عليه السّلام. و دعوى الإجماع على ذلك متكرّرة في كلامهم كما نقله المصنف.

(4) الحاكي للإجماع صريحا و ظاهرا هو السيد العاملي قدّس سرّه، قال في حكم الأرض الموات- و أنّها للإمام عليه السّلام لا تملك بمجرد الإحياء- ما لفظه: «أمّا أنّ الميت للإمام فقد طفحت به عباراتهم في الباب و غيره، و حكى عليه الإجماع في الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك، و ظاهر المبسوط و التذكرة و التنقيح و الكفاية» «1». و كذا نقله صاحب الجواهر عن جملة منها و عن محكيّ بعضها، فراجع «2».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 4، و لاحظ الخلاف، ج 3، ص 525، كتاب إحياء الموات، المسألة 3، الغنية، ص 293، جامع المقاصد، ج 7، ص 9، مسالك الافهام، ج 12، ص 391

(2) جواهر الكلام، ج 38، ص 11

ص: 407

عن الخلاف و الغنية و جامع المقاصد و المسالك، و ظاهر (1) جماعة أخرى، و النصوص بذلك مستفيضة (2) [1]،

______________________________

(1) معطوف على «الخلاف» و يمكن عطفه على «محكي» و على كلّ فالتعبير بالظاهر لقولهم: «عندنا» كما في المبسوط و التذكرة، ففي المبسوط: «الأرضون الموات عندنا للإمام خاصة لا يملكها أحد بالإحياء إلّا أن يأذن له» «1» و نحوه في التذكرة «2». و في الكفاية: «لا أعرف فيه خلافا» «3» و في الرياض «بلا خلاف» «4».

(2) كما في مفتاح الكرامة و الجواهر «5» و غيرهما، و منها: رواية حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الأنفال ما لم يوجف بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا بأيديهم. و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و هو

______________________________

[1] ظاهره استفاضة النصوص بذلك أي: بكون الموات بالأصالة للإمام عليه السّلام. لكنها ممنوعة فضلا عن تواترها، فإنّ لسان النصوص مختلف، و لم ترد على عنوان واحد، إذ بعضها وارد في «أنّ الأرض الخربة للإمام عليه السّلام».

و بعضها تضمّن «أنّ الخربة التي باد أهلها للإمام عليه السّلام» و من المعلوم أنّهما لا يشملان الموات بالأصل الذي هو مورد البحث، بل موردهما هو الموات بالعرض.

و بعضها تضمّن «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام».

و بعضها تضمّن «أنّ الأرض الميتة الّتي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام».

نعم دعوى استفاضتها أو تواترها بالنسبة إلى الأنفال غير بعيدة.

و بالجملة: لم يظهر استفاضة النصوص فضلا عن تواترها بالنسبة إلى كون الموات بالأصالة- بما هي موات- للإمام عليه السّلام.

و أمّا النبويّان المذكوران في المتن فهما مرويّان من غير طريقنا. لكن الحكم- و هو

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 270، و في ص 278 أيضا بالنسبة إلى الأرض المفتوحة عنوة.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 400 (الطبعة الحجرية).

(3) كفاية الأحكام، ص 238، السطر الأخير.

(4) رياض المسائل، ج 14، ص 107 ج 2، ص 318 (الحجرية).

(5) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 4، جواهر الكلام، ج 21، ص 169

ص: 408

بل قيل (1) إنّها متواترة.

و هي (2) من الأنفال.

نعم (3) أبيح [1] التصرّف فيها بالإحياء بلا عوض. و عليه (4) يحمل ما في

______________________________

للإمام من بعده يضعه حيث يشاء» «1».

(1) القائل- ظاهرا- هو صاحب الجواهر، و فيه بعد دعوى الإجماع المحصّل:

«مضافا إلى النصوص التي يمكن دعوى تواترها» «2».

(2) أي: الأرض الموات بالأصالة تكون من الأنفال التي هي للإمام عليه السّلام.

(3) يعني: أنّ الأرض الموات بالأصل و إن كانت ملكا للإمام عليه السّلام، و مقتضى حكم العقل و النقل عدم جواز التصرف فيها. لكن أبيح التصرف فيها شرعا بالإحياء مجّانا، كما هو ظاهر ما في النبويين المذكورين في المتن، فإنّ ظاهر «ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» هو الإذن بالتصرف للمسلمين، أو تملكهم لها بلا عوض، فلا تجري هنا قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(4) أي: و على كون إباحة التصرف فيها بالإحياء بلا عوض يحمل ما في النبويين.

و غرضه قدّس سرّه دفع توهم. و حاصل التوهم: التنافي بين ما دلّ على كون الأرض الميتة ملكا

________________________________________

كون الموات بالأصل للإمام عليه السّلام- متفق عليه.

[1] بل يستفاد من جملة من الروايات مملكية التصرف الإحيائي لرقبة الأرض مجّانا للمخالف و الكافر، ففي مضمرة محمّد بن مسلم: «و أيما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها، و هي لهم» «3».

و في رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «4».

و في رواية أخرى عنه عن أبي جعفر عليه السّلام: قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها، و هي لهم» «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 1

(2) جواهر الكلام، ج 38، ص 11

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث: 1

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث: 3

(5) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، الحديث: 4

ص: 409

النبوي [النبويين] (1) «موتان الأرض للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» «1».

و نحوه الآخر: «عادي (2) الأرض للّه و لرسوله، ثمّ هي لكم منّي» «2».

و ربما (3) يكون في بعض الأخبار وجوب أداء خراجها إلى الإمام عليه السّلام كما في

______________________________

للمعصوم عليه السّلام، و أنّهم عليهم السّلام أباحوا التصرف فيها بالإحياء بلا عوض من اجرة و نحوها، و بين النبويين الظاهرين في أنه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل هذه الأرض ملكا للمسلمين من بعده، أو مباحة لهم، بلا دخل للإعمار في ذلك أصلا.

و حاصل الدفع: أنّ اللام في النبوي «هي لكم منّي» و إن كان ظاهرا في كون الأرض ملكا للمسلمين مطلقا سواء أحيوها أم لا، و سواء بذلوا العوض أم لا. إلّا أن المراد الترخيص في التصرف بلا عوض، فتكون كالملك في جواز الانتفاع، لا حصول الملك مطلقا و لو بدون الإحياء، فإنّه مخالف للنص و الإجماع. و لا منافاة حينئذ بين النبوي و بين ما دلّ على «أنّ الأرض الميتة ملك المعصوم عليه السّلام، و إنّما أباح إحياءها».

نعم هناك منافاة بين إطلاق جواز الإحياء و بين اعتبار بذل الخراج، و سيأتي وجه الجمع.

(1) كذا في نسختنا، و الأولى الأفراد كما في سائر النسخ، ليتمّ العطف عليه بقوله:

«و نحوه الآخر».

(2) قال العلّامة الطريحي: «و العادي: القديم، و البئر العادية: القديمة، كأنّها نسبة إلى عاد قوم هود، و كل قديم ينسبونه إلى عاد و إن لم يدركهم» «3». و معنى الحديث: كل أرض لم تعمّر فهي للّه تعالى و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(3) غرضه أنّ ما ذكر- من الإباحة بلا عوض- معارض ببعض النصوص الظاهرة في وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه السّلام كما في صحيحة الكابلي، فإنّ ظاهر قوله عليه السّلام:

______________________________

(1) هذا النبوي مروي بطرق العامة، كما قاله العلامة قدّس سرّه: في التذكرة، ج 2، ص 400، سنن البيهقي، ج 6، ص 143، كنز العمال، ج 2، ص 185

(2) مجمع البحرين، ج 1، ص 287

(3) عوالي اللئالي، ج 3، ص 481، ح 5، و رواه عنه في المستدرك، ج 17، ص 112، الباب الأوّل من أبواب إحياء الموات، ح 5

ص: 410

صحيحة الكابلي، قال: «وجدنا في كتاب علي عليه السّلام إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، أنا (1) و أهل بيتي الذين أورثنا اللّه الأرض و نحن المتّقون، و الأرض كلّها لنا، فمن أحيى أرضا (2) من المسلمين فليعمّرها و ليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها» «1» الخبر (3).

و مصحّحة (4) عمر بن يزيد

______________________________

«و ليؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي» هو وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه السّلام، و كون إباحة التصرف مع العوض.

و لا بدّ من علاج هذا التعارض، و قد عالجه المصنف قدّس سرّه بأحد وجهين آتيين.

(1) كذا في الوسائل، و في نسختنا زيادة «قال: أنا ..».

(2) كذا في الوسائل، و في نسختنا «من الأرض».

(3) بقية الحديث: «فإن تركها و أخربها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمّرها و أحياها فهو أحقّ بها من الذي تركها فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، و له ما أكل منها حتى يظهر القائم عليه السّلام من أهل بيتي بالسيف فيحويها و يمنعها، و يخرجهم منها كما حواها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و منعها، إلّا ما كان في أيدي شيعتنا، فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم، و يترك الأرض في أيديهم».

(4) معطوف على «صحيحة». و هذه رواية ثانية دلّت على أنّ الترخيص في الإحياء مشروط بأداء العوض إلى الامام عليه السّلام. و قد عبّر عنها بالصحيحة كما في جملة من الكتب «2» و لعلّه لأجل انصراف عمر بن يزيد إلى عمر بن محمد بن يزيد بيّاع السابري، الثقة، لكثرة رواياته و شهرته، فلا يراد منه هنا عمر بن يزيد الصيقل الذي لم يرد فيه توثيق.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 243، مستند الشيعة، ج 10، ص 148، جواهر الكلام، ج 16، ص 137 و ج 38، ص 25، و كذا عبّر صاحب الحدائق عن الرواية الآتية بصحيحة عمر بن يزيد في حديث مسمع بن عبد الملك»، فلاحظ الحدائق الناضرة، ج 12، ص 435

ص: 411

«أنّه (1) سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمّرها، و أجرى (2) أنهارها، و بنى فيها بيوتا، و غرس فيها نخلا و شجرا. فقال (3) أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيى أرضا من المؤمنين فهي (4)

______________________________

و لكن المصنف عبّر عنها بالمصحّحة لأجل أنّ الراوي عن عمر هو الحسن بن محبوب المعدود من الّذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم. و لمّا كان سند الرواية صحيحا إلى ابن محبوب فلذا عبّر عنها بالمصححة، حيث إنّ رواية ابن محبوب عنه كافية في حجية روايته هنا كما قيل.

و كيف كان فالغرض من الاستشهاد بهذه الرواية دلالة قوله عليه السّلام: «و عليه طسقها يؤتى به إلى الامام عليه السّلام» على إناطة جواز التصرف و الإحياء ببذل العوض- و هو خراجها- إلى الإمام عليه السّلام.

فإن قلت: السؤال في هذه المصحّحة عن حكم إحياء الأرض الموات بالعرض، لا بالأصل، لقول السائل: «تركها أهلها فعمّرها» فهي كانت محياة، ثم عرض عليها الموت. و جوابه عليه السّلام: «هي له و عليه طسقها» ناظر إلى حكم هذه الأرض. و من المعلوم أنّه أجنبي عمّا نحن فيه، و هو الأرض الموات بالأصل. و عليه فلا وجه للاستشهاد بهذه المصححة على وجوب بذل العوض في قبال إحياء الأرض الموات بالأصل.

قلت: نعم، و إن كان السؤال عن ذلك، إلّا أن جوابه عليه السّلام: «من أحيى أرضا» مطلق شامل للموات بالأصل أيضا. و المناط في استظهار الحكم الشرعي هو الجواب، لا ما ورد في خصوص السؤال.

(1) صدر الرواية كما في الوسائل هكذا: «قال- أي عمر بن يزيد- سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: عن رجل .. إلخ».

(2) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الوسائل: «و كرى أنهارها».

(3) في الوسائل: «قال: فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام».

(4) جواب الموصول في «من أحيى» المتضمن للشرط.

ص: 412

له، و عليه طسقها (1) يؤدّيه إلى الإمام عليه السّلام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» الخبر «1».

و يمكن (2) حملها [1] على بيان الاستحقاق و وجوب إيصال الطّسق إذا طلبه (3) الإمام عليه السّلام، لكنّ (4) الأئمة عليهم السّلام بعد أمير المؤمنين عليه السّلام حلّلوا شيعتهم، و أسقطوا ذلك عنهم، كما يدلّ عليه (5) قوله عليه السّلام: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» «2»،

______________________________

(1) الطّسق- بالفتح كفلس- ما يوضع من الوظيفة على الجربان من الخراج المقرّر على الأرض، و هي فارسي معرّب «3».

(2) هذا أوّل وجهي علاج التعارض بين الطائفتين الدالة إحداهما على كون التصرف في الموات بالأصل بلا عوض، و الأخرى على كون التصرف فيها مع العوض.

و حاصل هذا الوجه: أنّ ما دلّ على وجوب أداء العوض مشروط بطلب الامام عليه السّلام، و بدون الطلب لا يجب أداؤه.

(3) أي: طلب الإمام عليه السّلام ذلك الطّسق.

(4) يعني: أنّ وجوب إيصال الطّسق إلى الامام عليه السّلام قد أسقطه الأئمة الطاهرون بعد مولانا أمير المؤمنين «على جميعهم أفضل صلوات المصلين» و هذا الإسقاط حكم ولائي. و يمكن أن يكون ذلك في زمان بعض الأئمة عليهم السّلام دون بعض.

(5) أي: يدل على أنّهم عليهم السّلام حلّلوا شيعتهم من ذلك الطّسق و أسقطوه عنهم

______________________________

[1] لكن يأبى هذا الحمل قوله عليه السّلام في رواية الكابلي: «و ليؤدّ خراجها إلى الامام» و قوله عليه السّلام في مصححة عمر بن يزيد «و عليه طسقها يؤديه الى الامام» فإنّ ظاهرهما إطلاق وجوب أداء الخراج، و عدم إناطته بمطالبة الإمام. نعم هو صالح للتقييد، لكن لا دليل عليه، و مجرد الصلاحية له ثبوتا لا يكفي في مقام الإثبات.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 13، و لا وجه لكلمة «الخبر» إذ المنقول تمام الحديث.

(2) المصدر، ص 384، ح 17

(3) مجمع البحرين، ج 5، ص 206، لسان العرب، ج 10، ص 225

ص: 413

و قوله عليه السّلام: في رواية مسمع بن عبد الملك: «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض، فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا، فيجبيهم (1) طسق ما (2) كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم في الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا و يأخذ الأرض من أيديهم، و يخرجهم عنها صغرة» «1».

نعم (3) ذكر في التذكرة: «أنّه لو تصرّف في الموات أحد بغير إذن الإمام كان عليه طسقها» «2».

و يحتمل (4) حمل هذه الأخبار المذكورة

______________________________

قول مولانا أبي عبد اللّه عليه السّلام في خبرين، روى أحدهما معلّى بن خنيس عنه: «و ما كان لنا فهو لشيعتنا» و الآخر أبو سيّار مسمع بن عبد الملك.

(1) هو من جباية الخراج، يعني: يجمع الخراج و يأخذه منهم، و يترك الأرض في أيديهم. هذا بناء على ما في المتن من قوله: «فيجبيهم» و لكن في الوسائل: «فيجيبهم».

(2) كذا في نسختنا، و هو موافق لما رواه في الوسائل عن التهذيب. و لكنه نقل عن الكافي زيادة، و هي «فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم، و ترك الأرض في أيديهم، و أمّا ما كان ..».

(3) هذا استدراك على قوله: «لكن الأئمة عليهم السّلام .. حلّلوا شيعتهم».

و حاصل الاستدراك: أنّ العلّامة قدّس سرّه خالف مضمون هاتين الروايتين، و حكم بوجوب أداء الطّسق على من تصرّف في هذه الأرض بدون إذن الامام عليه السّلام، هذا.

(4) معطوف على قوله قبل أسطر: «و يمكن حملها». و هذا ثاني وجهي علاج التعارض بين ما دلّ على كون التصرف في الموات بالأصل مجّانا، و ما دلّ على كونه بالعوض.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12، و «الصغرة» جمع صاغر بمعنى الذليل.

و في بعض نسخ التهذيب بالفاء، فيكون بكسر الصاد على وزن «حبر» و معناه الخالي. لكن يبعده ما في المجمع من أنّ «الصفر» بمعنى الخالي لا يدخل عليه هاء التأنيث «بل يستعملونه على صيغته هذه في المذكر و المؤنث و التثنية و الجمع» فراجع مجمع البحرين، ج 3، ص 367

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 402

ص: 414

على حال الحضور [1]، و إلّا (1) فالظاهر عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام (2) [مال للإمام] في الأراضي في حال الغيبة، بل (3) الأخبار متّفقة على أنّها لمن أحياها (4). و ستأتي (5) حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها

______________________________

و حاصل هذا الوجه: حمل الأخبار الدالة- على كون التصرف في الأرض الموات مع العوض- على حال الحضور، و حمل الأخبار الدالة على كون التصرف فيها مجانا على حال الغيبة.

(1) أي: و لو لم تحمل الأخبار على حال الحضور، تعيّن رفع اليد عنها، لمخالفتها للإجماع على عدم وجوب شي ء للإمام عليه السّلام في عصر الغيبة في تلك الأراضي. و لعلّ الأولى أبدال «و إلّا فالظاهر» ب «إذ الظاهر ..».

(2) كذا في نسختنا، و الأولى ما في نسخة اخرى من قوله: «مال للإمام».

(3) يعني: بل الأخبار متفقة على خروج الأرض عن ملكه عليه السّلام و دخولها في ملك المحيي في عصر الغيبة، كقوله عليه السّلام في مصححة عمر بن يزيد المتقدمة في (ص 412):

«من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له».

و عليه فلا يبقى موضوع لوجوب الطّسق.

(4) هذا الضمير و ضمير «أنها» راجعان إلى الأراضي.

(5) أي: و ستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورة تلك الأراضي ملكا

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا الحمل أيضا، لمنافاته لما في ذيل رواية الكابلي من قوله عليه السّلام: «حتى يظهر القائم عجل اللّه تعالى فرجه الشريف» و لما في ذيل رواية مسمع:

«حتى يقوم قائمنا»، لأنّهما يدلّان على أنّ زمان الاحياء مع الأجرة ينتهي إلى عصر الحضور فالإحياء في زمان الغيبة لا يكون مجانا.

و لعلّ الجمع بين الأخبار المزبورة يقتضي القول بجواز الإحياء لغير الكفار مع العوض. فإن كان شيعيا تشمله أخبار التحليل، و إلّا فيجب عليه دفع الطسق في عصر الغيبة إلى نائبها، إن لم يكن إجماع على عدم وجوب دفعه في زمان الغيبة، و إلّا كان الإحياء في عصرها مجانا، بل ادعي الإجماع على مالكية المحيي مطلقا و إن كان كافرا، كما دلّت عليه جملة من النصوص أيضا، فلا يبقى حينئذ مجال للعمل بروايات الطّسق.

ص: 415

ملكا بالإحياء [1].

______________________________

بالإحياء. و الظاهر أنّ غرضه من الإجماع ما نقله في القسم الثالث- و هو ما عرض له الحياة بعد الموت- بقوله: «بإجماع الأمة ..» فلاحظ (ص 436).

______________________________

[1] ينبغي الكلام في أوّل أقسام الأراضي في مواضع:

الأوّل: في معنى الموات بالأصل، إذ فيه احتمالان، فبناء على تفسيره «بعدم كون الأرض مسبوقة بعمارة» يمكن إحرازه بالاستصحاب القهقرى. و بناء على تفسيره بالأرض الّتي خلقت مواتا، و كانت باقية على هذه الحالة، و لم تعمّر إلى الآن، فإحرازه بالاستصحاب مشكل، لعدم العلم مع احتمال خلقتها معمورة كما لا يخفى.

نعم بناء على جريان الأصل في الأعدام الأزلية يجري استصحاب عدم عمرانها حين خلقتها. لكن في اعتباره بحث مذكور في محلّه.

لكن الظاهر عدم المجال لهذه الأبحاث، لعدم موضوع لها، إذ الموضوع في النصوص عنوان «الموات» بلا قيد الأصالة، و الأرض التي لا ربّ لها.

و كذا لا مجال لهذه الأبحاث بناء على أن يراد من الموات بالأصالة الموت في صدر الإسلام حال استيلاء المسلمين على أراضي الكفار، و ذلك لإمكان إحراز مواتها بالأصل إن كانت حالتها المعلومة قبل الإسلام عدم العمران.

الموضع الثاني: في كون الموات بالأصل ملكا للإمام عليه السّلام، و هو ممّا لا إشكال فيه، فإنّه من الأنفال التي اتّفقت الكلمة على أنّها له عليه الصلاة و السلام، و إن لم تكن النصوص بعنوان «الموات بالأصل» متواترة و لا مستفيضة، و لكنها تدل عليها بعنوان آخر، و هو كاف في المسألة. و لا يناط حكم الموات بالأصل بتواتر النصوص أو استفاضتها بعنوانه.

الموضع الثالث: في أنّه هل يعتبر في صيرورة الموات ملكا أو مباحا للمحيي إذن الامام أم لا؟ لا ريب في أنّ القاعدة العقلية و النقلية تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بالإذن، سواء أ كان عليه السّلام مالكا للموات بالإمامة، أو ملكا شخصيّا له يرثه الوارث، أم وليّا على الموات، فإنّ اللازم الاستيذان منه في التصرف على كل تقدير، فإنّ الوليّ و إن لم يكن مالكا، لكن يلزم الاستيذان منه، كما في التصرف في أموال القصّر من الأطفال و المجانين و الغيّب.

ص: 416

..........

______________________________

و بدون الاستيذان يكون المتصرف آثما و غاصبا، فإنّ التصرف في مورد سلطان الغير حرام، لاقتضاء سلطنته ذلك، فيجب الاستيذان منه في حال الحضور و بسط اليد، و في حال الغيبة من نائبه العامّ، و هو الفقيه الجامع للشرائط بناء على ولايته العامّة. فالإحياء بدون إذنه عليه السّلام أو نائبه لا أثر له لا ملكا و لا إباحة.

و الحاصل: أنّ قاعدتي العقل و النقل تقتضيان اعتبار الإذن و لو من الفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة، هذا.

و هنا قولان آخران:

أحدهما: اعتبار الاستئذان في حال الحضور دون الغيبة.

ثانيهما: سقوط اعتبار الإذن مطلقا، بل امتناعه في زمان الغيبة.

و لعلّ وجه الأوّل إمكان الاستيذان حال الحضور، فيجب للقاعدة، بخلاف زمان الغيبة، فيجوز بلا إذن بعد البناء على عدم ولاية نائب الغيبة على الاذن.

و وجه الثاني: إمّا كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإحياء، و عدم الحاجة الى إذن المالك الشرعي كما في حقّ المارة. و نظيره في التملك بالاحياء التملك بالالتقاط، فإنّ الملتقط بعد التعريف يتملكه بإذنه تعالى شأنه، لا بإذن مالكه الشرعي.

و إمّا عدم الفرق بين الحضور و الغيبة، مع البناء على امتناع الاذن، لعدم ولاية الفقيه على الإذن، هذا.

ثم إنّ القائل باعتبار الإذن مطلقا يدّعي صدور الإذن منه عليه السّلام بحيث لا يصدر الإحياء بدون الإذن أصلا حتى في زمان الغيبة، أو عدم بسط اليد، رعاية لقاعدتي العقل و النقل القاضيتين بعدم جواز الإحياء بدونه، كسائر النواقل الشرعية المنوطة بالاذن.

و لإثبات الإذن طرق.

منها: نفس النص الدال على سببية الإحياء للملكية، كقولهم عليه السّلام: «من أحيى أرضا ميتة فهي له» بتقريب: أنّ الإذن في تشريع الإحياء- لصدوره عن المالك- يكون إذنا مالكيا أيضا، فيكون دالّا على تشريع الإحياء و الإذن فيه. نظير قوله: «من دخل داري أو مسجدي مثلا فله كذا» فإنّه كما يدلّ على سببية الدخول للجزاء، كذلك يدل على الإذن المالكي في

ص: 417

..........

______________________________

الدخول. و هذا هو الفارق بين دليل الإحياء و أدلة سائر الأسباب الناقلة.

و منها: أنّ دلالة الاقتضاء تقتضي اقتران الإحياء بالإذن، و إلّا يلزم لغوية تشريع الإحياء.

توضيحه: أنّ تشريع الإحياء المشروط بالإذن مع امتناع تحققه في زمان ممتدّ- و هو زمانا الغيبة الكبرى و عدم بسط اليد، مع مطلوبية إحياء الأرض في جميع الأزمنة، و تعميرها شرعا كذلك، و عدم إبقائها خربة كما دلّت عليه الآيات و النصوص- لغو. و لا تندفع اللغوية إلّا بالالتزام باقتران كلّ إحياء بالإذن المالكيّ، و هو المطلوب.

و منها: أخبار التحليل، خصوصا رواية مسمع بن عبد الملك، حيث قال عليه السّلام: «و كلّ ما كان من الأرض في أيدي شيعتنا فهم فيه محلّلون يحلّ [و محلل] لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» «1» الخبر. لأنّ ظهورها في حلية التصرف الكاشفة عن الاذن و الرضا به ممّا لا ينكر، فتكون الملكية أو الإباحة بالإحياء المأذون فيه. و أمّا مشروعيّة نفس الإحياء المملّك، فتستفاد من أدلة أخرى.

و منها: النبويّان المذكوران في المتن، لكونهما كالصريح في التمليك عن الرضا المالكي، غاية الأمر أنّه لا بدّ من تقييد الملكية بأدلة الإحياء، إذ التمليك بدون الإحياء لا يندرج تحت أحد الأسباب المملكة الشرعية. لكن هذين النبويّين ضعيفان، لعدم كونهما مرويّين من طرقنا.

و منها: ما عن كاشف الغطاء قدّس سرّه من دلالة شاهد الحال على رضاهم بالإحياء و طيب نفسهم بعمارة الأرض، و عدم رضاهم ببقائها على الخراب.

توضيحه: أنّ دليل تشريع الإحياء يكشف عن وجود مصلحة في عمارة الأرض، و حيث إنّها ملك الامام عليه السّلام، و القاعدة تقتضي اعتبار إذنه، فلو لم يكن في الواقع إذن منه عليه السّلام كان هذا التشريع لتلك المصلحة لغوا، لعدم ترتب تلك المصلحة على تشريع الإحياء، مع عدم إمكان الاستيذان منه عليه السّلام في زماني الغيبة و عدم بسط اليد، فتبقى الأرض مخروبة غير محياة. و هذا خلاف ما أرادوه من إحياء الأرض و تعميرها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12

ص: 418

..........

______________________________

و دعوى إمكان الاستيذان من نائبه العام غير مسموعة، لأنّ المسلّم من نيابة الفقيه هو كونه نائبا عنه عليه السّلام فيما يرجع إلى أمور المسلمين التي تكون وظيفة الإمام عليه السّلام بما هو رئيس أن يتصدّى لها. و أمّا ما يتعلق باموره الشخصية كأمواله مثل الموات من الأرض و سهم الامام عليه السّلام فليس من الأمور النظامية الراجعة إلى المجتمع حتى يجري فيها النيابة.

و بالجملة: فمجموع ما ذكر من القرائن كاف في الدلالة على الإذن، و إثبات أنّ إحياء الموات في الأراضي الميتة مأذون فيه.

و مع هذه الوجوه الظاهرة في اقتران الإحياء بالإذن المالكي لا يبقى مجال لدعوى سقوط اعتبار الإذن في الإحياء- مع كون السقوط على خلاف القاعدة- استنادا في ذلك تارة إلى امتناع اعتباره في زمان الغيبة، مع عدم نيابة الفقيه في مثل هذه الأمور.

وجه عدم المجال: أنّه مع ظهور الوجوه المزبورة في صدور الاذن منهم عليهم السّلام لا وجه لدعوى الامتناع و سقوط اعتبار الإذن.

و أخرى: إلى كفاية إذن مالك الملوك في جواز الإباحة أو التملّك، نظير حقّ المارة و التملك بالالتقاط بعد التعريف في عدم اعتبار إذن المالك الشرعي، و كفاية إذن المالك الحقيقي، استنادا إلى ما رواه السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة، فهي له، قضاء من اللّه و رسوله» «1».

و ذلك لأنّه قياس لا يصلح الاستناد إليه في سقوط اعتبار الإذن في المقام، و مخالفة قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

و أمّا الرواية فبعد الغض عن ضعف سندها يصلح إطلاقها للتقييد، لأنّ ظهور قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في كفاية القضاء و عدم الحاجة إلى إذن الامام عليه السّلام إنّما يكون بالإطلاق الذي يقيّد بما دلّ على اعتبار إذن الامام عليه السّلام. نظير قوله: «من اشترى شيئا ملكه» في صحة تقييده بما إذا كان ذلك الشي ء معلوما أو بما إذا لم يكن خمرا و خنزيرا، و هكذا.

فالمتحصل: من جميع ما ذكرناه في الموضع الثالث: افتقار الإحياء إلى إذن الامام عليه السّلام

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1

ص: 419

..........

______________________________

في كلا زماني الحضور و الغيبة، و تحقق الإذن منه عليه السّلام في كلا الزمانين كما تقدم.

ثم إنّه وقع الكلام في أنّ الإذن في الإحياء هل يختصّ بالشيعة، أم يعمّ سائر المسلمين، أم يعمّ غير المسلمين؟ و ينبغي قبل التعرّض للروايات التي هي دليل اجتهادي على حكم المسألة بيان الأصل العملي على فرض عدم تمامية الدليل الاجتهادي، فنقول و به نستعين:

إنّ مرجع الشك في المقام إلى إطلاق الإذن لكلّ محي، سواء أ كان شيعيّا أم مخالفا أم كافرا، و عدمه. فإن لم يكن لدليل الإذن إطلاق يشمل الجميع فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن، و هو خصوص الشيعة الاثني عشرية كثّرهم اللّه تعالى في البريّة. و أمّا غير هم فيشك في شمول دليل الإذن لهم، و المرجع حينئذ استصحاب عدم الإذن، حيث إنّه من الحوادث المسبوقة بالعدم، و به يتم الموضوع المركّب من الاستيلاء الإحيائي المحرز بالوجدان، و عدم الاذن المحرز بالتعبد و هو الاستصحاب، كسائر الموضوعات المركبة التي يحرز بعض أجزائها بالوجدان، و بعضها بالأصل.

فالنتيجة: عدم جواز إحياء غير الشيعي، و كونه غاصبا و مرتكبا للحرام.

إذا تقرّر هذا، فاعلم: أنّ روايات الباب على طائفتين:

إحداهما: ما تدل على اختصاص الإذن بالشيعة.

و ثانيتهما: ما تدلّ على عموم الاذن لغير الشيعة من الكافرين فضلا عن المخالفين.

أمّا الطائفة الأولى، فهي بين ما يختلّ فيه كلتا أصالتي الصدور و الظهور، أمّا الأوّل فلعدم المقتضى، و ذلك لضعف السند. و أمّا الثاني فلوجود المانع، و هو الإعراض المانع عن حجيته كما سيجي ء.

أما اختلال أصالة الصدور فكما في رواية عمر بن يزيد، فإنّ عمر بن يزيد مشترك بين الثقة و هو عمر بن يزيد بياع السابري، و بين من لم يرد فيه توثيق و هو عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، فإنّ في تلك الرواية «كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون، و محلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، و ترك الأرض في

ص: 420

..........

______________________________

أيديهم. و أمّا ما كان في أيدي غيرهم فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم» «1».

و أمّا اختلال أصالة الظهور- بمعنى الإعراض عنه و عدم العمل به مع وجوده- فوجهه: أنّ الرواية تشتمل على الطّسق الذي هو خلاف الفتوى المعروفة بينهم، بل ادعي عدم الخلاف في عدم وجوب مال الإمام في الأراضي في حال الغيبة.

و الحاصل: أنّ هذه الرواية و إن كان لها ظهور عرفي في اختصاص الإذن بالشيعة، إلّا أنّ هذا الظهور ليس حجة، لما مرّ من اشتمالها على الطسق الذي يكون مخالفا للفتوى بعدمه.

و كرواية يونس بن ظبيان أو المعلّى بن خنيس المتضمنة لأنّ «ما سقت أو استقت منها- أى من ثمانية أنهار فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شي ء «2».

و كالمنقولة عن تفسير فرات بن إبراهيم «3». أمّا يونس بن ظبيان فضعيف، و أبان بن مصعب البجلي لم يوثق.

و بين ضعيف السند الموجب لعدم جريان أصالة الصدور و عدم الدلالة، الموجب لعدم جريان أصالة الظهور فيه، كرواية الحرث بن المغيرة، قال: «دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل، فجثى على ركبتيه، ثم قال:

جعلت فداك، إنّي أريد أن أسألك عن مسألة، و اللّه ما أريد بها إلّا فكاك رقبتي من النار. فكأنّه رقّ له، فاستوى جالسا، فقال له: يا نجيّة سلني، فلا تسألني اليوم عن شي ء إلّا أخبرتك. قال:

جعلت فداك! ما تقول في فلان و فلان؟ قال: يا نجيّة! إنّ لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو الأموال. و هما و اللّه أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب اللّه، و أوّل من حمل الناس على رقابنا، و دماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، و إنّ الناس ليتقلبون في حرام إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت .. إلى أن قال: اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا. قال: ثم اقبل علينا بوجهه، فقال: يا نجيّة ما على فطرة إبراهيم غيرناه غير شيعتنا» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12

(2) المصدر، ص 384، ح 17

(3) المستدرك، ج 7، ص 302، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 1

(4) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 145، الباب 39 (الزيادات) ح 27 و رواه في الوسائل بإسقاط بعض الجمل في ج 6، ص 383، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 14

ص: 421

..........

______________________________

أمّا ضعف سنده فبجعفر بن محمد بن حكيم، لما روي في رجال الكشي من «أنه ليس بشي ء» «1». فتأمّل.

و أمّا عدم ظهور الدلالة، فلأنّ قوله عليه السّلام: «إنّ الناس ليتقلبون في حرام» لم يظهر أنّه لأجل غصب الخمس فقط، أو لأجله مع صفو المال، أو لأجلهما مع الأنفال. لكنّه على جميع التقادير ظاهر في حصر الحلّ للشيعة، لظهور قوله عليه السّلام: «اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» خصوصا مع قوله عليه السّلام: «ما على فطرة إبراهيم غيرنا .. إلخ» بعد قوله عليه السّلام: «إنّ الناس ليتقلّبون في حرام» في اختصاص التحليل بالشيعة، و هو لا يقبل الإنكار. و مقتضى الحصر حرمة التصرف على غير الشيعة. إلّا أن يكون هناك نص أو أظهر- في دلالة الحلّ لغيرهم- من هذا الحصر الظاهر في الاختصاص بهم، فيقدم عليه.

هذا بناء على اعتبار هذه الرواية سندا، لكن قد عرفت ضعفه، فلا تصل النوبة إلى اعتبارها، و تقديم غيرها عليها بالنصوصية أو الأظهرية.

و كرواية الثمالي عن أبي جعفر عليه السّلام، و فيها: «انّ اللّه جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء، فقال تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ .. الى أن قال: فنحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا» «2».

و ضعف سنده إنّما هو بالحسن بن عبد الرحمن، حيث إنّه لم يرد فيه توثيق. و أمّا ضعف دلالته فلأنّ مورده الخمس بقرينة الاستشهاد بآية الخمس، و لا ربط له بما نحن فيه من الأرض الموات بالأصل. فهذه الرواية ضعيفة أيضا سندا و دلالة.

و كصحيحة الفضيل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، و فيها: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام لفاطمة عليها السّلام: أحلّي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا» «3».

لكن الموضوع في هذا التحليل ظاهرا هو الفدك، و لم يكن ذلك مواتا، بل كان

______________________________

(1) راجع ترجمته في معجم رجال الحديث، ج 4، ص 109

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 385، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 19

(3) المصدر، ص 381، ح 10

ص: 422

..........

______________________________

معمورا، فهذه الصحيحة أجنبية عن موضوع بحثنا.

و تحديد الفدك بما يشمل جملة من الموات كما في رواية علي بن أسباط «1» غير مجد، لضعف سندها بالسياري، أو لإرسالها، فلا وجه للاستدلال بها على اختصاص الإذن في إحياء الموات بالأصل بالشيعة.

و كرواية عمر بن يزيد، قال: «سمعت رجلا من أهل الجبل يسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمّرها و كرى أنهارها، و بنى فيها بيوتا، و غرس فيها نخلا و شجرا. قال: فقال: أبو عبد اللّه عليه السّلام: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول: من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤدّيه الى الامام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على أن تؤخذ منه» «2».

فإنّ قوله: «من المؤمنين» يدلّ على اعتبار الإيمان أي الاعتقاد بإمامة الأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين، فإحياء غير المؤمنين لا أثر له، هذا.

لكن دلالته على الحصر كما هو المدّعى في حيّز المنع، فتأمل.

مضافا إلى ما فيه من ضعف سنده، لاشتراك عمر بين الثقة و المجهول كما تقدّم في (ص 420).

و من: احتمال كون المراد من قوله: «أحيى أرضا» خصوص الأرض التي ورد السؤال عنها، و هي الأرض التي خربت بعد العمارة، لا الأرض الموات بالأصالة التي هو مورد البحث.

و من: اشتمالها على أداء الطّسق، و هو خلاف الفتوى.

و من: أنّ جملة «إذا ظهر القائم .. إلخ» مخالف لما دلّت عليه الروايات من أن الأرض متروكة في أيدي الشيعة حال الظهور.

فصار المتحصل: أنّ هذه الطائفة من الروايات لا تدلّ على اختصاص الإذن في إحياء الأرض الموات بالشيعة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 366، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 5

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 13

ص: 423

..........

______________________________

و كذا لا تدلّ رواية الكابلي على اختصاص الإذن بالمسلمين، و هي ما رواه الكابلي عن أبي جعفر عليه السّلام «1» المتقدمة في المتن (ص 411) فإنّ الكابلي الذي اسمه «وردان» و كنيته «أبو خالد» لا يظهر من ترجمته وثاقته، فراجع.

و مع الغض عنه لا يدلّ على الاختصاص بالمسلمين، لعدم المفهوم له حتى لا يجوز لغير المسلم إحياء الموات. و لو احتمل كون موردها الأرض الخراجية لخرجت عن موضوع البحث، و هو إحياء الموات بالأصالة، هذا.

و أمّا النبويان المذكوران في المتن- المرويّان من غير طريقنا- الدالّان على «أنّها منّي للمسلمين» فلا عبرة بهما، لمنافاتهما لما دلّت عليه الروايات الكثيرة المعتمدة من: أنّ الأنفال بعد الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للأئمة المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و الحاصل: أنّ هذه الطائفة من الروايات لا تدلّ على اختصاص الإذن بالشيعة، هذا.

و أمّا الطائفة الثانية الدالة على الاذن لمطلق الناس و لو كان كافرا، فهي روايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن الشراء من أرض اليهود و النصارى؟

قال: ليس به بأس، و قد ظهر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على أهل خيبر، فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملون بها و يعمّرونها، فلا أرى بها بأسا لو أنّك اشتريت منها شيئا.

و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عملوها فهم أحقّ بها، و هي لهم» «2». فإنّ جواز الشراء من اليهود و النصارى يدلّ على ملكهم للأرض و لو بالإحياء و التعمير، و هذا يكشف عن الإذن في الإحياء لمطلق الناس و إن كان كافرا.

و مع الغض عن ذلك، و دعوى إهمال الصدر من جهة سبب تملكهم للأرض، ففي الكبرى المذكورة ذيلا المتضمنة لكون إحياء كل قوم و إن كانوا كفّارا موجبا للأحقية غنى و كفاية. فإحياء الكافر كإحياء المسلم مقرون بإذن مالك الأرض، لحرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه شرعا و قبحه عقلا. فلا يختصّ الإذن بالمسلم أو خصوص الشيعي.

فليس إحياء الموات كحيازة المباحات، فإنّ قولهم عليهم السّلام: «من حاز ملك» ظاهر في

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب الجهاد العدو، ح 2

ص: 424

..........

______________________________

السببية التامة لملكية المباحات، من دون إناطة سببيتها بشي ء، بخلاف إحياء الموات، فإنّه مشروط بالإذن، لكون الموات ملكا للإمام عليه السّلام. بخلاف المباحات، فإنّها ليست ملكا له عليه السّلام، فلا تحتاج سببية الحيازة إلى الإذن.

و منها: رواية الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام: «قالا: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

من أحيى أرضا مواتا فهي له» «1».

و منها: ما بمضمون هذا الخبر، فإنّ تشريع الإحياء من مالك الأرض إذن مالكيّ في الإحياء كما تقدّم تقريبه، و تنظيره بإذن المالك بالدخول في داره.

و بالجملة: لا قصور في دلالة هذه الطائفة على الإذن في الإحياء لمطلق الناس و إن كان كافرا، و اللّه العالم.

الموضع الرابع: ما تعرض له المصنف بقوله: «و ستأتي حكاية إجماع المسلمين على صيرورتها ملكا بالإحياء» و هذا الحكم و إن كان اتفاقيا كما في المتن، إلّا أنّ الروايات مختلفة، فإنّ جملة منها ظاهرة في ملكية الأرض المحياة للمحيي، كقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في رواية الفضلاء المتقدمة آنفا، و غيرها «2».

و كرواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من غرس شجرا أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة فهي له، قضاء من اللّه و رسوله» «3».

و كصحيحة محمّد بن مسلم «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض و عمروها فهم أحقّ بها، و هي لهم» «4».

و كصحيحته الأخرى «5» المتقدمة في صدر الطائفة الثانية المشتملة على الاشتراء

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 5

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 327، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 6

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 2 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 4

(5) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 2

ص: 425

..........

______________________________

من أرض اليهود و النصارى. فإنّ ظاهرها اشتراء نفس الأرض، فلا بدّ أن تكون الأرض ملكا لهم.

و ظهور هذه الروايات في ملكية الأرض المحياة لمحييها مما لا يقبل الإنكار.

و جملة أخرى منها ظاهرة في إباحة المحياة للمحيي، كروايتي الكابلي و عمر بن يزيد المتقدمتين- في روايات الطائفة الأولى- الدالتين بظهور قوي على عدم الملكية، و أنّ الإحياء لا يفيد إلّا إباحة التصرف. لكنهما لضعف السند و عدم العمل لا يصلحان للمعارضة.

و كذا خبر مسمع بن عبد الملك المذكور في المتن (ص 414) المشتمل على قوله عليه السّلام: «كلّما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم» الخبر. و ذلك لإعراض المشهور عن هذه الرواية و نظائرها، فلا يشملها دليل الحجية حتى يقع التعارض بينهما، أو يمكن الجمع بينهما.

و على هذا فلا وجه للجمع- بين ما دلّ على كون التصرف بلا عوض، و ما دلّ على كونه مع العوض- بما في المتن تارة من حمل الثاني على الاستحقاق الطبيعي الاقتضائي غير المنافي للسقوط الفعلي بإسقاط مستحقه، إذ منع الاستحقاق الفعلي لا يجدي في الحكم بنفي الملك، بل يجدي في نفي فعلية وجوب دفع الخراج.

مضافا إلى: أنّه ليس جمعا عرفيا، و لا ممّا له شاهد.

و اخرى: من حمله على حال الحضور. أما في حال الغيبة فيكون التصرف بلا عوض، ففي عصر الحضور يجب دفع الطسق دون زمان الغيبة.

إذ فيه: أنّ هذا الحمل ينافي ما في روايتي الكابلي و عمر بن يزيد من وجوب أداء الخراج إلى الامام عليه السّلام كما في رواية الكابلي، و من «أن عليه طسقها يؤتى به الى الامام عليه السّلام في حال الهدنة» كما في رواية عمر بن يزيد. و ليس وجوب دفع الطسق مشروطا بمطالبة الإمام عليه السّلام كما قيل، بل هو تكليف فعلي غير مشروط بشي ء.

و الحاصل: أنّ نصوص الإباحة و إن كان ظهورها في الإباحة قويّا جدّا، إلّا أنّ

ص: 426

[الثاني ما كانت عامرة بالأصالة]

الثاني (1) ما كانت عامرة بالأصالة أي لا من معمّر.

و الظاهر أنّها (2) أيضا للإمام عليه السّلام و كونها (3) من الأنفال، و هو (4) ظاهر

______________________________

(1) 2- ما كانت عامرة بالأصالة أي: القسم الثاني من الأقسام الأربعة- التي أشار إليها في (ص 407) بقوله:

«فالأقسام أربعة لا خامس لها»- هو الأرض العامرة بالأصل أي: لا من معمّر، كشواطئ الأنهار و بعض الجبال الملتفّ بالأشجار. و قد تعرض في هذا القسم لجهتين:

إحداهما: كون هذه الأراضي العامرة ملكا للإمام عليه السّلام.

و ثانيتهما: أنّ حيازتها مملّكة للحائز أم لا؟

(2) أي: أنّ الأرض العامرة بالأصل تكون للإمام عليه السّلام كالقسم الأوّل، و هو الموات بالأصل، و أنّها من الأنفال، لانطباق عنوان «الأرض التي لا ربّ لها» عليها.

(3) معطوف على «أنّها» يعني: و الظاهر كونها- أي الأرض العامرة بالأصالة- من الأنفال.

(4) أي: و كون الأرض العامرة بالأصالة للإمام عليه السّلام و من الأنفال هو ظاهر إطلاق قولهم: «و كلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهو للإمام عليه السّلام».

و وجه الإطلاق أنّ الفقهاء لم يقيّدوا مالكية الإمام- للأرض التي لم يجر عليها يد مسلم- بما إذا كانت مواتا. و مقتضى الإطلاق كون هذه الأرض من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام، سواء أ كانت مواتا أم عامرة.

______________________________

إعراض المشهور عنها أسقطها عن الحجية. فلا موجب للجمع بينها، و لا لإجراء أحكام التعارض فيها.

فتلخص من جميع ما ذكرناه في الموضع الرابع من مباحث الموات بالأصالة: أنّ المحيي و لو كان كافرا يملك الأرض المحياة مجانا. هذا تمام الكلإ في القسم الأوّل و هو الموات بالأصالة.

ص: 427

إطلاق قولهم: «و كلّ أرض لم يجر عليها ملك مسلم فهي للإمام عليه السّلام» (1).

و عن التذكرة (2) الإجماع عليه، و في غيرها «نفي الخلاف عنه (3)». لموثّقة (4) أبان بن عثمان عن إسحاق بن عمّار المحكيّة عن تفسير علي بن إبراهيم عن الصادق عليه السّلام، حيث عدّ من الأنفال: «كلّ أرض لا ربّ لها» «1».

و نحوها (5) المحكي عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السّلام «2».

______________________________

(1) قال المحقق قدّس سرّه: «و كذا- أي و للإمام عليه السّلام- كل أرض لم يجر عليها يد مسلم» و نحوه كلام العلامة «3». و قال صاحب الجواهر في شرح العبارة: «بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: إنه طفحت به عباراتهم» و مراده بالقائل هو السيد العاملي المدّعي لعدم الخلاف من أحد، فراجع «4».

(2) حيث قال في عدّ الأنفال: «و كل أرض مملوكة من غير قتال، و انجلى أهلها عنها .. و هذه كلّها للإمام يتصرف فيها كيف شاء، عند علمائنا أجمع» «5».

(3) أي: عن كون هذه الأرض للإمام عليه السّلام كما في الرياض، لقوله في عدّ الأنفال:

«أو مطلق الأرض- أي لا خصوص الموات- التي لم يكن لها أهل معروف .. بلا خلاف في شي ء من ذلك أجده» «6».

(4) تعليل لكون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه السّلام، لإطلاق «الأرض» و عدم اختصاصها بالموات.

(5) أي و نحو موثقة أبان ما حكي عن تفسير العيّاشي في كون الأراضي العامرة بالأصل و الّتي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام، و أنّها من الأنفال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20، تفسير القمي، ج 1، ص 254

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 28

(3) شرائع الإسلام، ج 3، ص 272، قواعد الأحكام، ج 2، ص 272

(4) جواهر الكلام، ج 38، ص 19، مفتاح الكرامة، ج 7، ص 9

(5) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 402

(6) رياض المسائل، ج 5، ص 254 (ج 1، ص 297، الطبعة الحجرية).

ص: 428

و لا يخصّص (1) عموم ذلك بخصوص (2) بعض الأخبار،

______________________________

و بالجملة: فالمستفاد من عموم هذه الأخبار هو كون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه السّلام و من الأنفال، كالموات بالأصل.

(1) إشارة إلى توهّم، و هو: أنّ التمسك بعموم ما دلّ على «أنّ الأرض التي لا ربّ لها للإمام» لكون الأرض العامرة بالأصل للإمام عليه السّلام غير وجيه، لأنّ العموم المذكور مخصّص بما دلّ على كون الأرض الميتة التي لا ربّ لها للإمام عليه السّلام.

و مقتضى تخصيص الأرض بالميتة عدم كون الأرض المحياة للإمام عليه السّلام، و عدم كونها من الأنفال.

و الظاهر أنّ المدّعي لهذا التخصيص جمع، منهم صاحب الجواهر قدّس سرّه فقد تعرّض له في كتاب الخمس، و أشار إليه في إحياء الموات أيضا، قال- بعد نقل عموم الأنفال للموات بالأصل و بالعرض- ما لفظه: «لكن الإنصاف أنّه مع ذلك كله لا يخلو من إشكال، من حيث ظهور كلمات أكثر الأصحاب في اختصاص الأنفال بالموات .. أمّا غير الموات الذي لم يكن لأحد يد عليه، و منه ما نحن فيه- و هو سيف البحار- فلا دلالة في كلامهم على اندراجه في الأنفال، بل ظاهره العدم» «1».

و قد نقل المصنف قدّس سرّه في كتاب الخمس تقييد الأصحاب إطلاق «كلّ أرض لا ربّ لها» بما ورد من «كل أرض ميتة أو خربة باد أهلها» أو «كل أرض ميتة لا ربّ لها» و لم يعترض عليهم، فراجع «2».

(2) متعلق ب «يخصّص» يعني: أنّ إطلاق رواية تفسير القمي- من «أن كل أرض ميتة لا ربّ لها للإمام عليه السّلام»- يقيّد بما ورد في مرسلة حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه السّلام في عدّ الأنفال: «و كل أرض ميتة لا ربّ لها». و عليه فالأرض العامرة بالأصل ليست من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 16، ص 120، و لاحظ ص 118 أيضا، و ج 38، ص 11

(2) كتاب الخمس، ص 353 و 354

ص: 429

حيث جعل فيها (1) من الأنفال «كلّ أرض ميتة لا ربّ لها» بناء (2) على ثبوت المفهوم للوصف (3) المسوق للاحتراز. لأنّ (4) الظاهر ورود الوصف مورد الغالب [1]، لأنّ الغالب في الأرض التي لا مالك لها كونها مواتا.

______________________________

(1) أي: في بعض الأخبار.

(2) هذا مبنى التخصيص المتوهّم، و حاصله: أنّ «الميتة»- التي هي صفة الأرض و قيد احترازي لها- يكون مفهومها: أنّ الأرض غير الميتة- و هي المحياة- ليست للإمام عليه السّلام.

(3) و هو لفظ «الميتة» المسوق للاحتراز، لا للتوضيح الذي لا مفهوم له.

(4) هذا تعليل لقوله: «و لا يخصص» و دفع للتوهم المزبور، و محصله: أنّه يعتبر في مخصّصية الوصف أن لا يكون واردا مورد الغالب، نظير «حجوركم» في قوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ فإذا ورد الوصف مورد الغالب فلا مفهوم له.

و لفظ «الميتة» في المقام كلفظ «حجوركم» ورد مورد الغالب، لأنّ الغالب في الأراضي غير المملوكة هو الموات، فلا يصلح لتخصيص العمومات المقتضية لكون

______________________________

[1] كون غلبة القيد مانعة من احترازيته الموجبة للتقييد ممّا لم ينهض عليه دليل من عقل أو نقل، و لا بناء من أبناء المحاورة على ذلك، و إلّا كان اللازم البناء على عدم قيدية الدخول في قوله تعالى مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ مع كون الدخول بالنساء من الوصف الغالبي. و أمّا قيد «حجوركم» فوجه عدم احترازيته دلالة النصّ على عدم قيديته.

و لو لا ذلك لقلنا باحترازيته. و ليس عدم قيديته لأجل وروده مورد الغالب.

فعلى هذا مقتضى القاعدة تخصيص عموم ما دلّ على «أنّ كلّ أرض لا ربّ لها للإمام عليه السّلام» بكونها ميتة.

فالنتيجة: أنّ الأرض العامرة بالأصالة ليست من الأنفال، و ليست ملكا له عليه السّلام، هذا.

ص: 430

و هل تملك هذه (1) بالحيازة (2)؟ وجهان، من (3) كونه مال الإمام عليه السّلام، و من (4) عدم منافاته للتملّك بالحيازة، كما يملك الأموات بالإحياء مع كونها مال الإمام، فدخل (5) في عموم النبوي «من سبق إلى ما لم يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به [1]» «1».

______________________________

الأرض العامرة ملكا للإمام عليه السّلام.

فالنتيجة: أنّ كلّا من الأرض العامرة و الموات بالأصل ملك الامام عليه السّلام.

(1) يعني: و هل تملك الأرض العامرة بالأصل- التي هي ملك الامام عليه السّلام- بالحيازة التي هي من أسباب الملك أم لا؟ فيه وجهان.

(2) التعبير بالحيازة- دون الإحياء- لأجل عدم مورد للإحياء مع عمران الأرض، فالمقصود مملّكية وضع اليد على الأرض العامرة.

(3) هذا وجه عدم كون الحيازة مملّكة للأرض العامرة، و حاصله: عدم الدليل على مملّكية الحيازة لملك الغير المفروض عمرانه.

(4) هذا وجه مملكية الحيازة للأرض العامرة بالأصل، و حاصله أوّلا: أنّه لا منافاة ثبوتا بين مملّكية الحيازة و بين كون المحوز ملك الغير، كما في تملك الأرض الموات بالإحياء مع كونها ملك الامام عليه السّلام.

و ثانيا: أنّه في مقام الإثبات قام عليه الدليل، و هو عموم النبوي «من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحقّ به» بناء على أنّ المراد بالحق هو الملك، لا مجرد الأولوية و حرمة مزاحمة الغير له.

(5) هذا مقام الإثبات الذي مرّ آنفا بقولنا: «و ثانيا: أنه في مقام الإثبات .. إلخ».

______________________________

[1] الظاهر أنّ القسم الثاني من أقسام الأرضين الأربعة- و هو العامرة بالأصالة أي لا من معمّر، بل خلقت عامرة كالشواطي- لم يرد بهذا العنوان في النصوص، كالموات

______________________________

(1) عوالي اللئالي، ج 3، ص 480، ح 4، و عنه في مستدرك الوسائل، ج 7، ص 112، الباب 1 من كتاب إحياء الموات، ح 4، سنن البيهقي، ج 6، ص 142

ص: 431

..........

______________________________

بالأصل، بل تندرج في عناوين أخر، كالأرض التي لا ربّ لها، أو: الأرض التي لم يجر عليها ملك مسلم، و نحو ذلك.

و كيف كان يقع البحث فيه من جهات.

الاولى: أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال، لا من المباحات الأصلية، فهي كالموات بالأصل في كونها من أموال الإمام عليه السّلام، و عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه عليه السّلام.

و استدلّ عليه- بعد حكاية الإجماع عن التذكرة و عدم الخلاف عن غيرها- بروايات:

منها: قول مولانا الصادق عليه السّلام في حديث إسحاق بن عمار في تعداد الأنفال: «و كل أرض لا ربّ لها» «1».

و قول مولانا أبي جعفر عليه السّلام في حديث أبي بصير: «و كلّ أرض لا ربّ لها» «2».

و منها النبوي: «من سبق إلى ما لا يسبقه إليه مسلم فهو أحقّ به» «3».

و ربّما يورد على الاستدلال بمثل عموم «كلّ ارض لا ربّ لها» بأنّه مخصّص بما في مرسلة حمّاد من قوله عليه السّلام: «و كل أرض ميتة لا ربّ لها» «4»، فالأرض العامرة مع هذا التخصيص ليست من الأنفال، بل من المباحات.

و قد أجاب المصنف قدّس سرّه عن هذا الإيراد بأنّه يعتبر في الوصف الذي له مفهوم أن لا يكون ذلك واردا مورد الغالب كالحجور في «ربائبكم اللّاتي في حجوركم» فلا ينثلم العموم بالميتة، و لا يخصّص بها. فكلّ أرض لا ربّ لها- سواء أ كانت عامرة أم ميتة- تكون من الأنفال التي هي مال الامام عليه السّلام، هذا.

لكن أورد على هذا الجواب- كما تقدّم في (ص 430)- بأنّ غلبة الوصف لا تمنع المفهوم، و عدم المفهوم للحجور إنّما هو للنص الدالّ على حرمة الربيبة مطلقا، سواء أ كانت في الحجر أم لم تكن، هذا.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 371، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 20

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 372، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 28

(3) تقدم مصدره آنفا، في ص 431

(4) وسائل الشيعة، ج 6، ص 365، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 4

ص: 432

..........

______________________________

ثمّ إنّ المحقق النائيني قدّس سرّه منع المفهوم بنحو آخر، و هو: أنّ شرط التقييد في المثبتين وحدة التكليف المتعلّق بصرف الوجود كمثال الظهار المعروف، فإنّ التكليف فيه تعلّق بصرف الوجود من العتق. فمقتضى إطلاق الأمر بعتق الرقبة هو إجزاء عتق رقبة و إن كانت كافرة، و مقتضى الأمر بعتق المؤمنة عدم إجزاء عتق الكافرة. و الإجزاء و عدمه متناقضان، فلا محيص من تقييد إطلاق الرقبة بالمؤمنة.

و أمّا في المقام فلم يتعلق التكليف بصرف الوجود، بل تعلّق بالطبيعة السارية، فلا موجب للتقييد، فيحكم بأنّ الأرض مطلقا سواء أ كانت عامرة أم ميتة من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام «1».

أقول: يشكل ما أفاده الميرزا قدّس سرّه بأنّ المقام ليس من المثبتين حتى يعتبر في تقييد الإطلاق فيهما إحراز وحدة التكليف، بل هو من تعارض المثبت و النافي. أمّا النافي فهو مفهوم قوله عليه السّلام في مرسلة حماد: «كل أرض ميتة لا ربّ لها» فإنّ مفهومه «أنّ الأرض غير الميتة ليست من الأنفال».

و أمّا المثبت فهو سائر النصوص المثبتة منطوقا لكون الأرض العامرة من الأنفال.

فلا بدّ من تقييد النافي للمثبت.

فالنتيجة: أنّ الأرض الميتة من الأنفال، دون العامرة، فإنّها من المباحات.

و الظاهر أنّه لا يمكن الفرار من هذا التقييد إلّا بالالتزام بأنّ جملة «كل أرض ميتة» من مرسلة حمّاد معرض عنها عند المشهور، لما مرّ في صدر البحث من إجماع التذكرة و نفي الخلاف عن غيرها على كون الأرض العامرة بالأصل من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

فالنتيجة: أنّه لم تقيّد الأرض التي هي من الأنفال بكونها ميتة، بل هي مطلقا مال الامام عليه السّلام، سواء أ كانت عامرة أم ميتة.

فتلخص مما ذكر في هذه الجهة الأولى: أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال.

الجهة الثانية: في أنّ هذه الأرض العامرة بالأصل هل تملك بالحيازة أم لا؟ ظاهر

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 367 و 368

ص: 433

..........

______________________________

جملة من النصوص التي منها النبوي «من سبق الى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به» ذلك.

و الاشكال عليه تارة بما في حاشية المحقق صاحب الكفاية قدّس سرّه «من كون الإطلاق مسوقا لبيان أحقية السابق، لا لبيان جواز السبق إلى ما لم يسبق إليه أحد، الذي هو المطلوب» «1».

و اخرى: بأنّ الأحقيّة لا تقتضي الملكية، بل ظاهرة في الأولوية.

و ثالثة: بأنّ هذا النبوي يقتضي جواز السبق إلى ملك كل أحد و لو غير الامام عليه السّلام، و إن كان المسبوق غير الأرض أيضا، و لازم ذلك جواز السبق إلى سائر أمواله عليه السّلام، و أموال سائر الخلق، لأنّه ليس كدليل الإحياء إذنا مالكيا مختصّا بالأراضي، بل يعمّ جميع الأموال من الأراضي و المنقولات. و هو كما ترى «2».

مندفع، إذ في الإشكال الأوّل: أنّ أحقية السابق من غيره تستلزم عدم جواز مزاحمة له، و إلّا لم يكن معنى للأحقية، فيكون مساوقا لقوله: «من أحيى أرضا ميتة فهو أحق بها، و هي له» فيستفاد من النبوي المزبور الترخيص الشرعي في الإحياء، و أنّه سبب للأحقيّة أو الملكيّة.

و في الاشكال الثاني: أنّ الارتكاز العرفي الناشئ من استقرار السيرة العقلائية الثابتة من صدر الإسلام- بل قبله- على إحياء الأراضي التي لا ربّ لها، و ترتيب آثار الملك عليها كما هو بناء الدول أيضا، و الشارع لم يردعهم عن ذلك، بل أمضى طريقتهم.

و بالجملة: فالإرتكاز المزبور يمنع احتمال غير الملك من الأحقيّة كالإباحة، بل المراد بها الأحقيّة في الملكية.

و في الاشكال الثالث: أنّه لا منشأ لاحتمال إرادة معنى عامّ يشمل غير الأراضي من سائر أموال الإمام عليه السّلام فضلا عن أموال غيره عليه السّلام، و ذلك للارتكاز المزبور، و لكون مورد الإحياء ملك الإمام بالإمامة، لا ملكه الشخصي الذي يرثه الوارث، و لا مال غيره. و السبق إلى

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 105

(2) حاشية المكاسب للمحقق الأصفهاني، ج 1، ص 242

ص: 434

..........

______________________________

مال الامام عليه السّلام لا ينطبق إلّا على الموات من الأرض و المحياة ذاتا، و على ما فيها من الأشجار و النبات.

و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في دلالة النبوي على تملك الأرض العامرة بالحيازة.

لكن ضعف السند يمنعه عن الاعتبار.

و من تلك النصوص: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال فيها: «و أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عملوه فهم أحقّ بها و هي لهم» «1».

و منها: صحيحته الأخرى عنه عليه السّلام: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «2». و قريب منهما غيرهما «3».

و منها: موثقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: من غرس شجرا، أو حفر واديا بديّا لم يسبقه إليه أحد، أو أحيى أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله» «4» فإنّ التعمير و العمل في الأرض- بحفر بئر أو قناة أو غرس شجر و نحوها- يوجبان الملك، و يصدق الإحياء عليها و إن كانت في الأرض العامرة بالأصل، إذ للإحياء مراتب، فلا يختص الإحياء بالموات.

نعم يختص ملكية الموات بالإحياء، و لا يحصل ملكيته بمجرد الحيازة، لعدم صدق الإحياء عليها، و المفروض أنّ قولهم: «من أحيى أرضا فهي له» لا يصدق على مجرد الحيازة و الاستيلاء، فلا يترتب على الحيازة إلّا الأولوية.

الجهة الثالثة: الظاهر عدم اختصاص جواز الحيازة بالشيعة، و كونه عاما لجميع الناس و لو كان كافرا، لعموم «من سبق إلى ما لا يسبق إليه مسلم» و غيره، الشامل للكافر أيضا، فالأرض العامرة بالأصل يجوز لكل أحد حيازتها و التصرف الإحيائي فيها بحفر قناة و غرس شجر و غيرهما.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326. الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(2) المصدر، ح 3

(3) المصدر، ح 4

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 2 من أبواب إحياء الموات، ح 1

ص: 435

[الثالث ما عرض له الحياة بعد الموت]

الثالث (1) ما عرض له الحياة بعد الموت.

و هو (2) ملك للمحيي، فيصير ملكا له بالشروط المذكورة في باب الإحياء (3) «بإجماع الأمّة» (4)

______________________________

(1) 3- ما عرض له الحياة بعد الموت أي: القسم الثالث من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف قدّس سرّه بقوله في (ص 407) «فالأقسام أربعة لا خامس لها». و المراد بهذا القسم الثالث هو الأرض التي عرض لها الحياة بعد الموت بالأصالة. و بعبارة أخرى: العامرة بالعرض لا بالأصالة.

و حكمه أنّه ملك للمحيي بالشروط المذكورة في باب الإحياء.

و أمّا إحياء الأرض التي طرء عليها الموات- أي ما كانت عامرة ثم ماتت- فسيأتي حكمها. كما أن صريح قوله: «ملك للمحيي» كون الإحياء بسبب الإنسان، لا بسبب سماوي، لكونه به ملك الامام عليه السّلام.

(2) أي: ما عرض له الحياة بعد الموت ملك للمحيي.

(3) و هي خمسة: أحدها: أن لا يجري على الأرض المذكورة يد مسلم.

ثانيها: أن لا تكون حريما لأرض عامرة من بستان، أو دار أو قرية، أو مزرعة أو غيرها مما يتوقّف الانتفاع بالعامرة على الحريم.

ثالثها: أن لا تكون ممّا سمّاها الشرع مشعرا للعبادة كعرفات و منى و مشعر.

رابعها: أن لا تكون ممّا أقطعه الإمام عليه السّلام.

خامسها: أن لا يسبقه إليها سابق بالتحجير، حيث إنّه يفيد الأولوية.

(4) يعني: أنّ الأرض العامرة بعد الموت ملك للمحيي «بإجماع الأمة إذا خلت من المانع» كما في المهذب و «بإجماع المسلمين» كما في التنقيح.

______________________________

فتلخص من جميع ما ذكرناه في القسم الثاني من أقسام الأرضين الأربعة: أنّ الأرض العامرة بالأصل من الأنفال لا من المباحات، و أنّها تملك بالحيازة، و أنّ مملكية الحيازة لا تختص بالشيعة، بل تعمّ كل حائز و إن كان كافرا. و لفظ «المسلم» في النبوي المتقدم من قبيل «المسلم» الوارد في الرواية الدالة على عدم جواز تصرف أحد في مال مسلم إلّا بطيب نفسه في عدم دوران الحكم مدار إسلام المالك. و اللّه العالم.

ص: 436

كما عن المهذّب، و «بإجماع المسلمين» كما عن التنقيح. و «عليه (1) عامّة فقهاء الأمصار» كما عن التذكرة «1».

لكن ببالي من المبسوط (2) كلام يشعر بأنّه يملك التصرّف، لا نفس الرقبة، فلا بدّ من الملاحظة (3) [1].

______________________________

(1) أي: و على كون المحياة بعد الموت للمحيي عامة فقهاء الأمصار كما في التذكرة.

(2) لمّا كان معاقد الإجماع تملّك المحيي بالإحياء، أراد التنبيه على وجود المخالف، و هو شيخ الطائفة، و يستفاد الأحقية و أولوية التصرف- دون ملك الرقبة- من غير موضع من المبسوط، كقوله في كتاب الجهاد: «فأمّا الموات فإنّها لا تغنم، و هي للإمام خاصة، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف فيها، و يكون للإمام طسقها» «2».

و قال في إحياء الموات: «إذا تحجّر أرضا و باعها لم يصحّ بيعها .. لأنّه لا يملك رقبة الأرض بالإحياء، و إنّما يملك التصرف بشرط أن يؤدّي إلى الامام ما يلزمه عليها» «3».

و الشاهد في تعليله بعدم مملّكية الإحياء، و إن كان التحجير مغايرا للإحياء، كما صرّح به قبله بأسطر، فراجع المبسوط.

(3) تقدّم أن عبارتي المبسوط غير مشعرتين بملك التصرف، بل هما ظاهرتان- لو لا صراحتهما- في نفي ملك رقبة الأرض. لكنه لمخالفته للإجماع يشكل القول به.

______________________________

[1] تفصيل الكلام في القسم الثالث من الأقسام الأربعة- و هي الأرض التي عرض لها الحياة بعد موتها الأصلي- هو: أنّه تقدّم الكلام في القسم الأوّل أي الموات بالأصالة، و قلنا: إنّها لمحييها سواء أ كان مسلما أم كافرا، و أنّ ملك المحيي لا يزول إلّا بناقل شرعيّ، أو بتملك شخص لها بعد إعراض محييها عنها، لأنّ ذلك مقتضى القواعد.

فالكلام في الفروع المترتبة على المحيي لهذه الأرض الميتة بالأصل من حيث الكفر و الإسلام.

______________________________

(1) الحاكي هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 7، ص 3، لاحظ المهذب البارع، ج 4، ص 285، التنقيح الرائع، ج 4، ص 98، تذكره الفقهاء، ج 2، ص 400

(2) المبسوط، ج 2، ص 29

(3) المبسوط، ج 3، ص 273، و نقله صاحب الجواهر في ج 38، ص 75

ص: 437

..........

______________________________

فإن كان المحيي مسلما، فلا يزول ملكه إلّا بناقل شرعي، أو بطروء الخراب بناء على القول به، سواء أ كانت الأرض في بلاد الإسلام أم الكفر.

و إن كان كافرا و كانت الأرض في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار إسلام المحيي- كما تقدّم- فكذلك، أي لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب.

و أمّا بناء على اعتبار الإسلام في المحيي، فالأرض باقية على ملك الامام عليه السّلام و لم تنتقل إلى المحيي. هذا إذا كانت الأرض في دار الإسلام.

و إن كانت في دار الكفر، فملك الكافر يزول عنها بما يزول به ملك المسلم من الناقل الشرعي، أو طروء الخراب، أو الاغتنام، لكونها من الغنائم التي يملكها المسلمون بالقتال كسائر الأموال التي يتملكونها بالاغتنام.

ثمّ إنّ ما ملكه الكافر من الأرض بالإحياء، إمّا أن يسلم عليها طوعا فتبقى الأرض المحياة على ملكه كسائر أملاكه، و ذلك كالمدينة و البحرين و بعض أطراف اليمن على ما قيل، فيجوز له أيّ تصرف شاء من بيع و نحوه. و ليس عليه إلّا الزكاة مع الشرائط، فإنّ الإسلام يحقن الدم و المال.

و يدل على ذلك- بعد عدم وجدان الخلاف فيه كما في الجواهر «1»- ما في صحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «ذكرت لأبي الحسن الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به أهل بيته، فقال: العشر و نصف العشر مما عمر منها، و ما لم يعمر منها أخذه الوالي يقبله ممّن يعمره، و كان للمسلمين، و ليس فيما كان أقل من خمسة أوسق شي ء» «2».

و الحاصل: أنّ كل أرض أسلم أهلها عليها طوعا و رغبة فهي لهم يتصرفون فيها بما شاؤوا من بيع و غيره.

و إمّا أن يصالحوا على أن تكون الأرض للكافرين، و باقية على ملكهم، بأن لا يكون للمسلمين حقّ لا في العين و لا في المنفعة، فإنّ الأرض في هذه الصورة لمالكيها الكفّار.

نعم لو صولحوا على أن تكون الأرض للمسلمين، و للكافرين السكنى، و على أعناقهم الجزية، كانت هذه الأرض محكومة بحكم الأرض المفتوحة عنوة، بأن يكون

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 175

(2) وسائل الشيعة، ج 11، ص 120، الباب 72 من أبواب جهاد العدو، ح 2

ص: 438

..........

______________________________

عامرها للمسلمين، و مواتها للإمام عليه السّلام. قال في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل و لا إشكال» «1».

هذا كلّه إذا كانت الأرض تحت يد الكافر.

و إن ارتفعت يده عنها، فإن كان بانجلائه عنها أو بموته و عدم الوارث له انتقلت الأرض إلى الامام عليه السّلام، لصيرورتها حينئذ من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و إن كان ارتفاع يده عن الأرض بالقتال و غلبة المسلمين عليها، فهي و ما فيها كالأشجار و الأبنية للمسلمين كافّة، إجماعا و نصّا. و هذه الأراضي هي الأراضي المفتوحة عنوة. و ينبغي البحث فيه في مقامات.

الأوّل: في كيفية هذا الملك. و لمّا كان الأصل في ذلك النصوص الواردة في هذا الباب، فالمعوّل على ما يستفاد منها، كصحيحة الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟ قال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد» الحديث «2».

و منها: ما يشتمل على «إنّما أرض الخراج للمسلمين» «3»، و أنها «أرض المسلمين» «4».

و يحتمل في النصوص وجوه:

أحدها: أنّ الأرض ملك فعلا لجميع المسلمين من الموجودين و ممّن سيوجد و ممّن يصير مسلما من الكفار. و لا إشكال في بطلان هذا الاحتمال، لعدم ملكية الأرض للكفار حال كفرهم، و عدم ملكيتها فعلا للمعدومين حال عدمهم. و لازمه وجود العرض و- هي إضافة الملكية- قبل وجود المعروض، و وجود الحكم قبل الموضوع، مع كون الموضوع بمنزلة العلة للحكم، فيتأخر العلة عن المعلول، كما لا يخفى.

لا يقال: إنّ الملكية أمر اعتباري يصح اعتبارها للمعدوم.

فإنّه يقال: و إن كانت إضافة الملكية أمرا اعتباريّا، لكنّه لا يعقل تقوّم الأمر الموجود الاعتباري بالمعدوم الذي لا يعقل الإشارة إليه، فلا يصحّ أن يقال: هذا المسلم المعدوم مالك

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 21، ص 174

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 4

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 9

(4) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 1

ص: 439

..........

______________________________

فعلا. و أمّا الوقف على الذرية أو الجهات العامة فيعتبر فيهما عنوان عام قابل للانطباق على الطبقات المتأخرة، و على أبناء الواقف في الوقف على الذرية.

و يرد على الملك الفعلي للموجودين و المعدومين- مضافا إلى ما ذكر من عدم تعقل قيام إضافة الملكية الاعتبارية بالمعدوم- أنّ لازم الملكية الفعلية انتقال حصص الموجودين إلى وارثيهم بالإرث، و إلّا لكان منافيا لقاعدة الإرث. مع أنّ الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم لا يلتزمون بالإرث، فيكشف عدم الإرث عن عدم كون ملكية الأرض المفتوحة عنوة من الملكيات المتعارفة، هذا.

و يرد عليه أيضا: أنّ مقتضى ملكيتها الفعلية سلطنة المسلمين على الأرض المفتوحة عنوة، لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم، و عدم ولاية أحد عليهم. مع أنّه ليس كذلك، لولاية اولي الأمر على التصرف في الأرض المفتوحة عنوة، و عدم جواز تصرفهم مباشرة فيها.

ثاني الوجوه المحتملة في النصوص: أن تكون الأرض ملكا لجميع المسلمين على نحو القضية الحقيقية، فالمعدوم بعد وجوده و الكافر بعد إسلامه يملكان الأرض، و ليسا مالكين فعلا حتى يلزم تقوم الموجود بالمعدوم، و تقدم الحكم على الموضوع. فلا يرد عليه إشكال الاحتمال الأوّل.

لكن يرد عليه: أنّ لازمه عدم مالكية المعدوم حال الفتح، إذ مقتضى القضية الحقيقية فعلية الملكية حين وجود المالك لا قبله، فغير الموجود حال الفتح لا ملكية له.

و الحاصل: أنّ القضية الحقيقية لا تثبت الملكية الفعلية- التي هي ظاهر الرواية- لغير الموجود حين الفتح.

ثالث الوجوه المحتملة في النصوص، كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا للجهة، بأن يكون المالك عنوان «جميع المسلمين» كالوقف على الجهات العامة كالفقهاء و الفقراء.

و فيه: أنّه خلاف ظاهر الرواية «لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام» إذ ظاهرها الملكية الفعلية للمعدومين، و ظاهر موضوعية الجهة العامة عدم الحكم الفعلي بالملكية إلّا بوجود مصاديق العنوان العام. فهذا الاحتمال أيضا خلاف ظاهر الرواية جدّا.

و هناك وجوه اخرى غير المحتملات المذكورة، لكنها خلاف ظاهر الروايات أيضا، فلا موجب للتعرض لها، هذا.

و يمكن أن يقال- جمعا بين الروايات و الآثار-: إنّ الأرض المفتوحة عنوة ملك

ص: 440

..........

______________________________

لطبيعي المسلمين لا لآحادهم، و المراد بما ورد من «أنّها ملك لجميع المسلمين من الموجودين و المعدومين» عدم اختصاص ملك الطبيعي بزمان دون زمان، و قابلية كلّ واحد من المسلمين لانطباق الطبيعي عليه.

لكنه مع الفرق بين تعلق الخمس و الزكاة بطبيعي السيد و الفقير، بأنّ المتولي لأمر الخمس و الزكاة هو من وجبا عليه، فإنّه يقبضهما إلى من شاء من السادة و الفقراء. بخلاف مالكي الأرض المفتوحة عنوة، فإنّه ليس لمالكيها حق التصرف لا عينا و لا منفعة، بل كل ذلك لولي الأمر. فإن اقتضت المصلحة بذل العين أو منفعتها لشخص جاز ذلك. و إن اقتضت بناء مسجد أو مدرسة في الأرض المفتوحة عنوة، و كان ذلك مصلحة عامة للمسلمين، جاز ذلك كله.

و من هنا يسهل الخطب في الدور و الخانات و غيرهما ممّا هو في تصرف المسلمين حتى مع العلم بكونها معمورة حال الفتح، فإنّ اليد مع العلم بعمرانها حين الفتح حجة مع الاحتمال المزبور، و هو جواز إعطاء وليّ الأمر نفس الأرض أو منفعتها لشخص. و هذه اليد حجة على الملكية، و يجوز الاعتماد عليها في جميع التصرفات الخارجية و الاعتبارية.

المقام الثاني: في اعتبار إذن الامام عليه السّلام في صيرورة الأرض خراجية و عدمه.

و قد ظهر ممّا تقدّم اعتباره، و ثبت تحققه في زمان الإمام أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه. كما يدلّ عليه مرسلة العباس الوراق عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا، كانت الغنيمة كلها للإمام. و إذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1».

و إنّما الإشكال في الأراضي المفتوحة عنوة بعد عصره عليه أفضل الصلاة و السلام، فإنّ الإذن فيها غير محرز. و مقتضى الأصل عدمه، و كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام، و عدم جريان أحكام الأراضي المفتوحة عنوة عليها، و أنّ من أحيى شيئا منها ملكه.

فإن كان الموضوع لآثار المفتوحة عنوة و أحكامها مركّبا من الحرب مع الكفار مقرونا بإذن الإمام عليه السّلام، أمكن إحراز عدم الإذن بالأصل، و إحراز الفتح بالوجدان، و هذا هو موضوع الأنفال.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 369، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 16

ص: 441

..........

______________________________

و كذا إذا كان القيد الآخر- و هو كون الأرض محياة- مشكوكا فيه، فيثبت عدم كونها محياة- حال الفتح- بالاستصحاب.

و كذا في الشكّ في بعض العناوين الأخر مع سبق عدمها، كالشك في وقوع الصلح عليها على أن تكون الأرض للمسلمين، أو على أن تكون للكفّار، و عليهم الجزية، فإنّ استصحاب عدم وقوع الصلح عليها و عدم كونها ممّا يوجف عليه بخيل و ركاب يقتضي كونها من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

و الحاصل: أنّ المعتبر في الأرض الخراجية قيود ثلاثة:

أحدها: كونها مفتوحة عنوة.

ثانيها: كون الفتح بإذن الإمام.

ثالثها: كونها محياة حال الفتح. و هذا هو المشهور بين الأصحاب. و الأصل في جميعها يقتضي العدم، فتصير الأرض بناء على هذا من الأنفال المختصة بالإمام عليه السّلام.

المقام الثالث: في طريق ثبوت الموضوع من الفتح عنوة، و إذن الامام، و حياة الأرض حال الفتح. لا إشكال في ثبوتها بما يثبت به سائر الموضوعات من العلم الحاصل من الشياع، و الاطمئنان الذي هو علم عقلائي، و البينة المستندة إلى العلم. و أمّا الظن الحاصل من الشياع أو غيره فلا عبرة به.

و يشترط في الشياع المفيد للعلم أن يكون الشياع في كل طبقة إلى زمان وقوع القضية، فلو كانت قضية شائعة في عصر كمال الشيوع، لكن كان الشياع مستندا إلى عدد قليل من أهل التاريخ مثلا، لم يحصل به العلم بنفس القضية، و إن حصل العلم بوجودها في كتب التاريخ، لكنه لا يفيد شيئا.

و أمّا البينة فلا بدّ في اعتبارها من قيامها على بينة سابقه عليها سماعا، و تلك السابقة على سابقتها سماعا أيضا، و هكذا إلى زمان وقوع القضية. و إلّا كما إذا شهد عدلان في عصرنا بما حدث في صدر الإسلام، و استندت شهادتهم و علمهم إلى ما لا يوجب العلم بالقضية، كانت حجية هذه البينة محل التأمل و المنع، إذ لا بدّ في حجية البينة من استنادها إلى الحسّ.

ص: 442

..........

______________________________

المقام الرابع: قد عرفت عدم طريق لإحراز الشروط الثلاثة المذكورة في الأراضي المفتوحة عنوة، كما عرفت مقتضى الأصول النافية فيها. لكن الشيخ الأعظم قدّس سرّه قد تشبّث لثبوت الاذن في أرض العراق بوجوه:

أحدها: ما دلّ على أنّها ملك المسلمين.

ثانيها: رواية الخصال المتقدمة (في ص 401).

ثالثها: ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن المجتبى عليه السّلام في بعض الغزوات، و دخول بعض خواصّ أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه من الصحابة- كعمّار رضوان اللّه عليه- في أمرهم.

رابعها: إمكان الإكتفاء عن الإذن- المنصوص في مرسلة الورّاق المتقدمة في (ص 441)- بالعلم من شاهد الحال برضاهم صلوات اللّه عليهم بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين و قوّته.

خامسها: حمل ما صدر من الغزاة من فتح البلاد الإسلامية على الوجه الصحيح، و هو كونه بأمر الإمام عليه السّلام، هذا.

أمّا الوجه الأوّل، ففيه: أنّ ما استدلّ به الشيخ قدّس سرّه من الروايات الدالة على أنّ العراق ملك المسلمين كصحيحة الحلبي «1» و في ء للمسلمين» كرواية أبي الربيع الشامي «2» على: أنّ أرض العراق مفتوحة بإذن الإمام عليه السّلام غير ظاهر، لاحتمال عدم اعتبار إذنه في خصوص أرض السواد كما قيل، فتأمّل. أو في الأرض مطلقا. و لاحتمال عدم اعتباره إذنه في زمان عدم بسط يده عليه السّلام. و لاحتمال إلحاقها بالأراضي الخراجية حكما لا موضوعا تقية أو لمصلحة المسلمين.

و مع هذه الاحتمالات كيف يدلّ النص على كون الحرب بإذن الإمام عليه السّلام؟

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 4

(2) المصدر، ح 5

ص: 443

..........

______________________________

و أمّا الوجه الثاني- و هو رواية الخصال- ففيه: أنّه لا يدلّ على كون الحرب بإذنه عليه السّلام.

و أمّا الوجه الثالث- و هو حضور الامام المجتبى عليه السّلام- ففيه أولا: عدم ثبوت حضوره عليه السّلام في الحرب.

و ثانيا- بعد تسليمه- لا يدلّ على الإذن و الرضا، لقيام احتمال التقية.

و أمّا الوجه الرابع: ففيه: أنّ مقتضى مرسلة الوراق المتقدمة في (ص 441) و مقتضى صحيحة معاوية بن وهب «1» اعتبار أمير أمّره الإمام عليه السّلام. و العلم بالرضا على فرض تحققه لا يثبت شيئا من الإذن، و أمر أمير أمّره الإمام عليه السّلام، بل مقتضاهما عدم كفاية الرضا في خراجية الأرض. بل الرضا يوجب كون الغنيمة- من المنقول و غيره- ملك الامام عليه السّلام.

و أمّا الوجه الخامس، ففيه أوّلا: أنّ الحرب لا تتصف بالصحة و الفساد، لأنّ مورد الصحة و الفساد- بمعنى التمامية و النقصان- هو المركّبات ذوات الأجزاء، و الحرب ليست من المركبات.

و ثانيا: أنّ كلّا من الإذن و عدمه ذو أثر شرعي، و هو ملكية الأرض للمسلمين بناء على ثبوت الإذن، و ملكية الأرض للإمام عليه السّلام و كونها من الأنفال بناء على عدم الاذن، فالحمل على أحدهما لا وجه له.

و ثالثا: أنّ مورد الحمل على الصحة هو ما إذا كان الفاعل معتقدا للشرط، و بدون اعتقاده للشرط لا تجري قاعدة الصحة. و المفروض أنّ المتصدّين للحرب لا يرون إذن الامام شرطا حتى يحمل فعلهم على الصحة، و هو كون الحرب بإذن الإمام عليه السّلام، بل هم لا يعتقدون بإمامتهم فضلا عن اعتبار إذنهم.

و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في تصرفات المسلمين في أرض السواد و غيرها من الأراضي المفتوحة عنوة، سواء علم باجتماع الشرائط فيها من الحرب و القتال و إذن الامام عليه السّلام و العمران حال الحرب، أم لم يعلم بوجودها، أم علم بوجود بعضها دون الكل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، ح 1

ص: 444

..........

______________________________

وجه عدم الاشكال هو: أنّه مع العلم بوجود الشرائط من القتال و الإذن و الحياة تكون الأرض مفتوحة العنوة موضوعا، و هي و إن كانت ملكا لكافة المسلمين، إلّا أنّه يجوز لولي المسلمين بعض التصرفات فيها من الإقطاع و إخراج خمسها منها، بناء على تعلق الخمس بالأرض كتعلقه بالغنائم المنقولة. و مع هذا الاحتمال تكون اليد حجة.

و لا مجال معها لاستصحاب بقائها على ملك المسلمين، أو عدم انتقالها عنهم، لحكومة اليد عليه. فكلّ من جرت يده على قطعة من الأرض المفتوحة عنوة حكم بملكيتها له، و صحة نقلها و انتقالها عنه بإرث و غيره.

و مع العلم بفقدان الشرائط كلّا أو بعضا تكون الأرض من الأنفال المختصة بالإمام صلوات اللّه عليه، فمن أحياها ملكها، و تنتقل بالسبب الاختياري و القهري إلى غيره.

و لا يصغى إلى دعوى العلم الإجمالي بكون كثير من أرض العراق محياة حال الحرب، فلا بدّ من الاحتراز عن كلّ العراق. و ذلك لأنّه مع العلم التفصيلي بعمران أرض العراق لا مانع من التصرف، لجواز الإقطاع أو إخراج خمسها، فضلا عن العلم الإجمالي.

و مع الغضّ عنه لا أثر للعلم الإجمالي هنا أيضا، لخروج بعض أطرافه عن مورد الابتلاء. و لاحتمال كونها من موات أرض العراق التي هي ملك الامام عليه السّلام، و يملكها من يحييها.

و الحاصل: أنّ التصرف في أرض العراق و لو فرض كلّها- فضلا عن معظمها- عامرة حين الفتح لا إشكال فيه. فيد كلّ من استولى على قطعة من قطعاتها حجة كسائر الأيدي المالكية.

هذا كله في الطبقة الأولى التي ملكت قطعات الأرض المفتوحة عنوة، ثم انتقلت إلى الطبقة الثانية بالناقل الاختياري أو القهري، و هكذا إلى هذه الطبقة المعاصرة، فجميع هذه التصرفات نافذة، و اللّه العالم.

ص: 445

[الرابع ما عرض له الموت بعد العمارة]

الرابع (1) ما عرض له الموت بعد العمارة.

فإن كانت (2) العمارة أصلية، فهي مال الإمام عليه السّلام. و إن كانت (3) العمارة من معمّر، ففي بقائها على ملك معمّرها أو خروجها عنه و صيرورتها ملكا لمن عمّرها ثانيا خلاف (4) معروف في كتاب إحياء الموات،

______________________________

(1) 4- ما عرض له الموت بعد العمارة أي: القسم الرابع من الأقسام الأربعة التي ذكرها المصنف في (ص 407) هو الأرض التي عرض لها الموت بعد العمارة. و هذا القسم يتصور على نحوين:

أحدهما: أن تكون عمارة الأرض أصلية لا من معمّر، ثم عرضها الموت.

و الآخر: أن تكون عمارتها من معمّر، ثم عرضها الموت.

فإن كانت عمارتها أصلية، فهي ملك الإمام عليه السّلام، كما كانت ملكه عليه السّلام في حال عمرانها. و قد تقدم في القسم الثاني دليل كون العامرة بالأصل ملك الامام عليه السّلام، فإنّه يصدق عليها بعد الموتان «أنّها أرض لا ربّ لها» و هذا العنوان من الأنفال.

(2) هذا هو النحو الأوّل الذي تقدم بقولنا: «أحدهما: أن تكون عمارة الأرض ..

إلخ».

(3) هذا إشارة إلى النحو الثاني، و هو كون العمارة من معمّر لا أصلية، ففي بقائها على ملك معمّرها، أو خروجها عن ملكه و صيرورتها ملكا للمعمّر الثاني خلاف، منشؤه اختلاف الأخبار.

(4) مبتدء مؤخّر، و خبره «ففي بقائها» يعني: اختلف الفقهاء في حكم الأرض المعمورة التي خربت مع كون المعمّر أو وارثه معلوما، فعمّرها شخص آخر، و أنّها تبقى على ملك الأوّل أم يتملّكها المحيي الثاني؟

و قد نقل السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه بعض كلماتهم، و أشار إلى آراء جماعة آخرين، فقال: «ففي المبسوط و المهذّب: أنّها في حكم العامر. و في الجامع [الخلاف] أنّها لا تملك.

و في التحرير و اللمعة: أنّها لا تخرج بإحياء الغير عن ملك الأوّل. و بالثلاثة صرّح في السرائر. و في جامع المقاصد: أنّه لا يجوز إحياؤها مطلقا و لا تملك بالإحياء .. و به- أي بعدم ملكية المحيي الثاني- صرّح في النهاية و جهاد الشرائع و النافع و الكتاب

ص: 446

منشؤه اختلاف الأخبار (1) [1].

______________________________

- أي القواعد- و التحرير و الإرشاد و المختلف. و نسبه في المسالك إلى الأكثر».

ثم قال: «قلت: لم نجد الخلاف نحن من أحد قبل المصنف في التذكرة، فإنّه نقل عن مالك: أنّ المحيي الثاني يملك. و قال- أي العلامة- لا بأس بهذا القول عندي. و حكاه عنه في بعض فتاواه في المسالك، و اختاره هو في موضعين منه و الروضة. و في الكفاية: أنه أقرب. و في المفاتيح: أنه أوفق بالجمع بين الأخبار .. إلخ» فراجع «1».

(1) حيث إنّها على طائفتين: إحداهما تدلّ على بقائها على ملك المعمّر الأوّل، كرواية سليمان بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي الأرض الخربة، و يستخرجها، و يجري أنهارها و يعمّرها و يزرعها، ماذا عليه؟ قال عليه السّلام: الصدقة. قلت:

فإن كان يعرف صاحبها؟ قال: فليؤدّ إليه حقّه» «2» و قريب منها غيرها «3».

ثانيتهما: تدلّ على أنّها للمعمّر الثاني، كعموم الأخبار الدالة على أنّ «من أحيى أرضا ميتا فهي له» «4» الشامل لإحياء ما عرضه الموت. و خصوص صحيحة الكابلي المتقدمة في (ص 411)، و المراد بالخراب الخراب العرضي، إذ يطلق على الخراب الأصلي كلمة «الميّت و الميتة».

و اختلاف الأخبار صار منشأ للخلاف، و صيرورة المسألة ذات قولين، أحدهما:

أن الأرض لمعمّرها الأوّل، و ثانيهما: أنّها للمعمّر الثاني.

______________________________

[1] لا إشكال في كون القسم الرابع- و هو ما عرض له الموت بعد العمارة الأصلية له، و لم يتملكه أحد قبل صيرورته مواتا- مال الامام عليه السّلام، لعدم حدوث سبب ملكيته لأحد حتى يخرج عن ملكه عليه السّلام. و أمّا إذا تملكه أحد قبل الموات، و كذا الموات بالأصل إذا ملكه

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 7، ص 9 و 10، و حكى هذه الأقوال في الجواهر بقوله: «فالمحكي عن ..» فلاحظ جواهر الكلام، ج 38، ص 22 و 23

(2) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(3) المصدر، ص 329، الباب 3، ح 3

(4) المصدر، الحديث: 1 و 3 و 4 و 5 و 6 و 7

ص: 447

..........

______________________________

شخص بالإحياء ثم عرضها الموات، ففي بقائها على ملكه مطلقا، فلا يجوز تصرف أحد إلّا بإذنه؟ أو زوالها كذلك، و صيرورتها ملكا للإمام عليه السّلام و لمن عمّرها، بناء على كون الخراب مزيلا للملكية، أو بقائها على ملك المحيي، لكن يجوز للغير إحياؤها، و به يصير أحقّ بها، و عليه أجرة الأرض أو زوالها إذا كان تملكها بالإحياء، و بقائها إذا كان تملكها بغير الإحياء كالشراء و نحوه. وجوه بل أقوال.

لعلّ الأوفق منها بالقواعد- الذي هو مقتضى الجمع العرفي بين شتات الروايات أيضا- أن يقال: ببقاء الأرض على ملك المحيي، و عدم خروجها عنه بمجرّد الخراب، و إنّما تخرج عنه بالإعراض، فإذا أحياها شخص بعد إعراض المحيي الأوّل ملكها.

فإنّ روايات الباب المشتملة على قيود و عناوين- «كالأرض الخربة التي هي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و للإمام عليه السّلام» كصحيحة حفص بن البختري «1» و صحيحة محمّد بن مسلم «2» و غيرهما «3». و «كالأرض التي جلا أهلها» «4» و «كلّ قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها» «5» و كقوله عليه السّلام: «كل أرض خربة باد أهلها» «6» و قوله عليه السّلام: «و هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها» «7» و غير ذلك «8» من قبيل هذه القيود التي هي في مقام تحديد الأراضي الأنفال، الظاهر في اعتبارها في الموضوع و في ثبوت المفهوم لها- تقيّد المطلقات، و نتيجة التقييد هي: أنّ الأرض التي لا مالك لها- كالتي هلك أهلها و لا وارث لهم، أو كان لها

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 6، ص 364، الباب 1 من أبواب الأنفال، ح 1

(2) المصدر، ص 368، ح 12

(3) المصدر، ص 367، ح 10

(4) المصدر، ح 9

(5) المصدر، ح 7، و ص 372، ح 25

(6) المصدر، ص 365، ح 4

(7) المصدر، ص 371، ح 20

(8) المصدر، ص 367، ح 10 و غيره.

ص: 448

..........

______________________________

مالك و لكن أعرض عنها- تكون في كلتا الصورتين ملك الامام، فمن أحياها ملكها. و هذا الإعراض يستفاد من روايتين:

إحداهما: صحيحة معاوية بن وهب «1» و الأخرى رواية الكابلي «2».

إذ في الأولى: «فإن كانت أرض لرجل قبله، فغاب عنها و تركها فأخربها، ثم جاء بعد يطلبها، فإنّ الأرض للّه و لمن عمّرها».

و في الثانية: «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها و يؤدّ خراجها إلى الامام من أهل بيتي، و له ما أكل منها. فإن تركها و أخبرها، فأخذها رجل من المسلمين من بعده، فعمرها و أحياها، فهو أحق بها من الذي تركها».

فإنّ مورد هاتين الروايتين هو الترك، و من المعلوم أنّ المراد بهذا الترك هو رفع اليد عن الملك و الإعراض عنه، إذ من الواضح عدم صدق الترك على من ذهب إلى سفر مريدا للرجوع عنه إلى محله، و تعمير الخربة، و لا يقال: انّه غاب عنها و تركها، بل يقال: إنّه سيشتغل بتعمير هذه الخربة و إحيائها. و يستفاد الإعراض من ترك الأرض بقول مطلق، إذ لا يقال لمن ترك زرع أرض سنة أو سنتين- لإصلاح الأرض و إعدادها للزرع الأحسن-:

إنّه ترك الأرض.

و بالجملة: المستفاد من النصوص على اختلافها عنوانان:

أحدهما: الأرض التي لا ربّ لها.

و الآخر: الأرض التي أعرض عنها مالكها، و هذا أيضا راجع إلى سابقه، لأنّ رفع المانع عن تملك الغير كرفع اليد عن أصل الملكية، فمن أحيى أرضا لا ربّ لها أو أرضا أعرض عنها مالكها ملكها. فلو دلّ نص على الترك الأعمّ من الإعراض- كصحيح الحلبي و رواية الكابلي اللذين مفادهما أعمّ من الإعراض- فيقيّد بما ظاهره عدم الإعراض، كصحيحتي الحلبي و سليمان، فيقيّد بهما إطلاق صحيح الحلبي و رواية الكابلي.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 328، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 1

(2) المصدر، ص 329، ح 2

ص: 449

[أحكام القسم الثالث]

ثمّ القسم الثالث (1) إمّا أن تكون العمارة فيه من المسلمين، أو من الكفّار، فإن كان (2) من المسلمين فملكهم لا يزول إلّا بناقل أو بطروء الخراب، على أحد القولين (3).

و إن كان (4) من الكفّار

______________________________

(1) أحكام القسم الثالث أعني به: ما عرض له الحياة بعد الموت الأصلي، و هذا الكلام تمهيد لبيان حكم الأرض المفتوحة عنوة.

لما كانت مملّكية إحياء الأرض الموات إجماعيا في الجملة، فلذا تصدّى للبحث عن فروع المسألة من اعتبار شرط في أصل التملك، ككون المعمّر مسلما، و عدمه.

و من زوال الملك بطريان الخراب و عدمه.

و من كون الأرض المحياة في دار الكفر أو في دار الإسلام. و غير ذلك مما سيأتي بالتفصيل.

و حاصل ما أفاده المصنف قدّس سرّه هو: أنّه لا يخلو إمّا أن يكون معمّر هذه الأرض مسلما و إمّا أن يكون كافرا. فإن كان مسلما فملكه لا يزول إلّا بأحد أمرين:

الأوّل: الناقل الشرعي من بيع أو صلح أو غيرهما.

الثاني: طروء الخراب على الأرض، فإنّه مزيل للملك بناء على أحد القولين المتقدمين في القسم الرابع من صيرورتها بالموت من المباحات، فتكون ملكا لمن عمّرها ثانيا.

و أمّا بناء على بقائها على ملك المحيي الأوّل لم يكن طروء الخراب مزيلا للملك.

و إن كان المعمّر كافرا فسيأتي حكمه.

(2) كذا في النسخ، و المناسب «كانت» لرجوع الضمير إلى العمارة، و كذا في «كان» الآتي.

(3) اللّذين أشار إليهما في (ص 446) بقوله: «و إن كانت العمارة من معمّر، ففي بقائها على ملك معمّرها، أو خروجها عنه .. خلاف معروف ..» «1».

(4) معطوف على «إن كان من المسلمين» يعني: إن كان معمّرها من الكفار، فحكمه

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث: 3 و 1

ص: 450

فكذلك (1) إن كان في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار الإسلام، و إن اعتبرنا (2) الإسلام كانت باقية على ملك الإمام عليه السّلام.

و إن (3) كان في دار الكفر فملكها يزول بما يزول به ملك المسلم (4)، و بالاغتنام (5)، كسائر أموالهم.

ثمّ (6) ما ملكه الكافر من الأرض: إمّا أن يسلم عليه طوعا، فيبقى على ملكه

______________________________

كالسابق من عدم زوال ملكه إلّا بالناقل أو الخراب إن كان في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار الإسلام في المعمّر. و إن قلنا باعتبار الإسلام في معمّرها كان باقيا على ملك الامام عليه السّلام.

(1) أي: لا يزول ملك المعمّر إلّا بالناقل أو بالخراب إن كان في دار الإسلام، و قلنا بعدم اعتبار الإسلام في المحيي.

و إن اعتبرنا الإسلام فيه- للنبوي: «موتان الأرض للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثمّ هي لكم منّي أيّها المسلمون» و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «عادي الأرض للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، ثم هي لكم منّي أيّها المسلمون»- كان باقيا على ملك الإمام عليه السّلام.

(2) معطوف على «و قلنا» و الترديد لأجل كون المسألة خلافية، فمنهم من اعتبر إسلام المحيي، و منهم من لم يعتبره.

(3) معطوف على «إن كان في دار الإسلام» و حاصله: أنّه إن كانت الأرض المحياة- بعد الموت- في دار الكفر التي يكون فيها الكفار، زال ملكها بمزيل ملك المسلم، و بالاغتنام.

(4) من زواله بناقل شرعي أو بطروء الخراب، على أحد القولين، كما مرّ آنفا.

(5) معطوف على «بما» يعني: يزول ملك الكافر بما يزول به ملك المسلم، و بالاغتنام أيضا، إذ تكون هذه الأرض العامرة بعد الموت من الغنائم التي يتملّكها المسلمون بالغنيمة، كسائر أموال الكفار التي تملك بالغنيمة.

(6) كان البحث المتقدم في حكم الأراضي باعتبار العمران و الموتان، و يكون

________________________________________

ص: 451

كسائر أملاكه.

و إمّا أن لا يسلم عليه طوعا.

فإن بقي يده عليه كافرا (1) فهي (2) [فهو] أيضا كسائر أملاكه تحت يده.

و إن (3) ارتفعت يده عنها، فإمّا أن يكون بانجلاء المالك عنها (4) و تخليتها للمسلمين، أو بموت (5) أهلها و عدم الوارث،

______________________________

البحث فعلا في أحكامها باعتبار المالكين، و تفصيله: أنّ الأرض التي ملكها الكافر إن أسلم عليها طوعا، فتبقى على ملكه كسائر أملاكه. و إن لم يسلم عليها طوعا، و كانت تحت يده، فهي أيضا ملكه كسائر أملاكه.

و إن لم تكن الأرض تحت يده و ارتفعت عنها، ففيه صور:

إحداها: انجلاء المالك عنها.

ثانيتها: موت أهلها و عدم الوارث له. و الأرض في هاتين الصورتين ملك الامام عليه السّلام، لأنّها من الأنفال التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

ثالثتها: ارتفاع أيدي أهلها عنها قهرا و عنوة، و الأرض في هذه الصورة كغيرها ممّا لا ينقل- كالأشجار و الأبنية- ملك لكافة المسلمين بالإجماع و النص. و هذه الأراضي هي المسماة بالمفتوحة عنوة.

(1) و هو كما إذا استولى عليها المسلمون، و صالحوا الكفّار على أن تكون الأرض ملكا لهم.

(2) كذا في نسختنا و الأولى بمرجع الضمير- و هو الموصول في «ما ملكه»- تذكير الضمير كما في بعض النسخ.

(3) معطوف على «فان بقي» و تأنيث الضمير في «عنها» باعتبار المرجع و هو الأرض.

(4) إشارة إلى الصورة الأولى التي تقدّمت بقولنا: «إحداها انجلاء المالك عنها» و الضمير المستتر في «يكون» راجع إلى الارتفاع. يعني: إما أن يكون ارتفاع يدهب بانجلاء المالك أي خروجه و إعراضه عنها، و إمّا بموت أهلها بدون وارث لهم.

(5) معطوف على «بانجلاء» و هذه إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة بقولنا:

ص: 452

فيصير (1) ملكا للإمام عليه السّلام، و يكون من الأنفال الّتي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

و إن رفعت (2) يده عنها قهرا و عنوة، فهي كسائر ما لا ينقل من الغنيمة- كالنخل و الأشجار و البنيان- للمسلمين كافّة إجماعا (3)، على ما حكاه غير واحد، كالخلاف و التذكرة و غيرهما. و النصوص به مستفيضة.

ففي رواية أبي بردة المسؤول فيها عن بيع أرض الخراج، قال عليه السّلام: «من يبيعها؟ هي أرض المسلمين. قلت: يبيعها الذي هي في يده؟ قال: يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثمّ قال: لا بأس أن يشتري (4) حقّه منها، و يحوّل حقّ المسلمين

______________________________

«ثانيتها موت أهلها .. إلخ».

(1) يعني: فتصير الأرض في هاتين الصورتين ملكا للإمام عليه السّلام. و ينبغي تأنيث جميع الضمائر الراجعة إلى الأرض.

(2) معطوف على «و إن ارتفعت» و لعلّ الأولى أن تكون العبارة هكذا «أو بارتفاع يده عنها قهرا و عنوة» ليكون معطوفا على «بانجلاء»، كعطف «بموت» عليه.

(3) هذا هو الدليل الأوّل على كون الأرض المفتوحة عنوة ملكا لجميع المسلمين، و قد ادّعاه جماعة كشيخ الطائفة و السيد أبى المكارم و العلّامة و السيد العاملي و غيرهم قدّس سرّهم «1».

لكن صحة الاستدلال به على المطلب منوطة بعدم استناد المجمعين إلى الروايات، و إلّا كانت هي الحجة على المقصود. و احتمال استنادهم إلى النصوص كاف في عدم حجية الإجماع. فحينئذ لا بدّ من البحث فيما يستفاد من النصوص التي ادعي أنّها مستفيضة. منها:

رواية أبي بردة المذكورة في المتن.

(4) كذا في النسخة، و في الوسائل: «اشترى».

______________________________

(1) الخلاف، ج 2، ص 67- 70، كتاب الزكاة، المسألة: 80، غنية النزوع، ص 204- 205، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 184، و ادّعاه العلامة في المنتهى أيضا، ج 2، ص 934، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 239، جواهر الكلام، ج 21، ص 157

ص: 453

عليه، و لعلّه يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم منه» «1».

و في مرسلة حمّاد الطويلة: «ليس لمن قاتل شي ء من الأرضين، و ما غلبوا عليه، إلّا ما حوى العسكر (1) .. إلى أن قال: و الأرض التي أخذت بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في يد من يعمّرها و يحييها، و يقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الخراج، النصف (2) أو الثلث أو الثلثين، على قدر ما يكون لهم صالحا (3) و لا يضرّ بهم. فإذا أخرج منها ما أخرج، بدأ فأخرج منه العشر من الجميع ممّا سقت السماء أو سقي سيحا (4)، و نصف (5) العشر ممّا سقي بالدوالي (6) و النواضح (7) .. إلى أن قال: فيؤخذ ما (8) بقي بعد العشر، فيقسّم بين الوالي و بين شركائه الّذين هم عمّال الأرض و أكرتها (9)،

______________________________

(1) في الوسائل: «و لا ما غلبوا عليه الّا ما احتوى عليه العسكر».

(2) هذا و «الثّلث و الثّلثين» عطف بيان أو بدل ل «الخراج» و المراد به نصف غلّة الأرض أو ثلثها أو ثلثيها.

(3) كذا في النسخة، و في الوسائل: «صلاحا».

(4) أي: بالماء الجاري على وجه الأرض «2».

(5) معطوف على «العشر» أي: أخرج معمّر الأرض نصف العشر إن كان سقيها بالدوالي و النواضح.

(6) جمع الدالية، و هي الناعورة.

(7) جمع «ناضح» و هو البعير الذي يحمل الماء من النهر أو البئر للسقي «3».

(8) في الوسائل: «يؤخذ بعد ما بقي العشر».

(9) معطوف على «عمال» و هو بفتح الألف و الكاف و الراء، جمع «آكر» ك «حفدة» جمع «حافد» مأخوذ من «أكر» بمعنى الحفر و الحرث و الزرع «4» فالمراد هنا الزارعون.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 118، الباب 71 من أبواب جهاد العدو، ح 1

(2) مجمع البحرين، ج 2، ص 377، لسان العرب، ج 2، ص 492

(3) المصدر، ص 419، و لسان العرب، ج 4، ص 619

(4) مجمع البحرين، ج 3، ص 308، لسان العرب، ج 4، ص 26

ص: 454

فيدفع عليهم أنصباؤهم (1) على قدر ما صالحهم عليه، و يأخذ الباقي، فيكون ذلك أرزاق أعوانه على دين اللّه، و في مصلحة ما ينوبه من تقوية الإسلام و تقوية الدين في وجوه الجهاد، و غير ذلك ممّا فيه مصلحة العامّة، ليس لنفسه من ذلك قليل و لا كثير» الخبر «1».

و في صحيحة الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن السواد ما منزلته؟

قال: هو لجميع المسلمين، لمن هو اليوم، و لمن يدخل (2) [دخل] في الإسلام بعد اليوم، و لمن لم يخلق بعد (3). فقلنا: أ نشتريه من الدّهاقين؟ قال: لا يصلح إلّا أن تشتريها منهم على أن تصيّرها للمسلمين، فإن شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها.

قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يردّ عليه رأس ماله، و له ما أكل من غلّتها بما عمل» «2».

و رواية ابن شريح، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شراء الأرض من أرض الخراج؟ فكرهه، و قال (4) [قال] إنّما أرض الخراج للمسلمين. فقالوا له: فإنّه يشتريها الرجل و عليه خراجها. فقال: لا بأس، إلّا أن يستحيي من عيب ذلك» (5) «3».

______________________________

(1) بفتح الهمزة و سكون النون، جمع «نصيب».

(2) كذا في الوسائل و في بعض نسخ الكتاب، و في نسختنا «دخل».

(3) هذه الجملة صريحة في أنّ الأرض المفتوحة عنوة- كالعراق- ملك لجميع المسلمين، و أنّ شراءها من الدّهاقين ليس بمعنى تملكها منهم، بل بمعنى جعلها للمسلمين و أن يكون الأمر مفوّضا إلى الوالي.

(4) كذا في الوسائل و بعض نسخ الكتاب، و في نسختنا «قال».

(5) يعني: أن يستحيي المشتري من عيب هذه الأرض. و المراد بالعيب صيرورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 11، ص 84، الباب 41 من أبواب جهاد العدو، ح 2

(2) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 4

(3) المصدر، ص 275، ح 9

ص: 455

و رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي، ففيها: «و سألته عن رجل اشترى أرضا من أراضي الخراج، فبنى بها أو لم يبن، غير أنّ أناسا من أهل الذمّة نزلوها، له أن يأخذ منهم أجور البيوت إذا أدّوا (1) جزية رؤوسهم؟ قال: يشارطهم، فما أخذ بعد الشرط فهو حلال [أخذها] (2) «1».

______________________________

المشتري كالكفار في دفع الجزية، و من المعلوم أن في دفع الخراج نوع حقّة على المسلم.

فإن ترك الشراء لأجل هذا العيب فهو، و إن تحمّله و اشتراها فلا بأس.

و على كلّ فالشاهد في قوله عليه السّلام: «إنّما أرض الخراج للمسلمين» الدال على عدم تملك آحاد المسلمين للأرض المفتوحة عنوة، و أنّ المقصود من الترخيص في الشراء هو تفويض حق الانتفاع، لا تمليك رقبة الأرض.

(1) يعني: إذا أدّوا جزية رؤوسهم إلى وليّ أمر المسلمين.

(2) كذا في نسختنا، و لم ترد هذه الكلمة في الوسائل و في بعض نسخ الكتاب، و لعلّه الصواب، لرجوع ضمير «هو» إلى المأخوذ.

و توضيح دلالة الرواية على منع بيع الأرض المفتوحة عنوة هو: أنّ السؤال عن جواز أخذ الأجرة من أهل الذمة الّذين نزلوا في بيوت مبنيّة في الأرض الخراجية لأجل الحرث و الزرع، و هم يؤدّون جزية رؤوسهم إلى وليّ المسلمين.

و لعلّ منشأ السؤال احتمال سقوط اجرة البيوت، لأنّ المسلم الذي بيده الأرض عند ما يبذل اجرة عمل الزارع يجعل شيئا من الأجرة بدلا عن سكناهم في تلك الأبنية، فليس له أخذ أجرة السّكنى فيها.

فأجاب عليه السّلام: بأنّ جواز مطالبة الأجرة من أولئك العاملين في الأرض منوط بالاشتراط في عقد الإجارة بين المسلم الذي تكون الأرض بيده و بين أهل الذمة الزارعين فيها. فإن اتفق الطرفان على بذل بدل السكنى فهو، و إلّا لم يجز أخذ شي ء من العاملين.

و هذه الرواية سؤالا و جوابا أجنبية ظاهرا عمّا رامه المصنف من نقل النصوص

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه، ح 10

ص: 456

و في خبر أبي الربيع: «لا تشتر من أرض السواد شيئا، إلّا من كانت له ذمّة (1)، فإنّما هي في ء للمسلمين» «1».

إلى غير ذلك (2).

و ظاهره (3) كما ترى عدم جواز بيعها حتّى تبعا للآثار المملوكة

______________________________

الدالة على كون الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين، و لا يجوز تملك رقبتها.

لكن يمكن توجيه الاستدلال بها بما أفاده بعض أجلّه المحشّين من: أنّ مفهوم قوله عليه السّلام: «يشارطهم فما أخذ بعد الشرط فهو حلال» هو حرمة أخذ الأجرة بدون الشرط، و لا وجه لحرمة الأخذ حينئذ إلّا كون الأرض ملكا للمسلمين كافة لا لخصوص هذا المتصرّف، و المفروض أنّ العمّال الذّميّون قد أدّوا جزية رؤوسهم إلى الوالي، و خرجوا عن الحق الثابت عليهم، فلا موجب لأخذ شي ء آخر منهم. و أما حلّ الأخذ في ما اشترط، فلعلّه لكونه بإزاء إذنه لهم في التصرف في البيوت التي تعلّق حقّه بها، هذا ما أفيد «2».

(1) حاصله: أنّه لا بدّ أن يكون البائع كافرا ذمّيا، فإنّ أمواله- التي منها هذه الأرض- محترمة، و المفروض قيامه بعهدة خراج الأرض، و هذا بخلاف المسلم، فإنّه لا يصحّ أن يبيعها، لعدم كونها ملكا له.

(2) كمضمرة محمّد بن مسلم، قال: «سألته عن شراء أرضهم، فقال: لا بأس أن تشتريها، فتكون إذا كان ذلك بمنزلتهم، تؤدي فيها كما يؤدون فيها» «3».

(3) كذا في النسخ، و الأولى تأنيث الضمير، لرجوعه إلى النصوص في قوله:

«و النصوص به مستفيضة». أي: ظاهر النصوص المستفيضة- لإطلاق المنع فيها الشامل للأرض منفردة و منضمّة مع الآثار- هو عدم جواز بيع أرض الخراج مطلقا حتى تبعا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 274، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 5

(2) حاشية المكاسب، للمحقق الايرواني، ج 1، ص 168، و أشار إليه العلامة السيد الاشكوري في بغية الطالب، ج 1، ص 144

(3) وسائل الشيعة، ج 12، ص 275، الباب 21 من أبواب عقد البيع، ح 7

ص: 457

فيها (1) على أن تكون جزءا من المبيع، فيدخل في ملك المشتري.

نعم (2) يكون للمشتري على وجه كان (3) للبائع، أعني (4) مجرّد الأولويّة و عدم جواز مزاحمته (5) إذا (6) كان التصرّف و إحداث تلك الآثار بإذن الإمام أو بإجازته و لو لعموم الشيعة، كما (7) إذا كان التصرّف بتقبيل السلطان الجائر، أو بإذن الحاكم

______________________________

للآثار المملوكة فيها من الأبنية و الأشجار، على أن تكون الأرض جزءا من المبيع حتى تدخل الأرض لهذه التبعية في ملك المشتري.

(1) هذا الضمير و ضمير «بيعها» و المستتر في «تكون، فيدخل» راجعة إلى أرض الخراج. و الأولى «فتدخل» بدل «فيدخل».

(2) استدراك على عدم جواز بيع رقبة أرض الخراج، بحيث يكون بيعها كبيع سائر الأموال المملوكة في ترتب ملكية الرقبة عليه.

و حاصل الاستدراك: أنّه يترتب على هذا البيع أولوية المشتري بأرض الخراج، كأولويّة البائع بها، و عدم جواز مزاحمته إن كان تصرفه و إحداث الآثار من الأبنية و الأشجار بإذن الإمام عليه السّلام حين التصرف، أو بإجازته بعد التصرف، و لو كان الإذن بلسان العموم، كقولهم عليهم السّلام: «ما كان لنا فهو لشيعتنا» و «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيها محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم .. إلخ».

(3) الضمير المستتر فيه و في «يكون» راجعان إلى الأرض، فالأولى «تكون، كانت».

(4) هذا بيان لقوله: «على وجه» يعني: ذلك الوجه هو الأولويّة، لا الملكيّة.

(5) أي: مزاحمة البائع، و لفظ «عدم» عطف تفسيري للأولوية، و يمكن عطفه على مجرد.

(6) قيد للأولويّة و عدم جواز المزاحمة، يعني: أنّ أولوية البائع بأرض الخراج من غيره منوطة بأن يكون تصرفه و إحداث الآثار فيها- من البنيان و الأشجار- بإذن الإمام عليه السّلام أو إجازته و لو بنحو العموم للشيعة كما مرّ آنفا.

(7) مثال للإذن و الإجازة، يعني: أنّ التصرف بإذن الحاكم الشرعي أو تقبيل السلطان المخالف يكون من التصرف الجائز المأذون فيه.

ص: 458

الشرعي، بناء (1) على عموم ولايته لأمور المسلمين، و نيابته عن الإمام عليه السّلام.

لكن (2) ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرّف فيها (3)، قال:

«لا يجوز التصرّف فيها ببيع و لا شراء و لا هبة و لا معاوضة (4). و لا يصحّ (5) أن يبني فيها دورا و منازل و مساجد و سقايات (6) و لا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك.

______________________________

(1) هذا قيد لإذن الحاكم الشرعي، فإنّ نفوذ إذنه موقوف على ولايته لأمور المسلمين.

(2) استدراك على قوله: «نعم يكون للمشتري .. إلخ» و حاصل الاستدراك: أنّ ظاهر عبارة المبسوط إطلاق المنع عن التصرف في الأرض المفتوحة عنوة بشي ء من التصرفات الاعتبارية كالبيع و الهبة و نحوهما، و الخارجية كبناء الدور و الدكاكين و المساجد و غير ذلك، فلا ينتقل شي ء من البائع إلى المشتري حتى الأولوية.

و بالجملة: فكلّ تصرف يتوقف على الملك حرام و باطل، و يكون حكم الشي ء الذي بنى في الأرض المفتوحة عنوة حكم أصل الأرض، و هو كونه ملكا لعامّة المسلمين.

و لا يخفى أن المصنف بقوله: «لكن ظاهر» شرع في نقل الأقوال في المسألة، و هي أربعة، و كلام المبسوط أوّلها.

(3) أي: في الأرض المفتوحة عنوة.

(4) هذا من عطف العام على الخاص، و العبارة منقولة بالمعنى، و إلّا فنصّ المبسوط هو: «و لا يصحّ بيع شي ء من هذه الأرضين و لا هبته و لا معاوضته و لا تمليكه و لا وقفه و لا رهنه و لا إجارته و لا إرثه. و لا يصح .. إلخ».

(5) الأولى التعبير بعدم الجواز، فإنّ الصحة و الفساد من أوصاف المركبات، لا البسائط كالملكية.

(6) جمع «سقاية» و لها معان، منها «الموضع الذي يتخذ فيها الشراب في المواسم و غيرها» «1» فالمراد هنا بناء مكان يوضع فيه الماء للشرب.

______________________________

(1) لسان العرب، ج 14، ص 392

ص: 459

و متى فعل شيئا من ذلك كان التصرّف باطلا (1)، و هو (2) على حكم الأصل» «1».

و يمكن حمل كلامه (3) على صورة عدم الإذن من الإمام عليه السّلام حال حضوره.

و يحتمل (4) إرادة التصرّف بالبناء على وجه الحيازة و التملّك.

______________________________

(1) الأولى أن يقال: «حراما» لكون المنهي عنه في عبارة المبسوط مطلق التصرف من الخارجي و الاعتباري، و من المعلوم عدم اتصاف بناء الدور و السقاية بالبطلان.

و على كلّ فالوجه في البطلان كون الأرض للمسلمين لا للمتصرّف، فلا ينفذ شي ء من تصرفاته فيها.

(2) هذه الجملة منقولة بالمعنى أيضا، ففي المبسوط: «و هو باق على الأصل» يعني:

أنّ الشي ء الذي فعله المتصرف في هذه الأرض المفتوحة عنوة من الأبنية تابع لأصل الأرض في كونها فيئا للمسلمين.

(3) أي: حمل كلام صاحب المبسوط قدّس سرّه المانع عن مطلق التصرف في الأرض المفتوحة عنوة. و حاصل هذا التوجيه: أنّ كلامه محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه السّلام في التصرف مع حضوره. و حينئذ يكون المنع عن مطلق التصرف في محله، إذ لا بدّ من إذن وليّ الأمر في التصرف في الأرض.

و هذا الحمل مذكور في مفتاح الكرامة، لقوله- بعد نقل إجماع المسالك على المنع من التصرف-: «و يمكن حمل هذا الإجماع و ما ضاهاه على أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف فيها بشي ء قبل أن يسلّمها إليه الامام .. و هذا ممّا لا ريب فيه، لأنّه إذا فتحها الامام عليه السّلام كان أمرها إليه ..» «2».

(4) هذا توجيه ثان لكلام الشيخ في المبسوط، و محصله: أنّه يمكن أن يكون مورد المنع عن التصرف هو التصرف الذي أريد به الحيازة و التملك، لا مجرّد الأولوية.

______________________________

(1) المبسوط، ج 2، ص 34، و حكي هذا المطلب عن جماعة آخرين، فلاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 240، جواهر الكلام، ج 22، ص 348 و 349

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 244

ص: 460

و قال في الدروس (1) «لا يجوز التصرّف في المفتوحة عنوة إلّا بإذن الإمام، سواء كان بالبيع أو الوقف أو غيرهما (2).

______________________________

(1) غرضه أنّ الشهيد رحمه اللّه فصّل بين زماني الحضور و الغيبة، بنفوذ التصرفات في زمان الغيبة، و عدم نفوذها في عصر الحضور إلّا بإذنه عليه السّلام.

و عبارة الدروس تضمّنت أقوالا ثلاثة:

أحدها: المنع مطلقا، و هو كلام الشيخ في المبسوط. و قد تقدم.

و ثانيها: التفصيل بين الأرض و بين الآثار المحدثة فيها، بمنع التصرف في نفس الأرض، و بالجواز في الثاني، و هو مختار الحلّي قدّس سرّه.

و ثالثها: التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة، و هو مختار الشهيد، و اختاره المحقق الثاني أيضا.

و هل مرادهما من جواز البيع و الوقف في زمن الغيبة جواز بيع رقبة الأرض على الاستقلال و مجرّدة عن الأبنية المحدثة فيها؟ أم أنّ المراد بيعها تبعا للآثار بحيث لا يصحّ بيعها مستقلّا. فيه احتمالان، استظهر السيد العاملي قدّس سرّه الأوّل، فنسب إلى الشهيد و المحقق الثاني التزامهما بالتفصيل بين عصر الحضور و الغيبة، بمنع البيع و الوقف في زمان حضوره عليه السّلام، و بجوازهما في هذه الأزمنة.

قال قدّس سرّه في مفتاح الكرامة: «و قضيّة ما في الدروس أنه يصح بيعها منفردة في زمن الغيبة، و نحوه ما في جامع المقاصد» ثم نقل عبارة الدروس المذكورة في المتن «1».

و عليه فاستظهر السيد قدّس سرّه من عبارتيهما جواز التصرف في رقبة الأرض على نحو الاستقلال في عصر الغيبة، هذا.

و لكن المصنف ناقش في هذا الاستظهار، بأنّ غرض الشهيد قدّس سرّه من جواز البيع في زمن الغيبة ليس بيع رقبة الأرض مجردة عن الآثار، بل مقصوده جعل الأرض جزءا من المبيع أو الموقوفة، و استشهد لذلك بما أفاده الشهيد الثاني قدّس سرّه و سيأتي.

(2) المراد من هذه الجملة بنظر المصنف هو جواز بيع الأرض و وقفها- في زمن

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 240، و نحوه في ص 243 و كذا نسبه الى الدروس صاحب الجواهر، فراجع، ج 22، ص 350

ص: 461

نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك (1).

و أطلق (2) [1] في المبسوط: أنّ التصرّف فيها لا ينفذ.

و قال (3) ابن إدريس: إنّما نبيع و نوقف تحجيرنا و بناءنا (4) و تصرّفنا، لا نفس الأرض» انتهى «1».

و قد ينسب (5) إلى الدروس التفصيل بين زماني الغيبة و الحضور، فيجوز التصرّف في الأوّل (6) و لو بالبيع و الوقف، لا في الثاني (7) إلّا بإذن الإمام عليه السّلام.

و كذا (8) إلى جامع المقاصد.

______________________________

الغيبة- تبعا للآثار، لا مطلقا و لو بتمليك رقبة الأرض للمشتري بدون ما أحدثه فيها من بناء أو غرس أو زرع.

(1) يعني: ينفذ كلّ تصرف في حال الغيبة.

(2) هذا الإطلاق ناظر إلى زماني الحضور و الغيبة، فلا ينفذ تصرفه في كلا الزمانين.

(3) حاصله: أنّ ابن إدريس قدّس سرّه فصّل بين الأرض و بين ما يتعلّق بها، بجواز التصرف فيما يتعلق بها من حقّ التحجير و الأبنية المبنية فيها، و عدم جوازه في نفس الأرض.

(4) هذه الجملة أقرب إلى ما في السرائر، و لكن المنقول عنه في الدروس هو «انما يباع و يوقف تحجيرنا و بناؤنا .. إلخ».

(5) الناسب هو السيد العاملي كما عرفت في عبارته المتقدمة.

(6) و هو زمان الغيبة، و قوله: «و لو بالبيع ..» إشارة إلى التصرفات المتوقفة على الملك.

(7) و هو زمان الحضور، فلا ينفذ التصرف فيها إلّا بإذن الإمام عليه السّلام.

(8) يعني: و نسب أيضا هذا التفصيل إلى المحقق الثاني قدّس سرّه فيجوز التصرف

______________________________

[1] لا يخفى أنّ مقتضى هذا الإطلاق رضا الشارع- بل أمره- بتعطيل الأراضي الخراجية. و هو كما ترى.

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 2، ص 41، السرائر، ج 1، ص 478

ص: 462

و في النسبة نظر (1)، بل (2) الظاهر موافقتهما لفتوى جماعة (3) من جواز التصرّف فيه (4) في زمان الغيبة بإحداث الآثار، و جواز (5) نقل الأرض تبعا للآثار،

______________________________

في زمان الغيبة دون زمان الحضور إلّا بإذن الإمام عليه السّلام، قال قدّس سرّه معلّقا على قول العلامة قدّس سرّه: «و لا يصح بيعها- أي الأرض المفتوحة عنوة و لا وقفها ..» ما لفظه: «هذا في حال ظهور الامام عليه السّلام. أما في حال الغيبة فينفذ ذلك كلّه، كما صرّح به في الدروس، و صرح به غيره» «1».

(1) يعني: و في نسبة التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة إلى الشهيد و المحقق الثاني نظر. و وجه النظر ما سيأتي من الاستشهاد بكلام الشهيد الثاني قدّس سرّه.

(2) يعني: بل الظاهر موافقة الدروس و جامع المقاصد لفتوى جماعة من الفقهاء من جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة بإحداث الآثار من الأبنية و غرس الأشجار فيها، و جواز نقل نفس الأرض أيضا تبعا للآثار، لا مستقلّا. فالأرض تصير مملوكة أيضا تبعا لها، فإذا ذهبت الآثار انقطع حق المشتري عن الأرض رأسا.

(3) قال السيد العاملي قدّس سرّه- بعد نقل عبارة المبسوط و عدّ جماعة ممّن منع من التصرف في رقبة الأرض ببيع و شبهه- ما لفظه: «و في موضع آخر من التذكرة و التحرير: أنه يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرّف. و نحوه ما في السرائر في موضع منها، و المختلف و المنتهى و حواشي الكتاب- أي حواشي الشهيد على القواعد- و اللمعة و الروضة، و قوّاه في موضع من المسالك، و في آخر منه نسبته إلى جمع من المتأخرين، و أنّ العمل عليه» «2».

و قال العلّامة في بيع التذكرة: «نعم يصحّ بيعها- أي الأرض الخراجية- تبعا لآثار التصرف» «3».

(4) أي: في الأرض، و الأولى تأنيث الضمير، و «بإحداث» متعلق بالتصرف.

(5) معطوف على «جواز التصرف» الذي هو جواز تكليفي، و جواز النقل جواز وضعي.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 3، ص 403، و نسب إلى حاشيته على الشرائع أيضا، ص 301 كما في هامش المسالك. و يستفاد من كلامه في حكم بيع بيوت مكة المشرفة، فلاحظ ج 4، ص 97

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 240

(3) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 39

ص: 463

فيفعل (1) ذلك بالأرض تبعا للآثار، و المعنى (2) أنّها مملوكة ما دامت الآثار موجودة. قال (3) في المسالك- في شرح قول المحقّق: «و لا يجوز بيعها و لا هبتها و لا وقفها»-: «إنّ (4) المراد لا يصحّ ذلك في رقبة الأرض مستقلّة. أمّا لو (5) فعل ذلك (6) بها (7) تبعا لآثار التصرّف من بناء و غرس و زرع و نحوها فجائز على الأقوى».

قال (8): «فإذا باعها بائع مع شي ء من هذه الآثار دخل (9) في المبيع على سبيل التبع، و كذا الوقف و غيره (10. و يستمرّ كذلك ما دام شي ء من الآثار باقيا،

______________________________

(1) أي: فيفعل النقل بالأرض تبعا للآثار. و الظاهر أنّ هذه الجملة مستدركة، للاستغناء عنها بقوله: «و جواز نقل الأرض تبعا للآثار».

(2) يعني: و معنى التبعية أنّ الأرض مملوكة ما دامت الآثار موجودة، فتنعدم الملكية بانعدامها.

(3) الغرض من نقل عبارة المسالك الاستشهاد بها على ثبوت الفتوى التي نسبها إلى جماعة من جواز بيع أرض الخراج و نقلها تبعا للآثار.

(4) هذا كلام المسالك، و حاصله: أنّ مراد المحقق من عدم جواز البيع و غيره هو عدم صحة البيع و شبهه في رقبة الأرض بنحو الاستقلال، و أمّا بنحو التبعية للآثار فلا بأس به.

(5) كلمة «لو» لم تذكر في نسختنا، و إنّما ذكرت في المسالك و في بعض نسخ الكتاب.

(6) المراد بالمشار إليه هنا و في قوله: «لا يصح ذلك» هو بيع رقبة الأرض.

(7) أي: برقبة الأرض.

(8) أي: قال الشهيد الثاني في شرح عبارة الشرائع: فإذا باع الأرض المفتوحة عنوة بائع مع شي ء من الآثار التي أنشئت فيها دخلت نفس الأرض في المبيع على سبيل التبعية.

(9) كذا في النسخ، و الصواب كما في المسالك «دخلت» لرجوع الضمير الفاعل المستتر إلى الأرض.

(10) كالهبة، فالوقف و الهبة ثابتان للأرض تبعا، و تستمرّ هذه التبعيّة ما دام شي ء

ص: 464

فإذا ذهبت أجمع انقطع حقّ المشتري و الموقوف عليه و غيرهما عنها. هكذا ذكره جمع (1)، و عليه العمل» انتهى «1».

نعم (2) ربما يظهر من عبارة الشيخ في التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس الرقبة، حيث قال (3) «إن قال قائل: إنّ (4) ما ذكرتموه إنّما دلّ على إباحة التصرّف في هذه الأرضين، و لا يدلّ على صحّة تملّكها (5) بالشراء و البيع، و مع عدم صحّته (6) لا يصحّ ما يتفرّع عليهما [عليها].

______________________________

من الآثار باقيا، فإذا ذهبت الآثار أجمع انقطع حقّ المشتري و الموقوف عليه- و غيرهما كالمتّهب- عن الأرض، لارتفاع التبعية بارتفاع موضوعها و هو الآثار.

(1) الظاهر أنّ هذه الجمع هي «الجماعة» المتقدمة في المتن (ص 463)، و عدّهم السيد العاملي في ما تقدم من كلامه.

(2) استدراك على الملك التبعي للأرض المفتوحة عنوة، و إشارة إلى قول رابع في المسألة، بأن يقال: إنّه ربما يظهر من عبارة التهذيب جواز البيع و الشراء في نفس رقبة الأرض، لا جواز بيعها تبعا للآثار.

(3) يعني: قال الشيخ مستشكلا على نفسه بما حاصله: إنّ مقتضى ما ذكرتموه من أدلة أحكام الأرض المفتوحة عنوة هو إباحة التصرف فيها، لا ملكيّتها بالبيع و الشراء، و بدون تحقق ملكيّتها كيف يصح تفريع ما يتوقف على الملكية- كالبيع و الوقف- على الأرض المذكورة؟

و لا يخفى أنّ العبارة المنقولة في المتن تغاير ما في التهذيب يسيرا، كما سنذكره.

(4) في التهذيب: «ان جميع ما ذكرتموه إنّما يدلّ على إباحة التصرف لكم ..».

(5) في التهذيب: «و لم يدلّ على أنّه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فإذا لم يصحّ الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه أيضا لا يصح مثل الوقف و النحلة و الهبة و ما يجري مجرى ذلك».

(6) أي: و مع عدم صحة تملّك هذه الأرض لا يصحّ ما يتفرّع على الملكية كالبيع

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 56

ص: 465

قلنا (1) إنّا قد قسّمنا الأرضين على ثلاثة أقسام، أرض أسلم أهلها عليها، فهي ملك لهم يتصرّفون فيها، و أرض (2) تؤخذ عنوة، أو يصالح (3) أهلها عليها، فقد أبحنا شراءها (4) و بيعها،

______________________________

و نحوه. هذا بناء على ما نقله المصنف في المتن. و لكن عرفت صراحة عبارة التهذيب في ما يتفرع على البيع و الشراء، و لذا صحّحت نسختنا ب «عليهما» بدلا عمّا في غالب النسخ من «عليها».

(1) هذا أيضا يغاير ما في التهذيب. من قوله: «قيل له: إنّا قد قسّمنا الأرضين في ما مضى على ثلاثة أقسام، أرض يسلم أهلها عليها، فهي تترك في أيديهم، و هي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صحّ لنا شراؤها و بيعها. و أمّا الأرضون التي تؤخذ عنوة ..» إلى آخر ما في المتن.

و كيف كان فهذا جواب الإشكال الذي تعرّض له بقوله: «إن قال قائل» و محصل الجواب: أنّ الأرضين على ثلاثة أقسام:

أحدها: الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا، و هي ملك لهم يتصرّفون فيها كتصرف سائر الملّاك في أملاكهم.

ثانيها: الأرض التي تؤخذ من الكفار عنوة، و هذه الأرض ملك لكافّة المسلمين، و قد أبيح لهم بيعها و شراؤها، لأنّها ملك لهم. و المتصدي لبيعها يكون من المسلمين.

ثالثها: أرض الصلح، و هي التي يصالح أهلها عليها مع المسلمين.

(2) معطوف على «أرض أسلم» و هذا هو القسم الثاني من أقسام الأرضين.

(3) معطوف على «تؤخذ» يعني: أو أرض يصالح أهلها عليها، و هذا هو ثالث أقسام الأرضين.

(4) يعني: شراء الأرض المأخوذة عنوة و بيعها. و هذه الجملة ظاهرة- بل صريحة- في جواز بيع و شراء الأرض المفتوحة عنوة.

و الوجه في إباحة بيعها و شرائها هو: أنّ لنا في تلك الأراضي نصيبا، لأنّها أراضي المسلمين. و المتصدّي للبيع و الشراء أيضا من المسلمين، فيتصرف فيما هو ملك له.

ص: 466

لأنّ [1] لنا في ذلك قسما، لأنّها (1) أراضي المسلمين، و هذا القسم (2) أيضا يصحّ الشراء و البيع فيه على هذا الوجه (3).

و أمّا الأنفال (4) و ما يجري مجراها، فلا يصحّ تملّكها بالشراء (5)، و إنّما أبيح لنا التصرّف فيها (6) حسب» «1».

ثمّ استدلّ (7) على أراضي الخراج برواية أبي بردة السابقة «2» الدالّة على جواز

______________________________

(1) الضمائر في «شرائها، بيعها، لأنّها» راجعة إلى الأرض.

(2) يعني: الأرض المأخوذة عنوة أيضا كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا في أنّه يصحّ بيعها و شراؤها.

(3) أي: على وجه كون هذه الأراضي المفتوحة عنوة- أو التي صولح عليها- ملكا للمسلمين، فالتصرف في الأرض المفتوحة عنوة جائز بأيّ نحو كان، كالتصرف في الأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا.

(4) هذا كلام التهذيب أيضا، و غرضه بيان حكم الأنفال و ما يجري مجراها كالأرض التي هلك أهلها، فلا يصحّ تملكها بالشراء، لأنّها ملك خاص للإمام عليه السّلام. نعم أبيح لنا التصرف فيها فقط.

(5) في التهذيب: «بالشراء و البيع، و إنّما أبيح لنا التصرف فحسب».

(6) هذا الضمير و ضميرا «مجراها، تملكها» راجعة إلى الأنفال.

(7) أي: استدلّ الشيخ في التهذيب- على حكم الأراضي الخراجية- برواية

______________________________

[1] لا يخفى ما في هذا التعليل، إذ ليست ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين من الملكيات المتعارفة الموضوعة لتسلط الملّاك على أملاكهم، بل هي نحو خاصّ من الملك دلّ عليه النص. و ليس هو موضوعا لقاعدة السلطنة، و لا يصح التعليل المزبور إلّا إذا كان الملك موضوعا لقاعدة السلطنة، و من المعلوم أنّ ملك المسلمين للأرض المفتوحة عنوة ليس كذلك، فالتعليل المذكور عليل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 145- 146، ذيل الحديث: 405

(2) تقدمت في ص 453

ص: 467

بيع آثار التصرّف دون رقبة الأرض. و دليله (1) قرينة على توجيه [1] كلامه.

و كيف كان (2) فما ذكروه من حصول الملك تبعا للآثار ممّا لا دليل عليه إن

______________________________

أبي البردة، المذكورة في (ص 453) الدالة على جواز بيع آثار التصرف، المعبّر عنه «ببيع حقّه منها» دون بيع رقبة الأرض. لكن الرواية مرميّة بضعف السند، لجهالة أبي بردة.

(1) يعني: و دليل شيخ الطائفة قدّس سرّه قرينة على توجيه كلامه الظاهر في جواز بيع نفس أرض الخراج و شرائها مستقلة. توضيحه: أنّ ما يستفاد ما رواية أبي بردة شراء الحق، لقوله عليه السّلام: «لا بأس أن يشتري حقّه منها، و يحوّل حقّ المسلمين عليه» ضرورة أنّه لو كان المراد بيع نفس رقبة الأرض لم يكن للمسلمين حقّ حتى يحوّله على المشتري.

فالمراد باشتراء الحقّ بيع الآثار و شراؤها لا رقبة الأرض.

فمقصود شيخ الطائفة قدّس سرّه من قوله: «فقد أبحنا شراءها و بيعها» هو بيع آثار الأرض المفتوحة عنوة، لا بيع رقبتها، حتى يوافق مدّعاه دليله الذي مفاده بيع الآثار، لا بيع نفس الرقبة.

(2) أي: سواء أ كانت الرواية مطابقة لكلام الشيخ في التهذيب أم لم تكن مطابقة له، فما ذكروه من حصول ملك الرقبة تبعا للآثار ممّا لم يقم عليه دليل إن أرادوا بالملك انتقال ملكية رقبة الأرض من شخص إلى غيره، بل دلّت النصوص السّت المتقدمة على عدم نفوذ بيع الأرض المفتوحة عنوة.

______________________________

[1] لا يخفى أنّ التوجيه- و هو إرادة خلاف الظاهر- لا بدّ من ارتكابه هنا، و دليله قرينة على التوجيه، فإنّ قوله: «أبحنا شراءها و بيعها» لرجوع الضميرين إلى نفس الأرض، و كذا تعليله بقوله: «لأن لنا في ذلك قسما» كالصريح في إرادة بيع نفس الرقبة، و ذلك يلائم بيع و شراء نفس الرقبة، لأنّ نصيب كل مسلم من عين الأرض.

مضافا إلى جعل الأرض المفتوحة عنوة كالأرض التي أسلم أهلها عليها طوعا، في جواز كل تصرف- من بيع الرقبة و غيره- في أرض الإسلام الطوعي.

و عليه، فلا بدّ من توجيه بيع العين و شرائها، و صرفها إلى بيع الآثار و شرائها بما يصلح أن يكون قرينة عليه. و استدلاله بالرواية و اختياره لمضمونها قرينة على إرادة خلاف ظاهر كلامه.

ص: 468

أرادوا الانتقال. نعم (1) المتيقّن هو ثبوت حقّ الاختصاص (2) للمتصرّف ما دام شي ء من الآثار موجودا.

فالذي (3) ينبغي أن يصرف الكلام إليه هو بيان الوجه الذي يجوز التصرّف معه حتّى يثبت حقّ الاختصاص، فنقول:

أمّا في زمان الحضور و التمكّن من الاستئذان، فلا ينبغي الإشكال [1] في توقّف التصرّف على إذن الإمام، لأنّه وليّ المسلمين، فله نقلها عينا و منفعة. و من الظاهر أنّ كلام الشيخ- المطلق في المنع عن التصرّف- محمول على صورة عدم إذن الإمام عليه السّلام مع حضوره.

______________________________

(1) استدراك على عدم الدليل على حصول الملك لرقبة الأرض تبعا للآثار، و حاصل الاستدراك: أنّ المتيقن من الأدلة هو ثبوت حق الاختصاص للمتصرف ما دام شي ء من الآثار موجودا، و هذا الحق قابل للانتقال إلى الغير.

(2) يعني: لا ملكية رقبة الأرض للمتصرّف، و هذا الحقّ باق ببقاء الآثار، فمع ارتفاعها ينتفي الحق.

(3) بعد أن ضعّف المصنف قدّس سرّه بيع الأرض المفتوحة عنوة و لو تبعا للآثار، صار بصدد تحقيق المطلب بالنظر في جهتين:

الأولى: في التصرف في نفس الأرض.

الثانية: في حكم ما ينفصل عنها كأثمار الأشجار و أخشاب الأبنية.

و الكلام فعلا في الجهة الاولى، و هي بيان الوجه المجوّز للتصرف الموجب لحقّ الاختصاص، فنقول: أمّا في زمان الحضور و التمكن من الاستيذان فلا ينبغي الإشكال في توقف جواز التصرف في الأرض المفتوحة على إذن الامام عليه السّلام، لأنّه وليّ المسلمين.

______________________________

[1] بناء على عدم انصراف ما دلّ على «حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه أو إذن وليّه» عن هذا السّنخ من الملك الذي ليس لمالكه شي ء من التصرف، و إنّما التصرف لوليّه. لكن لا مطلقا، بل التصرف في منافعه بصرفها في خصوص المصلحة العامّة لملّاكه، إذ مع هذا الانصراف يرجع إلى الأصل العملي، و هو أصالة الإباحة.

ص: 469

و أمّا في زمان الغيبة، ففي عدم جواز التصرّف إلّا فيما أعطاه السلطان الذي حلّ قبول الخراج و المقاسمة منه.

______________________________

و مقتضى ولايته عدم جواز التصرف فيها إلّا بإذنه.

و الظاهر أنّ إطلاق كلام الشيخ في التهذيب- في المنع عن التصرف- محمول على صورة عدم إذن الامام عليه السّلام مع حضوره و التمكن من استيذانه. و أمّا في زمان الغيبة، ففي التصرف فيه وجوه خمسة:

أحدها: عدم جوازه إلّا في الأرض التي أعطاها السلطان الذي حلّ قبول الخراج و المقاسمة منه، و هو السلطان المخالف المدّعي للخلافة، كما ذهب إليه- في مسألة ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة- بقوله: «و الحاصل: أنّ أخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الأصحاب ليس إلّا الجائر المخالف» «1».

و قال في جواز أخذ الخراج منه بعد الاستدلال بصحيحة الحذاء: «و المراد بالحلال هو الحلال بالنسبة إلى من ينتقل إليه، و إن كان حراما بالنسبة إلى الجائر الآخذ له» «2».

و كيف كان فهذا الوجه الأوّل حكاه صاحب الجواهر عن المحقق الثاني، و هو قوله: «و لو لم يكن عليها- أي على الأرض- يد لأحد فقضية كلام الأصحاب توقف جواز التصرف فيهما على إذنه، حيث حكموا بأنّ المقاسمة و الخراج منوط برأيه، و هما كالعوض عن التصرف، و إذا كان العوض منوطا برأيه كان المعوّض كذلك» «3».

و يدلّ على هذا القول النصوص المستفيضة الواردة في أحكام تقبّل الأرض الخراجية، التي يستفاد منها كون أصل التقبّل من السلطان مفروغا عنه و مسلّم الجواز عندهم، كصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس أن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان ..» «4».

______________________________

(1) كتاب المكاسب، ج 2، ص 230، طبعة مجمع الفكر الإسلامي.

(2) المصدر، ص 204

(3) جواهر الكلام، ج 21، ص 164، نقله عن فوائد الشرائع للمحقق الثاني، و حكاه عنه سيدنا الأستاذ قدّس سرّه في نهج الفقاهة، ص 336

(4) وسائل الشيعة، ج 13، ص 214، الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة، ح 3

ص: 470

أو جوازه (1) مطلقا (2)، نظرا إلى عموم ما دلّ على تحليل مطلق الأرض للشيعة (3)، لا خصوص (4) الموات التي هي مال الإمام عليه السّلام.

______________________________

ثانيها: جوازه مطلقا، لعموم دليل تحليل مطلق الأرض للشيعة، و خصوص الموات التي هي من الأنفال التي هي ملك الإمام عليه السّلام.

و قال بهذا غير واحد كشيخ الطائفة في التهذيب، حيث قال: «و أما أراضي الخراج و الأنفال و التي قد انجلى أهلها عنها فإنّا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام عليه السّلام مستترا» «1». و استدل عليه بالنصوص كصحيحة عمر بن يزيد.

و حكاه الفاضل النراقي عن ظاهر الكفاية «2»، و قوّاه صاحب الجواهر أيضا «3».

و نسب إلى المحقق القمي «4».

(1) معطوف على «عدم جواز» و هذا ثاني الوجوه المتقدم بقولنا: «ثانيها: جوازه مطلقا .. إلخ».

(2) أي: سواء أ كانت الأرض ممّا أعطاه السلطان أم لا، و سواء أ كان التصرف بإذن الحاكم أم لا.

(3) كقوله عليه السّلام: «كلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون يحلّ لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم ..» الحديث «5» فإنّ «الأرض» مطلق تشمل الأراضي الخراجية، و لا تختص بأرض الأنفال.

(4) معطوف على «مطلق الأرض» و غرضه دفع توهم اختصاص التحليل بأرض الموات التي هي من الأنفال، و هذا الاختصاص يظهر من بعض كلمات صاحب الجواهر قدّس سرّه، كقوله: «و ربّما كان المراد منها- أي: من نصوص التحليل- خصوص الموات الذي هو من الأنفال، أو غير ذلك دون الأراضي الخراجية ..» «6».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام، ج 4، ص 144

(2) مستند الشيعة، ج 14، ص 222، كفاية الأحكام، ص 77

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 197

(4) جامع الشتات، ج 1، ص 124 (الحجرية).

(5) وسائل الشيعة، ج 6، ص 382، الباب 4 من أبواب الأنفال، ح 12

(6) جواهر الكلام، ج 22، ص 197

ص: 471

و ربما يؤيّده (1) جواز قبول الخراج الذي هو كاجرة الأرض، فيجوز التصرّف في عينها (2) مجّانا.

أو عدم (3) جوازه إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام.

أو التفصيل (4) بين من يستحقّ اجرة

______________________________

و ارتضاه المصنف في كتاب الخمس بقوله: «فالظاهر أنّ ما عدا الموات من الأنفال لم يحصل لنا اطمئنان بجواز التصرف فيه لأيّ شخص و بأيّ وجه» «1».

و عليه فكلامه هنا عدول عمّا استظهره هناك. كما أنّه تعريض بما في الجواهر.

(1) يعني: و يؤيّد الاحتمال الثاني، و هو جواز التصرف مطلقا في الأرض الخراجية.

و محصل وجه التأييد: أنّ النصوص دلّت على جواز تقبّل الشيعي خراج الأرض لنفسه من السلطان، و الخراج بالنظر الى الواقع يكون أجرة الأرض الخراجية، و التصرف في أجرتها يوجب جواز التصرف في عينها.

(2) أي: في عين الأرض الخراجية، و التعبير بالتأييد إنّما هو لأجل احتمال كون الخراج حكما تعبديا.

(3) معطوف على «عدم جواز» و هذا هو الاحتمال الثالث، و حاصله: عدم جواز التصرف في الأرض المفتوحة عنوة في زمان الغيبة إلّا بإذن الحاكم الذي هو نائب الإمام عليه السّلام و جعل المصنف قدّس سرّه في (ص 476) هذا الاحتمال أوفق بالقواعد.

و هو ظاهر الشهيد الثاني قدّس سرّه، و قد نقل المصنف كلامه في بحث الخراج و المقاسمة، فراجع «2».

(4) معطوف أيضا على «عدم» و هذا هو الاحتمال الرابع، و حاصله: التفصيل في جواز التصرف بين من يستحق أجرة الأرض الخراجية و بين غيره ممّن يجب عليه حقّ الأرض، بجواز التصرف في الأوّل، لأنّه على ما في رواية أبي بكر الحضرمي: «ذو نصيب في بيت المال» و هو يقتضي جواز تصرفه في الأرض. و بعدم جواز التصرف في الأرض لغير من يستحق أجرة الأرض.

و هذا التفصيل يظهر من المحقق الثاني و غيره، على ما نقله المصنف عنه في بحث

______________________________

(1) كتاب الخمس، ص 373

(2) كتاب المكاسب، ج 2، ص 222، مسالك الأفهام، ج 3، ص 55

ص: 472

هذه الأرض (1)، فيجوز له التصرّف فيها، كما (2) [لما] يظهر من قوله عليه السّلام للمخاطب في بعض أخبار حلّ الخراج: «و إنّ لك نصيبا في بيت المال» «1»، و بين (3) غيره الذي يجب عليه حقّ الأرض. و لذا (4) أفتى غير واحد- على ما حكي (5)- بأنّه لا يجوز

______________________________

الخراج و المقاسمة بقوله بعد نقل رواية الحضرمي المشار إليها هنا: «فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة .. على اعتبار استحقاق الآخذ لشي ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر» «2».

و الفرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الأوّل: أن جواز التصرف في الأوّل منوط بإعطاء السلطان، سواء أ كان المتصرف مستحقا أم لا. بخلاف الاحتمال الرابع، فإنّ الجواز يدور مدار الاستحقاق، سواء أ كان بإعطاء السلطان أم باستقلال المتصرّف، و عدم استيذانه منه.

(1) أي: الأرض المفتوحة عنوة، و ضمير «فيها» راجع إلى الأرض.

(2) كذا في نسختنا، و في بعض النسخ «لما» و هذا تعليل لجواز التصرف في الأرض لمن يستحقّ أجرتها.

(3) معطوف على «بين من يستحق» و ضمير «غيره» راجع إلى «من يستحق».

(4) أي: و لأجل التفصيل بين مستحقّ اجرة هذه الأرض و بين غيره- بجواز التصرف في الأوّل، و عدمه في الثاني- أفتى غير واحد من الفقهاء «رضوان اللّه عليهم» بعدم جواز حبس الخراج، و عدم جواز سرقته عن السلطان المخالف. و هذا دليل على أنّ من لا حقّ له في الخراج يحرم عليه أن يتصرف في أرض الخراج بدون إذن الحاكم الشرعي، و من دون التقبل من السلطان.

و الحاصل: أنّ غير المستحق للخراج يحرم عليه التصرف في الأرض.

(5) الحاكي غير واحد، كالمحقق الكركي في الرسالة الخراجية، حيث قال: «ما زلنا

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 12، ص 157، الباب 51 من أبواب ما يكتسب به، ح 6

(2) كتاب المكاسب، ج 2، ص 237، و لاحظ قاطعة اللجاج، ج 1، ص 283، و فيها: «فهل تكون- أي الخراج و المقاسمة و الزكاة- حلالا للآخذ مطلقا، حتى لو لم يكن مستحقا للزكاة، و لا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الإمام؟ أو إنّما يكون حلالا بشرط الاستحقاق .. و تعليلهم للآخذ نصيبا في بيت المال، و أنّ هذا حقّ للّه يشعر بالثاني. و للتوقف فيه مجال».

ص: 473

حبس الخراج و سرقته عن السلطان الجائر و الامتناع عنه (1). و استثنى (2) بعضهم ما إذا دفعه إلى نائب الإمام عليه السّلام.

أو بين (3) ما عرض له الموت من الأرض المحياة حال الفتح،

______________________________

نسمع من كثير ممّن عاصرناهم لا سيّما شيخنا الأعظم الشيخ على بن هلال قدّس سرّه أنه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته، و لا جحوده، و لا منعه، و لا شي ء منه، لأنّ ذلك حقّ واجب عليه» «1».

(1) أي: عن الخراج، أي عن أدائه إلى السلطان الجائر.

(2) يعني: و استثنى بعض الفقهاء- كأصحاب الرياض و المناهل و مفتاح الكرامة و الجواهر قدّس سرّهم- من عدم جواز منع الخراج عن السلطان الجائر: ما إذا دفعه إلى الحاكم الشرعي الذي هو نائب عن الإمام عليه السّلام، قال في الجواهر: «فلو فرض عدمها- أي عدم التقية- في بعض الأحوال و الأمكنة و الأزمنة، و لو بالنسبة الى بعض الخراج، دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم السّلام في زمن الغيبة ..» «2».

(3) معطوف على قوله: «بين مستحق الأجرة» و هذا إشارة إلى الاحتمال الخامس، و محصّله: التفصيل في الأرض بين عروض الموت لها بعد أن كانت محياة حين الفتح، و بين بقائها على عمارتها، بجواز إحياء الأوّل، لعموم أدلة الإحياء، فإنّ قولهم عليهم السّلام: «من أحيى أرضا ميتة فهي له» يشمل هذه الأرض التي عرض لها الموت إن لم تكن منصرفة إلى خصوص الأنفال التي هي مال الامام عليه السّلام. و إن كانت الأرض تحت ولايته كالمفتوحة عنوة التي هي ملك قاطبة المسلمين.

و يستفاد هذا الاحتمال الخامس ممّا نقله صاحب الجواهر قدّس سرّه عن المحقق الكركي من قوله: «ما يوجد من هذه الأرض- أي المفتوحة عنوة- مواتا في هذه الأزمنة، إن

______________________________

(1) قاطعة اللجاج (رسائل المحقق الكركي) ج 1، ص 285، و الشهيد الثاني في المسالك، ج 3، ص 55 و 56 و تقدم أيضا في المكاسب المحرّمة، ج 2، ص 214

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 195، رياض المسائل، ج 8، ص 117، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 245، المناهل، ص 313

ص: 474

و بين (1) الباقية على عمارتها من حيث الفتح، فيجوز إحياء الأوّل (2)، لعموم (3) أدلّة الإحياء، و خصوص رواية سليمان بن خالد (4) و نحوها «1».

______________________________

دلّت القرائن على أنّه كان معمورا من القديم و مضروبا عليه الخراج ككثير من أرض العراق، يلحق بالمعمور وقت الفتح. و حيث إنّه لا أولوية لأحد عليه، فمن أحياه كان أحقّ به، و عليه الخراج و المقاسمة» ثم قال في الجواهر: «بل ظاهره المفروغية من ذلك» فراجع «2».

(1) معطوف على «بين» في قوله: «أو بين ما عرض له الموت».

(2) و بالإحياء يصير أولى من غيره بهذه الأرض.

و أهمل المصنف قدّس سرّه حكم ما لو كانت عمارة الأرض باقية، و ذلك اتكالا على وضوحه، من أنّها ملك للمسلمين قاطبة، و ليس بعضهم أولى بها من بعض، لكونها معمورة حسب الفرض، و لا مورد لإحداث عمارة فيها توجب حقّ الاختصاص.

(3) مثل ما في معتبرة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «أيّما قوم أحيوا شيئا من الأرض أو عمروها فهم أحقّ بها» «3».

و التعبير بالعموم من جهة إطلاق «شيئا من الأرض» لما كانت مواتا بالأصل، و لما طرأ عليها الخراب، بخلاف ما سيأتي في صحيحة سليمان بن خالد من كون موضوعها عمران الأرض الموات بالعرض.

(4) قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي الأرض، فيستخرجها، و يجري أنهارها و يعمّرها و يزرعها، ماذا عليه؟ قال عليه السّلام: الصدقة. قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟ قال عليه السّلام: فليؤدّ إليه حقّه» «4».

فإنّ تأدية الحقّ إلى صاحبها تكشف عن بقاء ملك المالك الأوّل و عدم زواله بالموت. فصدرها دليل على مملّكية الإحياء للمحيي، و ذيلها يدلّ على أنّ الأرض الميتة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 2

(2) جواهر الكلام، ج 21، ص 165

(3) وسائل الشيعة، ج 17، ص 326، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، ح 3

(4) وسائل الشيعة، ج 17، ص 329، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، ح 3

ص: 475

وجوه (1)، أوفقها بالقواعد الاحتمال الثالث (2)، ثمّ الرابع (3)، ثمّ الخامس (4).

______________________________

إن كان لها مالك لا تخرج عن ملكه بعروض الموت عليها.

و وجه الخصوصية: أنّ مورد الرواية خصوص الأرض الخربة المسبوقة بالعمارة التي هي موضوع البحث، و دلالتها على المقام إنّما هي بالإطلاق الشامل لها و لغيرها.

(1) مبتدء مؤخّر لخبر مقدّم، و هو قوله: «ففي عدم جواز التصرف».

(2) و هو عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم، لأنّه وليّ أمور المسلمين في عصر الغيبة، كما هو شأن كل مال مملوك للنوع ك «المسلمين» فإنّ أمره بيد الولي، و هو الإمام عليه السّلام في زمان حضوره، و في عصر الغيبة هو الفقيه الجامع لشرائط الحكم و الفتوى. و لا وجه لسائر الأقوال.

(3) و هو التفصيل بين من يستحق اجرة هذه الأرض، فيجوز له التصرف، و بين غير المستحق فلا يجوز.

و الوجه فيه- أنه بعد التنزل عن الاستئذان من الفقيه- يتجه الفرق بين الفقير فيحلّ له التصرف و الانتفاع بالأرض، لقوله عليه السّلام: «و إنّ لك نصيبا في بيت المال» فإذا حلّ أخذ شي ء من بيت المال- المؤلّف من الخراج و المقاسمة اللذين هما نماء الأرض- جاز التصرف في رقبتها. و بين الغنيّ فلا يحلّ، إذ لا نصيب له في بيت مال المسلمين.

(4) و هو التفصيل بين ما عرض له الموت- من الأرض المحياة حال الفتح- و بين الباقية على عمارتها.

و الوجه فيه: أمّا بالنسبة إلى المنع- مع بقاء العمارة- فلكون الأرض ملكا لجميع المسلمين. و أمّا بالنسبة إلى المحيي- مع فرض طروء الموت عليها- فلما دلّ على ثبوت الحقّ بالإحياء.

و لعلّ وجه كون هذا الاحتمال الخامس بعيدا- بالقياس إلى الاحتمال الثالث و الرابع- هو ابتناؤه على استفادة الإذن من أدلة الإحياء حتى بالنسبة إلى الأراضي التي ليست رقبتها للإمام عليه السّلام، و إنّما هو وليّ على ملّاكها، فلا يبعد اختصاص أدلة الإحياء بغير مملوك الناس.

ص: 476

[حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة]

و ممّا ذكرنا (1) يعلم حال ما ينفصل من المفتوح عنوة، كأوراق الأشجار و أثمارها، و أخشاب الأبنية، و السقوف الواقعة، و الطين المأخوذ من سطح الأرض، و الجصّ و الحجارة و نحو ذلك، فإنّ مقتضى القاعدة (2) كون ما يحدث بعد الفتح من الأمور المنقولة ملكا للمسلمين، و لذا (3) صرّح جماعة كالعلّامة و الشهيد

______________________________

و على كلّ فلا وجه للاحتمال الأوّل و الثاني. أمّا الأوّل فلعدم ولاية السلطان الجائر حتى ينفذ في ما أعطاه إلى شخص.

و أمّا الثاني فلمنافاته لعموم ولاية الفقيه في زمان الغيبة.

(1) حكم ما ينفصل عن الأرض المفتوحة عنوة هذه هي الجهة الثانية التي أشرنا إليها في (ص 469). أي: و من ملكية الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين كافة- و عدم جواز التصرف فيها إلّا بمراجعة الحاكم الشرعي أو السلطان الجائر- يعلم حال ما ينفصل عن تلك الأرض كأوراق الأشجار و أثمارها، إلى غير ذلك، و أنّ المنفصل عنها كأجزائها المتصلة في حرمة التصرف فيها إلّا بمراجعة من عرفت.

و قد تعرض المصنف في الأجزاء المنفصلة لوجهين، هذا أحدهما، و سيأتي الوجه الثاني بقوله: «و يحتمل» و رجّحه بالسيرة.

(2) و هي: استصحاب ملكية المنفصلات للمسلمين، لكون الاتصال و الانفصال من الحالات المتبادلة، لا من مقوّمات الموضوع. فلا وجه للإشكال في هذا الاستصحاب بتبدل الموضوع.

و يمكن جريان الأقوال المذكورة- في نفس الأرض- فيما ينفصل عنها.

(3) أي: و لأجل القاعدة المذكورة صرّح جماعة بأنّ جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة مشروط بأن لا تكون آلات تلك الأبنية من تراب الأرض، إذ لو كانت من ترابها كانت بحكم نفس الأرض، و ملكا لقاطبة المسلمين.

قال صاحب الجواهر- في رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة و أشجارها-

ص: 477

و المحقّق الثاني و غيرهم- على ما حكي عنهم- بتقييد (1) جواز رهن أبنية الأرض المفتوحة عنوة بما (2) إذا لم تكن الآلات من تراب الأرض (3).

نعم (4)، الموجودة فيها حال الفتح للمقاتلين (5)، لأنّها (6) ممّا ينقل.

______________________________

ما لفظه: «و قد قيّد جماعة البناء بما إذا لم يكن معمولا من ترابها، و إلّا كان حكمه حكمها» «1» يعني في عدم الجواز.

(1) متعلّق ب «صرّح».

(2) متعلق ب «تقييد».

(3) حكاه السيد العاملي عن هؤلاء صريحا بقوله: «مع التقييد في الأربعة الأخيرة- و هي التذكرة و الدروس و جامع المقاصد و مجمع البرهان- بما إذا لم يكن البناء معمولا من ترابها» «2».

و قد نسبه صاحب الجواهر أيضا إلى جماعة كما تقدم آنفا. و لكن لم أظفر بهذا التقييد في الدروس و جامع المقاصد بعد ملاحظة مواضع منهما. نعم هو مصرّح به عن العلّامة و المحقق الأردبيلي قدّس سرّهما. و لا بدّ من مزيد التتبع.

(4) حاصله: أنّ ما تقدم من أوراق الأشجار و غيرها كان ممّا يحدث بعد فتح الأرض. و أمّا إذا كانت تلك الأشياء موجودة في الأرض حال الفتح، فهي لخصوص المقاتلين، لأنّها من الغنائم المنقولة التي هي ملك المقاتلين فقط. و قاعدة حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه تقتضي عدم جواز التصرف إلّا بإذن الحاكم أو السلطان.

(5) خبر لقوله: «الموجودة» و ضمير «فيها» راجع إلى الأرض».

(6) تعليل لكون الموجودة في الأرض المفتوحة للمقاتلين، و قد مرّ توضيحه آنفا بقولنا: «لأنّها من الغنائم .. إلخ».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 25، ص 129

(2) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 82، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 17 (الحجرية)؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج 9، ص 145

ص: 478

و حينئذ (1) مقتضى القاعدة (2) عدم صحّة أخذها إلّا من السلطان الجائر، أو (3) من حاكم الشرع.

مع (4) إمكان أن يقال: لا مدخل لسلطان الجور، لأنّ القدر المأذون في تناوله منه منفعة الأرض، لا أجزاؤها، إلّا أن يكون الأخذ على وجه الانتفاع

______________________________

(1) يعني: و حين البناء على كون الموجودة في الأراضي الخراجية حال الفتح للمقاتلين كلّهم، فمن أراد من المسلمين غير المقاتلين أن يأخذ هذه الآثار الموجودة حال الفتح، فيعتبر أن يكون الأخذ بإجازة من السلطان الجائر، أو الحاكم الشرعي، لأنّ المفروض أنّ الموجودة في الأرض المفتوحة عنوة ملك للمقاتلين. فمقتضى قاعدة عدم جواز التصرف في مال الغير بدون إذنه لزوم كون التصرف بالإذن.

(2) و هي حرمة التصرف في مال الغير بدون إذنه.

(3) الترديد- مع أنه قدّس سرّه رجّح الاحتمال الثالث، و هو: إناطة جواز التصرف بإذن خصوص الفقيه- إمّا لأجل بيان الحكم بناء على الاحتمال الأوّل أو الرابع، و إمّا لأجل عدم إمكان الاستيذان من الحاكم الشرعي.

(4) هذا وجه لعدم الحاجة في أخذ الأشياء- المذكورة في المتن- إلى إجازة الجائر أو حاكم الشرع. و محصل هذا الوجه: خروج الأمور المذكورة عن دائرة ما يتوقف جواز أخذه على إجازة الحاكم أو الجائر، بأن يقال: إنّ مورد التوقف على الإجازة هو منفعة الأرض، لا أجزاؤها كالأشياء المذكورة. إلّا أن يكون أخذها على وجه الانتفاع لا التملك، فحينئذ يجوز الأخذ بإجازة السلطان، مع فرض أنّ الشارع أمضى تصرفاته في عصر الغيبة.

و بعبارة أخرى: الغرض من قوله: «مع إمكان أن يقال» منع ما أفاده قبل أسطر من كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم نفس الرقبة في توقف التصرف فيها على إذن السلطان الجائر.

و وجه المنع: أنّ مورد نفوذ إذن الجائر هو ما حلّ أخذه منه، على ما ذكرناه في توضيح قوله: «إلّا فيما أعطاه السلطان الجائر الذي حلّ قبول الخراج منه».

و حيث إنّ الخراج كالمقاسمة أجرة الأرض، كان حكم الأجزاء المنفصلة عن الأرض أجنبيا عما دلّ على اعتبار إذن السلطان في حلّ التصرف في الأرض المفتوحة

ص: 479

لا التملّك، فيجوز (1) [1].

و يحتمل (2) [2] كون ذلك بحكم المباحات،

______________________________

عنوة. و ذلك لعدم صدق «المنفعة و الخراج» على ما ينفصل من الأرض حتى يلزم الرجوع إلى الجائر في تملّك ما يكون فيها نعم من خشب البناء المهدوم، أو يتولّد منها.

نعم لو قصد المتصرّف مجرّد الانتفاع بتلك الأجزاء لا تملكها جاز الاستيذان من الجائر الذي أمضى الشارع إعطاءه الأرض المفتوحة عنوة للانتفاع بها.

و لا فرق في ما ذكر- من التفصيل بين قصد التملك و قصد الانتفاع- بين كون الأجزاء المنفصلة مقوّمة للأرض المعمورة بما هي معمورة، كأجزاء الدار من الجدران و الأخشاب، و بين منافع الأرض و إن كانت هي أعيانا كالأشجار النابتة فيها و الجصّ المطبوخ منها، و الطين و الآجر المعمولين منها.

و وجه عدم الفرق ما ذكر آنفا من: أنّ مورد اعتبار إذن الجائر هو الانتفاع لا التملّك.

(1) يعني: فيجوز الأخذ من السلطان للانتفاع دون التملك.

(2) هذا راجع إلى الاحتمال الآخر في المسألة، أعني به ما ينفصل عن الأرض

______________________________

[1] يمكن القول بعدم الجواز أيضا، لأنّ الانتفاع خارج عن المنفعة التي هي مورد إجازة السلطان، و داخل في المحرّم الذي هو الركون إلى الظالم.

نعم يمكن أن تكون الأشياء المذكورة داخلة فيما أحلّه الأئمة الطاهرون عليهم أفضل الصلاة و السلام للشيعة إن لم يختص ذلك بالأنفال.

[2] هذا الاحتمال بعيد جدّا، لأنّه مخالف لقاعدة تبعية المنفعة للعين في الملكية، و ذلك لأنّ منافع الأرض كنفسها مملوكة للمسلمين، لقاعدة التبعية، غاية الأمر أنّه يجوز بيعها و صرف ثمنها في مصالح المسلمين، كصرف سائر منافعها في مصالحهم.

بخلاف نفس الأرض المفتوحة عنوة، فإنّها مملوكة للمسلمين، لكن لا يجوز بيعها و شراؤها.

ص: 480

لعموم [1] «من سبق إلى ما لم يسبق (1) [يسبقه] إليه مسلم فهو أحقّ به» «1».

و يؤيّده (2)- بل يدلّ عليه- استمرار السيرة خلفا عن سلف على بيع الأمور المعمولة من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني [2] و ما عمل من التربة الحسينية [3].

______________________________

المفتوحة عنوة من الأجزاء. و حاصل هذا الاحتمال هو كون تلك الأجزاء بحكم المباحات الأصلية في عدم الحاجة في تملكها إلى إجازة أحد، بل من سبق إليه فهو أحقّ من غيره به.

(1) كذا في نسختنا، و في المستدرك و بعض نسخ الكتاب «لم يسبقه».

(2) أي: و يؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض المفتوحة عنوة بحكم

______________________________

و لا سبيل إلى الخروج عن قاعدة التبعية بالنسبة إلى منافع الأرض المفتوحة عنوة، فلا وجه لتملكها بالحيازة كحيازة المباحات، لاختصاص دليل الحيازة بغير أملاك الناس.

[1] لكنه لا يفيد الملكية، بل الأولوية. مع أنه سيق لبيان حكم آخر، و هو أولوية السابق من اللاحق، فلا إطلاق له بالنسبة إلى المفتوحة عنوة و غيرها.

[2] يمكن دعوى انصراف الأدلة عن مثل هذه التصرفات، فيرجع فيها إلى قاعدة الحل.

[3] يمكن أن يقال- بعد الغض عن دعوى الانصراف المتقدمة-: إنّ ما دلّ على الحثّ و الترغيب في أخذ التربة الحسينية و التبرك بها في الصلاة و غيرها إذن عامّ، و معه لا حاجة إلى إجازة الفقيه أو السلطان الجائر، هذا.

ثمّ إنّ التمسك بالسيرة إنّما يتجه فيما إذا أحرز كون موردها الأشياء المعمولة من أرض العراق المحياة في حال الفتح. و لا سبيل إلى إحرازه.

فالمستند في جواز الأمور المذكورة هو قاعدة الحل الجارية في الشبهات الموضوعية التي منها مورد بحثنا، إذ لا يعلم أنّ تلك الأمور معمولة من قسم المعمور من المفتوحة عنوة، أو من قسم الموات منها.

______________________________

(1) عوالي اللئالى، ج 3، ص 480، ح 4، و رواه عنه في مستدرك الوسائل، ج 17، ص 112، ح 4

ص: 481

و يقوّي هذا الاحتمال (1) بعد انفصال هذه الأجزاء من الأرض (2).

______________________________

المباحات- بل يدلّ عليه- استمرار السيرة و استقرارها خلفا عن سلف على بيع ما يعمل من تربة أرض العراق من الآجر و الكوز و الأواني، و كذا بيع ما يعمل من التربة الحسينية على ساكنها أفضل الصلاة و التحية، فإنّ هذه السيرة المتصلة بزمان أصحاب الأئمة عليهم السّلام دليل على إباحة التصرف فيها، و عدم الحاجة إلى إجازة الحاكم أو الجائر.

و هذه السيرة ذكرها السيد العاملي قدّس سرّه بقوله: «و قد يقال بالجواز في ذلك- أي بجواز رهن بناء الأرض المفتوحة عنوة المأخوذ من ترابها- كما هو ظاهر إطلاق الباقين، عملا بما استمرّت عليه السيرة من بيع الأباريق و الحجلات- و هي الزقاق للشرب- و الحبوب و السبح الحسينية على مشرّفها السلام، و غير ذلك مما يعمل من ترابها» «1» لكنه قدّس سرّه أمر بالتأمّل. و لعلّه لذا عبّر المصنف بالتأييد أوّلا، لكنه لقوة السيرة عدل إلى الدلالة.

(1) يعني: و يؤيّد احتمال كون الأجزاء المنفصلة عن الأرض بحكم المباحات بعد بقائها بعد انفصالها على جزئيتها من الأرض.

(2) العبارة لا تخلو من اضطراب، إذ لو كان انفصال هذه الأجزاء عن الأرض بعيدا لزم الحكم عليها بما يحكم على نفس الأرض من كونها ملكا للمسلمين، و لا وجه لتقوية الإباحة، مع أنّ مقصوده قدّس سرّه تأييد احتمال الإباحة.

فالأولى أن يقال: «بعد كون هذه الأجزاء من الأرض بعد انفصالها».

هذا تمام الكلام في حكم الأراضي، و بذلك تمّ البحث عن اشتراط البيع بالملك، و سيأتي الكلام في اشتراط الطلق إن شاء اللّه تعالى.

______________________________

فإن كان من القسم الثاني صار الآخذ لها مالكا لها. و العلم الإجمالي بوجود قطعات معمورة حال الفتح في أرض العراق لا أثر له بعد خروج بعضها عن الابتلاء. فقاعدة الحلّ تجري فيها بلا مانع، كجريانها في الشبهات البدوية غير المقرونة بالعلم الإجمالي.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 82

ص: 482

[الثالث من شروط العوضين: كون الملك طلقا]

اشارة

و اعلم أنّه ذكر الفاضلان (1) و جمع (2) ممّن تأخّر عنهما في شروط العوضين بعد الملكية: كونه (3) طلقا. و فرّعوا عليه (4) عدم جواز بيع الوقف إلّا فيما استثني، و لا الرّهن (5) إلّا بإذن المرتهن

______________________________

(1) الثالث من شروط العوضين: كون الملك طلقا و هما المحقق و العلّامة قدّس سرّهما، فإنّهما جعلا الطّلقية شرطا آخر من شرائط العوضين. قال المحقق: «الثاني: أن يكون طلقا» «1».

و قال العلّامة: «و يشترط في الملك التمامية» و لم نعثر على من اعتبر هذا الشرط قبلهما، و لذا قال المحقق الكبير التستري قدّس سرّه في المقابس: «و العبارتان- أي الطلق و التمامية- متداولتان بين متأخري الأصحاب» «2».

(2) كالشهيدين و المحقق الثاني و الفاضل السبزواري و المحدّث البحراني و الفاضل النراقي قدّس سرّهم «3».

(3) أي: كون كلّ من العوضين طلقا.

(4) أي: فرّعوا على اعتبار طلقية الملك في العوضين: عدم جواز بيع الوقف إلّا في الموارد المستثناة التي سيأتي تفصيل البحث فيها.

(5) يعني: و فرّعوا أيضا على اعتبار طلقية الملك: عدم جواز بيع العين المرهونة إلّا بإذن المرتهن أو إجازته، حيث إنّ الرهن يخرج المرهونة عن الطّلقية، و يوجب تعلق حق المرتهن بها بحيث لا يصحّ البيع إلّا بإذنه أو إجازته.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(3) الروضة البهية (اللمعة و شرحها) ج 3، ص 253، جامع المقاصد، ج 4، ص 97، كفاية الأحكام، ص 89، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 438، مستند الشيعة، ج 14، ص 307

ص: 483

أو إجازته (1)، و لا (2) أمّ الولد إلّا في المواضع المستثناة.

[المراد بالطّلق]

و المراد بالطّلق (3) [1] تمام السلطنة على الملك، بحيث يكون للمالك أن يفعل بملكه ما شاء، و يكون (4) مطلق العنان في ذلك (5).

لكن هذا المعنى (6) في الحقيقة راجع إلى كون الملك ممّا يستقلّ المالك بنقله،

______________________________

(1) الفرق بين الإذن و الإجازة هو السبق و اللحوق، فإن أظهر المرتهن رضاه قبل أن يبيع الراهن كان إذنا له، و إن كان بعده كان إمضاء و إجازة، نظير إجازة بيع الفضولي.

(2) يعني: و فرّعوا على اعتبار طلقية الملك عدم جواز بيع أمّ الولد إلّا في مواضع سيأتي التعرض لها إن شاء اللّه تعالى.

(3) بعد بيان آثار شرطية الطّلق- من الاحتراز عن البيع في موارد- أراد أن يبيّن مفهوم الشرط و هو الطلق، و محصله: أنّ المراد بالطّلق هو السلطنة التامة للمالك على ملكه، بأن يفعل بملكه ما شاء و أراد، بلا توقف على إذن أحد أو إجازته.

و بعبارة أخرى: الطّلق هو الذي يكون مالكه مطلق العنان في التصرف في ملكه، من غير فرق في ذلك بين التصرف الخارجي و الاعتباري.

(4) معطوف على «يكون» و الضمير المستتر فيه راجع إلى المالك.

(5) أي: في فعله بملكه ما شاء.

(6) أي: تمام السلطنة على الملك. و هذا تمهيد للإشكال على تفسير «الطلق» بما ذكر،

______________________________

[1] الأولى أن يقرّر هكذا: إن أريد بالطلق السلطنة التامة على الملك بجميع أنحاء التصرفات الاعتبارية و الخارجية، فعدم اعتباره غنيّ عن البيان، لوضوح عدم اعتباره في صحة البيع. فإذا حلف على عدم هبة ماله الخاصّ مطلقا أو من شخص خاصّ، فلا إشكال في جواز بيعه و صحته حينئذ، مع عدم السلطنة التامة على هذا المال، لمكان الحلف.

و إن أريد به السلطنة التامة على البيع و إن لم يكن له سلطنة على غير البيع من التصرفات، فمرجعه إلى اشتراط صحة البيع بصحة بيع متعلقة للمالك مستقلّا. و هذا لا معنى له، لأنّه من قبيل جعل الشي ء مشروطا بنفسه.

فالطّلق بعنوانه ليس شرطا، بل الشرط حقيقة هو انتفاء الحقوق الخاصّة المانعة عن تصرف المالك في ملكه. و الطّلق منتزع عن انتفاء تلك الحقوق، فيصحّ أن يقال: يشترط في صحة البيع أن لا يكون المبيع وقفا أو مرهونا، و هكذا.

ص: 484

و يكون نقله (1) ماضيا فيه، لعدم (2) تعلّق حقّ به مانع (3) عن نقله بدون (4) إذن ذي الحقّ، فمرجعه (5) إلى أنّ من شرط البيع أن يكون (6) متعلّقه ممّا يصحّ للمالك بيعه مستقلّا. و هذا [ممّا] لا محصّل له.

فالظاهر (7) أنّ هذا العنوان

______________________________

و حاصله: أنّ مرجع تفسير «الطلق»- بما مرّ- إلى استقلال المالك بنقل ملكه إلى غيره و مضيّه، لعدم تعلق حقّ أحد به يكون مانعا عن نقله بدون إذنه.

فمآل هذا الشرط إلى اشتراط صحة البيع بأن يكون متعلّقه ممّا يصح للمالك بيعه مستقلّا، لأنّ وجود كل ممكن- حتى الموجود الاعتباري- منوط بعدم المانع، فلو تحقق المانع امتنع وجود الممنوع، كالرطوبة المانعة عن وجود الإحراق.

فهو نظير أن يقال: يشترط في صحة الصلاة أن تكون الصلاة صحيحة، و يشترط في جواز البيع جواز بيع المبيع.

(1) يعني: و يكون نقل المالك ماضيا في ملكه.

(2) تعليل لمضيّ الحق و نفوذه.

(3) صفة ل «حق» و ضمير «نقله» راجع الى الملك.

(4) متعلق ب «نقله».

(5) أي: مرجع قيدية «الطلق» إلى: أنّ من شرائط صحة البيع صحة بيع متعلّقه للمالك مستقلّا، و هذا كما في المتن لا محصّل له، إذ لا معنى له إلّا اعتبار صحة بيع المبيع في صحة البيع، نظير أن يقال: جواز البيع مشروط بجواز بيع المبيع.

(6) منصوب محلّا، لكونه اسم «ان» و خبره المقدّم هو «من شرط».

(7) بعد أن استشكل المصنف قدّس سرّه بقوله: «لكن هذا المعنى في الحقيقة .. إلخ» على اعتبار الطّلق في البيع، استظهر عدم اعتبار عنوان الطّلق بالمعنى المذكور في البيع، و قال:

إنّ عنوان الطّلق في نفسه ليس شرطا في صحة البيع حتى يتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف و غيره، بل الشرط هو انتفاء كلّ حقّ يمنع المالك عن التصرف في ماله كالنذر و الشرط و الرهن و غيرها.

فليس الطّلق شرطا وجوديّا كالماليّة و غيرها من شرائط العوضين، بل «الطلق» منتزع عن عدم تعلق حق أحد بالعوضين يمنع المالك عن التصرّف في ملكه.

فحينئذ يصحّ أن يقال: يشترط في صحة البيع أن لا يكون العوضان متعلّقين لحق شخص

ص: 485

ليس في نفسه شرطا [1] ليتفرّع عليه عدم جواز بيع الوقف و المرهون و أمّ الولد، بل (1) الشرط في الحقيقة انتفاء كلّ من تلك الحقوق الخاصّة (2) و غيرها ممّا ثبت منعه عن تصرّف المالك، كالنذر و الخيار و نحوهما. و هذا العنوان (3) منتزع من انتفاء تلك الحقوق.

______________________________

مانع عن تصرف المالك في ملكه.

و هذا التوجيه أفاده صاحب المقابس أيضا- بعد الاعتراض على جعل الطلق شرطا- بقوله: «و يمكن أن يقال: إنّهم قصدوا بذلك ما ذكروه مفصّلا من عدم كونه وقفا و لا رهنا و لا غير ذلك مما يأتي بيانه .. و وجه التعبير بالعنوان المشترك قصد الاختصار و الضبط» «1».

(1) استدراك على قوله: «فالظاهر أنّ هذا العنوان ليس في نفسه شرطا».

(2) و هي: بيع الوقف و المرهونة و أمّ الولد، يعني: ليس تعلق مطلق الحق مانعا من صحة البيع، حتى ينتزع شرط كلي مطّرد بعنوان «الطلق» من عدم تعلق الحق.

و الوجه في انتزاعه من انتفاء بعض الحقوق هو التزامهم بصحة البيع في جملة من الموارد كالعين المنذورة لمصرف خاص، و كالمبيع بالبيع الخياري الذي تعلّق به حقّ من له الخيار، و غير ذلك.

(3) أي: كون الملك طلقا- بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف فيه- منتزع من انتفاء الحقوق المانعة عن نفوذ التصرف فيه، فالطّلق أمر عدميّ أي عدم مانع من التصرف فيه، فيصح أن يقال: يشترط في البيع أن لا يكون العوض فيه متعلّقا لحق الغير.

______________________________

[1] خلافا للمحقق النائيني قدّس سرّه، حيث إنّه جعل الطلق شرطا وجوديّا، و هو مرسليّة الملك بالنسبة إلى مالكه، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء من بيعه و إجارته و جميع تقلباته. و ليس مرجعه إلى جواز البيع حتى يردّ بأنّه لا معنى لاشتراط جواز البيع بأن يكون المبيع جائز البيع. الى آخر ما أفاده المقرر و هو العلامة الآملي قدّس سرّه «2».

و لا يخفى أنّ ما أفاده الميرزا قدّس سرّه من تفسير الطلق بمرسلية الملك بالنسبة إلى

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(2) المكاسب و البيع، ج 2، ص 373

ص: 486

فمعنى الطّلق أن يكون المالك مطلق العنان في نقله، غير محبوس عليه (1) لأحد (2) الحقوق التي ثبت منعها (3) للمالك عن التصرّف في ملكه. فالتعبير بهذا المفهوم المنتزع (4) تمهيد لذكر الحقوق المانعة عن التصرّف، لا تأسيس لشرط (5)

______________________________

(1) أي: على النقل.

(2) متعلق ب «محبوس» و ضميره راجع الى الملك المستفاد من العبارة.

(3) هذا الضمير راجع إلى الحقوق، يعني: ثبتت مانعية تلك الحقوق عن تصرف المالك في ملكه.

(4) و هو الطّلق، حيث إنّه منتزع عن عدم تعلّق حقوق بالملك مانعة عن تصرف المالك في ملكه، و ليس عنوانا متأصّلا. فكأنّه قيل: يعتبر في البيع أن لا يكون العوضان متعلقين لحقوق تمنع المالك عن التصرف في ملكه، فالمانع حقيقة عن صحة البيع هو تلك الحقوق التي عدمها منشأ انتزاع عنوان الطلق، فعدمها شرط صحته، لا أنّ الطلق المنتزع عن عدمها شرط.

(5) على حدّ سائر شرائط العوضين حتى يتفرع عليه ما بعده من الوقف و الرهن

______________________________

المالك، بأن يكون له تمام السلطنة عليه فيما يشاء، و كذا تفسير «الطلق» بكون الملك مطلق العنان للمالك، و كون سلطنته عليه تامة في مقابل السلطنة الناقصة.

فيه أوّلا: أنّ مرسلية الملك و تمام السلطنة و نظائرهما من التعبيرات منتزعة عن عدم تعلق حق به يمنع عن تصرف المالك، إذ مع تعلق حق كذائي به لا يصحّ هذه التعبيرات.

فالمدار على منشأ الانتزاع، و هو عدم تعلق حق به يمنع المالك عن التصرف بدون إذن ذي الحق.

و ثانيا- بعد الغض عنه-: ليس الطلق بهذا المعنى الوسيع شرطا لصحة البيع، بل الشرط هو عدم تعلق حق به مانع عن بيع المالك، لا كلّ حقّ كحلف المالك على عدم هبة ماله، أو عدم بيعه من شخص خاص، أو غير ذلك من الحقوق غير المانعة عن بيعه.

فما أفاده المصنف قدّس سرّه من كون الشرط عدم تعلق حقّ مانع عن البيع متين جدّا.

ص: 487

ليكون ما بعده فروعا، بل الأمر في الفرعيّة و الأصالة بالعكس (1).

[الحقوق الثلاثة المانعة عن البيع]

ثمّ إنّ أكثر من تعرّض لهذا الشرط (2) لم يذكر من الحقوق إلّا الثلاثة (3) المذكورة، ثمّ عنونوا حقّ (4) الجاني، و اختلفوا في حكم بيعه (5).

______________________________

و أمّ الولد.

(1) يعني: أنّ الأصل في الشرطية هي الأمور المذكورة، و «الطّلق» فرع، لا أنّه الأصل و تلك فروع. فالمراد بالعكس هو كون الوقف و أخواته أصلا، و الطلق فرعا.

(2) و هو كون الملك طلقا، بحيث لا يكون المالك محجورا عن التصرف في ماله.

(3) أحدها: حق الطبقات اللاحقة في العين الموقوفة.

و ثانيها: حقّ المرتهن المتعلق بالعين المرهونة.

و ثالثها: حق انعتاق الأمة بتشبثها بالحرية بصيرورتها أمّ ولد.

و ممّن اقتصر على مانعية هذه الحقوق الثلاثة المحقق و العلّامة و صاحبا الكفاية و المستند «1». و اقتصر الشهيدان في اللمعة و شرحها على حق الوقف و أمّ الولد «2».

(4) هذا من إضافة الحق إلى من عليه الحقّ، و إلّا فالحقّ للمجني عليه لا للجاني، و لذا قال العلّامة «و يجوز بيع الجاني .. و لا يسقط حق المجني عليه عن رقبته في العمد» «3».

(5) فجوّزه العلامة و جماعة، كما في مفتاح الكرامة، مع توقفه على إجازة المجني عليه- في صورة العمد- و تردد فيه المحقق «4»، و تعرّض له صاحب الحدائق أيضا «5».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، قواعد الأحكام، ج 2، ص 23، كفاية الأحكام، ص 89، السطر الأخير، مستند الشيعة، ج 14، ص 307

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 253 و 256

(3) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 265 و 266

(5) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 458

ص: 488

[الحقوق المانعة لنقض الملك التي ذكرها المحقق الشوشتري]

و الظاهر أنّ الحقوق المانعة أكثر من هذه الثلاثة أو الأربعة، و قد أنهاها بعض (1) من عاصرناه إلى أزيد من عشرين، فذكر- بعد الأربعة المذكورة في عبارة الأكثر (2)- النذر (3) المتعلّق بالعين قبل البيع،

______________________________

(1) و هو المحقق الشوشتري في المقابس، و قد أنهاها إلى اثنين و عشرين سببا، و تكلّم المصنف في الأربعة المعروفة مفصّلا، و أشار إلى أربعة عشر منها، و أهمل أربعة منها.

أوّلها: تعلق حق الغرماء بمال المفلّس أو الميت.

ثانيها: تعلق حق المضمون له بالمال إذا شرط أداء الضمان منه.

ثالثها: عدم تمامية سبب الملك في المتبرعات، كالهبة و الهدية و الصدقة قبل القبض بناء على كون القبض شرط اللزوم لا الصحة.

رابعها: عدم تمامية سبب الملك في المعاوضات كبيع الصرف قبل القبض بناء على كونه شرطا للزوم لا الصحة.

(2) يعني: أنّ صاحب المقابس زاد على الحقوق الأربعة المعروفة أمورا اخرى عدّها من أسباب نقص الملك. و ليس المراد أنّه قدّس سرّه قدّم هذه الأربعة في الذّكر، ثم تعرض لغيرها. إذ المبحوث عنه في المقابس مرتّبا هو الوقف و أمّ الولد و العبد الجاني و الارتداد و الرهن و النذر، و هكذا، فالنذر سبب سادس في المقابس، و خامس في المتن. كما أنّ الارتداد سبب رابع هناك و سابع في المتن.

فغرض المصنف قدّس سرّه الإشارة إلى نفس الحقوق المذكورة في المقابس مع الغضّ عن ترتيبها.

(3) مفعول قوله: «فذكر». قال في المقابس في عدّ أسباب نقص الملك: «السبب السادس: تعلق حق النذر و شبهه، كقوله: للّه عليّ أو عليّ عهد للّه أنّ هذا المال المعيّن أو ما في حكمه صدقة للفقراء، أو لفلان. أو الغنم أضحية أو هديا، أو هذا العبد حرّا. أو تكون- أي تكون صيغة النذر أو العهد- للّه عليّ أو عليّ عهد اللّه أن أتصدّق بهذا المال على الفقراء ..» «1».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 109

ص: 489

و الخيار (1)

______________________________

(1) معطوف على «النذر» قال في المقابس: «الثاني عشر: ثبوت الخيار للبائع أو للمشتري، أو كليهما، أو غيرهما. أمّا الأوّل- و هو ثبوت الخيار للبائع خاصة- فإنّه يمنع من تصرّف المشتري في المبيع بنقله أو نقل منافعه أو تعريضه لذلك كالرهن، و إن كان ملكا له و جاز له الانتفاع بغير النقل كما هو الأصح، و إنّما منع من النقل، لمنافاته حقّ البائع من الخيار، فلا ينفذ كما نصّ عليه العلّامة في القواعد» «1».

و توضيحه: أنّهم اختلفوا في كون متعلّق الخيار هو العقد، فلا أثر لبقاء العوضين و تلفهما في ثبوته، أم هو العوضين. و تفصيل هذا البحث موكول إلى أحكام الخيار إن شاء اللّه تعالى. لكن لا بدّ من بيان المطلب إجمالا، و الوجه في عدّ حقّ الخيار من موانع الطّلق، أو من أسباب نقص الملك، فنقول:

بناء على قيام حق الخيار ابتداء بنفس العوضين، فوجه منع من عليه الخيار من التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار في المدّة المضروبة واضح، لكون تصرفه تضييعا لحقّ محترم، فلا ينفذ كما نقله صاحب المقابس عن العلّامة.

و بناء على قيام حق الخيار بالعقد، كما لعلّه المستفاد من تعريفه بأنّه «ملك فسخ العقد و إقراره» فلأنّ من له الحق و إن جاز له الفسخ، سواء أ كانت العين باقية فيستردها، أم تالفة فيستردّ بدلها، و لا يتوقف استيفاء الحق على بقاء العين، إلّا أنّ العقد المتعلّق للخيار له تعلّق بالعوضين من حيث إرجاعهما إلى مالكيهما بحلّ العقد، فلا يجوز لمن عليه الخيار التصرف المنافي لحقّ ذي الخيار، و لا ينفذ.

هذا بالنسبة إلى كافة أقسام الخيار. و قد يجب على من عليه الخيار إبقاء العين في المدة المضروبة من باب وجوب الوفاء بالشرط الضمني، كما في بيع الخيار- المبحوث عنه في خيار الشرط- من أنّه لو شرط البائع على المشتري حفظ المبيع في المدة المعيّنة ليتمكّن من استرداده بعد ردّ الثمن إلى المشتري، لزمه الوفاء به و منع من التصرف فيه.

ثم إنّ صاحب المقابس بعد نقل كلمات القوم، قال: «و لا يبعد أنّ للمشتري نقله عن الملك و عتقه، و يصحّ، و لا يتوقف على إجازة ذي الخيار .. و لكنه لا يجوز الإتلاف،

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 120

ص: 490

المتعلّق به (1).

و الارتداد (2).

و الحلف (3) على عدم بيعه.

______________________________

لمنافاته لحقّ ذي الخيار» «1».

(1) أي: بالعين، فالأولى تأنيث الضمير. و التقييد بالعين إمّا لتعلق كافة الخيارات بالعوضين ابتداء، أو بواسطة تعلّقها أوّلا بالعقد، و ثانيا بهما. و إمّا للاحتراز عمّا لو جعل البائع الخيار لنفسه مطلقا سواء بقي المبيع بحاله، أم أتلفه المشتري أو نقله إلى غيره، لبقاء الخيار بعد التلف و النقل، فيسترد البائع البدل. بخلاف ما لو اشترط بقاء العين، فإنّه لا يجوز للمشتري نقله إلى الغير صيانة لحقّ البائع.

(2) معطوف على «النذر» قال في المقابس: «السبب الرابع من أسباب النقص:

الارتداد، و كلّ ما حدّه القتل من المحاربة و اللواط و بعض أقسام الزنا. أمّا الارتداد ففي منعه عن البيع أقوال ..» «2».

و المراد به ارتداد المملوك. فإن كان عن فطرة فحكمه القتل. و إن كان عن ملّة فحكمه الاستتابة ثم القتل إن لم يتب. هذا حكم الرجل المرتدّ بقسميه [1]. و أمّا المرأة مطلقا فحكمها الحبس و الضّرب أوقات الصلاة إلى أن تتوب أو تموت.

(3) معطوف أيضا على «النذر» و مثل الحلف على عدم البيع هو الإيصاء به كما في المقابس، حيث قال: «السبب السابع من أسباب النقص: أن يكون منهيّا عن بيعه لحلف

______________________________

[1] إن كانت المعاملة سفهية أو ممّا يوجب أكل المال بالباطل، لسقوطه بسبب وجوب القتل عن المالية عرفا، فلا إشكال في بطلان البيع، و إلّا ففيه إشكال، بل منع، لإمكان خروج المعاملة عن السفهية و عن أكل المال بالباطل بأن يشتريه من عليه كفارة، فيعتقه، ثم يقتل، فتدبّر.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 121

(2) المصدر، ص 103

ص: 491

و تعيين (1) الهدي للذّبح.

و اشتراط (2) عتق العبد في عقد لازم،

______________________________

أو وصيّة. فالأوّل كما لو حلف أن لا يبيعه، أو لا يخرجه عن ملكه. و الأصحّ أنّه يصحّ بيعه، و إن أثم بذلك، و وجبت عليه الكفارة مع العمد و العلم. و يلزم على قول من أفسد البيع وقت النداء أن يحكم بفساده- أي بفساد البيع هنا- أيضا».

إلى أن قال: «و الثاني: كما لو أوصى بمال لشخص، و شرط في الوصية أن لا يخرجه عن ملكه أو لا يبيعه، فإذا انتقل إلى الموصى له وجب عليه العمل بمقتضى الوصية، عملا بالعمومات. و لو باع فسد بيعه، لكون التمليك وقع على نحو خاصّ كما في الوقف، لا مطلقا، و لأنّ حكمة النهي لا تتمّ إلّا بإبطاله» «1».

ففرّق صاحب المقابس بين الحلف على عدم البيع، فرجّح صحة البيع لو باعه.

و بين الوصية بعدم البيع، فحكم بالبطلان لو باعه الموصى له.

و كيف كان ففي مورد الحلف يتوقف بطلان البيع على أمرين ممنوعين:

أحدهما: اقتضاء الأمر بالوفاء بالحلف- على عدم البيع- للنهي التكليفي عن ضده الخاص و هو البيع.

و ثانيهما: اقتضاء الحرمة التكليفية للوضع أعني به الفساد.

(1) معطوف أيضا على «النذر» و المقصود تعيين الهدي بالإشعار أو التقليد، لصحيحة الحلبي المعمولة بها «2».

قال في المقابس في السبب الثامن: «تعيين الهدي للذبح، و سياقه بإشعاره أو تقليده، فإنّه لا يخرج بذلك عن ملك سائقه، لكنّه لا يجوز له إبطاله و نقله عن الملك، بل يجب ذبحه بمنى إن كان في إحرام الحج، و في مكة إن كان في إحرام العمرة» «3».

(2) هذا أيضا معطوف على «النذر» و المراد به أن يبيع عبدا و يشترط على المشتري عتقه، أو اشتراط عتقه في ضمن عقد لازم غير البيع، كالإجارة و الصّلح، قال

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 119

(2) وسائل، ج 10، ص 126، الباب 27 من أبواب الذبح، ح 1

(3) مقابس الأنوار، ص 119

ص: 492

و الكتابة (1) المشروطة أو المطلقة

______________________________

في المقابس: «و هذا- أي بطلان البيع لو باعه المشتري- بناء على صيرورة الشرط لازما يجب الوفاء به بعد أخذه في العقد مطلقا أو في خصوص هذا الشرط، لتعلّق حقّ اللّه تعالى به و العبد، و عدم اختصاصه بالبائع- حتى يجوز البيع بإسقاط حقّه- أو عدم استحقاقه- أي البائع- لذلك. فعلى هذا لو باعه كان باطلا ..» «1» [1].

و على هذا فالبطلان مبني على كون الشرط موجبا لحدوث حقّ للمشروط له، بحيث يكون العبد متعلّقا لحقّه، و إلّا فلا.

(1) معطوف على «النذر» و هذا سابع الحقوق الموجبة لنقص الملك، قال في المقابس: «السبب العاشر: المكاتبة المشروطة أو المطلقة في غير ما تحرّر منه بالأداء، فإنّها تمنع المولى من التصرف فيه .. إلخ» «2».

و توضيحه: أنّ الكتابة عقد لازم يقع بين المولى و المملوك، و هي معاملة مستقلة بينهما ثمرتها تحرّر المملوك بعد أداء مال الكتابة، و هي على قسمين مطلقة و مشروطة، فالمطلقة أن يقول المولى: «كاتبتك على عوض كذا في مدة كذا، فإذا أدّيت فأنت حرّ» فإن أدّى المملوك من مال الكتابة شيئا تحرّر منه بحسابه.

______________________________

[1] و استدلّ على صحة البيع- بعد الأصل و العمومات- برواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الذي يحلف على المتاع أن لا يبيعه و لا يشتريه، ثم يبدو له، فيكفّر عن يمينه» «3». فهي تدل على صحة البيع مع الكفارة. بل بدونها كما في رواية أخرى «يبيع و لا يكفّر» «4» لكن لا مجال للعمل بها، لمخالفتها للقواعد، مع الإعراض عنها.

و الضابط المطّرد في بطلان البيع في الموارد المذكورة في المقابس و غيرها هو كون المبيع متعلّق حق الغير، بحيث يتوقف صحة بيعه على إذن ذي الحق، أو دلالة دليل خاص على البطلان، و إلّا فمجرد النهي التكليفي لا يكفي في إثبات البطلان.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 119

(2) مقابس الأنوار، ص 119 و 120

(3) وسائل الشيعة، ج 16، ص 147، الباب 18 من كتاب الايمان، ح 11

(4) المصدر، ح 10

ص: 493

بالنسبة (1) إلى ما لم يتحرّر منه، حيث إنّ المولى ممنوع عن التصرّف بإخراجه عن ملكه قبل الأداء.

و التدبير (2) المعلّق على موت غير المولى،

______________________________

و المشروطة هي أن يقول المولى لمملوكه- زيادة على ذلك: «فإن عجزت عن الأداء فأنت ردّ في العتق» «1».

و في كلا القسمين يكون المولى- في مدة الكتابة- ممنوعا من إخراج المملوك عن ملكه. مع فرق بين القسمين، و هو: أنّ المنع في المشروطة يكون بالنسبة إلى تمام الرقبة، و في المطلقة يكون بالنسبة إلى ما لم يتحرّر منه، كما إذا اتفقا على كون العوض مائة دينار، فأدّى المملوك خمسين دينارا، فقد تحرر نصفه و بقي نصفه رقّا.

و في كلا القسمين يستمرّ منع المولى من إخراج المكاتب عن ملكه إلى أن تنفسخ الكتابة لأحد أمرين، إمّا لعدم الأداء، لعجز المملوك مثلا، و إمّا لاتفاقهما على التقايل و فسخ الكتابة بناء على صحته. فإن انفسخت صار المكاتب رقّا يجوز للمولى نقله عن ملكه.

هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس. ثم نبّه على أمر، و هو: أنّ جعل الكتابة من أسباب نقص الملك مبني على أمرين، أحدهما: كون عقد الكتابة لازما حتى في المشروطة، خلافا لما عن بعض من جوازها في المشروطة.

و ثانيهما: كونه عقدا مستقلا، لا بيعا و لا عتقا بعوض، إذ لو كانت أحدهما كان عدم جواز بيع المكاتب لأجل انتفاء شرط أصل الملك، لا تماميته، فراجع «2».

(1) قد عرفت أنّ هذا القيد ملحوظ في المطلقة، إذ لم يتحرّر شي ء في المشروطة قبل أداء جميع العوض.

(2) هذا أيضا معطوف على «النذر» و هو ثامن الموانع المذكورة في المتن، قال في المقابس: «السبب الحادي عشر: التدبير، و هو يوجب نقص الملك، و المنع من التصرف في مواضع .. الثاني: إذا علّق عتقه على موت غير المولى كزوج الأمة، و من جعل له

______________________________

(1) راجع شرائع الإسلام، ج 3، ص 125

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 120

ص: 494

بناء (1) على جواز ذلك، فإذا مات المولى و لم يمت (2) من علّق عليه العتق كان مملوكا للورثة (3) ممنوعا من التصرّف فيه.

و تعلّق (4) حقّ الموصى له بالموصى به بعد موت الموصى و قبل قبوله،

______________________________

الخدمة مدّة حياته ..» «1».

و توضيحه: أنّ التدبير هو تعليق عتق المملوك على وفاة المولى، قال المحقق قدّس سرّه:

«و في صحة تدبيره بعد وفاة غيره- أي غير المولى- كزوج المملوكة، و وفاة من يجعل له خدمته تردد، و أظهره الجواز، و مستنده النقل» «2».

و على هذا فإن قال المولى للملوك: «أنت حرّ بعد وفاتي» جاز له الرجوع عنه، فإذا باعه صحّ. و إن قال: «أنت حرّ بعد وفاة زيد» بأن كان التحرّر متوقفا على موت زيد. فإن مات زيد فلا كلام في حصول الحرية.

و إن مات المولى و بقي زيد حيّا- و هو موضوع البحث- انتقل العبد المدبّر إلى ملك ورثة مولاه، و لكنّهم ممنوعون من التصرف فيه. و ذلك لأنّ للمدبّر حق التحرر- الحاصل بالتدبير- و هو موجب لنقص ملكية الورثة له.

(1) إذ لو قلنا ببطلان هذا التدبير و اختصاص مشروعيته بتعليق الحرية على موت المولى- لا الأجنبي- كان خارجا عن البحث، لكون المملوك رقّا، و لم يتشبّث بالحرّية أصلا.

(2) إذ لو مات كلّ من المولى و من علّق التدبير عليه، فقد تحرّر المدبّر.

(3) أي: لورثة المولى المدبّر.

(4) معطوف أيضا على «النذر» و هذا تاسع الحقوق الموجبة لنقص الملك. قال في المقابس: «الثالث عشر من الأسباب: تعلق حقّ الموصى له بالموصى به قبل قبوله .. إلخ» «3».

و توضيحه: أنّ الوصية التمليكية تقتضي دخول المال في ملك الموصى له معلّقا على موت الموصى، و لا يكفي إنشاء الوصية في حصول الملك المنجّز. و الأمران- أعني بهما

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 120

(2) شرائع الإسلام، ج 3، ص 117

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 125

ص: 495

..........

______________________________

الإيجاب و الموت- لا كلام فيهما. إنّما الكلام في دخل قبول الموصى له في تملكه للموصى به. فإن كانت الوصية لجهة عامّة كالفقراء و المساجد انتقل المال إليها بوفاة الموصى، و لم يفتقر إلى القبول بلا خلاف كما في المسالك «1».

و إن كانت الوصية لمعيّن- كزيد- اعتبر قبوله أو عدم ردّه.

و بناء على اعتبار القبول، اختلفوا في كيفية دخله على أوجه ثلاثة ذكرها صاحب المقابس. و عدّ الوصية من موجبات نقص الملك ناظر إلى بعضها.

الأوّل: كون القبول كالموت شرطا في انتقال المال إلى الموصى له، فلو سبق قبوله موت الموصى أو قارنه تملّكه، و إن تأخّر القبول عن الموت دخل في ملك الوارث ملكية متزلزلة. فإن قبل الموصى له انتقل إليه، و إن ردّ الوصية صار ملكا لازما للوارث.

فإن باعه الوارث قبل قبول الموصى له احتمل فساده رأسا، لتعلق حق الغير به.

و احتمل صحة البيع، لكنّها موقوفة على أحد الأمرين: إمّا على إجازة الموصى له- لو قبل الوصية- فيقع البيع له. و إمّا على ردّه للوصية، فيقع البيع للوارث.

و يحتمل التفصيل بين ردّ الوصية، فيصح البيع، و يقع للوارث، لاستقرار الملك له حينئذ. و بين قبول الوصية، فيبطل البيع حتى لو أجازه، لعدم كون الموصى حال البيع مالكا للمبيع بعد فرض انتقال المال إلى الوارث بموت الموصى و عدم قبول الموصى له.

و قد تقدم في مسألة «من باع ثم ملك» اعتبار كون المجيز أهلا للإجازة حين البيع، و عدم كفاية أهليته لها حال الإجازة «2».

الاحتمال الثاني: أنّ القبول شرط للزوم الملك لا الصحة الوصية، فالمال ينتقل بالموت إلى الموصى له قبل قبوله، كتملّك الوارث قهرا بموت مورّثه. فإن قبل الموصى له كان بيع الوارث فضوليا منوطا بإجازة من اوصى له. و إن ردّ الوصية اندرج بيع الوارث في مسألة «من باع ثم ملك».

الاحتمال الثالث: أنّ القبول كاشف عن انتقال المال بموت الوصي إلى الموصى له،

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 121

(2) راجع هدى الطالب، ج 5، ص 244- 336

ص: 496

بناء (1) على منع الوارث من التصرّف قبله (2).

و تعلّق (3) حقّ الشفعة بالمال، فإنّه مانع من لزوم التصرّفات الواقعة من

______________________________

كما أنّ ردّ الوصية كاشف عن تملك الوارث له. و حينئذ فلو باعه الوارث بعد الموت- و قبل الرّد و القبول- كان صحته منوطا بتحقق القبول من الموصى له و إجازته للبيع.

أو ردّه للوصية فيقع للوارث.

و كان فساد البيع في صورة واحدة، و هي إمضاء الوصية و ردّ البيع.

و لو كان البائع غير الوارث كان فضوليّا على كلّ من تقديري قبول الوصية و ردّها. هذا توضيح ما أفاده صاحب المقابس.

و هناك احتمال رابع في قبول الوصية يبتني على كون القبول جزء السبب الناقل للملك كما استظهره الشهيد الثاني من عبارة الشرائع «1»، أو شرطا محضا كالموت، كما استظهره شيخنا الأعظم قدّس سرّه منها «2»، و التفصيل موكول إلى محلّه.

(1) يعني: بناء على الاحتمال الأوّل، و هو انتقال المال إلى الوارث، و منعه من بيعه لتعلق حقّ الوصية به. و أمّا بناء على ما عدا الاحتمال الأوّل فليس بيع الموصى به من صغريات نقص الملك كما عرفت.

(2) أي: قبل قبول الوصية.

(3) معطوف أيضا على «النذر» و هذا عاشر الحقوق الموجبة لنقص الملك، قال في المقابس: «الثامن عشر: تعلق حقّ الشفعة بالمال، و التملك بها قبل الاستقرار. أمّا الأوّل فمانع من لزوم تصرفات من انتقل إليه المال مطلقا ما دام الحقّ ثابتا ..» «3».

و توضيحه: أنّ المذكور في العبارة مما يتعلق بحق الشفعة أمران، أشار المصنف إلى الأوّل منهما، و نقتصر على توضيحه، و هو: أنه لو كانت دار مثلا مشتركة بين زيد و عمرو، فباع زيد حصّته منها من بكر، ثبت حق الشفعة لعمرو، فلو بادر بكر الى التصرف في حصّته ببيع أو هبة أو صلح أو غيرها جاز لعمرو إبطال هذه التصرفات المنافية لحقّه، فإنّها و إن وقعت في ملك المتصرّف، لكنه ممنوع من التصرف فيه، لتعلّق

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 6، ص 117 و 118

(2) كتاب الوصايا و المواريث، ص 32، و لاحظ جواهر الكلام، ج 28، ص 250- 252

(3) مقابس الأنوار، ص 131

ص: 497

المالك، فللشفيع بعد الأخذ بالشفعة إبطالها (1).

و تغذية (2) الولد المملوك بنطفة سيّده فيما إذا اشترى أمة حبلى، فوطأها،

______________________________

حقّ الشفيع بالحصة المبيعة، فلو أخذ الشفيع بحقّه بدفع الثمن إلى بكر و ضمّ المبيع إلى حصّته، بطل ما صنعه المشتري.

(1) أي: إبطال تصرفات المشتري في حصّته. و هو مبتدء مؤخّر، و خبره المقدّم «فللشفيع».

(2) معطوف أيضا على «النذر» و هذا حادي عشر موجبات النقص، قال في المقابس: «التاسع عشر: كونه مملوكا، له ولد من أمة قد اشتراها مولاها و هي حبلى، فإنّه لا يحلّ له وطيها حتى يمضي عليها أربعة أشهر، و يجب عليه العزل لو وطأ بعد ذلك. فإن وطأها قبل مضيّ الأربعة أشهر، أو بعد ذلك و لم يعزل عنها، فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد، لأنّه قد غذّاه و أنماه بنطفته ..» «1».

و توضيح حقّ تغذّي الحمل- المانع من بيعه- هو: أنّه لو كان لزيد أمة حبلى فأراد السيّد بيع أمته ثبت حقّ منع بيع الحمل لو اجتمعت أمور:

الأوّل: أن لا يكون الجنين متكوّنا من المولى حتى يكون حرّا، بل من مملوك، كما إذا كان للسيد عبد، فزوّج أمته من عبده، فحملت منه، فإنّ الحمل مملوك- كوالديه- للسيّد.

الثاني: أن يشترط المشتري على البائع دخول الحمل في المبيع و كونه ملكا له، فباعها السيد مع حملها، و لم يستثن الحمل.

الثالث: أن لا ينقضي من زمان الحمل أزيد من أربعة أشهر، كما إذا باعها في الشهر الثالث من مدة الحمل.

الرابع: أن يباشر المشتري هذه الأمة قبل مضيّ أربعة أشهر.

فبتحقق هذه الأمور يثبت حقّ للحمل يمنع من بيعه، و هو تغذّيه من نطفة

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 131

ص: 498

فأتت بالولد، بناء على عدم جواز بيعها (1).

______________________________

المشتري، فيعتق به [1].

(1) كذا في نسختنا، و معناه: أنّ هذه الأمة و إن جاز بيعها، لأنّها ولدت من مملوك، لا من حرّ، فليست هي بحكم أمّ الولد كي يمنع بيعها، إلّا أنّ بيع الولد ممنوع، و أنّه يجب عتقه على المشتري.

و لكن الأنسب موافقا لما في المقابس من قوله: «فإنّه لا يحلّ له حينئذ بيع الولد» أن يقال: «بناء على عدم جواز بيعه» حتى يكون إشارة إلى الخلاف الذي أشار إليه في المقابس من القول بحرمة بيع الولد كما هو المشهور، و القول بكراهته كما ذهب إليه بعض المتأخرين.

______________________________

[1] كما عن الديلمي في المراسم و أبي الصلاح في الكافي. هذا بدون العزل، و أمّا معه فلا بأس ببيع الولد، هذا.

و بعضهم قيّد الحكم بالوطي في الفرج مع الانزال قبل انقضاء أربعة أشهر و عشرة أيام كما عن الشيخ في النهاية. لكن النصوص خالية عن التقييد بالمدة بأحد الحدّين المزبورين.

و كيف كان فقد علّل عدم جواز بيع الولد في النصوص بأنّ الواطي قد غذّاه و أنماه بنطفته، كما في صحيح إسحاق بن عمّار، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى جارية حاملا، و قد استبان حملها، فوطأها؟ قال: بئس ما صنع. إلى ان قال: إن كان عزل منها فليتق اللّه، و لا يعد، و إن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد، و لا يورثه، و لكن يعتقه و يجعل له شيئا من ماله يعيش به، فإنّه قد غذاه بنطفته» «1».

و في رواية السكوني: «لأنّ نطفتك غذّت سمعه و بصره و لحمه و دمه» «2».

و لتنقيح المسألة مقام آخر، و الغرض الإشارة إلى الأقوال و المدارك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 14، ص 507، الباب 9 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، ح 1.

(2) المصدر، ح 3

ص: 499

و كونه (1) مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال (2) الوطء،

______________________________

(1) أي: و كون الولد مملوكا لشريك الواطئ، و هذا أيضا معطوف على «النذر» و أشار به إلى الحقّ الثاني عشر الموجب لنقص الملك، قال في المقابس: «العشرون: كونه مملوكا ولد من حرّ شريك في أمّة حال الوطي، أو كان وطؤه لشبهة نكاح أو ملك .. إلخ» «1».

و توضيحه: أنّه لو اشترك اثنان- كزيد و عمرو- في شراء أمة، فباشرها زيد من دون أن يستأذن عمروا، فحملت الأمة منه و ولدت، ففي المسألة قولان:

أحدهما: انعقاد الولد حرّا تبعا لأبيه، و يضمن الواطي للشريك قيمة ولد رقّ، لإتلافه عليه نماء الأمة بإيجاد الولد غير القابل للملك، فيفرض الولد رقّا، و يقوّم على الواطئ، و تؤخذ قيمة الولد منه و تعطى الشريك الآخر و هو عمرو. و بناء على هذا القول تكون المسألة أجنبية عن موجبات نقص الملك، إذ لا ملك حتى يتمّ أو ينقص.

ثانيهما: انعقاد الولد رقّا تبعا لامّه، لعدم حلية البضع للواطي، لا بالنكاح، و لا بالملك المستقل، و لا بالتحليل، فيحكم بأنّ الولد مملوك للشريك الآخر غير الواطي، لكنه ممنوع عن بيعه من غير الواطي، فعليه تقويمه و أخذ القيمة من الواطي، و تسليم الولد إليه.

و بالجملة: فالولد و إن كان رقّا، لكن ليس لمولاه غير الواطى شي ء من التصرفات فيه، إلّا التقويم و أخذ قيمته من الشريك الذي وطأ الأمة المشتركة بلا استئذان من الآخر.

فبناء على هذا القول يكون ما نحن فيه- و هو الولد الرّق- من صغريات نقص الملك، لانعتاقه بمجرّد التقويم، أو بأداء قيمته إلى الشريك، و هو عمرو في المثال.

و ألحق صاحب المقابس بوطي أحد الشريكين ما لو وطأها أجنبي لشبهة حصلت له من نكاح أو ملك فحملت منه، فإنّ الولد لو قيل بحرّيته فلا موضوع للبحث.

و إن قيل برقيّته يمنع السيد من بيعه، بل يقوّم الولد، و تؤدّى قيمته إلى السيد، و ينعتق.

(2) التقييد بالشركة حال الوطي، لأجل أنّ هذه الحالة هي حال تكوّن الولد المعدود نماء للأمة، و إلّا فالشركة السابقة على الوطء- بحيث كان الواطي مالكا مستقلا حين المباشرة- لا توجب شبهة انعقاد الولد رقا. كما أنّ الشركة اللاحقة للوطء كذلك.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 135

ص: 500

فإنّه (1) مملوك له، لكن (2) ليس له التصرّف فيه إلّا بتقويمه و أخذ قيمته.

و تعارض (3) السبب المملّك و المزيل للملك،

______________________________

فالمناط هو الشركة في حال المباشرة ليكون من التصرف في ملك الغير بغير إذنه.

(1) أي: فإنّ الولد مملوك للشريك الآخر الذي لم يطأها.

(2) يعني: و إن كان الولد مملوكا للشريك الآخر، إلّا أنّه ممنوع من بيعه و هبته و وقفه، فليس له إلّا التقويم و أخذ قيمة الولد.

(3) معطوف أيضا على «النذر» و هذا إشارة إلى الحقّ الثالث عشر الموجب لنقص الملك، قال في المقابس: «الحادي و العشرون: تدافع السبب المملّك و المزيل له دائما.

و المسألة مفروضة فيما لو قهر حربي حربيّا ينعتق عليه و أراد بيعه، فأطلق ابن حمزة في كتاب العتق من الوسيلة: أنّه يجوز تملّك من سبي و من سرق و من اشتري من آبائهم و قراباتهم و أزواجهم و من سباهم [و] إن كان كافرا» «1».

توضيحه: أنّ الاستيلاء يوجب تملّك الكافر الحربي الذي هو كالمباح الأصلي في صيرورته ملكا لكلّ من استولى عليه و إن كان المستولي كافرا حربيا مثله. فإذا قهر حربيّ أباه كان القهر سببا لملكية المقهور دائما، و القرابة الخاصة سببا لزوال الملكية.

و مع تعارض السبب المملّك و المزيل يشكل البيع، إذ لا بيع إلّا في ملك، و المفروض هنا توارد السببين في جميع الآنات على الكافر المقهور، و لا موجب لترجيح أحدهما على الآخر. و لذا قيل: إنّ جواز شرائه للمسلم بمعنى الاستنقاذ، و معناه بذل عوض للكافر الحربي القاهر بإزاء رفع يده عن المقهور. كما يظهر من بعض الكلمات المنقولة في المقابس، كقول العلّامة: «و التحقيق صرف الشراء إلى الاستنقاذ و ثبوت الملك للمشتري بالتسلّط. و في لحوق أحكام البيع حينئذ نظر» «2».

و سيأتي في مستثنيات خيار المجلس بعض الكلام في كون شراء المسلم للكافر الحربي- من مثله- شراء حقيقة أو استنقاذا، أو أنّه استنقاذ من أحد الطرفين و هو كالبيع من الطرف الآخر.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 135

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 29

ص: 501

كما لو قهر (1) حربيّ أباه.

و الغنيمة (2) قبل القسمة، بناء (3) على حصول الملك بمجرّد الاستيلاء- دون

______________________________

(1) حيث إنّ الغلبة على الحربي مملّكة، و القرابة بالأبوّة موجبة للانعتاق، فيتعارضان.

(2) معطوف أيضا على «النذر» و هذا هو الرابع عشر من موجبات نقص الملك، قال في المقابس: «الثاني و العشرون: اشتراك يقتضي رجوع الأمر في القسمة إلى غير المالك، و عدم تمكنه من البيع قبله لا معيّنا و لا مشاعا، و ذلك كالغنيمة قبل القسمة، فإنّها مشتركة بين الغانمين، و قسمتها إلى الإمام. فإن قلنا بأنّ الملك موقوف على القسمة و تعيين السّهام فلا يجوز البيع قبله، لعدم الملك. و إن قلنا بحصوله بمجرد الاستيلاء لامتناع بقاء المال بلا مالك- و ليس هو للحربي و لا للإمام- فتعيّن أن يكون للغانمين ..» «1».

و توضيحه: أنّ ما غنمه المسلمون- من الأموال المنقولة- من الكفار هل تدخل في ملكهم بمجرد حيازتهم لها و جمعها، أم يتوقف تملكهم لها على قسمة الامام عليه السّلام؟ فبناء على توقف التملك على القسمة تكون المسألة خارجة عن المقام- أي من موجبات نقص الملك- إذ لا ملك حقيقة قبل القسمة.

و بناء على الأوّل- و هو التملّك بمجرد احتواء المسلمين عليها- تندرج في ما نحن فيه، فكلّ جزء من هذه الأموال المغنومة ملك مشاع بين المقاتلين، لكنه لجهالة حصّة كلّ منهم يمنع من التصرف فيه، بل يتوقف على قسمة الإمام لها.

و وجه كونها ملكا للجميع هو خروجها عن ملك الكفار بمجرّد استيلاء المسلمين عليها، فلو بقيت بلا مالك إلى زمان القسمة لزم بقاء المال بلا مالك، و هو ممتنع، فلا بدّ من دخولها في ملك المجاهدين، و يستقرّ ملكهم لها بالقسمة.

(3) اتّضح وجه التقييد بحصول الملك بالاستيلاء، إذ بناء على القول الآخر- و هو إناطة الملك بالقسمة- يكون منع بيع الغنيمة قبل القسمة لأجل انتفاء الملك لا طلقيّته.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 137

ص: 502

القسمة- لاستحالة (1) بقاء الملك بلا مالك.

و غير (2) ذلك ممّا سيقف عليه المتتبّع، لكنّا نقتصر على ما اقتصر عليه الأصحاب، من ذكر الوقف، ثمّ أمّ الولد، ثمّ الرّهن، ثمّ الجناية، إن شاء اللّه.

______________________________

(1) تعليل لترجيح القول بالتملك بالاغتنام على القول بتوقفه على القسمة، و حاصله: أنّ الغنائم أموال مملوكة للكفّار، و لا تصير من المباحات بحيازتها، فلو توقّف تملّكها على القسمة المتأخرة عن الاغتنام- للزوم جمعها و تبديل ما لا يقبل التقسيم منها- لزم بقاء الملك بلا مالك، و هو ممتنع.

(2) معطوف أيضا على «النذر» و ما بعده من الحقوق. و المراد بالغير أمور أربعة ذكرها المحقق الشوشتري و أشرنا إليها في (ص 489) فراجع.

ص: 503

[مسألة بيع الوقف]
اشارة

مسألة (1)

[الأدلة المانعة عن بيع الوقف]
اشارة

لا يجوز بيع الوقف [1]

______________________________

(1) بيع الوقف الغرض من عقد هذه المسألة التعرض لإحدى موجبات نقص الملك مع بقاء أصله. و هذا مبني على القول بكون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليه، و تعلق حقّ الغير- كالبطن المعدوم- بها. و أمّا بناء على القول بانتقال العين إليه تعالى كان أصل الملك منتفيا، لا طلقيته، كما نبّه على ذلك صاحب المقابس قدّس سرّه «1»، و يظهر من كلام شيخه قدّس سرّه في وقف كشف الغطاء، كقوله: «و هو بقسميه- عامّة و خاصّة- مفيد للاختصاص دون الملك، فإنّه للّه، و القول بانفصال الملك في القسم الثاني الموقوف عليه غير بعيد كما مال أعاظم الفقهاء إليه، و إن كان الأقوى خلافه، و جريان الأحكام فيه على نحو جريانها في الوقف العام، و في متعلقات النذور، فإنّ الأقوى خروجها عن ملّاكها، و رجوعها كباقي الكائنات إلى من بيده أزمة الأمور. و ملك الفوائد و المنافع ليس بمقتض لملك العين و لا مانع ..» «2».

______________________________

[1] عرّف الوقف في كلمات الأصحاب تبعا لما في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المروي في عوالي اللئالي «3» بأنّه «عقد ثمرته تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة» كما في

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(2) كشف الغطاء (الطبعة الحجرية) كتاب العبادات الداخلة في العقود، الباب الأوّل، البحث الأوّل.

(3) عوالي اللئالي، ج 3، ص 261، ح 5، رواه عنه في مستدرك الوسائل، ج 14، ص 47، الباب 2 من أبواب الوقوف، ح 1

ص: 504

[الأول الإجماع]

إجماعا (1) محقّقا في الجملة، و محكيّا

______________________________

(1) استدل المصنّف قدّس سرّه على حرمة بيع الوقف بوجوه:

الأوّل: الإجماع، محصّلا و منقولا. أمّا المحصّل فهو ثابت في الجملة، و غرضه من قيد «في الجملة» ما عدا الصور التي يجوز فيها البيع لطروء المسوّغ.

قال في المقابس: «و إيجابه- أي إيجاب الوقف- لفساد البيع في الجملة ثابت بالإجماع من الخاصة و العامة» «1».

و أما المنقول فقد ادّعي مطلقا على حرمة البيع، و من دون التقييد ببعض الصور كما سيأتي في (ص 544). و في الجواهر: «و من هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه- أي في بيع الوقف- المنع، و إن اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل، أو بزعمه. بل في السرائر:

نفى الخلاف عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبّدا، و نزّل خلاف الأصحاب في المنقطع منه ..» «2».

و المقصود من نقله أنّ دعوى الإجماع على منع بيع الوقف موجود في بعض الكلمات، خصوصا لو قيل بأنّ الوقف المنقطع حبس حقيقة، لاشتراط التأييد في الوقف

______________________________

الشرائع «3» و بعض آخر، أو أنّه «عقد يفيد تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة» كما في القواعد «4». أو أنه «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» كما حكي عن المبسوط و غيره «5» بحذف «العقد» و تبديل الإطلاق بالتسبيل، و لعلّه أولى كما في الجواهر «لإشعاره باعتبار القربة فيه، و أنّه من الصدقات» «6».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 42

(2) جواهر الكلام، ج 22، ص 358

(3) شرائع الإسلام، ج 2، ص 211

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 387

(5) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 2

(6) جواهر الكلام، ج 28، ص 2

ص: 505

..........

______________________________

فالمنقطع إمّا باطل أصلا، و إمّا صحيح حبسا لا وقفا مصطلحا.

و قد تحصّل: أنّ الإجماع محقّق في المسألة، إنّما الكلام في حجيته مع احتمال استناد المجمعين إلى النصوص المعتبرة التي لم يستبعد صاحب الجواهر تواترها «1».

______________________________

و على كلّ فالتعاريف المزبورة تناسب تفسير الوقف في اللغة بالحبس كما في اللسان و غيره «2»، فمعنى قوله: «وقفت داري على كذا» بعد تعذر إيقاف نفس الدار على الموقوف عليه هو حبسها عليهم. إنّما الكلام في ما يراد بالحبس، لما فيه من احتمالين.

أحدهما: الممنوعية من التصرفات الناقلة، بمعنى: أنّ الواقف ينشئ منع التقلب في العين و حركتها في وعاء الاعتبار من الموقوف عليه الى غيره. و مقتضاه بطلان الوقف بطروء ما يجوّز بيعه شرعا و إن لم يتحقق البيع خارجا، كما سيأتي من الفقيه الكبير في شرح القواعد و جمع. قال السيد العاملي قدّس سرّه: «إذ المراد به- أي بالتحبيس- المنع من التصرف فيه تصرفا ناقلا» «3» و نحوه في الرياض «4».

ثانيهما: إيقاف ملكية العين على الموقوف عليهم بحيث لا تتجاوزهم إلى غيرهم.

هذا في الوقف على الأشخاص أو العناوين القابلة للتملك، و إلّا فالمراد إيقاف الاختصاص بالموقوف عليه.

قال المحقق التقي الشيرازي قدّس سرّه: «إن الظاهر من قول القائل:- وقفت داري مثلا بعد عدم صحة اعتبار معناه الحقيقي من إرادة إيقاف نفس العين- أن يكون الإيقاف باعتبار الملكية .. ثم إذا قامت قرينة أخرى على عدم اعتبار ذلك انتقلنا من ذلك إلى إرادة نوع خاصّ من الاختصاص يصحّ اعتباره في الأوقاف العامة و أمثاله» «5».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 357، و نقل في غيره عن ابن إدريس أيضا، فلاحظ: مفتاح الكرامة، ج 4، ص 258، و ج 9، ص 84، مقابس الأنوار، ص 48

(2) لسان العرب، ج 9، ص 351، المصباح المنير، ص 669، مجمع البحرين، ج 5، ص 129

(3) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 2

(4) رياض المسائل، ج 10، ص 91

(5) تعليقة المكاسب (القسم الثاني) ص 22

ص: 506

..........

______________________________

و الملكية الحاصلة من أيّ سبب و إن كانت حقيقة واحدة، إلّا أنّ حكمها يختلف في الوقف عمّا عداه من جهة حكم الشارع بعدم الانتقال عن موضوعها و هو الموقوف عليه.

و يترتب على هذا الاحتمال بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض مسوّغ بيعه، إذ لا منافاة بين قصر ملكية العين أو اختصاصها، و بين جواز النقل، لعدم كون المنع من التصرف مأخوذا في حقيقة الوقف.

نعم تتحقق المنافاة بين حكمين، و هما جواز البيع بعد طروء السبب، و بين حرمته التي كانت قبله. و هي توجب انقلاب لزوم الوقف إلى الجواز، لا الصحة إلى البطلان.

و لعلّ هذا مبنى ما سيأتي من المصنف بقوله: «ثم إن جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ..» فانتظر.

و كيف كان فاختار المحقق الأصفهاني قدّس سرّه الاحتمال الثاني، لما في كون الحبس منعا من التصرف الناقل من محذور، سواء أريد به المنع المالكي أم الشرعي، تكليفيا أم وضعيا.

و حيث إنّ المناط ملاحظة إنشاء الواقف، لفرض كون الأدلة الشرعية إمضاء له بمعنى جعل المماثل، فالأولى الاقتصار على توضيح استدلاله بوجهين على عدم كون الحبس منعا عن التصرفات، و سلامة كلامه عمّا أورد عليه. فنقول و به نستعين:

الوجه الأوّل: أنّ منع الغير عن التصرف في العين و إن كان قابلا للإنشاء كإنشاء الإباحة، إلّا أنه لكونه من الإيقاعات القائمة بطرف واحد لا يعقل أن يتوقف وجوده في موطن الاعتبار على قبول الغير. مع أنّه لا شبهة في قابلية إنشاء الوقف للقبول، بل المعروف اعتباره سيّما في الوقف الخاص.

ففي الجواهر بعد تقوية اعتبار القبول في الوقف مطلقا: «فالوحدة المزبورة حينئذ تقتضي اعتباره أيضا» «1». فالمقصود أن الوقف من سنخ المعاني القابلة للحوق القبول به، سواء قيل بدخله فيه أم لا، فهو كالوصية القابلة للرد و الإمضاء. مع أنّ المنع المالكي إيقاع كترخيصه.

الوجه الثاني: أنّ المنع المالكي إن أريد به ممنوعية الموقوف عليه عن بيع الوقف و نقله إلى الغير، ففيه: أنّه لا يتصور هذا المنع إلّا في ظرف بقاء العين على ملك المانع، إذ لا معنى

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 28، ص 6 و 7

ص: 507

..........

______________________________

للمنع عمّا هو أجنبي عنه و لا مساس له به، مع أنّ خروج العين عن ملك الواقف مما لا كلام فيه.

و إن أريد به ممنوعية نفسه عن التصرف، ففيه: أنّ معناه التزامه بعدم تصرفه في العين بعد إنشاء الوقف، و أمّا ممنوعية الموقوف عليه فلا موجب لها، فإنّ نفوذ الوقف شرعا معناه أنّ للشارع اعتبارا مماثلا لما أنشأه الواقف.

هذا توضيح ما أفاده قدّس سرّه في منع كون الحبس منعا عن التصرف الناقل. و لا يتجه شي ء ممّا ذكر على جعل الحبس بمعنى كون الملكية- في مورد قابلية الموقوف عليه للتملك- مقصورة على أشخاص أو عنوان، أو اختصاصها مقصورا على جهة أو فعل كما في وقف مال للصرف في الإحجاج أو الإرسال إلى زيارة المشاهد المقدّسة. قال قدّس سرّه: «و مرجع قصر العين ملكا أو اختصاصا قصر ملكيتها على شخص، المساوق لعدم زوالها عنه، لا أنّ المنشأ و المتسبّب إليه نفس اعتبار الملكية، فإنّه غير مناسب لمفهوم الوقف» «1».

إلّا أن يناقش في الوجه الثاني بما أفيد من «أنّ إيقاع المنع و إنشاءه يكون في زمان مالكيته. فلو كان الحبس هي الممنوعية لكان حصول الممنوعية و خروج العين عن ملكه بإنشائها في زمان مالكيته. و لا يعتبر في جعل المالك و تصرفه في ملكه إلّا كونه ملكا له حال التصرف. نظير الشرائط في ضمن العقد. فلو شرط على المشتري عدم بيعه أو شرط إجارته في رأس السنة الآتية صحّ و إن لم يكن ملكا له في رأسها، و هو واضح» «2». هذا.

فإن كان المنع المالكي نظير باب الشرط الضمني الذي يكفي فيه الملك حين الشرط و إن زالت العلقة بعده فالأمر كما أفيد. و إن كان المنع و الترخيص المالكيّان دائرين مدار الملك حدوثا و بقاء- أي يلزم بقاء الإضافة حين التصرف- لم يتجه تنظير إنشاء الواقف- بناء كون الحبس منعا عن التصرف الناقل- بباب الشرط الضمني، و المسألة محتاجة إلى مزيد التأمّل.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 253 و 254

(2) كتاب البيع، ج 3، ص 80

ص: 508

[الثاني مكاتبة الصفار]

و لعموم (1) قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب

______________________________

(1) معطوف على «إجماعا» فكأنه قال: «لا يجوز بيع الوقف للإجماع و لعموم» و هذا دليل ثان على منع بيع الوقف. و هو ما ورد في مكاتبة الصفّار- بألفاظ متقاربة- عن الإمام العسكري «صلوات اللّه و سلامه عليه»، فروى الشيخ بإسناده عن محمّد بن الحسن الصفار، قال: «كتبت إلى أبي محمّد عليه السّلام: أسأله عن الوقف الذي يصحّ كيف هو؟ فقد روي: أنّ الوقف إذا كان غير موقّت فهو باطل مردود على الورثة، و إذا كان موقّتا فهو صحيح ممضى.

قال قوم: إنّ الموقّت هو الذي يذكر فيه أنّه وقف على فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين، إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.

قال: و قال آخرون: هذا موقت إذا ذكر أنّه لفلان و عقبه ما بقوا، و لم يذكر في آخره: للفقراء و المساكين إلى أن يرث .. الأرض و من عليها. و الذي هو غير موقّت أن يقول: هذا وقف، و لم يذكر أحدا. فما الذي يصحّ من ذلك؟ و ما الذي يبطل؟ فوقّع عليه السّلام:

الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه» «1».

و استظهر العلّامة المجلسي قدّس سرّه صحة جميع الشقوق «2». و لعلّه لإطلاق الجواب و عدم التفصيل بين الصور المفروضة في سؤال الصفّار.

و روى الصدوق بإسناده إلى الصفار «أنّه كتب إلى أبي محمّد الحسن عليهما السّلام في الوقف و ما روى فيها عن آبائه عليهم السّلام، فوقّع: الوقف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء اللّه تعالى» «3».

و روى ثقة الإسلام عن محمّد بن يحيى، قال: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي محمّد عليه السّلام في الوقوف و ما روي فيها، فوقّع عليه السّلام: الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء اللّه» «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 307- 308، الباب 7 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، الحديث: 2، تهذيب الأحكام، ج 9، ص 132 و 133، الحديث 9 من أبواب الوقوف و الصدقات.

(2) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 404- 405، و لاحظ أيضا كلام والده في روضة المتقين، ج 11، ص 150

(3) الفقيه، ج 4، ص 179، ح 10، و رواه عنه في وسائل الشيعة، ج 13، ص 295، الباب 2 من أحكام الوقوف، ح 1، لكنه لم يذكر فيه كلمة «تعالى».

(4) الكافي، ج 7، ص 37، باب ما يجوز من الوقف و الصدقة- من كتاب الوصايا- ح 34، و رواه عنه في الوسائل، ج 13، ص 295، ح 1

ص: 509

ما يوقفها (1) أهلها» [1]

______________________________

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة سندا، لصحة إسناد الصدوق و الشيخ إلى الصفار، و كذا بطريق الكافي، إلّا أنّ جواب الإمام عليه السّلام مذكور في كلّ منها بلفظ. و إن كان الاختلاف يسيرا غير مؤثر في المعنى.

كما ظهر بما نقلناه من ألفاظ الرواية عدم موافقه ما نقله المصنف في المتن لشي ء منها نعم هو أوفق بنقل الصدوق قدّس سرّه.

(1) هذا الكلمة منقولة في الفقيه و التهذيب بصيغة باب الإفعال، لكنها في الكافي بصيغة الثلاثي المجرّد، و لعلّ الأولى ما في الكافي، قال العلّامة الطريحي قدّس سرّه: «و قد تكرّر ذكر الوقف في الحديث، و هو تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة. يقال: وقفت الدار للمساكين وقفا. و: أوقفتها لغة رديّة» «1».

و كيف كان فتقريب دلالة هذه المعتبرة على عدم جواز بيع الوقف هو: أنّ الوقف- كما صرّح به المصنف قدّس سرّه في (ص 525) يوجب تعلق حقّ كلّ من الواقف و الموقوف عليه بالعين الموقوفة، فحقّ الواقف هو حبس ماله عن النقل و الانتقال، و حق الموقوف عليه هو الانتفاع بالعين و اختصاصها به. و هذا الغرض ممضى شرعا بالتوقيع الشريف، و من المعلوم أنّ جواز بيع الوقف ينافي هذا المقصود، فلا يجوز.

و الوجه في التعبير عن مكاتبة الصفار بالعموم هو عدم التصريح بحرمة البيع و الشراء فيها، كما صرّح بمنع الشراء بالخصوص في ما سيأتي من رواية ابن راشد، و رواية ربعي الحاكية لصورة وقف مولانا أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلين» لداره الواقعة في بني زريق. فيستفاد- من هذه المكاتبة- منع البيع و الصلح و الهبة و نحوها، لأنّ الشارع أمضى قصد الواقف و نفّذه.

______________________________

[1] الاستدلال به على عدم جواز بيع الوقف مشكل، لأنّه في مقام إمضاء الكيفيات التي يجعلها الواقفون في الوقف من الجهات الراجعة إلى نفس العين الموقوفة من كيفية بنائها و عمارتها، و الموقوف عليه من الصفات الخاصة، إلى غير ذلك ممّا يتعلق بالوقف.

______________________________

(1) مجمع البحرين، ج 5، ص 129، و كذا في لسان العرب، ج 9، ص 360

ص: 510

[الثالث رواية علي بن راشد]

و رواية (1) أبي علي بن راشد، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام قلت: جعلت فداك،

______________________________

(1) معطوف على «عموم» و هذا دليل ثالث على حرمة بيع الوقف، و هو ما رواه ثقة الإسلام عن محمّد بن جعفر الرزاز عن محمد بن عيسى عن أبي علي بن راشد- و هو الحسن بن راشد- عن الإمام الهادي عليه السّلام. و الظاهر اعتبار هذا السند، لوثاقة رواته،

______________________________

و أمّا عدم جواز بيعها فليس في عداد تلك الجهات المجعولة من الواقف، إذ لو كان كذلك فلازمه جواز اشتراط بيعها أيضا، لأنّ الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها. فإذا وقفها على أن تباع رأس خمسين سنة ينفذ هذا الشرط، مع أنّه واضح البطلان، إذ المقصود إثبات عدم جواز البيع في نوع الوقف، لا في شخصه.

و الحاصل: أنّ ظهور مثل قولهم عليهم السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» في إمضاء مجعولات الواقفين الخارجة عن حقيقة الوقف و مفهومه، و عن المجعولات التي جعلها الشارع، ممّا لا سبيل إلى إنكاره. فمثل هذا الدليل مساق لدليل إمضاء الشروط الذي هو أجنبي عن أدلة نفوذ أصل المعاملة، مثل أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و غيرهما.

و قد ظهر مما ذكرنا ضعف ما في بعض الحواشي من الاستدلال بعموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» بتقريب: أنّ حقيقة الوقف هي التحبيس و المنع عن خروج العين الموقوفة عن الحبس، و كونها غير قابلة للبيع و غيره من التصرفات الناقلة، و الواقف لمّا أنشأ هذا المفهوم و التزم به و بنى عليه، فالشارع أمضى هذا البناء و الالتزام بمثل الحديث المزبور، هذا.

وجه ضعفه: أنّ دليل إمضاء هذا البناء هو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و نحوه ممّا يدلّ مطابقة على وجوب الوفاء بعقد الوقف، لا ما جعله الواقف في ضمن الوقف.

فالأولى جعل مثل هذا الحديث من أدلّة إمضاء الكيفيّات المجعولة من الواقفين، لا من أدلة إمضاء نفس عقد الوقف. و النصوص الخاصة الدالة على عدم جواز بيع الوقف- كرواية أبي عليّ بن راشد- كافية في المطلب.

ص: 511

..........

______________________________

و لذا عبّر في الحدائق عنه ب «بالقوي» «1» و صاحب المقابس ب «ما رواه الصدوق في الحسن كالصحيح، و الكليني و الشيخ في القوي» «2». و صاحب المستند بالصحيحة «3».

فالتعبير عنها بالرواية- الموهم للخدشة في السند- لم يظهر وجهه. و لعلّ منشأه توصيف العلّامة المجلسي قدّس سرّه له بقوله: «مجهول هنا، و في الفقيه صحيح» «4» مع أنّ إسناد الشيخ إلى ثقة الإسلام الكليني، و إسناد الصدوق إلى محمّد بن عيسى معتبر، كما يظهر بمراجعة مشيخة الفقيه و التهذيب «5». هذا مع أنه لا حاجة إلى ملاحظة الإسناد بعد ذكر الرواية مسندة في الكافي.

و كيف كان، فمضمون الرواية: أنّ الحسن بن راشد سأل عن حكم أرض موقوفة اشتراها بألفي درهم جاهلا بوقفيّتها. فأجاب عليه الصلاة و السلام بالنهي عن الشراء و بوجوب صرف الغلّة في الموقوف عليه.

و تقريب الاستدلال- كما في المقابس- بوجهين:

أحدهما: أنّ قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» يشمل مورد السؤال- و هو الأرض- و غيره، ضرورة إفادة نفي الجنس للشمول. هذا بناء على كون النسخة بلفظ المفرد. و أمّا بناء على ما نقله صاحب المقابس من «لا يجوز شراء الوقوف» فالشمول وضعي، لدلالة الجمع المحلّى باللام على العموم.

ثانيهما: أنّ قوله عليه السّلام: «و لا تدخل الغلة في ملكك» مطلق، حيث إنّه عليه السّلام لم يستفصل من السائل عن حال بائع الأرض الموقوفة، و أنّه كان هو الواقف أو هو الموقوف عليه أو المتولّي أو المأذون من قبل أحدهم، أم غير مأذون. كما أنه عليه السّلام لم يستفصل عن كون هذا البيع أنفع بحال الموقوف عليه أم لا. فحكمه عليه السّلام بعدم تملّك

______________________________

(1) الحدائق الناضرة، ج 18، ص 444

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 49

(3) مستند الشيعة، ج 14، ص 307

(4) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 397

(5) تهذيب الأحكام، ج 10، (المشيخة) ص 8، من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 492

ص: 512

إنّي (1) اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي، فلمّا عمّرتها خبّرت أنّها وقف، فقال:

لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلّة في ملكك، ادفعها إلى من أوقفت عليه.

قلت: لا أعرف لها ربّا. قال: تصدّق بغلّتها (2)» «1».

[الرابع ما ورد من حكاية وقف بعض الأئمة (ع)]

و ما ورد (3) من حكاية وقف أمير المؤمنين عليه السّلام

______________________________

الغلّة و بقائها على ملك الموقوف عليه- و وجوب إيصالها إليه إن كان معلوما، أو التصدق به إن لم يعلم- ظاهر في أنّ حكم طبيعي الوقف بطلان بيعه و شرائه.

هذا توضيح ما في المقابس في بيان الاستدلال.

ثم تعرّض قدّس سرّه لكلام شيخ الطائفة في التهذيب و الاستبصار من احتمال عدم كون البائع هو الموقوف عليه أو المأذون من قبله، فلا إطلاق حينئذ في الرواية، و أجاب عنه، فراجع «2».

(1) هذه الجملة مغايرة لما في الكافي و التهذيب و الوسائل من قول السائل:

«اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلمّا وفيت [وفّرت] خبّرت أنّ الأرض وقف» و المراد بتوفير الثمن إقباضه للبائع تامّا. هذا بناء على ما في التهذيب. و في الكافي «وفيت المال» و هو واضح.

لكن يظهر من كلام العلّامة المجلسي اختلاف نسخ الكافي في ضبط هذه الكلمة، لقوله: «و في بعض نسخ الكافي: وفيت، و في بعضها: وزنت. و هما أظهر» «3».

(2) هذا الضمير و ضمائر «عمّرتها، أنّها، ادفعها، لها» راجعة إلى الأرض.

(3) معطوف على «رواية» و هذا دليل رابع على حرمة بيع الوقف، و هو كرواية ابن راشد من الأدلة الخاصة، للتصريح فيها بعدم البيع، و إن ضمّ إليه الهبة، و كذا الإرث في بعضها.

قال المحقق الشوشتري- في عدّ حجة المانعين عن بيع الوقف مطلقا- ما لفظه:

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أحكام الوقوف و الصدقات، ح 1، الكافي، ج 7، ص 37 الفقيه، ج 4، ص 179، ح 10، التهذيب، ج 9، ص 130

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 49

(3) ملاذ الأخيار، ج 14، ص 398

ص: 513

و غيره (1) من الأئمّة صلوات اللّه عليهم أجمعين، مثل: ما عن ربعي بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في صورة وقف أمير المؤمنين عليه السّلام: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عليّ بن أبي طالب و هو حيّ سويّ، تصدّق بداره التي في بني زريق (2)، صدقة لا تباع و لا توهب حتّى يرثها اللّه الذي يرث السماوات و الأرض،

______________________________

«و منها ما روي في كيفية أوقاف الأئمة عليهم السّلام، كوقف عليّ لبعض الأراضي، و وقفه الآخر لبعض الدور، و وقف الكاظم عليه السّلام لبعض الأراضي. و ذكر في الأوّل- أي وقف أمير المؤمنين لبعض الأراضي- أنّه صدقة لاتباع و لا توهب و لا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين» إلى أن قال: «و هي أخبار متكثرة صحيحة الأسانيد .. و هي تدلّ على بطلان بيع المؤبّد مطلقا من وجوه متقاربة».

و هي وجوه ثلاثة، قال في ثانيها: «ان الظاهر أن ما ذكر فيها من لعن البائع و عدم حلية البيع بمنزلة الأحكام للأوقاف المؤبّدة، و لا خصوصية لها بتلك الأوقاف. و الغرض الإشارة إلى ذلك القسم المعروف من الصدقة أي الوقف، و بيان لوازمه، و تأكيد الأمر في ذلك .. إلخ» «1». و سيأتي تقريب الاستدلال.

(1) كحكاية وقف الإمام الكاظم عليه السّلام كما في معتبرة ابن الحجاج، و فيها: «تصدّق موسى بن جعفر عليه السّلام بصدقته هذه، و هو حيّ صحيح صدقة حبسا بتّا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها و لا ردّ، ابتغاء وجه اللّه و الدار الآخرة، لا يحلّ لمؤمن يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يبيعها أو يبتاعها، و لا يهبها و لا ينحلها ..» «2».

(2) قال الفقيه المامقاني قدّس سرّه: «بضمّ الزاي المعجمة و فتح الراء المهملة: جماعة من الأنصار» «3». و على هذا فالمقصود كون الدار المتصدق بها واقعة في محلّة سمّيت ب «بني زريق».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

(2) وسائل الشيعة، ج 13، ص 314 و 315، الباب 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، ح 5

(3) غاية الآمال، ص 438

ص: 514

و أسكن (1) فلانا هذه الصدقة ما عاش و عاش عقبه، فإذا انقرضوا فهي لذوي الحاجة من المسلمين ..» الخبر (2).

فإنّ (3) الظاهر من الوصف كونها صفة لنوع الصدقة،

______________________________

(1) كذا في نسخ الكتاب، و هو موافق لما في المقابس من رواية عجلان بن صالح، لا رواية ربعي المذكورة في المتن، إذ ذيلها في الوسائل: «و أسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن و ما عاش عقبهنّ، فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة ..» «1».

نعم في الاستبصار: «و أنّه قد أسكن صدقته هذه فلانا و عقبه» «2».

(2) المذكور في المتن تمام خبر ربعي الموجود في الكافي و التهذيب و الوسائل.

فلا حاجة إلى كلمة «الخبر» إلّا بناء على ما رواه الصدوق، إذ فيه بعد كلمة المسلمين «شهد ..» أي: شهد بذلك فلان و فلان كما أفاده المحدث المجلسي في شرحه «3».

(3) هذا تقريب الاستدلال برواية ربعي الحاكية لصورة وقف أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلّين» لداره التي كانت في بني زريق، و الشاهد في هذه الرواية على حرمة بيع الوقف هو قوله عليه السّلام: «تصدّق .. صدقة لا تباع و لا توهب» و لم يرد فيها مثل ما تقدم في رواية ابن راشد من كون متعلق النهي شراء العين الموقوفة و عدم تملك منفعتها.

فلا بدّ من استفادة حكم الوقف من الجملة المزبورة، فنقول:

إن عنوان «الصدقة» يطلق على معان.

الأوّل: الزكاة، كما في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ «4».

الثاني: الصدقة المصطلحة، و هي تمليك مال للغير تبرعا بقصد القربة، فتمتاز عن سائر أنحاء التمليك المجاني- من الهبة و الهدية و العطية- باعتبار التطوع فيها دون أخواتها. و هي بهذا المعنى تشمل الوقف المفيد للملك بناء على اعتبار القربة فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 304، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات، ح 4، الكافي، ج 7، ص 39، ح 40، التهذيب، ج 9، ص 131، ح 558

(2) الاستبصار، ج 4، ص 98، ح 380

(3) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 248، ح 5588، روضة المتقين، ج 11، ص 171

(4) سورة التوبة، الآية 11

ص: 515

..........

______________________________

الثالث: ما يعمّ الوقف المصطلح- بجميع أقسامه- و أخواته من السكنى و العمرى و الرقبى.

الرابع: خصوص الوقف الذي هو تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة، و إطلاق «الصدقة» على الوقف شائع في النصوص، كالحاكية لأوقاف الأئمة عليهم السّلام. و توصف هذه الصدقة ب «الجارية».

الخامس: فعل الخير مطلقا و إن لم يتعلق بالأموال كما تقدم في بحث الولاية (ص 195) من مثل «كل معروف صدقه» و ما روي أيضا من قوله عليه السّلام: «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، و إرشادك الضال صدقة» «1».

و حيث أطلقت «الصدقة» على معان، قلنا في تقريب الاستدلال بالرواية: انّ الإمام عليه السّلام وصف صدقته بأنّها «لا تباع و لا توهب»، و هي مقابلة للصدقة التي حقيقتها التمليك القربى التي يجوز للمتصدّق عليه بيعها و هبتها. و يحتمل في هذا التوصيف أمران:

أحدهما: كون الوصف صفة لشخص الصدقة التي تصدق بها عليه السّلام. فالمعنى: أنّه لا يجوز للمتصدّق عليه بيع الدار الواقعة في بني زريق. و بناء على هذا الاحتمال لا تقتضي ذات الصدقة و طبيعيّها المنع من النقل إلى الغير بالبيع و نحوه، و إلّا لما احتاج عدم البيع إلى الاشتراط. و عليه تكون الرواية أجنبية عن حكم بيع الوقف كلّية، لفرض اختصاص موردها بالصدقة المشروط فيها عدم البيع، و لا يعمّ الصدقة التي لم يشترط فيها البيع.

ثانيهما: كون الوصف بيانا لما هو لازم ماهية هذه الصدقة و نوعها، يعني: أنّ من خواصّ طبيعيّ هذه الصدقة عدم نقلها إلى الغير، و أنّ شأنها الدوام ليتحقق غرض المتصدّق. و على هذا يكون المنع من البيع لازما لا ينفك، و فصلا مميّزا للوقف عن الصدقة التي يجوز بيعها و هبتها.

و هذا الاحتمال هو المجدي في استظهار الحكم من الرواية، و قد رجّحه المصنف بوجوه ثلاثة:

الأوّل: ظهور السياق، و بيانه: أنّ الأصل في القيود و إن كان هو الاحترازية.

______________________________

(1) مستدرك الوسائل، ج 7، ص 242، الباب 7 من أبواب الصدقة، ح 1

ص: 516

لا لشخصها (1)، و يبعد كونها (2) شرطا خارجا عن النوع مأخوذا في الشخص.

مع (3) أنّ سياق الاشتراط يقتضي تأخّره عن ركن العقد، أعني الموقوف

______________________________

لا التوضيحية، و هذا الأصل متّبع في كلّ قيد ما لم يقم هناك ما يصرفه عن ظاهره. إلّا أنّ المدّعى وجود الصارف هنا، و هو ظهور المفعول المطلق النوعي- أعني به قوله عليه السّلام:

صدقة- في كون الوصف مقوّما للنوع، لا مشخّصا للمورد، و خارجا عن طبيعيّ المفعول المطلق حتى يكون احترازيا.

و بعبارة أخرى: فرق بين أن يقال: «هذه الدار صدقة لا تباع و لا توهب» و بين أن يقال: «هذه الدار صدقة، و التزم فيها عدم بيعها». فالأوّل ظاهر في اقتضاء ذات هذا النوع من الصدقة لعدم قبول النقل، و الثاني ظاهر في أنّ منشأ عدم البيع هو شرط الشارط. و من المعلوم أنّ الاشتراط منوط في مقام الإثبات بما يدلّ عليه.

(1) أي: لشخص الصدقة، و المراد بالشخص هو تصدّق أمير المؤمنين عليه السّلام بداره المعيّنة على خالاته و عقبهنّ. فلو كان قوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب» وصفا لشخص هذه الصدقة تعيّن أن يؤخذ في مقام الإنشاء بلسان الشرط، لفرض عدم اقتضاء نفس الصدقة للمنع عن البيع، مع أنّ قوله عليه السّلام «لا تباع و لا توهب» بعيد عن سياق الاشتراط.

(2) أي: كون الصفة. و قد تقدم وجه البعد، و هو ظهور المفعول المطلق النوعي في كون القيد مقوّما للنوع.

(3) هذا وجه ثان لاستظهار كون القيد قيدا للنوع لا الشخص، و حاصله: أنّ سياق الشرط الخارج عن النوع يقتضي تأخره عن ركن العقد، لأنّ الشرط التزام في التزام، فلا بدّ أوّلا من تحقق الالتزام الظرفي- و هو العقد- حتى يتحقق الالتزام المظروفي. فالعبارة الوافية به هكذا: «وقفت هذه الدار على الفقهاء مثلا، و اشترطت عليهم أن لا يبيعوها» إذ الالتزام الوقفي متقوّم بالموقوف عليه، لكون الوقف حبسا على بطن أو على جهة أو شبههما. و لا ينبغي بيان الشرط قبل تمامية المشروط.

و ليس الأمر في المقام كذلك، ضرورة أن الشرط وقع قبل أحد ركني الوقف أعني به الموقوف عليهم. فالالتزام الشرطي وقع قبل تمامية الالتزام العقدي، و هذا يقتضي أن

ص: 517

عليهم، خصوصا مع كونه (1) اشتراطا عليهم.

مع أنّه (2) لو جاز البيع في بعض الأحيان

______________________________

يكون الشرط قيدا للنوع، لا للشخص، هذا.

و لا فرق في اقتضاء الاشتراط تأخّر ذكر الشرط عن ركن العقد بين كون المشروط عليه هو الواقف أو الموقوف عليه. و لكن يتأكّد تأخير الشرط فيما لو كان المشروط عليه هو الموقوف عليه، لكونه الممنوع من البيع و الهبة هنا، فيشكل إلزامه بشي ء قبل تعيينه.

نعم لو كان الشرط على الواقف أمكن جواز تقديمه على ركن العقد أو الإيقاع، بأن يقول: «تصدقت بداري كذا، و شرطت على نفسي أن اعطي في كل شهر كذا من المال، و المتصدق عليه خالاتي و عقبهن».

(1) أي: مع كون الشرط شرطا على الموقوف عليهم لا على الواقف، و وجه الخصوصية واضح، فإنّ الشرط من قبيل الحكم على الموضوع، و توقف الحكم على الموضوع بديهي، فلا بدّ في جعل الشرط قيدا للشخص من ذكر الموقوف عليه قبل الشرط.

(2) الضمير للشأن، و هذا وجه ثالث لاستظهار كون القيد مقوّما للنوع، و حاصله:

أنّه لو كان قيدا للشخص لزم كون الشرط مخالفا للمشروع، فيبطل، بل يبطل الوقف أيضا، بناء على مفسديّة الشرط الفاسد، بداهة أنّ البيع في موارد طروء الطواري جائز بلا إشكال، و إطلاق الشرط- و هو قوله صلوات اللّه عليه: «صدقة لا تباع و لا توهب»- يخالف جواز البيع في تلك الموارد، فلا بد من جعله شرطا و قيدا للنوع حتى لا يكون فاسدا من جهة مخالفته للسنة، و هي جواز بيع الوقف في بعض الحالات. فيقال: إنّ نوع الوقف يحرم نقله- لا خصوص الدار الواقعة في بني زريق- و هذا التحريم لا ينافي جواز البيع بطروء المسوّغ.

و هذا الوجه الثالث أفاده المحقق الشوشتري أيضا بقوله: «أنّه لو كان الوقف ممّا يصحّ بيعه في بعض الأحوال خصوصا .. لكان يلزم استثناء تلك الحالة أو الأحوال من

ص: 518

كان اشتراط عدمه (1) على الإطلاق فاسدا، بل مفسدا، لمخالفته (2) للمشروع من جواز بيعه في بعض الموارد، كدفع (3) الفساد بين الموقوف عليهم أو رفعه، أو طروء الحاجة، أو صيرورته (4) ممّا لا ينتفع به أصلا.

إلّا أن يقال (5) إنّ هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدّم في رواية ابن راشد

______________________________

ذلك العموم أو الإطلاق، و إذ لم يستثن منه أصلا علم استحكام العموم» «1».

و بالجملة: فالمصنف قدّس سرّه أثبت كون الشرط قيدا للنوع بهذه الوجوه الثلاثة، و سيأتي منه مناقشة الوجه الثالث.

(1) أي: اشتراط عدم البيع على الإطلاق، و هذا الاشتراط المطلق هو مدلول قوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب» إذ لم يقيّد بعدم طروء مسوّغ بيع الموقوفة. و لا ريب في مخالفة هذا الإطلاق لما ثبت من جواز البيع في الجملة. كما لا ريب في فساد الشرط المأخوذ في شخص هذا الوقف.

(2) أي: مخالفة اشتراط عدم البيع لما هو المشروع من جواز بيع الوقف أحيانا.

(3) أي: المنع عن تحقق الفساد، في قبال رفعه الذي هو إعدامه بعد تحققه.

(4) أي: صيرورة الوقف ممّا لا ينتفع به أصلا كما سيأتي تفصيله في الصورة الاولى و الثانية.

(5) ناقش المصنف قدّس سرّه بأمور ثلاثة في الوجه الثالث المتقدم آنفا.

الأوّل: أنّه لا موضوع للتنافي بين جواز بيع الوقف في بعض الأحيان، و بين إطلاق قوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب» حتى نلتجئ إلى جعل الوصف مقوّما للنوع، دون الشخص. و ذلك لأنّ التنافي فرع بقاء الإطلاق على حاله، مع إمكان منع الإطلاق من جهة انصرافه إلى غير صورة العذر.

كما أنّ إطلاق قوله عليه السّلام في رواية ابن راشد: «لا يجوز شراء الوقف» منصرف إلى عدم طروء مسوّغ البيع.

و على هذا فيكون قوله عليه السّلام: «لا تباع» قيدا للشخص، لا النوع. و الإطلاق لصورة وجود العذر غير مقصود حتى يكون مخالفا للمشروع، فلم يمنع عليه السّلام عن بيع الوقف مطلقا- حتى مع عروض المسوّغ- حتى يكون مخالفا للسنّة، هذا.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، ص 49

ص: 519

في (1) انصرافه إلى البيع لا لعذر.

مع (2) أنّ هذا التقييد (3) ممّا لا بدّ منه على تقدير كون الصفة فصلا للنوع أو شرطا خارجيّا (4).

______________________________

(1) متعلق ب «نظير» يعني: كما أنّ قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» منصرف إلى مورد انتفاء العذر، فلا إطلاق حقيقة، فكأنه قال: «لا يجوز شراء الوقف ما لم يعرض المسوّغ للبيع» فكذا قوله عليه السّلام: «لا يباع» ناظر إلى عدم تحقق الحالات المجوّزة للبيع.

(2) هذا ثاني وجوه المناقشة، و حاصله: أنّه لا إطلاق في البين- حتى يكون دليلا على كون القيد قيدا للنوع- سواء أ كان الشرط قيدا للنوع أم الشخص، ضرورة جواز البيع مع طروء المسوّغ على كل حال، فيصير الكلام مجملا، لعدم ظهوره حينئذ في رجوعه إلى النوع أو الشخص.

و بعبارة أخرى: أراد صاحب المقابس قدّس سرّه استفادة كون «لا تباع و لا توهب» فصلا مميّزا للوقف عن غيره، من جهة أنّه لو كان وصفا لشخص ما تصدّق به عليه السّلام لزم تقييده بعدم عروض حالة مجوّزة للبيع، و حيث إنه لا مقيّد في الكلام فلا بدّ من جعل الوصف مقوّما لنوع الوقف ليتمّ الإطلاق.

و لكن يرد عليه: أنّ تقييد «لا تباع و لا توهب» لازم حتى لو جعلناه مقوّما للوقف و صفة للنوع. و الوجه في لا بديّة التقييد هو: أنّ طبيعيّ الوقف- الذي لا يباع- قد ثبت من الشرع صحة بيعه في مورد الخراب أو اختلاف الموقوف عليهم و غيرهما ممّا سيأتي مفصّلا. و لمّا كان إطلاق «لا تباع» مخالفا للسنة لزم تقييده بعدم عروض المجوّز.

و عليه فعدم الإطلاق مشترك بين كون الوصف مقوّما للنوع و بين كونه شرطا للشخص.

(3) أي: لا بدّ من تقييد إطلاق وصف «لا تباع و لا توهب» بعدم عروض المسوّغ حتى لو كان مقوّما لطبيعيّ الوقف.

(4) أي: خارجا عن حقيقة الوقف و مأخوذا في شخص هذا الوقف من باب الشرط، كما هو شأن مطلق الشروط المأخوذة في العقود من حيث كونها خارجة عن حقائق العقود.

ص: 520

مع احتمال (1) علم الإمام عليه السّلام بعدم طروء هذه الأمور المبيحة (2). و حينئذ (3) يصحّ أن يستغني بذلك عن التقييد، على (4) تقدير كون الصفة شرطا. بخلاف

______________________________

(1) هذا ثالث وجوه المناقشة، و غرضه أنّه يمكن ترجيح الإطلاق، و كون القيد قيدا للشخص، و عدم لزوم مخالفة الإطلاق للمشروع حتى يقال بفساد الشرط، بل و مفسديّته.

و بيانه: أنّه من المحتمل بقاء الصدقة المزبورة على حالها، و عدم طروء مسوّغ عليها يجوّز بيعها، مع علم الامام عليه السّلام بذلك، لعلمه الواسع- بإذن اللّه- بما كان و بما يكون إلى يوم القيامة، فمن جهة علمه عليه السّلام بالغيب لم يقيّد عدم بيع هذه الدار الموقوفة بعدم عروض مجوّز البيع.

و عليه فإطلاق عدم جواز البيع حينئذ لا محذور فيه، لعدم كونه مخالفا للمشروع.

بخلاف ما إذا كان قيدا للنوع، فإنّ مجرد العلم بعدم طروء مسوّغ البيع في شخص هذا الوقف لا يصحّح الإطلاق، لكون حكم نوع الوقف جواز بيعه بطروء المجوّز له، هذا [1].

(2) أي: المبيحة لبيع الوقف، كالخراب و ندرة المنفعة، و تشاجر الموقوف عليهم، و نحوها.

(3) أي: و حين احتملنا اتّكاله عليه السّلام- في إبقاء «لا تباع» على إطلاقه- على علمه بعدم عروض ما يبيح بيع الدار الواقعة في بني زريق، صحّ أن يستغني الإمام بذلك العلم عن التقييد.

(4) متعلق ب «يصح» أي: صحة الاستغناء عن التقييد بناء على كون «لا تباع» خارجا عن حقيقة الوقف، و مأخوذا في شخص هذا الإنشاء من باب الشرط الذي هو التزام ضمن التزام آخر.

______________________________

[1] أقول: بل الإطلاق في صورة كون الشرط قيدا للشخص مع العلم بعدم طروء المسوّغ للبيع غير متجه أيضا، لأنّ الإطلاق عبارة عن عدم القيد. فالمعنى حينئذ يصير هكذا:

لا يجوز بيع هذا الوقف مطلقا أي سواء عرض مسوغ للبيع أم لا، و من المعلوم عدم صحة هذا المعنى. نعم بناء على كون الإطلاق هو الدوام و الاستمرار لا بأس به.

ص: 521

ما لو جعل (1) وصفا داخلا في النوع، فإنّ (2) العلم بعدم طروء مسوّغات البيع في الشخص لا يغني عن تقييد إطلاق الوصف في النوع، كما لا يخفى.

فظهر (3) أنّ التمسّك بإطلاق المنع عن البيع على (4) كون الوصف داخلا في أصل الوقف- كما صدر عن بعض من عاصرناه- لا يخلو (5) عن نظر. و إن كان (6) الإنصاف ما ذكرنا: من ظهور سياق (7) الأوصاف في كونها أوصافا للنوع [1].

______________________________

(1) أي: جعل الوصف وصفا مميّزا للوقف عمّا عداه من الصدقات، فإنّه لا يصحّ الاستغناء عن التقييد.

(2) تعليل ل «لا يصحّ» المستفاد من قوله: «بخلاف ما لو جعل ..» يعني:

لو كان عليه السّلام في مقام بيان حكم الأوقاف من حرمة بيعها و شرائها، كان المناسب أن يجعل بطلان البيع مختصا بما إذا لم يتحقق المسوّغ، و لم يكن علمه عليه السّلام بعدم طروئه في وقف خصوص الدار المعيّنة كافيا في بيان الحكم بنحو الإطلاق.

(3) هذا نتيجة ما أفاده بقوله: «الا أن يقال» من وجوه الخدشة في الوجه الثالث المتقدم عن صاحب المقابس، و هو ما ذكره المصنف بقوله: «مع أنه لو جاز البيع في بعض الأحيان ..». فغرضه قدّس سرّه الاعتماد على الوجهين الأوّلين في تثبيت كون عدم بيع الوقف فصلا مقوّما لطبيعي الوقف، لا أمرا خارجا عنه مأخوذا شرطا في خصوص إنشائه عليه السّلام.

(4) متعلق ب «التمسك» و المراد بالدخول في أصل الوقف هو الفصل المنوّع كما عبّر به قبل أسطر بقوله: «كون الصفة فصلا للنوع».

(5) خبر قوله: «انّ التمسك» و المراد بالبعض كما عرفت هو المحقق الشوشتري في مقابسه.

(6) استدراك على قوله: «ان التمسك لا يخلو عن نظر» يعني: أنّ الإنصاف صحة المدّعى، لكن لا من ناحية الإطلاق، بل لظهور سياق الأوصاف.

(7) هذه الكلمة قرينة على أن مراده من قوله في (ص 515): «فإن الظاهر من الوصف» هو الظهور الإطلاقي الناشئ من سوق الإنشاء.

______________________________

[1] و أمّا الوجه الثاني- و هو اقتضاء سياق الاشتراط تأخر الشرط عن الموقوف

ص: 522

..........

______________________________

عليه- فيمكن منعه، بقرينة ورود الوصف بعد ذكر الموقوف عليه مع كونه مقوّما لطبيعي الوقف لا للشخص، ففي رواية أيوب بن عطية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حكاية وقف أمير المؤمنين «عليه أفضل صلوات المصلّين» لعين ينبع: «هي صدقة بتّا بتلا في حجيج بيت اللّه و عابر سبيله لا تباع و لا توهب و لا تورث» «1» الحديث. حيث إنّ ذكر وصف عدم كونها مبيعة و لا موروثة متأخر عن الموقوف عليهم، مع أنه ليس شرطا بمعنى الالتزام الخارج عن حقيقة الوقف.

و عليه فسبق الوصف على الموقوف عليه لا يقتضي التنويع، كما أنّ تأخيره عنه لا يساوق الاشتراط.

فالمهمّ في جعل الوصف دخيلا في النوع هو الوجه الأوّل أعني به ظهور التوصيف.

نعم تعبير المصنف قدّس سرّه تارة «بأنّ الصفة فصل للنوع»، و اخرى بأنّ «المنع من البيع تعبد شرعي خارج عن حقيقته» لا يخلو من تهافت، لوضوح كون الفصل مقوّما لماهية المتفصّل، بخلاف التعبد الشرعي الذي هو حكم محمول على موضوع محقّق.

و قد يوجّه بأنّ المراد بوصف النوع هو الخارج عن حقيقة الوقف، و لكنه لازم لها، و يصحّ الترديد بين كون وصف عدم المبيعية لازما للوقف، و أنّ المتسبّب إليه بإنشاء الوقف هو حصة من طبيعي التمليك الملزوم شرعا للمنع عن أنحاء الانتقالات، و بين كونه شرطا التزم به الواقف في ضمن عقد التصدق بماله على البطون. و على هذا ينبغي حمل كلام المصنف لدفع التنافي. هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2».

فإن أمكن حمل صريح المتن من «فصل النوع» على الخارج الملازم كالعرض الخاصّ فهو. و إلّا فالتهافت بين التعبيرين باق، كما هو الظاهر. و ليس أحد الكلامين مجملا حتى يمكن رفع إجماله بقرينة غيره، بل كل منهما ظاهر- أو صريح- في مؤداه، و به يشكل الأمر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف، ح 2

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 254

ص: 523

[الموانع الثلاث من بيع الوقف]

و ممّا (1) ذكرنا ظهر: أنّ المانع عن بيع الوقف أمور ثلاثة:

______________________________

(1) الظاهر أنّ المراد بالموصول رواية ربعي الحاكية لوقف أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين، و إلّا لم يتقدم من المصنف قدّس سرّه سوى عدم جواز بيع الوقف، و لم يذكر منشأ هذا المنع، و أنه تعلّق حقّ اللّه تعالى و حقّ الآدمي بالعين الموقوفة.

و على كلّ فيستفاد الحقوق الثلاثة المذكورة في المتن من رواية ربعي.

أمّا حق الواقف فلأنّه عليه السّلام جعل ماله صدقة جارية ينتفع بها دائما، و بيعه ينافي هذا الحق.

و أمّا حق البطون اللّاحقة، فلقوله عليه الصلاة و السلام: «و عاش عقبه» فإنّه يدلّ على ثبوت الحق للبطون اللاحقة.

و أمّا كونه متعلق حق اللّه تعالى فلاعتبار القربة إنّ الوقف صدقة، و الصدقة يعتبر فيها قصد القربة. فهذه الحقوق الثلاثة تمنع عن البيع فيه.

ثم إنّ المحقق صاحب المقابس قدّس سرّه نبّه على مانعيّة هذه الحقوق الثلاثة بقوله: «قد اجتمع في الوقف حق الواقف لدوام ثوابه بدوام الانتفاع بالعين، و حقّ اللّه، لأن الصدقات للّه، و حق الموجودين و باقي الطبقات .. إلخ» «1».

و توضيح تعلق هذه الحقوق بالوقف هو: أمّا حقّه تعالى فيمكن أن يراد به أنّ له تعالى حقّ أن يعبد، فكما أنّ جعل أرض مسجدا أو مكانا للعبادة يوجب حقّا للموقوف عليه بالعبادة فيه، فكذا يوجب حقّا له بأن يعبد فيه. و هذا واضح في وقف مشاعر العبادة.

و كذا الحال في الوقف على الذرية، فإنّ غرض الواقف التصدق على الذرية بنحو الاستمرار، و هذه الصدقة عبادة مستمرة من الواقف، فله تعالى حقّ أن يعبد به مستمرّا و يثاب به الواقف.

و أن يراد به أنّ الآخذ للصدقات- و منها الوقف بأقسامه- هو تعالى، بشهادة قوله عزّ من قائل وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ و ما ورد من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: «ما تقع صدقة المؤمن في يد السائل حتى تقع في يد اللّه. ثم تلا هذه الآية: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبٰادِهِ وَ يَأْخُذُ الصَّدَقٰاتِ» «2». و المستفاد منه أنّ الصدقة تكون له تعالى أوّلا، ثم

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

(2) وسائل الشيعة، ج 6، ص 303، الباب 29 من أبواب الصدقة، ح 3

ص: 524

حقّ الواقف، حيث جعلها (1) بمقتضى صيغة الوقف صدقة جارية ينتفع بها. و حقّ البطون المتأخّرة عن بطن (2) البائع. و التعبّد (3) الشرعي المكشوف عنه بالروايات، فإنّ الوقف متعلّق لحقّ اللّه، حيث يعتبر فيه (4) التقرّب، و يكون للّه تعالى عمله

______________________________

للمتصدق عليه ثانيا.

و عليه فالتصرف في الوقف تصرف في ما للغير، و هو ممنوع.

و أن يراد به ما ورد في بعض النصوص من قوله عليه السّلام: «إنما الصدقة للّه عزّ و جلّ، فما جعل للّه عزّ و جلّ فلا رجعة له فيه» «1» إذ المستفاد منه أنّ له تعالى حقّا في الصدقات، فما كان صدقة حدوثا فهي صدقة بقاء، و لا رجوع فيها. و كما لا معنى لرجوع المتصدق فكذا لا يجوز بيعها و لا هبتها، لمنافاة ذلك كله لتعلق حقّ الخالق به.

و أما حقّ الواقف فلأنّ غرضه من الوقف بقاء العين الموقوفة لينتفع بها الموقوف عليه مادّيّا لينتفع هو بالمثوبة المعنوية. و من المعلوم أنّ بيع الوقف يوجب انقطاع الفيض الإلهي بانتفاء موضوعه.

و أمّا حق الموقوف عليه فلأنّ العين حبست لتدرّ على البطن الموجود و البطون اللاحقة على السواء، فلو باعها البطن الموجود كان إزالة لحقّ الطبقات المتأخرة، و هو غير جائز.

(1) أي: جعل العين الموقوفة صدقة جارية، فمرجع الضمير حكمي، أو معنوي باعتبار ذكر «الوقف».

(2) كذا في نسختنا و جملة من النسخ، و الأولى تعريف «بطن» ليكون «البائع» صفة له، أي البطن الموجود البائع، فإنّ بيعه تضييع لحقّ البطون المعدومة فعلا.

(3) يعني: أنّ التعبد الشرعي يدلّ على تعلق حقّ الخالق بالعين الموقوفة- مع الغضّ عن حقّ المخلوق من الواقف و الموقوف عليه- و هذا حقّ ثالث ينشأ من دلالة النص على اعتبار القربة في الوقف، لكونه من الصدقة المتقومة بابتغاء وجهه تعالى، ففي معتبرة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا صدقة و لا عتق إلّا ما أريد به وجه اللّه عزّ و جلّ» «2».

(4) أي: يعتبر في الوقف التقرب، لكونه مندرجا في عنوان «الصدقة» المتقومة

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 316، الباب 11 من أحكام الوقوف و الصدقات، ح 1

(2) المصدر، ص 319، الباب 13، ح 2

ص: 525

و عليه (1) عوضه.

و قد يرتفع بعض هذه الموانع (2) فيبقى الباقي، و قد يرتفع كلّها، و سيجي ء التفصيل [1].

______________________________

بالقربة.

(1) أي: على اللّه تعالى، و ضميرا «عمله، عوضه» راجعان إلى الوقف.

(2) كارتفاع حقّ الموقوف عليهم عن العين في موارد طروء المسوّغ للبيع، و سيأتي التفصيل في صور جوازه.

______________________________

[1] حاصله: مانعية الحقوق الثلاثة عن البيع. لكن للمناقشة فيها مجال، كما نبّه عليه غير واحد من الأعلام من عدم ثبوت أصل الحق، أو عدم صلاحية شي ء من هذه الحقوق عن البيع.

أمّا انتفاء حق الواقف، فلأنّ الوقف يوجب انقطاعه عن العين الموقوفة، و صيرورته أجنبيا عنها كغيره، و إنّما يستحق الأجر و الثواب. و كونها صدقة جارية لا يقتضي تعلق حقّ له بها حتى يكون مانعا عن بيعها. غاية الأمر انتفاعه بها ما دامت باقية لأجل خصوصية عمله، مثل «من سنّ سنة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها» «1».

و أمّا قصد التقرّب المعتبر في الوقف فغير مانع عن البيع أيضا، لعدم اقتضاء إضافة الوقف إليه تعالى تعلق حقّ له بالعين مانع عن التصرف فيها، فإنّ الصدقة الواجبة و المستحبة تمليك للغير بداع إلهي، مع أنّه يجوز للمتصدق عليه التصرّف فيها بالبيع و الهبة كسائر أمواله. و ليس الوقف كالخمس و الزكاة ممّا يتعلّق حقّه تعالى بالعين أو بماليّتها.

نعم التعبّد الشرعيّ أي النهي عن بيع الوقف أمر مسلّم، لكنه ليس بمعنى الحقّ القابل للإسقاط- المقابل للحكم- و مقتضاه وجوب صرف الوقف في ما عيّنه الواقف، فالتعبير عنه بالحق لا يخلو من مسامحة.

و أمّا حقّ الموقوف عليه- أي البطون اللاحقة- فلو سلّم كون العين فعلا متعلّقة

______________________________

(1) عوالي اللئالى، ج 1، ص 265، ح 136، و بمضمونه في البحار، ج 71، ص 258، ح 5 و 6

ص: 526

..........

______________________________

لحقّها، فإنّما يكون مانعا عن بيعها على أن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود، لا على أن يتعلّق حقّهم بالبدل كتعلقه بالمبدل، كما إذا كان البيع صلاحا للوقف.

و عليه فالمانع عن بيع الوقف هو الإجماع و الأخبار و منافاته لمقتضاه، لكونه حبسا للأصل، الذي لا معنى له إلّا الممنوعيّة من التصرّفات الناقلة أو المتلفة له. هذا ما أفاده المحقق الخراساني قدّس سرّه «1» بتوضيح منّا.

و هو كذلك بالنسبة إلى حق الخالق و الواقف. و أمّا بالنسبة إلى حقّ البطون فيمكن أن يقال: إنّ انتقال الحق إلى البدل منوط بعدم تعلّق حقّهم بنفس العين الموقوفة بما لها من الخصوصيّة، و قيامه بماليّتها التي لا فرق فيها بين بقاء العين و بين بدلها. و لا تبعد دعوى تعلّق حقّ البطون بالعين بما لها من الخصوصية، و من المعلوم منافاة هذا الحقّ للبيع الذي يوجب انتقال الحقّ إلى ماليّتها و هو الثمن.

و لعلّه لهذا ذهب المحقق النائيني إلى تسلّم حق الموقوف عليه، و صلاحيته في نفسه للمنع عن البيع، لكنه قدّس سرّه قال بعدم وصول النوبة إلى مانعيّة هذا الحق، و ذلك لقصور المقتضي. و معه لا مجال للتمسّك بوجود المانع، لما تقرر في محله من أنّ عدم المعلول يستند إلى عدم المقتضي لا إلى وجود المانع.

و الوجه في قصور المقتضي أنّ الملك في الوقف على الطبقات محبوس عن الحركة في وعاء الاعتبار، فهو كمن قطعت رجلاه عاجز عن التحرك خارجا. و لذلك يختلف الوقف- في موارد إفادته الملك كالوقف الخاص- عن الرهن و أمّ الولد ممّا يستند عدم جواز البيع إلى وجود المانع. هذا «2».

و سيأتي في (ص 635) تقرير قدّس سرّه قصور المقتضي بوجه آخر، حاصله: أنّ الملكية المنشئة بالبيع ملكية مرسلة غير محدودة بزمان أو زماني، لا موقتة، لعدم معهودية بيع مال الى وقت معيّن، و المفروض في المقام انتفاء إطلاق الملك و إرساله، فإنّ الطبقة الموجودة من الموقوف عليهم و إن كانت مالكة للعين فعلا، و ليست هي مشاعة بينها و بين البطون

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ص 107

(2) المكاسب و البيع، ج 2، ص 376- 377

ص: 527

..........

______________________________

المتأخرة، إلّا أنّ ملكيتها لها محدودة و موقتة بالحياة، لفرض انتقال الوقف إلى الطبقة اللاحقة بانقراض السابقة. و حينئذ فإن نهض الدليل على كفاية إنشاء الملكية المحدودة قلنا بصحة البيع، و إلّا فمقتضى اعتبار الملك المرسل بطلان بيع الوقف، هذا.

و قد يقال: إنّه لا مانع من صحة البيع بناء على صحة البيع المحدود إلى انقراض الطبقة الحاضرة، بأن يقال: كما يصحّ التمليك المحدود في الوقف، كذلك يصح بيع الوقف و إن كان الملك مقيّدا.

و لو سلّم بطلان البيع، لكون الملك محدودا غير مرسل، أو للغرر، للجهل بأمد البطن البائع، أمكن نقل الوقف بمثل الصلح أو البيع غير محدود، لكن بشرط الانفساخ عند انقراض الطبقة الموجودة، بأن ينشأ النقل هكذا: «بعت العين الموقوفة على أن ينفسخ العقد عند انقراض هذه الطبقة» فالمنشأ تمليك مرسل، و لكنّه مشروط بشرط الانفساخ.

و لو سلّم بطلان هذا النقل لأدائه إلى الغرر، أمكن البيع مطلقا مجرّدا عن شرط الانفساخ، غايته أنّ صحّته فعليّة ما دام البطن البائع موجودا، و تأهلية بالنسبة إلى البطون المتأخّرة، فإن أجازته صحّ بالفعل، و إلّا بطل كما هو شأن البيع الفضولي مطلقا. هذا ما أفيد.

لكنه غير ظاهر. أمّا الأوّل فلعدم كون المحذور ثبوتيا حتى يقاس البيع بالوقف في كونه تمليكا للبطن الموجود محدودا بالانقراض، بل هو إثباتي، و المفروض وفاء الدليل بصحة التمليك المقيّد في الوقف على الطبقات، و قصوره في البيع، مع أنّ البائع للوقف يملّك ما ليس له و هو الملكية المرسلة.

و أما الثاني- فمع الغضّ عن إمكان اختصاص دليل نفوذ الشرط و وجوب الوفاء به بشرط الفعل- يشكل بأنّ نفوذ شرط النتيجة منوط بأخذه في عقد صحيح شرعا حتى يجب الوفاء بالشرط تبعا للوفاء بالعقد، و المفروض في المقام عدم إحراز صحة بيع الوقف كي ينفسخ عند انقراض البطن البائع.

مع أنّ هذا الوجه مبتن على التنزل عن الوجه السابق، و تسليم عدم الدليل على صحة البيع، و لذا أريد تصحيحه من جهة شرط الانفساخ. و هو لا يخلو من شبهة الدور، لتوقف جواز البيع على صحة شرط الانفساخ، و توقف الشرط على المشروط به.

ص: 528

[البيع لا ينافي بقاء الوقف]

ثمّ (1) إنّ جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف إلى أن يباع،

______________________________

(1) عدم التنافي بين الوقف و جواز بيعه بعد الفراغ من الأدلّة المانعة عن بيع الوقف تصل النوبة إلى ذكر الأقوال في المسألة، و أنّ عموم دليل المنع مخصّص ببعض الصور- على ما سيأتي تفصيله- أم لا.

و لا ريب في جواز البيع في الجملة.

و يتجه حينئذ البحث عن أمر قبل التعرّض للأقوال و الصور المستثناة من إطلاق دليل المنع، و هو: أنّه بعد التسالم على أمرين- و هما حرمة البيع قبل عروض المجوّز، و جواز البيع بعد عروضه- هل يبطل الوقف بمجرّد طروء أسباب خاصة مجوّزة للبيع، أم أنّ صفة الوقفية تستمرّ إلى تحقق البيع خارجا، و لا يزول عنوان «الوقف» بعروض المسوّغ؟ فيه قولان، ذهب الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه و صاحب الجواهر إلى الأوّل، و سيأتي تقريب كلاميهما.

و اختار المصنف قدّس سرّه الثاني مستدلّا عليه بما توضيحه: أنّ في الوقف- كسائر الأمور الإنشائية من العقود و الإيقاعات- مرحلتين:

الاولى: إنشاء الواقف، و مفاده اعتبار محبوسية العين عن التصرفات الناقلة أبدا.

______________________________

و أمّا الثالث فلأنّ صحة العقد الفضولي بالإجازة منوطة بكون المجيز أهلا لإمضاء ما أنشأه الفضول، كما هو الحال في البيوع الفضولية المتعارفة. و هذا غير متحقق في المقام، ضرورة أنّ البطن اللاحق المجيز لذلك البيع لم يكن مالكا بالملكية المرسلة حتى تتعلّق إجازته بنفس ما أنشأه البطن السابق المفروض كونه فضوليا بالنسبة إلى البطون المتأخرة.

نعم لو قلنا بعدم اعتبار مطابقة الإجازة للمجاز في الخصوصيات كما تقدم في محلّه حتى مثل إرسال الملك و محدوديته، اتّجه صحة بيع الوقف بالإجازة.

و على هذا فالمحذور في بيع الوقف قصور المقتضي، و لا مانع من ناحية قصد القربة و الواقف و الموقوف عليه، و إن كان في الأخير تأمّل كما سبق ذيل كلام المحقق الخراساني قدّس سرّه.

ص: 529

..........

______________________________

الثانية: إمضاء الشارع له بمثل «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» كإمضاء ما أنشأه المتبايعان بمثل آية حلّ البيع. فدليل إمضاء الوقف- لولا المنافي- يقتضي لزومه و عدم جواز فسخه أصلا بطروء الأسباب و العوارض.

لكن لا ريب في تجويز بيع الوقف شرعا، و هذا الجواز ينافي بقاء العين على صفة الوقفية، لتضادّ ذلك المنع المالكي- الممضى شرعا- لجواز البيع.

و هذا التضادّ يوجب تخصيص دليل لزوم الوقف، و نتيجته الحكم ببقاء عنوان الوقف بعد عروض المجوّز، و إنّما يبطل بالبيع خارجا.

و هذا نظير تقييد سلطنة المتهب على ما انتقل إليه- المقتضية لحرمة انتزاع العين من يده إلّا بإذنه- بما دلّ على جواز رجوع الواهب، فكما أنّ هذا الدليل غير مناف لحقيقة الهبة، فكذا دليل جواز بيع الوقف لا يضادّ صحّته.

فإن قلت: مقتضى تضادّ جواز البيع و الحبس- عن النقل و الانتقال- بطلان الوقف بنفس عروض المسوّغ، لا بقاؤه على الوقفيّة حتى يبطل بإيجاد البيع، لكون التنافي بين اعتبارين، و هما اعتبار محبوسية العين عن النقل و بين اعتبار جوازه.

قلت: نعم، لا ريب في التضادّ المزبور، إلّا أنّه موقوف على كون المجعول الشرعي عند طروء المسوّغ هو جواز البيع بنفسه و بعنوان أنّه بيع مشروع حتى يبطل الوقف بمجرّد ترخيص النقل. مع أنّ الأمر ليس كذلك، لكون المقصود من جواز البيع جواز إبطال الوقف إمّا إلى بدل بأن يتصف ذلك البدل بالوقفية و يحلّ محلّ المبدل، و إمّا لا إلى بدل كما في مورد شدّة الحاجة إلى صرف الثمن و إتلافه. و من المعلوم أنّ جواز الإبطال ليس مبطلا، بل المبطل هو ذلك التصرف و النقل الخارجي.

إلّا أن يقال: إن إبطال الوقف يكون من جملة التصرفات التي حبس العين عنها حين إنشاء الوقف و أمضاه الشارع، فتجويز الإبطال ينافي حقيقة الوقف الذي هو حبس العين عن الحركة الاعتبارية.

لكنه يندفع بامتناع دخول الإبطال في جملة التصرفات المحبوسة عنها العين، و وجه

ص: 530

فالوقف يبطل بنفس البيع، لا بجوازه (1). فمعنى جواز بيع العين الموقوفة جواز (2) إبطال وقفها إلى بدل (3) أو لا إليه، فإنّ (4) [1] مدلول صيغة الوقف و إن أخذ فيه

______________________________

الامتناع: تأخّر الإبطال عن المحبوسية، لعروضه على عنوان الحبس، و من المعلوم تأخر العرض عن معروضه، و يستحيل أخذ ما هو متأخر رتبة فيما هو متقدم رتبة.

و نتيجة هذا البيان: الحكم ببقاء الوقف في مورد عروض المسوّغ، و إناطة بطلانه بتحقق البيع خارجا، هذا.

(1) كما اختاره الفقيهان كاشف الغطاء و صاحب الجواهر عليهما السّلام من بطلان الوقف بمجرد عروض المجوّز للبيع.

(2) هذا مختار المصنف قدّس سرّه من بقاء الوقف على ما كان عليه إلى أن يتحقق نقله خارجا.

(3) بطلان الوقف و زوال صفة الوقفية عن العين تارة يكون في الجملة: أي بقيام بدل العين مقام المبدل، كما إذا سقطت العين عن حيّز الانتفاع، و اخرى بالجملة أي انتفاء الوقف رأسا، كما إذا احتاج الموقوف عليه إلى ثمنها. و سيأتي التفصيل في مطاوي الصور المسوّغة للبيع.

(4) تعليل لتحقق التنافي بين الوقف- و هو الحبس المالكي الممضى شرعا- و بين البيع خارجا، لا بين الحكمين، و هما حبس العين و الترخيص في بيعها، و قد تقدّم توضيحه

______________________________

[1] هذا التعليل ربما ينافي قوله: «ان جواز البيع لا ينافي بقاء الوقف ..» الظاهر في أنّ عدم جواز البيع ليس مقوّما لمفهوم الوقف، بل من أحكامه الشرعيّة. و قوله هنا: «فإنّ مدلول ..» ظاهر في كون عدم جواز البيع مقوّما لمفهوم الوقف، فكيف التوفيق بينهما؟

و لكن يمكن دفع التنافي بأنّ قوله: «فانّ مدلول» ناظر إلى المنع المالكي، مع الغضّ عن إمضاء الشارع، و من المعلوم أنّ دخل ذلك بنظر الواقف- إمّا بكونه مقوّما لإنشائه أو ملازما له- لا يجدي ما لم يمضه الشارع بذلك النحو. و لا فرق في هذا بين التصريح بالتأبيد، و بين كونه مقتضى إطلاق الإنشاء.

ص: 531

الدوام و المنع عن المعاوضة عليه (1)، إلّا أنّه (2) قد يعرض ما يجوّز مخالفة هذا الإنشاء. كما أنّ مقتضى العقد الجائز كالهبة (3) تمليك المتّهب المقتضي

______________________________

آنفا بقولنا: «إنّ في الوقف كسائر الأمور الإنشائية».

(1) يعني: بلحاظ إنشاء الواقف. و غرض المصنف قدّس سرّه تثبيت مختاره- من أنّ جواز البيع لا يبطل الوقف- حتى بملاحظة مبنى صاحب الجواهر من كون مفهوم الوقف «تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة» سواء أخذ قيد الدوام فيه مقام الإنشاء، بأن يقول:

«هذه الدار موقوفة دائما و أبدا» أم لم يؤخذ فيه ذلك. فعلى كلّ منهما يكون المنع من البيع ملحوظا في إنشاء الواقف. و أمّا إمضاء الشارع فقد يكون مماثلا له، و قد يكون مغايرا له.

(2) خبر «فإنّ مدلول» و الضمير للشأن، و هذا متعلّق ب «و إن أخذ» يعني: لا يلزم أن يكون المنع الشرعي عن التصرّف مماثلا للمنع المالكي، بل يغايره عند طروء الحالة المجوّزة للبيع.

(3) غرضه بيان نظير للوقف الذي يجوز إبطاله بعروض بعض الأسباب، يعني: أنّ عقد الهبة لا يقتضي إلّا مجرّد التمليك الذي حكمه الشرعي التسلّط على العين الموهوبة. كما أنّ حكمه شرعا جواز انتزاع الموهوبة عن يد المتّهب. فكما أنّ جواز الرجوع في الهبة حكم شرعيّ، فكذلك عدم جواز البيع في الوقف، فإنّه حكم شرعي للوقف لا مقوّم لمفهومه.

______________________________

و هذا بخلاف قوله في صدر العبارة: «لا ينافي بقاء» فإنّه ناظر إلى الحكم الشرعي، و أنّ تجويز البيع مخصّص لدليل لزوم الوقف، و عليه فلا تهافت بين العبارتين.

هذا مضافا إلى أنّ قوله: «فإنّ مدلول صيغة الوقف» ناظر إلى مبنى القائل بأنّ حقيقة الوقف هي الحبس عن التصرفات الاعتباريّة أبدا. و سيأتي من المصنف أنّ الوقف الخاص قسم من التمليك. و بناء عليه ليس المنع من البيع ملحوظا في الوقف أصلا، هذا. و يبقى الجمع بينه و بين ما تقدّم من كون الصفة فصلا للنوع.

ص: 532

لتسلّطه المنافي (1) لجواز انتزاعه (2) من يده، و مع ذلك يجوز مخالفته و قطع سلطنته عنه، فتأمّل (3).

إلّا أنّه (4) ذكر بعض في هذا المقام: «أنّ الّذي يقوى في النظر- بعد إمعانه- أنّ

______________________________

(1) صفة للتسلط، و قوله: «المقتضي» صفة ل «تمليك المتهب».

(2) أي: انتزاع الموهوب من يد المتّهب.

(3) لعلّه إشارة إلى الفرق بين الوقف و الهبة، بأنّ حقيقة الوقف هي الحبس عن التصرّفات الاعتباريّة من البيع و غيره، و عن الحركة من ملك إلى ملك، إلّا الحركة في ملك البطون على حسب ما أنشأه الواقف. و هذا بخلاف الهبة. فإنّ مفهومها كمفهوم البيع هو أصل التمليك، و يكون اللزوم و الجواز حكمين شرعيّين مترتبين عليهما، كما تقدّم في مسألة لزوم المعاطاة بقوله: «فجواز الرجوع و عدمه من الأحكام الشرعيّة للسبب، لا من الخصوصيات المأخوذة في المسبب ..» فراجع «1».

و عليه فليست الهبة- من حيث اللزوم و الجواز- نظيرا للوقف.

و أمّا ما أفاده المصنف في ما يقتضيه الوقف- بناء على كونه تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة- و عدم بطلانه بطروء المجوّز، فهو تامّ لا شبهة فيه.

(4) استدراك على قوله: «إنّ جواز البيع لا ينافي الوقف إلى أن يباع» و الضمير للشأن. و غرضه نقل كلام صاحب الجواهر تبعا لشيخه كاشف الغطاء ثم المناقشة فيه، و ينبغي الإشارة إلى أمور لتوضيح ما في الجواهر.

الأمر الأوّل: أنّ الوقف- كما في النبوي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- تحبيس الأصل. و حيث إنّ «الحبس» من المعاني ذات التعلّق و الإضافة، فالمحبوس عنه هو التصرفات الناقلة، و الحركة من ملك شخص إلى ملك شخص آخر، إلّا بالنسبة إلى البطون التي جعل الواقف حركة العين فيها. فالمنشأ بصيغة الوقف منع النقل و المعاوضة بالبيع و الصلح و نحوهما. و بما أنّ الشارع أمضى إنشاء الواقف كان إمضاؤه له منعا اعتباريا عن

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 1، ص 492

ص: 533

الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه (1)، بل لعلّ جواز بيعه مع كونه وقفا من التضادّ (2).

نعم (3) إذا بطل الوقف اتّجه حينئذ جواز بيعه».

______________________________

المعاوضات.

الأمر الثاني: أنّ الأحكام الشرعية و إن كانت أمورا اعتبارية، و ليست من سنخ الجواهر و الأعراض، و لكن يمتنع اجتماع اثنين منها في فعل واحد، كالوجوب و الحرمة، و الجواز المنع، و من المعلوم أنّ استحالة اجتماع الضدين لا تختص بالموجودات التكوينية، فيمتنع اعتبار الرخصة في فعل و ممنوعيته أيضا.

الأمر الثالث: أنّ من شروط العوضين تماميّة الملك، فما ليس طلقا لم يكن قابلا للمعاوضة عليه.

و بناء على هذه الأمور الثلاثة يقال في تقريب كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه: إنّ تجويز الشارع- عند طروء أسباب خاصّة- بيع العين الموقوفة يكشف عن بطلان الوقف، ليتحقق شرط صحة البيع، و هو كونه طلقا. فلو قيل ببقاء الوقف إلى أن يتحقق البيع خارجا لزم اجتماع الضدين الفعليّين، و هما: إمضاء الشارع لما أنشأه الواقف من الحبس عن البيع، و جواز البيع. و لا مناص من هذا المحذور إلّا استكشاف زوال ذلك المنع بتجويزه للبيع في مورد طروء المسوّغ [1].

و بهذا يظهر أنّ المتنافيين هنا هما الاعتباران الشرعيّان، لا الحكم بالمنع و البيع خارجا حتى يقال ببقاء صفة الوقفية بعد عروض المجوّز و قبل تحقق النقل خارجا.

(1) لانتفاء شرط «الطّلق» لكون الوقف محبوسا عن التصرّفات الناقلة.

(2) خبر «لعلّ جواز».

(3) استدراك على «لا يجوز بيعه» و مقصوده إناطة جواز البيع يبطلان الوقف.

______________________________

[1] هذا ما قيل في تقريب كلام الجواهر، و يستظهر منه بدوا.

و الأولى ما أفاده المحقق الأصفهاني قدّس سرّه من أن عبارة الجواهر- بقرينة كلمة «بل» الدالة على الترقّي- تتضمّن وجهين، و إن كانت الجهة المشتركة بينهما التنافي بين جواز البيع

ص: 534

ثمّ ذكر (1) بعض مبطلات الوقف المسوّغة لبيعه.

______________________________

(1) يعني: ذكر صاحب الجواهر بعض المبطلات، فمنها: ما لو اعتبر المنفعة في الوقف حدوثا و بقاء، و قد زالت المنفعة، فتنتفي حقيقة الوقف، لانتفاء شرط الصحة، كالحصير- الموقوف على مسجد- و الجذع البالي مما لا منفعة معتدّا بها إلّا بالإحراق مثلا.

و كالحيوان بعد ذبحه.

و منها: ما لو انعدم العنوان المأخوذ في الوقف، كما لو وقف بستانا ملاحظا فيه عنوان البستانية، فخرب البستان، فإنّه و إن لم تبطل منفعتها أصلا، لإمكان الانتفاع بها دارا، لكن عنوان الوقف- و هو البستان- قد زال.

و منها: ما لو أدّى بقاء الوقف بحاله إلى الخراب، فراجع «1».

و سيتعرض المصنف لكلامه في الصورة الثانية، فانتظر.

______________________________

و الوقف.

الأوّل: أن موضوع جواز البيع مغاير لموضوع المنع، إذ لمّا كانت حقيقة الوقف حبس العين عن التصرفات الناقلة، فلا بدّ من حمل دليل جواز بيع الوقف على غير ظاهره، و هو ما ليس وقفا، بأن يكون دليل الجواز كاشفا عن بطلان الوقف بمجرّد وجود أحد المسوّغات، ليتحقق شرط صحة البيع و هو كونه ملكا طلقا.

و بناء على هذا يكون دليل جواز البيع مخصّصا لدليل نفوذ الوقف من كونه حبسا أبدا، و ليس مخصّصا لدليل المنع عن البيع، لفرض انتفاء الموضوع بنفس عروض المسوّغ، و مع تعدد الموضوع لا مورد للتعارض حتى ينتهي الأمر إلى التخصيص.

الثاني: أنّ بيع الوقف- بعنوان أنّه بيع الوقف- محال، لأنّ حقيقته محبوسية العين عن التصرفات، و هي لا تجتمع مع جواز التصرفات، لوضوح تضاد الممنوعية و الترخيص «2».

______________________________

(1) جواهر الكلام، ج 22، ص 358 و 359

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 258

ص: 535

و قد سبقه إلى ذلك (1) بعض الأساطين في شرحه على القواعد، حيث استدلّ على المنع عن بيع الوقف- بعد النصّ و الإجماع، بل الضرورة- بأنّ (2) البيع و أضرابه ينافي حقيقة الوقف، لأخذ الدوام فيه، و أنّ نفي المعاوضات مأخوذ فيه ابتداء «1» [1].

______________________________

(1) أي: إلى أنّ الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه. و ضمير المفعول في «سبقه» راجع إلى «بعض» المراد به صاحب الجواهر، فالمراد بالسابق هو الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه. حيث استدلّ بوجوه أربعة على منع بيع الوقف، و هي النصّ كرواية ابن راشد، و الإجماع المتكرر في الكلمات، و الضرورة الفقهية، و رابعها منافاة البيع للحبس الذي هو مفهوم الوقف و حقيقته.

(2) متعلق ب «استدل» و محصله: أنّ البيع و الوقف متنافيان، و الدليل على أحد المتنافيين دليل على عدم الآخر، و لذلك تصحّ دعوى: أنّ صحة البيع تلازم بطلان الوقف.

كما تصحّ دعوى: أنّ صحة الوقف تلازم بطلان البيع.

______________________________

[1] و قيل بترتب الثمرة على القولين، و هي: أنه لو لم ينقل الوقف بعد طروء المجوّز إلى أن ارتفع، كما إذا عرضت حاجة شديدة إلى ثمن الوقف، فارتفعت قبل البيع، فبناء على بطلان الوقف بعروض المسوّغ لا مانع من البيع، لزوال عنوان الوقف سابقا.

و بناء على مختار المصنف قدّس سرّه يحتمل منع البيع، لكون المقام من موارد عموم الدليل المانع عن بيع الوقف في غير المتيقن خروجه منه، و هو إبطال الوقف بالبيع خارجا.

و يحتمل الجواز استصحابا لحكم المخصص، لليقين بصحة البيع بطروء المسوّغ، و الشك في زواله و هو من الشك في رافعية الموجود أو وجود الرافع، فيستصحب الجواز.

و عموم «الوقوف على حسب ..» غير مانع، لكون المجعول حكما واحدا مستمرا، و لم تتكثر الأفراد بحسب الأزمنة و الحالات، و بما أنّه جاز البيع فقد انقطع الدليل المانع، فيستصحب الجواز.

______________________________

(1) شرح القواعد (مخطوط) الورقة 85

ص: 536

و فيه (1) أنّه إن أريد من بطلانه انتفاء بعض (2) آثاره- و هو جواز البيع المسبّب (3) عن سقوط حقّ الموقوف عليهم عن (4) شخص العين، أو عنها و عن بدلها،

______________________________

(1) أي: و فيما ذكره بعض. ناقش المصنف قدّس سرّه في كلامي العلمين بتحليل ما أراداه- من التضاد بين الوقف و جواز بيعه، و أن فعلية الجواز مبطل للوقف- و أنّه لا يخلو من وجهين:

الأوّل: أن يكون المراد من بطلان الوقف بطروء مجوّز البيع ارتفاع بعض أحكام الوقف، و هو منع نقل العين الموقوفة إلى الغير، فيجوز البيع مع كونها باقية على صفة الوقف.

و الوجه في حكم الشارع بجواز البيع انتفاء حقّ الموقوف عليهم، إمّا عن شخص العين الموقوفة، و انتقال حقّ البطون إلى البدل، و إمّا سقوط الحقّ عن العين و بدلها، بأن صار الثمن ملكا طلقا للبطن الموجود، كما في الحاجة الشديدة إلى صرف الثمن.

فبناء على هذا الاحتمال يكون معنى بطلان الوقف بطروء المسوّغ: ارتفاع منع البيع بجواز البيع، مع بقاء العين على الوقفية. و هذا أمر صحيح و مسلّم، لكنه لا يحتاج إلى الدقة فضلا عن إمعان النظر، ضرورة أنّ وجود أحد المتنافيين رافع للآخر بداهة.

و لا ينبغي أن يكون هذا الاحتمال مرادا لهما، مع بعده عن ظاهر عبارة الجواهر.

الوجه الثاني: أن يكون المراد من بطلان الوقف ما ظاهره من انتفاء صفة الوقف و عنوانه، لا مجرّد ارتفاع حكم تعبدي من أحكام الوقف كما كان في الاحتمال الأوّل.

و الشاهد على إرادة هذا الوجه جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف الذي هو الحبس عن التصرفات الناقلة، فجواز البيع مبطل له، لانتفاء الحقيقة بانتفاء الفصل المقوّم. فبناء عليه يرد على بطلان الوقف بطروء المسوّغ أمران، و سيأتي بيانهما إن شاء اللّه تعالى.

(2) المراد به حرمة البيع، و ضمير «هو» راجع إلى الانتفاء باعتبار تأويله بالمنفي، يعني: أنّ المنتفي هو جواز البيع.

(3) صفة ل «جواز» يعني: أنّ منشأ انتفاء الوقف و جواز البيع هو سقوط بعض الحقوق المانعة عن التصرفات الاعتبارية.

(4) متعلق ب «سقوط» يعني: أنّ سقوط حق الموقوف عليهم يختلف بحسب

ص: 537

حيث (1) قلنا بكون الثمن للبطن الذي يبيع- فهذا (2) لا محصّل له، فضلا عن أن يحتاج إلى نظر، فضلا عن إمعانه.

و إن أريد به (3) انتفاء أصل الوقف كما هو ظاهر كلامه، حيث (4) جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف، ففيه (5)- مع كونه (6) خلاف الإجماع، إذ

______________________________

الطواري، فقد يسقط عن شخص العين دون ماليّتها كما في تبديل الموقوفة بمثلها، و قد يسقط رأسا كما في الحاجة إلى البيع، و صرف الثمن في الطبقة الموجودة.

(1) متعلق بسقوط الحق عن العين و البدل، يعني بناء على كون الثمن للبطن الموجود، و عدم تعلق حق البطون المتأخرة به.

(2) جواب الشرط في «إن أريد» و الوجه في عدم المحصّل له كون معناه حينئذ: أنّه متى جاز بيع الوقف جاز بيعه.

(3) أي: ببطلان الوقف.

(4) تعليل لكون ظاهر كلام الجواهر هو زوال عنوان الوقف بمجرّد عروض المسوّغ، و منشأ الاستظهار أنّ صاحب الجواهر قدّس سرّه جعل المنع من البيع مقوّما لمفهوم الوقف. و هو مقتضى تفسير الحبس بالمنع عن النقل كما تقدم في (ص 506) عن السيّدين صاحبي الرياض و المفتاح أيضا.

(5) جزاء الشرط في «و إن أريد». و قوله: «فيه» خبر مقدّم، و المبتدأ هو «أن المنع ..».

ثم إنّ المصنف أورد على القول ببطلان الوقف بطروء مجوّز البيع بوجهين، أحدهما:

ناظر إلى مخالفته للإجماع بعد تسليم المبنى من كون الوقف حبسا و منعا عن المعاوضة.

و ثانيهما: ناظر إلى منع المبنى، و أنّ الوقف الخاص تمليك لا حبس.

(6) أي: كون انتفاء أصل الوقف مخالفا للإجماع. توضيح هذا الوجه الأول: أنّ القول بزوال عنوان الوقف بنفس عروض المجوّز- و إن لم تتحقق المعاوضة خارجا- لا سبيل للالتزام به، لكونه مخالفا للإجماع، بشهادة أنّ القائلين بجواز بيع الوقف في بعض الموارد لم يلتزموا ببطلان الوقف بالترخيص في بيعه، حتى يعود إلى ملك الواقف إن كان حيّا أو إلى ملك وارثه إن كان ميّتا.

ص: 538

لم يقل أحد ممّن أجاز بيع الوقف في بعض الموارد ببطلان (1) الوقف و خروج الموقوف عن ملك الموقوف عليه إلى ملك الواقف- أنّ (2) المنع عن البيع ليس

______________________________

مع أنّ مقتضى بطلان الوقف إمّا صيرورة المال من المباحات، و إمّا عوده إلى ملك الواقف، و إمّا صيرورته ملكا طلقا للموقوف عليه. و الكلّ ممنوع، للإجماع على بقاء صفة الوقفيّة ما لم يتحقق النقل خارجا، هذا.

(1) متعلّق ب «لم يقل» يعني: أنّ المجوّزين للبيع لم يقولوا ببطلان الوقف حتى تعود العين الى ملك الواقف أو وارثه. توضيحه: أنّ الوقف- بناء على كونه حبسا عن التصرفات- يلزمه خروج العين عن ملك الواقف و دخولها في ملك الموقوف عليه، و هذا الملك يدور مدار الحبس. فلو انتفى الملزوم و هو الحبس بطروء أحد الأسباب- كما هو ظاهر الجواهر من بطلان الوقف به- انتفى اللازم و هو مالكية الموقوف عليه، و لا بدّ من دخول العين في ملك الواقف مرّة أخرى، لأنّ خروجها عن ملكه كان منوطا بالحبس. مع أنّ عودها إلى ملك الواقف مخالف للإجماع، و يتعيّن حينئذ القول بعدم بطلان الوقف بمجرّد طروء المجوّز.

و هذا بخلاف القول ببطلان الوقف بالبيع و شبهه، لاستحالة عود الوقف الى الواقف، و إلّا لزم من وجود البيع عدمه.

كذا علّل المحقق الأصفهاني قدّس سرّه فتواهم بأنّ المبطل للوقف هو بيعه خارجا، لا عروض المسوّغ للبيع، ثم ناقش فيه، فراجع «1».

(2) هذا هو الوجه الثاني الناظر إلى منع المبنى، و توضيحه: أنّ كلام الفقيهين كاشف الغطاء و صاحب الجواهر قدّس سرّهما مبني على كون حقيقة الوقف حبس العين عن المعاوضة عليها، و رتّبا عليه منافاته لترخيص الشارع في البيع، فيبطل بنفس الترخيص، للتضاد.

و لكن هذا المبنى ممنوع، و بيانه: أنّ الوقف- كما سيأتي تفصيله في (ص 573)- على قسمين:

الأوّل: الوقف و العام، و حقيقته فكّ الملك و تحريره من دون أن يتملّكه شخص أو جهة، كالمساجد و المشاهد المشرفة و المدارس و الرّبط، فإنّ وقفها نظير العتق الذي هو تحرير رقبة المملوك، و عدم قابليته لدخوله في ملك أحد.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 258

ص: 539

مأخوذا في مفهومه، بل هو- في غير المساجد و شبهها (1)-

______________________________

لكن لا بمعنى صيرورته من المباحات ليتصرف فيه من سبق إليه بما شاء، بل لا يجوز التصرف المنافي للوقف. و هذا القسم لا معنى لجواز بيعه، لانتفاء شرطه و هو الملك.

القسم الثاني: الوقف الخاص، كوقف دار أو بستان على الذّرية أو على جهة معيّنة كعلماء البلد.

و محلّ البحث و النزاع في منع بيع الوقف- لانتفاء شرط الطلق- هو هذا القسم، لكونه ملكا للموقوف عليهم دون القسم الأوّل.

و يقع الكلام في أنّ حقيقته حبس العين عن النقل و الانتقال، فيكون المنع عن البيع مقوّما له، أم أنه تمليك للبطون أو للجهة؟ ذهب إلى الأوّل صاحب الجواهر، و بنى عليه بطلان الوقف بنفس الترخيص في المعاوضة بطروء المسوّغ، و رجّح المصنف قدّس سرّه الاحتمال الثاني، و أنّه تمليك خاصّ، إذ التمليك على نحوين، فقد يكون مطلقا كما في البيع و الهبة و الصلح. و قد يكون مقيّدا، بأن يستمرّ و يدوم و لا ينقطع. و هذا حقيقة الوقف الخاص، و لم يؤخذ فيه منع البيع، و إنّما هو أثره الشرعي.

و الشاهد على أنّ الوقف الخاص تمليك- لا حبس عن التصرف- أمران:

أحدهما: إطلاق «الصدقة» على الوقف في النصوص، كما تقدم في رواية ربعي الحاكية لوقف الدار التي كانت لأمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلين.

________________________________________

ثانيهما: فتوى الأصحاب بجواز إنشاء الوقف ب «تصدّقت» وجه الشهادة: أنّه لا ريب في كون الصدقة من العقود المملّكة كالهبة و الهدية، فإدراج الوقف في عنوان «الصدقة» إنّما هو لإفادة الملك، لكنه ملك يقتضي بنفسه الاستمرار لو لم يطرء مجوّز البيع.

و حيث كان الوقف تمليكا- لا حبسا- فهو باق على ملك الموقوف عليه إلى أن يبطل الوقف بالبيع. هذا حاصل ما أفاده المصنف في المناقشة الثانية. و لكلامه تتمة في ولاية الموقوف عليه على البيع إلى بدل أو لا إلى بدل، و ستأتي.

(1) كالمشاهد المشرّفة و المدارس و الرّبط، مما يكون الوقف فيها تحريرا، و معناه خروج العين عن ملك الواقف، و عدم دخولها في ملك الغير.

ص: 540

قسم (1) من التمليك، و لذا (2) يطلق عليه الصدقة [1]، و يجوز إيجابه بلفظ «تصدّقت» (3). إلّا (4) أنّ المالك له (5) بطون متلاحقة،

______________________________

(1) خبر «هو» أي: الوقف الخاصّ قسم من التمليك، و هو الذي يكون المالك له بطونا متلاحقة. فالوقف الخاص جعل مال ملكا للغير بنحو يقتضي دوام مالكيته و عدم انقطاعها.

(2) أي: و لأجل أنّ الوقف الخاصّ تمليك أطلق عليه «الصدقة الجارية» في النصوص، مع أنّه لا ريب في مملّكيتها، كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام في معتبرة الحلبي:

«ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، و صدقة مبتولة لا تورث، أو سنة هدى يعمل بها بعد موته، أو ولد صالح يدعو له» «1».

(3) يعني: لا مطلقا، بل مع قصد الوقف. قال المحقق قدّس سرّه: «أمّا حرمت و تصدّقت فلا يحمل على الوقف إلّا مع القرينة، لاحتمالهما مع الانفراد غير الوقف. و لو نوى بذلك الوقف من دون القرينة دين بنيّته» «2». و الظاهر أنّ الأخذ بنية الواقف إجماعي.

و في الجواهر بعد حكاية الفتوى عن محكي جماعة من القدماء و المتأخرين: «بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعض مشايخنا» «3».

(4) متعلّق ب «قسم من التمليك» و مبيّن للمراد من هذا القسم، و هو: أنّ المالك ليس شخصا واحدا و لا جماعة خاصة في عصر واحد- كما في الملك المشاع- بل المالك بطون متلاحقة، فالبطن الموجود مالك فعلا، و المعدوم مالك شأنا.

(5) أي: للوقف.

______________________________

[1] لا شهادة في ذلك، لصدق الصدقة الجارية على المساجد و الخانات و نحوهما من الأوقاف العامّة أيضا. نعم إذا أطلق التصدق بالعين الموقوفة ربّما يشهد بالملكية، فتأمّل.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 292، الباب 1 من أبواب الوقوف و الصدقات، ح 2، و نحوه نصوص أخرى في نفس الباب و ما بعده.

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 211

(3) جواهر الكلام، ج 28، ص 3

ص: 541

فإذا (1) جاز بيعه مع الإبدال كان البائع (2) وليّا عن جميع الملّاك في إبدال مالهم بمال آخر.

و إذا (3) جاز لا معه كما إذا بيع لضرورة البطن الموجود- على القول بجوازه (4)- فقد (5) جعل الشارع لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم (6) [1]

______________________________

(1) هذا من آثار كون المالك طبقات متلاحقة، يعني: أنّ البطن الموجود إمّا أن يجوز له بيع العين و تبديلها بأخرى تكون وقفا بدلا عن الأولى، فيكون البائع وليّا على تبديل مالهم بمال آخر. و إمّا أن يجوز له البيع بدون التبديل كما في الحاجة الشديدة إلى ثمن الوقف، فيكون للبائع حقّ إبطال الوقف.

فإن بيع بطل، و إن لم يبع و ارتفعت حاجة البطن الموجود بقي الوقف على حاله.

و لا وجه لبطلانه- بمجرّد عروض الحاجة- قبل أن يباع.

(2) سيأتي في (ص 662) أنّ المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم الوليّ على المعدومين.

(3) معطوف على «فإذا جاز» أي: و إذا جاز لا مع الإبدال، و غرضه بيان ولاية البطن الموجود على البيع الذي هو إبطال للوقف حقيقة، لفرض عدم وجوب الإبدال مع الحاجة إلى الثمن.

(4) إشارة إلى الخلاف في جواز بيع الوقف، و اختار المصنف المنع، و سيأتي التفصيل في الصورة الخامسة.

(5) جواب الشرط في «و إذا جاز» و الباء في «ببيعه» للسببيّة.

(6) أي: بأن يكون الثمن ملكا طلقا للبطن البائع، و لا حظّ للبطون اللاحقة فيه.

______________________________

[1] يمكن أن يقال: انّ ما استدلّ به على جواز البيع في فرض حاجة البطن الموجود هو قوله عليه السّلام في رواية جعفر بن حنّان- الآتية في الصورة الرابعة-: «نعم إذا رضوا كلّهم و كان البيع خيرا لهم باعوا» و هذا يدل على ولاية البطن الموجود على كل من بيع الموقوفة و صرف الثمن في حوائجهم، و من المعلوم عدم ظهور كلامه عليه السّلام في ولاية البطن الموجود على جعل العين ملكا طلقا لهم ليقع البيع في ملكهم، بحيث لو فرض فسخ العقد عاد المبيع إلى ملكهم طلقا حتى مع ارتفاع الحاجة إلى الثمن عند حصول الفسخ. لوضوح أعمية جواز

ص: 542

فإذا لم يبيعوا لم يبطل (1). و لذا (2) لو فرض اندفاع الضرورة بعد الحكم بجواز البيع، أو لم يتّفق البيع، كان الوقف على حاله. و لذا (3) صرّح في جامع المقاصد بعدم جواز رهن الوقف و إن بلغ حدّا يجوز بيعه، معلّلا (4) باحتمال طروّ اليسار للموقوف

______________________________

(1) لما تقدّم في مناقشة كلام الجواهر من أنّ معنى جواز البيع جواز الإبطال، و المبطل للوقف هو البيع لا جوازه.

(2) أي: و لأجل عدم بطلان الوقف إذا لم يبعه البطن الموجود- لو فرض ارتفاع الحاجة إلى ثمن الوقف، بأن حصل لهم مال آخر، أو ارتفعت الحاجة من دون توقّفها على بذل مال أصلا- كان الوقف على حاله.

(3) أي: و لأجل عدم بطلان الوقف بطروء المسوّغ صرّح المحقق الثاني، و غرضه إقامة الشاهد على عدم بطلان الوقف بنفس جواز البيع، إذ مع فرض البطلان به يمتنع عود الباطل صحيحا.

و توضيحه: أنّ المحقق الثاني قدّس سرّه صرّح بمنع جعل العين الموقوفة رهنا عند الدائن حتى إذا كانت حال الرهن قد جاز بيعها لشدة حاجة الموقوف عليهم إلى الثمن. و الدليل على المنع أنّ الحاجة الشديدة المجوّزة للبيع و إن كانت حاصلة فعلا، و هي تقتضي جواز جعلها رهنا كجواز بيعها، إلّا أنّه لا يصحّ رهنها، و ذلك لاحتمال طروء اليسار، فإذا طرء اليسار ارتفع سبب جواز البيع، فيؤول الوقف إلى ما كان عليه من عدم جواز بيعه، فلا يمكن استيفاء الغرض المقصود من الرهن- و هو جعله وثيقة للدين، بحيث يمكن أداء الدين منه- من هذا الوقف المرهون.

(4) حال من المصرّح بمنع رهن الوقف، و هو المحقق الثاني قدّس سرّه، و قد عرفت التعليل الظاهر في بقاء الوقف على ما كان عليه بعد عروض المجوّز. و لو بطل بنفس تجويز الشارع للبيع- كما ادّعاه صاحب الجواهر قدّس سرّه- لم يكن لمنع الرهن وجه، ضرورة صيرورته طلقا،

______________________________

البيع و صرف الثمن من كون البطن البائع وليّا على جميع الملّاك في إبطال الوقف و جعله ملكا له، كجواز صرف سهم الامام عليه السّلام في مورد إحراز رضاه صلوات اللّه و سلامه عليه، مع عدم كونه ملكا لمن صرفه. فما أفاده المصنف قدّس سرّه من «أن الشارع جعل لهم حقّ إبطال الوقف ببيعه لأنفسهم» لا يخلو من تأمّل.

ص: 543

عليهم عند إرادة بيعه في دين المرتهن (1).

[الأقوال في بيع الوقف]
اشارة

إذا عرفت أنّ مقتضى العمومات (2) في الوقف عدم جواز البيع، فاعلم أنّ لأصحابنا في الخروج عن عموم المنع في الجملة (3) أقوالا:

[أحدها: عدم الخروج عنه أصلا]

أحدها: عدم الخروج عنه (4) أصلا، و هو الظاهر من كلام الحلّي، حيث قال في السرائر- بعد نقل كلام المفيد- قدّس سرّه-: «و الذي يقتضيه مذهبنا: أنّه بعد وقفه

______________________________

فتصح أنحاء التصرفات فيه، الّتي منها جعله وثيقة لدين، بحيث لو لم يؤدّ الدين استوفى المرتهن حقّه ببيع الرهن.

(1) الأولى نقل نصّ العبارة، قال في شرح كلام العلامة: «و لا رهن الوقف» ما لفظه: «و إن بلغ مرتبة يجوز بيعه، إمّا لخلف بين أربابه، أو لغير ذلك. لأنّ ما يباع للخلف يشترى بثمنه ما يوقف، و ما يباع للحاجة قد يتطرّق إليه في وقت الاحتياج إلى بيعه للرهن عدمها- أي عدم الحاجة- فلا يكون مقصود الرهن حاصلا» «1».

هذا تمام ما أفاده المصنف في مناقشة كلام صاحب الجواهر قدّس سرّه. و سيأتي بيان الأقوال إن شاء اللّه تعالى.

(2) المتقدمة في (ص 510- 513) مثل «لا يجوز شراء الوقف» و «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها».

(3) قيد ل «الخروج» أي: خروج بعض صور الوقف عن عموم منع البيع، فاختلف الأصحاب في هذا البعض المستثنى من عموم المنع.

(4) الأقوال في بيع الوقف أي: عن عموم المنع، و الظاهر أنّ المراد بكلمة «أصلا» هو منع البيع مطلقا، سواء أ كان مؤبّدا أم منقطعا، كما يستفاد من عبارة السرائر، حيث إنّه نقل كلاما عن الشيخ، و اعترض عليه بأنّه لا إجماع على جواز البيع بعد خراب الوقف و اختلاله، و هذا لا ينافي دعواه الإجماع على منع بيع المؤبّد، كما سيأتي في المتن.

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 5، ص 51

ص: 544

و تقبيضه (1) لا يجوز الرجوع فيه، و لا تغييره عن وجوهه و سبله، و لا بيعه، سواء كان بيعه أدرّ (2) عليهم أم لا، و سواء خرب الوقف، و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان و غيره (3)، أو يحصل (4) بحيث لا يجدي نفعا، أم لا (5)» «1».

قال الشهيد رحمه اللّه (6)- بعد نقل أقوال المجوّزين-: «و ابن إدريس سدّ الباب، و هو نادر مع قوّته» «2».

و قد ادّعى في السرائر عدم (7) الخلاف في المؤبّد، قال: «إنّ (8) الخلاف الذي

______________________________

(1) أي: تسليم المال للموقوف عليه أو للمتولّي.

(2) أي: كان البيع أنفع بحال الموقوف عليهم من بقاء العين الموقوفة و الانتفاع بها.

(3) كعدول المؤمنين.

(4) أي: يصير الوقف عديم المنفعة.

(5) ليست كلمة «أم لا» في السرائر، و إنما قال: «لأنّا قد اتفقنا جميعا على أنه وقف، و أنّه لا يجوز حلّه و لا تغييره عن وجوهه و سبله. فمن ادّعى حكما شرعيا، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي، لأنّه لا إجماع منّا على ذلك .. و لا يرجع في مثل هذا الإجماع و الأصل إلى أخبار آحاد لا توجب علما و لا عملا».

(6) الظاهر أنّ نقل كلام الشهيد قدّس سرّه هنا لأجل ميلة إلى منع بيع الوقف مطلقا كما ذهب إليه ابن إدريس، بقرينة قوله: «مع قوّته» و إن كان قولا نادرا.

(7) تقدم آنفا أنّه لا منافاة بين دعوى الإجماع على منع بيع الوقف المؤبّد، و بين ما تقدم أوّلا من منع بيع الوقف مطلقا، فإنّ غير المؤبد مختلف فيه و إن كان رأيه فيه المنع كما في الدائم، و لذا ادّعى صاحب المقابس قدّس سرّه: «أن الحلّي و فخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» «3».

(8) في السرائر: «هذا» بدل «أنّ».

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 153

(2) الدروس، ج 2، ص 279

(3) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

ص: 545

حكيناه بين أصحابنا إنّما (1) هو إذا كان الوقف على قوم مخصوصين، و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم، و أمّا (2) إذا كان الوقف على قوم و من بعدهم على غيرهم، و كان الواقف قد اشترط رجوعه إلى غيره (3) إلى أن يرث اللّه الأرض، لم يجز (4) بيعه على وجه (5)، بغير خلاف بين أصحابنا» انتهى.

و فيه نظر (6) يظهر ممّا سيأتي من ظهور أقوال كثير من المجوّزين في المؤبّد.

و حكي المنع مطلقا عن الإسكافي و فخر الإسلام أيضا (7) إلّا في آلات الموقوف و أجزائه التي انحصر طريق الانتفاع بها في البيع.

______________________________

(1) غرضه بيان الفرق بين الوقف المنقطع و الدائم، فالدائم هو المشترط فيه رجوعه إلى غير الموقوف عليهم، بأن يقول: «فإن انقرضوا فهي وقف على ذوي الحاجة من المسلمين مثلا» فإذا كان الوقف متضمنا لهذا الشرط كان مؤبّدا، و إلّا كان منقطعا.

(2) كذا في النسخ، و في السرائر: «فأمّا إذا كان الوقف على قوم، و على من بعدهم».

(3) في السرائر «إلى غير ذلك» أي: غير الموقوف عليه أوّلا.

(4) جواب الشرط في «و أمّا إذا كان» و الأولى اقتران جواب «أمّا» بالفاء كما في الذكر الحكيم من النهي عن قهر اليتيم، و حاصل كلام الحلّي قدّس سرّه: منع بيع الوقف إجماعا لو كان مشتملا على شرط الوقف على آخرين غير من أوقف عليه أوّلا، كما تقدم نظيره في وقف أمير المؤمنين داره في بني زريق على خالاته، ثم على ذوي الحاجة من المسلمين.

(5) في السرائر: «على وجه من الوجوه». و قال في موضع آخر في منع بيع النخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف: «و قد بيّنا أن الوقف لا يجوز بيعه» «1».

(6) غرضه المناقشة في الإجماع صغرويّا، و ذلك لذهاب كثير في الوقف المؤبّد إلى الجواز، كما سيأتي.

(7) يعني كما ذهب ابن إدريس إلى المنع مطلقا بالنسبة إلى عين الموقوفة، و إن خالفاه في جواز بيع الآلات «2».

______________________________

(1) السرائر، ج 3، ص 167

(2) حكاه في مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48

ص: 546

قال الإسكافي- على ما [فيما] حكي عنه في المختلف: «إنّ الموقوف عليه [عينه] رقيقا أو غيره (1) لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته، فلا بأس ببيعه و إبدال مكانه بثمنه إن أمكن (2)، أو صرفه فيما كان تصرف إليه منفعته أو ردّ ثمنه على منافع ما بقي من أصل ما حبس معه إذا كان في ذلك صلاح (3)» «1» انتهى.

و قال فخر الدّين في الإيضاح في شرح قول والده قدّس سرّهما: «و لو خلق حصير المسجد، و خرج عن الانتفاع به، أو انكسر الجذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق، فالأقرب جواز بيعه» قال (4)- بعد احتمال المنع بعموم النصّ في المنع-:

«و الأصحّ عندي جواز بيعه (5) و صرف ثمنه في المماثل (6) إن أمكن، و إلّا ففي غيره» «2».

______________________________

(1) العبارة تغاير ما في المختلف لفظا، كقوله: «و الموقف رقيقا أو ما يبلغ حاله إلى زوال ..».

(2) في المختلف: «إن أمكن ذلك».

(3) في المختلف «الصلاح» و المستفاد من قوله: «من أصل ما حبس معه» أنّ العين الموقوفة تتضمّن أجزاء و آلات كالنخلة المنقلعة أو المكسورة من بستان موقوف، فتباع هذه الآلة و يصرف ثمنها في نفس البستان إذا كان المتولّي يرى الصلاح في بيع الآلات، التي لا ينتفع بها إلّا بالبيع، و صرف الثمن في أصل العين الموقوفة.

و عليه فهذه الجملة تدلّ على منع بيع الوقف كالبستان، و هو موافق لكلام الحلّي، لكن تجويز بيع الآلات مخالف له.

(4) كذا في النسخ، و لا حاجة إليها بعد ورودها في قوله: «و قال فخر الدين».

(5) في الإيضاح: «جواز البيع».

(6) بأن يشترى به حصير آخر للمسجد إن احتاج إليه، و إلّا ففي غير المماثل مما يحتاج إليه المسجد كالإضاءة.

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 316

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 407

ص: 547

و نسبة (1) المنع إليهما على الإطلاق (2) لا بدّ (3) أن تبنى على خروج مثل هذا (4) عن محلّ الخلاف.

و سيظهر هذا (5) من عبارة الحلبي في الكافي أيضا، فلاحظ.

[الثاني الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة]

الثاني (6) الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة خاصّة دون المؤبّد،

______________________________

(1) غرضه أنّ عبارتي الإسكافي و فخر الإسلام صريحتان في جواز بيع آلات الوقف، و إن منعا عن بيع أصل الموقوفة، مع أنّ صاحب المقابس قدّس سرّه نسب إليهما- في الصورة الأولى و هي كون البيع أنفع للموقوف عليهم من تركه- القول بمنع بيع الوقف.

و هذه النسبة إن قصد بها بيع نفس الموقوفة فهي تامّة، و إن قصد بها المنع مطلقا حتى بالنسبة إلى الآلات فهي ممنوعة بعد تصريحهما بجواز بيع الآلات. قال في المقابس:

«القول الثالث: أنه لا يصح البيع بذلك- أي بكونه أنفع من بقائه على حاله- و هؤلاء منهم من أنكر بيع الوقف من أصله كالإسكافي و أتباعه، إلّا أن الإسكافي أطلق المنع ..

و الحلّي و فخر الإسلام صرّحا بتعميم المنع» «1».

و أراد المصنف قدّس سرّه توجيه نسبة منع البيع إلى الإسكافي و فخر الإسلام بأنّ مقصود الناسب منع بيع نفس العين الموقوفة. و هي في محلها، و ليست المقصود نسبة منع بيع الآلات إليهما، ضرورة وضوح جواز بيع الآلات، و إنّما الكلام في بيع أصل الموقوفة. هذا.

(2) تقدم أنّ المراد بالإطلاق هو «منع بيع الوقف» الشامل للعين و للآلات.

(3) هذا توجيه المصنف لما نسبه صاحب المقابس إلى الإسكافي و الفخر قدّس سرّهما.

(4) أي: مثل بيع الآلات خارج عن محل الخلاف.

(5) المشار إليه هو منع بيع العين الموقوفة، و لم ينقل المصنف فيما سيأتي كلامه، و نقله صاحب المقابس، و قال: «و أمّا الحلبي فنصّ على بطلان ذلك، و خصّ بيع المنقطع بصورة الشرط، و أبطله فيما عداه» «2».

(6) أي: القول الثاني، و الأولى بوحدة السياق أن يقال: «ثانيها» في مقابل

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48، و لاحظ الكافي في الفقه، ص 325

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 48، و لاحظ الكافي في الفقه، ص 325

ص: 548

و هو المحكيّ عن القاضي (1)، حيث قال في محكيّ المهذّب: «إذا كان الشي ء وقفا على قوم، و من بعدهم على [إلى] غيرهم (2)، و كان (3) الواقف قد اشترط رجوعه إلى غير ذلك، إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها، لم يجز (4) بيعه على وجه من الوجوه. فإن كان (5) وقفا على قوم مخصوصين و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم (6) حسب ما قدّمناه، و حصل الخوف من هلاكه (7) أو فساده، أو كان (8) بأربابه حاجة ضروريّة يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم، أو يخاف (9) من وقوع خلف بينهم يؤدّي إلى فساده، فإنّه (10) حينئذ (11) يجوز بيعه و صرف ثمنه في

______________________________

«أحدها».

(1) قال السيد العاملي في عدّ من قال بجواز بيع الوقف إذا خيف وقوع فتنة و خلف بين أربابه موجب للفساد: «لكن القاضي في المهذّب ذكر ذلك في المنقطع» «1».

(2) الظاهر إرادة الوقف على الطبقات.

(3) معطوف على «كان» و المقصود باشتراط الرجوع إلى غير الموقوف عليه لو انقرضوا هو الوقف المؤبّد، و تقدم نظيره في كلام ابن إدريس قدّس سرّه.

(4) جواب الشرط في «إذا كان».

(5) هذا عدل لقوله: «إذا كان الشي ء وقفا» و المقصود هو الوقف المنقطع.

(6) حيث إنّ شرط رجوع الوقف إلى غير الموقوف عليه يجعله مؤبّدا، بخلاف ما لو قال: «هذا وقف على أولادي» فانقرضوا.

(7) أي: هلاك الوقف و خرابه، و هو إحدى الصور المجوّزة للبيع.

(8) معطوف على «حصل» و إشارة إلى مجوّز آخر للبيع.

(9) معطوف أيضا على «حصل» و إشارة إلى صورة ثالثة.

(10) جواب الشرط في قوله: «فإن كان».

(11) أي: يجوز البيع حين حصول كلّ من خوف هلاك الوقف أو الحاجة إلى البيع، أو خوف النزاع المؤدّي إلى فساد الوقف.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 86

ص: 549

مصالحهم على حسب استحقاقهم. فإن لم يحصل (1) شي ء من ذلك لم يجز بيعه على وجه من الوجوه. و لا يجوز هبة الوقف، و لا الصدقة به أيضا (2)» «1».

و حكي (3) عن المختلف و جماعة نسبة التفصيل إلى الحلبي.

لكنّ العبارة المحكيّة عن كافية لا تساعده (4)،

______________________________

(1) المستفاد من هذه الجملة: التفصيل في خصوص الوقف المنقطع بين الصور الثلاث المجوّزة للبيع، و بين غيرها. و أمّا الوقف المؤبّد فلا يجوز بيعه. و بهذا يثبت ما رامه المصنف بقوله: «الخروج عن عموم المنع في المنقطع في الجملة».

(2) يعني: كما لا يجوز بيعه.

(3) الحاكي لهذا التفصيل عن العلّامة و جماعة هو المحقق صاحب المقابس، قال قدّس سرّه:

«و أمّا الحلبي، ففي المختلف: أنّه فصّل كما فصّل القاضي. و كذلك نقل عن التذكرة و غاية المراد و التنقيح و المهذّب البارع و غاية المرام و ظاهر جامع المقاصد» «2».

و قال في التذكرة بعد نقل جملة من الكلمات: «فقد اتفق هؤلاء العلماء من أصحابنا على جواز بيعه في الجملة» «3».

و كذلك نسب التفصيل بين المنقطع و المؤبّد إلى الحلبيين المحقق الثاني، فقال:

«و جعلها- أي: جعل العلامة رواية ابن حنّان- دليلا لمن جوّز بيع الوقف الذي ليس بمؤبّد، و هو أبو الصلاح و ابن البرّاج» «4».

(4) أي: لا تساعد التفصيل بين الوقف المنقطع بجواز البيع، و المؤبّد بمنعه- كما نسب إليه في كلام العلامة و جمع ممّن تأخر عنه. و الوجه في عدم مساعدة عبارة الكافي هو ما أفاده في المقابس- بعد العبارة المتقدمة- بقوله: «و الظاهر أنّ المأخذ- أي مأخذ نسبة التفصيل بين المنقطع و المؤبّد إلى الحلبي قدّس سرّه- كتاب الكافي، و هو على ما في النسخة

______________________________

(1) المهذب، ج 2، ص 92

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 45، و لاحظ: مختلف الشيعة، ج 6، ص 287، تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، غاية المراد، ج 2، ص 25، التنقيح الرائع، ج 2، ص 329، المهذب البارع، ج 3، ص 65، جامع المقاصد، ج 9، ص 70

(3) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444

(4) جامع المقاصد، ج 9، ص 70

ص: 550

بل ربما استظهر منه (1) المنع على الإطلاق، فراجع.

و حكي التفصيل المذكور (2) عن الصدوق. و المحكيّ عن الفقيه: أنّه قال

______________________________

الموجودة عندي يقتضي التفصيل بغير ما ذكروه، فإنّه قسّم الصدقة أوّلا إلى ما يقتضي تمليك الرقبة، و ما يقتضي إباحة المنافع. ثم قال: و الثاني على ضربين: مشترط و مؤبّد، و المشترط على ضروب» الى أن قال: «و المؤبد: أن يحبس الرقبة و يجعل منافعها لموجود معيّن من نسله، أو غيرهم من الأقارب أو الأجانب، و على من يتجدد من ولده، و ولد ولده أبدا ما تناسلوا. أو إلى غاية معلومة». إلى أن قال: «و يؤبّدها، و يحرّم بيعها و نقلها عن جهاتها. فإذا وقعت الصدقة على هذا الوجه وجب إمضاؤها على شروطها، و حرم تغيير شي ء منها».

ثم قال صاحب المقابس: «و مقتضاها عدم جواز بيع المؤبّد مطلقا. و أما غيره، فإن وقع مطلقا أو مشروطا برجوعه إلى ملكه بعد الانقطاع فهذا يجب إرجاعه إليه.

و لا يجوز للموقوف عليه أن يبيعه أبدا. و إن كان مشروطا بأن يكون له بيعه عند الحاجة أو خرابه جاز له ذلك» .. الى أن قال: «أمّا بعد الوقف ففي جواز الإذن في ذلك، و منعه قبل الانقطاع كلام آخر لم ينصّ عليه. و ظاهره المنع من ذلك إلى أن يحصل الانقطاع.

و بالجملة: فكلامه صريح في أنّ الموقوف عليه ليس له البيع بمجرّد الوقف مطلقا، فيكون مذهبه هو مذهب الإسكافي و أتباعه» «1».

(1) أي: من الكافي، و المستظهر كما عرفت صاحب المقابس قدّس سرّه، فاستظهار المنع ترقّ من عدم مساعدة التفصيل.

(2) و هو التفصيل بين الوقف المؤبّد و المنقطع، بجواز بيع الثاني دون الأوّل.

و الحاكي جماعة كالفاضل المقداد و ابن فهد و الشهيد و المحقق الثاني، ففي جامع المقاصد:

«و جوّز الصدوق بيع المنقطع الآخر، دون المؤبّد» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 45 و 45، و راجع الكافي في الفقه، ص 324 و 325

(2) لاحظ التنقيح الرائع، ج 2، ص 320، المهذب البارع، ج 3، ص 65، غاية المراد، ج 2، ص 23 جامع المقاصد، ج 9، ص 69

ص: 551

- بعد رواية عليّ بن مهزيار الآتية «1»-: «إنّ هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم. و لو كان عليهم و على أولادهم ما تناسلوا، و من بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث اللّه تعالى الأرض و من عليها، لم (1) يجز بيعه أبدا «2».

ثمّ (2) إنّ جواز بيع ما عدا الطبقة الأخيرة في المنقطع لا يظهر من كلام الصدوق و القاضي، كما لا يخفى.

ثمّ (3) إنّ هؤلاء إن كانوا ممّن يقول برجوع الوقف المنقطع إلى ورثة الموقوف

______________________________

(1) جواب الشرط في «و لو كان» و العبارة ظاهرة في ما نسب إليه من التفصيل بين الوقف المؤبد و المنقطع.

(2) لمّا كان مختار الصدوق و القاضي جواز بيع الوقف المنقطع، فهل يختص ذلك بالبطن الأخير أم يجوز البيع لمن تقدّمهم أيضا؟ ظاهر كلاميهما كون المتصدّي هو البطن الأخير.

أمّا كلام الصدوق قدّس سرّه فهو «أن هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم» و من المعلوم أنّه لا ينطبق إلّا على الطبقة الأخيرة، إذ لا يصدق «دومن من بعدهم» إلّا على الطبقة الأخيرة.

و أمّا كلام القاضي فهو «فإن كان وقفا على قوم مخصوصين .. إلخ» فإنّه- خصوصا بملاحظة قوله: «و ليس فيه شرط يقتضي رجوعه إلى غيرهم»- ظاهر في كون المتصدّين للبيع هؤلاء المخصوصين الذين لا يكون الوقف راجعا إلى غيرهم.

(3) هذه العبارة- إلى الشروع في القول الثالث- تتضمّن أمورا ثلاثة ترتبط بمقالة أرباب القول الثاني، أعني به جواز بيع الوقف المنقطع دون المؤبد. و هم الصدوق و القاضي ابن البراج و أبو الصلاح الحلبي قدّس سرّهم.

______________________________

(1) تأتي في الصورة العاشرة من صور بيع الوقف.

(2) من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 241، ذيل الحديث: 5575

ص: 552

عليه، فللقول بجواز بيعه وجه (1). أمّا إذا كان فيهم من يقول برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى الواقف أو ورثته، فلا وجه (2) للحكم (3) بجواز بيعه و صرف الموقوف عليهم ثمنه في مصالحهم.

و قد حكي القول بهذين (4) عن القاضي.

______________________________

الأمر الأوّل: ما يرد على بعضهم من الإشكال، و بيانه: أنّ الوقف المنقطع إمّا أن يبقى على ملك الواقف، و تكون المنفعة أو الانتفاع للموقوف عليهم، نظير حبس المال مدّة على طبقات معيّنة. و إمّا أن يكون الوقف تمليكا للبطون.

فبناء على الثاني يتّجه جواز بيع البطن الأخير العين الموقوفة مطلقا، أو في الجملة، لكون العين ملكا لهم. و بناء على الأوّل يشكل ذلك، لفرض بقاء العين على ملك الواقف، و بانقراض الموقوف عليهم تعود إليه أو إلى ورثته.

و مع وجود هذين القولين- بين المجوّزين لبيع الوقف المنقطع- لا وجه للقول بمصير كلّهم إلى الجواز. و سيأتي بيان الأمرين الآخرين.

(1) لكون البطن الأخير مالكا بالفعل للعين الموقوفة، فله بيعها مطلقا أو في الجملة.

(2) جواب «أمّا» الشرطية التفصيلية التي هي عدل قوله: «إن كانوا».

(3) توضيح وجه عدم الجواز هو: أنه بناء على عود الموقوف في الوقف المنقطع- بعد انقراض الموقوف عليهم- إلى ملك الواقف أو ورثته، ليس للموقوف عليهم بيعه و صرف ثمنه في مصالحهم، بل لا بدّ من إبقائه رعاية لحقّ الواقف أو ورثته لينقل الوقف إليه.

(4) أي: بهذين الأمرين:

أوّلهما: رجوع الوقف في المنقطع بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف أو وارثه.

و ثانيهما: جواز بيع الموقوف عليهم له، و صرف ثمنه في مصالحهم.

و حكاية هذين الأمرين عن القاضي، و نسبتهما إليه مذكورة في المقابس- في حكم الوقف المنقطع- بقوله: «و قد وافق القاضي على رجوعه بعد انقراض الموقوف عليهم إلى الواقف و ورثته، و حكم مع ذلك بصحة بيع الوقف في جملة من الصور المذكورة، و صرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم».

ص: 553

إلّا أن يوجّه (1) بأنّه لا يقول ببقائه على ملك الواقف حتّى يكون حبسا، بل هو (2) وقف حقيقيّ و تمليك للموقوف عليهم مدّة وجودهم. و حينئذ (3) فبيعهم له

______________________________

ثم اعترض المحقق الشوشتري على القاضي- في تجويز بيع الوقف المنقطع الموقوف عليه- بقوله: «و هذا عجيب منه، لأنّ الوقف المؤبّد مملوك للموقوف عليه الموجود، و ما عداه معدوم، فلجواز البيع حينئذ وجه، لانحصار المالك الموجود في البائع. و أمّا المنقطع فليس ملكا له، و المالك الموجود غيره، فلا وجه لصحة البيع حينئذ ..» «1».

(1) استثناء من قوله: «فلا وجه للحكم بجواز بيعه» و هذا إشارة إلى الأمر الثاني، و هو توجيه جواز بيع الوقف المنقطع.

و حاصل التوجيه: أنّ التهافت المزبور مبنيّ على كون الوقف المنقطع حبسا لا فكّا للملك، إذ بناء على الحبس يكون باقيا على ملك الواقف، و مع بقائه على ملكه لا وجه لجواز بيع الموقوف عليهم، و صرف ثمنه في مصالحهم، إذ ليس لهم إلّا المنفعة أو الانتفاع بالعين، و لا سلطنة لهم على بيعها.

و أمّا بناء على خروجها عن ملك الواقف حين الوقف و صيرورتها ملكا موقّتا للموقوف عليهم ما داموا موجودين، و رجوعها ملكا إلى الواقف أو وارثه، فلا مانع حينئذ عن بيعهم لها، إذ المفروض كون الموقوف ملكا لهم، غاية الأمر أنّه متعلّق لحقّ الواقف، بحيث لو لم يبعها الموقوف عليهم، و بقيت على حالها من الوقفية حتى انقرض الموقوف عليهم رجعت إلى ملك الوارث. فيكون تعلّق حقّ الواقف نظير تعلق حقّ البطون اللاحقة بها في الوقف المؤبّد، و هو لا يصلح للمنع عن البيع مع طروء المسوّغ له، هذا.

(2) أي: الوقف المنقطع تمليك للبطون كالوقف المؤبّد.

(3) أي: و حين كون الوقف المنقطع تمليكا للعين- لا حبسها للمنفعة أو الانتفاع- فبيع الموقوف عليهم للوقف يكون نظير بيع البطن الأوّل في الوقف المؤبّد، في أنّ تعلق حقّ سائر البطون أو تعلق حق الواقف لا يمنع من صحة البيع.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 554

- مع تعلّق حقّ الواقف- نظير (1) بيع البطن الأوّل مع تعلّق حقّ سائر البطون في الوقف المؤبّد.

لكن هذا (2) الوجه لا يدفع الإشكال عن الحلبي المحكيّ عنه القول (3) المتقدّم، حيث إنّه يقول ببقاء الوقف مطلقا (4) على ملك الواقف [1].

[الثالث الخروج عن عموم المنع]

الثالث (5) الخروج عن عموم المنع، و الحكم بالجواز في المؤبّد في الجملة (6).

______________________________

(1) خبر «فبيعهم» و «في الوقف» متعلق ب «تعلّق حق».

(2) هذا هو الأمر الثالث، و غرضه عدم إجداء التوجيه المزبور لدفع الإشكال عن أبي الصلاح و إن كان دافعا له عن ابن البرّاج، وجه عدم الإجداء: التزام أبي الصلاح قدّس سرّه بعدم مالكية الموقوف عليهم للموقوفة حتى يصحّ لهم بيعها.

(3) نائب فاعل «المحكيّ» و المراد بالقول هو: جواز بيع الموقوف عليهم للوقف المنقطع، مع بنائه على بقائه على ملك الواقف مطلقا سواء في المؤبّد و المنقطع.

(4) يستفاد هذا الإطلاق من جعل الصدقة تمليك الرقبة، و جعل الوقف إباحة المنافع، سواء في المشترط و المؤبّد، فراجع «1».

(5) هذا القول الثالث تفصيل بين الوقف المؤبد بجواز البيع في الجملة، مع اختلاف أرباب هذا القول في حكم الوقف المنقطع، فبعضهم سكت عنه، و يظهر من بعضهم عموم الجواز، و يظهر من ثالث المنع عن بيع المنقطع، لرجوعه إلى ورثة الواقف.

(6) عكس ما تقدّم في القول الثاني من جواز بيع المنقطع في الجملة. و سيأتي نقل

______________________________

[1] لا يخفى أنّ هذا التوجيه غير مرتبط بكلام القاضي، إذ المنسوب إليه هو رجوع الموقوف في الوقف المنقطع إلى الواقف، فلا بدّ من التزامه بخروجه بمجرّد الوقف عن ملك الواقف، و دخوله في ملك الموقوف عليه. فالتهافت حينئذ يكون بين تعلق حق الواقف- و هو عود الموقوف بعد الانقراض إلى ملكه- و بين جواز بيع الموقوف عليه له، فهذا التوجيه أجنبي عنه كما لا يخفى.

______________________________

(1) الكافي، ص 324

ص: 555

و أمّا المنقطع فلم ينصّوا عليه (1)، و إن ظهر من بعضهم التعميم (2)، و من بعضهم التخصيص (3)، بناء (4) على قوله (5) برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف، كالشيخ و سلّار قدّس سرّهما. و من (6) حكم برجوعه بعد انقراض الموقوف عليه إلى وجوه البرّ- كالسيّد أبي المكارم ابن زهرة «1»- فلازمه جعله كالمؤبّد.

______________________________

كلام جماعة من أرباب هذا القول كالشيخ و الديلمي و ابن سعيد و الشهيد قدّس سرّهم.

(1) يعني: لم ينصّ- القائلون بالجواز في المؤبّد- على جواز البيع في المنقطع. و حقّ العبارة إضافة «فيه» إليه، بأن يقال: «لم ينصّوا عليه فيه».

(2) أي: تعميم جواز البيع للمنقطع، و يستفاد التعميم من السيد أبي المكارم قدّس سرّه. بل ادّعى السيد العاملي قدّس سرّه «أنّ كلام جماعة كثيرة عام شامل للمؤبّد و غيره، و إن صرّح بعضهم بجواز بيع المؤبد» فراجع «2».

(3) أي: اختصاص الجواز بالمؤبّد.

(4) يعني: أنّ الاختصاص بالمؤبّد عند هذا البعض مبنيّ على التزامه برجوع المنقطع إلى ورثة الواقف، فلا ملك للموقوف عليه حتى يباع.

و هذا البعض شيخ الطائفة و من تبعه، حيث قال: «و متى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه، أو على قوم بأعيانهم، و لم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي ء بعينه، فمتى انقرض أرباب الوقف رجع الوقف على ورثة الواقف» «3». و هذا صريح في عود الوقف المنقطع إلى الواقف أو ورثته.

(5) هذا وجه اختصاص الجواز بالمؤبّد، و هو واضح.

(6) مبتدء متضمن معنى الشرط، و قوله: «فلازمه» خبره. و مقصوده: أنّ مثل السيد أبي المكارم- القائل برجوع الوقف المنقطع إلى وجوه البرّ و صرفه فيها- لا بدّ أن

______________________________

(1) الغنية، ص 299

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 258

(3) النهاية، ص 595، المراسم لسلّار الديلمي، ص 197، الوسيلة لابن حمزة الطوسي، ص 770 من الجوامع الفقهية.

ص: 556

[نقل كلمات العلماء]

و كيف كان (1)، فالمناسب أوّلا نقل عبائر هؤلاء، فنقول:

قال المفيد في المقنعة (2) «الوقوف في الأصل صدقات، لا يجوز الرجوع فيها، إلّا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم و التقرّب إلى اللّه بصلتهم (3)، أو يكون (4) تغيير الشروط في الموقوف أدرّ عليهم و أنفع لهم من تركه على حاله.

______________________________

يلتزم بجواز بيع المنقطع كالمؤبّد عند طروء المسوّغ.

(1) يعني: سواء أ كان حكم السيد أبي المكارم بصرف الوقف في وجوه البرّ- بعد انقراض الموقوف عليهم- مستلزما لاتحاد حكم الوقف المؤبّد و المنقطع في جواز البيع، أم لم يكن مستلزما له، فالمناسب نقل عبائر أرباب القول الثالث للوقوف على مرادهم.

(2) محصّل كلام الشيخ المفيد أعلى اللّه مقامه الشريف: أنّ الوقف صدقة جارية، فإن أراد الواقف الرجوع عن وقفه، فتارة يكون قبل إقباضها من الموقوف عليهم، و اخرى بعد الإقباض منهم.

فعلى الأوّل لا يجوز الرجوع إلّا في صورتين:

الاولى: أن يرتكب الموقوف عليهم منكرا يمتنع معونتهم شرعا، كالارتداد و الإفساد في الأرض.

الثانية: أن يكون تغيير شرط من شرائط الوقف- كالدوام و عدم البيع- أنفع بحال الموقوف عليهم. ففي ما عدا هاتين الصورتين لا يجوز للواقف الرجوع عمّا أنشأه من الوقف، ليحلّ له بيعه.

و على الثاني لا يجوز الرجوع إلّا في ثلاث صور، سيأتي بيانها.

(3) هذا إشارة إلى الصورة الاولى، و هي تعذر التقرب إليه تعالى بالوقف عليهم لينتفعوا به، فيجوز رجوع الواقف قبل تسليم العين إلى الموقوف عليهم، لعدم استحقاقهم شرعا للمعونة.

(4) هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتقدمة آنفا.

ص: 557

و إذا أخرج (1) الواقف الوقف عن يده إلى من وقف عليه، لم يجز له الرجوع في شي ء منه، و لا تغيير شرائطه، و لا نقله عن وجوهه و سبله (2). و متى (3) اشترط الواقف في الوقف: أنّه (4) متى احتاج إليه في حياته- لفقر- كان له بيعه و صرف ثمنه في مصالحه، جاز له فعل ذلك.

و ليس (5) لأرباب الوقف بعد وفاة الواقف أن يتصرّفوا فيه ببيع أو هبة أو يغيّروا شيئا من شروطه، إلّا أن (6) يخرب الوقف، و لا يوجد من يراعيه بعمارة من سلطان أو غيره.

أو يحصل (7) بحيث لا يجدي نفعا، فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه.

و كذلك (8) إن حصلت لهم [بهم] ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه. و لا يجوز

______________________________

(1) هذه الجملة قرينة على أنّ ما تقدم- من الصورتين لجواز الرجوع عن الوقف- ناظر إلى قبل إقباض العين.

(2) محصل ما أفاده الشيخ المفيد قدّس سرّه في الوقف بعد إقباضه من الموقوف عليهم: أنّه تارة يشترط الواقف- في مقام إنشاء الوقف- جواز بيع الموقوفة لو احتاج إلى صرف ثمنها في مصالح نفسه، فيصحّ الوقف و الشرط، و للواقف البيع عند الحاجة. فإن باع فهو، و إن لم يبع حتى مات صار وقفا لازما لم يجز للموقوف عليه بيعه إلا بطروء المسوّغ. و هذا خارج عن مورد البحث.

و اخرى لا يشترط ذلك، و لا يجوز له و لا لغيره البيع حينئذ، إلّا في صور ثلاث:

الاولى: خراب الوقف، و عدم قيام أحد بعمارته.

الثانية: أن لا يكون نافعا بحال الموقوف عليه و إن لم يخرب بعد.

الثالثة: الحاجة الشديدة إلى ثمنه، و أما ما عدا هذه الصور فلا يصح بيع الوقف.

(3) مبتدء متضمن معنى الشرط، و «جاز» خبره.

(4) الجملة في موضع نصب مفعول ل «اشترط» و قوله: «كان» خبر «متى احتاج».

(5) هذا حكم الوقف الدائم، و هو حرمة بيعه إلّا بطروء المجوّز.

(6) استثناء من «ليس» و غرضه بيان مستثنيات منع بيع الوقف، و أوّلها الخراب.

(7) معطوف على «أن يخرب» و الفرق بين الخراب و عدم إجداء النفع واضح.

(8) هذا إشارة إلى الصورة الثالثة.

ص: 558

ذلك (1) مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات» «1» انتهى كلامه رحمه اللّه.

و قد استفاد (2) من هذا الكلام في غاية المراد تجويز [جواز] بيع الوقف في خمسة مواضع. و ضمّ (3) صورة جواز الرجوع و جواز تغيير [تغيّر] الشرط إلى (4) المواضع الثلاثة المذكورة بعد وصول الموقوف إلى الموقوف عليهم، و وفاة الواقف، فلاحظ و تأمّل (5).

______________________________

(1) أي: لا يجوز التصرف- ببيع أو هبة- بدون إحدى الحالات الثلاث المتقدمة.

(2) الغرض من هذه العبارة التنبيه على الخلاف في ما يستظهر من عبارة المقنعة، فقد يستفاد منها جواز العدول عن الوقف في صورتين، لو كانتا قبل إقباض العين للموقوف عليهم. و جواز أن يبيعه الموقوف عليهم في صور ثلاث لو تحققت بعد الإقباض.

و قد يستفاد من عبارة المقنعة جواز البيع في صور خمس بضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده. و المستفيد هو الشهيد و المحقق الثاني قدّس سرّهما. قال في غاية المراد: «قال المفيد:

يجوز بيع الوقف إذا خرب و لم يوجد له عامر، أو يكون غير مجد نفعا، أو اضطرّ الموقوف عليه إلى ثمنه، أو كان بيعه أعود عليهم، أو يحدثون ما يمنع الشرع من معونتهم، و التقرب إلى اللّه بصلتهم. فهذه خمسة مجوّزة للبيع، ليس بعضها مشروطا ببعض» «2». و نحوه عبارة المحقق الثاني «3».

(3) هذا منشأ استفادة الشهيد قدّس سرّه مواضع خمسة لجواز البيع من عبارة الشيخ المفيد، و هو ضمّ ما كان قبل القبض إلى ما بعده.

(4) متعلق ب «ضمّ» و قوله: «جواز تغيير» معطوف على «جواز الرجوع».

(5) لبعد ما استفاده الشهيد قدّس سرّه من كلام المفيد- من جواز البيع في موارد خمسة- لخروج الصورتين المفروضتين قبل القبض، و هما: الرجوع عن الوقف، و تغيير الشرط.

إذ الوجه في خروجهما: إمّا عدم تمامية الوقف بناء على دخل القبض في الصحة. و إمّا

______________________________

(1) المقنعة، ص 652- 653

(2) غاية المراد، ج 2، ص 24 و نقله عنه في المقابس، ص 43

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 68 و 69

ص: 559

ثمّ إنّ العلّامة ذكر في التحرير: «انّ قول المفيد- بأنّه: لا يجوز الرجوع في الوقف إلّا أن يحدث .. إلى قوله: أنفع لهم من تركه على حاله- متأوّل» «1».

و لعلّه (1) من شدّة مخالفته للقواعد لم يرتض بظاهره للمفيد.

و قال في الانتصار- على ما حكي عنه-: «و ممّا انفردت الإماميّة به: القول بأنّ الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و أنّ أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم

______________________________

جواز الوقف و عدم لزومه بناء على دخل القبض في اللزوم، فليست هاتان الصورتان كالصور الثلاث المذكورة بعد القبض كما لا يخفى.

(1) أي: و لعلّ كونه متأوّلا هو مخالفته .. إلخ، و وجه مخالفته للقواعد ما عرفته من دخل القبض في اللزوم أو الصحة، و معه لا حاجة في جواز الرجوع إلى خروج الموقوف عليه عن قابلية المعونة شرعا. و لأجل هذا قال العلامة قدّس سرّه بلزوم تأويل كلام المفيد لئلّا ينافي القواعد المسلّمة.

و عليه فالعلّامة- كالشهيد- ادّعى ظهور عبارة المقنعة في جواز بيع الوقف في صور خمس، و لكنه في التحرير قال بعدم إرادة هذا الظاهر، و أنّه لا بدّ من توجيهه بأن يراد من الجواز في قول المفيد: «لا يجوز الرجوع فيها إلّا أن يحدث» هو الجواز بالمعنى الأخص أي الإباحة، فالمعنى: «أنه يكره الرجوع إلّا أن يحدث، فالرجوع مباح حينئذ، و ليس بمكروه».

و الداعي لهذا التوجيه هو أنّ فقاهة الشيخ المفيد و جلالة شأنه مانعتان عن الأخذ بظاهر كلامه من حرمة رجوع الواقف قبل القبض إلّا في صورتين، لأنّ جواز الرجوع قبل القبض من المسلّمات، و لا يتوقف على إحدى الصورتين.

فتحصّل: أن الشيخ المفيد قدّس سرّه يقول بجواز بيع الوقف المؤبّد في الجملة أي في ثلاث صور، و كذا في مورد اشتراط الواقف جواز بيعه في صيغة الوقف. و أمّا المنقطع فيرجع بعد انقراض الموقوف عليه إلى ورثته كما صرّح به.

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 1، ص 284

ص: 560

بيعه. و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة» (1) ثمّ احتجّ باتّفاق الإمامية، ثمّ ذكر (2) خلاف ابن الجنيد، و ردّه بكونه مسبوقا و ملحوقا بالإجماع، و أنّه «إنّما عوّل في ذلك على ظنون له (3)، و حسبان (4)، و أخبار شاذّة لا يلتفت إلى مثلها» انتهى (5).

ثمّ قال: «و أمّا إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا، أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدّة فقرهم، فالأحوط [1] ما ذكرناه: من جواز بيعه، لأنّه إنّما جعل لمنافعهم، فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض منه، و لم يبق منفعة فيه إلّا من الوجه الذي ذكرناه (6)» انتهى «1».

______________________________

(1) حاصل كلام السيد المرتضى قدّس سرّه: دعوى الإجماع على منع بيع الوقف الدائم، و جوازه في صورتين، و هما خراب الوقف، و الحاجة الشديدة إلى ثمنه. ثم تعرّض لرأي الإسكافي المانع من البيع مطلقا، و ردّه السيد بتوهين مستنده، و بمخالفته للإجماع.

(2) قال في الانتصار: «فإن قيل: فقد خالف أبو علي بن الجنيد في ما ذكرتموه، و ذكر: أنه لا يجوز للواقف أن يشترط لنفسه بيعه له على وجه من الوجوه. و كذلك في من هو وقف عليه: أنّه لا يجوز له أن يبيعه. قلنا: لا اعتبار بابن الجنيد، و قد تقدّمه إجماع الطائفة و تأخّر عنه أيضا، و إنّما عوّل» الى آخر ما في المتن.

(3) مع النهي عن متابعة الظن في الكتاب و السنة.

(4) المراد به الحدس المبتني على الاستحسان و الاعتبارات التي لا تفيد إلّا الظّن.

(5) لا حاجة إلى هذه الكلمة هنا، لبقاء بعض كلام السيد.

(6) و هو البيع و الانتفاع ببدله أو بثمنه.

______________________________

[1] لم يظهر وجه عدوله قدّس سرّه عن الفتوى إلى الاحتياط، مع قوله: «و مما انفردت الإمامية به .. إلخ» فلاحظ و تأمّل.

مع أنّ الأحوط بناء على الوجه الذي ذكرناه وجها للاحتياط ليس في بيعه، بل في إجارته سنين، و صرف أجرته في تعميره، لأنّ غرض الواقف تعلّق بالانتفاع به مع بقاء عينه، لا مطلق الانتفاع و لو ببدله.

______________________________

(1) الانتصار، ص 226 و 227

ص: 561

و قال في المبسوط: «و إنّما يملك (1) الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا، و هو:

أنّه (2) إذا خيف على الوقف الخراب، أو (3) كان بأربابه حاجة شديدة و لا يقدرون على القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه. و مع عدم ذلك (4) لا يجوز بيعه» انتهى «1»، ثمّ احتجّ (5) على ذلك بالأخبار.

و قال سلّار- في ما حكي عنه-: «و لا يخلو الحال (6) في الوقف و الموقوف

______________________________

(1) المراد به السلطنة على البيع أي جوازه شرعا. و المقصود استثناء صورتين من منع البيع، إحداهما: خوف الخراب، و ثانيتهما: الحاجة الشديدة إلى الثمن، و عجزهم عن القيام بشؤون الوقف.

و كلمة «الموقوف عليه» غير مذكورة في المبسوط، لذكرها في الجملة المعطوف عليها.

(2) لم تذكر هذه الكلمة في المبسوط، و لا حاجة إليها.

(3) المنقول يختلف عمّا في المبسوط، من «و كان» بدل «أو كان» و «أو لا يقدرون» بدل «و لا يقدرون».

(4) أي: و مع عدم الخراب- أو حاجة الموقوف عليهم حاجة شديدة- لا يجوز بيع الوقف.

(5) يعني: احتج شيخ الطائفة قدّس سرّه بالأخبار على منع بيع الوقف. و لكن هذه النسبة سهو من قلمه الشريف، إذ لم يستدلّ بالأخبار في المبسوط، و إنّما ورد في كتاب الخلاف- في جواز بيع الوقف إذا خرب- ما لفظه: «دليلنا: الأخبار المروية عن الأئمة» «2».

و كذا نقله صاحب الجواهر من الخلاف، ثم قال: «و احتجّ على ذلك بالأخبار» «3».

(6) حاصله: أنّه تارة: يتغيّر الموقوف عليه، كما إذا جعل داره أو ضيعته وقفا على أولاده الفقراء، فاستغنوا، أو ما داموا مقيمين في هذا البلد، فهاجروا عنه.

و اخرى: يتغيّر الوقف، كما إذا كانت دارا، فخربت، أو قلّ الانتفاع بها لجهة أخرى.

______________________________

(1) المبسوط، ج 3، ص 287

(2) الخلاف، ج 3، ص 551، المسألة 22 من كتاب الوقف.

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 362

ص: 562

عليهم: من أن يبقى و يبقوا على الحال التي وقف فيها، أو يتغيّر الحال.

فإن لم يتغيّر الحال (1) فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف و لا هبته و لا تغيير شي ء من أحواله. و إن تغيّر (2) الحال في الوقف حتّى لا ينتفع به على أيّ وجه كان، أو لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة، جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو أنفع لهم» انتهى «1».

و قال في الغنية- على ما حكي عنه-: «و يجوز عندنا بيع الوقف (3) للموقوف عليه إذا صار بحيث لا يجدي نفعا و خيف خرابه، أو كانت بأربابه حاجة شديدة دعتهم الضرورة إلى بيعه.

______________________________

و ثالثة: لم يتغير الوقف و لا الموقوف عليه، و لكن احتاج الموقوف عليه إلى صرف ثمنها في ما هو أنفع له.

و رابعة: لم يتغيّر الوقف و لا الموقوف عليه، و لا حاجة إلى ثمنها.

ففي الصورة الرابعة لا يجوز تغيير ما اشترطه الواقف، و لا التصرف المنافي للوقف من بيع أو هبة.

و في الثالثة جاز البيع لرفع الضرورة اللاحقة بالموقوف عليهم.

و في الثانية يجوز البيع أيضا. و لم يذكر في عبارة المراسم حكم تغيير الموقوف عليه، و لعلّه يعود إلى ورثة الواقف أو الموقوف عليه، على الخلاف في الوقف المنقطع.

(1) هذا إشارة إلى الصورة الرابعة المتقدمة آنفا.

(2) معطوف على «فإن لم يتغير» و هذا يتضمن صورتين يجوز فيهما البيع، إحداهما:

تغيير الوقف بالخراب، و ثانيتهما: الحاجة إلى ثمنه.

و الحاصل: أنّ الشيخ الديلمي قدّس سرّه قائل بجواز بيع الوقف في المؤبّد في الجملة، و لم يظهر منه حكم المنقطع.

(3) مورد كلام السيد هو الوقف المؤبّد، لما في المقابس من قوله: «و أمّا أبو المكارم فإنّه عدّ من شرائط الوقف أن يكون مؤبّدا غير منقطع» «2».

______________________________

(1) المراسم، ص 197، و الحاكي عنه هو المحقق الشوشتري، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 46، و صاحب الجواهر، ج 22، ص 362

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 47

ص: 563

بدليل (1) إجماع الطائفة. و لأنّ غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه، فإذا لم يبق له منفعة إلّا على الوجه الذي ذكرنا جاز» انتهى «1».

و قال في الوسيلة: «و لا يجوز بيعه- يعني الوقف- إلّا بأحد شرطين: الخوف من خرابه، أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكنه معها القيام به» انتهى «2».

و قال الراوندي في فقه القرآن- على ما حكي عنه-: «و إنّما يملك بيعه على وجه عندنا، و هو: إذا خيف على الوقف الخراب، أو كان بأربابه حاجة شديدة» «3» [انتهى].

و قال في الجامع- على ما حكي عنه: «فإن خيف خرابه، أو كان بهم حاجة شديدة، أو (2) خيف وقوع فتنة بينهم تستباح بها الأنفس، جاز بيعه» «4» انتهى.

و عن النزهة: «لا يجوز بيع الوقف إلّا أن يخاف هلاكه، أو تؤدّي المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم، أو يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، و يكون بيع

______________________________

(1) استدلّ السيد على جواز بيع الوقف المؤبّد بوجهين، أحدهما: الإجماع، و الآخر:

ملاحظة غرض الواقف من عود النفع إلى الموقوف عليهم، و من المعلوم أنّ عدم انتفاعهم بالعين يوجب الانتقال إلى البدل، تحقيقا لغرضه.

(2) زاد ابن سعيد الحلي قدّس سرّه في كتابيه على الصورتين المذكورتين في كلام من تقدّمه- من خوف الخراب و الحاجة إلى الثمن- صورة ثالثة، و هي المنازعة المؤدّية إلى ضرر عظيم، يعني: الفتنة التي تستباح بها الأنفس.

______________________________

(1) الغنية، ص 298، و الحاكي عنه صاحبا المقابس و الجواهر، فلاحظ: مقابس الأنوار، ص 47، و جواهر الكلام، ج 22، ص 362 و 363

(2) الوسيلة، ص 370

(3) فقه القرآن، ج 2، ص 293، و الحاكي عنه هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 255

(4) الجامع للشرائع، ص 372، و حكاه عنه و عن النزهة في الجواهر، ج 22، ص 363

ص: 564

الوقف أصلح لهم» «1».

و قال في الشرائع: «و لا يصحّ بيع الوقف ما لم يؤدّ بقاؤه إلى خرابه، لخلف بين أربابه، و يكون البيع أعود» «2».

و قال في كتاب الوقف: «و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه. و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه، بل كان البيع أنفع لهم، قيل:

يجوز بيعه، و الوجه المنع (1)» «3» انتهى.

و مثل عبارة الشرائع في كتابي البيع و الوقف عبارة القواعد «4» في الكتابين (2).

و قال في التحرير: «لا يجوز بيع الوقف بحال. و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف، و لم يجز بيعها. و لو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا».

ثمّ ذكر كلام ابن إدريس، و فتواه على المنع مطلقا، و تنزيله (3) قول بعض الأصحاب بالجواز على المنقطع، و نفيه الخلاف على المنع في المؤبّد.

______________________________

(1) فالمحقّق قدّس سرّه اقتصر على الاختلاف المؤدّي إلى خراب الوقف. و أمّا مجرد كون البيع أعود و أصلح بحال الموقوف عليه فلا يجوّز البيع، لعدم الدليل على الجواز. و مع الشك يستصحب المنع، بناء على إجمال دليل المنع، و عدم شموله لهذه الصورة، و إلّا فالمرجع عموم المنع، لكون الشك في التخصيص الزائد.

(2) قال صاحب المقابس بعد نقل عبارة وقف الشرائع: «و تبعه العلّامة في القواعد، و قال:- بدل: قيل .. إلخ- لم يجز بيعه أيضا على رأي» «5».

(3) معطوف على «كلام» و قوله: «على المنقطع» متعلق بالتنزيل المراد به الحمل و التوجيه.

______________________________

(1) نزهة الناظر، ص 74

(2) شرائع الإسلام، ج 2، ص 17، و فيه «فلا يصح» لتفريعه على اشتراط الطّلق.

(3) المصدر، ص 220، و حكاه في المقابس، ص 57

(4) قواعد الأحكام، ج 2، ص 23 و 395

(5) مقابس الأنوار، ص 57

ص: 565

ثمّ قال: «و لو قيل بجواز البيع إذا ذهب منافعه بالكلّية- كدار انهدمت و عادت مواتا، و لم يتمكّن من عمارتها- و يشترى بثمنه ما يكون وقفا، كان وجها» «1» انتهى.

و قال في بيع التحرير: «و لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا. و لو أدّى بقاؤه إلى خرابه جاز. و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين أربابه مع بقائه على الوقف» «2» انتهى.

و عن بيع الإرشاد (1) «لا يصحّ بيع الوقف إلّا أن يخرب، أو يؤدّي إلى الخلف بين أربابه على رأي» «3».

و عنه في باب الوقف: «لا يصحّ بيع الوقف (2)، إلّا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف [و] يخشى به الخراب» «4».

و قال في التذكرة في كتاب الوقف- على ما حكي عنه «5»-: «و الوجه أن يقال:

______________________________

(1) الحاكي لعبارتي الإرشاد هو صاحب المقابس، لكنه قدّس سرّه نقل «و يؤدّي إلى الخلف» بالعطف بالواو، كما في الإرشاد المطبوع، فلذا تصدى لتوجيهه، لمخالفته لرأي العلّامة في سائر كتبه و لرأي سائر الأصحاب، و لأنه لا مستند له، و استقرب كون «الواو» بمعنى «أو» لو لم تكن النسخة الأصلية بلفظ «أو» فراجع «6».

و يشهد لكون العاطف «الواو» كلام المحقق الثاني من قوله: «و في الإرشاد اعتبر الخراب و الخلف معا» «7».

(2) في المقابس: «لا يجوز بيعه» و في الإرشاد: «و لا يجوز بيع الوقف».

______________________________

(1) تحرير الأحكام، ج 1، ص 290

(2) تحرير الأحكام، ج 1، ص 165

(3) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 361

(4) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(5) الحاكي غير واحد، منهم صاحب المقابس، ص 57، و فيه: «و الوجه أنه يجوز بيعه مع خرابه» و ما في المتن موافق لما في الأصل: تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، س 16

(6) مقابس الأنوار، ص 57

(7) جامع المقاصد، ج 4، ص 97

ص: 566

يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكّن من عمارته، أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد» انتهى.

و قال في كتاب البيع: «لا يصحّ بيع الوقف، لنقص الملك فيه، إذ القصد منه التأبيد. نعم، لو كان بيعه أعود عليهم، لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه، أو ظهور فتنة بسببه جوّز أكثر علمائنا بيعه» «1» انتهى.

و قال في غاية المراد: «يجوز (1) بيعه في موضعين: خوف الفساد بالاختلاف، و إذا كان البيع أعود مع الحاجة» «2».

و قال في الدروس: «لا يجوز بيع الوقف إلّا إذا خيف من خرابه، أو خلف أربابه المؤدّي إلى فساده» «3».

و قال في اللمعة: «لو أدّى بقاؤه إلى خرابه لخلف أربابه، فالمشهور الجواز» «4» انتهى.

و قال في تلخيص الخلاف- على ما حكي عنه-: «إنّ لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعدّدة، أشهرها: جوازه إذا وقع بين أربابه خلف و فتنة، و خشي خرابه، و لا يمكن سدّ الفتنة بدون بيعه. و هو (2) قول الشيخين، و اختاره نجم الدين و العلّامة» «5» انتهى.

______________________________

(1) لم أقف على هذه العبارة في البيع و الوقف، و لكنّها محصّل كلامه في البيع، حيث إنّه قدّس سرّه نقل مكاتبة ابن مهزيار، الظاهرة في جواز البيع لخوف الفساد بالاختلاف، و رواية جعفر بن حيّان المتضمنة لكون البيع أعود مع الحاجة، ثم قال في آخر كلامه: «و الأجود العمل بما تضمّنه الحديثان السالفان أوّلا» أي: الاقتصار في جواز بيع الوقف على الموردين المذكورين في المتن.

(2) يعني: أن جواز بيع الوقف في مورد اختلاف الموقوف عليهم و خوف الفتنة من

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 10، ص 41

(2) غاية المراد، ج 2، ص 30 (ج 1، ص 465 الحجرية) و عبارة المتن منقولة في الجواهر، ج 22، ص 364

(3) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279

(4) اللمعة الدمشقية، ص 94

(5) تلخيص الخلاف للفاضل الصيمري، ج 2، ص 221، و حكاه عنه في الجواهر، ج 22، ص 365

ص: 567

و قال في التنقيح- على ما حكي عنه-: «إذا آل إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث لا ينتفع به أصلا، جاز بيعه» «1».

و عن تعليق الإرشاد: «يجوز بيعه إذا كان فساد يستباح فيه الأنفس» «2».

و عن إيضاح النافع: أنّه جوّز بيعه إذا اختلف أربابه اختلافا يخاف معه القتال، و نهب الأموال، و لم يندفع إلّا بالبيع. قال: «فلو أمكن زواله و لو بحاكم الجور لم يجز، و لا اعتبار بخشية الخراب و عدمه» انتهى.

و مثله كلامه المحكي عن تعليقه على الشرائع «3».

و قال في جامع المقاصد- بعد نسبة ما في عبارة القواعد (1) إلى موافقة الأكثر-: «إنّ المعتمد جواز بيعه في ثلاثة مواضع:

أحدها: إذا (2) خرب و اضمحلّ بحيث لا ينتفع به، كحصر [كحصير] المسجد إذا اندرست (3)، و جذوعه إذا انكسرت.

______________________________

بقائه على حاله و خشية الخراب هو قول الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي و المحقق و العلّامة قدّس سرّهم.

(1) من جواز بيع الوقف إن أدّى بقاؤه إلى خرابه، لخلف أربابه، و يكون البيع أعود.

و المراد به كما في جامع المقاصد اندفاع الخلف بالبيع، و إلّا فلا وجه لجوازه حينئذ.

(2) في جامع المقاصد: «ما إذا خرب» و كذا في ما بعده.

(3) في جامع المقاصد: «كحصر المسجد إذا رث، و جذعه إذا انكسرت».

______________________________

(1) التنقيح الرائع، ج 2، ص 330، و الحاكي عنه هو السيد العاملي، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و صاحب الجواهر، جواهر الكلام، ج 22، ص 365

(2) تعليق الإرشاد للمحقق الكركي، مخطوط، الورقة 220، و حكاه عنه في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و في المقابس، ص 58

(3) الحاكي عنهما هو السيد العاملي في مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و نسب ذلك إلى كتابيه في ج 9، ص 86، و إيضاح النافع و تعليقة الشرائع للفاضل القطيفي مخطوطان.

ص: 568

ثانيها: إذا حصل خلف بين أربابه يخاف منه تلف الأموال، و مستنده صحيحة علي بن مهزيار «1».

و يشترى بثمنه في الموضعين (1) ما يكون وقفا على وجه يندفع به الخلف، تحصيلا لمطلوب الواقف بحسب الإمكان، و يتولّى ذلك الناظر الخاصّ إن كان، و إلّا فالحاكم.

ثالثها: إذا لحق بالموقوف عليه (2) حاجة شديدة و لم يكن ما يكفيهم من غلّة و غيرها، لرواية «2» جعفر بن حنّان (3) عن الصادق عليه السّلام» «3» انتهى كلامه رفع مقامه.

و قال في الروضة: «و الأقوى في المسألة ما دلّ (4) عليه صحيحة (5) عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر الجواد عليه السّلام من جواز بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد.

و علّله عليه السّلام بأنّه (6)

______________________________

(1) في جامع المقاصد: «و يشترى في الموضعين بثمنه .. إلخ».

(2) في جامع المقاصد: «ما إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة».

(3) كذا في النسخ، و هو الموافق لما في الوسائل، و في الكافي «حيّان»، فما في جامع المقاصد من «حسّان» سهو من الناسخ. و سيأتي نقل الرواية في الصورة الرابعة، حيث استدلّ بها على جواز بيع الوقف لو كان ثمن الوقف أزيد نفعا من المنفعة الحاصلة تدريجا مدة وجود الموقوف عليه.

(4) كذا في النسخ، و في الروضة: «دلّت».

(5) سيأتي نقلها في الصورة العاشرة، و هي بيع الوقف من جهة استلزام بقائه فسادا يستباح به الأنفس.

(6) فيكون جواز البيع حينئذ للمزاحمة مع ما هو أهمّ من حرمة بيع الوقف،

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 305، الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف، ح 6

(2) المصدر، ص 306، ح 8

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و 98

ص: 569

ربّما جاء فيه (1) تلف الأموال و النفوس «1». و ظاهره (2) أنّ خوف أدائه إليهما و إلى (3) أحدهما ليس بشرط، بل هو مظنّة لذلك». قال (4) «و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه و إن احتاج إليه أرباب الوقف و لم تكفهم غلّته، أو كان أعود، أو غير ذلك ممّا قيل، لعدم دليل صالح عليه» «2» انتهى.

و نحوه (5) ما عن الكفاية «3».

______________________________

فيندرج في باب التزاحم، مع أهمية أحد المتزاحمين.

(1) أي: في الاختلاف، كما هو المنصوص.

(2) غرض الشهيد الثاني قدّس سرّه: أنّ المناط- في جواز بيع الوقف لأجل اختلاف أربابه- ليس العلم بترتب تلف الأموال و النفوس على الاختلاف أو الاطمئنان به، لندرة حصول هذا العلم، بل المدار في الجواز هو الظن بتأدية الاختلاف إلى التلف. بحيث يخشى من حصوله. فتعبير بعض ب «خوف الأداء إلى تلف الأموال و النفوس» الظاهر في العلم بوقوع التلف أو الاطمئنان به غير متّجه.

(3) كذا في نسخ الكتاب، و الصحيح كما في الروضة و كذا فيما حكاه عنه السيد العاملي: «أو إلى» فيكون المراد ب «إليهما» خوف أداء بقاء الوقف إلى تلف الأموال و النفوس معا، في قبال خوف أدائه إلى تلف أحدهما.

(4) يعني: قال الشهيد الثاني قدّس سرّه باختصاص جواز البيع بظنّ التلف المترتب على الاختلاف، خلافا لمن جوّز بيع الوقف في حاجة أرباب الوقف إلى الثمن، أو كان بيعه أنفع لهم من بقائه و الانتفاع بغلّته.

(5) أي: و نحو ما في الروضة- من الاقتصار في جواز بيع الوقف على ظنّ التلف بسبب اختلاف أرباب الوقف- ما حكي عن الفاضل السبزواري قدّس سرّه. و الحاكي هو السيد العاملي و المحقق الشوشتري، قال في الكفاية: «و المذكور في كلام الامام مجرّد

______________________________

(1) تقدم مصدرها آنفا.

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 255

(3) كفاية الأحكام، ص 142، مفتاح الكرامة، ج 4، ص 256، و مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 58

ص: 570

هذه جملة من كلماتهم المرئيّة، أو المحكيّة.

و الظاهر (1) أنّ المراد بتأدية بقاء الوقف إلى خرابه: حصول الظّنّ بذلك،

______________________________

الاختلاف، فلعلّ الوجه العمل به».

لكن في النسبة تأمّلا، لأنّ هذه الجملة أوردها الفاضل في ردّ من قال من الأصحاب بإناطة جواز البيع بأمرين، أحدهما: حصول الاختلاف، و الآخر خوف الخراب.

و أمّا جواز بيع الوقف في مورد الحاجة، أو كون البيع أنفع بحال الموقوف عليهم فلم ينكره الفاضل السبزواري، بل ظاهره اختياره له، لقوله: «و لو لم يقع خلف و كان البيع أنفع لهم، قيل: يجوز بيعه، و قيل: لا، و الذي وصل إليّ في هذا الباب صحيحة علي ابن مهزيار ..» ثم ذكر نصوصا اخرى. و لم يتأمّل فيها دلالة أو سندا.

و المتحصل: أنّ الجزم باتحاد رأي الشهيد الثاني و الفاضل السبزواري قدّس سرّهما مشكل، فراجع الكفاية متدبّرا فيها.

(1) هذا الاستظهار موافق لعبارة الروضة المتقدمة من أنّ المراد بالتأدية هو الظن بذلك، غايته أنّ مورد كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه هو الظن بتلف الأموال و النفوس المترتب على بقاء الوقف الذي اختلف أربابه فيه. و مورد كلام المصنف هو الظن بخراب العين الموقوفة.

و مقصوده توجيه كلمات القوم المتقدمة، لتعبير بعضهم ب «الخراب» كما في المقنعة و الانتصار و بيع الإرشاد و وقف التذكرة. و بعضهم ب «خوف الخراب» كما في المبسوط و الغنية و الوسيلة و جامع الشرائع و النزهة و الدروس و جامع المقاصد. و بعضهم ب «بتأدية البقاء إلى الخراب» كما في بيع التحرير. و بعضهم ب «يخشى خرابه» كما في الشرائع و إيضاح النافع «1».

فالمراد بالخراب و التأدية إليه و خوفه و خشيته أمر واحد، و هو حصول الظن بالخراب. و يشهد لوحدة مفاد هذه التعابير- و عدم كون النزاع معنويا- تعبير فقيه واحد في كتاب تارة بتأدية البقاء إلى الخراب كما في بيع الشرائع و القواعد، و اخرى ب «يخشى خرابه» كما في وقفهما.

______________________________

(1) تقدمت مصادر الأقوال في ص 556- 568 فراجع.

ص: 571

الموجب لصدق الخوف، لا التأدية على وجه القطع، فيكون (1) عنوان «التأدية» في بعض تلك العبارات متّحدا مع عنوان «خوفها» و «خشيتها» في بعضها الآخر [1].

و لذلك (2) [2] عبّر فقيه واحد تارة بهذا، و اخرى بذاك كما اتّفق للفاضلين، و الشهيد. و نسب بعضهم عنوان «الخوف» إلى الأكثر كالعلّامة في التذكرة (3)، و إلى «الأشهر» كما عن إيضاح النافع، و آخر (4) عنوان «التأدية» إلى الأكثر كجامع المقاصد، أو إلى «المشهور» كاللمعة.

فظهر من ذلك (5) أنّ جواز البيع بظنّ تأدية بقائه إلى خرابه ممّا تحقّقت فيه الشهرة بين المجوّزين، لكن المتيقّن من فتوى المشهور: ما كان من أجل اختلاف أربابه (6).

______________________________

(1) هذا متفرّع على كون المراد بالتأدية إلى الخراب و خوفه و خشيته واحدا، و هو المظنون، لا التأدية الواقعية المعلومة بالوجدان.

(2) أي: و لاتّحاد العناوين الثلاثة عبّر فقيه واحد .. إلخ. فالشهيد في الدروس عبّر بخوف الخراب، و في اللمعة بتأدية بقائه إلى الخراب «1».

(3) حيث قال: «نعم لو كان بيعه أعود .. و خشي تلفه .. جوّز أكثر علمائنا بيعه».

(4) معطوف على «بعضهم» أي: نسب آخر عنوان التأدية .. إلخ.

(5) أي: من كون العناوين المذكورة متحدة معنى.

(6) لا ما كان لأجل تأدية بقاء الوقف إلى الخراب، فإنّ جواز بيعه مختلف فيه.

______________________________

[1] مقتضى الجمع العرفي كون الخوف طريقا إلى الموضوع، لا أن يكون بنفسه موضوعا.

[2] هذا لا يشهد بإرادة فقيه واحد ذلك، لإمكان عدوله عمّا ذكره أوّلا. و على تقدير الشهادة يكون شاهدا على وحدة المراد من عبارتي هذا الفقيه، لا وحدة المراد من عبارة النصّ، بل مرجعه إلى استظهار الوحدة من النصّ، و من المعلوم عدم حجية هذا الاستظهار لغيره.

______________________________

(1) مخطوط، و لم نقف عليه و لا على من حكاه عنه. نعم حكى صاحب الجواهر كون جواز البيع أشهر عن كتاب تلخيص الخلاف، و هو للصيمري لا للقطيفي، فراجع جواهر الكلام، ج 22، ص 365

ص: 572

اللهم إلّا أن يستظهر من كلماتهم- إ- كون الاختلاف من باب المقدّمة، و أنّ الغاية (1) المجوّزة هي مظنّة الخراب.

[أقسام الوقف]
اشارة

إذا عرفت (2) ما ذكرنا، فيقع الكلام تارة في الوقف المؤبّد (3)، و اخرى في المنقطع.

أمّا الأوّل، فالّذي ينبغي أن يقال فيه:

[أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم]

إنّ الوقف على قسمين: أحدهما: ما يكون ملكا للموقوف عليهم (4)، فيملكون منفعته، فلهم استيجاره،

______________________________

(1) يعني: كما يستظهر من النص- كصحيحة ابن مهزيار- أنّ الغاية المجوّزة للبيع هي ظنّ الخراب، سواء أ كان منشؤه اختلاف الموقوف عليهم، أو فقدهم و عدم وجود عامر للموقوفة. هذا تمام الكلام في الأقوال الثلاثة في المسألة و أربابها.

(2) أقسام الوقف بعد الفراغ من بيان الأقوال الثلاثة في بيع الوقف، تصدّى المصنف قدّس سرّه لبيان مختاره في المسألة، بذكر أقسام الوقف، و أنّ مورد المنع و الجواز أيّ واحد منها.

و محصله: أنّ للوقف أقساما ثلاثة، لأنّه إمّا منقطع و إمّا مؤبّد. و المؤبّد إمّا أن ينشأ فيه فكّ الملك و تحريره كالمسجد، لا جعله ملكا لشخص أو جهة، و إمّا أن ينشأ فيه تمليك العين لجماعة طبقة بعد طبقة كالأولاد ما تعاقبوا.

أمّا القسم الأوّل- و هو المنقطع- فسيأتي الكلام فيه بعد بيان حكم المؤبّد و الصور المستثناة من منع بيعه.

و أمّا القسم الثاني فلا يصح بيعه، لانتفاء شرط الملك في المبيع.

و أما الثالث فهو محلّ البحث في بيع الوقف منعا أصالة، و جوازا بالعرض، و سيأتي.

(3) تقدم الفرق بين المنقطع و المؤبّد في مطاوي الأقوال، فلا حاجة إلى الإعادة.

(4) و هو الوقف الخاص، فهو ملك للموقوف عليهم، و كذلك المنفعة تكون ملكا لهم بالتبع، و يتفرع على تملك المنفعة أمران:

أحدهما: جواز إجازة العين الموقوفة، فتدخل الأجرة في ملك الموقوف عليهم.

ثانيهما: تملك اجرة المثل لو انتفع بها من ليس من الموقوف عليهم إن كان انتفاعه بها بغير رضاهم.

ص: 573

و أخذ أجرته ممّن انتفع به بغير حقّ (1).

[و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد]

و الثاني: ما لا يكون ملكا لأحد (2)، بل يكون فكّ ملك نظير التحرير، كما في المساجد (3) و المدارس و الرّبط، بناء (4) على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين،

______________________________

(1) يعني: أنّ الانتفاع به بغير حقّ يوجب الضمان الذي هو كاشف عن الملكية، و إلّا لم يكن ضمان، كما في التصرف في المساجد و نحوها من الأوقاف التي تكون من التحرير.

(2) يعني: كما أنّ تحرير العبد و الأمة فكّ رقبتهما عن طوق الرقية و المملوكية، فكذلك وقف المسجد معناه تحرير العرصة و البناء عن إضافتهما إلى المالك، و عدم انتقال الإضافة إلى غيره، فالمصلّون و العابدون في المساجد غير مالكين للعين و لا للمنفعة، بل لهم حقّ الانتفاع بالصلاة و العبادة فيه. و كذلك الحال في المشاعر المشرّفة.

(3) الظاهر أنّ الخروج عن ملك الواقف و عدم دخوله في ملك غيره مجمع عليه في المسجد. قال العلامة قدّس سرّه: «أمّا إذا جعل البقعة مسجدا أو مقبرة فهو فكّ عن الملك كتحرير الرقيق، فتنقطع عنه اختصاصات الآدميين» «1».

و قال المحقق الشوشتري قدّس سرّه: «ان كل وقف عامّ كان الغرض من وقفه تمليك الانتفاع للموقوف عليهم- دون العين أو منافعها- فلا يصحّ بيعه ما دام وقفا بوجه من الوجوه. و قد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد .. و كذلك المشهد و المقابر المبنية إذا خربت، و المدارس و الخانات و القناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة، و الكتب الموقوفة على المنتفعين، و العبد المحبوس على خدمة الكعبة و نحوها، و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة، و البواري الموضوعة لصلاة المصلّين، و غير ذلك ممّا قصد بوقفه الانتفاع العام لجميع الناس أو للمسلمين و نحوهم من غير المحصورين، لا تحصيل المنافع بالإجارة ..» «2».

(4) الظاهر أنّه قيد للمدارس و الرّبط، لا للمساجد، قال المحقق الثاني قدّس سرّه: «و يمكن أن يكون إفراد المصنف المسجد بحكم ليس لأنّ الملك فيه ليس على نهج ما اختاره في الوقف على الجهات العامة، لأنّ كلّا منهما الملك فيه للّه تعالى. بل لأنّ حكم المسجد و المقبرة متفق عليه. و أمّا الحكم في الجهات العامة فمختلف فيه» «3».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 440، س 17

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63 و 64

(3) جامع المقاصد، ج 9، ص 65

ص: 574

كما هو (1) مذهب جماعة «1»، فإنّ (2) الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل [1].

______________________________

(1) أي: كما أنّ عدم دخول المدارس و الرّبط في ملك المسلمين مذهب جماعة.

(2) تعليل لعدم دخول القسم الثاني من الوقف في ملك أحد عينا و منفعة، و إنّما يحلّ للموقوف عليه الانتفاع، كالمستعير المتسلط على الانتفاع، و ليس مالكا للمنفعة، فالموقوف عليه يجوز له السكنى في المدرسة و النزول في الخان الموقوف على عنوان «الزائر» لمشاهدهم عليهم الصلاة و السلام، و العبور على القنطرة. و الثمرة المترتبة على ملك الانتفاع دون المنفعة عدم ضمان المتصرف غير المستحق للانتفاع، هذا.

______________________________

[1] صريح العبارة انقسام الوقف المؤبد إلى قسمين، أحدهما تمليكي، و الآخر تحريري كما في المسجد و ما الحق به.

لكن سيأتي في كلامه وجود قسم ثالث، و هو ما يكون وقفا على المسجد، و أنّ منافعه ملك طلق للمسلمين و إن لم تكن الرقبة ملكا لهم، لوضوح عدم انطباق ضابط القسمين المذكورين عليه.

بل ربما ينافي هذا التقسيم الثنائي ما نسبه بعض الأجلة «2» إلى المصنف في كتاب الوقف من تثليث الأقسام، و هو ما لا يكون وقف منفعة و لا انتفاع، و جعل منه المسجد.

و فرّق بينه و بين وقف الانتفاع- كما في القناطر و الرّبط و الخانات- بأنّ الانتفاع في هذه مدخول «لام» العاقبة إذ يقال: «وقفته لأن يسكن فيه أو ليمرّ عليه أو ليصلّي فيه».

و هذا بخلاف الانتفاع بالمسجد بالعبادة، فإنّه من الفوائد المترتبة عليه، و لذا لا يقال في وقف المسجد: وقفته ليصلّي فيه» بل يقال: «وقفته مسجدا» فالغاية نفس المسجدية،

______________________________

(1) منهم العلامة في التذكرة كما سبق، و في قواعد الأحكام، ج 2، ص 394، و فخر المحققين في إيضاح الفوائد، ج 2، ص 391، و الشهيد في الدروس، ج 2، ص 272، و الفاضل المقداد في التنقيح الرائع، ج 2، ص 311، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، ج 9، ص 62 و 65، و الشهيد الثاني في المسالك، ج 5، ص 377 و لاحظ تفصيل الأقوال في مفتاح الكرامة، ج 9، ص 79، 80

(2) و هو العلامة السيد أبو القاسم الاشكوري في تعليقته على الكتاب المسماة ببغية الطالب، ج 1، ص 154

ص: 575

و الظاهر أنّ محلّ الكلام في بيع الوقف (1) إنّما هو القسم الأوّل. و أمّا الثاني فالظاهر عدم الخلاف في عدم جواز بيعه، لعدم الملك.

و بالجملة: فكلامهم هنا (2) فيما كان ملكا غير طلق، لا فيما لم يكن ملكا.

______________________________

(1) يعني: ما تقدم من الأقوال في حكم بيع الوقف- لو أدّى بقاؤه أو خلف أربابه إلى الخراب- يكون موردها الوقف الخاص الذي هو ملك للموقوف عليهم. و أمّا الوقف التحريري فلا ريب في عدم جواز بيعه، لانتفاء شرط البيع، و هو الملك، إذ ليس هو ملكا لشخص معيّن، و لا لأشخاص معيّنين، و لا لعنوان كلّي، و لا لجهة معيّنة.

(2) أي: في باب البيع، إذ المفروض تفريع عدم جواز بيع الوقف على اعتبار الطلقية، مضافا إلى اعتبار الملكية، و من المعلوم أنّ صحة هذا التفريع منوطة بانتفاء الطلقية و بقاء الملكية، و إلّا يكون عدم جواز بيع الوقف متفرعا على اعتبار الملكية.

ثمّ إنّ ما أفاده المصنف- من هنا إلى بيان صور جواز بيع الوقف- يرتبط بأحكام المسجد الذي عرض عليه الخراب من حيث البيع و الإجارة جوازا و منعا، و قد عقد الكلام في مواضع ثلاثة:

______________________________

لكون موضوع الآثار الشرعية- من فضل العبادة فيه و حرمة تنجيسه و نحوهما- نفس عنوان «المسجد» و لذا لا يصح تخصيص وقف المسجد ببعض دون بعض، مع صحة تخصيص فائدة القنطرة- و هي المرور- بجماعة كالمسلمين أو الزوّار أو أهل بلد معيّن.

و لعلّ قوله في المتن: «بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين» إشارة إلى شبهة الفرق بين المسجد و ما عداه من الأوقاف العامة، و إن كان سكوته عن إلحاق جماعة المدارس و الرّبط و القناطر بالمسجد مؤذن بل ظاهر في الالتزام به، و لذا فرّع عليه عدم ضمان من سكن المدرسة ظلما.

و كيف كان فالظاهر أنّ للوقف بحسب لحاظ الواقف و ما يترتب عليه شرعا من ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع أو غير ذلك أقساما. هذا في ما قصد عود منافع الوقف إلى موقوف عليه من شخص أو عنوان أو جهة. و قد يكون المقصود إيجاد عنوان و حبس العين عليه من دون لحاظ موقوف عليه، ليتملّك العين أو المنفعة أو الانتفاع كما في المساجد و المشاهد المقدسة.

ص: 576

و حينئذ (1) فلو خرب المسجد و خربت القرية (2) و انقطعت المارّة عن الطريق الذي فيه المسجد (3)، لم يجز (4) بيعه و صرف ثمنه في إحداث مسجد آخر، أو تعميره.

و الظاهر عدم الخلاف في ذلك كما اعترف به (5) غير واحد.

______________________________

الأوّل: في أرضه بعد خراب البناء.

و الثاني: في ما يوقف للمسجد لانتفاع المصلّين من الحصر و البواري، و الفرش، و الوسائد، و آنية الماء و نحوها.

الثالث: في أجزاء المسجد كالآجر و الجذع و الأخشاب الموضوعة في البناء، و نحوها.

و الكلام فعلا في الموضع الأوّل، و هو حكم بيع أرض المسجد و المشهد و نحوهما من الأوقاف العامة. و اختار قدّس سرّه عدم جواز بيعها و إجارتها، خلافا لما يظهر من الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدّس سرّه، و سيأتي.

(1) أي: و حين كون محلّ الكلام هنا هو الملك غير الطلق، لا عدم الملك رأسا، فيتفرّع عليه فساد بيع المسجد لو خرب.

(2) التي فيها مسجد، فالمقصود خراب المجموع.

(3) بأن تغيّرت طريق السفر، فبقي المسجد في الطريق الاولى عديم الفائدة، إذ لا مارّ به حتى يصلّي فيه.

(4) جواب «فلو خرب».

(5) أي: بعدم الخلاف في منع بيع المسجد الخراب، و المعترف جماعة كالسيد العاملي و المحقق الشوشتري و السيد المجاهد و صاحب الجواهر قدّس سرّهم «1». ففي مفتاح الكرامة:

«بلا خلاف من أحد إلّا من أحمد» و في المقابس: «و قد أجمع الأصحاب على ذلك في المسجد، و قالوا: بأنه إذا خرب لم يخرج عن كونه وقفا إذا لم تكن أرضه من الأراضي الخراجية، أو بقيت آثار المسجد ..».

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 100، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63، المناهل، ص 508، جواهر الكلام، ج 28، ص 107

ص: 577

نعم (1)، ذكر بعض الأساطين- بعد ما ذكر أنّه لا يصحّ بيع الوقف العامّ، لا لعدم تمامية الملك، بل لعدم أصل الملك، لرجوعها إلى اللّه، و دخولها في مشاعره- أنّه (2) مع اليأس عن الانتفاع به

______________________________

(1) استدراك على عموم منع التصرفات في الأوقاف العامة من البيع و الصلح و الهبة و الإجارة، و غرضه استثناء إجارة الأوقاف العامة من أنحاء التصرفات الممنوعة، كما ذهب إليه الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه في شرح القواعد- عند اليأس من الانتفاع في الجهة المقصودة- من التفصيل بين العرصة بجواز إجارتها بشرطين سيأتي بيانهما، و بين آلات الموقوفة.

و أفاد نحو هذا بالنسبة إلى أرض الموقوفة في باب الوقف من كشف الغطاء، فقال:

«ان جميع الأوقاف العامة من مساجد و مدارس و مقابر و ربط و نحوها إذا خربت و تعطّلت جاز للحاكم إيجارها لوضع آخر، مع ضبط الحجج و الإشهاد، و لئلّا يغلب وضعها على أصلها «1».

(2) الجملة منصوبة محلّا على المفعولية ل «ذكر بعض الأساطين» و توضيح كلام الشيخ الكبير هو: أنّ الوقف العام كالمسجد و المشهد و المقبرة لا يجوز بيعه، لانتفاء الملك كما تقدم من كون الوقف في هذا القسم فكّ الملك و تحريره، و لكن يمكن الانتفاع به بعد الخراب، بأن توجر الأرض لزراعة و شبهها بشرطين:

أحدهما: رعاية الآداب اللازمة المختصة بتلك الموقوفة إن كانت مسجدا، كعدم تلويث العرصة، و مكث من يحرم المكث فيه، و نحوهما.

و ثانيهما: إحكام السّجلّات، و المقصود كتابة وثيقة على كونها مسجدا، و الإشهاد حين الإجارة على ذلك، حذرا من نسيان ذلك مرّ الأيام، فيقضى بكونها ملكا للمستأجر أو لورثته بمقتضى اليد التي هي أمارة الملكية.

فإن تحققت الإجارة، فإمّا أن يوجد وقف مماثل، و إما أن لا يوجد المماثل.

فإن وجد لزم صرف الأجرة فيه، كما إذا كانت الموقوفة المستأجرة مسجدا، فيجب صرف الأجرة في مسجد آخر إن كان، مع رعاية أمور ثلاثة:

______________________________

(1) كشف الغطاء، كتاب العبادات الداخلة في العقود، الباب الأوّل، البحث الثالث عشر، الأمر الأربعون (الحجرية).

ص: 578

في الجهة المقصودة (1) تؤجر للزراعة و نحوها (2)، مع المحافظة على الآداب اللّازمة لها إن كانت مسجدا مثلا، و إحكام (3) السّجلّات، لئلّا يغلب اليد فيقضى بالملك.

و تصرف (4) فائدتها فيما يماثلها من الأوقاف

______________________________

أوّلها: كونه أقرب إلى مصرف الوقف، فلو تعدّدت المساجد و كانت حاجتها إلى الأجرة المزبورة على السواء لم يجز صرفها في ما عدا الأقرب.

و ثانيها: كونه أشد حاجة، فلو تساوى مسجدان في القرب إلى المصرف، لزم صرف الأجرة في الأحوج منهما إليها.

و ثالثها: كونه أفضل ممّا عداه، فلو تساوى مسجدان في القرب و الحاجة، و لكن كان أحدهما أفضل من الآخر- لكونه مسجدا جامعا و الآخر مسجدا للسوق أو للقبيلة- تعيّن صرف الأجرة في الجامع.

و لو تعارض القرب و الحاجة، أو تعارض الحاجة و الفضيلة، أو تعارض القرب و الفضيلة، قدّم الراجح كما سيأتي توضيحه.

و لو كانت الموقوفة المستأجرة مقبرة درست آثارها لزم صرف الأجرة في مقبرة أخرى مع رعاية الأقرب و الأحوج و الأفضل.

و إن فقد المماثل- كما إذا خرب مسجد القرية و لم يكن فيها مسجد آخر- لزم صرف الأجرة في موقوفة اخرى كالمقبرة و الحسينية و المشهد. فإن تعذّر صرف الأجرة في ذلك صرفت في مصالح المسلمين كبناء جسر أو قنطرة مما ينتفع به الجميع.

هذا كله بالنسبة إلى إيجار العرصة التي كانت مسجدا أو مقبرة. و أما الآلات فسيأتي كلام الشيخ الفقيه كاشف الغطاء قدّس سرّه فيها.

(1) و هي الصلاة في المسجد، و الدفن في المقبرة، و إقامة مجالس العزاء و تعظيم شعائر اللّه في الحسينيات، و نزول الحجاج و المسافرين في الخانات، و هكذا.

(2) كإجارته لدوس الزرع، أو دقّ الأرز، أو تشييد مصنع فيه، كلّ ذلك مع رعاية الآداب الشرعية.

(3) معطوف على «المحافظة» و هذا إشارة إلى الشرط الثاني المتقدم بقولنا: «ثانيهما إحكام السّجلات ..».

(4) معطوف على «تؤجر» يعني: بعد تحقق الإجارة- بشرطيها- يجب صرف الأجرة

ص: 579

مقدّما للأقرب و الأحوج (1) و الأفضل احتياطا. و مع التعارض (2) فالمدار على الراجح. و إن تعذّر (3) صرف إلى غير المماثل كذلك. فإن تعذّر (4) صرف في مصالح المسلمين.

و أمّا غير الأرض (5) من الآلات و الفرش و الحيوانات و ثياب الضرائح

______________________________

في الوقف المماثل إن كان.

(1) يعني: يشترط في صرف الأجرة في المماثل تقديم الأقرب، و الأحوج إلى الأجرة، و الأفضل على سائر المساجد. و هذا التقديم مبني على الاحتياط.

(2) يعني: و مع تعارض كلّ من الثلاثة بعضها مع بعض قدّم الراجح، و لهذا التعارض صور:

الاولى: أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى مصرف الوقف، و الآخر أحوج إلى الأجرة و إن كان أبعد من حيث المصرف.

الثانية: أن يكون أحد المسجدين أحوج، و الآخر أفضل.

الثالثة: أن يكون أحد المسجدين أقرب إلى المصرف و الآخر أفضل.

و حكم هذه الصور ملاحظة الراجح، بأن كانت الأحوجية في إحدى المساجد غالبة على مقدار ما في ثانيها من الأقربية، و في ثالثها من الأفضلية.

و مقتضى تقدم الأحوج أنّه مع التساوي في الحاجة يتخير في صرف أجرة أرض المسجد في أيّ واحد من المساجد الثلاثة المفروضة في كلامه من كون بعضها أقرب و بعضها أحوج و بعضها أفضل.

(3) أي: و إن تعذّر صرف الأجرة في المماثل- و هو المسجد- صرف في موقوفة أخرى كالمشهد و الحسينية و المدرسة مع تقديم الأقرب و الأحوج و الأفضل على غيره كما روعي التقديم في نفس المساجد أيضا.

(4) أي: فإن تعذّر صرف الأجرة في غير المماثل تعيّن صرفه في المصالح العامة.

هذا كله حكم الأرض الموقوفة مسجدا أو مقبرة و نحوهما ممّا يكون حقيقته فكّ الملك. و سيأتي الكلام في حكم ما يتعلّق بها من آلات و أثاث.

(5) توضيح ما أفاده الشيخ الكبير قدّس سرّه في حكم آلات الوقف- كالجذع الباقي بعد

ص: 580

و نحوها، فإن بقيت على حالها و أمكن الانتفاع بها في خصوص المحلّ الذي أعدّت له، كانت (1) على حالها، و إلّا (2) جعلت في المماثل، و إلّا (3) ففي غيره، و إلّا (4) ففي المصالح، على نحو ما مرّ (5).

______________________________

انهدام بناء المسجد، أو البساط و الفرش الموضوعين فيه، و الحيوان الذي ينتفع به أو بأجرته، و ثياب الضرائح المشرفة إذا استغني عنها و نحو ذلك- هو: أنّ الانتفاع بها باقية على حالها إمّا أن يكون ممكنا، و إمّا متعذرا. فإن أمكن الانتفاع بنفس أعيانها فله صور:

الأولى: الانتفاع بها في المحلّ الّذي أعدّت له، و يجب إبقاؤها فيه لينتفع بها في الجهة المقصودة، كافتراش البساط الموقوف في مسجد انهدم.

الثانية: الانتفاع بأعيانها في مكان آخر مماثل لما أعدّت له، كوضع الفرش في مسجد آخر، أو جعل ثوب ضريح ثوبا لضريح آخر، و يجب النقل مع مراعاة الأمور الثلاثة، و هي كون المنتقل إليه أقرب و أحوج و أفضل.

________________________________________

الثالثة: الانتفاع بأعيانها في مكان آخر غير مماثل، كافتراش بساط المسجد في مشهد أو حسينية، و يجب النقل مع مراعاة المراتب الثلاثة المتقدمة.

الرابعة: الانتفاع بأعيانها في مصالح المسلمين العامّة بعد تعذر الانتفاع بها في الصور الثلاث المتقدمة، و هي الاستفادة منها في موضعها المعدّ لها أوّلا، و كذا في المماثل، و في غير المماثل.

و إن تعذّر الانتفاع بالآلات و الأثاث فسيأتي.

(1) جواب «فإن بقيت» يعني: وجب إبقاؤها في المحلّ الذي أعدّت له، و هذا إشارة إلى الصورة الأولى.

(2) أي: و إن امتنع الانتفاع بها في المحلّ الذي أعدّت له جعلت في المماثل، كما تقدم في الصورة الثانية.

(3) أي: و إن امتنع جعلها في المماثل وجب جعلها في غير المماثل، كما تقدّم في الصورة الثالثة.

(4) أي: و إن امتنع جعلها في غير المماثل و الانتفاع بأعيانها لزم صرفها في مصالح المسلمين. كما تقدم في الصورة الرابعة.

(5) يعني: مع ما مرّ- في صرف أجرة الأرض- من تقدم الأقرب و الأحوج و الأفضل.

ص: 581

و إن تعذّر (1) الانتفاع بها باقية على حالها بالوجه المقصود منها أو ما قام مقامه، أشبهت (2) الملك بعد إعراض المالك، فيقوم فيها احتمال الرجوع (3) إلى حكم الإباحة، و العود (4) ملكا للمسلمين ليصرف في مصالحهم، و العود (5) إلى المالك.

و مع اليأس عن معرفته تدخل في مجهول المالك.

و يحتمل (6) بقاؤه على الوقف و يباع، احترازا عن التلف و الضرر، و لزوم

______________________________

(1) معطوف على «أمكن الانتفاع بها» يعني: لو بقيت آلات الوقف و لم تضمحلّ، و لكن تعذّر الانتفاع بأعيانها- من آلات و أثاث- مطلقا سواء في نفس الجهة المقصودة، أو في ما يقوم مقامها من الصرف في المصالح العامة، جرى في حكمها احتمالات:

الأوّل: تكون كالمباحات الأصلية، تملك بالحيازة.

الثاني: تصير ملكا للمسلمين، و تصرف في مصالحهم.

الثالث: تعود إلى ملك الواقف، فإن عرف شخصه أو وارثه فهو، و إن لم يعرف كانت من مجهول المالك، يتصدّق به.

الرابع: تبقى وقفا، كما أن أرض المسجد لم تخرج عن الوقفية بطروء الخراب، فتباع الآلات، و يصرف ثمنها في المماثل مقدّما للأقرب فالأحوج فالأفضل.

و إن لم يوجد المماثل صرف في غير المماثل مع رعاية الأمور الثلاثة. و إن لم يوجد ففي مصالح المسلمين.

(2) جواب الشرط في «و إن تعذّر».

(3) هذا هو الاحتمال الأوّل، فكما أنّ إعراض المالك يجعل ماله كالمباحات الأصلية، فيتملّكه الحائر له، فكذا آلات الوقف بعد سقوطها عن الانتفاع بها تصير من المباح.

(4) معطوف على «الرجوع» و هذا ثاني الاحتمالات، و لعلّه أقرب إلى مقصود الواقف.

(5) معطوف على «الرجوع» و هذا هو الاحتمال الثالث، و قد تقدم توضيحه.

(6) معطوف على «فيقوم» و هذا في قبال الاحتمالات الثلاث المتقدمة المبنية على بطلان الوقف. و الوجه في وجوب البيع هو الجمع بين دليلين.

أحدهما: الاحتراز عن ضياع المال و تلفه، الموجب لتضرر المسلمين.

ص: 582

الحرج، و تصرف (1) مرتّبا على النحو السابق. و هذا (2) هو الأقوى، كما صرّح به بعضهم «1»» «2» انتهى.

و فيه: أنّ إجارة الأرض (3)

______________________________

و ثانيهما: لزوم الحرج على المتولّي من إبقاء هذه الآلات على حالها مع عدم الانتفاع بأعيانها مطلقا، لا في محلها الأوّل و لا في محلّ آخر.

(1) معطوف على «يباع».

(2) أي: احتمال بقاء الآلات على الوقف- و وجوب بيعها و صرف ثمنها في المماثل، ثم في غيره، ثم في المصالح العامة، مع رعاية الترتيب في الكل- هو الأقوى.

هذا تمام ما أفاده الشيخ الكبير، و سيأتي إيراد المصنف عليه.

(3) ناقش المصنف قدّس سرّه في كلام بعض الأساطين- من إجارة أرض موقوفة طرأ عليها الخراب كالمسجد المنهدم، و بيع الآلات- بما حاصله: أنّه لا ريب في إناطة البيع و الإجارة بالملك. و ليس المراد به خصوص الملك المعيّن و المشاع، بل يعمّ ما إذا لم يتملك العين أصلا، و لكن يصرف منفعته و ما يعود منه في مصلحة المالك، كما هو الحال في مالكية المسلمين للأراضي المفتوحة عنوة، إذ ليست هي ملكا مشاعا لآحادهم كي تتعيّن حصصهم بالتقسيم و الإفراز، و إنّما تصرف منافعها فيما يصلح لهم بإذن الولي و هو الحاكم الشرعي.

و حيث إنّ الكلام في الأوقاف العامة التي حقيقتها تحرير الملك- أي خروجها عن ملك الواقف، و عدم دليل على دخولها في ملك المسلمين- فجواز بيعها و إجارتها منوط بدليل خاص عليه، و المفروض عدمه. و لو شكّ فمقتضى الاستصحاب عدم دخولها في ملك الموقوف عليهم. و بانتفاء الملك لا وجه لصحة البيع و الإجارة. نعم القدر المتيقن من دليل الوقف إباحة انتفاع المسلمين بالأوقاف العامة في الجهة المقصودة، لا غير. و من المعلوم عدم اقتضاء حلية الانتفاع الخاص لجواز بيعها و إجارتها المتوقفين على الملك.

فالنتيجة: أنّ ما أفاده الشيخ الكبير قدّس سرّه- من جواز إجارة الأرض و بيع الآلات في الأوقاف العامة- لا يساعده دليل في مقام الإثبات و إن كان ممكنا ثبوتا.

______________________________

(1) لاحظ تفصيل البحث في الجواهر، ج 14، ص 94

(2) شرح القواعد، مخطوط، الورقة 84- 85

ص: 583

و بيع الآلات حسن (1) لو ثبت دليل على كونها ملكا للمسلمين (2)، و لو على نحو الأرض المفتوحة عنوة (3). لكنّه (4) غير ثابت، و المتيقّن (5) خروجه عن ملك مالكه، أمّا دخوله في ملك المسلمين فمنفيّ بالأصل (6).

نعم (7) يمكن الحكم بإباحة الانتفاع للمسلمين، لأصالة الإباحة [1].

______________________________

(1) لكونه أقرب إلى نظر الواقف عند فوات استعماله في مورد الوقف.

(2) كون الوقف العام ملكا للمسلمين إمّا بأن تكون الرقبة مملوكة للمسلمين على نحو الإشاعة، كما في الوقف الخاص. و إمّا بأن يجب صرف منافعها في مصالحهم. و حيث إن الملكية بالمعنى الثاني أخفى من ملكية العين بنحو الإشاعة، فلذا أتى بكلمة «و لو» و يترتب على هذه الملكية ضمان المتصرّف فيها بغير إذن الحاكم الشرعي.

و على كلّ، فالمفروض انتفاء كلا الفردين في الوقف العام.

(3) فإنّ معنى مالكية المسلمين لها وجوب صرف منافعها في مصالحهم، كما تقدم في بحث الأراضي بقوله: «فهذه الملكية نحو مستقلّ من الملكية قد دلّ عليه الدليل، و معناها صرف حاصل الملك في مصالح الملّاك» فراجع (ص 398).

(4) أي: لكن كون الوقف العام ملكا للمسلمين- بمعنييه- غير ثابت.

(5) أي: و المتيقن من دليل الوقف العام خروجه عن ملك مالكه.

(6) و هو الاستصحاب، لليقين بعدم كونه ملكا للمسلمين قبل إنشاء الوقف، و الشك في دخوله في ملكهم بعد الإنشاء، و الأصل يقتضي عدمه.

(7) استدراك على قوله: «أمّا دخوله في ملك المسلمين» و غرضه أنّ ملكية العين و المنفعة منتفية في مثل المسجد، و لكنّ حقّ الانتفاع ثابت للمسلمين، لأصالة إباحة كلّ فعل شكّ في حرمته و حليّته.

______________________________

[1] فيه: أنّ أصالة الإباحة هنا محكومة باستصحاب حرمة الانتفاع الثابتة حال عدم التعذر. و دعوى تبدل الموضوع مدفوعة بكون التعذر و عدمه من الحالات المتبادلة على الموضوع لا المقوّمة له.

ثمّ إنّه لا بأس بالتعرض هنا لبعض الفروع المبتلى بها، و هو حكم المساجد

ص: 584

و لا يتعلّق (1) عليهم اجرة.

______________________________

(1) أي: لا يكون المنتفع ضامنا لاجرة ما استوفاه من المنفعة، لأنّ الضمان تابع للتصرف في مال الغير عينا أو منفعة، و المفروض أنّ الثابت في مثل وقف المسجد حلّية الانتفاع في الجهة المقصودة، لا ملك المنفعة حتى تضمن- بأجرة المثل- لسائر المسلمين.

هذا تمام ما يتعلق بكلام كاشف الغطاء قدّس سرّه.

______________________________

و الأوقاف العامة الواقعة في الشوارع المستحدثة قهرا بأمر الحكومات الإسلامية و غيرها، فنقول و به نستعين:

ينبغي الكلام في مقامين، أحدهما في المساجد، و ثانيهما: في سائر الموقوفات.

أما المقام الأوّل، فملخّص الكلام فيه: أنّ المعروف بين الأصحاب- بل الظاهر عدم الخلاف بينهم- في عدم بطلان المسجدية بالخراب، و إن حكي عن بعض العامة رجوعه بعد الخراب إلى ملك الواقف قياسا على كفن الميت الذي أخذه السّيل، لرجوع كفنه حينئذ إلى ملك الوارث أو غيره ممّن بذله له.

لكنّه قياس مع الفارق، حيث إنّ بذل الكفن حكم تكليفي منوط ببقاء موضوعه أعني به الميت. فإذا ذهب الموضوع بالحرق أو الغرق أو غيرهما يسقط هذا التكليف. و هذا بخلاف المسجدية، فإنّها من الوضعيات الثابتة لنفس الأرض الباقية و إن زالت آثارها و أبنيتها، لأنّ المسجدية كالملكية من الأمور الاعتبارية القائمة بنفس الأرض، و لا تنفكّ عنها بالخراب، إذ المسجدية كالملكية من الاعتباريات التي لها في حدّ ذاتها بقاء و استمرار، فلا ترتفع إلّا برافع، إذ لا يكون الشك في بقائها لأجل الشك في مقتضيها. فإذا شكّ فيها جرى فيها الاستصحاب بلا كلام.

و لكن لا تصل النوبة إلى الاستصحاب بعد كشف السيرة عن كون المسجدية كالحرية غير قابلة للزوال. فالشكّ في بقاء المسجدية من ناحية الشكّ في الرافع غير متصوّر أيضا.

و يدلّ على ذلك السيرة القطعية القائمة على بقاء أحكام المسجدية للمساجد الخربة التي لم يبق لها آثار أصلا، فإنّ هذه السيرة تكشف عن كون المسجدية من الاعتبارات و العناوين القائمة بنفس الأرض، و أنّ وقف أرض مسجدا غير وقفها مدرسة أو مكانا للزّوّار

ص: 585

..........

______________________________

و المسافرين، أو معبدا للمتعبدين، أو مكانا للراكعين أو الساجدين، أو ما أشبه ذلك، فإنّ هذه العناوين جهات تبطل الوقفية بفواتها.

و ليست المسجدية منها، إذ المقصود من وقف المسجد ليس حفظ جهة الصلاة أو مطلق العبادة، حتى يقال ببطلان المسجدية بفوات الجهة المقصودة، بل المقصود حفظ عنوان خاص، و هو ما يسمى مسجدا أو جامعا أو بيتا للّه تعالى أو ما يؤدّي معناها من لغات شتى. فليس منه ما يصنع في البيوت في بعض البلدان من إعداد مكان للصلاة و يسمّى بالمصلّي، و بالفارسية ب «نمازخانه» فإنّه ليس مسجدا.

و ممّا ذكرنا من بقاء عنوان المسجدية و عدم ذهابه بزوال الآثار يظهر ما في المسالك «من اختصاص بقاء المسجدية و أحكامها بالمساجد المبنية في غير الأراضي المفتوحة عنوة. و أمّا ما فيها حيث يجوز وقفها تبعا لآثار المتصرف، فإنّه ينبغي حينئذ بطلان الوقف بزوال الآثار، لزوال المقتضي للاختصاص، و خروجه عن حكم الأصل» «1».

وجه الظهور: أنّ عنوان المسجدية من العناوين القائمة بنفس الأرض، و لا يبطل بذهاب الآثار أصلا.

نعم إن كان نظره قدّس سرّه إلى عدم صحة جعل المسجدية في الأراضي المفتوحة عنوة- لعدم صحة تملكها حتى تجعل مسجدا، بل المسجدية قائمة بالآثار، و الأرض ليست حقيقة مسجدا، بل هي مسجد حكما. و هذا الحكم منوط ببقاء الآثار- فهو متين كما تقدم في حكم الأراضي المفتوحة عنوة، فيصير النزاع مع المسالك على هذا التقدير صغرويا.

لكن هذا الكلام يجري في العامرة حال الفتح دون الموات حاله، فإنّ بقاء عنوان المسجدية في المساجد المبنية في مواتها مما لا ينبغي الإشكال فيه.

و دعوى السيرة القطعية على اتخاذ المساجد في العراق و غيره من المفتوحة عنوة كما في الجواهر «و العلم بترتيب آثار المسجدية عليها حتى بعد الخراب» «2» غير مسموعة في مطلق المساجد، بل في خصوص المبنية منها في مواتها، فإنّ المتيقن منها هي المساجد

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 397

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 107

ص: 586

..........

______________________________

المبنية في موات المفتوحة عنوة. و أمّا في المبنية منها في معمورتها فالسيرة فيها غير ثابتة.

فدعوى بطلان مسجديتها بذهاب الآثار في غاية القرب.

و ممّا ذكرنا من عدم زوال عنوان المسجدية باندراس الآثار يظهر بقاء جميع الأحكام الثابتة لعنوان المسجد حين وجود الأبنية، و عدم ارتفاعها باندراس الآثار، لما مرّ من أنّ عنوان المسجدية من الاعتباريات التي لا تزول بزوال الآثار، لقيامها بنفس الأرض، من دون دخل للآثار في مسجديتها. بل المسجد إمّا معمور و إما مغمور، بلا مساس للعمارة في طروء المسجدية للأرض، فليس العمران مقوّما لعنوان المسجدية و لا شرطا له.

و من هنا يظهر أنّ نظر العرف في ذهاب عنوان المسجدية العرفية بذهاب الآثار ليس متّبعا في ترتيب الأحكام الشرعية الثابتة للمسجد، إذ الموضوع هو ما عرفت ممّا استفيد من السيرة القطعية القائمة على بقاء أحكام المسجدية على نفس الأرض و لو بعد زوال جميع الآثار و الأبنية، إذ السيرة تكشف عن عدم إحالة الشارع تمييز مفهوم المسجد إلى العرف حتى يكون نظرهم في ذلك متّبعا شرعا.

فاتّضح من جميع ما ذكرنا عدم الوجه في التفكيك بين الآثار الشرعية، كما يظهر من العروة الوثقى، حيث قال: «مسألة: إذا تغيّر عنوان المسجد بأن غصب و جعل دارا، أو صار خرابا بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه، و قلنا بجواز جعله مكانا للزرع، ففي جواز تنجيسه و عدم وجوب تطهيره كما قيل إشكال. و الأظهر عدم جواز الأوّل، بل وجوب الثاني أيضا» «1».

و قال شيخ مشايخنا المحقق النائيني قدّس سرّه في حاشيته على هذه العبارة ما لفظه: «إذا خرج عنوان المسجدية و بطل رسمه بالكلية، فالأظهر عدم وجوب تطهيره، و إن كان جواز التنجيس لا يخلو عن إشكال» «2».

و عبارة العروة المتقدمة و إن كان ظهورها البدوي في التفكيك بين الحكمين لا ينكر،

______________________________

(1) العروة الوثقى، كتاب الطهارة، أحكام النجاسات، فصل اشتراط الصلاة بإزالة النجاسة عن الثوب و البدن، المسألة 13

(2) تعليقة العروة، ص 9، طبعة عام 1340 (الحجرية).

ص: 587

..........

______________________________

إلّا أنّ قوله قدّس سرّه في المسألة العاشرة من ذلك الفصل: «لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و إن لم يصلّ فيه أحد، و يجب تطهيره إذا تنجيس» قرينة على عدم التفكيك بين وجود التطهير و حرمة التنجيس، هذا.

مضافا إلى: أنّ نفس العبارة ظاهرة بعد التأمل اليسير في الملازمة بين الحكمين، غاية الأمر أنه قدّس سرّه نبّه على أن في المسألة إشكالا عند بعض الأصحاب. فغرض صاحب العروة التنبيه على القول بالتفكيك، لا أنّه يلتزم و يقول به.

فالحري حينئذ التعرض للمنشإ الاشكال. و لعلّه ملاحظة أنّ المسجدية و إن كانت من قبيل الملكات، إلّا أنّ صدقها منوط بالإعداد للصلاة و غيرها من العبادات، كالمفتاح، فإنّ صدقه على حديد مثلا منوط بكونه معدّا للفتح، و بدونه لا يصدق عنوان المفتاح عليه. نعم لا يتوقف صدقة على التلبس الفعلي الخارجي بالمبدء، كما هو الشأن في سائر المبادي التي تكون من الملكات، لكفاية إعدادها في الصدق المزبور. هذا.

و قد عرفت أنّ المسجدية الموضوعة للأحكام الخاصة الشرعية المستفادة من السيرة المتقدمة لا يعتبر فيها الإعداد للصلاة أو غيرها، و إن حكم العرف باعتبار إعداد الأرض للصلاة في المسجدية العرفية.

لكن الرجوع إلى العرف في تشخيص موضوع الحكم الشرعي على ما هو قضية الإطلاق المقامي منوط بعدم بيان الشارع صريحا أو التزاما لتحديد موضوع حكمه كما في المقام، إذ السيرة القائمة على ترتب أحكام المسجد على المعمورة و المغمورة تدلّ التزاما على كون المسجدية التي جعلت موضوعا لأحكام خاصّة عبارة عمّا لا ينفكّ عن الأرض و لو بعد الخراب، و لذا تكون المسجدية من قبيل التحرير.

فالمتحصّل: أن عبارة السيد قدّس سرّه في كتاب الطهارة ظاهرة في بقاء حكم المسجد بعد خرابه أو غصبه. لكنه ذهب في كتاب الوقف إلى سقوط عنوان المسجد باندراس أثره، أو باستيلاء جائر عليه، و جعله دارا و نحوها. فإنه قدّس سرّه و إن حكم بدوا بعدم خروج العرصة عن المسجدية إذا خرب البناء، و بحرمة بيعها و حرمة تنجيسها مع إمكان الصلاة فيها للمارّة

ص: 588

..........

______________________________

و غيرهم، إلّا أنّه نفى البعد عن زوال عنوان المسجد، بشهادة أنّه لو خرب المسجد المبنى في الأرض المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين خرج عن كونه مسجدا. الى أن قال: «بل يمكن أن يقال بجواز بيعه و إخراجه عن المسجدية إذا غلب الكفار عليه، و جعلوه خانا أو دارا أو دكانا. بل الأولى أن يباع إذا جعلوه محلّا للكثافات، أو جعلوه بيت خمر مثلا، صونا لحرمة بيت اللّه عن انتهاك. و الحاصل: أنه لا دليل على أن المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا» «1».

و كذلك صرّح في (مسألة 38) بجواز بيع المساجد كسائر الموقوفات العامة و الخاصة في موارد جواز بيع الوقف «2». و في (مسألة 39) ببطلان الوقف بزوال العنوان، فيباع. فراجع «3».

و لكنه لا يخلو عن غموض، لأنّ مجرّد الإمكان لا يكفي في الحكم بخروج العرصة عن المسجدية مع فرض كون المقصود جعلها مسجدا إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها.

بل السقوط منوط بالدليل. و ما أفاده من زوال العنوان لو خرب المسجد المبنى في الأرض المفتوحة عنوة غير ظاهر أيضا، إذ لو كان جعلها مسجدا من قبل وليّ المسلمين و هو الامام المعصوم عليه السّلام أو نائبه العام- بناء على ثبوت عموم ولاية الفقيه- فما الوجه لاقتضاء الخراب أو غصب الظالم أو استيلاء الكفار على بلاد المسلمين لزوال عنوان المسجد؟ مع فرض عدم تحديد إنشاء المسجدية بزمان معيّن أو زماني كذلك. و كذا لا إهمال من حيث الدوام و التوقيت، و الحالات الطارئة عليه، و لذا لا تعدد في المطلوب كما في الأوقاف الخاصة حتى ينتقل الوقف إلى البدل بعد عدم وفاء العين بغرض الواقف، فيتعيّن الإطلاق ثبوتا و إثباتا.

و منه يظهر غموض ما فرّعه قدّس سرّه على بطلان وقف المسجد من جواز بيعه صونا لحرمته عن الهتك.

و ما أفاده قدّس سرّه في (مسألة 38): في أوّل إشكالاته الأربعة على شيخنا الأعظم «من كون

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى، ج 2، ص 247

(2) المصدر، ص 257

(3) المصدر، ص 260

ص: 589

..........

______________________________

الوقف ملكا له تعالى على نحو ملكه لسدس الخمس في آية الخمس، فلا مانع من بيعه مع المسوّغ، و أمره راجع إلى الحاكم الشرعي» «1» غير ظاهر أيضا، فإنّ «اللام» بناء على ظهوره في الملك- لا في مطلق الاختصاص- دلّ على ملكية هذا السدس له تعالى بالملكية الاعتبارية، و لم ينهض عليها في الوقف. و المقصود بقوله تعالى «الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ» هو التوحيد في العبادة، هذا مع الغض عمّا ورد من إرادة مواضع السجود.

فتلخّص: أنّ أحكام المسجد تترتب على المساجد المعمورة و المغمورة على نسق واحد، فتنجيس أنقاض المساجد الباقية في الشوارع حرام، و تطهيرها على تقدير تنجسها واجب، لما مرّ من السيرة على عدم الفرق في جريان أحكام المساجد بين عامرها و خرابها.

و مع هذه السيرة لا يبقى شك في بقاء أحكام المسجد بعد طروء الخراب حتى نحتاج إلى الاستصحاب، و يستشكل في جريان استصحاب وجوب التطهير بكونه تعليقيا.

بل يمكن أن يقال: بعدم شكّ هنا حتى نحتاج إلى الاستصحاب، إذ لو كان الموضوع ما ذكرناه من معنى المسجدية، فلا ريب في بقاء أحكام المسجد بعد الخراب، لعدم زوال عنوان المسجدية باندراس الآثار. و لو كان ما يراه العرف من إعداده للصلاة، فلا شك في ارتفاعه حتى يجرى فيه الاستصحاب.

و مع فرض الشكّ في الموضوع و عدم تمييزه- و أنّه هل المسجدية الشرعية التي تستفاد من السيرة المتقدمة؟ أم العرفية التي يعتبر فيها الإعداد للصلاة، و بدونه لا يعتبر العرف عنوان المسجدية للأرض، كما فيما جعل جزء من الشارع أو محلّا للمكائن مثلا- لا مجال أيضا للاستصحاب، للشك في بقاء الموضوع، إذ لو كان الموضوع المسجدية الشرعية الأبدية فلا شكّ في بقاء الموضوع الموجب للعلم ببقاء الأحكام التنجيزية و التعليقية. و إن كان الموضوع المسجدية العرفية، فلا إشكال في انتفائه الموجب للقطع بارتفاع الأحكام مطلقا.

إلّا أن يقال: إنّ الموضوع ذات الأرض، و عنوان المسجدية من الجهات التعليلية، فمنشأ الشك حينئذ هو كون هذه العلة محدثة و مبقية، أو محدثة فقط، هذا.

______________________________

(1) ملحقات العروة الوثقى، ج 2، ص 257

ص: 590

..........

______________________________

لكنه خلاف ظاهر الأدلة المثبتة للأحكام لعنوان المساجد، فإنّ ظاهر الإسناد هو كون المسجدية جهة تقييدية لا تعليلية، فينسدّ باب الاستصحاب من هذه الناحية أيضا.

هذا كلّه مضافا إلى: أنّه ليس وجوب التطهير من الأحكام التعليقية حتى يشكل جريان الاستصحاب فيها، لأنّ هذا الحكم يستفاد من مثل قولهم عليهم السّلام: «جنبوا مساجدكم النجاسة» «1» فإنّ المستفاد من مثل هذا الكلام هو وجوب تبعيد النجاسة و حرمة تقريبها حدوثا و بقاء. و عصيان وجوب تبعيد النجاسة عن المسجد تارة يتحقق بتنجيسه، و اخرى بترك تطهيره مع التمكن منه. فالتكليف المستفاد من الكلام المذكور واحد و منجّز، فالمقام أجنبي عن الحكم التعليقي الذي لا يجري فيه الاستصحاب على مذهب بعض.

فتلخص من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوى ترتب أحكام المسجد على المساجد الواقعة في الشوارع، سواء أ كانت في الأراضي المفتوحة عنوة أم غيرها، و سواء وقعت في المعمورة حال الفتح أم في مواتها.

نعم الّذي يسهّل الخطب في كثير ممّا يقع من المساجد في الشوارع: أنّ نفس أرض المسجد تقع تحت التراب و التبليط غالبا، بحيث لا تؤثّر النجاسة في نفس الأرض، فالمتنجس غير أجزاء المسجد، كما إذا تنجّس آجر من خارج المسجد، ثم أدخل إلى المسجد، أو العكس. و إن كان الفضاء أيضا من المسجد. إلّا أنّ معروض النجاسة هو الأرض، إذ لا معنى لنجاسة الفضاء.

إلّا أن يقال: إنّ ما دلّ على حرمة إدخال النجاسة في المسجد يشمل إدخالها في الفضاء أيضا. فحينئذ تجب إزالة النجاسة عن المبلّط، كوجوب إزالتها عن نفس أرض المسجد، هذا.

لكن الإنصاف أنّ استفادة هذا المعنى منوطة بظهور أدلة حرمة إدخال النجاسة إلى المسجد في حرمته و إن لم تكن النجاسة متعدية، و هو محل بحث و كلام، لقوّة احتمال إرادة التلويث من إدخال النجاسة. و المفروض فقدان التلويث في المقام.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 3، ص 504، الباب 24 من أبواب أحكام المساجد، ح 2، رواه عن الكتب الاستدلالية، و في التذكرة: «و لقوله عليه السّلام: جنّبوا ..» ج 2، ص 433، الطبعة الحديثة.

ص: 591

..........

______________________________

و إذا شكّ في إرادة مطلق إدخال النجاسة و إن لم تكن متعدية، فالأصل يقتضي جوازه، إلّا إذا استلزم هتك المسجد. و لا بدّ من التأمّل و مراجعة أدلة إدخال النجاسة إلى المسجد ليتضح الحال، وفقنا اللّه تعالى لذلك عاجلا.

و لنختم الكلام في المساجد بما يتعلق بالبيع و الكنائس الواقعة في الشوارع، فنقول: إنّ البحث في البيع و الكنائس المبنية في غير بلاد المسلمين، إذ ما يبنى منهما في بلادهم لا يترتب عليهما أثر أصلا، لكون بنائهما فيها مخالفا لشرائط الذمّة، فيبطل وقفهما، فيكون بناؤهما كالعدم، فلا إشكال في جواز العبور فيما يقع منهما في الشوارع.

و أمّا فيما يبنى منهما في ممالك الكفار سواء أ كان بناؤهما قبل تشريع الدين الإسلامي أم بعده، فإن كان حقيقتهما حفظ عنوان المسجدية و إن كان يسمّى عندهم بالبيع أو الكنائس، فيرجع هذا الكلام إلى اتحاد المسجد و البيعة و الكنيسة مفهوما و إن اختلفت اسما. لكن هذا الاختلاف لا يقدح في حقيقتها، لكون الاسم عنوانا مشيرا لا يختلف المعنون باختلاف العناوين المشيرة، و يلزمه ترتب جميع أحكام المسجد عليهما بناء على صحة هذا الوقف من غير المؤمن، كما يظهر من صحة وقف الكافر على البيع و الكنائس، أو أحد الكتابين كما في الشرائع «1» و في الجواهر: «بلا خلاف أجده فيه كما عن المقتصر الاعتراف به، بل عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه» «2».

لكن في المسالك ما محصله: «هو يتم بناء على عدم اشتراط القربة، أمّا معه فمشكل، من حيث إنّ ذلك معصية في الواقع، فلا يتحقق معنى القربة» «3».

أقول: المراد بالقربة في الوقف هو جعله للّه تعالى. فإن أراد الكافر هذا المعنى من القربة فلا بأس به، و اعتبار صلاحية الفاعل للتقرب بفعله لا دليل عليه، فوقف الكافر من ناحية قصد القربة صحيح.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 214

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 35

(3) مسالك الأفهام، ج 5، ص 336

ص: 592

..........

______________________________

و حينئذ نقول: إنّ لوقف أرض من الكافر للعبادة احتمالات ثلاثة:

الأوّل: أن يقصد جعل مكان للّه تعالى، لا بنحو يكون وقفا على عبادة أو متعبدين كما تقدم في وقف المسجد، فهذا الوقف ليس إلّا وقف المسجد.

الثاني: أن يقصد وقفية المكان على العبادة الصحيحة عند اللّه تبارك و تعالى، غايته أنّه يتخيّل انطباقها على عباداتهم.

الثالث: أن يقصد وقفيته على عباداتهم بتخيّل أنّها هي العبادة الصحيحة عنده تعالى شأنه.

و الوقف على النحوين الأوّلين صحيح. أمّا الأوّل فلكونه من وقف المسجد حقيقة.

و أمّا الثاني فلأنّ غاية الوقف- و هي العبادة الصحيحة الواقعية- غرض عقلائي محلّل، فلا مانع من الوقف لها.

و على النحو الثالث باطل، لبطلان غايته، فإنّ العبادة الباطلة حرام، و الوقف عليها وقف على جهة محرّمة كالوقف على عبادة الأصنام مثلا. و لا إشكال في بطلان الوقف على الجهات المحرّمة. هذا في مقام الثبوت.

و أمّا مرحلة الإثبات، فإن أحرز كيفية الوقف فلا إشكال، و إن شك فيها فمقتضى الاستصحاب عدم صيرورة المكان مسجدا. و لا يعارض باستصحاب عدم جعل المكان وقفا على العبادة. و ذلك لعدم ترتب الأثر على هذا الاستصحاب، إذ وجوب التطهير و حرمة التنجيس مثلا من أحكام خصوص المسجد، لا كلّ موقوفة.

فالمتحصل من جميع ما ذكرنا: جواز الاستطراق في الكنائس و البيع الواقعة في الشوارع المستحدثة، و عدم حرمة تنجيسها، كعدم وجوب تطهيرها.

و أمّا المقام الثاني- أعني به سائر الموقوفات غير المساجد- فالظاهر أنّ الأوقاف الموقوفة على جهات خاصة كالمدارس و الخانات و الحسينيات و الدور و البساتين التي وقفها أربابها على الطلبة و الزوار و المآتم و غيرها تبطل وقفيتها بتعذر الانتفاع بها في الجهة المقصودة من الوقف، سواء أ كان السقوط عن الانتفاع في تلك الجهة بتخريب قاهر كما في المقام، أم بخرابها طبعا، فإنّ الوقف يبطل بخروج الموقوفة عن الانتفاع الخاص، و تصير

ص: 593

[بيع ثوب الكعبة]

ثمّ إنّه ربما ينافي (1) ما ذكرنا من عدم جواز بيع القسم الثاني

______________________________

(1) التنافي مبني على توهم التلازم- في عدم جواز البيع- بين نفس العين الموقوفة و بين الآلات و الفرش و غيرهما ممّا يتعلق بها. و غرضه قدّس سرّه بيان وهم و دفعه.

أمّا الوهم فهو: أنّ ما تقدم- من منع بيع الوقف التحريري كالمسجد و ما بحكمه- ينافيه ورود الدليل في موردين على جواز بيع هذا القسم من الوقف:

أحدهما: الخبر الدال على جواز بيع ثوب الكعبة، مع أنه موقوف و ليس ملكا لأحد.

و ثانيهما: ما ذكره الفقهاء من جواز بيع حصير المسجد إذا خلق، و كذا جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

و عليه لا وجه لمنع بيع المسجد و أجزائه، و ما يتعلّق به من أثاث.

و أمّا الدفع فسيأتي.

______________________________

أرضها صدقة مطلقة تصرف في مطلق الوجوه البريّة، أو في خصوص ما هو أقرب إلى غرض الواقف، فمقتضى القاعدة عدم المنع عن العبور في أرض تلك الموقوفات بعد هدمها و جعلها طرقا و شوارع.

و أمّا المقابر، فإن كانت مملوكة، فالعبور فيها تصرف في ملك الغير منوط بإذن مالكه كما هو حكم المملوكات الواقعة في الشوارع، فحكمها حكم المملوكات. و إن لم تكن مملوكة- بل كانت مسبّلة، بأنّ جعلها مالكها موقوفة على دفن المسلمين فيها- فالعبور فيها لا بأس به.

كما لا إشكال في جواز الاستطراق في المقابر الفعلية التي لم تقع في الشوارع، فإنّ الوقفية للدفن لا تمنع عن الاستطراق غير المزاحم لجهة الوقف.

نعم مع المزاحمة لا يجوز، لاقتضاء نفس دليل الوقف حرمة التصرفات المنافية له. إلّا أنّها إن وقعت في الشوارع تصير ساقطة عن الانتفاع بها في الجهة المقصودة من الوقف، كسائر الموقوفات على جهات خاصّة.

ص: 594

من الوقف ما ورد (1) في بيع ثوب الكعبة و هبته (2)، مثل (3) رواية مروان بن (4) عبد الملك، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل اشترى من كسوة الكعبة ما قضى ببعضه حاجته، و بقي بعضه في يده، هل يصلح له أن يبيع ما أراد؟ قال:

يبيع (5) ما أراد، و يهب (6) ما لم يرد،

______________________________

(1) فاعل «ينافي» و قد تقدم وجه المنافاة آنفا بقولنا: «أمّا الوهم ..».

(2) أي: هبة ثوب الكعبة.

(3) بيان ل «ما ورد» و التعبير بالمثل لأجل ورود جواز بيع ثوب الكعبة في غير هذه الرواية أيضا، كما في معتبرة عبد الملك بن عتبة، فراجع «1».

(4) كذا في موضعين من الوسائل و في المقابس أيضا، و لكن في التهذيب و الكافي:

«مروان عن عبد الملك» «2».

(5) يحتمل في جواز بيع كسوة الكعبة ما قيل: من عدم كونها وقفا، بل تكون من قبيل الحبس، فهي مبذولة لأن يكتسى بها البيت سنة مثلا، ثم تباع و يصرف ثمنها في الخدمة. و على هذا تكون باقية على ملك الباذل لها، مع إذنه في التصرف فيها و في ثمنها على النهج المعهود من بيعها بعد مدّة.

و يحتمل أن تكون مشتراة من منافع الأملاك الموقوفة لمصالح البيت المكرّم، فتكون نظير ما سيأتي من حصير المسجد المشتري من منافع دكّان موقوف لمصالحه، فإنّ أمر البيع بيد الناظر العامّ.

(6) ظاهر جوابه عليه السّلام جعل ثوب الكعبة المعظّمة قسمين، بأن يبيع قسما، و يهب قسما آخر منه.

و لكن يحتمل في جملتي «ينتفع، يطلب» عطفهما على «يهب» فيكون المراد انتفاع المشتري- لكسوة الكعبة- بالهبة.

و يحتمل عطفهما على «يرد» فيكون المعنى: أنّ ما لا يريد الانتفاع

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 2، ص 752، الباب 22 من أبواب التكفين، ح 3، و كذا ح 2

(2) الكافي، ج 3، ص 148، باب ما يستحب من الثياب للكفن و ما يكره، ح 5، التهذيب، ج 1، ص 434، ح 36 من باب 23

ص: 595

و ينتفع (1) به، و يطلب بركته. قلت: أ يكفّن به الميت؟ قال: لا (2)» «1».

قيل (3) و في رواية أخرى: «يجوز استعماله، و بيع بقيّته [نفسه]».

و كذلك (4) ما ذكروه في بيع حصر المسجد إذا خلقت، و جذوعه إذا خرجت عن الانتفاع.

اللهم إلّا أن يقال (5) إنّ ثوب الكعبة و حصير المسجد ليسا من قبيل

______________________________

به مباشرة و لا طلب بركته يهبه للغير لينتفع به. و لعلّ الأقرب هو الاحتمال الأوّل.

(1) كذا في نسخ الكتاب، و لكن في الوسائل و الكافي و التهذيب «و يستنفع به» أي: بالثوب.

(2) لعلّ النهي عن التكفين به لأجل كونه حريرا محضا كما احتمله العلّامة المجلسي قدّس سرّه «2».

(3) قال في الوسائل و المقابس: «و قال الكليني: و في رواية اخرى: أنه يجوز استعماله و بيع بقيّته» «3».

(4) معطوف على الموصول في «ما ورد» و هذا إشارة إلى المورد الثاني، و هو فتوى الأصحاب. يعني: ينافي ما ذكرناه- من عدم جواز البيع- ما ذكروه من بيع حصير المسجد .. إلخ. و هذا التنافي كسابقه أيضا مبني على التلازم المزبور.

(5) غرضه من هذا دفع توهم المنافاة المذكورة في المقامين. و فيه تعرّض للموضع الثاني المشار إليه في (ص 577)، و هو حكم آلات المسجد و الأثاث الموضوعة فيه.

و حاصل ما أفاده: أنّ ثوب الكعبة و حصير المسجد إن كانا كنفس الكعبة و المسجد لكان لما ذكر من التنافي وجه. لكنّه ليس كذلك، إذ الأموال الموقوفة للكعبة و المساجد تكون مملوكة للموقوف عليهم، فللمتولّي التصرف فيها بما يراه مصلحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 2، ص 752، الباب 22 من أبواب التكفين، ح 1، ج 9، ص 360، الباب 26 من أبواب مقدمات الطواف، ح 3، مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

(2) ملاذ الأخيار، ج 3، ص 234

(3) وسائل الشيعة، ج 9، ص 359، الباب 26 من أبواب مقدمات الطواف، ح 2، مقابس الأنوار، ص 64 و لم تظفر بها في الكافي المطبوع. و الظاهر اختلاف نسخ الكافي، بشهادة نقل هذين العلمين عنه.

ص: 596

المسجد (1)، بل هما مبذولان للبيت و المسجد، فيكون (2) كسائر أموالهما. و معلوم أنّ وقفيّة أموال المساجد و الكعبة من قبيل القسم الأوّل (3)، و ليس (4) من قبيل نفس المسجد، فهي ملك للمسلمين، فللناظر العامّ التصرّف [فيه] (5) فيها بالبيع.

نعم (6)، فرق بين ما يكون ملكا طلقا كالحصير المشتري من مال المسجد،

______________________________

بخلاف نفس المسجد و الكعبة، فإنّهما ليسا مملوكين لأحد، فلا يجوز بيعهما.

(1) في كون وقف المسجد تحرير الملك، لا تمليكه للمصلّين و العابدين.

(2) كذا في النسخ، و المناسب «فيكونان» ليطابق تثنية الضمير في «أموالهما».

(3) يعني: يكون تمليكا للموقوف عليهم.

(4) الأولى: «و ليست» لأنّ اسمها ضمير راجع إلى الوقفية.

(5) كذا في نسختنا، و الأولى «فيها» كما في نسخة اخرى.

(6) استدراك على قوله: «ليسا من قبيل المسجد، بل هما مبذولان للبيت و المسجد ..» و غرضه قدّس سرّه التفصيل في مثل ثوب البيت و حصير المسجد، و تقييد إطلاق جواز البيع، و بيانه: أنّ الحصير قد يشترى من منافع موقوفة وقفها صاحبها لصرف منافعها في ما يحتاج إليه المسجد، كما إذا أوقف شخص بستانا على مسجد، لتسدّ به ما يحتاجه من فرش وضوء و ماء و اجرة خادم، و هكذا.

و قد يشتريه شخص من ماله فيوقفه في المسجد.

و ما ذكرناه من أنّ حصير المسجد مبذول له و يجوز بيعه- و ليس وقفه فكّ الملك- ناظر إلى القسم الأوّل دون الثاني، و ذلك لأنّ منافع الأوقاف الموقوفة على المساجد كالدكاكين و البساتين و غيرهما ليست أوقافا، و إنّما الموقوف نفس الدكاكين و البساتين و غيرهما من الأصول، فالمنافع مملوكة للمسلمين، غايته أنّها تصرف في مصرف خاص و هو المساجد. فبيع المنافع و كذا تبديل أثمانها بما يراه المتولي مصلحة للمسجد جائز.

و هذا بخلاف الحصر التي يشتريها الرجل و يضعها في المسجد، و كذا الثوب الذي يلبس به البيت، فإنّهما مملوكان للمسلمين، و لا يجوز بيعهما إلّا بطروء مسوّغ له.

و بعبارة أخرى: الفرق بين شراء شخص حصيرا و وقفه على المسجد، و بين شراء الحصير من عوائد بستان أوقف على المسجد هو: أنّ مقصود المشتري للحصير الانتفاع

ص: 597

فهذا يجوز للناظر بيعه مع المصلحة و لو لم يخرج عن حيّز الانتفاع، بل (1) كان جديدا غير مستعمل، و بين (2) ما يكون من الأموال وقفا (3) على المسجد كالحصير الذي يشتريه الرجل و يضعه في المسجد. و الثوب الذي يلبس البيت، فمثل هذا يكون ملكا للمسلمين لا يجوز لهم تغييره عن وضعه إلّا في مواضع يسوغ فيها بيع الوقف.

______________________________

بعينه في المسجد بالصلاة و نحوها من الأمور العبادية، فلا يجوز للمتولّي بيعه إلّا بطروء المسوّغ. و هذا بخلاف شراء حصير من عوائد موقوفة كالبستان، فإنّ الحصير لم ينشأ وقفيته من قبل واقف البستان، و إنّما صار وقفا من جهة ابتياعه بغلّة الموقوفة.

و من المعلوم أنّ دليل المنع عن بيع الوقف و شرائه كقوله عليه السّلام: «لا تباع و لا توهب، و لا يجوز شراء الوقف» مختص بما ورد عليه الوقف، و ليس فيه دلالة على المنع عن بيع ما اشترى بعائدات الوقف. فحكم هذا الحصير حكم سائر ما يحصل من البستان من جواز صرف أعيانها في المسجد، و جواز تبديلها بما هو أصلح بحاله.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «و لو لم يكن أصله موقوفا، بل اشتري للمسجد مثلا، أو بذله له باذل صحّ للناظر بيعه مطلقا، مع المصلحة» «1».

(1) يعني: فلا يدور جواز بيعها مدار خروجها عن حيّز الانتفاع بها، بل المدار فيه نظر المتولّي، و كون البيع أكثر نفعا للمسجد.

(2) معطوف على «بين» و هذا هو القسم الثاني الذي ينشأ فيه وقفيته على الجهة، و لا يجوز تبديله.

(3) أي: ما يكون من الأموال وقفا على المسجد ابتداء- لا باشترائه من مال المسجد- يكون ملكا للمسلمين محبوس بعينه عليهم، فلا يجوز بيعه إلّا في موضع يسوغ فيه بيع الوقف كصيرورته خلقا، أو عدم الانتفاع به من جهة أخرى.

هذا كله ما يتعلق بردّ التنافي بين منع بيع الوقف التحريري، و بين جواز بيع الحصير و ثوب البيت المعظّم. و سيأتي بيان الفارق بينهما بعد اشتراك كليهما في جواز

______________________________

(1) الروضة البهية، ج 3، ص 254، و لاحظ مقابس الأنوار أيضا، كتاب البيع، ص 63

ص: 598

[حكم حصير المسجد و أرضه]

ثمّ الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد (1) أنّ الحصير يتصوّر فيه كونه وقفا على المسلمين (2)، و لكن يضعه في المسجد، لأنّه أحد وجوه انتفاعهم، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد. فإذا خرب المسجد أو استغني عنه جاز الانتفاع به و لو في مسجد آخر، بل يمكن الانتفاع به (3) في غيره و لو مع حاجته.

لكن يبقى الكلام في مورد الشكّ (4)، مثل ما إذا فرض حصيرا في المسجد، أو

______________________________

البيع في الجملة.

(1) حاصله: أنّ الفرق بينهما في صورة وقفهما بأن يقفهما شخص من ماله على الكعبة و المسجد- لا في صورة اشترائهما من عائدات أوقاف المسجد، حيث إنّ الثوب و الحصير حينئذ ليسا موقوفين، بل الموقوف أصول تلك العائدات- هو: أنّ الحصر توقف على المسلمين بحيث ينتفعون بها في وجوه الانتفاع، و وضعها في المسجد لأجل كونه أحد وجوه انتفاعهم، كالماء المسبّل الموضوع في المسجد. و هذا بخلاف ثوب الكعبة، فإنّه موقوف على جهة خاصة و انتفاع مخصوص، هذا.

و لا يخفى أنّ هذا بحسب المتعارف، و إلّا فيمكن في ثوب الكعبة ما ذكرناه في حصير المسجد أيضا.

(2) فإذا كان وقفا على المسلمين جاز الانتفاع به في مطلق المسجد، فوضعه في مسجد خاص كالجامع أو السوق ليس لخصوصية بنظر الواقف، بل لانطباق الانتفاع في الجهة المقصودة عليه. و هذا نظير الماء المسبّل، فإنّ مقصود المسبّل سقيه للمؤمنين و المصلّين سواء أ كانوا في هذا المسجد أم في غيره. فوضع حبّ الماء مثلا في مسجد ليس قرينة على أنّ تمام المطلوب هو تسبيل الماء لمن حضر في خصوص هذا المسجد دون غيره.

و عليه فإذا خرب المسجد، أو فرش فيه سجاد- بحيث لم يحتج إلى هذا الحصير الموقوف- لزم نقله إلى مسجد آخر لينتفع به. بل يجوز نقله في الفرض إلى مسجد آخر حتى مع حاجة المسجد السابق، لعدم تقييد وقف الحصير بوضعه في مسجد خاص.

(3) أي: الانتفاع بالحصير في غير المسجد الأوّل حتى مع حاجته إليه.

(4) يعني: ما إذا لم يعلم تقيّد وقف الحصير بمسجد خاصّ، و لا عدم تقيده به، بأن

ص: 599

وضع حبّ ماء فيه، و إن كان الظاهر في الأوّل (1) الاختصاص- و أوضح من ذلك التّرب الموضوعة فيه- و في الثاني (2) العموم، فيجوز التوضؤ منه و إن لم يرد الصلاة في المسجد.

و الحاصل (3) أنّ الحصير (4) و شبهها- الموضوعة في المساجد و شبهها (5)- يتصوّر فيها أقسام كثيرة (6) يكون الملك فيها للمسلمين، و ليست من قبيل نفس

______________________________

كان مقصود الواقف انتفاع المصلّين سواء في هذا المسجد أو غيره.

و كذا لو شكّ- في وضع حبّ الماء في مكان خاص- أنّه مقيّد بما وضع فيه للشرب و التوضؤ أم أنّه لا خصوصية في موضع دون آخر. و يمكن التمسك بقاعدة الحلّ في المشكوك، لكونه شبهة موضوعية.

(1) و هو الحصير الموضوع في مسجد، فإنّ الغلبة توجب الظهور في الاختصاص به. و أوضح منه التّرب الحسينية- على مشرّفها أفضل الصلاة و السلام- الموضوعة في مسجد، فلا يجوز نقلها منه إلى غيره و إن احتيج إليها.

(2) و هو حبّ الماء، و لو أحرز الاختصاص لم يجز التوضؤ منه، و الصلاة في مسجد آخر.

(3) هذا حاصل ما أفاده من قوله: «ثم الفرق بين ثوب الكعبة و حصير المسجد ..

إلخ».

(4) كذا في النسخ، و المناسب «الحصر» بصيغة الجمع.

(5) كالمشاهد المشرّفة و الحسينيات و نحوها من الأوقاف العامة.

(6) أحدها: أن تكون مشتراة من منافع أوقاف المسجد، و قد عرفت جواز بيعها اختيارا مع المصلحة التي يراها ناظر الوقف.

ثانيها: أن يشتريها الناس من أموالهم للمسجد و نحوه، على أن تكون موقوفة على المسلمين في جميع وجوه الانتفاعات التي منها وضعها في المسجد للصلاة عليها.

ثالثها: أن تكون موقوفة على المسلمين في جهة خاصة كالصلاة فقط، و في مكان خاص كالمسجد الفلاني.

ص: 600

المسجد و أضرابه، فتعرّض الأصحاب لبيعها لا ينافي ما ذكرناه (1).

نعم (2) ما ذكرناه لا يجري في الجذع المنكسر من جذوع المسجد الّتي (3) هي من

______________________________

(1) من عدم جواز بيع الموقوف المؤبّد غير المملوك. و وجه عدم المنافاة: أنّ ما لا يجوز بيعه هو نفس الموقوفة كالمسجد، لكون وقفه تحريرا، فلا ملك حتى يباع.

و ما يصحّ بيعه كالحصير ملك للمسلمين لو اشتري بعوائد موقوفة، و يجوز لمتولّي المسجد بيعه إن كان أصلح بحال المسجد. و مع تعدد الموضوع لا تنافي بين منع بيع أرض المسجد و بين جواز بيع الحصير في بعض الصور.

قال المحقق الثاني قدّس سرّه في حكم بيع حصير المسجد إذا خلق، و جذعه إذا تكسّر ما لفظه: «و هل يفرّق بين ما كان من ذلك وقفا، و بين ما اشتري من الوقف، أو قبل المتولّي بيعه حتى يجوز بيع الثاني عند الحاجة؟ فيه احتمال. و ذكر في التذكرة: أنّه لا خلاف بين العامة في جواز بيع هذا القسم، لأنّه ملك. و لم يفت هو بشي ء. و جواز البيع في هذا القسم لا يخلو من قوة. فإذا بيع لم يتعيّن شراء مثله، بل يصرف في مصالح المسجد من غير تعيين» «1».

(2) استدراك على جواز بيع مثل حصير المسجد لو اشتري بعوائد موقوفة عليه.

و هذا إشارة إلى الموضع الثالث، و هو حكم أجزاء المسجد. يعني: أنّ ما ذكرناه- من جواز بيع الآلات كالحصر و نحوها ممّا يتعلق بالأوقاف المؤبّدة غير المملوكة- لا يجري في أنقاض المسجد من الأخشاب و الجذوع المنكسرة و الآجر مما لا ينتفع به فيه.

وجه عدم جريانه في مثل الجذع المنكسر هو كون الجذع و أمثاله أجزاء من الموقوفة، و من المعلوم أنّ الحكم الثابت للكلّ ثابت لأجزائه، لأنّه عينها، فيلزم الحكم بعدم جواز بيع أجزائه كنفس العرصة، لكون وقفها فكّا للملك. مع أنّ العلّامة و غيره حكموا بجواز بيع الجذع المنكسر و نحوه، و لا بدّ من توجيه تجويزهم لمثله بأن يقال:

بالفرق بين أرض المسجد و بين أجزاء البناء، بمنع بيع الأرض، و جواز بيع الأجزاء، كما سيأتي.

(3) وصف للجذوع، و المسجد هو العرصة و بناؤها، فالجذوع أجزاء للمسجد،

______________________________

(1) جامع المقاصد، ج 9، ص 117

ص: 601

أجزاء البنيان. مع (1) أنّ المحكيّ «1» عن العلّامة و ولده و الشهيدين و المحقّق الثاني:

جواز بيعه، و إن اختلفوا (2) في تقييد الحكم و إطلاقه كما سيجي ء (3).

إلّا أنّه (4) [أن] نلتزم بالفرق بين أرض المسجد، فإنّ وقفها و جعلها مسجدا

______________________________

فلا يجوز بيعها.

(1) متعلق ب «لا يجري» يعني: أنّ مقتضى القاعدة منع بيعها، و لكن خالف العلامة و جماعة فيه، و قالوا بجواز بيع الجذع المنكسر.

(2) يعني: أنّ العلامة و من تبعه اتفقوا في أصل جواز بيع الجذع المنكسر، و اختلفوا في إطلاقه و تقييده. فقال العلامة في الجذع المنكسر: «الأقرب بيعه و صرف ثمنه في مصالح المسجد» «2» و وافقه فخر المحققين «3».

و قيّد الشهيد قدّس سرّه جواز البيع بما إذا لم يكن الانتفاع بعينه في مسجد آخر «4».

و قيّده المحقق الثاني قدّس سرّه بتعذر أن يشترى بثمنه بدله، و فإن تعذّر شراء البدل صرف الثمن في مصالح المسجد «5».

و قيّده الشهيد الثاني بما إذا لم يكن صرف العين في الوقود لمصالح المسجد كالآجر، فلو أمكن لم يجز البيع «6».

(3) سيأتي أصل جواز بيعه في الصورة الثالثة في حكم النخلة المنقلعة، و يستفاد من مفهوم قوله في (ص 604): «فبناء على ما تقدم من أنّ الوقف في المسجد و أضرابه فك ملك، لم يجز بيعه».

(4) كذا في نسختنا، و الأولى ما في بعض النسخ مجرّدا عن ضمير الشأن.

و كيف كان فهذا توجيه لفتوى الجماعة بجواز بيع مثل الجذع و لو في بعض

______________________________

(1) حكاه عنهم في المقابس، كتاب البيع، ص 63، و كذلك حكاه السيد العاملي عن العلامة و الفخر و الشهيد و المحقق الثاني، في ج 9، ص 127

(2) قواعد الأحكام، ج 2، ص 401، و نحوه في تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 443

(3) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 407

(4) الدروس الشرعية، ج 2، ص 279 و 280

(5) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و ج 9، ص 116

(6) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 254

ص: 602

فكّ ملك، بخلاف ما عداها من أجزاء البنيان كالأخشاب و الأحجار، فإنّها تصير ملكا للمسلمين (1)، فتأمّل (2).

و كيف كان (3)، فالحكم في أرض المسجد مع خروجها عن الانتفاع بها رأسا هو إبقاؤها (4) مع التصرّف في منافعها- كما تقدّم عن بعض الأساطين-

______________________________

الحالات، و قد تقدم توضيحه آنفا.

(1) فيجوز للمتولّي بيعها.

(2) لعلّه إشارة إلى إشكال التفكيك بين وقف الأرض و بين وقف البنيان مع وحدة إنشاء وقف الجميع بمثل: «وقفت هذا مسجدا» فإنّ صيغة الوقف ترد على مجموع العرصة و البنيان على نهج واحد.

(3) يعني: سواء تمّ توجيه التفكيك بين المسجد و بين أجزائه بما تقدم من قوله: «إلّا ان نلتزم ..» أم لم يتم كما تأمّل فيه، فالحكم .. إلخ، و هذا صفوة الكلام في حكم الانتفاع بأرض المسجد و أجزائه، و محصله: أنّ أرض المسجد المنهدم إما أن ينتفع بها بإيجارها كما ذهب إليه الشيخ الكبير، و إمّا أن تبقى على حالها بدون الانتفاع كما هو المختار.

و أمّا أجزاء المسجد ففيها صور ثلاث:

الاولى: أن يرى المتولّي و الناظر المصلحة في صرف أعيان الأجزاء في نفس المسجد، بأن يستفاد منها في إعمار البناء مرّة أخرى، فيتعيّن ذلك، لأنّ مقصود الواقف الانتفاع بالعين الموقوفة مهما أمكن، و المفروض وجوب العمل بالوقف شرعا على حسب ما أوقفه. فإن توقف إبقاؤها على بذل مال صرف من مال المسجد إن كان له مال، و إلّا فمن بيت المال، و إلّا لم يجب على المتولّي صرف شي ء من أموال نفسه لإبقاء تلك الأجزاء.

الثانية: أن لا يرى المتولّي المصلحة في ردّ مثل الجذع المنكسر جزءا للمسجد، و حينئذ فإن قلنا بجواز بيعها كما حكي عن العلّامة و جمع فلا كلام، و إن قلنا بعدم الجواز- كما هو المختار- ففيه صورتان:

الأولى: القول بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف، فيجب صرفه في مصالح نفس هذا المسجد، كإحراقه لطبخ آجره.

الثانية: القول بعدم وجوب مراعاة الأقرب إلى نظر الواقف، و يجب حينئذ صرفه في سائر مصالح المسلمين.

(4) أي: أنّ الإبقاء يكون تارة مع التصرف في منافع الأرض كما ذهب إليه

ص: 603

أو بدونه (1).

و أمّا إجزاؤه- كجذوع سقفه و آجره من حائطه المنهدم- فمع (2) المصلحة في صرف عينه (3) فيه (4) تعيّن، لأنّ مقتضى وجوب إبقاء الوقوف و أجزائها [و إجرائها] على حسب (5) ما يوقفها أهلها وجوب (6) إبقائه جزءا للمسجد. لكن لا يجب صرف المال من المكلّف لمئونته (7)، بل يصرف من مال المسجد أو بيت المال.

و إن لم يكن (8) مصلحة في ردّه جزءا للمسجد، فبناء (9) على ما تقدّم من أنّ الوقف في المسجد و أضرابه فكّ ملك، لم يجز بيعه، لفرض عدم الملك.

______________________________

كاشف الغطاء، و يكون اخرى بدون الانتفاع بأجرة الأرض، لعدم الدليل على جواز الإجارة.

(1) أي: بدون التصرف في المنافع، فتبقى العرصة على حالها إلى أن يبعث اللّه من يجدّد بناء المسجد.

(2) جواب الشرط في «و أما أجزاؤه» و هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة آنفا.

(3) كذا في النسخ، و لا بدّ من التأويل بإرجاع الضمير إلى «جزء» و الأولى تأنيث الضمائر الآتية الراجعة إلى «أجزاء».

(4) أي: تعيّن الانتفاع بذلك الجزء في نفس المسجد المنهدم حسب الفرض.

(5) متعلق ب «إبقاء» و بناء على ما في بعض النسخ من «إجرائها» فالظرف متعلق به، و «الإجراء» عطف تفسير للإبقاء.

(6) خبر «أنّ مقتضى» و ضمير «إبقائه» راجع إلى الجذع و نحوه ممّا كان جزءا للمسجد.

(7) أي: لمئونة الإبقاء، لأصالة براءة الذمة عن وجوب الصّرف.

(8) معطوف على «فمع المصلحة» و ضمير «ردّه» راجع إلى مثل الجذع ممّا كان جزءا للمسجد.

(9) و بناء على ما حكي عن جماعة- كالعلّامة و من تبعه- جاز بيعه، و لا يبقى موضوع للصورتين الأخيرتين.

ص: 604

و حينئذ (1) فإن قلنا بوجوب مراعاة الأقرب إلى مقصود الواقف فالأقرب تعيّن صرفه في مصالح ذلك (2)، كإحراقه لآجر المسجد (3)، و نحو ذلك كما عن الروضة (4)، و إلّا (5) صرف في مسجد آخر كما في الدروس «1»، و إلّا صرف في سائر مصالح المسلمين.

قيل (6) بل لكلّ أحد حيازته و تملّكه.

______________________________

(1) أي: و حين المنع من البيع و وجوب الانتفاع بعين الجذع، فإن قلنا .. إلخ.

و هذا إشارة إلى الصورة الثانية من الصور الثلاث.

(2) أي: ذلك المسجد المنهدم، و قوله: «تعيّن» جواب الشرط في «فإن قلنا».

(3) مقدمة لتشييد بناء المسجد مرة أخرى.

(4) قال الشهيد الثاني قدّس سرّه في الحصير البالي و الجذع المنكسر- بحيث لا يمكن صرفهما بأعيانهما في الوقوف لمصالحه، كآجر المسجد- «فيجوز بيعه حينئذ، و صرفه في مصالحه، إن لم يمكن الاعتياض عنه بوقف» «2».

(5) أي: و إن لم نقل بوجوب مراعاة ما هو أقرب إلى نظر الواقف وجب صرف مثل الجذع و الآجر في المماثل إن احتاج مسجد آخر إليه. و إن لم يحتج مسجد إلى هذا الجذع المنكسر أصلا وجب صرفه في سائر مصالح المسلمين.

(6) أفاده المحقق الشوشتري قدّس سرّه- في حكم أجزاء الأوقاف العامة و آلاتها- بقوله:

«و أمّا إذا بلغت حدّا لا ينتفع بها في تلك الجهة أصلا، فالوجه أنّها تصرف في سائر القرب. بل لكلّ أحد من الموقوف عليهم حيازته و تملكه كأجزاء جلود الكتاب التي لا ينتفع بها في الجلد. و أجزاء الورق الساقطة بعد التصحيف .. و أجزاء الصناديق و شبابيك المشاهد المشرفة بعد الاستغناء عنها .. و ذلك لأنّها قد جعلت للّه سبحانه، و إنّما يجب على أرباب الوقف الانتفاع بها في تلك الجهة الخاصة، و عدم التعدّي عنها مع التمكن،

______________________________

(1) الدروس الشرعية، ج 2، ص 280، و الحاكي عنه و عن الروضة هو صاحب المقابس، ص 63

(2) الروضة البهية، ج 3، ص 254

ص: 605

و فيه نظر (1).

[حكم المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة]

و قد الحق (2) بالمساجد المشاهد و المقابر و الخانات و المدارس و القناطر الموقوفة على الطريقة المعروفة، و الكتب الموقوفة على المشتغلين، و العبد المحبوس في خدمة الكعبة و نحوها، و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة، و البواري الموضوعة لصلاة المصلّين، و غير ذلك (3) ممّا قصد بوقفه الانتفاع العامّ لجميع الناس أو للمسلمين (4) و نحوهم من غير المحصورين، لا لتحصيل (5) المنافع بالإجارة و نحوها و صرفها في مصارفها كما في الحمّامات و الدكاكين و نحوها (6)،

______________________________

و الفرض تعذر ذلك، فجاز لهم الانتفاع بها مطلقا» «1».

(1) لعلّ وجه النظر أنّ الرجوع إلى الإباحة لا دليل عليه و إن قلنا ببطلان الوقف، لقوّة احتمال صيرورته ملكا للواقف أو ورثته. و معه فمقتضى أصالة الفساد عدم ترتب الملكية على الحيازة.

(2) الملحق هو المحقق الشوشتري قدّس سرّه، و العبارة المنقولة في المتن تغاير- يسيرا- لما في المقابس، و قد تقدم كلامه في (ص 573).

و الوجه في الإلحاق- مع عدم كون المنشأ في هذه الأمور فكّ الملك و تحريره هو جعلها من المباحات التي يجب إبقاؤها على حالها.

(3) فكما لا يصحّ بيع أرض المسجد و إجارتها، فكذا في ما الحق به. و حكم الأجزاء و الآلات أيضا حكم أجزاء بناء المسجد و آلاته.

(4) فمثل البواري للصلاة عليها موقوفة للمسلمين، و الأشجار الموقوفة لانتفاع المارّة- خصوصا في البلاد يكثر فيها أهل الذمة- موقوفة لانتفاع الناس سواء أ كانوا مسلمين أم من أهل الكتاب.

(5) فالفرق بين وقف المدارس و الحمامات هو: أنّ المدرسة توقف للانتفاع بالسكنى فيها، و الحمّام يوقف ليؤجر، و تصرف إجارتها في الجهة التي عيّنها الواقف، و لذا يعبّر عنه في بعض الكلمات بالوقف الصرفي.

(6) كالمخازن الموقوفة التي تستأجر لإيداع البضائع فيها.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 606

لأنّ (1) جميع ذلك صار بالوقف كالمباحات بالأصل، اللازم إبقاؤها على الإباحة كالطرق العامّة و الأسواق «1».

و هذا كلّه (2) حسن على تقدير كون الوقف فيها فكّ ملك، لا تمليكا.

و لو أتلف (3) شيئا من هذه الموقوفات أو أجزائها متلف، ففي الضمان وجهان:

______________________________

(1) هذا مضمون تعليل صاحب المقابس لإلحاق المشاهد و نحوها بالمساجد حكما.

(2) أي: و هذا الإلحاق حسن بناء على كون معنى الوقف فيها فكّ الملك، لا تمليك العين أو المنفعة للموقوف عليه، و إنّما يملك الانتفاع. و ربما يشعر قوله: «على تقدير» بعدم كون وقف الأمور المذكورة فكّ الملك، فيكون مفاده التأمّل في إلحاق صاحب المقابس.

و لكنه ليس كذلك، لما تقدم منه من التصريح بالتحرير، كقوله في (ص 540):

«بل هو في غير المساجد و شبهها قسم من التمليك» إذ ليس المراد بشبه المسجد إلّا المقابر و المشاهد و نحوهما.

و كذا قوله في (ص 574) في أقسام الوقف: «بل يكون فك ملك نظير التحرير كما في المساجد و المدارس و الرّبط بناء على القول بعدم دخولها في ملك المسلمين كما هو مذهب جماعة، فان الموقوف عليهم إنما يملكون الانتفاع دون المنفعة».

(3) عنون هذا الفرع صاحب المقابس قدّس سرّه بعد إلحاق الأوقاف العامة على الجهات بالمساجد، فقال: «و لو أتلفها متلف على غير جهة الانتفاع المعلومة أثم قطعا. و في مطالبته بالقيمة أو المثل إشكال، من أنّ ما يطلب بقيمة عينه يطلب بمنافعها. و من المعلوم أنّه لو منع شخص الناس من الانتفاع إلى أن فاتت جملة من منافعها، أو انتفع بها في غير الجهة الموضوعة له- كما لو جعل المسجد مسكنا له- أثم، و لكن لم يطلب بها، فكذا لو أتلف العين. و لعدم وضوح الدليل على الضمان إلّا في الأملاك المنسوبة إلى الناس، و هذه صارت ملكا للّه، و إنّما للناس الانتفاع خاصة. و من عموم: على اليد ما أخذت حتى تؤدّي. و تأدية المثل أو القيمة- مع تعذر الأصل- معدودة من التأدية» «2».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 63 و 64

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

ص: 607

..........

______________________________

و توضيح المطلب: أنّ الاعتداء على الوقف تارة يكون بإعدامه كهدم تمام بناء المسجد، و جعله قاعا صفصفا، و تغيير تراب أرضه، و أعدادهما لإحداث بناء آخر، أو للزرع فيها، أو هدم بعض بيوت المسجد، و إبقاء بعضها. و كذا الحال بالنسبة إلى الخان و المدرسة و القنطرة كلّا أو بعضا.

و اخرى يكون بالتصرف فيه و استيفاء منفعته في غير الجهة المقصودة للواقف، كما إذا سكن الظالم بنفسه في المدرسة، أو أسكن عمّاله فيها بعد إخراج المشتغلين منها. و كذا الحال في التصرف العدواني على غيرها كالمسجد و الخان و الرباط.

و ثالثة يكون بتفويت منافع الوقف، كما إذا أغلق الظالم باب المسجد، و منع المؤمنين من الصلاة و العبادة فيه، و لم ينتفع هو أيضا به. و كذا لو أخرج الطّلاب من المدرسة و لم يسكن أحدا فيها، بل سدّ بابها.

و محلّ البحث هنا في الضمان و عدمه هو الأوّل أي: إتلاف عين الموقوفة كلّا أو بعضا.

و أمّا الثاني- و هو استيفاء المنفعة- فقد تقدم في (ص 575) حكمه، و هو عدم الضمان، حيث قال: «فإنّ الموقوف عليهم إنّما يملكون الانتفاع دون المنفعة، فلو سكنه أحد بغير حقّ فالظاهر أنّه ليس عليه اجرة المثل».

و منه يظهر عدم الضمان في الفرض الثالث، و هو تفويت منفعة الموقوفة.

فالكلام فعلا في الإتلاف، و في الضمان احتمالان.

أحدهما: ذلك، لعموم «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» بتقريب: أنّ المناط في الضمان و اشتغال الذمة هو كون اليد عدوانية، و المال محترما، و هما متحققان في المقام.

أما كون اليد معتدية، فلعدم جواز تغيير الموقوفة عن الكيفية التي أنشأها الواقف، و أمضاه الشارع بمثل قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» فضلا عن الهدم و الإتلاف.

و أمّا كون المال محترما فواضح، إذ ليس الوقف من المباحات الأصلية حتى لا يضمن، بل هو أكثر حرمة من جهة تعلق حقّه تعالى به.

و عليه فعهدة المتلف مشغولة ببدل ما أتلفه، و يجب عليه أداء قيمته ليصرف

ص: 608

من (1) عموم «على اليد» فيجب صرف قيمته في بدله. و من (2) أنّ ما يطلب (3) بقيمته يطلب بمنافعه، و المفروض (4) عدم المطالبة بأجرة منافع هذه لو استوفاها ظالم، كما لو جعل المدرسة بيت المسكن، أو محرزا (5). و أنّ الظاهر (6) من التأدية في حديث «اليد» الإيصال إلى المالك (7)، فيختصّ بأملاك الناس. و الأوّل أحوط (8)،

______________________________

في بدله.

ثانيهما: عدم الضمان، و ذلك لمقدمتين.

الاولى: عدم ضمان منافع الوقف العام المستوفاة.

الثانية: الملازمة بين العين و المنفعة في الضمان، و حيث لا تضمن المنفعة مطلقا- استوفيت أو فاتت- فلا تضمن العين أيضا.

فإن قلت: حديث «على اليد» مثبت للضمان، فتنتفي الملازمة بين العين و المنفعة.

قلت: لا موضوع للحديث في الوقف العام، لاختصاص مفاده بضمان الأملاك، أي وضع اليد على الأموال المضافة إلى الملّاك، بقرينة وجوب أداء البدل إليهم. و حيث إنّ الوقف العام كالمسجد فكّ للملك- لا تمليك للمصلّين و العابدين- كان خارجا عن الحديث موضوعا.

هذا مبنى الوجهين. و قوّى صاحب المقابس الضمان، و جعله المصنف أحوط.

(1) هذا وجه الضمان، و قد تقدّم توضيحه آنفا.

(2) هذا وجه عدم ضمان إتلاف الوقف العام، و قد تقدم أيضا بقولنا: «ثانيهما: عدم الضمان .. إلخ».

(3) هذا إشارة إلى الملازمة بين ضمان العين و منافعها، و هي المقدمة الثانية.

(4) هذا إشارة إلى نفي الصغرى، أي: عدم ضمان منافع الوقف لو استوفاها من لا يستحقّها.

(5) المراد به مكان خزن الأموال و البضائع فيه.

(6) هذا ردّ لما استدلّ به للضمان، و قد تقدّم بقولنا: «فإن قلت .. قلت».

(7) و لا مالك للعين الموقوفة حتى يؤدّى البدل إليه، لتحرر هذه الأوقاف العامة عن الإضافة إلى مالك.

(8) الوجه في كون الضمان أحوط هو احتمال كفاية إضافة مّا في الضمان، و هذه

ص: 609

و قوّاه بعض (1).

[صور جواز بيع الوقف]
اشارة

إذا عرفت جميع ما ذكرناه (2)، فاعلم أنّ الكلام في جواز بيع الوقف يقع في صور:

______________________________

الإضافة متحققة في الوقف العام، لثبوت حق الانتفاع للموقوف عليهم و إن لم يتملّكوا العين و منافعها.

و لعلّه يمكن الاستشهاد لكفاية إباحة الانتفاع بما ورد من ضمان «من أضرّ بطريق المسلمين» مع عدم كونها ملكا لهم، و إنّما يباح لهم الانتفاع بالاستطراق فيها. مضافا إلى السيرة القطعية على الضمان.

(1) و هو صاحب المقابس قدّس سرّه، حيث قال بعد بيان مستند الوجهين: «و هذا هو الأصحّ» «1».

(2) صور جواز بيع الوقف أي: ما ذكرناه من أوّل مسألة بيع الوقف إلى هنا، و محصّله أمور:

الأوّل: الاستدلال على منع البيع بالإجماع و النصوص.

الثاني: انقسام الوقف إلى مؤبّد و مؤقّت، و المؤبّد إلى ما يكون فكّا للملك و تحريرا له كالمسجد و ما الحق به، و ما يكون تمليكا للموقوف عليه، و أنّ البحث في جواز بيعه بطروء الأسباب مختصّ بالوقف التمليكي، لا التحريري.

الثالث: نقل كلمات الفقهاء، و ما يستفاد منها من أقوال ثلاثة.

فبعد الفراغ من حرمة بيع الوقف في الجملة تعرّض المصنف قدّس سرّه للصور التي قيل بجواز البيع فيها، و جمعها صاحب المقابس قدّس سرّه في ثمان صور «2»، و جعلها في المتن عشرة.

و استفاد صاحب الجواهر قدّس سرّه من أقوال الفقهاء اثني عشر أمرا، و إن كان بعضها مختصّا بالوقف المنقطع، فراجع «3».

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 64

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 43- 63

(3) جواهر الكلام، ج 22، ص 366 و 367

ص: 610

[الاولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به]
اشارة

الاولى: أن يخرب الوقف بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه (1)،

______________________________

(1) الصورة الأولى: أن يخرب بحيث لا ينتفع به ينبغي بيان أمرين قبل توضيح المتن.

الأوّل: أنّ المصنف قدّس سرّه خصّ البحث عمّا يتعلق بخراب الوقف في صور أربع من الصور العشر، و هي الصور الثلاث الأول و الصورة الثامنة، إلّا أنّ المبحوث عنه في الثامنة هو الأداء إلى الخراب لا الخراب الفعلي، بخلاف الصور الثلاث. و الجامع بينها هو عدم الانتفاع أو ندرته بما يلحق بالمعدوم، و ذكر «الخراب» لمقدميته لسقوط الوقف عن قابلية الانتفاع به في الجهة المقصودة.

و يستفاد هذا من الكلمات المنقولة، كقولهم: «متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع به» «1».

و سيأتي كلام المصنف في الصورة الثانية من أنّ المناط هو عدم النفع حتى لو كان لعارض غير الخراب.

و قال في المقابس: «الصورة الرابعة: أن يباع بعد خرابه، و ما في حكم ذلك، بأن يصير بحيث لا يجدي نفعا» «2».

و حيث كان الخراب الفعلي مشتركا بين الصور الثلاث الأول، فنقول في الفرق بينها: إنّ العين إمّا أن تسقط عن قابلية الانتفاع المقصود كلية، كما إذا نحرت الناقة الموقوفة، فلم يبق موضوع للانتفاع منها بالركوب و نحوه، فالباقي هو اللحم، و الانتفاع بإعدامه بالأكل أو ببيعه، و إلّا فيفسد و ينتن، فتنتفي قابلية الأكل أيضا. و هذا مورد الكلام في الصورة الاولى.

و إمّا أن تسقط العين عن مقدار معتدّ به من المنفعة، فما بقي منها كالمعدوم عرفا

______________________________

(1) هذا نصّ كلام السيد في الانتصار، كما تقدم في (ص 560) و بمضمونه كلمات جماعة، فراجع الأقوال المنقولة في المتن، في ص 558- 570

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

ص: 611

كالحيوان المذبوح (1)، و الجذع البالي، و الحصير الخلق.

______________________________

لا بالدقة، مع استعداد البقاء كالدار المنهدمة التي يقلّ الانتفاع بعرصتها. و هذا مورد الصورة الثانية، و سيأتي فيها التفصيل بين فرضين.

و إمّا أن يكون خراب الوقف بحيث تقلّ منفعته بالنسبة إلى ما كانت عليه قبل عروض الخراب. فما بقي من المنفعة لم يكن في القلّة كالمعدوم ليلحق بالصورة الثانية، و لم يكن مسلوبا بالمرّة ليلحق بالصورة الأولى.

الأمر الثاني: أنّ سقوط العين عن قابلية الانتفاع- في الصورة الأولى- يراد به تعذر انتفاع البطون اللاحقة لو ترك الوقف بحاله، كما مثّل له بالحيوان المذبوح، فإنّه على شرف الضياع لو لم يبع، لا سقوطها عن إمكان الانتفاع حتى بالنسبة إلى البطن الموجود، إذ معه لا مالية لها، مع أنّ البيع مبادلة مال بمال. فالمراد صيرورة الوقف بحيث لو جاز للبطن الموجود الانتفاع بالعين لكان ذلك بإتلافها.

و الشاهد على أن المراد بالخراب هنا- بحيث لو انتفع البطن الموجود كان بإتلاف العين- هو قوله بعد أسطر: «و الحاصل: أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتى يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن الموجود به بالإتلاف ..».

إذا تمهّد هذان الأمران، فنقول: إنّ المصنف قدّس سرّه استدلّ في الصورة الأولى أوّلا على جواز البيع، و ثانيا لما يترتّب عليه من أمور:

منها: حكم الثمن من جهة اختصاصه بالبطن الموجود، و عدمه.

و منها: توقف وقفية الثمن على إنشاء الوقف، و عدمه.

و منها: وجوب إبدال الثمن بما هو أصلح للبطون.

و منها: في المتولّي لبيع الموقوفة الخربة.

و منها: ما لو تعذّر شراء بدل العين. و تعرّض في آخر المسألة لحكم ما لو خرب بعض الوقف، و بقي بعضه. و سيأتي الكلام في كلّ منها بتبع المتن.

(1) كالناضح الموقوف على المسجد إذا اقتضت المصلحة نحره، أو الشاة الموقوفة عليه أيضا إذا ذبحت، بحيث لو لم ينتفع البطن الموجود بلحم الحيوان ببيعه مثلا، خرج عن

ص: 612

[الأقوى جواز بيعه لعدم المانع]

و الأقوى جواز بيعه (1)، وفاقا لمن عرفت ممّن تقدّم نقل كلماتهم (2)،

______________________________

حيّز الانتفاع به حقيقة. و كذا الحال في الجذع البالي و الحصير الخلق.

(1) هذا شروع في إقامة الدليل على الخروج من عموم منع بيع الوقف، و قد تقدم أنّ جواز بيع الوقف بنظر المصنف قدّس سرّه حكم تعبّدي لا ينافي حقيقته، و لا يوجب بطلانه.

و تقدّم أيضا في جملة الأقوال المنقولة في المتن استثناء صورة خرابه من عموم المنع، فالقول بجواز البيع في هذه الصورة لا يخالف المشهور، و إن حكي المنع عن جماعة، قال في المقابس في عدّ الأقوال: «أحدها: المنع مطلقا، و هو قول المانعين مطلقا، و القاضي و الشيخ في النهاية و ابن سعيد و الطوسي» «1».

و أمّا الدليل على جواز البيع، فالظاهر عدم نهوض ما يجوّزه في خصوص حال الخراب، فالمقصود النظر في ما تقتضيه القاعدة، فنقول: اقتصر في المتن هنا على نفي المانع، أي: قصور ما احتجّوا به على عدم جواز بيع الوقف. و سيأتي تفصيله.

و حيث إنّ إثبات جواز البيع منوط بوجود المقتضي و فقد المانع، فلا بدّ من بيان المقتضي أوّلا، ثم إبطال وجوه المنع. و لم يظهر مراد الماتن قدّس سرّه من المقتضي لجواز البيع، و هو لا يخلو من أحد وجهين.

الأوّل: أن يكون مراده هو المقتضي في كلّ من مقام الثبوت و الإثبات. أمّا المقتضي الثبوتي فهو الملك، لفرض كون العين الموقوفة ملكا للموقوف عليهم، فصغرى «لا بيع إلّا في ملك» محقّقة. و أمّا المقتضي الإثباتي فهو إطلاق حلّ البيع، و الأمر بالوفاء بالعقود، و التجارة عن تراض.

الثاني: أن يكون مراده خصوص المقتضي الثبوتي، و هو ما سيأتي في (ص 619) بقوله: «و الحاصل: أن الأمر دائر بين تعطيله .. إلخ».

و كيف كان فالمقصود فعلا عدم شمول الأدلة المانعة- و هي ثلاثة- للمقام، كما سيظهر.

(2) كالمفيد و السيّد و العلّامة في التذكرة قدّس سرّهم، حيث عبّروا بالخراب، و كسلّار القائل بأنّه «لو تغيّر الحال في الوقف حتى لا ينتفع به» و كالسيّد أبي المكارم المجوّز للبيع

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 62

ص: 613

لعدم جريان أدلّة المنع.

أمّا الإجماع فواضح (1).

و أمّا قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» «1» فلانصرافه إلى غير هذه الحالة (2) [1].

______________________________

في لو ما «صار بحيث لا يجدي نفعا» و غيرهم، فراجع (ص 561- 563- 566).

(1) أمّا أوّلا، فلمنع تحققه على عدم جواز بيع الوقف مطلقا، مع ذهاب معظم المجمعين إلى جواز بيعه عند الخراب و سلب المنفعة، و قد تقدمت كلماتهم.

و لا أقلّ من الشك في شمول الإجماع لما إذا خرب الوقف. و حيث إنّه دليل لبّي فالمتعين الاقتصار على المتيقن من مورده، و هو ما عدا صورة الخراب.

و أمّا ثانيا، فلاحتمال كونه مدركيا، فلا عبرة به حينئذ، لعدم كشفه عن رأي المعصوم عليه السّلام و لا عن دليل معتبر.

(2) يعني: أنّ النهي عن بيع الوقف في رواية علي بن راشد و إن كان إطلاقه شاملا لما إذا خربت الموقوفة، إلّا أنّه ينصرف إلى ما ينتفع به البطن الموجود فعلا، و ما يكون قابلا لانتفاع البطن اللاحق. فصيرورته مسلوب المنفعة غير مندرج في منع بيع الوقف.

و قد سبق التنبيه على هذا الانصراف في (ص 520) بقوله: «ان هذا الإطلاق نظير الإطلاق المتقدم في رواية ابن راشد في انصرافه إلى البيع لا لعذر» و عدّ من موارد العذر عدم الانتفاع به أصلا، فراجع.

فإن قلت: لا وجه للانصراف في رواية ابن راشد، لكون السؤال عن حكم أرض

______________________________

[1] لكنّه ليس بمثابة تطمئنّ به النفس و يقيّد الإطلاق، لعدم كون غلبة الوجود خارجا صارفا للطبيعة إلى فردها الغالب، و هو الوقف العامر، ما لم توجب الغلبة التشكيك في الصدق. بل يمكن منع ندرة الوجود هنا، فإنّ كل عين موقوفة مآلها إلى البوار و الخراب عادة، فليست حالة الخراب قليلة بالقياس إلى حالة العمران.

______________________________

(1) وسائل الشيعة، ج 13، ص 303، الباب 6 من أبواب الوقوف، ح 10

ص: 614

و أمّا قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» «1» فلا يدلّ (1) على

______________________________

خربة عمّرها المشتري جاهلا بالحال. فالالتزام بجواز بيع الوقف بطروء الخراب ينافي النهي عن الشراء بالنسبة إلى مورد السؤال.

و بعبارة أخرى: لو كان قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» غير مسبوق بالسؤال اتّجه انصراف النهي إلى صورة وجود المنفعة فعلا، و خروج مورد عدم انتفاع الموقوف عليهم عن إطلاق النهي. لكنّ سبق السؤال- و موافقة الجواب له- يمنع الانصراف المزبور.

و عليه فالحكم بمنع شراء الوقف إمّا مختص بمورد السؤال و هو الأرض الميتة، و إمّا هو حكم طبيعي الوقف، سواء أ كان ذا منفعة فعلا أم مسلوب المنفعة كذلك.

قلت: نعم، و إن كان النهي عن شراء الوقف واردا في الأرض الميتة، إلّا أنّ المقصود الاستدلال بإطلاق النهي، و المدّعى الانصراف عمّا إذا سقط عن قابلية الانتفاع رأسا، و ذلك لأنّ غرض الواقف بقاء الموقوفة لتكون صدقة جارية ينتفع بها الموقوف عليه أبدا، و يمتاز الوقف عن أقسام التصدق بالدوام، فلا بد من قابلية البقاء ليترتب عليه حكم الوقف، و المفروض في الصورة الأولى سقوط العين عن الانتفاع.

و عليه فلا مانع من انصراف إطلاق النهي إلى ما إذا كانت المنفعة موجودة بالفعل كالأرض المشغولة بالزرع، أو أمكن الانتفاع بها كالأرض البائرة فعلا مع إمكان الزرع فيها، كما هو مورد السؤال. فلو لم تكن مزروعة بالفعل و لم تصلح للزرع- كما إذا انقطع الماء عنها- فهي ميتة، و يلحقها حكمها، هذا.

و الحاصل: أنّ النهي عن شراء الوقف ليس مطلقا، بل ما دام الانتفاع به ممكنا، و المفروض انتفاء الثمرة رأسا، فشمول النهي له حينئذ لا يخلو من قصور.

(1) ناقش المصنف قدّس سرّه في دلالة مكاتبة الصفار على منع بيع الوقف- الساقط عن قابلية الانتفاع به- بوجهين:

الأوّل: أنّ قوله عليه الصلاة و السلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» ليس دليلا تعبديا على منع بيع الوقف كي يتمسّك بإطلاقه لحرمة بيعه حتى في مورد سلب المنفعة تماما، بل هذا الحديث- بملاحظة سبق السؤال عن خصوصيات مأخوذة في إنشاء

______________________________

(1) تقدمت مصادر الحديث و ألفاظه في ص 510، فراجع.

ص: 615

المنع هنا (1)، لأنّه (2) مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفيّة المرسومة في إنشاء الوقف، و ليس منها (3) عدم بيعه، بل (4) عدم جواز البيع من أحكام الوقف و إن ذكر في متن العقد، للاتفاق (5) على أنّه (6) لا فرق بين ذكره فيه (7) و تركه، و قد تقدّم ذلك (8)،

______________________________

الواقفين- ناظر إلى إمضاء الوقف على حسب ما رسمه الواقف، من تعيين الموقوف عليهم عموما و خصوصا، و كيفية صرف المنفعة فيهم، و غير ذلك مما قرّره من قيود و شروط.

و من المعلوم أنّ عدم جواز بيع الوقف حكم تعبدي سواء ذكر في الإنشاء، كما ورد من قوله عليه الصلاة و السلام: «صدقة لا تباع و لا توهب» أم لم يذكر، كما لو اقتصر الواقف على قوله: «هذه الدار وقف على أولادي بطنا بعد بطن، فإن انقرضوا كانت للفقراء مثلا».

و عليه فالإستدلال بإطلاق الحديث الشريف على حرمة بيع الوقف حتى لو سقط عن الانتفاع به، غير ظاهر، لعدم كونه متكفّلا لحكم منع أصل البيع فضلا عن إطلاقه لمورد الخراب. هذا توضيح أوّل الوجهين، و سيأتي الوجه الثاني.

(1) أي: في الصورة الاولى، و هي خراب الوقف بحيث لا ينتفع بعينه إلّا بالإتلاف أو البيع.

(2) أي: لأنّ قوله عليه السّلام: «الوقوف ..» غير ناظر إلى منع بيع الوقف حتى يتشبث بإطلاقه للمقام، بل هو مسوق لإمضاء ما رسمه الواقف.

(3) أي: و ليس من الكيفية المرسومة عدم بيعه، ضرورة عدم الفرق في كون منع البيع حكما شرعيا- لا مقوّما للوقف- بين أخذه في الإنشاء و عدمه.

(4) ظاهره العطف على قوله: «و ليس منها عدم بيعه» و غرضه إثبات أنّ منع بيع الوقف و إن كان مسلّما، لكنه ليس لأجل لحاظه في الإنشاء، بل لأجل استفادته من أدلة أخرى حتى لو لم يصرّح الواقف به.

(5) تعليل لكون منع البيع حكما تعبديا و لا ربط له بجعل الواقف.

(6) الضمير للشأن، و يمكن رجوعه إلى عدم البيع.

(7) أي: في متن العقد، و ضميرا «ذكره، تركه» راجعان إلى عدم البيع.

(8) أي: تقدّم في (ص 539) كون عدم جواز البيع من أحكام الوقف، حيث قال في مناقشة الجواهر: «إنّ المنع عن البيع ليس مأخوذا في مفهومه».

ص: 616

و تضعيف (1) قول من قال ببطلان العقد إذا حكم بجواز بيعه [1].

و لو سلّم (2) أنّ المأخوذ في الوقف إبقاء العين، فإنّما (3) هو مأخوذ فيه من حيث كون المقصود انتفاع البطون به (4) مع بقاء العين، و المفروض (5) تعذّره هنا.

______________________________

(1) معطوف على «ذلك» أي: تقدّم تضعيف قول كاشف الغطاء و صاحب الجواهر قدّس سرّهما من منافاة جواز بيع الوقف لماهيته و حقيقته، حيث قال في (ص 538): «و إن أريد به انتفاء أصل الوقف- كما هو ظاهر كلامه- حيث جعل المنع من البيع من مقوّمات مفهوم الوقف، ففيه ..».

(2) هذا ثاني وجهي المناقشة في المكاتبة، و توضيحه: أنّه لو أغمض عن كون منع بيع الوقف حكما تعبديا- و التزم بكونه ملحوظا للواقف في مقام الإنشاء، لأنّ غرضه من حبس الأصل و تسبيل المنفعة إبقاء العين على حالها، بحيث لا تنتقل من الموقوف عليهم إلى الغير، و المفروض إمضاء الشارع له- قلنا في جوابه: إنّ اعتبار بقاء العين في متن العقد لا يمنع من بيع الوقف لو صار مسلوب المنفعة، لكون مقصود الواقف انتفاع البطون بالعين، فمع سقوطها عن قابلية الانتفاع بها لا غرض له في إبقائها. و عليه فلا مانع من بيعها من جهة رعاية نظر الواقف و شرطه في الإنشاء.

(3) جواب «لو سلّم» و ضمير «هو» راجع الى إبقاء العين.

(4) هذا الضمير و ضمير «فيه» راجعان إلى الوقف.

(5) يعني: و مفروض كلامنا في الصورة الاولى هو تعذّر انتفاع البطون اللّاحقة بالعين الموقوفة، كالحيوان المذبوح.

______________________________

[1] لا يخفى منافاة كلامه هنا لما سبق في أوّل المسألة من الاستدلال بالمكاتبة على عدم جواز بيع الوقف كما نبّه عليها جلّهم، سواء أ كان المنع مدلولا مطابقيا للحديث بجعل الوقف متقوما بالمنع عن البيع، و هو الّذي نفاه هنا، لكون حرمة التصرفات الناقلة من الأحكام الشرعية لا مقوّما لحقيقته. أم مدلولا التزاميّا له، بجعل إبقاء العين على حالها لازما لحبس العين و تسبيل المنفعة إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها. و هو- كما أفيد- مبنى الاستدلال به في صدر المسألة، لامتياز الوقف- عمّا عداه من التصدق- بكونه صدقة جارية.

ص: 617

..........

______________________________

و قد يوجّه التنافي المزبور بما في حاشية الفقيه المامقاني قدّس سرّه من: أنّ كلام المصنف قدّس سرّه هنا متضمن لوجهين:

أحدهما: ما أفاده بقوله: «لأنّه مسوق لبيان وجوب مراعاة الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف، و ليس منها عدم بيعه» بأن يراد من الجملة الأخيرة أنّ عدم بيعه في حال الخراب- بحيث لا يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه- ليس من الكيفية المرسومة في إنشاء الوقف، فلا مانع من ناحية إنشاء الواقف من البيع في حال الخراب. و هذا لا ينافي كون عدم جواز بيعه- مع قابلية الانتفاع به- مرسوما في العقد.

ثانيهما: ما أفاده بقوله «بل عدم جواز البيع من أحكام الوقف» إذ مقصوده من الإضراب و الترقي أنّ أخذ عدم البيع غير دخيل أصلا في المنع، لكونه حكما تعبديا.

و لا يخفى أن المنافي لما في صدر المسألة هو هذا الوجه الثاني دون الأوّل، فإنّ مبنى الاستدلال بالحديث على عدم جواز البيع هو أخذه في أصل الوقف و موضوعه، و إن كان على خلاف مذهب المصنف، فتأمّل «1».

لكن يمكن أن يقال: إنّ حمل العبارة على إفادة وجهين خلاف الظاهر، لظهور كلمة «بل» في كون ما بعدها تتمة لما سبقها، لا أنّها وجه آخر. خصوصا بملاحظة أنّ حمل قول المصنف «و ليس منها عدم بيعه» على «عدم بيعه في حال الخراب» ربما ينافي ما سيأتي في الوجه الثاني من قوله: «و لو سلّم أنّ المأخوذ في الوقف إبقاء العين» لظهوره في ابتناء الوجه الأوّل على عدم أخذ بقاء العين في الوقف. و معه يشكل حمله على أخذ عدم البيع في الصيغة إلّا في حال الخراب. و لعلّ أمره قدّس سرّه بالتأمل إشارة إلى ما ذكرناه.

و يشكل كلام المصنف قدّس سرّه هنا بأنّ الحديث لو كان إمضاء لما يرسمه الواقف كان مقتضى الإطلاق الحكم بعدم جواز البيع المدلول عليه مطابقة أو التزاما، و لا موجب لاختصاص الإمضاء بما عدا المنع عن البيع، هذا.

______________________________

(1) غاية الآمال، ص 450

ص: 618

و الحاصل (1) أنّ جواز بيعه هنا (2) غير مناف لما قصده الواقف في وقفه (3)، فهو ملك للبطون (4) يجوز لهم البيع إذا اجتمع إذن البطن الموجود مع أولياء سائر البطون، و هو الحاكم، أو المتولّي (5).

و الحاصل (6) أنّ الأمر دائر بين تعطيله حتّى يتلف بنفسه، و بين انتفاع البطن

______________________________

(1) هذا حاصل ما أفاده بقوله: «و لو سلّم» و توضيحه: أنّ قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها» لمّا كان مسوقا لإمضاء ما قرّره الواقف، و ليس ناظرا إلى تأسيس حكم تعبدي كمنع البيع، و كان غرض الواقف من تحبيس الأصل و تسبيل الثمرة دوام المنفعة، و لم يتعلق قصده ببقاء العين التي انقطعت ثمرتها، فلا مانع من هذه الجهة عن البيع، إذا تصدّاه المالك، و هو صنفان: أحدهما: البطن الموجود المالك للموقوفة فعلا، و ثانيهما: البطون اللاحقة المالكة شأنا حسب ما عيّنه الواقف من جعل العين ملكا للبطون بترتيب خاص، و الوليّ عليهم إمّا المتولّي للوقف إن كان، و إمّا الحاكم الشرعي.

و قد تحصّل إلى هنا: انتفاء المانع عن بيع الوقف في صورة الخراب.

(2) أي: في الصورة الاولى، و هي سقوط العين عن حيّز الانتفاع كالحيوان المذبوح.

(3) حتى يقال بلزوم رعاية الكيفية المرسومة في الوقف، و عدم جواز بيعه.

و الوجه في عدم المنافاة ما تقدم من أن الواقف لم يقصد حبس العين حتى حال خرابها، و لا إطلاق لإنشائه لهذه الحالة.

(4) أي: أعم من البطن الموجود و البطون المعدومة، فالوقف كسائر الأملاك المشتركة يبيعه الملّاك بأنفسهم أو أولياؤهم، أو الجميع كما في المقام.

(5) كما سيأتي تفصيله في (ص 661) بقوله: «ثم إن المتولّي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم ..».

(6) هذا الحاصل كما نبّه عليه غير واحد- منهم المحقّقان الأصفهاني «1»

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 264

ص: 619

الموجود به بالإتلاف، و بين تبديله بما يبقى و ينتفع به الكلّ.

______________________________

و الإيرواني «1» قدّس سرّهما- ليس متحصّلا من كلامه السابق، لكون ما تقدم متمحّضا في دفع الموانع عن جواز بيع الوقف إذا خرب. مع أنّ المذكور بقوله: «و الحاصل» إثبات للمقتضي لجواز البيع أو للزومه.

نعم قال المحقق الايرواني: «إلّا أن يكون غرضه التمسك بعموم أدلة المعاملات، مثل: أوفوا، و: أحلّ، بدفع مزاحماتها» فتأمّل في العبارة حقّه.

و كيف كان فتوضيح ما أفاده قدّس سرّه: أنّ المقتضي لجواز البيع- من جهة غرض الواقف عند عروض ما يسقطه عن الانتفاع- موجود، و ذلك لدوران أمر الوقف بين شقوق ثلاثة:

أوّلها: إبقاؤه معطّلا حتى يتلف بنفسه، كعدم الانتفاع بلحم الحيوان المذبوح حتى ينتن، و كترك الحصير الخلق حتى يتلاشى، و هكذا.

ثانيها: الحكم بجواز انتفاع البطن الموجود به بإتلافه، كأكل لحم الحيوان المذبوح، و جعل الحصير و الجذع البالي وقودا.

ثالثها: الحكم بجواز البيع و تبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ، سواء البطن الموجود و البطون المتأخرة.

أمّا الشق الأوّل فبطلانه واضح، لأنّ تعطيل الوقف حتى يتلف تضييع للمال الذي تعلّق به حقوق ثلاثة، و هي حقّه تبارك و تعالى، لنهيه عن فساد المال و الإسراف و التبذير. و حقّ الموقوف عليه بالانتفاع المادّي، و حقّ الواقف بأن يثاب معنويّا.

و أمّا الثاني- و هو اختصاص البطن الموجود بجواز الانتفاع به و إتلافه- فممنوع أيضا، لأنّه و إن كان مالكا بالفعل له، إلّا أنّ المنشأ هو الملك الترتيبي لكافّة الطبقات، فلها حقّ في العين، و من المعلوم منافاة جواز الإتلاف لذلك الحقّ. و لو جاز للبطن الموجود إتلافه لجاز بيعه و صرف ثمنه، لاشتراك البيع و الإتلاف في حرمان البطون المتأخرة من الوقف.

و أمّا الثالث- و هو جواز تبديله بالبيع- فهو المتعيّن، لما فيه من مراعاة الحقوق الثلاثة، لينتفع كافة البطون، فإنّ الواقف و إن قصد حبس العين دائما، و لذلك قد يقترن

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 174

ص: 620

و الأوّل (1) تضييع مناف لحقّ اللّه و حقّ الواقف و حقّ الموقوف عليه.

______________________________

الوقف بمثل قوله: «حتى يرث اللّه الأرض و من فيها» إلّا أنّ العين لمّا كان مآلها إلى الخراب و الفناء عادة، فلا بد و أن يكون الملحوظ حال الإنشاء حبسها ما أمكن الانتفاع بها، و لو تعذّر فببدلها، و هكذا إلى أن ينتفي الموضوع بطروء التلف. و رعاية هذا الغرض لا تحصل إلّا بجواز التبديل بمعناه الأعم الصادق على الوجوب أيضا.

(1) و هو تعطيل الوقف المشرف على التلف حتى يتلف بنفسه، فإنّه تضييع للمال و إتلاف له، و هو من الإسراف المحرّم.

قال الفاضل النراقي- بعد جعل الإسراف تضييعا للمال، أو صرفه في ما لا يليق بحاله، أو في ما لا يحتاج إليه- ما لفظه: «أمّا التضييع فمصداقه واضح، و هو إتلافه، كإهراق الماء، و طرح النواة، و إهراق اللبن و الدّبس، و نحو ذلك ممّا لا يعدّ خرجا و صرفا للمال أيضا. بل يقال: إنه جعله بلا مصرف، أو صرفه على وجه لا تترتب عليه فائدة أصلا، لا دينية و لا دنيوية» «1».

فإن قلت: إنّ ما دلّ على حرمة التضييع مطلقا- وقفا كان أو غيره- معارض بالعموم من وجه بما دلّ على منع بيع الوقف، الشامل بإطلاقه لمثل المقام، و هو خرابه و سقوطه عن حيّز الانتفاع به. و في مثله لا مجال للتشبث بعموم النهي عن إتلاف المال و إفساده، إلّا بوجود مرجّح له على حرمة بيع الوقف، و لولاه لم يتجه التمسك بعموم حرمة التضييع على جواز البيع هنا، بل يمكن تخصيص عموم النهي، لكون الإتلاف مستندا إلى نهي الشارع عن البيع، فيكون كأمره بإتلاف المال في الهدي، و إعدام آلات اللهو، و غيرهما، هذا.

قلت: لا مورد للمعارضة في المقام فضلا عن تقديم الأدلة المانعة عن بيع الوقف.

و ذلك لأنّ كلام المصنف: «و الحاصل: أن الأمر دائر ..» إمّا أن يكون بيانا لوجود المقتضي لجواز بيع الوقف الخراب- كما لا يبعد وفاقا لمن أشرنا إليه- و إمّا أن يكون دليلا ثانيا على الجواز كما اختاره البعض. و لا معارضة على كلا الاحتمالين أصلا.

أمّا على الاحتمال الأوّل فلأنّ المصنف قدّس سرّه منع من شمول الأدلة الناهية عن بيع الوقف للمقام، فلم يبق إلّا عموم حرمة التضييع و الإتلاف.

______________________________

(1) عوائد الأيام، ص 633

ص: 621

..........

______________________________

و أمّا على الاحتمال الثاني فلأنّه لا مجال للمعارضة فضلا عن التخصيص، لوجود المرجّح، و هو ثبوت حرمة الإسراف و التضييع بضرورة الدين و بالآيات الكثيرة و الأخبار المتضافرة، كقوله تعالى وَ لٰا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لٰا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ* «1» و أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحٰابُ النّٰارِ «2» و لٰا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كٰانُوا إِخْوٰانَ الشَّيٰاطِينِ «3» و غيرها «4».

و كقول أبي عبد اللّه عليه السّلام فيما رواه ابن أبي يعفور عنه: «قال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: ما من نفقة أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ من نفقة قصد، و يبغض الإسراف إلّا في الحجّ و العمرة» «5». و عدّه من الكبائر في رواية العيون «6».

و من المعلوم أنّ النهي عن شراء الوقف- لو سلّم إطلاقه لصورة الخراب- قاصر عن معارضة الكتاب الصريح في حرمة الإسراف و مبغوضيته [1].

و بالجملة: إن المقتضي لحرمة تعطيل الوقف- حتى يتلف بنفسه- موجود، لكونه تضييعا محرّما، و منافيا للحقوق المتعلقة بالعين الموقوفة. و المانع مفقود، لما عرفت من قصور الدليل المانع من بيع الوقف عن شموله لفرض الخراب، و لو سلّم شموله له لم يصلح للمعارضة مع ما هو قطعي الدلالة و السند.

______________________________

[1] هذا بناء على كون تضييع المال و إفساده و تبذيره من المفاهيم الملقاة إلى العرف و إمكان تخصيص عموم النهي عنه، فيكون مثل الأمر بإتلاف آلات اللهو تضييعا

______________________________

(1) الأنعام، الآية 141 و الأعراف، الآية 31

(2) الغافر، الآية 43

(3) الإسراء، الآية 26 و 27

(4) راجع عوائد الأيام، ص 615 و 616

(5) وسائل الشيعة، ج 8، ص 107، الباب 55 من أبواب وجوب الحج، ح 1، و ص 305، الباب 35 من أبواب آداب السفر الى الحج، ح 1

(6) عيون أخبار الرضا عليه السّلام، ج 2، ص 127، وسائل الشيعة، ج 11، ص 261، الباب 46 من أبواب جهاد النفس، ح 33

ص: 622

و به (1) يندفع استصحاب المنع،

______________________________

(1) أي: و بكون تعطيل الوقف تضييعا محرّما منافيا للحقوق الثلاثة يندفع استصحاب المنع. و تقريب الاستصحاب: أنّه- بناء على عدم تمامية الإطلاق في مثل رواية ابن راشد- لا ريب في موضوعية الوقف لحرمة الشراء في الجملة، و يشكّ في زوال الحرمة بصيرورته مسلوب المنفعة، فيستصحب المنع، و من المعلوم عدم الفرق في منع بيع الوقف بين كون الدليل عليه أمارة كإطلاق قوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقوف» الشامل للعامر و الخراب، و بين كونه أصلا عمليّا.

و ناقش المصنف قدّس سرّه فيه بوجهين:

الأوّل: أنّ الأصل محكوم بالدليل الاجتهادي المجوّز للبيع، و هو حرمة تضييع المال و إتلافه، و بقيام الحجة على انتقاض الحرمة المتيقنة سابقا لا معنى للاستصحاب.

______________________________

تشريعا، و إعدامها خارجا تضييعا تكوينا.

و كذا بناء على إباء لسان الأدلة الناهية عن الإسراف و التبذير عن الاستثناء و التخصيص، فإنه مرجّح لأحد المتعارضين على الآخر.

و إن أمكن التأمل في هذا الوجه بأنّ استثناء صرف المال في الحج و العمرة و نحوه- ممّا ورد الترخيص شرعا في التجاوز عن الحدّ- ظاهر في وحدة الموضوع، لا تخطئة نظر العرف و الخروج الموضوعي، و للكلام موضع آخر.

ثمّ إنّه قد يشكل ما أفاده هنا- من جواز بيع الوقف لكونه تضييعا محرّما- بمنافاته لما سيأتي في حكم الصورة السابعة من منع صدق الإضاعة على ترك بيع الوقف، حيث قال: «ان المحرّم هو إضاعة المال المسلّط عليه، لا ترك المال الذي لا سلطان له عليه إلى أن يخرب».

لكن سيأتي هناك أنّ التضييع و الإضاعة و إن اتّحدا معنى لغة كما صرّح به في اللسان و غيره، إلّا أنّ الفارق بين الصورتين إناطة صدق الإضاعة بالإتيان بعمل وجودي يتسبب به الى تلف المال، فلا تصدق على مجرّد الترك.

مضافا إلى: اعتبار كون المال تحت سلطنة الشخص، فلو انتفى الأمران- أي لم يتصرف، و كان المتروك خارجا عن السلطان- لم يصدق الإضاعة.

ص: 623

مضافا (1) إلى كون المنع السابق في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، و هو انتفاع جميع البطون بعينه، و قد ارتفع قطعا، فلا يبقى ما كان في ضمنه (2).

و أمّا الثاني (3)

______________________________

الثاني: أنّ الركن الثاني- و هو الشك في البقاء- مفقود هنا، لأنّ حرمة بيع الوقف كانت في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف، و هو انتفاع جميع البطون بالعين الموقوفة بناء على اقتضاء الأمر بشي ء النهي عن ضده. و لمّا كانت حرمة بيع الوقف لأجل وجوب العمل بمقتضى الوقف- و من المعلوم انتفاء هذا الوجوب، لعدم القدرة على العمل بمقتضى الوقف بعد خرابه- فهي مرتفعة أيضا. و مع القطع بارتفاعها لا معنى لاستصحابها.

نعم يحتمل تحريم البيع بجعل آخر، و لكن الأصل عدمه. كما تقرّر في القسم الثاني ثالث أقسام استصحاب الكلّي، و هو احتمال حدوث فرد من الكلّي مقارنا لزوال الفرد السابق.

(1) هذا إشارة إلى الوجه الثاني من الخدشة في الاستصحاب.

(2) أي: في ضمن وجوب العمل بمقتضى الوقف.

(3) معطوف على «و الأوّل» و لا حاجة إلى كلمة الشرط رعاية لوحدة سياقه مع ما سبقه و ما لحقه، و هما الأوّل و الثالث.

و كيف كان، فالمراد بالثاني جواز الإتلاف بانتفاع البطن الموجود به خاصة كأكل اللحم و حرق الحصير الخلق، بحيث لا يبقى موضوع ليتعلّق به حق البطون المتأخرة.

و تمسّك المصنف بوجهين لنفي هذا الاحتمال.

الأوّل: منافاته لحقّ سائر الطبقات، لما تقدّم من أنّ التمليك في الوقف نحو خاصّ، فهو ملك فعلي للبطن الموجود، و شأني لغيره من المعدومين. و عليه فلو جاز الانتفاع بإعدام العين كان تضييعا لحقّ سائر البطون، و المفروض تعلق غرض الواقف برعاية حقّهم، فلا يجوز اختصاص الطبقة الموجودة بالإتلاف.

الثاني: أنّ جواز اختصاص البطن الموجود بإتلاف العين يستلزم جواز بيعها و الاستقلال بالتصرف في ثمنها حتى في غير حال طروء الخراب عليها.

و وجه الاستلزام كون إتلاف الوقف و بيعه تصرّفا في مال تعلّق به حقّ الغير

ص: 624

- فمع منافاته (1) لحقّ سائر البطون [1]- يستلزم (2) جواز [2] بيع البطن الأوّل، إذ (3) لا فرق بين إتلافه و نقله.

______________________________

أعني به البطون المتأخرة. و لا ريب في منع نقل الوقف إلى الغير مع قابليته لانتفاع كافة الطبقات به تحقيقا لغرض الواقف، فيتعيّن منع الشقّ الثاني، و هو جواز إتلافه بانتفاع الطبقة الموجودة.

(1) أي: مع منافاة الثاني- و هو أن يجوز للبطن الموجود إتلاف الوقف و استقلاله بالانتفاع به- لحقّ سائر البطون. و هذا هو الوجه الأوّل المتقدم آنفا.

(2) هذا ثاني الوجهين المتقدمين. و وجه الاستلزام ما عرفته من كون كلّ من البيع و الإتلاف تصرّفا في مال متعلّق لحقّ الغير.

(3) تعليل للاستلزام المزبور.

________________________________________

[1] يمكن أن يقال: إنّ حقّ البطون اللّاحقة منوط ببقاء العين مع إمكان الانتفاع بها.

و أمّا إذا خرجت عن الانتفاع فلم يثبت حقّهم، هذا.

ثم إنّه كان المناسب التعليل بتضييع حقّ اللّه و حق الواقف في هذه الصورة، و عدم الاكتفاء بمنافاته لحق سائر البطون.

نعم تقدم الكلام في مانعية هذه الحقوق عن البيع، فراجع (ص 526).

[2] لم يظهر وجه هذا الاستلزام. فإن كان طروء الخراب على الوقف في زمان البطن الأوّل، كان حالهم حال البطن اللاحق في جواز بيع الوقف لهم. و إن لم يطرء الخراب في زمان البطن الأوّل، فما الموجب لجواز بيعهم للوقف؟

و بالجملة: الاستلزام المزبور في غاية الخفاء، هذا.

لكن يتضح وجه الاستلزام بما ذكر في التوضيح من أنّ الظاهر إرادة جواز البيع في حال عمران الوقف، ضرورة أنّه لو جاز التصرف بالإتلاف لجاز بالبيع، إذ لا فرق بينهما من جهة صدق التصرف. نعم لا ملازمة بينهما كلّية، فإنّ المباحات الأصلية أو المالكية يجوز إتلافها دون بيعها.

ص: 625

و الثالث (1) هو المطلوب.

نعم، يمكن أن يقال (2) إذا كان الوقف ممّا لا يبقى بحسب استعداده العاديّ (3) إلى آخر البطون، فلا وجه لمراعاتهم (4) بتبديله بما يبقى لهم (5)، فينتهي (6) ملكه إلى من أدرك آخر أزمنة بقائه، فتأمّل (7).

______________________________

(1) معطوف على «و الأوّل» و المراد بالثالث جواز بيع الوقف الخراب و تبديله بما يبقى لينتفع به الكلّ.

(2) استدراك على ما أفاده من اقتضاء حرمة تضييع المال- و منافاته للحقوق الثلاثة- لجواز البيع و التبديل. و حاصل الاستدراك: منع تعلق الحقّ مطلقا و في جميع الموارد، لكون الدليل أخصّ من المدّعى.

و بيانه: أنّ بعض الأوقاف يستعدّ البقاء إلى أمد معيّن، و ينتهي أمره إلى الخراب و البوار، و الواقف و إن اعتبر الدوام في إنشائه لينتفع به البطون المعدومة، إلّا أنّه لعلمه بعدم بقاء العين إلى الأبد يقصد حبسها إلى زمان قابليتها للبقاء عادة. فإذا كان بناء الدار الموقوفة ممّا يبقى مائة عام كان الموقوف عليهم بطونا ثلاثة مثلا لا أزيد، فإن خربت في عهد البطن الثالث فهي ملك لهم، و لا حقّ للطبقات المتأخرة فيها حتى يجب تبديلها بوقف آخر، بل يجوز للبطن البائع التصرف في الثمن بتمامه.

و كذا الحال في وقف الحيوان الذي يعيش عادة الى أمد، و يفنى.

(3) لأنّ مصير الموجود المادّي إلى الفناء و البوار.

(4) أي: لمراعاة البطون التي اعتبر الواقف انتفاعها بالوقف، كقوله: «هذه الدار وقف لأولادي نسلا بعد نسل، إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها» مع استعداد بقائها مائة عام مثلا، فلا حقّ للبطن الرابع و الخامس حتى يجب رعايته بتبديل الدار الخربة بمثلها، أو بما يكون أقرب إلى غرض الواقف.

(5) أي: للبطون المتأخرة عن عمر الوقف بحسب العادة.

(6) يعني: فيصير الوقف الخاص ملكا طلقا للبطن الذي أدرك آخر أزمنة بقاء الوقف، فيستقلّ به، و لا حقّ للبطن المعدوم- كالرابع و الخامس في المثال المتقدم- فيه.

(7) لعلّه إشارة إلى منع عدم تعلق حقّ البطون اللاحقة بما انتهى أمده، ضرورة أنّ ماليته باقية، و لا مانع من تعلق حقّهم بماليّته، فيشترى بثمنه ما يبقى للبطون المعدومة.

و لو سلّم عدم تعلق حقّهم به بالنسبة إلى ما بعد زمان استعداد البقاء، لم يكن وجه

ص: 626

و كيف كان (1)، فمع فرض ثبوت الحقّ للبطون اللاحقة، لا وجه [فلا وجه] لترخيص البطن الموجود في إتلافه.

[الثمن لا يخصّ به البطن الموجود]

و ممّا ذكرنا (2) يظهر أنّ الثمن على تقدير البيع (3) لا يخصّ به البطن الموجود،

______________________________

لصيرورته ملكا للبطن الموجود، بل اللازم الحكم بعوده إلى الواقف أو وارثه، لانتفاء السبب المخرج للوقف عن ملك الواقف إلى ملك آخر من ينتفع بالوقف، فهو كالوقف المنقطع، و يعود إلى الواقف، إلّا بقيام الدليل على عدم عوده إليه.

و على هذا فما تقدّم- من جواز البيع و التبديل رعاية للحقوق الثلاثة- هو المتعيّن.

(1) يعني: سواء قلنا بتعيّن بيع الوقف أم بجوازه، فلا وجه لتجويز إتلافه للبطن الموجود، لفرض تعلق حق البطون اللاحقة به، بل يدور الأمر- بناء على عدم تعيّن النقل- بين جواز البيع و تركه بحاله حتى يتلف. هذا.

و العبارة لا تخلو من شي ء، و لعلّ الأولى إسقاط: «و كيف كان».

هذا تمام الكلام في إثبات جواز بيع الوقف في الصورة الاولى، و سيأتي ما يتفرّع عليه.

(2) أي: و من كون العين الموقوفة متعلقة لحقّ البطون المعدومة يظهر أن الثمن ..

إلخ. و هذا أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع، و هو: أنّ العوض هل يختص بالبطن الموجود، أم هو ملك للبطون على حذو ملكيّة المعوّض؟ فيه قولان:

أحدهما: انتقال الثمن إلى الطبقة الموجودة خاصة، و هو ظاهر عبائر جمع، كما سيأتي ذكره في المتن.

ثانيهما: أنّ الثمن قائم مقام المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم، و شأنيا للمعدومين منهم، و هو ظاهر جماعة، و اختاره شيخنا الأعظم مستدلّا عليه بأنّه مقتضى بدلية الثمن عن المثمن، و سيأتي توضيحه.

(3) كذا في النسخ، لكن في حاشية المحقق الإيرواني قدّس سرّه «على تقدير المنع» و فسّره بقوله: «يعني: على تقدير منع البطن الموجود من إتلاف العين الذي من مصاديقه بيعه و صرف ثمنه ..» «1» و المفاد واحد، و هو عدم استقلال الطبقة الموجودة بالثمن لو بيع الوقف.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، ج 1، ص 175

ص: 627

وفاقا لمن تقدّم ممّن يظهر منه ذلك- كالإسكافي (1)، و العلّامة (2)، و ولده (3)، و الشهيدين (4)، و المحقّق الثاني (5)، و حكي عن التنقيح و المقتصر و مجمع الفائدة (6)

______________________________

(1) حيث قال في كلامه المتقدم في (ص 547): «.. لو بلغ حاله إلى زوال ما سبّله من منفعته، فلا بأس ببيعه، و إبدال مكانه بثمنه إن أمكن» لدلالة الجملة الأخيرة على إبدال العين الموقوفة بما يقوم مقامها ليسبّل منفعتها.

(2) كقوله في التحرير: «و لو قيل بجواز البيع .. و يشترى بثمنه ما يكون وقفا كان وجها» فراجع (ص 565- 566).

(3) كقوله: «.. و الأصحّ عندي جواز بيعه، و صرف ثمنه في المماثل» فراجع (ص 547).

(4) لم يتقدّم في ما نقله المصنف عن الشهيد قدّس سرّه في اللمعة و غاية المراد و الدروس ما يظهر منه حكم الثمن. و لكنّه قدّس سرّه صرّح به في غاية المراد في مسألة الجناية على العبد الموقوف- بعد الاستدلال عليه بأنّ القيمة بدل من العين، و أنّ الإبدال أقرب إلى التأبيد الذي هو مراد الواقف- بقوله: «و الأقرب أنّ البدل يجب كونه من جنس الموقوف، لأنّه أقرب إلى الوقف .. و حينئذ تجب المساواة في الذكورة و الأنوثة، و إن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» «1».

و حكى السيد العاملي عن حواشيه وجوب شراء المماثل إن أمكن، فراجع «2».

و كذا صرّح الشهيد الثاني قدّس سرّه بوجوب صرف الثمن في شراء ما يكون وقفا على ذلك الوجه، فراجع «3».

(5) صرّح به في عبارته المتقدمة في (ص 569) فراجع.

(6) الحاكي عن الفاضل المقداد و أبي العباس ابن فهد و المحقق الأردبيلي قدّس سرّهم هو السيد العاملي قدّس سرّه، في البيع و الوقف «4». و حكاه صاحب المقابس قدّس سرّه عن التنقيح

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 441 و 442

(2) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 259

(3) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 255، حاشية الإرشاد المطبوعة مع غاية المراد، ج 2، ص 442

(4) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 259، و ج 9، ص 89، لاحظ التنقيح الرائع، ج 2، ص 330، المقتصر، ص 212، مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 169

ص: 628

لاقتضاء البدليّة ذلك (1)، فإنّ (2) المبيع إذا كان ملكا للموجودين

______________________________

و المقتصر، فراجع «1».

(1) أي: عدم اختصاص الثمن بالبطن الموجود، و كونه مشتركا بين الكلّ.

ثم إنّ ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه الاستدلال على الاشتراك في الثمن بوجه واحد، و هو قوله: «فإنّ المبيع .. إلخ» إلّا أنّه يظهر بالتأمّل فيه- كما نبّه عليه المحقق الأصفهاني قدّس سرّه «2» وجهان:

أحدهما: ناظر إلى عدم المقتضي للاختصاص، و هو ما سيأتي بقوله: «و فيه أن ما ينقل إلى المشتري ..».

و ثانيهما: ناظر إلى وجود المانع عنه، أعني به تعلّق حق المعدومين بالعين. و هو قوله: «فإنّ المبيع ..» ثمّ أكّد المصنف الاشتراك بالأولوية من موردين، و سيأتي توضيح ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(2) تعليل لكون مقتضى البدلية اشتراك البطون في الثمن، لوجود المانع من الاختصاص، و توضيحه ببيان أمرين:

أحدهما: أنّ ما أنشأه الواقف- في الوقف الخاص- من جعل العين ملكا ترتيبيا للطبقات ينحلّ إلى نحوين من الملكية.

الأوّل: كون الوقف ملكا فعليا للبطن الموجود.

الثاني: كونه ملكا شأنيا للطبقات المعدومة حال الإنشاء، و تتوقف فعليته على انقضاء البطن السابق.

و الوجه في الالتزام بالملك الشأني هو امتناع فعلية الملكية مع كون المالك معدوما فعلا، فإنّ الملك نسبة بين المالك و المملوك. لكن الملك الشأني ممكن، و هو مقتضى جعل الواقف.

ثانيهما: أنّ البيع مبادلة مال بمال في جهة ما لكلّ من المالين من إضافة إلى صاحبه.

فلا يتصوّر خروج المثمن عن ملك شخص و عدم دخول الثمن في ملكه، أو دخوله في

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(2) حاشية المكاسب، ج 1، ص 265

ص: 629

بالفعل (1) و للمعدومين بالقوّة، كان (2) الثمن كذلك، فإنّ (3) الملكيّة اعتبار عرفي أو شرعي (4) يلاحظها المعتبر عند تحقّق أسبابها (5). فكما أنّ الموجود مالك له فعلا ما دام موجودا بتمليك الواقف، فكذلك المعدوم مالك له شأنا بمقتضى تمليك الواقف. و عدم تعقّل (6) الملك للمعدوم إنّما هو في الملك الفعلي لا الشأني.

______________________________

ملك شخص آخر، و لذا وجّهوا مسألة من قال: «اشتر بهذا المال طعاما لنفسك» بالتوكيل و نحوه ممّا لا ينافي حقيقة المعاوضة، كما تقدم تفصيله في تنبيهات المعاطاة «1».

و بناء على هذين الأمرين يتعيّن القول بصيرورة الثمن مشتركا بين الموجود و المعدوم من البطون، فهو ملك فعلي للموجود و شأني للمعدوم، فلا يجوز صرفه و إتلافه للطبقة الحاضرة، لمنافاته لما اعتبره الواقف، و المفروض أنّ الوقوف على حسب ما يقفها أهلها، هذا.

(1) متعلق ب «ملكا» أي: ملكا فعليا للموجودين من الموقوف عليهم. و منشأ كون الوقف ملكا فعليا للموجود و شأنيا للمعدوم هو اعتبار الواقف و جعله العين ملكا للطبقات.

(2) جواب «إذا كان» و الوجه في الملازمة بين الشرط و جوابه هو اقتضاء حقيقة المعاوضة تعنون الثمن بما كان للمثمن من عنوان و إضافة.

(3) هذا تقريب انحلال إنشاء الواقف بمثل «هذا وقف على ذرّيّتي» إلى ملكيتين فعلية و شأنية، و محصّله: أنّ الملكية المبحوث عنها ليست من الأمور المقولية المتأصلة، بل هي أمر اعتباري، أمرها بيد المعتبر. نعم قد تختلف الأنظار، فقد يعتبرها العرف دون الشرع، لكن في مثل المقام ورد الدليل على إمضاء ما عليه العرف، لكون الوقف من الاعتباريات المتداولة عند العقلاء و الملل.

(4) كاعتبار ملكية الوارث شرعا عند ارتداد المورّث، و كاعتبار ملكية الخمر عرفا لا شرعا.

(5) من حيازة مباح، أو عقد بيع، أو موت مورّث، و غيرها من الأسباب المملّكة عرفا أو شرعا، كالوقف.

(6) هذا دفع توهم استحالة كون البطون اللاحقة مالكة كمالكية البطن الموجود،

______________________________

(1) هدى الطالب، ج 2، ص 104

ص: 630

و دعوى (1) أنّ الملك الشأني ليس شيئا محقّقا موجودا، يكذّبها (2) إنشاء الواقف له (3) كإنشائه لملك الموجود.

فلو جاز (4) أن تخرج العين الموقوفة إلى ملك الغير

______________________________

إذ الملكية نسبة قائمة بالمنتسبين، و لا ملك للمعدوم.

و محصل الدفع: أنّ الممتنع هو الملكية الفعلية، لا الشأنية، فإنّها ممكنة بل واقعة خارجا، و يترتب الأثر عليها شرعا.

(1) غرض المدّعي: أنه سلّمنا إمكان الملك الشأني للمعدوم، إلّا أنّه ليس شيئا محقّقا موجودا، و الموجود في وعاء الاعتبار هو الملك الفعلي للطبقة الموجودة. و عليه فلو طرء مسوّغ البيع اختصت هي بالثمن، و لم يشاركها البطون المتأخرة حتى يجب التبديل.

و أجاب المصنف قدّس سرّه عن الدعوى بمخالفتها للوجدان، فإنّ الواقف يجعل العين ملكا للموجود و المعدوم. و لو لم يكن مقصوده ملكيتها اقتضائيا للمعدومين- و المفروض استحالة ملكيتهم بالفعل- لزم اختصاص العين بالموجودين حال عمرانها و قبل طروء الخراب، مع أنّ تعلق ملك البطون بها إجماعي. و لو كانت الملكية الشأنية ممتنعة لم يعقل الفرق بين حالتي العمران و الخراب. و عليه فلا مجال لإنكار مالكية المعدوم شأنا.

(2) خبر «دعوى» و الحاصل: أنّ تسلّم أمرين يلزمنا القول بالملك الشأني.

أحدهما: كون الملكية من اعتبارات العرف و الشرع، فقد يكون المعتبر فعليا، و قد يكون شأنيا، و قد يكون مؤلّفا منهما كما في المقام بحسب الطبقات.

ثانيهما: كون إنشاء الواقف متكفّلا لكلّ من الملك الفعلي و الشأني، و المفروض مطابقة الإمضاء للإنشاء.

(3) أي: للملك الشأني للمعدومين، كإنشائه للملك الفعلي للموجودين.

(4) هذا متفرع على كون تمليك العين للطبقات اعتبارا للملك الفعلي للموجود، و للشأني للمعدوم. و هو قياس اقتراني مؤلّف من ملزوم و لازم، و حيث إنّ اللازم- و هو التالي- باطل جزما، فكذا المقدم، و يثبت المطلوب و هو اشتراك الثمن بين الكلّ.

و بيانه: أنّه لو قيل باختصاص الثمن بالموجود، و لم نقل بملكيته الشأنية للمعدومين، لزم عدم تحقق مفهوم المعاوضة، و حيث لم تصدق المبادلة و المعاوضة فلا بدّ من الالتزام

ص: 631

بعوض لا يدخل (1) في ملك المعدوم على نهج (2) دخول المعوّض، جاز (3) أن تخرج بعوض لا يدخل (4) في ملك الموجود. و إليه (5) أشار الشهيد قدّس سرّه في الفرع الآتي، حيث قال: «إنّه- يعني الثمن- صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل (6)، إذ يستحيل (7) أن يملك لا على حدّه» «1».

خلافا (8) لظاهر بعض العبائر المتقدّمة،

______________________________

بخروج الوقف عن ملك الطبقة الحاضرة و عدم دخول الثمن في ملكها فعلا.

و وجه الملازمة: أنّه بعد تسلّم كون الوقف ملكا فعليا و شأنيا، فإن قام البدل مقام المبدل في الفعلية و الشأنية فلا كلام. و إن لم يحلّ محلّه- أي لم يكن ملكا شأنيا للمعدوم- لم يتحقق عنوان المعاوضة، فليكن الثمن باقيا على ملك المشتري و لم ينتقل إلى البطن الموجود فعلا، كما لم ينتقل إلى المعدوم شأنا، إذ المهم عدم صدق البيع و المبادلة بين المالين.

مع أنّه لا ريب في فساد هذا التالي، و أنه لا بدّ من قيام الثمن مقام المثمن في ما كان له من إضافة في ملك- فعلا أو شأنا- أو في حقّ، أو في غيرهما.

(1) صفة للعوض.

(2) متعلق ب «ملك» أي: دخول العوض في ملك المعدومين شأنا، كما كان شأن المعوّض قبل البيع.

(3) جواب الشرط في «فلو جاز» و قد تقدم وجه الملازمة آنفا.

(4) صفة للعوض، و ضمير «تخرج» راجع إلى العين الموقوفة.

(5) الظاهر رجوع الضمير إلى عدم اختصاص الثمن بالموجودين، و سيأتي كلام الشهيد قدّس سرّه في (ص 645).

(6) و حدّه كونه مشتركا بين الموجود و المعدوم.

(7) وجه الاستحالة اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام الثمن مقام المثمن بما له من الخصوصية.

(8) هذا عدل لقوله: «وفاقا لمن تقدّم» و غرضه الإشارة إلى القول الثاني في

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 442

ص: 632

و اختاره (1) المحقّق في الشرائع في دية العبد الموقوف المقتول.

______________________________

المسألة، و هو اختصاص الثمن بالبطن الموجود، كقول الشيخ المفيد قدّس سرّه في (ص 557):

«إلّا أن يخرب الوقف .. فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه، و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حلّه». فإنّ ظاهره اختصاص الثمن بالموجودين، خصوصا مع اقترانه بجواز البيع عند الحاجة الشديدة إلى الثمن، الّذي حكموا فيه بكون الثمن لهم.

و نحوه قول السيد قدّس سرّه في (ص 559): «و ممّا انفردت الإمامية به: القول بأن الوقف متى حصل له الخراب بحيث لا يجدي نفعا، جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه» و لا يبعد استفادته من كلام الديلمي، فراجع (ص 563).

(1) يعني: اختار المحقق اختصاص بدل الموقوفة بالبطن الموجود، كما تعرّض له في مستحقّ دية العبد الموقوف المقتول. و حيث إنّه لا خصوصية للعبد الموقوف كان اختصاص الثمن بالبطن الموجود حكم الوقف مطلقا عبدا كان أو دارا أو غيرهما.

قال قدّس سرّه في العبد الموقوف- إن لم يقتصّ من الجاني، و إنّما تجب عليه الدية كما إذا كان حرّا- ما لفظه: «و إن أوجبت- أي الجناية- دية أخذت من الجاني. و هل يقام بها مقامه؟ قيل: نعم، لأنّ الدية عوض رقبته، و هي ملك للبطون. و قيل:

لا، بل تكون للموجودين من الموقوف عليهم. و هو أشبه، لأنّ الوقف لم يتناول القيمة» «1».

و قال السيد العاملي قدّس سرّه- في شرح ما احتمله العلّامة قدّس سرّه من اختصاص الدية بالموجودين- ما لفظه: «كما جزم به في التبصرة، و قوّاه في المبسوط، و في الشرائع: أنه أشبه. و في التحرير: أقرب. و في الإيضاح: أنه قوي، لأنّ الوقف ابتداء متعلق بالعين، و قد بطلت بإتلافه، فامتنع أن يكون لمن سيوجد من البطون فيه حق، لأنّهم حال الجناية غير مستحقين، و إذا صاروا مستحقين يخرج التالف عن كونه وقفا ..» «2».

و قريب منه ما في الجواهر، فراجع «3».

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 219

(2) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 97

(3) جواهر الكلام، ج 28، ص 98

ص: 633

و لعلّ وجهه (1) أنّ الوقف ملك للبطن الموجود، غاية الأمر تعلّق حقّ البطون اللاحقة به، فإذا فرض جواز (2) بيعه انتقل الثمن إلى من هو مالك له فعلا، و لا يلزم (3) من تعلّق الحقّ بعين المبيع تعلّقه بالثمن، و لا دليل عليه (4). و مجرّد (5) البدليّة لا يوجب ترتّب جميع اللوازم، إذ لا عموم لفظيّ يقتضي البدلية و التنزيل، بل هو بدل له في الملكيّة و ما يتبعها (6) من حيث هو ملك.

و فيه (7): أنّ ما ينقل إلى المشتري

______________________________

(1) أي: وجه اختصاص البدل بالموجودين، و هذا الوجه- كما تقدّم آنفا- أشار إليه فخر المحققين قدّس سرّه، و محصله: أنّ العين الموقوفة ملك فعلي للموجودين، و ليس للمعدومين إلّا حقّ في العين، و حيث إنّ المفروض جواز بيعها، فإن نهض دليل على قيام البدل مقام المبدل في جميع الخصوصيات التي منها استحقاق المعدومين له على حدّ استحقاقهم للمبدل فهو. و إن لم تقم حجة على إطلاق البدلية كما هو المفروض، و كذلك لم تقتض نفس البدلية لترتب جميع آثار المبدل، على البدل، لم يكن موجب للقول باشتراك جميع الطبقات في الثمن. هذا.

(2) لما عرفت من أنّ إبقاء الوقف إلى أن يتلف بنفسه تضييع محرّم.

(3) هذا دفع توهم اقتضاء نفس البدلية- ثبوتا- لترتيب لوازم المبدل على البدل.

فإذا كان الثمن بدلا عن الوقف كان كالمثمن ملكا للجميع.

و محصل الدفع ما عرفته من منع اقتضاء البدلية الشركة في كافة الآثار، كما لا دليل عليه في مرحلة الإثبات.

(4) أي: على تعلق حقّ البطون بالثمن.

(5) هذا بيان لما أفاده من عدم استلزام تعلق الحق بالوقف تعلقه بالثمن.

(6) أي: ما يتبع الملكية من ثبوت السلطنة على الثمن و جواز التصرف المشروعة فيه.

(7) غرضه المناقشة في ما وجّه به اختصاص الثمن- أو دية العبد المقتول- بالموجودين، و توضيحها ببيان أمرين:

الأوّل: أنّ ملكية الوقف للموجودين من الموقوف عليهم و إن كانت فعلية، لكنها تختلف عن الملكية الحاصلة بأسباب اخرى كالحيازة و الإرث و العقود الناقلة من البيع و شبهه.

ص: 634

..........

______________________________

و الفارق هو: كونها في الوقف محدودة ببقاء الطبقة الاولى، و بانقضائها يصير الوقف ملكا فعليا للطبقة الثانية، و هكذا، و الكلّ يتلقّون الملك من الواقف، و ليس كالإرث بحيث ينتقل الوقف من السابق إلى اللّاحق. و الموجب لكون ملكية الموقوف عليهم موقّتة- من حيث المنتهى- بحال حياة الطبقة الحاضرة هو جعل الواقف و تمليك ماله لهم بهذا النحو، و لذا لا يجوز للبطن الفعلي التصرف في الوقف بما يزيد على زمان حياته، كما إذا آجر الدار الموقوفة لمدة خمسين عاما و قد انقرض الموجر بعد أربعين عاما، فإنّ الإجارة فضولية بالنسبة إلى عشرة أعوام، و للبطن المتأخر الإجازة و الرّد.

قال المحقق قدّس سرّه: «إذا آجر البطن الأوّل الوقف مدّة، ثم انقرضوا في أثنائها. فإن قلنا:

الموت يبطل الإجارة فلا كلام. و إن لم نقل، فهل يبطل هنا؟ فيه تردد، أظهره البطلان، لأنّا بيّنا أن هذه المدة ليست للموجودين، فيكون للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي، و بين الفسخ فيه» «1».

و قوله: «فيكون .. بالخيار» قرينة على أنّ المراد بالبطلان في قوله: «أظهره البطلان» عدم اللزوم، لكون الإجارة فضولية، و ليس مراده الفساد المقابل للصحة فعلا و تأهّلا.

الثاني: أنّهم اعتبروا في البيع إنشاء التمليك المرسل غير المحدود بزمان أو زماني، فلا يصح بيع المال إلى عشر سنين.

و بناء على هذين الأمرين نقول: إنّه لا مقتضي للقول باختصاص الثمن بالموجودين، و ذلك لأنّ البطن البائع إمّا أن يملّك الوقف- للمشتري- مقيّدا باختصاصه و هو ملكه الفعلي المختص بزمان حياته، و إمّا أن يملّكه مرسلا و غير محدود، أي نقل العين بمالها من الاختصاص الفعلي به، و الشأني بالبطون اللاحقة. فينشئ البيع لنفسه بالأصالة لكونه مالكا بالفعل، و للمعدومين بالولاية الحاصلة من إذن الحاكم الشرعي مثلا.

فعلى الأوّل يلزم كون تملّك المشتري مغيّا ببقاء البطن البائع، لفرض اقتصاره على نقل ملكيته الفعلية، و تنتهي بالموت، و لا بد من عود المبيع إلى الطبقة اللاحقة، و صيرورته ملكا لها لكونها مالكة بالفعل. مع أنه لا سبيل للالتزام بهذا التالي الباطل.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 221

ص: 635

إن كان هو الاختصاص الموقّت (1) الثابت للبطن الموجود، لزم (2) منه رجوع المبيع بعد انعدام البطن السابق [البائع] إلى البطن اللّاحق، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا (3). و إن كان (4) هو مطلق الاختصاص المستقرّ الذي لا يزول إلّا بالناقل (5)، فهو (6) لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاص الحاصلة للبطون له، فالثمن لهم على

______________________________

و على الثاني- و هو نقل الوقف بجميع اختصاصاته إلى المشتري- يثبت المطلوب، و هو قيام الثمن مقام المثمن، لكونه مقتضى المعاوضة. فيصير ملكا فعليا للموجودين و شأنيا لغيرهم، و لا موجب لاختصاصه بالبطن البائع. و يجب شراء شي ء آخر بهذا الثمن ليكون وقفا ينتفع به جميع الطبقات، هذا.

و مما ذكر ظهر أنّ المناقشة المزبورة ناظرة إلى نفي المقتضي لاختصاص الثمن بالموجودين، لكون ملكية كل طبقة محدودة بحياتها، كما أنّ ما تقدّم من الوجه الأوّل في (ص 629) ناظر إلى وجود المانع عنه، فلاحظ.

(1) المراد بالاختصاص الموقّت هو ملك البطن الموجود فعلا، و المفروض امتناع وقوع البيع عليه.

(2) جواب الشرط في «إن كان» و وجه اللزوم ما تقدّم آنفا من أن التمليك المحدود ينتهي ببلوغ أمده، و حيث كان الثمن مقابل هذا التمليك المؤقّت، فلا بد من رجوع المبيع- بعد انقراض البطن البائع- إلى مالكه الفعلي و هو البطن اللاحق. مع أن بطلان هذا الرجوع من الواضحات.

هذا مضافا إلى ما ينبّه عليه الماتن هنا من أنّ التمليك في البيع مرسل لا مقيّد بزمان أو زماني.

(3) مع أنّه لا دليل على صحة تملك المشتري للمبيع في مدّه موقتة.

(4) معطوف على «إن كان» و إشارة إلى الشقّ الثاني المتقدم آنفا، و لازمه أن يسدّ الثمن مسدّ المبيع في كونه ملكا فعليا للموجودين و شأنيا للمعدومين.

(5) كالبيع و الهبة و الإرث، و لا يزول بانقراض البطن البائع، لكون ملك المشتري مرسلا حسب الفرض.

(6) أي: فاختصاص المبيع بالمشتري اختصاصا مستمرا مستقرا- لا ينقطع بموت البطن البائع- لا يكون إلّا بثبوت جميع الاختصاصات .. إلخ.

ص: 636

نحو المثمن (1).

و ممّا ذكرنا (2) تعرف أنّ اشتراك البطون في الثمن أولى

______________________________

(1) فهو ملك فعلي للموجودين و شأني للمعدومين.

هذا ما استدلّ به المصنف قدّس سرّه على اشتراك الثمن، و استشهد عليه بالأولوية من الاشتراك في موردين كما سيأتي، و هما دية العبد المقتول، و بدل الرهن.

(2) أي: من أنّ المنقول إلى المشتري لمّا كان مرسلا غير محدود بحياة الطبقة الموجودة، فلا بدّ من كون الثمن مشتركا بين الكل. و غرضه قدّس سرّه التمسك بالأولوية لإثبات شركة جميع الطبقات في ثمن الوقف. و بيانه: أنّ الفقهاء اختلفوا في حكم دية العبد الموقوف المقتول على قولين، فمنهم من خصّها بالموجودين كما تقدم في (ص 633) من المحقّق و جماعة، و منهم من جعلها للجميع، فهي ملك فعلي للموجودين و شأني للمعدومين كنفس العين الموقوفة.

قال الشهيد الثاني قدّس سرّه: «انّ الدية عوض رقبته، و الرقبة ليست ملكا تامّا للموجودين، بل للبطون فيها حقّ و إن لم يكن بالفعل، لكنّه بالقوة القريبة منه ..

فلا سبيل إلى إبطال حقّهم، و حينئذ فيجب أن يشترى به- أي بالعوض و هو الدية- عبد أو بعض عبد يكون وقفا، إبقاء للوقف بحسب الإمكان، و صيانة له عن الإبطال ..

إلخ» «1». و محصّله: أنّ الدية بدل رقبة العبد الموقوف المقتول، فتقوم مقام العبد في الوقفية و اشتراك الكلّ فيها.

و وجه أولوية المقام- أعني به ثمن الوقف المبيع- من الدية هو: أنّ الدية بدل شرعي حكم بها بعد تلف العين، و نفس بدليتها لا تقتضي اتحادها مع الرقبة حكما.

فإن قامت الحجة على الاتحاد- كما ادّعاه الشهيد الثاني قدّس سرّه- قيل بالشركة تعبدا.

و إن لم تقم- كما ذهب إليه جمع- قيل باختصاص بالبطن الموجود، و عدم سراية حكم العبد إلى ديته. و هذا بخلاف ثمن الوقف، فإنّ مقتضى مفهوم المعاوضة وحدة حكم الثمن و المثمن، و لا يعقل اختصاص العوض بالموجودين مع عدم اختصاص المعوّض بهم.

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 5، ص 385، و قواه في تعليقه على الإرشاد، لاحظ غاية المراد، ج 2، ص 441

ص: 637

من اشتراكهم (1) في دية العبد المقتول، حيث إنّه (2) بدل شرعي يكون الحكم به متأخرا (3) عن تلف الوقف، فجاز (4) عقلا منع سراية حقّ البطون اللاحقة إليه [1].

______________________________

و الحاصل: أن وجوب الدية أمر، و كونها بدلا عن العبد في جميع خصوصياته أمر آخر، و الدليل على الأوّل قاصر عن إثبات الثاني. بخلاف عوض المبيع، لاقتضاء المعاوضة بدليّة العوض في كلّ إضافة قائمة بالمعوّض.

(1) يلوح من هذه الكلمة ابتناء أولوية ثمن الوقف من الدية على القول باشتراك البطون فيها. و أمّا بناء على اختصاصها بالموجودين فالوجه في الشركة في الثمن قضاء مفهوم المبادلة.

(2) هذا الضمير و ضمير «به» راجعان إلى الدية، و تذكير الضمير باعتبار الخبر و هو «بدل».

(3) إذ لا معنى لدية النفس إلّا بعد تلف العبد الموقوف، و هذا بخلاف الثمن، لعدم تأخّر عوضية الثمن عن معوضية المبيع.

(4) هذا متفرع على كون الدية بدلا شرعيا لا تقتضيه ذات الجناية على العبد الموقوف، بل تتوقف على الجعل و التعبد.

______________________________

[1] لا يخفى ما فيه، إذ لم يدّع أحد استحالة منع السراية حتى لا يسمع بدعوى إمكان منع السراية.

و بالجملة: لا امتناع عقلا في شي ء من السراية و عدمها حتى يقال بإمكان عدم السراية. لكن مجرّد إمكان عدم السراية عقلا لا يكفي في عدم السراية بعد اقتضاء قاعدة البدلية سراية حق البطون اللاحقة اليه.

و دعوى كون الدية حكما شرعيا لا عوضا حقيقيا، كما ترى، لأنّ دية العبد هي قيمته إن لم تتجاوز دية الحرّ، و إلّا ردّت إليها. فدية العبد هي ماليته. نعم دية الحرّ مجرّد حكم شرعي بالغرامة، لأنّه ليس مالا مملوكا حتى تكون الدية قيمته.

و الحاصل: أنّه لا فرق في كون بدل الوقف كالمبدل متعلّقا لحق البطن الموجود و البطون المعدومة بين الثمن و بين قيمته المسمّاة بالدية.

ص: 638

بخلاف الثمن، فإنّه يملكه من (1) يملكه (2) بنفس خروج الوقف عن ملكهم (3) على (4) وجه المعاوضة الحقيقية، فلا يعقل اختصاص العوض بمن لم يختصّ بالمعوّض (5).

و من هنا (6) اتّضح

______________________________

(1) فاعل «يملكه» و المراد بالموصول هو الموقوف عليهم مطلقا، الموجود منهم و المعدوم.

(2) الضمير البارز في «يملكه» في المعوضين راجع إلى الثمن. و ضمير «فإنّه» للشأن.

(3) الضمير راجع إلى «من» و الجمع باعتبار المعنى أي الموقوف عليهم.

(4) متعلق ب «يملكه» يعني: أنّ المعاوضة الحقيقية تقتضي الشركة في الثمن.

(5) المراد بالموصول هو البطن الموجود الذي لم يختص بالمعوّض و إن كان مالكا له بالفعل. و وجه عدم الاختصاص تعلق حق البطون به.

(6) أي: و من أولوية ثمن الوقف- في عدم الاختصاص بالموجودين- من دية العبد اتضح ..، و هذا بيان لمورد آخر حكموا فيه بقيام البدل مقام المبدل، و تكون الشركة في ثمن الوقف أولى منه.

توضيحه: أنّ أحكام الوثيقة كما تثبت في الرهن تثبت في عوضها، فحقّ الرهانة ينتقل إلى البدل.

قال المحقق قدّس سرّه: «و لو أتلف الرهن متلف الزم بقيمته، و تكون رهنا، و لو أتلفه المرتهن» «1». و صرّح الشهيد الثاني قدّس سرّه بعدم الفرق بين كون المتلف هو الراهن أو المرتهن أو الأجنبي «2». و قال السيد الفقيه العاملي قدّس سرّه: «و كأنّ الحكم إجماعي، إذ لا نجد فيه خلافا» «3».

و الوجه في تعلق حق الرهانة بالعوض: أنّ الغرض من الرهن الاستيشاق بالعين ليستوفى الدين من قيمتها. فإن بقيت العين على حالها استوفى المرتهن حقّه منها. و إن تلفت- على نحو يوجب الضمان- كان البدل رهنا، لأنّه و إن لم يجر عليه عقد الرّهن، و إنّما

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 84، و نحوه في قواعد الأحكام، ج 2، ص 120 و 125.

(2) مسالك الأفهام، ج 5، ص 68.

(3) مفتاح الكرامة، ج 5، ص 196

ص: 639

أيضا (1) أنّ هذا أولى بالحكم من بدل الرهن الذي حكموا بكونه (2) رهنا، لأنّ (3) حقّ الرهنيّة متعلّق بالعين من حيث (4) إنّه ملك لمالكه الأوّل، فجاز أن يرتفع (5)- لا إلى بدل- بارتفاع (6) ملكيّة المالك الأوّل. بخلاف (7) الاختصاص الثابت للبطن المعدوم،

______________________________

جرى على المبدل المتلف، إلّا أنّ مجرّد عوضيّته عن الرهن يقتضي قيام البدل مقامه في كونه وثيقة.

و وجه كون المقام أولى ممّا حكموا به في الرهن هو: أنّ إنشاء الرهن قد تعلّق بالمبدل بما أنّه ملك للمديون، و المفروض زوال ملكه عنه بسبب التلف، فيمكن زوال حق الرهانة عنه، و أن لا يتعلق ببدله الذي هو ملك حادث، و إنّما أقيم مقامه حفظا لحقّ المرتهن. و هذا بخلاف الوقف، ضرورة استناد اختصاصه بكل واحد من البطون إلى الواقف، فهو المملّك للموجودين فعلا، و للمعدومين شأنا، و لم يتفرّع حقّ الطبقات اللّاحقة على ملكية الموجودين ليكون نظيرا للرهن، بل منشأ استحقاق الموقوف عليهم- الموجودين و المعدومين- هو جعل الواقف. و حينئذ فثبوت حق الطبقات بالثمن على نهج تعلقه بالمبيع أولى من تعلق حق الرهانة بالبدل.

(1) يعني: كما اتّضح أولوية الشركة في ثمن الوقف من اشتراك البطون في دية العبد الموقوف المقتول.

(2) أي: بكون البدل رهنا بلا خلاف كما ادّعاه السيد العاملي قدّس سرّه.

(3) تعليل لقوله: «أولى» و قد تقدّم توضيح الأولوية آنفا.

(4) يعني: أنّ هذه الحيثية تقييدية، فيدور الحق مدارها، فانتفاؤها يكون من انتفاء الموضوع، و من المعلوم انتفاء الحق المتعلق به أيضا.

نعم إن لم يكن الأمر كذلك، بل كان موضوع الحقّ نفس العين- لا من حيث كونها ملكا لشخص خاص كحقّ الجناية- فانتقاله عن مالكه إلى غيره لا يوجب سقوط الحق.

(5) أي: جاز أن يرتفع حقّ الرهانة بانتفاء موضوعه، و عدم انتقاله إلى البدل.

(6) متعلق ب «يرتفع».

(7) و بعبارة أوضح: انّ نسبة البطن المعدوم إلى الوقف كنسبة البطن الموجود إليه في أنّ كلّا منهما يتلقّى الملك من الواقف في رتبة واحدة و إنشاء واحد. فإذا تبدّلت العين

ص: 640

فإنّه (1) ليس قائما بالعين من حيث إنّه ملك البطن الموجود، بل اختصاص موقّت نظير (2) اختصاص البطن الموجود، منشأ بإنشائه (3)، مقارن له بحسب الجعل، متأخّر (4) عنه في الوجود [1].

______________________________

الموقوفة بعين اخرى كانت الثانية مثل الاولى في تعلّق حقوق جميع البطون من الموجودة و المعدومة بها.

(1) أي: فإنّ الاختصاص الثابت للبطن المعدوم.

(2) هذا و «منشأ، مفارق، متأخر» صفات ل «اختصاص». و المقصود بكون اختصاص المعدومين نظيرا للموجودين ليس كونه ملكا فعليا للجميع، لاستحالته كما مرّ مرارا، بل المراد كون كل واحد من الاختصاصين مجعولا بجعل الواقف، و ملك المعدوم شأنا مقارن- في مقام الإنشاء- لملك الموجود فعلا، و كلّ من الملكيتين موقتة.

(3) أي: بإنشاء اختصاص البطن الموجود.

(4) إذ اختصاص البطن المعدوم يكون في طول اختصاص البطن الموجود و متأخّر عنه بحسب الوجود الخارجي. و حيث زال الاختصاصان ببيع العين الموقوفة تعيّن حدوث اختصاصين في الثمن، بمقتضى مفهوم المبادلة.

هذا تمام الكلام في أوّل الفروع المترتبة على جواز البيع في الصورة الأولى، و هو شركة الجميع في البدل، و يقع الكلام في أمر آخر، و هو وجوب تبديل الثمن بالأصلح و عدمه.

______________________________

[1] ظاهره لو لا صريحه أنّ المانع من التزام الملك الفعلي للمعدوم هو عدم اعتبار العرف و الشرع ذلك. و أمّا الملك الشأني فلا محذور فيه ثبوتا، و إنشاء الواقف كاف في تحققه إثباتا.

لكن لا ملكية للطبقة المتأخرة الموجودة ما لم تنقرض الطبقة السابقة، فينبغي التنبيه على اختصاص الملك الفعلي بالبطن السابق، لا لكونها موجودة، بل رعاية لنظر الواقف.

هذا كلّه بناء على القول بالملك الشأني كما هو مقتضى القول بالاستصحاب التعليقي،

ص: 641

..........

______________________________

و نظيره ملكية الموصى له شأنا و إن كان المالك بالفعل هو الموصى. و المناط في الجميع أنّ للأمور الاعتبارية مرتبتين- و هما الاقتضاء و الفعلية- يتعلق الجعل بكلّ منهما. هذا.

لكن قد يمنع من الملك الشأني تارة في خصوص المقام من أنّ الواقف و إن أنشأ ملكية البطون، إلّا أنّ موردها بقاء العين إلى زمانهم، فلو لم تبق كذلك لم تكن ملكهم اقتضاء.

و أخرى مطلقا، بأن الملكية اعتبار بسيط يدور أمرها بين الوجود و العدم، و ليس الملك الشأني سنخا من الملك الاعتباري، و إنّما يراد به قابليته لأن يصير ملكا. و إنشاء الواقف إنّما يكون سببا لحصول الملكية للطبقات المتأخرة حين وجودها بلا حالة منتظرة، كما في الوجوب المعلّق على أمر متأخر، و وجود الإنشاء لا يستلزم وجود المنشأ، هذا.

و مجرّد القابلية ليست من الحقوق المتعلقة بالمبيع لتسري إلى بدله.

فالأولى لإثبات اشتراك البطون في الثمن إمّا الالتزام بتعدد المطلوب، و يكون الوقف بحسب حقيقته ذا مرتبتين. و أنّ ما قصده الواقف و أنشأه- بصيغة الوقف- حبس العين للانتفاع بها مهما أمكن، و ببدلها في ما لم يمكن. و إمّا الالتزام بقصور المقتضي للاختصاص، لأنّ ملك البطن الموجود ليس طلقا، بل محدود بحياته، لعدم كون المنشأ ملكية مرسلة لخصوص الطبقة الحاضرة.

و بعبارة أخرى: ملكية العين للواقف مرسلة غير محدودة بشي ء، و لكنّه بسطها بالوقف على الطبقات، فلكلّ بطن ملكية محدودة ببقائه، و من المعلوم أنّ إعطاء هذه الملكية المحدودة للغير ليس بيعا.

مع أنّ لازم تفويض الملكية الموقتة بحياة البطن البائع عود المبيع- بعد الانقراض- إلى البطن اللاحق، فلا يملكه المشتري ملكا مستمرّا. و إن أعطى الملكية المرسلة المنبسطة على جميع الطبقات ولاية على المعدومين كان مقتضى المعاوضة دخول الثمن في ملك الجميع على نحو ملكيتهم للمثمن، هذا.

و دعوى كونه معاملة مستقلة فلا يقدح عدم صدق البيع عليها- كما أفيد- و إن كانت ممكنا ثبوتا، إلّا أنّه لا دليل على صحتها إثباتا، لأنّ التجارة إمّا البيع خاصة أو مع الشراء، و لم يعلم كون نقل الوقف معاملة مستقلة غير البيع كي يشملها عموم «العقود».

ص: 642

و قد تبيّن ممّا ذكرنا (1) أنّ الثمن حكمه حكم الوقف في كونه ملكا لجميع البطون على ترتيبهم (2). فإن كان ممّا يمكن أن يبقى و ينتفع به البطون على نحو المبدل، و كانت مصلحة البطون في بقائه (3) أبقى (4).

______________________________

(1) من أنّ مقتضى المعاوضة ثبوت ما للوقف- من الاختصاص الفعلي بالموجود و الشأني بالمعدوم- للثمن، فيكون ملكا فعليا للبطن الموجود و شأنيا للمعدومين.

و غرضه قدّس سرّه من هذا الكلام التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بثمن الوقف على تقدير البيع، و بيانه: أنّ البدل حيث كان مشتركا بين جميع البطون، فلا يخلو من صورتين:

الاولى: أن يكون ممّا يبقى و ينتفع به الطبقات، فيجب إبقاؤه كما وجب إبقاء المبدل قبل طروء المسوّغ، كما إذا أوقف دارا على علماء بلد لسكناهم، فخربت، و ارتفعت قيمة العرصة- لقربها من الشارع العام مثلا- فأبدلت بدار أخرى، فإنّه يجب إبقاء هذا البدل لينتفع الموقوف عليهم بسكناها، لوفائها بالغرض المقصود من الوقف، و اقتضاء مصلحة البطون بقاءها.

الثانية: أن يباع الوقف الخراب بعوض لا يقتضي البقاء مدّة مديدة كي ينتفع به الطبقات اللاحقة، و إنما ينتفع به البطن البائع خاصة، كما إذا بيعت الدار الخربة بمنفعة خان عشر سنين، لانتفاء الثمن بانقضاء زمان تملك المنفعة، فلا يبقى، فإنّه يجب تبديل هذه المنافع بما يستعدّ البقاء كدار صغيرة.

و كذا لو كان الثمن ممّا يبقى، و لكن لم تكن مصلحة البطون المعدومة في خصوص هذا الثمن، كما لو بيعت الدار الموقوفة الخربة بالسجّاد القابل للبقاء مدّة مديدة، إلّا أنّ مصلحة البطون المعدومة تكون في تبديلها خوفا من السرقة و الضياع. ففي مثله لزم تبديل الثمن بما هو أصلح، رعاية لمقصود الواقف.

(2) لاقتضاء حقيقة المعاوضة ذلك كما تقدم مفصّلا.

(3) هذا الضمير و ضمير «به» و المستتر في «كان» راجعة إلى الثمن.

(4) فوجوب إبقاء الثمن منوط بأمرين: أحدهما: قابليته للبقاء إلى زمان الطبقات المتأخرة.

و ثانيهما: اقتضاء مصلحتهم بقاء هذا الثمن بشخصه، و هذا إشارة إلى الصورة الأولى المتقدمة.

ص: 643

و إلّا (1) أبدل مكانه ما هو أصلح.

[عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل]

و من هنا (2) ظهر عدم الحاجة إلى صيغة الوقف في البدل، بل نفس البدليّة

______________________________

(1) أي: و إن لم يمكن بقاء الثمن للانتفاع به، أو كان مستعدا للبقاء و لكن لم تكن مصلحة المعدومين في إبقاء شخص الثمن، فإنّه يجب الإبدال بما هو أصلح، و هذا إشارة إلى الصورة الثانية المتضمنة لوجوب الإبدال في موردين.

(2) أي: و من اقتضاء مفهوم المعاوضة قيام البدل مقام المبدل، ظهر ..،

و غرضه قدّس سرّه: أنّ البدل و إن كان وقفا كالمبدل، لكنّه يفترق عنه من جهتين:

إحداهما: استغناء البدل عن صيغة الوقف. و الثانية جواز تبديله لو كان أصلح بحال الموقوف عليهم.

أمّا الجهة الأولى، فهي: أنّ البدلية قاضية بانتقال الإضافة- القائمة بالمبدل- إلى البدل، و ثبوت أثره له. و لمّا كانت الموقوفة متعلقة لحقّ البطون اللاحقة، فكذا بدلها. و لا موجب لتوقف صيرورة البدل وقفا على تجديد صيغة الوقف، بل ربما كان اعتباره من قبيل تحصيل ما حصل بالبيع.

هذا ما عليه جماعة، كما حكاه صاحب المقابس عن فخر المحققين و الشهيدين و المحقق الثاني و الفاضل الصيمري، خلافا لما يظهر من بعض كالفاضل المقداد «1» من لزوم تجديد الصيغة.

قال في الإيضاح في- شراء عبد بقيمة العبد المقتول-: «العبد المشتري هل يصير وقفا بالشراء، أم لا بدّ من عقد جديد؟ الأقوى الأوّل، لأنّه بالشراء للمصرف ينصرف إلى الوقف» «2».

و اقتصر العلّامة في التذكرة على نقل الوجهين من غير ترجيح، فراجع «3».

و علّل الشهيد قدّس سرّه «4» عدم الحاجة إلى تجديد الصيغة بأنّ مقتضى نفس المبادلة صيرورة البدل وقفا، هذا و أما الجهة الثانية فستأتي.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 396.

(3) تذكرة الفقهاء، ج 3، ص 443

(4) غاية المراد، ج 2، ص 442

ص: 644

تقتضي كونه كالمبدل. و لذا (1) علّله الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد بقوله: «لأنّه صار مملوكا على حدّ الملك الأوّل، إذ يستحيل أن يملك (2) لا على حدّه» «1» [1].

ثمّ (3) إنّ هذه

______________________________

(1) أي: و لأجل اقتضاء البدلية وقفية البدل قهرا علّل الشهيد عدم الحاجة- إلى صيغة وقف البدل- بأنّ البدل صار مملوكا على حدّ مملوكية الموقوفة المبيعة، من كونها ملكا فعليا للموجودين و شأنيا للمعدومين.

(2) أي: أن يملك البدل لا على حدّ المبدل. و وجه الاستحالة عدم صدق المعاوضة و المبادلة لو لم يقم البدل مقام المبدل في ماله من وجوه الاختصاص.

(3) هذا إشارة إلى الجهة الثانية، و محصّلها: أنّ البدل و إن كان كالمبدل ملكا فعليا للموجودين و شأنيا للمعدومين، لكنّه ليس كالوقف الابتدائي الذي لا يباع إلّا لعذر.

و الفارق بينهما هو: أنّ للعين الموقوفة خصوصية تعلّق غرض الواقف ببقاء

______________________________

[1] و بيانه: أنّ المبادلة إن اقتضت وقفية الثمن فاعتبار تجديد صيغة الوقف لغو، إذ لا معنى لإنشاء وقفية ما هو وقف بالفعل. و إن لم تقتض المبادلة ذلك، بل قيل بلزوم تجديد الإنشاء، فإمّا أن يكون البدل قبل إيقافه من المباحات الأصلية التي يتملكها الحائز، و هو باطل قطعا، مضافا إلى امتناع وقف المباح، فإنه لا وقف إلّا في ملك.

و إمّا من الأملاك، و هو إما ملك الواقف أو الموقوف عليهم.

و لكن دخوله في ملك الواقف بلا سبب مملّك ممنوع، مضافا إلى عدم الدليل على جعل هذا الملك الحادث وقفا.

و دخوله في ملك الموقوف عليهم إن كان على نحو الملكية الطّلقة أي يختص بالموجودين كان منافيا للبدلية المقتضية لقيام البدل مقام المبدل، و لو فرض ذلك لم يكن وجه للزوم تجديد الإنشاء لكونه ملكا لهم يتصرفون فيه بما شاءوا.

و إن كان ملكية الموقوف عليهم غير طلق على حدّ ملكية المبدل من كونه ملكا فعليا للموجودين و متعلّقا لحقّ المعدومين فقد ثبت المطلوب، و هو استغناء البدل عن الصيغة، بل يصير وقفا بنفس إنشاء وقفية المبدل.

______________________________

(1) غاية المراد، ج 2، ص 442

ص: 645

العين (1) حيث صارت ملكا للبطون، فلهم (2) أو لوليّهم

______________________________

شخصها للانتفاع بها، و المفروض سقوط الخصوصية بطروء الخراب عليها، و لزم تبديلها حذرا من تضييع المال و رعاية لحقّ الواقف و الموقوف عليه.

و الدليل المانع عن بيع الوقف كقوله عليه السّلام: «لا يجوز شراء الوقف» مختص بما تعلّق به إنشاء الواقف، و هو خصوصية العين الموقوفة. و لكن لا إطلاق فيه بالنسبة إلى كون البدل كالمبدل في خصوصياته و أحكامه حتى لا يجوز بيعه و نقله إلّا بطروء الخراب.

بل الأمر موكول إلى وليّ البطون، فإن كان إبقاء هذا البدل أصلح للبطون أبقاه، و إن كان تبديله أصلح جاز له ذلك.

و بعبارة أخرى: النهي عن بيع الوقف حكم شرعي، و متعلقة و مورده- بحسب الانصراف- هو الوقف الابتدائي، و لا يعمّ ما كان وقفا بسبب المبادلة و المعاوضة.

و لا فرق في عدم سراية هذا الحكم من المبدل إلى البدل بين تصريح الواقف بمثل «أنها صدقة لا تباع و لا توهب ..» و بين عدم تصريحه به. و وجه عدم الفرق هو: أنّ الاشتراط المزبور مختص بنفس العين الموقوفة، و حيث خربت و جاز بيعها، فإن دلّ دليل على اشتراك البدل في هذا الحكم أيضا فهو، و إلّا فمقتضى القاعدة جواز التبديل، هذا.

(1) ليس المراد بها العين الموقوفة، لأنّها بيعت حسب الفرض، بل المراد بدلها من عروض أو نقود.

(2) أي: إن كان الموجودون كاملين بالبلوغ و العقل جاز لهم التصرف في بدل العين الموقوفة بما يرونه مصلحة لجميع البطون، فإن كان الصلاح في إبقائه ابقي، و إلّا أبدل.

و إن كان الموجودون قاصرين كان النظر في البدل إلى الوليّ عليهم من وصيّ أو متولّ عيّنه الواقف أو الحاكم الشرعي. هذا.

و المناسب ضمّ الوليّ على سائر البطون إلى البطن البائع أو الوليّ عليه. نعم لو كان وليّ الموجودين الحاكم الشرعي كفى في الإبدال لو كان أصلح. و هذا مقصوده- و إن لم تف العبارة به- بقرينة ظهور قوله قدّس سرّه: «بحسب مصلحة جميع البطون» و صريحه في (ص 661) من قوله: «ثم إن المتولي للبيع هو البطن الموجود بضميمة الحاكم القيّم من قبل سائر البطون».

ص: 646

أن ينظر فيه (1)، و يتصرّف فيه بحسب مصلحة جميع البطون و لو بالإبدال (2) بعين أخرى أصلح لهم (3). بل قد يجب (4) إذا كان تركه يعدّ تضييعا للحقوق. و ليس (5) مثل الأصل ممنوعا عن بيعه [1] إلّا لعذر، لأنّ (6) ذلك كان حكما من أحكام الوقف الابتدائي. و بدل (7) الوقف إنّما هو بدل له في كونه (8) ملكا للبطون، فلا يترتّب عليه جميع أحكام الوقف الابتدائي.

______________________________

(1) أي: في البدل، و الأولى تأنيث الضمير لرجوعه إلى العين.

(2) هذا و «بحسب» متعلقان ب «يتصرف».

(3) أي: للبطون.

(4) أي: قد يجب الإبدال. و الوجه في وجوبه هو حرمة تضييع الحقوق، المترتب على ترك الإبدال حسب الفرض. و بهذا ظهر وجه الإضراب- عن ثبوت حقّ تغيير بدل الوقف- إلى وجوبه حذرا من تضييع المال.

(5) يعني: و ليس بدل الوقف مثل نفس العين الموقوفة في منع بيعها بدون طروء المسوّغ.

(6) تعليل لقوله: «و ليس مثل الأصل» أي: لأنّ منع بيع العين الموقوفة- بلا عذر- يكون من آثار الوقف الابتدائي، و لا يسري المنع إلى بدله.

(7) غرضه أنّ البدلية لا تقتضي إلّا كون البدل كالمبدل مشتركا بين البطون، و أمّا الآثار التعبدية الثابتة للوقف- كحرمة البيع- فلا تترتب على البدل، إذ لا إطلاق على: أنّ كل ما للمبدل ثابت للبدل، هذا.

(8) أي: كون البدل، و الظرف متعلق ب «بدل» و ضمير «له» راجع إلى الوقف.

______________________________

[1] لم يظهر له وجه بعد بنائه قدّس سرّه على إطلاقه البدلية في جميع الآثار حتى في عدم احتياج وقفية البدل إلى الصيغة، و لا وجه لتقييده إلّا دعوى انصراف مثل قوله عليه الصلاة و السلام: «لا يجوز شراء الوقف» إلى الوقف الابتدائي، لا مطلقا حتى بدله. لكنّها كما ترى.

فالحقّ كون البدل كالمبدل في عدم جواز بيعه إلّا مع العذر.

ص: 647

[عدم وجوب شراء المماثل للوقف]

و ممّا (1) ذكرنا أيضا (2) يظهر عدم وجوب شراء المماثل للوقف- كما هو (3)

______________________________

(1) لعلّ مراده من الموصول قوله: «ثمّ إنّ هذه العين حيث صارت ملكا للبطون، فلهم أو لوليّهم أن ينظر فيه ..» و غرضه التعرض لجهة أخرى ممّا يتعلّق بالبدل، و هي:

أنّ البدل إن كان مماثلا للعين الموقوفة و كانت المصلحة في إبقائه فلا كلام. و إن لم يكن مماثلا- كما إذا بيعت الدار الخربة بالنقود الرائجة كالدراهم و الدنانير، أو بيعت بعوض آخر كالكتب و السجاد و نحوهما من الأعيان المتمولّة- ففيه أقوال ثلاثة:

الأوّل: وجوب صرف الثمن، و شراء دار مماثلة للموقوفة مطلقا كما صرّح به جماعة كما سيأتي.

الثاني: عدم الوجوب مطلقا، كما ذهب إليه المصنف و جماعة.

الثالث: التفصيل بين ما إذا عيّن الواقف جهة معيّنة كالسكنى في الدار، فيجب شراء المماثل، و بين ما إذا لم يعيّن ذلك و إنّما أوقفها للانتفاع بها كيف ما اتفق، فلا يجب حينئذ، بل يصرف الثمن في ما يراه المتولّي من المصلحة للبطون. كما قوّاه المحقق النائيني قدّس سرّه «1».

و استدلّ المصنف قدّس سرّه على مختاره بنحو ما تقدّم في البدل من جواز تبديله أو وجوبه، و محصله: أنّ ثمن الوقف ملك جميع البطون، و يجب ملاحظة مصلحتهم. فإن اقتضت الإبقاء ابقي، و إن اقتضت التبديل أبدل. و لا دليل على وجوب شراء المماثل للوقف، إلّا كونه أقرب إلى مقصود الواقف، و لكن لا ملزم لرعاية غرضه ما لم يؤخذ في إنشاء الوقف، هذا.

(2) يعني: كما ظهر عدم الحاجة إلى إنشاء وقفية البدل، و كذا جواز تبديله عند اقتضاء المصلحة، فكذلك يظهر عدم وجوب شراء المماثل.

(3) أي: عدم وجوب شراء المماثل ظاهر التذكرة. لكن لم أظفر فيها على كلام ظاهر في ذلك، و لا على من نسب ذلك إلى العلّامة، فإنّه قدّس سرّه و إن عبّر «بأن شراء المماثل أولى» كما في المختلف و في عبارة التذكرة الآتية في (ص 655). لكن مراده من الأولوية هو الوجوب، لتصريحه به بقوله: «و إذا لم يمكن تأبيده- أي تأبيد الوقف- بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع وجب» «2» و كذا في المختلف.

______________________________

(1) المكاسب و البيع، ج 2، ص 391

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، و نحوه كلامه في المختلف، ج 6، ص 289، و لاحظ مفتاح الكرامة، ج 4، ص 259 و ج 9، ص 88 و 89، و مقابس الأنوار، ص 66

ص: 648

ظاهر التذكرة و الإرشاد (1) و جامع المقاصد (2) و التنقيح (3)

______________________________

و نحوه كلامه في بدل العبد الموقوف المقتول، حيث قال: «و الوجه عندي شراء عبد بالقيمة يكون وقفا، لأنّه ملك لا يختص به الأوّل أي البطن الأوّل- فلم يختصّ ببدله، كالعبد المشترك و المرهون .. إلخ» «1».

و لعلّ المصنف قدّس سرّه ظفر بكلام آخر في التذكرة دال على عدم وجوب شراء المماثل، فلا بدّ من مزيد التتبع.

(1) لعدم تقييد شراء البدل بكونه كالمبيع في الصفات، قال قدّس سرّه: «و لو شرط بيع الوقف عند حصول ضرر كالخراج و المؤن من قبل الظالم، و شراء غيره بثمنه، فالوجه الجواز» «2».

(2) لا يخفى أن المحقق الثاني تعرّض للمسألة في موضعين: أحدهما في كتاب البيع، و قد تقدم نقله في (ص 569) و الآخر في كتاب الوقف. و حكم في الموضع الأوّل بوجوب شراء البدل إذا كان المسوّغ للبيع هو الخراب أو الخلف «3». و الظاهر اعتماد المصنف على إطلاق كلامه، و عدم تقييده باعتبار المماثلة.

و حكم في الموضع الثاني بوجوب شراء البدل، و بوجوب التوصل إلى ما يكون أقرب إلى غرض الواقف «4». و استفاد السيّد الفقيه العاملي قدّس سرّه منه إرادة المماثل، فلذا قال: «و في جامع المقاصد الحكم بالوجوب في المقامين» «5». و مراده بالمقامين بقرينة وقوعه بعد كلام السيوري هو أصل شراء شي ء بدلا عن الوقف، و وجوب المماثلة.

(3) قال الفاضل المقداد قدّس سرّه فيه: «إذا أمكن شراء غيره يكون وقفا وجب، و إذا أمكن شراء مثله يكون أولى». و قال السيد العاملي قدّس سرّه بعد نقله: «فقد حكم في الأوّل

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 442، السطر: 39

(2) إرشاد الأذهان، ج 1، ص 455

(3) جامع المقاصد، ج 4، ص 97

(4) جامع المقاصد، ج 9، ص 71

(5) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 89

ص: 649

و المقتصر (1) و مجمع الفائدة (2) «1»- بل (3) قد لا يجوز إذا كان غيره أصلح، لأنّ (4) الثمن إذا صار ملكا (5) للموقوف عليهم الموجودين و المعدومين، فاللازم ملاحظة مصلحتهم. خلافا (6) للعلّامة و ولده (7)

______________________________

بالوجوب، دون الثاني» «2».

(1) قال ابن فهد قدّس سرّه: «و مهما أمكن المماثلة كان أولى» «3» و دلالته على رجحان المماثلة و عدم تعيّنها واضحة.

(2) دلالة كلام المحقق الأردبيلي قدّس سرّه إنّما هي لاقتصاره على وجوب شراء البدل إن أمكن، و إطلاقه ينفي اعتبار الشباهة و المساواة في الصفات.

و قال الفاضل السبزواري قدّس سرّه- بعد نقل وجوب تحصيل الأقرب إلى الوقف عن بعض-: «و لا أعلم على ذلك حجة، و النصّ غير دالّ عليه» «4».

(3) غرضه الترقّي من عدم وجوب شراء المماثل- لعدم اتحاد البدل مع أصل الوقف في جميع الجهات- إلى عدم جوازه في بعض الموارد، إذ المناط في بدل الوقف رعاية ما هو الأصلح بحال الموقوف عليهم، لا نظر الواقف.

(4) هذا تعليل لعدم اعتبار المماثلة، لعدم المقتضي له، لفرض صيرورة البدل ملكا للبطون، فيلزم رعاية مصلحتهم فقد يلزم شراء المماثل، و قد يلزم شراء غير المماثل.

(5) بمقتضى المبادلة و المعاوضة.

(6) عدل لقوله: «كما هو ظاهر التذكرة .. إلخ» و قد تقدم آنفا أنّ كلام العلّامة في التذكرة و المختلف صريح في اعتبار المماثلة.

(7) قال فخر الدين في شرح قول والده قدّس سرّهما في بيع الحصير الخلق و الجذع المتكسّر- ما لفظه: «و الأصحّ عندي جواز البيع، و صرف ثمنه في المماثل إن أمكن ..» «5».

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان، ج 8، ص 169

(2) التنقيح الرائع، ج 2، ص 330، مفتاح الكرامة، ج 9، ص 89

(3) المقتصر، ص 212

(4) كفاية الأحكام، ص 142

(5) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 407

ص: 650

و الشهيد (1) و جماعة (2)، فأوجبوا المماثلة مع الإمكان، لكون (3) المثل أقرب إلى مقصود الواقف.

و فيه (4)- مع عدم انضباط غرض الواقف، إذ قد يتعلّق غرضه بكون

______________________________

و حكى السيد العاملي قدّس سرّه عن شرح الإرشاد تصريحه- في شراء عبد بقيمة العبد المقتول- بوجوب المساواة في الذكورة و الأنوثة، فراجع «1».

(1) قال في غاية المراد: «و الأقرب أن البدل يجب كونه من جنس الموقوف، لأنّه أقرب إلى الوقف. و كلام المصنف هنا- يعني في كتاب الإرشاد- يشمل الجنس و غيره.

و حينئذ تجب المساواة في الذكورة و الأنوثة. و إن أمكن المساواة في باقي الصفات أو معظمها فهو أولى» «2».

و نسب السيد العاملي ذلك إلى حواشيه على القواعد أيضا، كما نسبه إلى تعليق الإرشاد للمحقق الثاني، فراجع «3».

(2) كالفاضل الصيمري على ما في المقابس «4»، و الشهيد الثاني كما فيه أيضا «5».

(3) سيأتي هذا التعليل في عبارة التذكرة في (ص 657) و وجه القرب: أنّ غرض الواقف- لو وقف بستانا مثلا- هو الانتفاع بثمرته و التنزه فيه، فلو أبدل- بعد طروء مجوّز البيع- بدار لم يتحقق غرضه من الوقف.

و كذا لو أوقف عمارة لإقامة الزوّار فيها، فبيعت و أبدلت بدكاكين مثلا، لتصرف عوائدها في الزوّار، فإنّه يلزم مخالفة غرضه من الوقف، مع أنّ حقّ الواقف يقتضي رعاية نظره مهما أمكن.

(4) ناقش المصنف قدّس سرّه في التعليل المتقدم بوجهين، أحدهما ناظر إلى منع الصغرى، و الآخر إلى منع الكبرى.

______________________________

(1) مفتاح الكرامة، ج 9، ص 98

(2) غاية المراد، ج 2، ص 442

(3) مفتاح الكرامة، ج 4، ص 159، و ج 9، ص 89

(4) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 66

(5) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 255 و 256، و في تعليقته على الإرشاد، لاحظ: غاية المراد، ج 2، ص 441

ص: 651

الموقوف عينا خاصّة (1)، و قد يتعلّق بكون منفعة الوقف

______________________________

أمّا منع الصغرى- و هي كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف- فبيانه: أنّه لم يظهر أقربية شراء المماثل إلى مقصوده، لاختلاف دواعي الواقفين في مقام إنشاء الوقف.

فقد يكون غرض الواقف من وقف داره على ذريّته بقاء شخص الدار بيدهم و الانتفاع بها، لكونها دار آبائه، ورثها منهم، و له عناية ببقاء خصوصية العين الموقوفة.

و كذا لو ورث كتابا كان بخطّ سلفه، فأراد بقاء عينه، فوقفه ليمنع ورثته من التصرفات الناقلة فيه ببيع أو صلح أو هبة.

و قد يكون غرضه إصلاح حال ذريته و عدم وقوعهم في ذلّ الفقر و المسكنة، فيوقف الدار عليهم لينتفعوا باجرتها، و ليس مقصوده سكناهم فيها.

و قد يكون غرضه تسبيل خاص و إيصال نفع معيّن إلى الموقوف عليهم من دون تعلّق نظره بخصوصية العين، كما لو أوقف بستانا للانتفاع بثمرته، فبيع لغور مائه، أو لوقوعه في الطريق العام، و دار الأمر بين شراء المماثل أي بستان آخر في مكان يصعب الوصول إليه لاقتطاف ثمرته، و إن أمكن بيع الثمرة بأقل من قيمة ثمرة البستان الأوّل. و بين شراء دار أو خان أو أرض زراعية تصل منافعها و اجورها إلى الموقوف عليهم.

و لا وجه للقول بأنّ شراء البستان أقرب إلى مقصود الواقف، خصوصا مع إحراز أنّ غرضه من الوقف إيصال النفع إليهم، و لا نظر له إلى خصوصية العين.

و على هذا فالنسبة بين المماثل و بين غرض الواقف عموم من وجه، فقد يجتمعان، كما لو وقف دارا لسكنى العلماء فخربت و أبدلت بدار اخرى فسكنها بعضهم. و قد يفترقان، فلا يكون المماثل موافقا للغرض في جميع الموارد، بل يكون غير المماثل وافيا به.

و من المعلوم أنه لا وجه- مع الشك في غرض الواقف و عدم إحرازه- للتمسك بلزوم رعاية نظره، لكونه من التشبث بالدليل في الشبهة الموضوعية، فإنّه يتجه في ما لو أحرز مقصود الواقف.

فالنتيجة: أنّ اللازم رعاية مصلحة الموقوف عليهم بعد بيع الموقوفة و سقوط خصوصية العين. هذا توضيح الوجه الأوّل، و أما الوجه الثاني- و هو منع الكبرى- فسيأتي.

(1) يعني: من دون عناية بمنفعة العين، فضلا عن النظر إلى مقدار معيّن من المنفعة، فالمقصود كلّه حبس العين عن التصرفات الناقلة، أو تغيير هيئتها الفعلية.

ص: 652

مقدارا معيّنا (1) من دون تعلّق غرض بالعين (2)، و قد يكون (3) الغرض خصوص الانتفاع بثمرته، كما لو وقف بستانا لينتفعوا بثمرته، فبيع، فدار الأمر بين أن يشترى بثمنه بستان في موضع لا يصل إليهم إلّا قيمة الثمرة (4)، و بين أن يشترى ملك آخر يصل إليهم اجرة منفعته (5)، فإنّ الأوّل (6) و إن كان مماثلا، إلّا أنّه (7) ليس أقرب إلى غرض الواقف-: أنّه (8) لا دليل على وجوب ملاحظة الأقرب إلى

______________________________

(1) هذا نحو آخر من دواعي الوقف، و قد تقدم بقولنا: «و قد يكون غرضه إصلاح حال ذرّيته ..».

(2) فلو حصل ما قصده من النفع المعيّن فقد تحقق غرضه، سواء أ كان من مماثل الموقوفة أو من غيره.

(3) معطوف على «قد يتعلّق» و هذا نحو ثالث ممّا يمكن أن يكون غرضا للواقف.

(4) لبعد الطريق أو لخوف من ظالم، أو لغيرهما من الموانع، فيتعيّن بيع الثمرة و صرف الثمن في الموقوف عليهم.

(5) أي: منفعة الملك الآخر و لو كان دارا أو عمارة أو غيرهما.

(6) أي: البستان الثاني المفروض تعذّر وصول ثمرته إلى الموقوف عليهم.

(7) أي: أنّ الأوّل- و هو المماثل- ليس أقرب إلى الغرض.

(8) الضمير للشأن، و الجملة مبتدء مؤخّر لقوله: «و فيه» و هذا ثاني وجهي المناقشة في التعليل المتقدم، و محصله: أنّه لو سلّمنا كون المماثل أقرب إلى مقصود الواقف، إلّا أنّه لا دليل على وجوب مراعاة مقاصد الواقف و أغراضه الداعية إلى الوقف، فإنّها من قبيل الملاكات الخارجة عن حيّز الأحكام، و الواقعة فوقها لا تحتها حتى تجب مراعاتها، فأغراض الواقف خارجة عن حيّز إنشاء الوقف. و كلّ ما كان كذلك لا يجب مراعاته.

نعم إذا وقع شي ء من أغراضه في حيّز الإنشاء بحيث كان مدلولا لصيغة الوقف وجب الوفاء به كسائر ما أنشأه في الوقف، بأن يقول: «هذا وقف، و إن طرء عليه ما يوجب بيعه، فليكن بدله مماثلا له».

ص: 653

مقصوده، إنّما اللازم ملاحظة مدلول كلامه (1) في إنشاء الوقف، ليجري الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها.

فالحاصل (2) أنّ الوقف ما دام موجودا بشخصه لا يلاحظ فيه إلّا مدلول كلام الواقف، و إذا بيع و انتقل الثمن إلى الموقوف عليهم لم يلاحظ فيه إلّا مصلحتهم [1] هذا.

قال (3) العلّامة في محكي التذكرة:

______________________________

(1) هذا الضمير و ضمير «مقصوده» راجعان إلى الواقف.

(2) هذا الحاصل محصّل قوله: «و ممّا ذكرنا أيضا يظهر عدم وجوب شراء المماثل» إلى ما أفاده هنا.

(3) الغرض من نقل عبارة التذكرة التنبيه على أنّ العلامة قدّس سرّه حكم في موارد بيع الوقف بصرف الثمن في أمور ثلاثة مرتّبة، و استدلّ على رعاية هذا الترتيب بوجهين، و هذا كلّه مخالف لما تقدم من المصنف إلى هنا من قولين: أحدهما وجوب شراء المماثل، و الآخر عدمه، و صرف الثمن في مصلحة الموقوف عليه.

ثم لا يخفى أنّ الماتن قدّس سرّه قد نسب في (ص 648) إلى التذكرة القول بعدم وجوب

______________________________

[1] تقدّم أنّ البدل و إن كان ملكا للبطون، لكنّه على حدّ ملكية المبدل لهم، لا على نحو آخر. و الخروج عن إطلاق البدلية بلا موجب.

فالحقّ وفاقا لجماعة كالعلّامة و ولده و الشهيد و غيره وجوب شراء المماثل مع الإمكان. لكن لا لما نسب إليهم من كون المثل أقرب إلى مقصود الواقف. و ذلك لما فيه من المنع صغرى و كبرى، بل لأنّ العين الموقوفة توقف بما لها من المشخصات الفردية و الأوصاف النوعية و الجنسية، نظير الضمان الواقعي الذي يكون المضمون فيه جهاته الشخصية و النوعية و الجنسية. و تعذّر الأوصاف الشخصية لا يوجب سقوط سائر الجهات.

و عليه فتعذر بقاء العين وقفا لا يوجب سقوط اعتبار الصفات النوعية، فيجب شراء المثل. و إن شئت فقل: إنّ المماثل يكون من مراتب الموقوفة، فنفس إنشاء الوقف يدلّ على وجوب شراء المماثل.

ص: 654

«كلّ مورد (1) جوّزنا بيع الوقف، فإنّه يباع و يصرف الثمن إلى جهة الوقف. فإن أمكن (2) شراء مثل تلك العين ممّا ينتفع به كان أولى (3). و إلّا (4) جاز شراء كلّ ما يصحّ وقفه، و إلّا (5) صرف الثمن إلى الموقوف عليه يعمل به [فيه] ما شاء، لأنّ (6) فيه (7)

______________________________

شراء المماثل، و هو محتمل- أو ظاهر- أوّل كلام العلامة، و لكنّه صرّح بالوجوب بعد ذلك، فمن العجب نسبة عدم الوجوب إليه.

كما لا يخفى أن ما في المتن منقول عن المقابس، و هو محصل كلام العلامة في التذكرة، و بعضه نصّ عبارة المختلف، كما سيظهر.

(1) في التذكرة: «كل صورة جاز بيع ..» و عنه في المقابس «كل صورة جوّزنا ..».

(2) هذا بيان كيفية صرف الثمن إلى جهة الوقف، فالمرتبة الاولى شراء المماثل.

(3) استفيد من هذه الكلمة مطلق الأولوية، و أنّه لا تدل على التعيين، فلذا نسب المصنف قدّس سرّه إلى التذكرة عدم وجوب تحصيل المماثل.

(4) أي: و إن لم يمكن شراء المثل جاز شراء غير المثل، فيكون وقفا بدل المبيع.

و هذه مرتبة ثانية.

و لا يخفى أنّه سقط هنا من عبارة التذكرة قوله: «و هل يكون- أي شراء مثل العين- واجبا؟ قال بعض العامة: لا يجب، بل أيّ شي ء اشتري بقيمته ممّا يرد على أهل الوقف ..» الى أن قال: «و ما قلناه أولى، لما فيه من متابعة شرط الواقف بحسب الإمكان.

إذا عرفت هذا، فإنّه إن أمكن شراء شي ء بالثمن يكون وقفا على أربابه يكون أولى. فإن اتّفق مثل الوقف كان أولى، و إلّا جاز ..» إلى آخر ما نقله المصنف.

(5) في التذكرة: «و إن لم يمكن صرف الثمن» و هذه مرتبة ثالثة.

(6) لم أجد هذه العبارة في التذكرة، و هي منقولة من المختلف، حيث علّل الترتيب المذكور- في التذكرة أيضا- بقوله: «و لأنّ فيه جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف في نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النصّ على عدم تجويز مخالفة الواقف حيث شرط التأبيد. و إذا لم يمكن تأبيده بحسب الشخص ..» «1» إلى آخر ما في المتن.

(7) أي: في الترتيب المزبور، و هذا أوّل الوجهين اللّذين استدلّ العلّامة بهما على

______________________________

(1) مختلف الشيعة، ج 6، ص 289

ص: 655

..........

______________________________

رعاية المراتب الثلاثة، و محصله: أنّ هذا الترتيب مقتضى الجمع بين أمرين:

أحدهما: مراعاة غرض الواقف من انتفاع البطون بالموقوفة مؤبّدا، و لذا قد يؤخذ قيد الدوام في صيغة الوقف.

و ثانيهما: أنّ الشارع أمر بالعمل بما عيّنه الواقف من كيفية و شرط، لقوله صلوات اللّه و سلامه عليه: «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها».

و على هذا، فإن أمكن إبقاء شخص الموقوفة و الانتفاع بها في الجهة التي عيّنها الواقف لم يجز بيعها. و إن امتنع و بيعت لزم صرف ثمنها في المماثل، لكونه إبقاء للعين بحسب نوعها، لفرض تساويهما في الصفات، و كون المنفعة العائدة من البدل و المبدل واحدة.

و إن تعذّر تحصيل المثل وجب صرف الثمن في عين اخرى لتدرّ منافعها على الموقوف عليهم، فيكون البدل إبقاء لجنس الوقف و إن لم يكن إبقاء لنوعه.

و إن تعذّر شراء عين أخرى لقلّة الثمن- أو لجهة أخرى- وجب على المتولي للبيع دفع الثمن إلى البطن الموجود، فيتصرف فيه بما شاء، لكونه عملا بالميسور من غرض الواقف و إن فات غرضه الأقصى، و هو الانتفاع بشخص الموقوفة.

فإن قلت: لا وجه للترتيب المزبور، فإنّ غرض الواقف الانتفاع بالعين على الدوام، و إمضاء الشارع لهذا المقصود يقتضي إبقاء العين على حالها، حتى تسقط بنفسها عن الانتفاع، و لم يتعلّق غرضه بالتبديل بالمماثل أو بغيره، فلو فرض بيع الوقف لم يكن صرف الثمن في المماثل أولى من صرفه في غيره.

قلت: ما ذكر من الترتيب متعلّق غرض الواقف أيضا، لأن أخذ قيد الدوام من جهة، و خراب شخص الموقوفة من جهة أخرى، يوجب الالتزام بإبقاء الوقف بحسب نوعه و إن تعذر بقاء شخصه، لتعدد مطلوب الواقف.

و لو فرض إبقاء شخص الوقف حتى يضمحلّ بالمرّة- بحيث يمتنع حينئذ تبديله بشي ء آخر مماثل أو غير مماثل- لزم فوات غرض الواقف بأجمعه. و من المعلوم أنّ حفظ بعض مطلوبه أولى من تركه كلّية.

ص: 656

جمعا بين التوصّل إلى غرض الواقف من (1) نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النّصّ (2) الدالّ على عدم جواز مخالفة الواقف، حيث شرط التأبيد، فإذا لم يمكن (3) التأبيد بحسب الشخص و أمكن بحسب النوع وجب (4)، لأنّه (5) موافق لغرض الواقف، و داخل (6) تحت الأوّل الذي وقع العقد عليه. و مراعاة (7) الخصوصية

______________________________

و عليه فحفظ الغرض يقتضي إلغاء الخصوصية، و رعاية التأبيد في النوع، بل في ماليّته أيضا. فإذا تعذّر شراء المماثل انتقل إلى غير المماثل مما يكون أصلح بحال الموقوف عليهم.

(1) بيان لغرض الواقف، و هو التأبيد و دوام الوقف.

(2) و هو مكاتبة الصفّار عن الإمام العسكري صلوات اللّه و سلامه عليه «1».

(3) هذا ناظر إلى تعدد مطلوب الواقف، و أنّ أحد مطلوبية بقاء شخص الوقف، و الآخر بقاء نوعه أو جنسه.

(4) أي: وجب التأبيد بحسب النوع، و لا يخفى نصوصية قوله: «وجب» في وجوب شراء المماثل، و مع التصريح بالوجوب- المذكور في كلّ من التذكرة و المختلف- يلزم إرادة التعيين من قوله في أوّل العبارة: «أولى» لا مطلق الرجحان.

(5) أي: لأنّ النوع، و المراد به مصداق الطبيعي، المعبّر عنه بالمثل.

(6) معطوف على «موافق» أي: أنّ الواقف حبس العين الموقوفة مؤبّدة، بأن تكون خصوصيّتها الشخصية محفوظة ما دامت ممكنة، و بانتفائها لا تنتفي الوقفية، بل يزول التأبيد بالنسبة إلى الشخص، و يبقى بالنسبة إلى جهتها النوعية. فالتأبيد منشأ بالإضافة إلى نوع العين الموقوفة بإنشاء الوقفية للشخص، فتأبيد النوع هو تأبيد الشخص الذي وقع عليه العقد، فتدبّر.

(7) يعني: و مراعاة التأبيد بالنسبة إلى خصوص العين الموقوفة- من دون مراعاة جهتها النوعية- توجب فوات الغرض بأجمعه.

______________________________

(1) تقدّمت مصادرها في ص 509، فلاحظ.

ص: 657

الكليّة تفضي إلى فوات الغرض بأجمعه [1].

و لأنّ (1) قصر الثمن على البائعين يقتضي خروج باقي البطون عن الاستحقاق بغير وجه، مع أنّه (2) يستحقّون من الوقف كما يستحقّ البطن الأوّل (3)،

______________________________

(1) و العبارة دفع دخل مقدر، و قد تقدم توضيحهما في (ص 656) بقولنا: «فإن قلت .. قلت ..».

(2) معطوف على «لأنّ فيه جمعا» و هذا ثاني الوجهين المستدلّ بهما على وجوب صرف الثمن في المماثل، و بيانه: أنّه لا ريب في كون الوقف الخاصّ متعلّقا لحقّ المعدومين كالموجودين. فلو جاز للبطن الموجود- بعد طروء الحالة المسوّغة للبيع- التصرف في الثمن و إتلافه و عدم شراء شي ء به بدلا عن المبيع، لزم منه تضييع حقّ المعدومين. مع أنّ الواقف جعلهم مستحقّين لمنفعة الموقوفة كاستحقاق الطبقة الموجودة لها، و من المعلوم توقف حفظ غرض الواقف و حقّ البطون المتأخرة على صرف ثمن الوقف فيما يبقى لينتفع به الجميع، هذا.

و لا يخفى أنّ هذا الوجه ينفي المرتبة الثالثة، و هي صرف الثمن في الموجودين، و أنّه لا بدّ من شراء بدل للوقف، و لا يثبت تقدّم المماثل رتبة على غير المماثل.

و لعلّ المصنف قدّس سرّه استظهر من هذا التعليل عدم وجوب شراء المماثل، و لكنه لا بدّ من رفع اليد عنه بعد تصريح العلّامة قدّس سرّه بالوجوب في الوجه الأوّل.

(3) كذا في النسخ، و لكن في التذكرة و المقابس: «مع أنّهم» و هو الصحيح، لرجوع الضمير إلى البطون.

(4) لأنّ الواقف جعل العين الموقوفة لجميع البطون بإنشاء واحد، فلا موجب لاستقلال البطن الموجود بالثمن.

______________________________

[1] لكن لم يظهر وجه فوات الغرض بأجمعه في صورة مراعاة الخصوصية بالكلية إذ لا يلزم من مراعاتها إلّا فوات الغرض بالنسبة إلى غير الموجود من البطون. و لعلّ مقصوده فوات الغرض بأجمعه بالنسبة إلى البطون اللاحقة، لا فوات الغرض بأجمعه من الوقف.

و لا بدّ من مزيد التأمّل في استظهار مراده قدّس سرّه.

ص: 658

و يقدّر [تعذّر] وجودهم حال (1) الوقف.

و قال (2) بعض علمائنا و الشافعية (3) إنّ ثمن الوقف كقيمة الموقوف إذا تلف، فيصرف الثمن على الموقوف عليهم ملكا على رأي (4)» «1» انتهى.

و لا يخفى عليك (5)

______________________________

(1) في التذكرة و المقابس «حالة الوقف». و مقصود العلّامة: أنّ عدم وجود البطون المتأخرة لا يمنع من استحقاقهم للوقف، فإنّهم و إن لم يتملّكوه بالفعل، لكن الواقف فرض وجودهم، و جعلهم شركاء للموجودين.

(2) غرض العلّامة قدّس سرّه من نقله التنبيه على وجود المخالف في وجوب شراء بدل الوقف، قياسا لباب المعاوضة على باب الضمان، و قد تقدّم بيان اختصاص البدل بالموجودين في (ص 633 و 637) و هو: أنه لو قتل حرّ عبدا موقوفا ضمن قيمته للموقوف عليهم، فذهب بعض الفقهاء كشيخ الطائفة قدّس سرّه إلى أنّ القيمة للموجودين خاصة. و اختار العلّامة: أنّها مشتركة بين الجميع.

قال قدّس سرّه: «و الوجه عندي: شراء عبد بالقيمة يكون وقفا، لأنّه ملك لا يختصّ به الأوّل- أي البطن الموجود- فلم يختص يبدله، كالعبد المشترك و المرهون. و عدم اختصاصه ظاهر، فإنّه تعلّق به حقّ البطن الثاني فلم يجز إبطاله» «2».

(3) في التذكرة و كذا في المقابس: «و بعض الشافعية».

(4) متعلق ب «يصرف» و الرأي الآخر هو شراء بدل المتلف ليكون وقفا.

(5) لم يتعرض المصنف قدّس سرّه بالتفصيل لتحقيق ما ورد في عبارة التذكرة من مواضع الصحة و التأمّل، و لكنه أحال ذلك إلى ما أفاده من عدم وجوب شراء المماثل، و ما ناقش به في دليل القائل بوجوبه بمناط كونه أقرب إلى غرض الواقف، فلاحظ.

و سنذكر ما يتعلق بكلام العلامة من مواقع الرد و القبول.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 444، و الحاكي عنه صاحب المقابس قدّس سرّه، كتاب البيع، ص 66 و لكنّه قدّس سرّه لفّق كلام العلامة من التذكرة و المختلف.

(2) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 422، و نظيره في المختلف، ج 6، ص 317 و 318، و لاحظ المبسوط، ج 3، ص 289

ص: 659

مواقع الرّد (1) و القبول (2) في كلامه قدّس سرّه.

______________________________

(1) فمنها: حكمه بوجوب شراء المثل على ما صرّح به بقوله: «و أمكن بحسب النوع وجب» إذ فيه: ما تقدم مفصّلا من عدم وجوبه.

و منها: قوله: «و إلّا جاز شراء كل ما يصحّ وقفه في صورة تعذر شراء المثل» إذ فيه: أنّ اللازم حفظ الثمن ليشترى به المثل، إذ بناء على وجوب شراء المماثل- لما نسب إلى العلّامة و غيره- لا وجه لسقوطه، و وجوب شراء كلّ ما يصح وقفه. هذا.

مضافا إلى: أنّه- على تقدير عدم إمكان شراء المماثل- لا بدّ من شراء ما يكون أقرب إلى مقصود الواقف، أو ما يكون أعود للموقوف عليهم، مراعاة لحق الواقف و الموقوف عليهم.

و منها: قوله: «و إلّا صرف الثمن في الموقوف عليهم» إذ فيه: أنّ الواجب حينئذ- كما سيذكره المصنف قدّس سرّه- حفظ الثمن إلى زمان التمكن من شراء عين اخرى.

و منها: قوله: «لأنّ فيه جمعا» إذ فيه: أنّ منافاة الدوام و التأبيد لصرف الثمن في البطن الموجود- الموجب لحرمان المعدومة- من البديهيات، فكيف يكون صرف الثمن في الموجودين وجه جمع بين نفع الموقوف عليه على الدوام، و بين النص الدال على عدم جواز مخالفة الواقف؟

(2) منها: قوله: «فإنّه يباع و يصرف الثمن إلى جهة الوقف» و وجه قبوله كون البيع حفظا للحقوق، و لذا صرّح المصنف في (ص 667) بوضع الثمن عند أمين حتى يتمكن من شراء بدل الوقف.

و منها: قوله: «و مراعاة الخصوصية بالكلية يفضي الى فوات غرض الواقف بأجمعه» و هو متين أيضا، لأنّ إبقاء الوقف بحاله تضييع محرّم.

و منها: قوله: «و لأنّ قصر الثمن على البائعين يقتضي إلى فوات خروج البطون اللاحقة» و هو صحيح أيضا، لأنّ الواقف جعل العين ملكا للطبقات مرتّبا، فلا يختص بدله بالموجودين.

هذا بعض الكلام في حكم عوض الوقف لو بيع، و له تتمة ستأتي، و يقع البحث في المتولّي للبيع.

ص: 660

[المتولّي للبيع هو البطن الموجود]

ثمّ (1) إنّ المتولّي للبيع

______________________________

(1) تقدم في ص (612) أنّ في بيع الوقف- إذا خرب- أمورا، منها: أنّه بعد ثبوت جواز بيعه، هل يكون المتصدّي للبيع خصوص البطن الموجود، أو الحاكم أو غيرهما؟

و غرض المصنف قدّس سرّه تحقيق هذا الأمر، و أنّ ولاية البيع تكون للبطن الموجود بضميمة الحاكم الشرعي الذي يتولّى أمر البطون المتأخرة. و احتمل أن يكون المتولّي هو الناظر الذي عيّنه الواقف إن كان، ثم تأمّل فيه.

و لا بأس بالإشارة إلى الأقوال في المسألة ثم توضيح المتن.

فمنها: التفصيل بين كون الوقف ملكا له تعالى، فالمتولّي للبيع و شراء البدل هو الحاكم، و بين كونه ملكا للموقوف عليه فالمتولي هو الموقوف عليه. و بين كونه ملكا للواقف ففيه وجهان. هذا ما ذكره العلامة قدّس سرّه في شراء عبد بقيمة العبد الموقوف المقتول «1».

و منها: أنّ المتولّي هو الحاكم مطلقا، سواء قلنا بأنّ الملك له تعالى أو للموقوف عليه أو للواقف، لأنّ الحاكم وليّ الكل. و إن تعذّر الحاكم فالولاية للموقوف عليه. قوّاه فخر الإسلام في الإيضاح «2».

و منها: أنّه الناظر الخاص إن كان، و إن تعذّر فالناظر العام، و إن تعذّر فالموقوف عليه. استجوده الشهيد قدّس سرّه في غاية المراد معلّلا له بقوله: «قضيّة للشرط في النظر، و عموم حكم الحاكم على البطون، و أولوية الموقوف عليه» «3».

و منها: أنّه الناظر الخاص إن كان، و إلّا فالحاكم، اختاره المحقق الثاني قدّس سرّه «4».

و عليه فلا ولاية للموقوف عليهم. و حكى صاحب المقابس مثله عن الفاضل السيوري «5».

و منها:. أنّه الناظر الخاص إن كان، أو الموقوف عليه إن كان منحصرا، و إلّا فالناظر العام، و هو صريح الشهيد الثاني قدّس سرّه في المسالك، و لكنه في الروضة جعل ولاية الموقوف

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء، ج 2، ص 443، السطر 2 و 3

(2) إيضاح الفوائد، ج 2، ص 396

(3) غاية المراد، ج 2، ص 442

(4) جامع المقاصد، ج 4، ص 97 و ج 9، ص 79

(5) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

ص: 661

..........

______________________________

عليه مترتبة على عدم الناظر الخاص «1».

و منها: أنّه هو الموقوف عليه مطلقا- أي سواء أمكن تولّي الحاكم أم لا- لأنّ الملك للموقوف عليه، و حقّ الباقين تابع له، فإن تعذّر الموقوف عليه لحجر أو شبهه فالمتولي هو الواقف أو بعض المؤمنين حسبة. و هذا ما احتمله فخر المحققين، و حكى صاحب المقابس عن الفاضل الصيمري اختياره في كتابه الجواهر «2».

و منها: أنّ المباشر هو الحاكم برضاء الموقوف عليه، أو العكس. اختاره المحقق صاحب المقابس، و وافقه المصنف قدّس سرّه في العكس أي كون التولية للبطن الموجود بضميمة الحاكم، فلا يستقل كلّ منهما بالبيع.

و توضيحه: أنّ البيع منوط بكون البائع وليّا عليه إما بالملك غير المحجور عنه، و إمّا بالولاية من قبل الشارع كالأب و الجدّ له، و الحاكم الشرعي، و إمّا من قبل المالك كالمأذون في المعاملة. و الكلام في تعيين من له الولاية في الوقف الخاص الذي جاز بيعه للخراب.

و حيث إنّه ملك فعلي للبطن الموجود، و شأني للمعدوم، فمقتضى سلطنة المالك على التصرف المشروع في ماله هو ثبوت هذا الحقّ للطبقة الحاضرة، إن لم يكن في البين حجر لصغر و نحوه من الموانع. و لكن لا يستقلّ البطن المالك بالبيع، لكون اختصاصه بالعين موقّتا بحياته، و تعلّق حق المعدومين بالمبيع، مع أنّ البيع إعطاء الملكية المرسلة للمشتري. فلا بدّ من ضمّ المتولّي على البطون المعدومة المالكة شأنا للموقوفة، و هو الفقيه الجامع للشرائط المتولّي لأمر الغائب و القاصر و الممتنع، و المعدوم إمّا غائب كما ورد في تعبير العلّامة قدّس سرّه «3»، و إمّا قاصر، و إن كان قصوره من باب السالبة بانتفاء الموضوع، و المناط في ولاية الحاكم حسبة هو منعه عن ضياع حقّ.

فالنتيجة: أنّ المتولّي لتبديل الموقوفة هو البطن الموجود و الحاكم، بحيث يكون نظر كلّ منهما دخيلا في أمر البيع و الشراء، بلا فرق بين تعيين الناظر من قبل الواقف

______________________________

(1) مسالك الأفهام، ج 3، ص 170، الروضة البهية، ج 3، ص 256

(2) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

(3) مختلف الشيعة، ج 6، ص 318.

ص: 662

هو البطن الموجود (1) [1] بضميمة الحاكم القيّم (2) من قبل سائر البطون.

و يحتمل (3) أن يكون هذا (4) إلى الناظر إن كان (5)، لأنّه (6) المنصوب لمعظم الأمور الراجعة إلى الوقف.

______________________________

و عدمه. هذا تقريب مختار المصنف قدّس سرّه و سيأتي احتمال كون التولية للناظر إن كان.

(1) لكونه مالكا بالفعل و إن كانت الملكية محدودة بحياته.

(2) هذا وجه اعتبار ضمّ الحاكم إلى البطن الموجود.

(3) هذا الاحتمال مختار الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم قدّس سرّهم كما سبق في الأقوال.

بل قال السيد العلّامة الاشكوري قدّس سرّه: «يستظهر الإجماع من كاشف الظلام على تقديم الناظر على غيره. و هو لا يخلو عن وجه» «1».

و الوجه في هذا القول هو كون الناظر منصوبا من قبل الواقف لرعاية شؤون الوقف، و إطلاق النظارة يشمل كلّا من التصرف في نفس العين- من إجارة و ترميم و صرف المنافع في الجهة المعيّنة- و من تبديلها عند عروض المسوّغ للبيع، هذا.

(4) أي: تولية البيع.

(5) هذا من الشرط المحقّق للموضوع، إذ بدون نصبه يتعيّن كون المتولّي للبيع هو الموقوف عليه أو الحاكم مستقلا أو منضما، كما تقدّم في الأقوال.

(6) أي: لأنّ الناظر منصوب لمعظم شؤون الوقف، الّتي منها إبقاؤه بنوعه أي ببدله.

______________________________

[1] إن كان هو المتولّي، و إلّا فذلك وظيفة من جعله الواقف متوليا، إن كان إطلاق كلام الواقف شاملا لكل تصرف له حتى ولاية البيع و التبديل عند طروء المسوّغ. و إن لم يكن شاملا له لا ظهورا و لا صراحة فيرجع إلى الحاكم، لأنّه مع الشك في ولايته على مثل هذا التصرف يكون المرجع أصالة الفساد، فلا بدّ من مراجعة الحاكم.

و بالجملة: فالمدار في جواز التصدي للمتولي و عدمه هو ظهور كلام الواقف في تعميم دائرة ولايته و عدمه.

______________________________

(1) بغية الطالب، ج 1، ص 161

ص: 663

إلّا أن يقال (1) بعدم انصراف وظيفته المجعولة من قبل الواقف إلى (2) التصرّف في نفس العين (3).

و الظاهر (4) سقوط نظارته عن بدل الوقف. و يحتمل بقاؤه، لتعلّق حقّه

______________________________

(1) هذا تضعيف للاحتمال المزبور، و محصّله: أنّ سعة دائرة النظارة و ضيقها تابعة للجعل و قبول الناظر، و لا كلام لو قامت قرينة على اختصاصها بالعين، أو شمولها للبدل.

و محل البحث هو استفادة سعة دائرة النظارة من مجرّد قول الواقف: «جعلتك ناظرا للوقف» و ظاهره جعل القيّم على الوقف مع حفظ عنوانه، لا جعل من يتصدّى إزالة الوقف و إبطاله، لفرض كون البيع مبطلا له.

و عليه فلا إطلاق في جعله ناظرا، خصوصا مع كون جواز البيع حكما شرعيّا يثبت للوقف قهرا، و ليس أمره بيد الواقف ليفوّضه إلى الناظر.

(2) متعلق ب «انصراف» و مقصوده التشكيك في إطلاق حقّ النظارة بالنسبة إلى إعدام موضوع النظارة ببيع و شبهه. و هذا التشكيك أشار إليه في المقابس بقوله: «و أمّا في الوقف الخاص ففي شمول النظارة للبيع و الشراء نظر» «1».

(3) مقصوده قدّس سرّه حقّ التصرف في العين ببيعها و تبديلها، فإنّه مشكوك، و الأصل عدمه. و ليس المراد التصرف في شؤون العين كالإيجار و الترميم و إيصال العوائد إلى الموقوف عليهم، لثبوتها للناظر بلا ريب.

(4) هذا متفرع على ما تقدّم من أنّ ولاية البيع هل تكون للموقوف عليه بضميمة الحاكم، أم للناظر؟ و حاصله: أنّه بعد بيع الوقف الذي آل إلى الخراب و تبديله بالمماثل أو بغير المماثل، فهل تسقط نظارة الناظر عن البدل، لاختصاصها بالأصل؟ أم تبقى، فيه وجهان، استظهر المصنف قدّس سرّه السقوط، لأنّ ما أنشأه الواقف هو جعل عين خاصة وقفا، و جعل ناظر لها، و المفروض زوال العنوان بالبيع، و لا دليل على اقتضاء البدلية قيام البدل مقام المبدل في ما كان له من خصوصية.

و على هذا فيكون النظر إلى الموقوف عليه و الحاكم.

______________________________

(1) مقابس الأنوار، كتاب البيع، ص 67

ص: 664

بالعين الموقوفة، فيتعلّق ببدلها (1) [1].

[لو لم يمكن شراء بدله]

ثمّ إنّه لو لم يمكن شراء بدله (2)

______________________________

(1) يعني: فيتعلّق حقّ الناظر ببدل الموقوفة، و ذلك لأنّ العين ملك للموقوف عليهم و متعلّق حقّ الناظر، و كما تصير البدل بالبيع ملكا لهم، فكذا ينتقل حق النظارة إلى البدل أيضا. كما يقال في نظيره من انتقال حقّ الوصاية إلى البدل لو أتلف الموصى به متلف، فإنّ أمره بيد الوصي، و لا يزول حقّه بإعدام العين الموصى بها.

قال المحقق- في الجنابة على مماليك أوصى المولى بأحدهم لشخص- ما لفظه: «فإن قتلوا لم تبطل- أي الوصية- و كان للورثة أن يعيّنوا له- أي للوصي- من شاءوا، أو يدفعوا قيمته إن صارت إليهم، و إلّا أخذها- أي أخذ الوصي القيمة- من الجاني» «1» و علّله في الجواهر بانتقال حقّ الوصية إلى البدل، فراجع «2».

(2) هذا من جملة الأمور المتعلقة بالثمن، فكان المناسب التعرض له قبل تحقيق متولّي البيع.

و كيف كان فكلامه قدّس سرّه هنا يتضمّن فروعا:

الأوّل: أنّ الوقف الخراب إذا بيع بالنقود الرائجة، و تعذّر فعلا شراء المماثل، أو مطلق البدل، فهل يجوز للمتولي دفع الثمن إلى البطن الموجود، أم يوضع عند أمين إلى زمان التمكن من تحصيل البدل؟

______________________________

[1] فيه: أنّ مجرّد الاحتمال غير كاف في جواز التصدي بعد كون مقتضى الأصل الفساد. و الفرق بين المقام و الوصية أن حق الوصاية و إن تعلّق بعين مشخّصة، لكن لا من حيث تشخصها، بل لكونها مالا للموصي فيتعلّق الحقّ بالبدل أيضا، لأنّ ضمان المتلف اعتبار بقائه بما هو مال. بخلاف حقّ النظارة، فإنّه حق في العين بما هي وقف ابتدائي بجعل الواقف، لا بما هي مال، فلا وجه لقيام الحق بالبدل إلا إطلاق البدلية الممنوع.

______________________________

(1) شرائع الإسلام، ج 2، ص 201

(2) جواهر الكلام، ج 28، ص 347، و لاحظ المسالك، ج 5، ص 302 و 303

ص: 665

و لم يكن الثمن ممّا ينتفع به مع بقاء عينه- كالنقدين [1]-

______________________________

الثاني: أنّ البطن الموجود لو طالب- في مدة الانتظار و التفحص عن البدل- شراء ما ينتفع به موقّتا بالبيع الخياري، فهل يجب إجابته؟ أم لا يجب، بل ينتظر وجود البدل الدائم.

الثالث: أنّ الاتّجار بالثمن جائز إن كان صلاحا لجميع البطون؟ أم يتعيّن شراء عين اخرى تكون وقفا بدلا عن المبيع.

و توضيح الفرع الأوّل: أنّ الوقف إذا آل إلى الخراب، فتارة يبدل بعين اخرى ذات منفعة مقصودة، كما إذا عوّضت الدار الخربة بدار عامرة ينتفع الموقوف عليه بسكناها أو بإيجارها، و هذا خارج عن محلّ الكلام، و تقدّم في (ص 643) في قوله: «فإن كان مما يمكن أن يبقى و ينتفع به البطون ابقي».

و اخرى يبدل- أي يباع- بالنقود من الذهب و الفضة المسكوكين، و الأنواط الرائجة. و حيث إن مقصود الواقف تسبيل منفعة العين أعمّ من شخصها و نوعها، و لا منفعة يعتدّ بها في مثل الذهب و الفضة- لندرة مثل التزيّن- فإن أمكن تبديل الثمن بعين اخرى تعيّن ذلك إبقاء للوقف، إمّا لكونه أقرب إلى غرض الواقف كما قال به جمع، و إما لكونه أصلح بحال الموقوف عليهم كما نبّه عليه المصنف قدّس سرّه في (ص 644).

و إن لم يمكن شراء بدل، لعدم وجوده فعلا، و لكن توقّع حصوله بعد مدّة، وجب وضع الثمن عند أمين، و لم يجز دفعه إلى البطن الموجود، ليتصرّف فيه على حدّ تصرفه في نفس الموقوفة، و ذلك لكون الثمن مشتركا بين جميع البطون، لتعلق حق الطبقات اللاحقة به، و لا سلطنة للموجودين عليه، و إنّما كانت سلطنة الانتفاع بالمبدل، فدفع إليهم للانتفاع به بلا مزاحم، و كذلك لهم السلطنة على البدل. و لكن المفروض أن الثمن لا منفعة فيه ليثبت سلطنتهم عليه، و يجب دفعه إليهم لذلك.

______________________________

[1] قد يتوهم وقفية نفس النقدين بأن يتّجر بهما، و يكون الربح للموقوف عليهم.

لكنه فاسد، لعدم صدق حدّ الوقف- و هو كون الموقوف عينا ينتفع بها مع بقائها- عليه، و من المعلوم أنّ النقدين ليس كذلك، بل يقعان في صراط الوقف.

ص: 666

فلا يجوز (1) دفعه (2) إلى البطن الموجود، لما (3) عرفت من كونه (4) كالمبيع مشتركا بين جميع البطون. و حينئذ (5) فيوضع عند أمين حتّى يتمكّن (6) من شراء ما ينتفع به

______________________________

(1) جواب الشرط في «لو لم يكن» و قد تقدم أنّ حرمة دفع الثمن للبطن الموجود منوطة بأمرين:

أحدهما: عدم الانتفاع بنفسه ذهبا أو نوطا.

و ثانيهما: رجاء حصول البدل أو الاطمئنان به، و هذا يستفاد من قوله: «حتى يتمكن من شراء ما ينتفع به» لبعد شموله لمورد اليأس من حصوله.

(2) تقدم أنّ المراد من الدفع المحرّم هو وقوع الثمن تحت يده في مدّة الانتظار و إمساكه لينتفع به. و وجه عدم الجواز عدم سلطنته عليه.

و ليس المراد من الدفع أن يكون الثمن للبطن الموجود خاصة. و ذلك لوضوح بطلانه، لعدم كونه ملكا طلقا له حتى يجوز التصرف فيه كيف ما شاء.

و الحاصل: أنّ الغرض حرمة إعطاء الثمن للبطن الموجود لينتفع بعوائده في مدة التفحّص عن المماثل. أما لو لم يتصرف فيه و كان أمينا في حفظه فهو كسائر الأمناء.

(3) تعليل لعدم جواز الدفع، و قد أوضحناه آنفا.

(4) أي: كون الثمن. و لكن الفارق بينه و بين المبيع أنّ المبيع- كالدار الموقوفة- و إن اشترك البطون فيه، لكن للبطن الموجود حقّ الانتفاع، فلا بدّ من تسلّطه على العين، بخلاف الثمن، إذ لم يسبّل منفعته ليستحق الانتفاع به و التسلّط عليه.

(5) أي: و حين عدم جواز دفع الثمن إلى البطن الموجود فيتعيّن على متولّي البيع وضع الثمن عند أمين.

(6) يعني: أنّ وضع الثمن عند أمين يعمّ صورتين: إحداهما: أن لا يحصل في مدة التفحص عن البدل مماثل للوقف ليشترى سواء وجد بدل موقّت ببيع خياري أم لا.

ثانيتهما: أن يحصل في تلك المدة مماثل موقّت، كما إذا بيعت الدار الخربة بخمسمائة دينار، و لم يف هذا الثمن بدار مماثلة تباع بالبيع اللازم، و لكن وجد من يبيع داره بخمسمائة دينار بخيار إلى سنة مثلا، فيشتريها المتولّي و ينتفع بها البطن الموجود. فإن فسخ البائع ردّ الثمن و يوضع عند الأمين كما كان. و إن أمضى البيع قام البدل مقام المبدل،

ص: 667

و لو (1) مع الخيار إلى مدّة.

و لو طلب ذلك (2) البطن الموجود فلا يبعد وجوب إجابته (3)، و لا يعطّل (4) الثمن حتّى يوجد ما يشترى به من غير خيار (5).

نعم (6) لو رضي الموجود بالاتّجار به و كانت المصلحة في التجارة،

________________________________________

فينتفع به الموجودون و المعدومون.

(1) و الفرد الآخر هو التمكن من الشراء اللازم لا الخياري، فيؤخذ الثمن من الأمين حينئذ.

(2) يعني: و لو طلب البطن الموجود- من المتولّي- شراء عين مع الخيار لم يبعد وجوب إجابته. و هذا هو الفرع الثاني المتقدم في (ص 666). و الوجه في وجوب قبول الطلب أنّ الانتفاع بالبدل الموقّت- في مدة الخيار- حقّ له بالخصوص من غير مزاحم، فله اشتراء ما ينتفع به بالبيع الخياري. و لو خولف كان تعطيل الثمن تضييعا لحقّ البطن الموجود، و تفويت منفعة عليه بلا عذر.

فإن فسخ البائع فقد تحقق غرض الواقف من حبس العين- الشامل للشخص و النوع- و تسبيل الثمرة، و إن كان موقتا لا دائما. و يعود الثمن كما كان ينتفع به الكلّ.

و إن لم يفسخ كان البيع بالنسبة إلى البطن الموجود لازما. و إذا وصلت النوبة إلى البطن اللّاحق جاز الإبقاء و التبديل، لأنّ حرمة بيع الوقف مختصة بالوقف الابتدائي، كما تقدم في (ص 647) و لا تسري إلى الأبدال. و عليه فلا يلزم ضرر على البطون المتأخرة لو اشتري بثمن الوقف بدل بالبيع الخياري.

(3) أي: إجابة طلب البطن الموجود.

(4) لأنّ تعطيل الثمن عند الأمين تضييع لحقّ الموقوف عليهم.

(5) أي: بالبيع اللازم ليكون بدلا دائما عن الموقوفة.

(6) هذا هو الفرع الثالث ممّا يترتب على تعذّر البدل، و حاصله: أنّه لو وافق البطن الموجود في الاتّجار بثمن الوقف المبيع في مدّة الانتظار- إلى أن يتمكن المتولّي من شراء البدل- جاز ذلك بشرط كون الاتجار صلاحا للموقوف عليهم، لأنّ الثمن- كالوقف- ملك لهم، و مقتضى قاعدة السلطنة هو الجواز برضاهم، بشرط رعاية مصلحتهم.

ص: 668

جاز مع المصلحة (1) إلى أن يوجد البدل (2). و الرّبح تابع (3) للأصل، و لا يملكه (4)

______________________________

و حينئذ فالربح العائد من التجارة هل يكون مختصّا بالبطن الموجود، كمنفعة الموقوفة قبل بيعها، أم مشتركا بين جميع الطبقات كنفس الثمن غير المختص بالموجودين؟

وجهان، اختار المصنف الثاني، لوجود المقتضي للتعميم، و فقد المانع عنه.

أمّا وجود المقتضي، فلأنّ الثمن بدل الموقوفة المشتركة بين البطون، و مجموع ما اشتري بالثمن و بيع بأزيد منه وقع بإزاء الثمن الذي هو بدل الوقف، فلا محالة يعمّ جميع الطبقات. كما إذا بيع الوقف الخراب بمائة دينار، و اتّجر المتولي بالثمن، فاشترى به متاعا فباعه بمأتين، فإنّ حال المجموع من الثمن و الربح- أعني المأتين- حال نفس الثمن المفروض كونه مائة، و كان للبطون، و كذا المتاع المشتري به، و كذا المائتان اللتان هما بدل المتاع، لاقتضاء البدلية ثبوت اختصاصات المبدل للبدل، على ما تقدم تفصيله في (ص 636) فيكون وقفا.

و أمّا فقد المانع، فلأنّ ما يتوهّم كونه مانعا عن الاشتراك هو قياس هذا الربح بفوائد نفس الموقوفة، بأن يقال: إنّ البطن الموجود لو آجر الدار سنة بمائة دينار كانت الأجرة مختصة به، و لا حقّ لسائر البطون فيها. و كذا لو أوقف حيوانا على البطون، فأنتج، فإنّ النتاج ملك لخصوص الطبقة الحاضرة.

و لكن القياس مع الفارق، لأنّ الواقف جعل منفعة العين الموقوفة مختصة بكلّ واحد من البطون مدة حياته، و لا وجه لشركة الجميع فيها. و هذا بخلاف الربح الحاصل بالتجارة بثمن الوقف، لعدم كون الزيادة منفعة لنفس الموقوفة، بل لبدلها، فيجري عليها حكم البدل من كونه ملكا فعليا للموجود و شأنيا للمعدوم. بمقتضى البدلية، و لا وجه للتبعيض، بجعل ما يعادل أصل الثمن مشتركا بين الكل، و ما زاد عليه مختصا بالموجودين.

(1) الظاهر زيادة هذه الكلمة، للاستغناء عنها بقوله: «و كانت المصلحة».

و يحتمل بعيدا أن تكون «المصلحة» قيدا للتجارة بقاء إلى أن يوجد البدل.

فالمصلحة في قوله: «و كانت المصلحة» قيد للتجارة حدوثا، و هنا قيد لها بقاء، فتدبّر.

(2) فبمجرد التمكن من تحصيل البدل لا يجوز التجارة و إن كانت مربحة.

(3) لكونه ربحا للثمن المشترك بين الجميع.

(4) يعني: و لا يملك الموجودون الربح ملكا طلقا، كما كانت منفعة نفس العين الموقوفة ملكا طلقا للموجودين.

ص: 669

الموجودون، لأنّه (1) جزء من المبيع، و ليس كالنماء الحقيقي (2).

[لا فرق في عروض الخراب للكل و البعض]

ثمّ لا فرق في جميع ما ذكرنا (3) من جواز البيع مع خراب الوقف بين عروض

______________________________

(1) أي: لأن الربح، توضيحه: أنّ النماء الحقيقي يكون من باب التوالد، فإنّ الثمرة تتولّد من الشجرة، بخلاف الربح، فإنّه أمر اعتباري، مثلا: إذا اشترى بثمن الوقف- الذي هو ماءة دينار- عشرين طغارا من التمر، فإذا فرض ارتفاع قيمة التمر بحيث صارت مالية عشرين طغارا مأتي دينار، فالربح- و هو عشرة طغارات- أمر اعتباري محض، إذ المفروض أنّه جزء المبيع الذي هو بدل الثمن، و ليس غيره و متولّدا منه. بخلاف الثمرة كما عرفت.

(2) في كونه ثمرة مسبّلة من قبل الواقف مختصة بمن وجد من البطون. هذا ما يتعلّق بالفروع الثلاثة المترتبة على تعذر شراء بذل الوقف فورا.

(3) كان موضوع ما تقدّم من جهات البحث في الصورة الاولى- إلى هنا- هو خراب العين الموقوفة و سقوطها عن المنفعة المعتدّ بها. و يقع البحث في حكم خراب بعض الوقف و بقاء بعضه عامرا قابلا لانتفاع البطن الموجود به، و له صورتان:

فتارة يكون عمارة النصف فالباقي بحيث يستعدّ البقاء لينتفع به البطن اللاحق.

و اخرى يكون بحيث يمكن انتفاع البطن الموجود به خاصة، و يخرب بعده.

و الكلام فعلا في الصورة الأولى، كما لو انهدم نصف الدار الموقوفة، و بقي نصفه الآخر عامرا قابلا للسكنى فيه فعلا، من دون أن يتوقف استيفاء المنفعة- المقصودة للواقف- منه على صرف ثمن ذلك النصف فيه، و لا إشكال في جواز بيع الخراب، و شراء دار اخرى- و إن كانت صغيرة- لينتفع بها، تحقيقا لغرض الواقف، كما كان جواز البيع و التبديل حكم سقوط كلّ الموقوفة عن المنفعة.

و لكن يفترق خراب البعض عن خراب الكلّ بجواز صرف ثمن البعض بأحد نحوين:

الأوّل: صرفه في إعمار ما بقي بإحداث غرفة أخرى أو طابق مستقل بحيث يكون موجبا لتوفير منفعة هذا النصف الباقي. كما إذا كانت أجرته قبل الصرف خمسين دينارا، و بعده سبعين دينارا، و كانت منفعة دار صغيرة اخرى- لو اشتريت بثمن النصف

ص: 670

الخراب لكلّه أو بعضه، فيباع البعض المخروب و يجعل بدله ما يكون وقفا (1).

و لو كان (2) صرف ثمنه في باقيه (3) بحيث (4) يوجب زيادة منفعة [منفعته] جاز (5) مع رضا الكلّ،

______________________________

الخراب،- عشرة دنانير، إذ من المعلوم أنّ غرض الواقف من حبس الدار و تسبيل منفعتها و هي السكنى أو الانتفاع باجرتها يحصل بشراء دار مستقلّة، و بصرف الثمن في مصلحة النصف الباقي، مع فرض زيادة المنفعة في الثاني.

نعم يشترط في جواز صرف الثمن في النصف الباقي أمران:

أحدهما: زيادة المنفعة على ما يحصل بشراء بدل للنصف الخراب.

و ثانيهما: رضا الموقوف عليهم بهذا النحو من الصرف، و عدم شراء بدل مستقلّ.

و الدليل على اعتبار رضاهم كون ثمن النصف الخراب ملكا لهم، فلهم التصرف فيه بما يرونه من المصلحة.

النحو الثاني: صرف الثمن في عين أخرى موقوفة على نفس هذه الطبقات بحيث تزداد نفعا. و ذلك بشرطين:

أحدهما: كون جهة الوقف في كلتيهما واحدة، كما إذا كانت تلك دارا لسكنى البطون أو للانتفاع باجرتها. فلو كانت الموقوفة الأخرى دكانا أو خانا أو حمّاما لم يجز صرف ثمن نصف الدار فيها و إن اتّحد المنتفع بكلا الوقفين.

ثانيهما: رضا جميع أفراد البطن الموجود بالصرف المزبور.

(1) كما كان في خراب الكلّ. و ما تقدم فيه- من عدم حاجة وقفية البدل إلى تجديد صيغة الوقف، و من كونه كالمبدل ملكا فعليا للبطن الموجود و شأنيا للمعدوم، و من كون المتولّي للبيع هو الطبقة الحاضرة بضميمة الحاكم، و غير ذلك من الأحكام- جار في خراب البعض، لوحدة المناط.

(2) هذا إشارة إلى امتياز خراب البعض بجواز صرف الثمن بأحد نحوين، و عدم تعيّن التبديل بعين أخرى.

(3) أي: في باقي الوقف، كما تقدّم آنفا من انهدام نصف الدار، و بقاء نصفها الآخر.

(4) هذا إشارة إلى أوّل الشرطين.

(5) جواب الشرط في «و لو كان» و قوله: «مع رضا الكل» إشارة إلى الشرط

ص: 671

لما عرفت (1) من كون الثمن ملكا للبطون، فلهم التصرف فيه على ظنّ المصلحة.

و منه (2) يعلم جواز صرفه في وقف آخر عليهم على (3) نحو هذا الوقف، فيجوز صرف ثمن ملك مخروب في تعمير وقف آخر عليهم (4).

و لو خرب (5) بعض الوقف،

______________________________

الثاني. و المراد من الكلّ الحاكم الشرعي الولي على المعدومين، و كبار البطن الموجود، فلو كان فيهم صغير كان الحاكم وليّا عليه أيضا.

(1) تعليل لجواز صرف ثمن المبيع في إعمار ما بقي من الوقف بالشرطين المتقدمين، و محصله: أنّ الثمن كالمثمن ملك البطون، فيجوز للبطن الموجود- بضميمة الحاكم- التصرف فيه بما هو صلاح له و للبطون اللاحقة.

(2) أي: و من جواز صرف ثمن البعض- المبيع- بالشرطين المزبورين يعلم جواز صرف الثمن في مورد آخر، و هو ما تقدم توضيحه بقولنا: «النحو الثاني: صرف الثمن في عين أخرى ..».

(3) صفة ل «وقف آخر» و غرضه الإشارة إلى أوّل الشرطين، و أنّه لا يكفي في جواز صرف الثمن في وقف آخر كون كليهما موقوفين على هذه البطون، بل لا بدّ من اتحادهما نوعا، كدارين، أو خانين، و هكذا.

و لم يصرّح المصنف بالشرط الثاني- و هو رضا الموجودين و الحاكم- تعويلا على وضوحه، و استفادته من قوله: «و منه يعلم».

(4) أي: كان الموقوف عليه في الوقف الأوّل- الذي بيع نصفه الخراب- و في الوقف الثاني واحدا.

(5) هذا ما أشرنا إليه من الصورة الثانية، و هي خراب نصف الوقف، و كون النصف الباقي العامر فعلا ممّا لا يبقى إلى زمان البطن اللّاحق، كما إذا كان اقتضاء بقاء عمارته عشرين سنة، و ينقرض البطن الموجود في هذه المدة، فيسقط عن حيّز الانتفاع في زمان انتقاله إلى البطن اللاحق، فهل يجب فعلا صرف ثمن النصف الخراب في مصلحة النصف العامر و ترميمه، ليستمرّ عمرانه و تتمكن الطبقة المتأخرة من الانتفاع به،

ص: 672

و خرج (1) عن الانتفاع، و بقي بعضه محتاجا إلى عمارة لا يمكن (2) بدونها انتفاع البطون اللّاحقة، فهل (3) يصرف ثمن المخروب (4) إلى (5) عمارة الباقي و إن لم يرض (6) البطن الموجود (7)؟ وجهان (8) [1]

______________________________

أم لا يجب هذا الصرف، فلهم الانتفاع بالنصف العامر، و تبديل ثمن النصف الخراب بعين اخرى، و لا يجب حفظ الوقف للبطون اللاحقة لينتفعوا به؟ وجهان، و لم يرجّح المصنف قدّس سرّه هنا أحدهما، و لكنّه قوّى الثاني في الصورة العاشرة بزيادة قيد، و هو عدم اشتراط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه. فلو اشترط الواقف ذلك وجه صرف الثمن في مصلحة النصف العامر ليبقى إلى زمان البطن اللّاحق. و هذا في الحقيقة وجه ثالث، و سيأتي في الصورة العاشرة التعرض له إن شاء اللّه تعالى.

(1) أي: خرج بعض الوقف- بسبب الخراب- عن انتفاع البطن الموجود.

(2) الجملة صفة ل «عمارة» أي: عمارة النصف الباقي تكون رعاية للبطن اللاحق، و إلّا فانتفاع الموجودين غير متوقف على إعماره.

(3) الجملة جواب الشرط في قوله: «و لو خرب».

(4) أي: ثمن البعض المخروب بعد بيعه.

(5) متعلق ب «يصرف» و المراد بالباقي هو البعض الباقي، كنصف الموقوفة أو ثلثها أو ربعها.

(6) أي: لم يرض بهذا الصرف، بأن أراد تبديل ثمن الخراب بعين اخرى ينتفع بها كما ينتفع بالبعض العامر من الوقف.

(7) لم يذكر المصنف عدلا لوجوب الصرف، اتكالا على وضوحه، و التقدير:

أم لا يصرف بدون رضى البطن الموجود.

(8) لدوران الأمر بين عدم انتفاع البطن الموجود بالجزء البائر بتبديله بما ينتفع به، و المفروض أنّ جواز بيع الخراب مبني على كونه ملكا للبطن الموجود فعلا، و إطلاق

______________________________

[1] أوجههما وجوب الصرف، لعدم اختصاص الثمن بالموجودين، و عدم انتفاع البطن الموجود بالثمن حينئذ لا ضير فيه بعد أن كان ذلك لاحتياج نفس الموقوف إلى التعمير

ص: 673

آتيان (1) فيما إذا احتاج إصلاح الوقف- بحيث (2) لا يخرج عن قابليّة انتفاع البطون اللاحقة- إلى (3) صرف منفعته الحاضرة التي يستحقّها البطن الموجود، إذا لم (4) يشترط الواقف [1]

______________________________

«الناس مسلّطون على أموالهم» يقتضي جواز صرف الثمن في مصالح نفسه، و لا ملزم له لصرف الثمن في عمارة ما بقي من الوقف رعاية لحال البطون المتأخرة. و عليه فلا يجب الصرف المزبور.

و بين عدم انتفاع البطن اللاحق بالعين، مع تعلق غرض الواقف بتسبيل منفعتها للطبقات على السواء. و عليه فيجب على الموجود إعمار الباقي.

(1) قال في الصورة العاشرة: «و لو دار الأمر بين بيعه و الإبدال به، و بين صرف منفعته الحاصلة مدّة من الزمان لتعميره، ففي ترجيح حقّ البطن الذي يفوته المنفعة، أو حقّ الواقف و سائر البطون المتأخرة، المتعلّق بشخص الوقف؟ وجهان، لا يخلو أوّلهما عن قوّة إذا لم يشترط الواقف إصلاح الوقف من منفعته مقدّما على الموقوف عليه».

(2) صفة للوقف المحتاج إلى الإصلاح.

(3) متعلق ب «احتاج» و المراد بالمنفعة الحاضرة ما يعود إلى البطن الموجود بتبديل الثمن بعين اخرى ينتفع بها.

(4) قيد ل «الوجهين الآتيين» يعني: أنّ مورد احتمال الوجهين في تلك المسألة- و هي قسمة عوائد الوقف على الموقوف عليهم بعد إخراج المؤن من منافعه- هو عدم اشتراط الواقف. و أما مع شرطه فالمتعيّن صرف فوائد الوقف في مئونته.

______________________________

لزوم صرف المنفعة الحاضرة في إصلاح الوقف، فإنّ حفظ تأبيد الوقف أهمّ من حق البطن الموجود الموجب مراعاته لذهاب حقوق البطون اللاحقة.

[1] يمكن أن يقال: إنّ حقوق البطون متأخرة عمّا يرجع إلى حفظ نفس الوقف، لأنّ بقاءه بمنزلة الموضوع لحقوقهم، و البقاء موقوف على صرف مئونة فيه، فتخرج المئونة أوّلا، ثمّ تقسّم عوائده على الموقوف عليهم ثانيا.

و على هذا فتصرف المنفعة الحاضرة في إصلاح الوقف، فتأمّل.

ص: 674

إخراج مئونة الوقف عن منفعته قبل قسمته (1) في الموقوف عليهم.

و هنا فروع أخر (2) يستخرجها الماهر بعد التأمّل.

______________________________

و هكذا في المقام، فيجب صرف ثمن بعض الوقف في إعمار بعضه الآخر.

(1) كذا في النسخ، و الأولى «قسمتها» لرجوع الضمير إلى المنفعة.

(2) منها: أنّه بناء على وجوب شراء المماثل إذا لم يكن الثمن وافيا بشراء مماثل تام، و دار بين شراء ناقص منه، و بين شراء تامّ من غيره، فهل يقدّم المماثل الناقص أم التام من غيره؟

و منها: أنّه إذا زاد الثمن عن المماثل، فهل يصرف الزائد في شراء مماثل ناقص، لعدم وفائه بمماثل تامّ؟ أم في شراء تام غير مماثل.

و منها: أنّه إذا كان شراء المثل صلاحا للموجودين، و شراء غيره صلاحا للمعدومين، فهل يرجّح حق الموجودين أم حق المعدومين؟

و منها: أنّه إذا كان المثل صلاحا للمعدومين، و لكن كان صلاحا في الجملة للموجودين، كما إذا كانت عوائد المثل في جزء من الزمان- كسنتين مثلا- قليلة، و فيما بعده تصير كثيرة، بحيث ينتفع بها الموجودون انتفاعا معتدّا به، فهل يصرف الثمن في شراء هذا المثل؟ أم يصرف في شراء تامّ غير مماثل.

و منها: ما إذا كان المماثل بعيدا عن محل الموقوف عليهم مع كون غير المماثل قريبا بمكانهم و أعود بحالهم، فالمصلحة في كلّ منهما موجودة، غايته أنّ غير المماثل أنفع و أصلح لهم، فهل يجب شراؤه أم شراء المماثل؟

إلى غير ذلك من الفروع المتصورة في هذا المقام.

هذا تمام الكلام في اولى صور بيع الوقف.

ص: 675

ص: 676

صورة

ص: 677

صورة

ص: 678

صورة

ص: 679

صورة

ص: 680

صورة

ص: 681

صورة

ص: 682

صورة

ص: 683

صورة

ص: 684

صورة

ص: 685

صورة

ص: 686

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.